الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل7%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 510

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156482 / تحميل: 5909
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الآخرة شريفا خير من أن يكون في الدنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا ، ومن يخيّر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة.

فتعجّبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فاعطي الحكمة ، فانتبه يتكلّم بها»(١) .

٢ ـ صور من حكمة لقمان

لقد ذكر بعض المفسّرين بعضا من كلمات لقمان الحكيمة مناسبة للمواعظ التي وردت في آيات هذه السورة ، ونحن نذكر هنا مختصرا منها :

أ ـ كان لقمان يقول لابنه : يا بني ، إنّ الدنيا بحر عميق ، وقد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله ، واجعل شراعها التوكّل على الله ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك(٢) .

وقد ورد نفس هذا المطلب ضمن كلام الإمام الكاظمعليه‌السلام مع هشام بن الحكم بصورة أكمل ، نقلا عن لقمان الحكيم : «يا بنيّ ، إنّ الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيها عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكّل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكّانها الصبر»(٣) .

ب ـ وفي حوار آخر مع ابنه حول آداب السفر يقول :

يا بنيّ ، سافر بسيفك وخفّك وعمامتك ، وخبائك وسقائك ، وخيوطك ومخرزك ، وتزوّد معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقا إلّا في معصية اللهعزوجل .

يا بنيّ ، إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم.

__________________

(١) مجمع البيان الجزء ٨ صفحة ٣١٦ ذيل الآية مورد البحث.

(٢) مجمع البيان. ذيل الآية مورد البحث.

(٣) اصول الكافي ، المجلّد الأوّل ، صفحة ١٣ كتاب العقل والجهل.

٤١

وأكثر التبسّم في وجوههم.

وكن كريما على زادك بينهم.

وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم.

واستعمل طول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد.

وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم.

واجهد رأيك إذا استشاروك ، ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد ، وتنام وتأكل وتصلّي ، وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورته ، فإنّ من لم يمحض النتيجة من استشاره سلبه الله رأيه.

وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، فإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم.

واسمع لمن هو أكبر منك سنّا.

وإذا أمروك بأمر ، وسألوك شيئا فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنّ (لا) عي ولؤم.

يا بنيّ ، إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء ، صلّها واسترح منها فإنّها دين.

وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ.

وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتّى تبتدئ فتتصدّق منه فافعل.

وعليك بقراءة كتاب الله(١) .

ج ـ وثمّة قصّة معروفة أيضا عن لقمان ، وهي أنّ مولاه دعاه ـ يوم كان عبدا ـ فقال : اذبح شاة ، فأتني بأطيب مضغتين منها ، فذبح شاة ، وأتاه بالقلب واللسان.

وبعد عدّة أيّام أمره أن يذبح شاة ، ويأتيه بأخبث أعضائها ، فذبح شاة وأتاه بالقلب واللسان ، فتعجّب وسأله عن ذلك فقال : إنّ القلب واللسان إذا طهّرا فهما أطيب من كلّ شيء ، وإذا خبثا كانا أخبث من كلّ شيء(٢) .

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تفسير البيضاوي والثعلبي ، ولكن نقل في مجمع البيان جزءه الأوّل فقط.

٤٢

وننهي هذا البحث بحديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «والله ما اوتي لقمان الحكمة لحسب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال ، ولكنّه كان رجلا قويّا في أمر الله ، متورّعا في الله ، ساكتا سكينا عميق النظر ، طويل التفكّر ، حديد البصر.

ولم ينم نهارا قطّ ـ أي أوّله ـ ولم يتكئ في مجلس قطّ ـ وهو عرف المتكبّرين ـ ولم يتفل في مجلس قوم قطّ ، ولم يعبث بشيء قطّ ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ ، ولا على اغتسال لشدّة تستّره وتحفّظه في أمره.

ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلّا أصلح بينهما ، ولم يسمع قولا استحسنه من أحد قطّ إلّا سأله عن تفسيره وعمّن أخذه ، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء ، ويتعلّم من العلوم ما يغلب به نفسه ، ويجاهد به هواه ، وكان لا يظعن إلّا

* * *

__________________

(١) مجمع البيان بتلخيص.

٤٣

الآيات

( يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) )

التّفسير

أثبت كالجبل ، وعامل الناس بالحسنى!

كانت اولى مواعظ لقمان عن مسألة التوحيد ومحاربة الشرك ، وثانيتها عن حساب الأعمال والمعاد ، والتي تكمّل حلقة المبدأ والمعاد ، فيقول :( يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ ) أي في يوم القيامة ويضعها للحساب( إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) .

٤٤

«الخردل» : نبات له حبّات سوداء صغيرة جدّا يضرب المثل بصغرها ، وهذا التعبير إشارة إلى أنّ أعمال الخير والشرّ مهما كانت صغيرة لا قيمة لها ، ومهما كانت خفيّة كخردلة في بطن صخرة في أعماق الأرض ، أو في زاوية من السماء ، فإنّ الله اللطيف الخبير المطّلع على كلّ الموجودات ، صغيرها وكبيرها في جميع أنحاء العالم ، سيحضرها للحساب والعقاب والثواب ، ولا يضيّع شيء في هذا الحساب.

والضمير في «إنّها» يعود إلى الحسنات والسيّئات ، والإحسان والإساءة(١) .

إنّ الالتفات والتوجّه إلى هذا الاطّلاع التامّ من قبل الخالق سبحانه على أعمال الإنسان وعلمه بها ، وبقاء كلّ الحسنات والسيّئات محفوظة في كتاب علم الله ، وعدم ضياع وتلف شيء في عالم الوجود هذا ، هو أساس كلّ الإصلاحات الفرديّة والاجتماعية ، وهو قوّة وطاقة محرّكة نحو الخيرات ، وسدّ منيع من الشرور والسيّئات. وذكر السماوات والأرض بعد بيان الصخرة ، هو في الواقع من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ.

وفي حديث روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «اتّقوا المحقّرات من الذنوب ، فإنّ لها طالبا ، يقول أحدكم : أذنب وأستغفر ، إنّ اللهعزوجل يقول :( نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) . وقالعزوجل :( إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) (٢) .

وبعد تحكيم أسس المبدأ والمعاد ، والتي هي أساس كلّ الإعتقادات الدينيّة ، تطرّق لقمان إلى أهمّ الأعمال ، أي مسألة الصلاة ، فقال :( يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ) لأنّ الصلاة أهمّ علاقة وارتباط مع الخالق ، والصلاة تنوّر قلبك ، وتصفّي روحك ، وتضيء حياتك ، وتطهّر روحك من آثار الذنب ، وتقذف نور الإيمان في أنحاء

__________________

(١) احتمل البعض أنّ الضمير أعلاه ضمير الشأن والقصّة ، أو يعود إلى مفهوم الشرك ، وكلا الاحتمالين بعيد.

(٢) نور الثقلين ، الجزء ٤ ، صفحة ٢٠٤.

٤٥

وجودك ، وتمنعك عن الفحشاء والمنكر.

وبعد الصلاة يتطرّق لقمان إلى أهمّ دستور اجتماعي ، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيقول :( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .

وبعد هذه الأوامر العمليّة المهمّة الثلاثة ، ينتقل إلى مسألة الصبر والاستقامة ، والتي هي من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فيقول :( وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .

من المسلّم أنّه توجد مشاكل وعقبات كثيرة في سائر الأعمال الاجتماعية ، وخاصّة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن المسلّم أيضا أنّ أصحاب المصالح والمتسلّطين ، والمجرمين والأنانيّين لا يستسلمون بهذه السهولة ، بل يسعون إلى إيذاء واتّهام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ولا يمكن الإنتصار على هذه المصاعب والعقبات بدون الصبر والتحمّل والاستقامة أبدا.

«العزم» بمعنى الإرادة المحكمة القويّة ، والتعبير بـ( عَزْمِ الْأُمُورِ ) هنا إمّا بمعنى الأعمال التي أمر الله بها أمرا مؤكّدا ، أو الأمور والأعمال التي يجب أن يمتلك الإنسان فيها إرادة فولاذية وتصميما راسخا ، وأيّا من هذين المعنيين كان فإنّه يشير إلى أهميّة تلك الأعمال.

والتعبير بـ «ذلك» إشارة إلى الصبر والتحمّل ، ويحتمل أيضا أن يعود إلى كلّ الأمور والمسائل التي ذكرت في الآية أعلاه ، ومن جملتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلّا أنّ هذا التعبير قد ورد بعد مسألة الصبر في بعض الآيات القرآنية الاخرى ، وهذا يدعم ويقوّي الاحتمال الأوّل.

ثمّ انتقل لقمان إلى المسائل الأخلاقية المرتبطة بالناس والنفس ، فيوصي أوّلا بالتواضع والبشاشة وعدم التكبّر ، فيقول :( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي لا تعرض بوجهك عن الناس( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) .

٤٦

«تصعّر» : من مادّة (صعّر) ، وهي في الأصل مرض يصيب البعير فيؤدّي إلى اعوجاج رقبته.

و «المرح» : يعني الغرور والبطر الناشئ من النعمة.

و «المختال» : من مادّة (الخيال) و (الخيلاء) ، وتعني الشخص الذي يرى نفسه عظيما وكبيرا ، نتيجة سلسلة من التخيّلات والأوهام.

و «الفخور» : من مادّة (الفخر) ويعني الشخص الذي يفتخر على الآخرين.

والفرق بين كلمتي المختال والفخور ، أنّ الاولى إشارة إلى التخيّلات الذهنيّة للكبر والعظمة ، أمّا الثّانية فهي تشير إلى أعمال التكبّر الخارجي.

وعلى هذا ، فإنّ لقمان الحكيم يشير هنا إلى صفتين مذمومتين جدّا وأساس توهين وقطع الروابط الاجتماعية الصميميّة : إحداهما التكبّر وعدم الاهتمام بالآخرين ، والاخرى الغرور والعجب بالنفس ، وهما مشتركتان من جهة دفع الإنسان إلى عالم من التوهّم والخيال ونظرة التفوّق على الآخرين ، وإسقاطه في هذه الهاوية ، وبالتالي تقطعان علاقته بالآخرين وتعزلانه عنهم ، خاصّة وأنّه بملاحظة الأصل اللغوي لـ «صعّر» سيتّضح أنّ مثل هذه الصفات مرض نفسي وأخلاقي ، ونوع من الانحراف في التشخيص والتفكير ، وإلّا فإنّ الإنسان السالم من الناحية الروحية والنفسية لا يبتلى مطلقا بمثل هذه الظنون والتخيّلات.

ولا يخفى أنّ مراد لقمان لم يكن مسألة الإعراض عن الناس ، أو المشي بغرور وحسب ، بل المراد محاربة كلّ مظاهر التكبّر والغرور ، ولمّا كانت هذه الصفات تظهر في طليعة الحركات العاديّة اليوميّة ، فإنّه وضع إصبعه على مثل هذه المظاهر الخاصّة.

ثمّ بيّن في الآية التالية أمرين وسلوكين أخلاقيين إيجابيّين في مقابل النهيين عن سلوكين سلبيين في الآية السابقة فيقول : ابتغ الاعتدال في مشيك :( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) وابتغ الاعتدال كذلك في كلامك ولا ترفع صوتك عاليا( وَاغْضُضْ مِنْ

٤٧

صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) (١) .

إنّ هاتين الآيتين في الحقيقة أمرتا بصفتين ، ونهتا عن صفتين :

فالنهي عن «التكبّر» و «العجب» ، فإنّ أحدهما يؤدّي إلى أن يتكبّر الإنسان على عباد الله ، والآخر يؤدّي إلى أن يظنّ الإنسان أنّه في مرتبة الكمال وأسمى من الآخرين ، وبالتالي سيغلق أبواب التكامل بوجهه ، وإن كان لا يقارن بينه وبين الآخرين.

وبالرغم من أنّ هاتين الصفتين مقترنتان غالبا ، ولهما أصل مشترك ، إلّا أنّهما قد تفترقان أحيانا.

أمّا الأمر بصفتين ، فهما رعاية الاعتدال في العمل والكلام ، لأنّ التأكيد على الاعتدال في المشي أو إطلاق الصوت هو من باب المثال في الحقيقة.

والحقّ أنّ الإنسان الذي يتّبع هذه النصائح الأربع موفّق وسعيد وناجح في الحياة ، ومحبوب بين الناس ، وعزيز عند الله.

وممّا يستحقّ الانتباه أنّ من الممكن أن نسمع أصواتا أزعج من أصوات الحمير في محيط حياتنا ، كصوت سحب بعض القطع الفلزّية إلى بعضها الآخر ، حيث يحسّ الإنسان عند سماعه بأنّ لحمه يتساقط ، إلّا أنّ هذه الأصوات لا تمتلك صفة عامّة ، إضافة إلى وجود فرق بين المزعج والقبيح من الأصوات ، والحقّ هو أنّ صوت الحمار أقبح من كلّ الأصوات العاديّة التي يسمعها الإنسان ، وبه شبّهت صرخات ونعرات المغرورين البله.

وليس القبح من جهة ارتفاع الصوت وطريقته فحسب ، بل من جهة كونه بلا سبب أحيانا ، لأنّ بعض المفسّرين يقولون : إنّ أصوات الحيوانات تعبّر غالبا عن حاجة ، إلّا أنّ هذا الحيوان يطلق صوته أحيانا بدون مبرّر أو داع ، وبدون أيّ

__________________

(١) «أنكر» أفعل التفضيل ، ومع أنّه لا يأتي عادة في مورد المفعول ، إلّا أنّ هذه الصيغة وردت بصورة نادرة في باب العيوب.

٤٨

حاجة أو مقدّمة! وربّما كان ما ورد في بعض الرّوايات من أنّ الحمار كلّما أطلق صوته فقد رأى شيطانا ، لهذا السبب.

وقال البعض : إنّ صراخ كلّ حيوان تسبيح إلّا صوت الحمار!

وعلى كلّ حال ، فإنّنا إذا تجاوزنا كلّ ذلك ، فإنّ كون هذا الصوت قبيحا من بين الأصوات لا يحتاج إلى بحث ، وإذا رأينا في الرّوايات المرويّة عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، والتي فسّرت هذه الآية بالعطسة بصوت عال ، أو الصراخ عند التكلّم والتحدّث ، فإنّه في الحقيقة مصداق واضح لذلك(١) .

* * *

تعليقات

١ ـ آداب المشي

صحيح أنّ المشي مسألة سهلة وبسيطة ، إلّا أنّ نفس هذه المسألة السهلة يمكن أن تعكس أحوال وأوضاع الإنسان الداخلية والأخلاقيّة ، وقد تحدّد ملامح شخصيته ، لأنّ روحيّة الإنسان وأخلاقه تنعكس في طيّات كلّ أعماله ، كما قلنا سابقا ، وقد يكون العمل الصغير حاكيا عن روحية متأصّلة أحيانا. ولمّا كان الإسلام قد اهتمّ بكلّ أبعاد الحياة ، فإنّه لم يهمل شيئا في هذا الباب أيضا.

ففي حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مشى على الأرض اختيالا لعنته الأرض ومن تحتها ومن فوقها»(٢) .

وفي حديث آخر عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نهى أن يختال الرجل في مشيه ، وقال : «من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم ، وكان قرين قارون

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث.

(٢) ثواب الأعمال وأمالي الصدوق ، طبقا لنقل تفسير نور الثقلين ، الجزء ٤ ، صفحة ٢٠٧.

٤٩

لأنّه أوّل من اختال!»(١) .

وكذلك ورد عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «إنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها ـ إلى أن قال ـ وفرض على الرجلين أن لا تمشي بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي اللهعزوجل ، فقال تعالى :( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ) وقال :( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) (٢) . وقد نقل ذلك عن نبي الإسلام العزيزصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنّه كان قد مرّ من طريق ، فرأى مجنونا قد اجتمع الناس حوله ينظرون إليه ، فقال : «علام اجتمع هؤلاء؟» فقالوا : على مجنون يصرع ، فنظر إليهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : «ما هذا بمجنون! ألا أخبركم بالمجنون حقّ المجنون؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : «إنّ المجنون : المتبختر في مشيه ، الناظر في عطفيه ، المحرّك جنبيه بمنكبيه ، فذلك المجنون وهذا المبتلى»(٣) .

٢ ـ آداب الحديث

لقد وردت إشارة إلى آداب الحديث في مواعظ لقمان ، وقد فتح في الإسلام باب واسع لهذه المسألة ، وذكرت فيه آداب كثيرة من جملتها :

ـ طالما لم تكن هناك ضرورة للحديث والتكلّم ، فإنّ السكوت خير منه ، كما نرى ذلك في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «السكوت راحة للعقل»(٤) .

ـ وجاء في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام : «من علامات الفقه: العلم والحلم والصمت ، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة»(٥) .

ـ وقد ورد التأكيد في روايات اخرى على أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يسكت في

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) اصول الكافي ، الجزء الثّاني ، صفحة ٢٨ باب (أنّ الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلّها).

(٣) بحار الأنوار ، ج ٧٦ ، صفحة ٥٧.

(٤) الوسائل ، الجزء صفحة ٥٣٢.

(٥) المصدر السابق.

٥٠

المواضع التي يلزم فيها الكلام ، وأنّ الأنبياء بعثوا بالكلام لا بالسكوت ، وأنّ وسيلة الوصول إلى الجنّة والخلاص من النار هي الكلام في الموضع المناسب(١) .

٣ ـ آداب العشرة

لقد اهتمّت الروايات الإسلامية الواردة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بمسألة التواضع وحسن الخلق والملاطفة في المعاملة ، وترك الخشونة والجفاء في المعاشرة ، اهتماما قلّ نظيره في الموارد الاخرى ، وأفضل وأبلغ شاهد في هذا الباب هي الروايات الإسلامية نفسها ، ونذكر منها هنا نماذج :

جاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، أوصني ، فكان فيما أوصاه أن قال : «الق أخاك بوجه منبسط»(٢) .

وفي حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق»(٣) .

ـ وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «البرّ وحسن الخلق يعمران الديار ، ويزيدان في الأعمار»(٤) .

ونقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أكثر ما تلج به امّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخلق»(٥) .

وعن عليعليه‌السلام في شأن التواضع : «زينة الشريف التواضع»(٦) .

ـ وأخيرا نطالع في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «التواضع أصل كلّ خير

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) بحار الأنوار ، الجزء ٧٤ ، صفحة ١٧١.

(٣) اصول الكافي ، الجزء ٢ ، باب حسن الخلق وما بعده صفحة ٨١ ، ٨٢.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) بحار الأنوار ، الجزء ٧٥ ، صفحة ١٢٠.

٥١

نفيس ، ومرتبة رفيعة ، ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب ومن تواضع لله شرّفه الله على كثير من عباده وليس للهعزوجل عبادة يقبلها ويرضاها إلّا وبابها التواضع»(١) .

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، الجزء ٧٥ ، صفحة ١٢١.

٥٢

الآيات

( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) )

التّفسير

بعد انتهاء مواعظ لقمان العشر حول المبدأ والمعاد وطريقة الحياة ، وخطط وبرامج القرآن الأخلاقية والاجتماعية ، ولأجل إكمال البحث ، تتّجه الآيات إلى بيان نعم الله تعالى لتبعث في الناس حسن الشكر الشكر الذي يكون منبعا لمعرفة

٥٣

الله وطاعة أوامره(١) ، فيوجّه الخطاب لكلّ البشر ، فيقول :( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) .

إنّ لتسخير الموجودات السماوية والأرضيّة للإنسان معنى واسعا يشمل الأمور التي في قبضته وإختياره ، ويستخدمها برغبته وإرادته في طريق تحصيل منافعه ككثير من الموجودات الأرضيّة ، كما تشمل الأمور التي ليست تحت تصرّفه وإختياره ، لكنّها تخدم الإنسان بأمر الله جلّ وعلا كالشمس والقمر. وبناء على هذا فإنّ كلّ الموجودات مسخّرة بإذن الله لنفع البشر ، سواء كانت مسخّرة بأمر الإنسان أم لا ، وعلى هذا فإنّ اللام في (لكم) لام المنفعة(٢) .

ثمّ تضيف الآية :( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً ) .

«أسبغ» من مادّة (سبغ) وهي في الأصل بمعنى الثوب أو الدرع العريض الكامل ، ثمّ اطلق على النعم الكثيرة الوفيرة أيضا.

هناك اختلاف بين المفسّرين في المراد من النعم الظاهرة والباطنة في هذه الآية

فالبعض اعتقد أنّ النعمة الظاهرة هي الشيء الذي لا يمكن لأيّ أحد إنكاره كالخلق والحياة وأنواع الأرزاق ، والنعم الباطنة إشارة إلى الأمور التي لا يمكن إدراكها من دون دقّة ومطالعة ككثير من القوى الروحية والغرائز المهمّة.

والبعض عدّ الأعضاء الظاهرة هي النعم الظاهرة ، والقلب هو النعمة الباطنة.

والبعض الآخر اعتبر حسن الصورة والوجه والقامة المستقيمة وسلامة الأعضاء النعمة الظاهرة ، ومعرفة الله هي النعمة الباطنة.

__________________

(١) اعتقد بعض المفسّرين كالآلوسي في روح المعاني ، والفخر الرازي في التّفسير الكبير ، بأنّ هذه الآيات مرتبطة بالآيات التي سبقت مواعظ لقمان ، حيث تخاطب المشركين :( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) وتقول في الآيات مورد البحث :( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) . إلّا أنّ آخر هذه الآية والآيات التي بعدها ، والروايات الواردة في تفسيرها تتناسب مع عموميّة الآية.

(٢) كانت لنا بحوث اخرى حول تسخير الموجودات للإنسان في ذيل الآية (٢) من سورة الرعد.

٥٤

وفي حديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ ابن عبّاس سأله عن النعم الظاهرة والباطنة فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا بن عبّاس ، أمّا ما ظهر فالإسلام وما سوّى الله من خلقك ، وما أفاض عليك من الرزق ، وأمّا ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به»(١) .

وفي حديث آخر عن الباقرعليه‌السلام : «النعمة الظاهرة : النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به النّبي من معرفة الله ، وأمّا النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت وعقد مودّتنا»(٢) .

إلّا أنّه لا توجد أيّة منافاة بين هذه التفاسير في الحقيقة ، وكلّ منها يبيّن مصداقا بارزا للنعمة الظاهرة والنعمة الباطنة دون أن يحدّد معناها الواسع.

وتتحدّث الآية في النهاية عمّن يكفر بالنعم الإلهية الكبيرة العظيمة ، والتي تحيط الإنسان من كلّ جانب ، ويهبّ إلى الجدال ومحاربة الحقّ ، فتقول :( مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ) وبدل أن يعرف ويقدّر هبة وعطاء كلّ هذه النعم الظاهرة والباطنة ، فإنّه يتّجه إلى الشرك والجحود نتيجة الجهل.

ولكن ما هو الفرق بين «العلم» و «الهدى» و «الكتاب المنير»؟

لعلّ أفضل ما يمكن أن يقال في ذلك هو أنّ «العلم» : إشارة إلى الإدراكات التي يدركها الإنسان عن طريق عقله ، و «الهدى» : إشارة إلى المعلّمين والقادة الربّانيين والسماويين ، والعلماء الذين يأخذون بيده في هذا المسير ويوصلونه إلى الغاية والهدف ، والمراد من «الكتاب المنير» : الكتب السماوية التي تملأ قلب الإنسان نورا عن طريق الوحي.

إنّ هذه الجماعة العنيدة في الحقيقة لا يمتلكون علما ، ولا يتّبعون مرشدا وهاديا ، ولا يستلهمون من الوحي الإلهي ، ولمّا كانت طرق الهداية منحصرة بهذه

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث.

(٢) المصدر السابق.

٥٥

الأمور الثلاثة فإنّ هؤلاء لمّا تركوها سقطوا في هاوية الضلال والضياع ووادي الشياطين.

وتشير الآية التالية إلى المنطق الضعيف السقيم لهذه الفئة ، فتقول :( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ) ولمّا لم يكن اتّباع الآباء الجهلة المنحرفين جزءا من أيّ واحد من الطرق الثلاثة المذكورة أعلاه للهداية ، فإنّ القرآن ذكره بعنوان الطريق الشيطاني ، وقال :( أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ ) (١) .

إنّ القرآن ـ في الحقيقة ـ يزيح هنا الغطاء عن اتّباع سنّة الآباء والأجداد الزائفة ، ويبيّن الوجه الحقيقي لعمل هؤلاء والذي هو في حقيقته اتّباع الشيطان في مسير جهنّم.

أجل ، إنّ قيادة الشيطان بذاتها تستوجب أن يخالفها الإنسان وإن كانت مبطّنة بالدعوة إلى الحقّ ، فمن المسلّم أنّه غطاء وخدعة ، والدعوة إلى النار كافية لوحدها أيضا للمخالفة بالرغم من أنّ الداعي مجهول الحال ، فإذا كان الداعي الشيطان ، ودعوته إلى نار جهنّم المستعرة ، فالأمر واضح.

هل يوجد عاقل يترك دعوة أنبياء الله إلى الجنّة ، ويلهث وراء دعوة الشيطان إلى جهنّم؟!

ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى بيان حال مجموعتين : المؤمنين الخلّص ، والكفّار الملوّثين ، وتجعلهم مورد اهتمامها في المقارنة بينهم ، فقالت :( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ) .

والمراد من تسليم الوجه إلى الله سبحانه ، هو التوجّه الكامل وبكلّ الوجود إلى ذات الله المقدّسة ، لأنّ الوجه لمّا كان أشرف عضو في البدن ، ومركزا لأهمّ

__________________

(١) اعتبر المفسّرون (لو) هنا شرطية كالمعتاد ، وجزاؤها محذوف ، والتقدير : لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير أيتبعونه.

٥٦

الحواسّ الإنسانية ، فإنّه يستعمل كناية عن ذاته.

والتعبير بـ( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) من قبيل ذكر العمل الصالح بعد الإيمان.

والاستمساك بالعروة الوثقى تشبيه لطيف لهذه الحقيقة ، وهي أنّ الإنسان يحتاج لنجاته من منحدر الماديّة والارتقاء إلى أعلى قمم المعرفة والمعنويات وتسامي الروح ، إلى واسطة ووسيلة محكمة مستقرّة ثابتة ، وليست هذه الوسيلة إلّا الإيمان والعمل الصالح ، وكلّ سبيل ومتّكأ غيرهما متهرّئ متخرّق هاو وسبب للسقوط والموت ، إضافة إلى أنّ ما يبقى هو هذه الوسيلة ، وكلّ ما عداها فان ، ولذلك فإنّ الآية تقول في النهاية :( وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ ) .

جاء في حديث نقل في تفسير البرهان عن طرق العامّة عن الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وسيكون بعدي فتنة مظلمة ، الناجي منها من تمسّك بالعروة الوثقى ، فقيل : يا رسول الله ، وما العروة الوثقى؟ قال : ولاية سيّد الوصيّين ، قيل : يا رسول الله ، ومن سيّد الوصيّين؟ قال : أمير المؤمنين ، قيل : يا رسول الله ومن أمير المؤمنين؟ قال : مولى المسلمين وإمامهم بعدي ، قيل : يا رسول الله ، ومن مولى المسلمين وإمامهم بعدك؟ قال : أخي علي بن أبي طالب»(١) .

وقد رويت روايات اخرى في هذا الباب تؤيّد أنّ المراد من العروة الوثقى مودّة أهل البيتعليهم‌السلام ، أو حبّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الأئمّة من ولد الحسينعليهم‌السلام (٢) .

وقد قلنا مرارا : إنّ هذه التفاسير بيان للمصاديق الواضحة ، ولا تتنافي مع المصاديق الاخرى كالتوحيد والتقوى وأمثال ذلك.

ثمّ تطرقت الآية التالية إلى بيان حال الفئة الثّانية ، فقالت :( وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ) لأنّك قد أدّيت واجبك على أحسن وجه ، وهو الذي قد ظلم نفسه.

__________________

(١) تفسير البرهان ، الجزء ٣ ، صفحة ٢٧٩ ذيل الآية مورد البحث.

(٢) لمزيد الإيضاح راجع تفسير البرهان ، الجزء ٣ ، صفحة ٢٧٨ و٢٧٩.

٥٧

ومثل هذه التعبيرات التي وردت مرارا في القرآن ، تبيّن أنّ النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتألّم ويتعذّب كثيرا عند ما يرى الجاهلين العنودين يتركون سبيل الله مع تلك الدلائل البيّنة والعلامات الواضحة ، ويسلكون سبيل الغيّ والضلال ، وكان يغتمّ إلى درجة أنّ الله تعالى كان يسلّي خاطره في عدّة مرّات ، وهذا دأب وحال المرشد والقائد الحريص المخلص.

فلا تحزن أن تكفر جماعة من الناس ، ويظلموا ويجوروا وهم متنعّمون بالنعم الإلهيّة ولا يعاقبون ، فلا عجلة في الأمر ، إذ :( إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ) فإنّنا مطّلعون على أسرارهم ونيّاتهم كاطّلاعنا على أعمالهم ، فـ :( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

إنّ تعبير : إنّ الله ينبّئ الناس في القيامة بأعمالهم ، أو أنّه تعالى ينبّئهم بما كانوا فيه يختلفون ، قد ورد في آيات كثيرة من القرآن المجيد ، وبملاحظة أنّ (ننبّئكم) من مادّة (نبأ) والنبأ ـ على ما أورده الراغب في مفرداته ـ يقال للخبر الذي ينطوي على محتوى وفائدة مهمّة ، وهو صريح وخال من كلّ أشكال الكذب ، سيتّضح أنّ هذه التعبيرات تشير إلى أنّ الله سبحانه يفشي ويفضح أعمال البشر بحيث لا يبقى لأحد أيّ اعتراض وإنكار ، فهو يظهر ما عمله الناس في هذه الدنيا ونسوه أو تناسوه ، ويهيّؤه للحساب والجزاء ، وحتّى ما يخطر في قلب الإنسان ولم يطّلع عليه إلّا الله تعالى ، فإنّه سبحانه سيذكرهم بها.

ثمّ يضيف بأنّ تمتّع هؤلاء بالحياة لا ينبغي أن يثير عجبك ، لأنّا( نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ ) ذلك العذاب الأليم المستمر.

إنّ هذا التعبير لعلّه إشارة إلى أنّ هؤلاء لا يتصوّروا أنّهم خارجون عن قبضة قدرة الله سبحانه ، بل إنّه يريد أن يمهل هؤلاء للفتنة وإتمام الحجّة والأهداف الاخرى ، وإنّ هذا المتاع القليل من جانبه أيضا ، وكم يختلف حال هؤلاء الذين

٥٨

يجرّون ويسحبون بذلّة وإكراه إلى العذاب الإلهي الغليظ ، وحال أولئك الذين وضعوا كلّ وجودهم في طريق العبودية لله سبحانه ، واستمسكوا بالعروة الوثقى ، فهم يعيشون في هذه الدنيا طاهرين صالحين ، وفي الآخرة يتنعّمون بجوار رحمة الله.

* * *

٥٩

الآيات

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) )

( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) )

التّفسير

عشر صفات لله سبحانه :

بيّنت الآيات الستّة أعلاه مجموعة من صفات الله سبحانه ، وهي عشر صفات

٦٠

رئيسيّة ، أو عشرة أسماء من الأسماء الحسنى :

الغني ، الحميد ، العزيز ، الحكيم ، السميع ، البصير ، الخبير ، الحقّ ، العليّ ، والكبير. هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإنّ الآية الاولى تتحدّث عن «خالقية» الله ، والآية الثّانية عن «مالكيته» المطلقة ، والثالثة عن «علمه» اللامتناهي ، والآية الرّابعة والخامسة عن «قدته» اللامتناهية. والآية الأخيرة تخلص إلى هذه النتيجة ، وهي أنّ الذي يمتلك هذه الصفات ويتمتّع بها هو الله تعالى ، وكلّ ما دونه باطل أجوف حقير.

مع ملاحظة هذا البحث الإجمالي نعود إلى شرح الآيات ، فتقول الآية الاولى :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

هذا التعبير ـ والذي يلاحظ في آيات القرآن الاخرى ، كالآية (٦١ ـ ٦٣) من سورة العنكبوت ، والآية (٣٨) من الزمر ، والآية (٩) من الزخرف ـ يدلّ من جهة على أنّ المشركين لم يكونوا منكرين لتوحيد الخالق مطلقا ، ولم يكونوا يستطيعون ادّعاء كون الأصنام خالقة ، إنّما كانوا معتقدين بالشرك في عبادة الأصنام وشفاعتها فقط. ومن جهة اخرى يدلّ على كون التوحيد فطريّا وأنّ هذا النور كامن في طينة وطبيعة كلّ البشر.

ثمّ تقول : إذا كان هؤلاء معترفين بتوحيد الخالق فـ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

ثمّ تتطرّق إلى «مالكية» الله ، لأنّه بعد ثبوت كونه خالقا لا حاجة إلى دليل على كونه مالكا ، فتقول :( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) . ومن البديهي أنّ الخالق والمالك يكون مدبّرا لأمر العالم أيضا ، وبهذا تثبت أركان التوحيد الثلاثة ، وهي : «توحيد الخالقية» و «توحيد المالكية» و «توحيد الربوبية». والذي يكون على هذا الحال فإنّه غنيّ عن كلّ شيء ، وأهل لكلّ حمد وثناء ، ولذلك تقول الآية في النهاية :( إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) .

٦١

إنّه غنيّ على الإطلاق ، وحميد من كلّ جهة ، لأنّ كلّ موهبة في هذا العالم تعود إليه ، وكلّ ما يملكه الإنسان فإنّه صادر منه وخزائن كلّ الخيرات بيده ، وهذا دليل حيّ على غناه.

ولمّا كان «الحمد» بمعنى الثناء على العمل الحسن الذي يصدر عن المرء باختياره ، وكلّ حسن نراه في هذا العالم فهو من الله سبحانه ، فإنّ كلّ حمد وثناء منه ، فحتّى إذا مدحنا جمال الزهور ، ووصفنا جاذبية العشق الملكوتي ، وقدّرنا إيثار الشخص الكريم ، فإنّنا في الحقيقة نحمده ، لأنّ هذا الجمال والجاذبية والكرم منه أيضا إذن فهو حميد على الإطلاق.

ثمّ تجسّد الآية التالية علم الله اللامحدود من خلال ذكر مثال بليغ جدّا ، وقبل ذلك نرى لزوم ذكر هذه المسألة ، وهي ـ طبقا لما جاء في تفسير علي بن إبراهيم : إنّ قوما من اليهود عند ما سألوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حول مسألة الروح ، وأجابهم القرآن بأن( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) صعب هذا الكلام عليهم ، وسألوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل أنّ هذا في حقّنا فقط؟ فأجابهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بل الناس عامّة» ، قالوا : فكيف يجتمع هذا يا محمّد؟! أتزعم أنّك لم تؤت من العلم إلّا قليلا ، وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة ، وقد قرأت :( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ) ـ وهي التوراة ـ( فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) هنا نزلت الآية( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ) ـ الآية مورد البحث ـ وأوضحت أنّ علم الإنسان مهما كان واسعا فإنّه في مقابل علم اللهعزوجل ليس إلّا ذرّة تافهة ، والذي يعدّ كثيرا في نظركم ، هو قليل جدّا عند الله(١) .

وقد بيّنا نظير هذه الرواية عن طريق آخر في ذيل الآية (١٠٩) من سورة الكهف.

__________________

(١) تفسير البرهان ، الجزء ٣ ، صفحة ٢٧٩.

٦٢

وعلى كلّ حال ، فإنّ القرآن الكريم ولأجل تجسيد علم الله اللامتناهي يقول :( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

«يمدّه» من مادّة (المداد) وهي بمعنى الحبر أو المادّة الملوّنة التي يكتبون بها ، وهي في الأصل من (مدّ) بمعنى الخطّ ، لأنّ الخطوط تظهر على صفحة الورق بواسطة جرّ القلم.

ونقل بعض المفسّرين معنى آخر لها ، وهو الزيت الذي يوضع في السراج ويسبّب إنارة السراج. وكلا المعنيين في الواقع يرجعان إلى أصل واحد.

«الكلمات» جمع «كلمة» ، وهي في الأصل الألفاظ التي يتحدّث ويتكلّم بها الإنسان ، ثمّ أطلقت على معنى أوسع ، وهو كلّ شيء يمكنه أن يبيّن المراد والمطلب ، ولمّا كانت مخلوقات هذا العالم المختلفة يبيّن كلّ منها ذات الله المقدّسة وعظمته ، فقد أطلق على كلّ موجود (كلمة الله) ، واستعمل هذا التعبير خاصّة في الموجودات الأشرف والأعظم ، كما نقرأ في شأن المسيح في الآية (١٧١) من سورة النساء( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ ) ثمّ استعملت كلمات الله بمعنى علم الله لهذه المناسبة.

والآن يجب أن نفكّر بدقّة وبشكل صحيح بأنّه قد يكفي أحيانا قلم واحد مع مقدار من الحبر لكتابة كلّ المعلومات التي تتعلّق بإنسان ما ، بل قد يكون من الممكن أن يسجّل أفراد آخرون مجموعة معلوماتهم على الأوراق بنفس ذلك القلم ، إلّا أنّ القرآن يقول : لو أنّ كلّ الأشجار الموجودة على سطح الأرض تصبح أقلاما ـ ونحن نعلم أنّه قد تصنع من شجرة ضخمة ، من ساقها وأغصانها ، آلاف ، بل ملايين الأقلام ، ومع الأخذ بنظر الإعتبار المقدار العظيم للأشجار الموجودة في الأرض ، والغابات التي تغطّي الكثير من الجبال والسهول ، وعدد الأقلام الذي سينتج منها

٦٣

وكذلك لو كانت كلّ البحار والمحيطات الموجودة ، والتي تشكّل ثلاثة أرباع الكرة الأرضيّة تقريبا ، بذلك العمق الساحق ، تصبح حبرا ، عند ذلك يتّضح عظمة ما سيكتب ، وكم من العلوم يمكن كتابتها بهذا المقدار من الأقلام والحبر! سيّما مع ملاحظة مضاعفة ذلك بإضافة سبعة أبحر اخرى ، وكلّ واحد منها يعادل كلّ محيطات الأرض ، وبالأخصّ إذا علمنا أنّ عدد السبعة هنا لا يعني العدد ، بل للكثرة والإشارة إلى البحار التي لاعدّ لها ، فعند ذلك ستّتضح سعة علم اللهعزوجل وترامي أطرافه ، ومع ذلك فإنّ كلّ هذه الأقلام والمحابر تنتهي ولكنّ علومه سبحانه لا تعرف النهاية.

هل يوجد تجسيد وتصوير للّانهاية أروع وأبلغ وأجمل من هذا التجسيد؟ إنّ هذا العدد حيّ وناطق إلى الحدّ الذي يصطحب معه أمواج فكر الإنسان إلى الآفاق اللامحدودة ، ويغرقها في الحيرة والهيبة والجلال.

إنّ الإنسان يشعر مع هذا البيان البليغ الواضح أنّ معلوماته مقابل علم الله كالصفر مقابل اللانهاية ، ويليق به أن يقول فقط : إنّ علمي قد أوصلني إلى أن أطّلع على جهلي ، فحتّى التشبيه بالفطرة من البحر لتبيان هذه الحقيقة لا يبدو صحيحا.

ومن جملة المسائل اللطيفة التي تلاحظ في الآية : أنّ الشجرة قد وردت بصيغة المفرد ، والأقلام قد وردت بصيغة الجمع ، وهذا تبيان لعدد الأقلام الكثيرة التي تنتج من شجرة واحدة بساقها وأغصانها.

وكذلك التعبير بـ (البحر) بصيغة المفرد مع (الف ولام) الجنس ليشمل كلّ البحار والمحيطات على وجه الأرض ، خاصّة وأنّ كلّ بحار العالم ومحيطاته متّصلة ببعضها ، وهي في الواقع بحكم بحر واسع.

والطريف في الأمر أنّه لا يتحدّث في مورد الأقلام عن أقلام إضافية ومساعدة ، أمّا فيما يتعلّق بالبحار فإنّه يتحدّث عن سبعة أبحر اخرى ، لأنّ القلم يستهلك قليلا أثناء الكتابة ، والذي يستهلك أكثر هو الحبر.

٦٤

انتخاب كلمة (سبع) للكثرة في لغة العرب ، ربّما كان بسبب أنّ السابقين كانوا يعتقدون أنّ عدد كواكب المنظومة الشمسية سبعة كواكب ـ وفي أنّ ما يرى اليوم بالعين المجرّدة من المنظومة الشمسية سبعة كواكب لا أكثر ـ ومع ملاحظة أنّ الأسبوع دورة زمانية كاملة تتكوّن من سبعة أيّام لا أكثر ، وأنّهم كانوا يقسّمون كلّ الكرة الأرضية إلى سبع مناطق ، وكانوا قد وضعوا لها اسم الأقاليم السبعة ، سيتّضح لماذا انتخب عدد السبعة كعدد كامل من بين الأعداد ، واستعمل لبيان الكثرة(١) .

بعد ذكر علم الله اللامحدود ، تتحدّث الآية الاخرى عن قدرته اللامتناهية ، فتقول :( ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) .

قال بعض المفسّرين : أنّ جمعا من كفّار قريش كانوا يقولون من باب التعجّب والاستبعاد لمسألة المعاد : إنّ الله قد خلقنا بأشكال مختلفة ، وعلى مدى مراحل مختلفة ، فكنّا يوما نطفة ، وبعدها صرنا علقة ، وبعدها صرنا مضغة ، ثمّ أصبحنا تدريجيّا على هيئات وصور مختلفة ، فكيف يخلقنا الله جميعا خلقا جديدا في ساعة واحدة؟! فنزلت الآية مورد البحث فأجابتهم.

إنّ هؤلاء كانوا غافلين في الحقيقة عن مسألة مهمّة ، وهي أنّ هذه المفاهيم كالصعوبة والسهولة ، والصغير والكبير يمكن تصوّرها من قبل موجودات لها قدرة محدودة كقدرتنا ، إلّا أنّها أمام قدرة الله اللامتناهية تكون متساوية ، فلا يختلف خلق إنسان واحد عن خلق جميع البشر مطلقا ، وخلق موجود ما في لحظة واحدة أو على مدى سنين طوال بالنسبة إلى قدرته المطلقة.

وإذا كان تعجّب كفّار قريش من أنّه كيف يمكن فصل الأجساد عن بعضها وإرجاع كلّ منها إلى محلّه بعد أن كانت الطبائع مختلفة ، والإشكال متغايرة ، والشخصيات متنوّعة ، وذلك بعد أن تحوّل بدن الإنسان إلى تراب وتطايرت

__________________

(١) تحدّثنا حول (علم الله المطلق) في ذيل الآية (١٠٩) من سورة الكهف.

٦٥

ذرّات ذلك التراب؟! فإنّ علم الله اللامتناهي ، وقدرته اللامحدودة تجيبهم عن سؤالهم ، فإنّه قد جعل بين الموجودات روابط وعلاقات بحيث أنّ الواحد منها كالمجموعة ، والمجموعة كالواحد.

وأساسا فإنّ انسجام وترابط هذا العالم بشكل ترجع كلّ كثرة فيه إلى الوحدة ، وخلقة مجموع البشر تتّبع خلقة إنسان واحد.

وإذا كان تعجّب هؤلاء من قصر الزمان ، لأنّه كيف يمكن أن تطوى المراحل التي يطويها الإنسان خلال سنين طوال من كونه نطفة إلى مرحلة الشباب ، في لحظات قصيرة؟! فإنّ قدرة الله تجيب على هذا التساؤل أيضا ، فإنّنا نرى في عالم الأحياء أنّ أطفال الإنسان يحتاجون لمدّة طويلة ليتعلّموا المشي بصورة جيّدة ، أو يصبحوا قادرين على الاستفادة من كلّ أنواع الأغذية ، في حين أنّنا نرى الفراخ بمجرّد أن تخرج من البيضة تنهض وتسير ، وتأكل دونما حاجة حتّى للامّ ، وهذه الظاهرة تبيّن أنّ هذه الأمور لا تعني شيئا أمام قدرة اللهعزوجل .

إنّ ذكر كون الله «سميعا وبصيرا» في نهاية الآية قد يكون جوابا عن إشكال آخر من جانب المشركين ، وهو على فرض أنّ جميع البشر على اختلاف خلقتهم ، وبكلّ خصوصياتهم يبعثون ويحيون في ساعة واحدة ، لكن كيف ستخضع أعمالهم وكلامهم للحساب ، فإنّ الأعمال والأقوال امور تفنى بعد الوجود؟!

فيجيب القرآن بأنّ الله سميع وبصير ، قد سمع كلّ كلامهم ، ورأى كلّ أعمالهم ، علاوة على أنّ الفناء المطلق لا معنى ولا وجود له في هذا العالم ، بل إنّ أعمالهم وأقوالهم موجودة دائما.

وإذا تجاوزنا ذلك فإنّ الجملة أعلاه تهديد لهؤلاء المعاندين ، بأنّ الله سبحانه مطّلع على أقوالكم ومؤامراتكم ، بل وحتّى على ما في قلوبكم وضمائركم.

الآية التالية تأكيد وبيان آخر لقدرة الله الواسعة ، وقد وجّهت الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ

٦٦

سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) لخدمة الناس وتأمين احتياجاتهم( كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) .

«الولوج» في الأصل بمعنى «الدخول» ، ودخول الليل في النهار والنهار في الليل قد يكون إشارة إلى طول وقصر الليل والنهار التدريجي على مدار السنة ، حيث ينقص شيء من أحدهما تدريجيّا ، ويضاف على الآخر بصورة غير محسوسة ، لتتكوّن الفصول الأربعة للسنة بخصائصها وآثارها المباركة. (وليست هناك إلّا نقطتان على سطح الأرض لا يوجد فيهما هذا التغيير التدريجي والفصول الأربعة : إحداهما : النقطة الحقيقيّة للقطب الشمالي والجنوبي حيث يكون الليل هناك ستّة أشهر ، والنهار ستّة أشهر طوال السنة ، والاخرى خطّ الإستواء الدقيق حيث يتساوى ليله ونهاره كلّ السنة).

أو إشارة إلى أنّ تبديل الليل بالنهار والنهار بالليل لوجود الغلاف الجوّي لا يحدث بصورة مفاجئة فيتعرّض الإنسان وكلّ الموجودات الحيّة للأخطار المختلفة حينئذ ، بل إنّ أشعّة الشمس تتوغّل من حيث طلوع الفجر في أعماق الظلام أوّلا ، ثمّ يتّسع ويزداد ضوء النهار حتّى يعمّ كلّ أرجاء السماء ، وعلى العكس تماما ممّا يحدث عند انتهاء النهار ودخول الليل.

وهذا الانتقال التدريجي والمنظّم بدقّة متناهية من مظاهر قدرة الله تعالى.

ومن الطبيعي أنّ هذين التّفسيرين لا يتنافيان ، ويمكن أن يجتمعا في معنى الآية وتفسيرها.

أمّا في مورد تسخير الشمس والقمر وسائر الكواكب السماوية للبشر ، فإنّ المراد ـ وكما قلنا سابقا أيضا ـ تسخيرها في سبيل خدمة الإنسان ، وبتعبير آخر فإنّ اللام في( سَخَّرَ لَكُمْ ) لام النفع لا الإختصاص ، وقد ورد هذا التعبير في القرآن المجيد في شأن الشمس والقمر ، والليل والنهار ، والأنهار والبحار والسفن ، وكلّ هذه مبيّنة لعظمة شخصيّة الإنسان ، وسعة نعم الله عليه حيث أنّ كلّ الموجودات

٦٧

الأرضية والسماوية مسخّرة ومطيعة له بأمر الله تعالى ، ومع كلّ هذا التسخير فليس من الإنصاف أن يعصي الله سبحانه ولا يطيع أوامره(١) .

وجملة( كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) إشارة إلى أنّ هذا النظام الدقيق لا يستمرّ إلى الأبد ، بل إنّ له نهاية بانتهاء الدنيا ، وهو ما ذكر في سورة التكوير :( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) .

إنّ ارتباط جملة( أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) بهذا البحث سيتّضح بملاحظة ما قلناه آنفا ، لأنّ الله الذي جعل الشمس والقمر العظيمين خاضعين لنظام دقيق ، وعاقب بين الليل والنهار بذلك النظام الخاصّ آلاف وملايين السنين ، كيف يمكن أن تخفى عليه أعمال البشر؟ نعم إنّه يعلم الأعمال ، وكذلك يعلم النيّات والأفكار.

وتقول الآية الأخيرة ، كاستخلاص نتيجة جامعة كليّة( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) (٢) .

إنّ مجموع البحوث التي وردت في الآيات السابقة حول كون الله خالقا ومالكا ، وعن علمه وقدرته اللامتناهيين ، أثبتت هذه الأمور ، وأنّ الحقّ هو الله وحده ، وكلّ شيء غيره زائل وباطل ومحدود ومحتاج ، والعلي والكبير الذي يسمو على كلّ شيء ، ويجلّ عن كلّ وصف ، هو ذاته المقدّسة ، وعلى قول الشاعر :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

ويمكن إيضاح هذا الكلام بالتعبير الفلسفي كما يلي :

__________________

(١) كان لنا بحث مفصّل حول تسخير الشمس والقمر والموجودات الاخرى للإنسان في ذيل الآية (٢) من سورة الرعد ، والآية (٣٢) من سورة إبراهيم.

(٢) «الباء» في (بأنّ الله هو الحقّ) بالرغم من أنّها تبدو في بادئ الأمر سببية ، وربّما اعتبر بعض المفسّرين كالآلوسي في روح المعاني مضمون هذه الآية سببا للمطالب السابقة ، إلّا أنّ سياق الآيات وذكر الصفات السابقة ـ أي الخالقية والمالكية والعلم والقدرة وعلاماتها في عالم الخلقة ـ ظاهر في أنّها جميعا كانت شاهدة على هذه النتيجة ، وبناء على هذا ، فإنّ محتوى هذه الآية نتيجة للآيات السابقة لا سببا لها.

٦٨

إنّ الحقّ إشارة إلى الوجود الحقيقي الثابت ، وفي هذا العالم فإنّ الوجود الحقيقي القائم بذاته والثابت المستقرّ الخالد هو الله فقط ، وكلّ ما عداه لا وجود له بذاته وهو عين البطلان ، حيث إنّه يستمدّ وجوده عن طريق الارتباط بذلك الوجود الحقّ الدائم ، فإذا انقطع الفيض عنه لحظة فإنّه سيفنى ويمحى في ظلمات الفناء والعدم ، وبهذا فإنّه كلّما قوي ارتباط الموجودات الاخرى بوجود الله تعالى فإنّها تكتسب بتلك النسبة حقّا أكبر.

وعلى كلّ حال ، وكما قلنا سابقا ، فإنّ هذه الآيات مجموعة من عشر صفات من صفات الله تعالى ، وعشرة أسماء من أسمائه ، وتشتمل على أدلّة قويّة ـ لا يمكن إنكارها ـ وعلى بطلان كلّ أنواع الشرك ، ولزوم التوحيد في كلّ مراحل العبودية.

* * *

٦٩

الآيتان

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) )

التّفسير

في دوّامة البلاء!

يدور البحث والحديث في هاتين الآيتين أيضا عن نعم الله سبحانه ، وأدلّة التوحيد في الآفاق والأنفس ، فالحديث في الآية الاولى عن دليل النظام ، وفي الآية الثّانية عن التوحيد الفطري ، وهما في المجموع تكمّلان البحوث التي وردت في الآيات السابقة.

تقول الآية الاولى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ (١) لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) .

__________________

(١) «الباء» في (بنعمة الله) يمكن أن تكون باء السببية ، أو باء المصاحبة ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل هو الأنسب.

٧٠

لا شكّ أنّ حركة السفن على سطح المحيطات تتمّ بمجموعة من قوانين الخلقة : ـ فحركة الرياح المنتظمة من جهة.

ـ والوزن الخاصّ للخشب أو المواد التي تصنع منها تلك السفينة من جانب آخر.

ـ ومستوى كثافة الماء من جانب ثالث.

ـ ومقدار ضغط الماء على الأجسام التي تسبح فيه من جهة رابعة.

وحينما يحدث اختلال في واحد من هذه الأمور فإنّ السفينة إمّا أن تغرق وتنزل إلى قعر البحر ، أو تنقلب ، أو تبقى حائرة لا تهتدي إلى سبيل نجاتها في وسط البحر.

غير أنّ الله جلّ وعلا الذي أراد أن يجعل البحار الواسعة أفضل السبل وأهمّها لسفر البشر ، ونقل المواد التي يحتاجونها من نقطة إلى اخرى ، قد هيّأ ويسّر هذه الشروط والظروف ، وكلّ منها نعمة من نعمه تعالى.

إنّ عظمة قدرة الله سبحانه في ميدان المحيطات ، وصغر الإنسان مقابلها ، تبلغ حدّا بحيث إنّ كلّ البشر في العالم القديم ـ الذي كانت السفن تعتمد على الرياح في حركتها ـ لو اجتمعوا ليحرّكوا سفينة وسط البحر عكس اتّجاه ريح عاصف قويّة لما استطاعوا.

واليوم أيضا ، حيث حلّت المولّدات والمكائن العظيمة محلّ الهواء ، فإنّ هبوب العواصف قد يبلغ من الشدّة أحيانا بحيث يحرّك ويهزّ أعظم السفن ، وقد يحطّمها أحيانا.

والتأكيد الذي ورد في نهاية الآية على أوصاف (صبّار) و (شكور) إمّا أن يكون من باب أنّ الحياة الدنيا مجموعة من البلاء والنعمة ، وكلاهما طريق ومحلّ للاختبار ، حيث إنّ الصمود والتحمّل أمام الحوادث الصعبة ، والشكر على النعم يشكّلان مجمل ما يجب على الإنسان ، ولذا نقل كثير من المفسّرين عن الرّسول

٧١

الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإيمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر»(١) .

أو أن يكون إشارة إلى لزوم وجود هدف لأجل إدراك آيات الله العظيمة في ميدان الخلقة ، وهذا الهدف هو شكر المنعم المقترن بالصبر والتحمّل من أجل دقّة وتفحّص أكبر.

وبعد بيان نعمة حركة السفن في البحار ، والتي كانت ولا تزال أكبر وأنفع وسائل حمل ونقل البضائع والبشر ، أشارت هذه الآية إلى صورة اخرى لهذه المسألة ، فقالت :( وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .

«الظللّ» جمع ظلّة ، وقد ذكر المفسّرون لها عدّة معان :

ـ فيقول الراغب في مفرداته : الظلّة سحابة تظلّ ، وأكثر ما تقال لما يستوخم ويكره.

ـ والبعض اعتبرها بمعنى المظلّة الكبيرة ، من مادّة الظلّ.

ـ والبعض اعتبرها بمعنى الجبل.

وبالرغم من أنّ هذه المعاني ـ من حيث تعلّقها بالآية مورد البحث ـ لا تختلف كثيرا عن بعضها ، إلّا أنّه بملاحظة أنّ هذه الكلمة قد وردت مرارا في القرآن بمعنى السحاب الذي يظلّ ، وبملاحظة أنّ تعبير (غشيهم) يناسب معنى السحاب أكثر ، فيبدو أنّ هذا التّفسير هو الأقرب.

أي إنّ أمواج البحر العظيمة تهيج فتحيط بهم كأنّ سحابا قد أظلّهم بظلّ مرعب مهول.

هنا يجد الإنسان نفسه ضعيفا وعاجزا رغم كلّ تلك القوى والإمكانيات الظاهرية التي أعدّها لنفسه ، ويجد يده قاصرة عن كلّ شيء ومكان ، وتقف كلّ الوسائل العادية والماديّة عن العمل ، ولا يبقى له أي بصيص أمل إلّا النور الذي

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، والقرطبي ، والفخر الرازي ، والصافي.

٧٢

يشعّ من أعماق روحه وفطرته ، فيزيح عن قلبه حجب الغفلة ، ويقول له : هل يوجد أحد يستطيع إنقاذك؟

نعم ، إنّه الذي تطيع أوامره أمواج البحر أنّه خالق الماء والهواء والتراب.

هنا يحيط التوحيد الخالص بكلّ قلبه ويغمره ، ويعتقد بأنّ الدين والعبادة مختصّة به سبحانه.

ثمّ تضيف الآية إنّ الله سبحانه لمّا نجّاهم من الهلكة انقسم الناس قسمين :( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ) (١) . وهؤلاء وفوا بعهدهم ولم ينقضوه ، ولم ينسوا منّة الله عليهم في تلك اللحظات الحسّاسة.

أمّا القسم الثّاني فإنّهم نسوا كلّ ذلك ، واستولى جيش الشرك والكفر على معسكر قلوبهم.

واعتبر بعض المفسّرين الآية أعلاه إشارة إلى إسلام «عكرمة بن أبي جهل» ، إذ أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عفا عن جميع الناس عند فتح مكّة غير أربعة نفر أحدهم عكرمة بن أبي جهل ، إذ أهدر دمهم ، وأمر بقتلهم حيثما وجدوا ، لأنّهم لم يتركوا أيّ سيّئة أو جريمة ضدّ الإسلام والمسلمين إلّا عملوها ، ولذلك اضطرّ عكرمة إلى الفرار من مكّة ، فتوجّه إلى البحر الأحمر وركب السفينة ، فأخذت بأطرافه ريح عاصف ، فقال بعض أهل السفينة لبعضهم الآخر : تعالوا نترك الأصنام ونتضرّع إلى الله وحده ونسأله لطفه ، فإنّ آلهتنا هذه لا تنفع شيئا!

فقال عكرمة : إذا لم ينقذنا غير توحيدنا في البحر ، فلن ينقذنا في البرّ سواه أيضا ، اللهمّ إنّ أعطيك عهدا ـ إذا نجّيتني من هذه المحنة ـ لآتينّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبايعه ، فإنّي أعلم أنّه كريم عفوّ.

وأخيرا نجا ، وأتى إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

__________________

(١) «مقتصد» من مادّة قصد ، بمعنى الاعتدال في العمل ، والوفاء بالعهد.

(٢) مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث ، ووردت هذه الحادثة في (اسد الغابة في معرفة الصحابة) ج ٤ ، صفحة ٥ بتفاوت

٧٣

وقد ورد في التواريخ الإسلامية أنّ عكرمة قد أصبح في صفّ المسلمين الحقيقيين ، واستشهد في معركة اليوموك أو أجنادين.

وتضيف الآية في النهاية( وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) .

(ختّار) من الختر ، بمعنى نقض العهد ، وهذه الكلمة صيغة مبالغة ، لأنّ المشركين والعاصين يتوجّهون إلى الله مرارا ، ويقطعون على أنفسهم العهود ، وينذرون النذور ، إلّا أنّهم بمجرّد أن يهدأ طوفان الحوادث ينقضون عهودهم بصورة متلاحقة ، ويكفرون بنعم الله عليهم.

إنّ تعبير «ختّار» و «كفور» الذي ورد في نهاية هذه الآية ، هو في الحقيقة مقابل تعبير «صبّار» و «شكور» الذي ورد في نهاية الآية السابقة ـ فالكفران في مقابل الشكر ، ونقض العهد في مقابل الصبر والثبات على العهد ـ لأنّ الوفاء بالعهد لا يتمّ إلّا من قبل الثابتين الصامدين أولئك الذين إذا توهّج الإيمان الفطري في أعماق أرواحهم فلا يدعون هذا النور الإلهي ينطفئ مرّة اخرى وتتكاثف عليه الحجب.

* * *

__________________

يسير.

٧٤

الآيتان

( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤) )

التّفسير

سعة علم الله :

في هاتين الآيتين اللتين هما آخر آيات سورة لقمان ، تلخيص للمواعظ والنصائح السابقة ولأدلّة التوحيد والمعاد ، وتوجيه الناس إلى الله واليوم الآخر وتحذير من الغرور الناشئ من الدنيا والشيطان ، ثمّ الحديث عن سعة علم الله سبحانه وشموله لكلّ شيء ، فتقول :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً ) .

٧٥

إنّ الدستور الأوّل هو التوجّه إلى المعاد ، فالدستور الأوّل يحيي في الإنسان قوّة المراقبة ، والثّاني ينمّي روح الثواب والعقاب ، ولا شكّ أنّ الإنسان الذي يعلم أنّ شخصا خبيرا ومطّلعا على كلّ أعماله يراه ويعلم به ويسجّل كلّ أعماله ، ومن ناحية اخرى يعلم أنّ محكمة عادلة ستتشكّل للتحقيق في كلّ جزئيات أعماله ، لا يمكن أن يتلوّث بأدنى فساد ومعصية.

جملة( لا يَجْزِي ) من مادّة الجزاء ، و «الجزاء ، و «الجزاء» ورد بمعنيين من الناحية اللغوية :

أحدهما : المكافأة والمعاقبة مقابل شيء ، كما يقال : جزّاه الله خيرا.

والآخر : الكفاية والنيابة والتحمّل للشيء عن الآخرين ، كما جاء في الآية مورد البحث :( لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ) .

ومن الممكن أن يعود كلا المعنيين إلى أصل واحد ، لأنّ الثواب والعقاب يحلّان محلّ العمل وينوبان عنه ، وهما بمقداره أيضا ـ تأمّلوا ذلك ـ.

على كلّ حال ، فإنّ كلّ إنسان في ذلك اليوم مشغول بنفسه ، ومبتلى بمعطيات أعماله وآثارها إلى درجة أنّه لا ينظر إلى أحد ولا يهتمّ به ، حتّى وإن كان أبوه ، أو ابنه الذي كانت تربطه به أقرب الروابط ، فلا يفكّر أحد بآخر مطلقا.

وهذه الآية نظير ما ورد في بداية سورة الحجّ في الحديث حول القيامة والزلزلة :( يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) .

وممّا يستحقّ الانتباه أنّه يعبّر بـ( لا يَجْزِي ) في مورد الأب ، وهي صيغة المضارع ، أمّا في شأن الابن فإنّه يعبّر باسم الفاعل (جاز) وهذا التفاوت في التعبير لعلّه من باب التنوّع في الكلام ، أو إشارة إلى واجب ومسئولية الابن تجاه الأب ، لأنّ اسم الفاعل يؤدّي معنى الدوام والتكرار أكثر.

وبتعبير آخر ، فإنّ المتوقّع من العواطف الأبوية أن يتحمّل الأب مقدارا من العذاب عن ابنه ، كما كان في الدنيا يتحمّل المصاعب والمشاكل في سبيله ، لكن من

٧٦

الابن أن يتحمّل مصائب الأب أكثر وفاء لحقوق الابوّة المترتّبة عليه ، في حين أن أيّا منهما لا يتحمّل أدنى مشكلة عن الآخر ، وكلّ منهما مشغول بأعماله ، وحائر في أمره ونفسه.

وتحذّر الآية في النهاية البشر من شيئين ، فتقول :( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) أي الشيطان.

في الواقع ، يلاحظ هنا نهيان في مقابل الأمرين اللذين كانا في بداية الآية ، فإنّ الإنسان إذا نمت فيه مسألة التوجّه إلى الله ، والخوف من الحساب والجزاء ، فلا يخاف عليه من الانحراف والفساد ، إلّا من طريقين :

أحدهما : أن تغلب زخارف الدنيا وزبرجها الحقائق في عينيه بصور اخرى ، وتسلب منه القدرة على التشخيص ، لأنّ حبّ الدنيا رأس كلّ الخطايا وأساسها.

والآخر : أن تخدعه وساوس الشيطان وتغرّه ، وتبعده عن المبدأ والمعاد.

فإذا أغلق طريقي نفوذ المعصية والذنب هذين ، فسوف لا يهدّده أيّ خطر ، وعلى هذا فإنّ الدساتير والبنود الأربعة أعلاه تمثّل مجموعة كاملة من برنامج نجاة وخلاص الإنسان.

وفي آخر آية من هذه السورة ، وبمناسبة البحث الذي جاء في الآية السابقة حول يوم القيامة ، يدور الكلام عن العلوم المختّصة بالله سبحانه ، فتقول :( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ) ومطّلع على جميع جزئياته وتفاصيله

( وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) .

فكأنّ مجموع هذه الآية جواب عن سؤال يطرح في باب القيامة ، وهو نفس السؤال الذي سأل المشركون به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرارا وتكرارا ، وقالوا :( مَتى هُوَ ) ؟(١) ، فيجيبهم القرآن عن سؤالهم ، ويقول : لا يعلم أحد بموعد قيام القيامة إلّا الله

__________________

(١) الإسراء ، ٥١.

٧٧

سبحانه ، وطبقا لصريح آيات اخرى ، فإنّ الله أخفى هذا العلم عن الجميع :( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها ) (١) ، وذلك كي لا يحيط الغرور والغفلة بأطراف البشر.

ثمّ تقول الآية : إنّ مسألة القيامة ليست هي المسألة الوحيدة الخافية عليكم ، ففي حياتكم اليومية ، ومن بين أقرب المسائل المرتبطة بحياتكم ومماتكم ، مسائل كثيرة تجهلونها

أنتم لا تعلمون زمان نزول قطرات المطر ، والتي ترتبط بها حياة كلّ الكائنات الحيّة ، وإنّما تتوقّعونها على أساس الحدس والظنّ والتخمين.

وكذلك زمان تكوّنكم في بطون الامّهات وخصائص الجنين فلا علم لأحد منكم بذلك.

ومستقبلكم القريب ، أي حوادث الغد ، وكذلك مكان موتكم وتوديعكم للحياة ، خاف على الجميع.

فإذا كنتم جاهلين بهذه المسائل القريبة من حياتكم والمتّصلة بها ، فلا مجال للعجب من عدم علمكم بلحظة قيام القيامة(٢) .

ونقل في الدرّ المنثور : أنّ رجلا يقال له «الوراث» ، من بني «مازن بن حفصة» ، جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا محمّد ، متى تقوم الساعة؟ وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب؟ وقد تركت امرأتي حبلى فمتى تلد؟ وقد علمت ما كسبت اليوم فما ذا أكسب غدا؟ وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ فنزلت هذه الآية(٣) .

* * *

__________________

(١) سورة طه ، ١٥.

(٢) صحيح أنّ جملة (ينزل الغيث) في الآيات أعلاه لا تتحدّث عن مسألة علم الله ـ ولهذا السبب فإنّ البعض اعتبر هذه الجملة استثناء من بين هذه الجمل ، وجعلها مبيّنة لقدرة الله لا علمه ، إلّا أنّ انسجام الجمل الخمس مع بعضها من جهة ، والروايات المتعدّدة التي وردت في نهج البلاغة وكتب اخرى ـ وسنشير إليها قريبا ـ من جهة اخرى ، قرينة على أنّها ترتبط بعلم الله أيضا.

(٣) تفسير الدرّ المنثور ، طبقا لنقل تفسير الميزان ، الجزء ، ١٦ صفحة ٢٤١.

٧٨

بحوث

١ ـ أنواع الغرور والخدع!

إنّ الآيات أعلاه تحذّر من الانخداع والاغترار بزخارف الحياة الدنيا وبهارجها ، ثمّ تتحدّث عن خدع الشيطان ومكائده ، وتعلن عن خطورته ، لأنّ الناس عدّة أقسام :

فبعضهم ضعيف وعاجز إلى الحدّ الذي يكفي لخداعه والتغرير به مجرّد رؤية زخارف الدنيا.

أمّا القسم الذي يمتلك مقاومة أكثر ، فلا بدّ أن تزداد الوساوس الشيطانية لازدياد مقاومتهم ، ويتّحد لإضلالهم وخداعهم الشيطان الداخلي والخارجي. وتعبيرات الآية أعلاه تحذير لأفراد كلا الفئتين.

وممّا يجدر ذكره أنّ (الغرور) على وزن «جسور» يعني كلّ موجود خدّاع ، وإنّما فسّروها بالشيطان لأنّه مصداقها الواضح في الحقيقة ، وإلّا فإنّ كلّ إنسان خدّاع ، وكلّ كتاب مضلّ ، وأيّ مقام ومنصب يوسوس ، وكلّ موجود يخدع الإنسان ويضلّه فإنّه يدخل في المفهوم الواسع لهذه الكلمة ، اللهمّ إلّا أن نعطي للشيطان من سعة المعنى بحيث يشمل كلّ المعاني المتقدّمة ، ولهذا فإنّ الراغب في مفرداته يقول : فالغرور كلّ ما يغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان ، وقد فسّر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين.

وقد فسّرها البعض بالدنيا لخداعها وغرورها ، كما نقرأ في نهج البلاغة : «تغرّ وتضرّ وتمرّ»(١) .

٢ ـ خداع الدنيا

لا شكّ أنّ كثيرا من مظاهر الحياة الدنيا غارّة ومضلّة ، وقد تشغل الإنسان بها

__________________

(١) وردت جملة (تغرّ وتضرّ وتمرّ) في شأن الدنيا في نهج البلاغة في باب الحكم القصار لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ٤١٥.

٧٩

أحيانا حتّى يغفل عن كلّ شيء ، ولا يشتغل إلّا بها ، ولذلك نقرأ في بعض الروايات عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حينما سأله بعضهم : أيّ الناس أثبت رأيا؟ قال : «من لم يغرّه الناس من نفسه ، ولم تغرّه الدنيا بتشويقها»(١) .

ولكن ، ومع هذه الحال ، فإنّ في طيّات مشاهد هذه الدنيا الخدّاعة المختلفة ، مشاهد وحوادث ناطقة معبّرة عن زوال هذا العالم ، وكون زخارفه وزبارجه جوفاء خالية بأبلغ تعبير وأوضحه ، تلك الحوادث تستطيع أن توقظ كلّ إنسان عاقل ، بل وتجعل الأغبياء عاقلين حكماء.

ففي حديث : أنّ أمير المؤمنين علياعليه‌السلام سمع رجلا يذمّ الدنيا وكان يعدّها خدّاعة ، فقالعليه‌السلام : «أيّها الذامّ للدنيا المغترّ بغرورها ، المخدوع بأباطيلها ، أتغترّ بالدنيا ثمّ تذمّها؟

أنت المتجرّم عليها ، أم هي المتجرّمة عليك؟

متى استهوتك؟ أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع امّهاتك تحت الثرى ...؟!

إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها ، مسجد أحبّاء الله ، ومصلّى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ...»(٢) .

٣ ـ هذه العلوم الخمسة مختصّة بالله

إنّ أسلوب الآية أعلاه يحكي أنّ العلم بالقيامة ، ونزول المطر ، ووضعيّة الجنين في رحم الامّ ، والأمور التي سيقوم بها الإنسان في المستقبل ، ومحلّ موته منحصر بالله ، ولا سبيل للآخرين إلى العلم بذلك ، إضافة إلى هذا فإنّ الرّوايات الواردة في

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، وفقا لنقل نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٢١٧.

(٢) نهج البلاغة ، الحكم القصار ، جملة ١٣١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510