الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 581
المشاهدات: 160069
تحميل: 5228


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 160069 / تحميل: 5228
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 14

مؤلف:
العربية

الاولى : «الملائكة المقرّبون»( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .(١)

والثانية : الأشخاص الذين بلغوا بإيمانهم أكمل الإيمان ويسمّيهم القرآن «المخلصين» فيقول عنهم :( أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ) (٢) (٣) .

وعلى كلّ حال ، فقد كان هذا مآل ذلك الرجل المؤمن المجاهد الصادق الذي أدّى رسالته ولم يقصّر في حماية الرسل الإلهيين ، وارتشف في النهاية كأس الشهادة ، وقفل راجعا إلى جوار رحمة ربّه الكريم.

ولكن لننظر ما هو مصير هؤلاء القوم الطغاة الظلمة؟.

مع أنّ القرآن الكريم لم يورد شيئا في ما انتهى إليه عمل هؤلاء الثلاثة من الرسل الذين بعثوا إلى هؤلاء القوم ، لكن جمعا من المفسّرين ذكروا أنّ هؤلاء قتلوا الرسل أيضا إضافة إلى قتلهم ذلك الرجل المؤمن ، وفي حال أنّ البعض الآخر يصرّح بأنّ هذا الرجل الصالح شاغل هؤلاء القوم بحديثه وبشهادته لكي يتسنّى لهؤلاء الرسل التخلّص ممّا حيك ضدّهم من المؤامرات ، والانتقال إلى مكان أكثر أمنا ، ولكن نزول العذاب الإلهي الأليم على هؤلاء القوم قرينة على ترجيح القول الأوّل ، وإن كان التعبير «من بعده» (أي بعد شهادة ذلك المؤمن) يدلّل ـ في خصوص نزول العذاب الإلهي ـ على أنّ القول الثاني أصحّ «تأمّل بدقّة!!».

رأينا كيف أصرّ أهالي مدينة أنطاكية على مخالفة الإلهيين ، والآن لننظر ما ذا كانت نتيجة عملهم؟

القرآن الكريم يقول في هذا الخصوص :( وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ ) .

__________________

(١) الأنبياء ، ٢٧.

(٢) المعارج ، ٣٥.

(٣) الميزان ، المجلّد ١٧ ، صفحة ٨٢.

١٦١
١٦٢

بداية الجزء الثالث والعشرون

من

القرآن الكريم

١٦٣
١٦٤

فلسنا بحاجة إلى تلك الأمور ، وأساسا فانّه ليس من سنّتنا لإهلاك قوم ظالمين أن نستخدم جنود السماء ، لأنّ إشارة واحدة كانت كافية للقضاء عليهم جميعا وإرسالهم إلى ديار العدم والفناء ، إشارة واحدة كانت كافية لتبديل عوامل حياتهم ومعيشتهم إلى عوامل موت وفناء ، وفي لحظة خاطفة تقلب حياتهم عاليها سافلها.

ثمّ يضيف تعالى( إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ) .

هل أنّ تلك الصيحة كانت صدى صاعقة نزلت من الغيوم على الأرض وهزّت كلّ شيء ، ودمّرت كلّ العمران الموجود ، وجعلت القوم من شدّة الخوف والوحشة يستسلمون للموت؟

أو أنّها كانت صيحة ناتجة عن زلزلة خرجت من قلب الأرض فضجّت في الفضاء بحيث أنّ موج انفجارها أهلك الجميع.

أيّا كانت فإنّها لم تكن سوى صيحة لم تتجاوز اللحظة الخاطفة في وقوعها ، صيحة أسكتت جميع الصيحات ، هزّة أوقفت كلّ شيء عن التحرّك ، وهكذا هي قدرة الله سبحانه وتعالى ، وهكذا هو مصير قوم ضالّين لا نفع فيهم.

الآية الأخيرة تتعرّض إلى طريقة جميع متمرّدي التاريخ إزاء الدعوات الإلهية لأنبياء الله بلهجة جميلة تأسر القلوب فتقول :( يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

وا أسفاه عليهم أن أغلقوا نافذة الرحمة الإلهية عليهم! وا أسفاه عليهم أن كسّروا مصباح هدايتهم!! ، هؤلاء الضالّون المحرومون من السعادة لم يكتفوا بعدم الاستماع بآذان قلوبهم لنداء قادة البشرية العظام فقط ، بل إنّهم أصرّوا على السخرية والاستهزاء منهم ثمّ بادروا إلى قتلهم. مع أنّهم علموا المصير المشؤوم للطغاة الكفّار من قبلهم ، وسمعوا أو قرءوا على صفحات التأريخ كيف كانت خاتمتهم الأليمة ، ولكنّهم لم يعتبروا بالمواعظ وسلكوا نفس المسير ، وصاروا إلى

١٦٥

نفس المصير.

ومن الواضح أنّ هذه الجملة هي قول الله تعالى ، لأنّ جميع هذه الآيات توضيح منه تعالى ، غير أنّ من الطبيعي أن الحسرة هنا ـ بمعناها المتعارف وهو الغمّ على ما فات ـ لا تنطبق على الله سبحانه وتعالى ، كما أنّ (الغضب) وأمثاله أيضا لا يصدر بمفهومه المتعارف من الله سبحانه ، بل المقصود أنّ حال تلك الفئة التعيسة سيء إلى حدّ أنّ كلّ إنسان يطّلع عليه يتأسّف ويتحسّر متسائلا : لماذا غرقوا في تلك الدوامة مع توفّر كلّ وسائل النجاة؟

التعبير بـ «عباد» إشارة إلى أنّ العجب أن يكون هؤلاء العباد غارقين بنعم الله سبحانه وتعالى ثمّ يرتكبون مثل تلك الجنايات.

* * *

بحوث

١ ـ قصّة رسل أنطاكية

(أنطاكية) واحدة من أقدم مدن الشام التي بنيت ـ على قول البعض ـ بحدود ثلاثمائة سنة قبل الميلاد. وكانت تعدّ من أكبر ثلاث مدن رومية في ذلك الزمان من حيث الثروة والعلم والتجارة.

تبعد (أنطاكية) مائة كيلومتر عن مدينة حلب ، وستّين كيلومترا عن الإسكندرية.

فتحت من قبل (أبي عبيدة الجراح) في زمن الخليفة الثاني ، وقبل أهلها دفع الجزية والبقاء على ديانتهم.

احتلّها الفرنسيون بعد الحرب العالمية الاولى ، وحينما أراد الفرنسيون ترك الشام ألحقوها بالأراضي التركية خوفا على أهالي أنطاكية من أن يمسّهم سوء بعد خروجهم لأنّهم نصارى مثلهم.

١٦٦

(أنطاكية) تعتبر بالنسبة إلى النصارى كالمدينة المنورة للمسلمين ، المدينة الثانية في الأهمية بعد بيت المقدس ، التي ابتدأ المسيحعليه‌السلام منها دعوته ، ثمّ هاجر بعض من آمن بالمسيحعليه‌السلام ـ بولس وبرنابا ـ(١) إلى أنطاكية ودعوا الناس هناك إلى المسيحية ، وبذا انتشرت المسيحية هناك ، وبهذا اللحاظ أشار القرآن الكريم إلى هذه المدينة لأهميّتها(٢) .

«الطبرسي» ـ أعلى الله مقامه ـ في تفسير مجمع البيان يقول : قالوا بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى مدينة أنطاكية ، فلمّا قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو (حبيب) صاحب (يس) فسلّما عليه.

فقال الشيخ لهما : من أنتما؟

قالا : رسولا عيسى ، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن.

فقال : أمعكما آية؟

قالا : نعم ، نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله.

فقال الشيخ : إنّ لي ابنا مريضا صاحب فراش منذ سنين.

قالا : فانطلق بنا إلى منزلك نتطلّع حاله ، فذهب بهما فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله صحيحا ، ففشا الخبر في المدينة وشفى الله على أيديهما كثيرا من المرضى.

وكان لهم ملك يعبد الأصنام فانتهى الخبر إليه ، فدعاهما فقال لهما : من أنتما؟

قالا : رسولا عيسى ، جئنا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر.

فقال الملك : ولنا إله سوى آلهتنا؟

__________________

(١) «بولس» من المبلّغين المسيحيين المعروفين الذي سعى كثيرا في نشر الديانة المسيحية. «برنابا» ـ بفتح الباء ـ اسمه الأصلي «يوسف» كان من أصدقاء بولس ومرقس ، له إنجيل معروف ذكر فيه كثيرا البشارة بظهور نبي الإسلام ، ولكن المسيحيين لا يعتقدون بصحّته ويقولون انّ هذا الإنجيل قد كتبه أحد المسلمين.

(٢) تفسير «أبو الفتوح الرازي» وهامش العالم المرحوم «الشعراني».

١٦٧

قالا : نعم ، من أوجدك وآلهتك.

قال : قوما حتّى أنظر في أمركما ، فأخذهما الناس في السوق وضربوهما.

وروي أنّ عيسىعليه‌السلام بعث هذين الرّسولين إلى أنطاكية فأتياها ولم يصلا إلى ملكها ، وطالت مدّة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبّروا وذكرا الله فغضب الملك وأمر بحبسهما ، وجلد كلّ واحد منهما مائة جلدة ، فلمّا كذب الرسولان وضربا ، بعث عيسى (شمعون الصفا) رأس الحواريين على أثرهما لينصرهما ، فدخل شمعون البلدة متنكّرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتّى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه ورضي عشرته وأنس به وأكرمه ، ثمّ قال له ذات يوم : أيّها الملك بلغني أنّك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما. قال الملك حال الغضب بيني وبين ذلك. قال : فإن رأى الملك دعاهما حتّى نتطلّع ما عندهما فدعاهما الملك.

فقال لهما شمعون : من أرسلكما إلى هاهنا.

قالا : الله الذي خلق كلّ شيء لا شريك له.

قال : وما آيتكما.

قالا : ما تتمنّاه.

فأمر الملك أن يأتوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة. فما زالا يدعوان حتّى انشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاها في حديقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فتعجب الملك.

فقال شمعون للملك : أرأيت لو سألت إلهك حتّى يصنع صنيعا مثل هذا فيكون لك ولإلهك شرفا؟

فقال الملك : ليس لي عنك سرّ ، إنّ إلهنا الذي نعبده لا يضرّ ولا ينفع.

ثمّ قال الملك للرسولين : إن قدر إلهكما على إحياء ميّت آمنّا به وبكما.

قالا : إلهنا قادر على كلّ شيء.

١٦٨

فقال الملك : إنّ هاهنا ميّتا مات منذ سبعة أيّام لم ندفنه حتّى يرجع أبوه ـ وكان غائبا ـ فجاءوا بالميّت وقد تغيّر وأروح ، فجعلا يدعوان ربّهما علانية ، وجعل شمعون يدعو ربّه سرّا ، فقام الميّت وقال لهم : إنّي قدمتّ منذ سبعة أيّام ، وأدخلت في سبعة أودية من النار وأنا احذّركم ممّا أنتم فيه ، فآمنوا بالله فتعجّب الملك.

فلمّا علم شمعون أنّ قوله أثّر في الملك ، دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر آخرون.

ونقل «العياشي» في تفسيره مثل هذه الرواية عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام مع بعض التفاوت(١) .

ولكن بمطالعة الآيات السابقة ، يبدو من المستبعد أنّ أهل تلك المدينة كانوا قد آمنوا ، لأنّ القرآن الكريم يقول :( إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ) . ويمكن أن يكون هناك اشتباه في الرواية من جهة الراوي.

ومن الجدير بالملاحظة أيضا أنّ التعبير بـ «المرسلون» في الآيات أعلاه يدلّل على أنّهما أنبياء مرسلون من الله تعالى ، علاوة على أنّ القرآن الكريم يقول : بأنّ أهالي تلك المدينة( قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ ) ، ومثل هذه التعبيرات ترد في القرآن الكريم عادة فيما يخصّ الأنبياء ، وإن كان قد قيل بأنّ رسل الأنبياء هم رسل الله ، ولكن هذا التوجيه يبدو بعيدا.

٢ ـ ما نتعلّمه من هذه القصّة

نتعلّم من القصّة التي عرضتها الآيات السابقة أمورا عديدة منها :

الف ـ أنّ المؤمنين لا يستوحشون أبدا من سلوك طريق الله سبحانه وتعالى منفردين كما هو حال المؤمن «حبيب النجّار» الذي لم ترهبه كثرة المشركين في مدينته.

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلّد ٤ (الجزء ٨) ـ صفحة ٤١٩.

١٦٩

يقول أمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة والسلام : «لا تستوحشوا من طريق الهدى لقلّة أهله»(١) .

ب ـ المؤمن عاشق لهداية الناس ، ويتألّم لضلالهم ، وحتّى بعد شهادته يتمنّى أن يرى الآخرون مقامه ليكون سببا في إيمانهم!

ج ـ محتوى دعوة الأنبياء بحدّ ذاتها دليل على هدايتهم وحقّانيتهم( وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) .

د ـ الدعوة إلى الله يجب أن تكون خالية من أي ترقّب للأجر لكي تكون مؤثّرة.

ه ـ تارة يكون الضلال مكشوفا وواضحا ، أي أنّه ضلال مبين ، وعبادة الأوثان تعدّ مصداقا واضحا لـ «الضلال المبين».

و ـ أهل الحقّ يستندون إلى الواقعيات ، والضالّون يستندون إلى أوهام وظنون.

ز ـ إذا كان هناك شؤم ونكبات فإنّ سببها نفس الإنسان وأعماله.

ح ـ الإسراف سبب لكثير من الانحرافات والنكبات.

ط ـ وظيفة الأنبياء وأتباعهم «البلاغ المبين» والدعوة العلنية ، سواء استجاب الناس أو لم يستجيبوا.

ي ـ التجمّع والكثرة من العوامل المهمّة للنصرة والعزّة والقوّة( فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ) .

ك ـ إنّ الله لا يحتاج لتدمير أئمّة التمرّد والعصيان إلى تجنيد طاقات الأرض والسماء ، بل تكفي الإشارة.

ل ـ لا فاصلة بين الشهادة والجنّة ، والشهيد قبل أن يغادر الدنيا يقع في أحضان الحصور العين(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠١ ، صفحة ٣١٩.

(٢) ذكرنا رواية شريفة مفصّلة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال عند تفسير سورة (آل عمران) ذيل الآية ١٦٩.

١٧٠

م ـ إنّ الله يطهّر الإنسان من الذنوب أوّلا ثمّ يقربه إلى جوار رحمته( بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) .

ن ـ يجب على مريد الحقّ أن لا يستوحش من مخالفة الأعداء ، لأنّ ذلك ديدنهم على مدى الدهور( يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

وأي حسرة أكبر وأشدّ من أن يغلق الإنسان ـ لمجرّد تعصّبه وغروره ـ عينيه ، فلا يبصر الشمس المضيئة الساطعة.

س ـ كان المستضعفون يؤمنون بالأنبياء قبل جميع الناس( وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ ).

ع ـ وهم الذين لم يتعبوا ولم يكلّوا من طريق الحقّ ، ولم يكن لسعيهم واجتهادهم حدّ.( يَسْعى ) .

ف ـ يجب تعلّم طريقة التبليغ والدعوة إلى الله من الرسل الإلهيين الذين استفادوا من جميع الأساليب والطرائق المؤثّرة لأجل النفوذ في قلوب الغافلين ، وفي الآية أعلاه والروايات التي أدرجناها نموذج على ذلك.

٣ ـ ثواب وعقاب البرزخ

ورد في الآيات الماضية أنّ (المؤمن حبيب النجّار) بعد شهادته دخل الجنّة وتمنّى أن لو يعلم قومه بمصيره. ومن المسلّم أنّ هذه الآيات ـ كما هو الحال في الآيات الاخرى التي تتحدّث عن الشهداء ـ ليست مربوطة بالجنّة المقصودة بعد يوم القيامة والتي تكون بعد البعث والحساب في المحشر.

من هنا يتّضح أنّ وراءنا جنّة وجحيما في البرزخ أيضا ، يتنعّم فيها الشهداء ويحترق فيها الطغاة من أمثال «آل فرعون» ومع الالتفات إلى هذا المعنى ، تنحلّ

١٧١

كثير من الإشكالات فيما يخصّ الجنّة والنار ، من أمثال ما ورد في روايات الإسراء والمعراج وأمثالها.

٤ ـ قادة الأمم

نقل في تفسير الثعلبي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «سبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون ، فهم الصدّيقون وعلي أفضلهم»(١) .

كما ورد هذا المعنى تقريبا في رواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوردها صاحب تفسير «الدرّ المنثور» عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجّار مؤمن آل ياسين الذي قال : يا قوم اتّبعوا المرسلين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم»(٢) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٢١ القرطبي ـ الميزان ، نور الثقلين.

(٢) تفسير الدرّ المنثور ، على ما نقله الميزان ، المجلّد ١٧ ، صفحة ٨٦.

١٧٢

الآيتان

( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) )

التّفسير

الغفلة الدائمة :

تتحدّث هاتان الآيتان ـ استنادا إلى ما مرّ في الآيات السابقة ـ عن الغفلة المستمرّة لمجموعة كبيرة من البشر في هذا العالم على مرّ العصور والقرون ، فتقول الآية :( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ) (١) .

فهؤلاء الكفّار ليسوا بدعا من الأمر ، فقد كان قبلهم أقوام آخرون تمرّدوا على الحقّ مثلهم عاشوا في هذه الدنيا ، ومصائرهم الأليمة التي ملأت صفحات التأريخ ، والآثار المعبّرة التي بقيت في مدنهم المدمّرة ، كلّها شاخصة أمام العيان ، فهل يكفي ذلك المقدار لتحقّق العبرة والإعتبار؟

ولكن على من يعود ضمير الجمع في( أَلَمْ يَرَوْا ) ؟

__________________

(١) الاستفهام في الآية أعلاه استفهام تقريري و «كم» خبرية ، وهي هنا بمعنى الكثرة في محلّ مفعول به للفعل (يروا) و (من القرون) توضيح لذلك. و «قرون» كما ذكرنا سابقا تأتي بمعنى العصور وهي جمع (قرن) مائة سنة أو بمعنى (الجيل) الذي يعيش في زمان معيّن.

١٧٣

احتمل المفسّرون عدّة وجوه :

الأوّل : أنّه يعود على «أصحاب القرية» الذين تحدّثت الآيات السابقة حولهم.

والثاني : أنّه يعود على «أهل مكّة» الذين نزلت هذه الآيات لتنبيههم.

ولكن يستدلّ من الآية السابقة( يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ) على أنّ المقصود هو جميع البشر ، إذ أنّ كلمة «العباد» في الآية المذكورة تشمل جميع البشر على طول التاريخ ، الذين ما إن جاءهم الأنبياء حتّى هبّوا لمخالفتهم وتكذيبهم والاستهزاء بهم ، وعلى كلّ حال فهي دعوة لجميع البشر بأن يتأمّلوا في تأريخ القدماء ، ويعتبروا من آثارهم التي خلّفوها ، بفتح قلوبهم وبصائرهم.

في آخر الآية يضيف تعالى :( أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ) (١) .

أي أنّ المصيبة الكبرى في استحالة رجوعهم إلى هذه الدنيا لجبران ما فاتهم وتبديل ذنوبهم حسنات ، لأنّهم دمّروا كلّ الجسور خلفهم ، فلم يبق لهم سبيل للرجوع أبدا.

هذا التّفسير يشبه بالضبط ما

قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) حينما تحدّث في أخذ العبرة من الموتى فقال : «لا عن قبيح يستطيعون انتقالا ولا في حسن يستطيعون ازديادا».(٢)

وتضيف الآية التالية( وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ ) (٣) .

أي أنّ المسألة لا تنتهي بهلاكهم وعدم استطاعتهم العودة إلى هذه الدنيا ، كلّا فانّ الموت في الحقيقة بداية الشوط وليس نهايته ، فعاجلا سيحضر الجميع في

__________________

(١) هذه الجملة بدل عن «كم أهلكنا» والتقدير «ألم يروا أنّهم إليهم لا يرجعون» البعض احتمل أيضا أنّ الجملة حالية (حال الهالكين).

(٢) نهج البلاغة ، خطبة ١٨٨.

(٣) المعروف بين المفسّرين حول تركيب هذه الآية : «إنّ» نافية. والبعض قال : إنّها مخفّفة لذا فإنّها لا تنصب ما بعدها ، و «لمّا» بمعنى «إلّا» ، بلحاظ أنّ ذلك ورد في كلام العرب ، و (جميع) بمعنى «مجموع» خبر «كلّ» (تنوين كل) بدل عن مضاف إليه محذوف تقديره «هم» والأصل «كلّهم») و «محضرون» إمّا خبر بعد خبر ، أو صفة لـ «جميع» وعلى ذلك تكون الجملة في التقدير هكذا «وما كلّهم إلّا مجموعون يوم القيامة محضرون لدينا».

١٧٤

عرصة المحشر للحساب ، ثمّ العقاب الإلهي المتلاحق والمستمر في انتظارهم.

إذا كانت الحال كذلك أفلا ينبغي عليهم الإعتبار من مصير هؤلاء السابقين لهم ، والاستفادة من الفرصة قبل الفوت للابتعاد عن مواجهة ذلك المصير المشؤوم.

نعم ، فلو كان الموت خاتمة لكلّ شيء ، لكان ممكنا أن يقولوا بأنّه بداية راحتهم ، ولكن يا حسرة!! وكما يقول الشاعر :

ولو أنّا إذا متنا تركنا

لكان الموت راحة كلّ حيّ

ولكنّا إذا متنا بعثنا

ونسأل بعده عن كلّ شيء

* * *

١٧٥

الآيات

( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) )

التّفسير

آيات اخرى!!

ممّا مرّ بحثه في الآيات السابقة حول جهاد الرسل ضدّ الشرك وعبادة الأوثان ، وكذلك التعرّض إلى مسألة المعاد في الآية الأخيرة من المقطع السابق ، توضّح الآيات ـ مورد البحث ـ مسألتي التوحيد والمعاد معا لإيقاظ المنكرين لهاتين المسألتين ودفعهم إلى الإيمان.

تتعرّض الآية الاولى إلى قضيّة إحياء الأرض الميتة والبركات التي تعود على الإنسان من ذلك فتقول :( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ

١٧٦

يَأْكُلُونَ ) (١) .

قضيّة الحياة والبقاء من أهمّ دلائل التوحيد ، وهي قضيّة في واقعها معقّدة ومليئة بالألغاز وباعثة على الدهشة ، إذ أنّها حيّرت عقول العلماء جميعا ، فبرغم التطور والتقدّم الحاصل في وسائل الدراسة وفي العلوم بشكل عام ، لا زال الكثير من الأسرار تنتظر الحلّ! وحتّى الآن لم يعلم تحت تأثير أي العوامل تتحوّل موجودات ميتة إلى خلايا حيّة؟

حتّى الآن ، لم يعرف كيف تتكوّن طبقات خلايا البذور؟ وما هي القوانين المعقّدة التي تحكمها؟ بحيث أنّها بمجرد توفّر الشرائط المساعدة تبدأ بالتحرّك والنمو والرشد. وتستلّ من ذرّات التراب الميتة وجودها ، وبهذا الطريق تتحوّل الموجودات الميتة إلى أنسجة موجودات حيّة فتعكس في كلّ يوم مظهرا مختلفا من مظاهر حياتها ونموّها.

قضيّة الحياة في عالم النباتات والحيوانات وإحياء الأرض الميتة تعتبر من جانب دليلا على وجود معلومات وقوانين دقيقة سخّرت في خلق ذلك العالم ، ومن جانب آخر تعتبر دليلا على البعث بعد الموت.

ومن الواضح أنّ الضمير في «لهم» يعود على كلمة «العباد» التي ورد ذكرها في الآيات السابقة ، والمقصود من «العباد» هنا هم جميع الذين وقعوا في خطأ في تقدير مسألة المبدأ والمعاد ، والذي عدّ القرآن الكريم وضعهم باعثا على الحسرة والأسف.

تنكير «آية» ، إشارة إلى عظمة وأهميّة ووضوح تلك الآية التوحيدية.

جملة( فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ) إشارة من جانب إلى أنّ الإنسان يستفيد من بعض بذور النباتات للتغذية ، بينما بعضها غير قابل للأكل ، ولكن له فوائد اخرى كتغذية

__________________

(١) وردت احتمالات عديدة في إعراب الآية ، ولكن أوضحها على ما يبدو ، هو كون «آية لهم» خبر مقدّم و «الأرض الميتة» مبتدأ مؤخّر ، و «أحيينا» جملة استئنافية وهي توضيح وتفسير للجملة السابقة.

١٧٧

الحيوانات ، وصناعة الأصباغ ، والأدوية ، والأمور الاخرى التي لها أهميّة في حياة الإنسان.

ومن جانب آخر فإنّ تقديم «منه» على «يأكلون» والذي يدلّ عادة على الحصر ، هو لبيان أنّ أكثر وأفضل تغذية للإنسان هي من المواد النباتية إلى درجة أنّه يمكن القول أنّ جميع غذاء الإنسان يتشكّل منها.

الآية التالية توضيح وشرح للآية الاولى من هذه الآيات ، فهي توضّح كيفية إحياء الأرض الميتة ، فتقول :( وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ ) .

كان الحديث في الآية الاولى عن الحبوب الغذائية ، بينما الحديث هنا عن الفواكه المقوّية والمغذّية والتي يعدّ «التمر» و «العنب» أبرز وأهمّ نماذجها حيث يعتبر كلّ منهما غذاء كاملا.

وكما أشرنا سابقا فقد دلّت دراسات العلماء وبحوثهم على أنّ هاتين الفاكهتين تحتويان على الفيتامينات والمواد الحياتية المختلفة واللازمة لجسم الإنسان ، إضافة إلى أنّ هاتين الفاكهتين يمكن حفظهما وتناولهما طازجتين أو مجفّفتين على مدار العام.

«أعناب» جمع «عنب» و «النخيل» ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ جمعه «نخل» ولكن باختلاف بين الكلمتين ، (فالعنب) يطلق على الثمرة نفسها ، ومن النادر إطلاقه على شجرة العنب ولكن «النخل» اسم للشجرة ، و (الثمرة) يقال له «الرطب» أو «التمر».

يرى البعض بأنّ هذا الاختلاف في التعبير عن الفاكهتين بالإشارة إلى الشجرة مرّة وإلى الثمرة مرّة اخرى ، بسبب أنّ النخلة ـ وكما هو معروف ـ كلّها مفيدة وقابلة للاستفادة ، جذعها وجريدها وسعفها وأخيرا ثمرها ، في حين أنّ شجرة (الكرم) غالبا ما يستفاد من «عنبها» فقط ، وأمّا ساقها وأوراقها فلا يستفاد منها إلّا

١٧٨

قليلا.

وأمّا ما ورد من ذكر الاثنتين بصيغة الجمع ، فيبدو أنّه إشارة إلى الأنواع المختلفة لكلّ منهما ، إذ أنّ كلا منهما لها عشرات الأنواع تختلف في أشكالها وخصائصها ومذاقها.

والجدير بالملاحظة ـ أيضا ـ أنّ الحديث في هذه الآية تعرّض إلى إحياء الأرض الميتة دون أن يقرن ذلك بذكر المطر الذي عادة ما يذكر في مثل هذه المواضع ، وورد الحديث هنا عن «العيون» ، وذلك لأنّ المطر كاف لزراعة الكثير من المحاصيل والنباتات ، في حين أنّ الأشجار المثمرة تحتاج إلى الماء الجاري أيضا.

«فجّرنا» من مادّة «تفجير» وهو شقّ الشيء شقّا واسعا ، ومن هنا استخدمت الكلمة للتعبير عن العيون ، لأنّها تشقّ الأرض وتدفع ماءها إلى سطح الأرض(١) .

الآية التالية تشرح وتوضّح الهدف من خلق تلك الأشجار المباركة المثمرة فتقول : إنّ الغرض من خلقها لكي يأكلوا من ثمارها دون حاجة إلى بذل جهد في ذلك ودون تدخّل الإنسان في صناعتها( لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ) .

نعم ، ثمار على شكل غذاء كامل تظهر على أغصان أشجارها ، قابلة للأكل بمجرّد جنيها من أغصانها ، ولا تحتاج إلى طبخ أو أيّة تغييرات اخرى ، ذلك إشارة إلى غاية لطف الله بهذا الإنسان وكرمه.

حتّى أنّ ذلك الطعام الجاهز اللذيذ ، يمكن تجميعه وتعليبه لكي يحفظ لمدّة طويلة بدون أن ينقص من قيمته الغذائية شيء ، على خلاف الأغذية التي يصنعها الإنسان من المواد الطبيعية التي أعطاها الله له ، فهي غالبا ما تكون سريعة التلف

__________________

(١) من الجدير بالملاحظة أنّ الصيغة الثلاثية المجردة لها «فجر» بمعنى (الشقّ) وهنا استخدمت على وزن «تفعيل» بمعنى التكثير والتشديد.

١٧٩

والفساد.

ويوجد تفسير آخر أيضا لمعنى الآية ، وهو جدير بالنظر ، وذلك أنّ القرآن الكريم يريد الإشارة إلى الفواكه التي يمكن الاستفادة منها دون إدخال تغيير عليها ، وكذلك إلى أنواع الأغذية المختلفة التي يمكن الحصول عليها من تلك الفواكه ، بالقيام ببعض الأمور (في التّفسير الأوّل تكون (ما) في الجملة نافية ، بينما في التّفسير الثاني تكون موصولة).

وعلى كلّ حال ، فالهدف هو تحريك حسّ تشخيص الحقّ ، والشكر في الإنسان ، لكي يضعوا أقدامهم على أوّل طريق معرفة الله عن طريق الشكر ، لأنّ شكر المنعم أوّل قدم في طريق معرفته.

الآية الأخيرة من الآيات موضع البحث ، تتحدّث عن تسبيح الله وتنزيهه ، وتشجب شرك المشركين الذي ذكرته الآيات السابقة ، وتوضّح طريق التوحيد وعبادة الأحد الصمد للجميع فتقول :( سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) (١) .

نعم ، فالله الذي خلق كلّ هذه الأزواج في هذا العالم الواسع ، لا حدّ لعلمه وقدرته ومنزّه عن كلّ نقص وعيب ، لذا فلا شريك ولا شبيه له ، وإن عدّ بعض الناس الحجر والخشب الجامد الميّت نظائر له ، فإنّ تلك النسبة الباطلة لا تنقص من مقام كبريائه شيئا.

بديهي أنّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أن يسبّحه أحد ، إنّما ذلك تعليم للعباد ومنهاج عملي من أجل طي طريق التكامل.

__________________

(١) «سبحان» على قول جماعة من المفسّرين وعلماء الأدب هي «علم» للتسبيح ، لأنّ العلم (الاسم الخاصّ) يكون أحيانا للأشخاص فيسمّى «علم الشخص» ، وأحيانا للجنس فيسمّى «علم الجنس» ، وأحيانا للمعنى فيسمّى «علم المعنى» بناء على هذا فمفهوم «سبحان» هو تنزيه وتقديس الله من كلّ عيب ونقص ، تنزيها يتناسب وعظمة الخالق ، والعلم لا يضاف إلّا في «علم المعنى». قال البعض أيضا أنّ «سبحان» لها معنى مصدري ، ومفعول مطلق لفعل مقدّر ، وفي أيّة صورة فهي تبيّن التنزيه الإلهي بأوكد وجه.

١٨٠