الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل13%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168901 / تحميل: 6109
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

التي يحرم منهالعمرة التمتع - ومر بيانها - نعم، إذا كان المكلف في مكة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة جاز له أن يحرم من أدنى الحلّ، كالحديبية والجعرانة والتنعيم، ولا يجب عليه الرجوع الى المواقيت والإحرام منها(١) ، ويستثنى من ذلك من أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل السعي، فإنه يجب عليه الاحرام للعمرة المعادة من أحد المواقيت، ولايجزيه الاحرام من أدنى الحل على الاحوط، كما مر توضيحه في المسألة ٩٠.

مسألة ٣٩٩: لايجوز دخول مكة بل ولادخول الحرم إلا محرما(٢) ، فمن أراد الدخول فيهما في غير أشهر الحج وجب عليه

____________________

(١) فقد أحرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد رجوعه من الطائف من الجعرانة.

(٢) لعدة من النصوص، ففي صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام هل يدخل الرجل الحرم (مكة) بغير إحرام ؟ قال: « لا، إلا مريضا او من به بطن » وفي صحيحة عاصم عنهعليه‌السلام : « يدخل الحرم احد إلا محرما ؟ قال: لا، إلا مريض أو مبطون » وفي مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب جميل عن بعض اصحابه عن احدهماعليهما‌السلام في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من يومه، قال: « لابأس بأن يدخل بغير احرام» وفي مرسلة البختري وابان عن رجل عنهعليه‌السلام في الرجل يخرج

=

٣٦١

أن يحرم للعمرة المفردة، ويستثنى من ذلك من يتكرر منه الدخول والخروج لحاجة كالحطاب والحشاش ونحوهما(١) ، وكذلك من خرج من مكة بعد إتمامه أعمال عمرة التمتع والحج، أو بعد العمرة المفردة فإنه يجوز له العود إليها من دون إحرام قبل مضي الشهر الذي أدى فيه عمرته، وتقدم حكم الخارج من مكة بعد عمرة التمتع وقبل الحج في المسألة ١٠.

* مسألة ٤٠٠: إذا أتى بالعمرة المفردة نيابة عن الغير، وخرج من مكة ورجع قبل مضي الشهر الذي أدى فيه العمرة، فهل يجوز له

____________________

=

في الحاجة من الحرم، قال: « إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام »، وما في المعتمد من أن المراد من دخول الحرم هو دخول مكة لعدم الريب في عدم وجوب الاحرام لمن كانت له حاجة في الحرم ولم يرد النسك، ودعوى أن القدسية والمزية والحرمة لمكة بخصوصها، خلاف ظاهر النصوص وإن القدسية والمزية لمكة أولا وبالذات وللحرم، وإلا ماوجه تسميته بذلك.

(١) كما هو مفاد بعض النصوص.

* اذا تكرر خروجه يوميا أو ثلاث او أربع مرات في الاسبوع لم يلزمه الاحرام للدخول.

٣٦٢

العود من دون إحرام، فيه إشكال والاحوط تجديد الاحرام(١) .

* مسألة ٤٠١: الظاهر أن دخول الحرم أو مكة بلا إحرام حرام حدوثا(٢) لابقاءً، فإذا دخلهما بغير إحرام عمداً او لعذر لايجب عليه الخروج فوراً.

مسألة ٤٠٢: من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج وبقي في مكة إلى يوم التروية وقصد الحج كانت عمرته متعة(٣) ، فيأتي بحج التمتع، ولافرق في ذلك بين الحج الواجب والمندوب.

* لكن كل ذلك بشرط عدم الخروج من مكة - ولو الى جدة - بعد الاتيان بالعمرة المفردة الى يوم التروية، فإذا خرج منها لاتكون متعة.

____________________

(١) اذ الفصل المعتبر بين العمرتين فيما اذا كان عن نفسه، مع امكان واحتمال شمول النصوص الدالة على عدم الحاجة الى الاحرام إذا رجع في نفس الشهر للمقام أيضا.

(٢) اذ هو غاية مايستفاد من النصوص فراجع.

(٣) كما هو مقتضى الروايات وقد مر بعضها.

٣٦٣

أحكام المصدود

مسألة ٤٠٣: المصدود: هو الذي منعه العدو أو نحوه من الوصول الى الاماكن المقدسة لأداء مناسك الحج أو العمرة بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤٠٤: المصدود في العمرة المفردة إذا كان سائقا للهدي جاز له التحلل من إحرامه بذبح هديه أو نحره في موضع الصد(١) .

وإذا لم يكن سائقا وأراد التحلل لزمه تحصيل الهدي وذبحه أونحره، ولايتحلل بدونه على الاحوط(٢) .

____________________

(١) ففي موثقة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء.

(٢) كما هو مذهب الاكثر كما في المدارك والمفاتيح والذخيرة والرياض، بل في الغنية والمنتهى إجماعنا عليه، لقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة فان احصرتم فما استيسر من الهدي ) وموثقة زرارة المتقدمة، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما صده المشركون يوم الحديبية، وذهب والصدوقان وابن إدريس الى التحلل بدونه، لاختصاص الآية بالاحصار وعدم دلالتها صراحة على الوجوب، ومع التنزل يختص ذلك بمن ساق الهدي، وأما

=

٣٦٤

والاحوط لزوما ضم الحلق أو التقصير إلى الذبح أو النحر في كلتا الصورتين(١) .

____________________

=

موثقة زرارة وغيرها فكذلك تقيّد بما اذا ساق الهدي وإلا فيتخير بين الحلق والتقصير، كما يشير إليه مارواه علي بن ابراهيم بسند صحيح من أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بنحر ماساقوه معهم من الابل وحلق رؤوسهم وأما من لم يسق فخيره بين الحلق والتقصير، فعن الصادقعليه‌السلام قال - في حديث طويل -: فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله تعظيماً للبدن رحم الله المحلّقين، وقال قوم لم يسوقوا البدن: يارسول الله والمقصرين ؟ لان من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثانياً رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي، فقالوا يارسول الله والمقصرين، فقال: رحم الله المقصرين»، ولعله منشأ الاحتياط والله العالم.

(١) تبعا للشهيدين في الدروس والروضة والمسالك جمعا بين الاخبار، ففي رواية حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير.

وفي صحيحة رفاعة عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: خرج الحسينعليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى الى السفيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه.

=

٣٦٥

وأما المصدود في عمرة التمتع، فإن كان مصدودا عن الحج ايضا فحكمه ماتقدم، وإلا - كما لو منع من الوصول الى البيت الحرام قبل الوقوفين خاصة - فلا يبعد انقلاب وظيفته الى حج الافراد(١) .

مسألة ٤٠٥: المصدود في حج التمتع إن كان مصدوداً عن الموقفين او عن الموقف بالمشعر خاصة، فالأحوط أن يطوف ويسعى ويحلق رأسه ويذبح شاة فيتحلل من إحرامه(٢) .

____________________

=

وفي موثقة الفضل بن يونس قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع ؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف الى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولاشيء عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع ؟ قال: هذا مصدود عن الحج إن كان دخل متمتعا بالعمرة الى الحج فليطف بالبيت اسبوعا، ثم يسعى اسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ولاشيء عليه.

وعن الشيخ في النهاية وظاهر الشرائع والنافع، بل المنسوب الى الاكثر كما في الرياض عدم توقف التحلّل عليهما أصلا قصورا في مقتضى الادلة.

(١) لشمول بعض أدلة الانقلاب له كما لايخفي فراجع.

(٢) كما هو مقتضى موثقة الفضل المتقدمة فانها ظاهرة على التبدل الى العمرة المفردة إذ الطواف والسعي والحلق من اعمالها، ووجوب الذبح لالكونه عمرة مفردة حتى يشكل بعدم القائل وإنما تطبيقا لقولهعليه‌السلام

=

٣٦٦

وإن كان مصدودا عن الطواف والسعي فقط - بأن منع من الذهاب الى المطاف والمسعى - فعندئذ ان لم يكن متمكنا من الاستنابة وأراد التحلل، فالاحوط أن يذبح أو ينحر هديا ويضم إليه الحلق او التقصير(١) .

وإن كان متمكنا من الاستنابة فلا يبعد جواز الاكتفاء بها(٢) ، فيستنيب لطوافه وسعيه ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإن كان مصدودا عن الوصول الى منى لأداء مناسكها فوقتئذ إن كان متمكنا من الاستنابة استناب للرمي والذبح او النحر(٣) ، ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره الى منى مع الإمكان، ويأتي ببقية المناسك.

____________________

=

في صحيحة زرارة «المصدود يذبح حيث صد»، وحيث ادعي الاجماع واتفاق الاصحاب كما في الجواهر على انه بالخيار بين التحلل بالذبح او البقاء على الاحرام حتى يفوت الموقفان ويتحلل بعمرة مفردة فالاحتياط في محله والله العالم.

(١) لصدق الصد حينئذٍ.

(٢) لحكومة أدلة الاستنابة على الصد كما لايخفي، وذهب في المعتمد الى قصور أدلة النيابة عن الشمول للمقام، مؤكداً كلامه بعدم المورد لعنوان المصدود لو قيل بشمولها، ولعل في كلامه مواضع للنظر والله العالم.

(٣) لتحقق العذر ومعه فعليه الاستنابة.

٣٦٧

وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة سقط عنه الذبح والنحر فيصوم بدلا عن الهدي(١) ، كما يسقط عنه الرمي أيضا - وإن كان الاحوط الإتيان به فى السنة القادمة بنفسه إن حج او بنائبه إن لم يحج - ثم يأتي بسائر المناسك من الحلق أو التقصير وأعمال مكة، فيتحلل بعد هذه كلها من جميع مايحرم عليه حتى النساء من دون حاجة الى شيء آخر.

مسألة ٤٠٦: المصدود من الحج أو العمرة إذا تحلل من إحرامه بذبح الهدي لم يجزئه ذلك عنهما(٢) ، فلو كان قاصداً أداء حجة الإسلام فصُد عنها وتحلّل بذبح الهدي، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت استطاعته أو كان الحج مستقراً في ذمته.

مسألة ٤٠٧: إذا صُدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار لم يضره ذلك بصحة حجه(٣) ، ولايجري عليه حكم المصدود، فيستنيب للرمي إن امكنه في سنته، وإلا قضاه في العام القابل بنفسه إن حج أو بنائبه إن لم يحج على الاحوط الاولى(٤) .

____________________

(١) لاشتراط الذبح في منى، فتنتقل وظيفته الى فاقد الهدي.

(٢) اذ مقتضى ادلة الصدّ هو التحلل لا الاجزاء والاكتفاء والبدلية.

(٣) بلا خلاف في ذلك.

(٤) وقد تقدم فراجع.

٣٦٨

مسألة ٤٠٨: لافرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة، ولو لم يتمكن منه فالاحوط أن يصوم بدلا عنه عشرة أيام(١) .

مسألة ٤٠٩: إذا جامع المحرم للحج امرأته قبل الوقوف بالمزدلفة فوجب عليه إتمامه وإعادته - كما سبق في تروك الإحرام - ثم صُدّ عن الإتمام جرى عليه حكم المصدود(٢) ، ولكن تلزمه كفارة الجماع زائدا على هدي التحلل(٣) .

أحكام المحصور

مسألة ٤١٠: المحصور: هو الذي يمنعه المرض أو نحوه عن

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، قيل: فإن لم يجد هدياً ؟ قال: يصوم » ووجه التوقف أن الصحيحة واردة في المحصور لا المصدود والقول بإشتراكهما في الاحكام مطلقا بحاجة الى دليل، مضافا الى مامر من تقريب عدم وجوب الهدي على المصدود في العمرة المفردة اذا لم يسق الهدي.

(٢) لوجوب إتمام الحجة المرتكب فيها الجرم، سواء قلنا بفسادها او أن الثانية عقوبة عليه.

(٣) عقوبة له.

٣٦٩

الوصول إلى الاماكن المقدّسة لأداء أعمال العمرة أو الحج بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤١١: المحصور إذا كان محصوراً في العمرة المفردة أو عمرة التمتع وأراد التحلّل، فوظيفته أن يبعث هدياً أو ثمنه ويواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحره بمكة في وقت معين، فإذا جاء الوقت قصّر أو حلق وتحلل في مكانه(١) .

وإذا لم يكن متمكناً من بعث الهدي أو ثمنه لفقد من يبعثه معه، جاز أن يذبح أو ينحر في مكانه ويتحلل(٢) .

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: « يواعد أصحابه ميعاداً، فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، ولايجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، وإن كان عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل » ومثلها دلالة موثقة زرعة.

(٢) لعدة من النصوص التي ظاهرها ذبح الهدي محل الاحصار المحمولة على صورة تعذر بعثه الى مكة او منى، ففي صحيحة رفاعة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: « خرج الحسينعليه‌السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه » وفي صحيحة

=

٣٧٠

وإن كان محصوراً في الحج، فوظيفته ماتقدم، إلا أن مكان الذبح أو النحر لهديه منى، وزمانه يوم النحر(١) .

وتحلل المحصور في الموارد المتقدمة إنما هو من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا بعد الإتيان بالطواف والسعي بين الصفا والمروة في حج أو عمرة(٢) .

مسألة ٤١٢: إذا مرض المعتمر فبعث هدياً ثم خف مرضه وتمكن

____________________

=

معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام.

(١) كما هو مقتضى صحيحة وموثقة معاوية وزرعة المتقدمتان.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: « المحصور غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من مرض، والمصدود تحل له النساء والمحصور لاتحل له النساء »، وفي صحيحته الاخرى في حصر الحسينعليه‌السلام قال: أرأيت حين برىء من وجعه قبل أن يخرج الى العمرة حلت له النساء ؟ قال: لاتحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، قلت فما بال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين رجع من الحديبية حلّت له النساء ولم يطف بالبيت، قال: ليسا سواء، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدودا والحسين محصوراً.

٣٧١

من مواصلة السير والوصول إلى مكة قبل أن يذبح أو ينحر هديه لزمه ذلك، فإن كان عمرته مفردة فوظيفته إتمامها ولاشيء عليه.

وإن كانت عمرة التمتع، فإن تمكن من اتمام أعمالها قبل زوال الشمس من يوم عرفة فلا إشكال(١) ، وإلا فالظاهر انقلاب حجه إلى الإفرد(٢) .

وكذلك الحال - في كلا الصورتين - لو لم يبعث بالهدي وصبر حتى خفّ مرضه وتمكن من مواصلة السير.

مسألة ٤١٣: إذا مرض الحاج فبعث بهديه، وبعد ذلك خف المرض، فإن ظن إدراك الحج وجب عليه الالتحاق(٣) ، وحينئذ فإن

____________________

(١) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: إن أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك، ولينحر هديه، ولاشيء عليه وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل والعمرة.

(٢) لكون عمرة التمتع مغياة بزوال الشمس يوم عرفة، فإذا لم يتمكن من أدائها قبل ذلك شملته أدلة الانقلاب المتقدمة في المسألة ١٣.

(٣) لوجوب اتمام النسك، والفرض انه متمكن، مضافا الى ظهور صحيحة زرارة المتقدمة.

٣٧٢

أدرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصة - حسبما تقدم - فقد أدرك الحج، فيأتي بمناسكه وينحر أو يذبح هديه(١) .

وإلا فإن لم يذبح أو ينحر عنه قبل وصوله انقلب حجه إلى العمرة المفردة(٢) ، وإن ذبح أو نحر عنه، قصر أو حلق وتحلل من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا أن يأتي بالطواف والسعي في حج أو عمرة(٣) .

مسألة ٤١٤: إذا أحصر الحاج من الطواف والسعي، بأن منعه المرض أو نحوه من الوصول الى المطاف والمسعى، جاز له أن يستنيب لهما(٤) ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإذا أحصر عن الذهاب الى منى وأداء مناسكها استناب للرمي والذبح(٥) ،

____________________

(١) وليس عليه الحج من قابل.

(٢) لعدة من النصوص الدالة على انقلاب الوظيفة الى العمرة المفردة عند عدم ادراك الحج مطلقا.

(٣) وقد مر في المسألة الثانية من الباب فراجع.

(٤) لعدة من النصوص، منها صحيحة حريز عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه.

(٥) اذ المباشرة في الرمي شرط في ظرف القدرة، أما الذبح فتجوز

=

٣٧٣

ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره إلى منى مع إلامكان(١) ، ويأتي بسائر المناسك فيتم حجه.

مسألة ٤١٥: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه، ثم آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله، جاز له ان يحلق، فإذا حلق وجب عليه أن يذبح شاة في محله أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكين مُدّان(٢) .

مسألة ٤١٦: المحصور في الحج أو العمرة إذا بعث بالهدي وتحلل من إحرامه لم يجزئه ذلك عنهما، فلو كان قاصداً أداء حجة الاسلام فأحصر، فبعث بهديه وتحلل، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحج مستقراً في ذمته(٣) .

____________________

=

الاستنابة مطلقا.

(١) وقد تقدم بيانه فراجع.

(٢) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين والصوم ثلاثة أيام والصدقة نصف صاع لكل مسكين.

(٣) لصحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون لحاله ؟ وأي شيء عليه ؟ قال: هو حلال من

٣٧٤

مسألة ٤١٧: المحصور إذا لم يجد هديا ولاثمنه صام عشرة أيام بدلا منه(١) .

مسألة ٤١٨: إذا تعذّر على المحرم مواصلة السير إلى الأماكن المقدسة لأداء مناسك العمرة أو الحج لمانع آخر غير الصد والإحصار، فإن كان معتمراً بعمرة مفردة جاز له التحلل في مكانه بذبح هديه مع ضم الحلق أو التقصير إليه على الاحوط.

وكذلك إذا كان معتمراً بعمرة التمتع ولم يمكنه إدراك الحج أيضا، وإلا فالظاهر انقلاب وظيفته إلى حج الإفراد.

وإذا كان حاجا وقد تعذر عليه إدراك الموقفين أو الموقف في المشعر خاصة، فعليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

____________________

=

كل شيء... قال: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل » وفي صحيحة حمزة بن حمران أنه سألة أبا عبداللهعليه‌السلام عن الذي يقول: حلني حيث حبستني، فقال: هو حل حيث حبسه، قال أو لم يقل، ولايسقط الاشتراط عنه الحج من قابل » وفي صحيحة رفاعة عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر هل يجزيه أن لايحج من قابل ؟ قال: يحج من قابل » وغيرها من النصوص، مضافا الى أن أدلة الاحصار وكذا الصد هي للتحلل لا للاجزاء.

(١) لصحيحة معاوية المتقدمة والتي موردها المحصور فراجع.

٣٧٥

وإذا تعذر عليه الوصول الى المطاف والمسعى لأداء الطواف والسعي، أو لم يتمكن من الذهاب إلى منى للاتيان بمناسكها فحكمه ماتقدم في المسألة ٤١٤.

* مسألة ٤١٩: من أصابه عارض صحي اثناء ادائه لطواف العمرة المفردة فأرجع الى بلده، فإن كان بعد إتمام الشوط الرابع فلا يبعد الاجتزاء بالنيابة في بقية الاشواط وكذا في السعي ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب ويحلق أو يقصر بعد سعيه ويستنيب لطواف النساء ويأتي بصلاته، فيحل من إحرامه تماما، وأما إذا كان قبل ذلك ففي خروجه من الاحرام من دون العود الى مكة والاتيان باعمال عمرته تأمل وإشكال(١) .

* مسألة ٤٢٠: من اصابته سكتة قلبية أثناء ادائه طواف عمرة التمتع فان كان وضعه الصحي لايسمح له بالبقاء في مكة لتكميل مناسك عمرته ولو بالاستنابة ثم الاحرام للحج وادراك الوقوفين بالمقدار الذي يصح به الحج، فالظاهر جريان أحكام المحصور عليه، وإلا فان رجع الى بلده وكان ذلك باختياره فلا يبعد بطلان

____________________

(١) وقد تقدم في المسألة ٤٠ الجزم بوجوب الرجوع واكمال العمرة المفردة لمن تركها.

٣٧٦

إحرامه وإن كان آثما في ذلك(١) ، وأما اذا كان رجوعه من دون ارادته واختياره فالاقرب جريان حكم المصدود عليه.

* مسألة ٤٢١: إذا احرم لعمرة التمتع ثم اغمي عليه فان احتمل أن يفيق من غيبوبته ويدرك الحج - بأن يدرك اختياري المشعر أو اضطراريه مع اختياري عرفة أو اضطراريه - اتخذ الولي من ينوب عنه فى الطواف وصلاته والسعي(٢) ثم يقصر شيئا من شعره فيحل من احرام عمرته، وفي يوم التروية الاحوط أن يحرم عنه الولي - اي يلبي عنه - ويجنبه محرمات الاحرام، ويذهب الى الموقفين فإن افاق هناك فالاحوط أن يجدد الاحرام بنفسه ولو من موضعه ان لم يتمكن من الذهاب الى مكة(٣) ، فإن ادرك الحج - بإدراك ماتقدم - يأتي ببقية مناسكه، وإن عاد الى الغيبوبة قبل الاتيان بها استناب له الولي من

____________________

(١) راجع ماقلناه عند الشروع في كيفية الاحرام.

(٢) لدلالة جملة من النصوص على مشروعية الطواف عن المغمى عليه، وهو وفق مقتضى القاعدة، اذ الحكم الاولي أن يطوف الانسان بالبيت وبين الصفا والمروة بنفسه، فإن لم يقدر فبمعونة الاخرين إعانة ثم حملا، وإن لم يقدر طيف وسعي عنه.

(٣) وقد تقدم فيمن نسى او جهل الاحرام من مكة حتى خرج منها الى عرفات، فراجع.

٣٧٧

يأتي بها عنه، واما اذا لم يفق حتى فات عنه الوقوفان بطل حجه.

* مسألة ٤٢٢: إذا اتى بعمرة التمتع ثم عرض له مايوجب الخوف على نفسه من الاتيان بالحج أو خاف أن يصاب بضرر بليغ، فإن كان خوفه عقلائياً لم يجب عليه الاتمام(١) ، والاحوط ان يجعلها عمرة مفردة فيأتي بطواف النساء.

مسألة ٤٢٣: ذكر جماعة من الفقهاء: أن الحاج او المعتمر إذا لم يكن سائقا للهدي، واشترط في إحرامه على ربه تعالى أن يحله حيث حبسه، فعرض له عارض - من عدو أو مرض أو غيرهما - حبسه عن الوصول الى البيت الحرام أو الموقفين، كان أثر هذا الاشتراط أنه يحل بمجرد الحبس من جميع ما للتحلل من إحرامه، كما لايجب عليه الطواف والسعي للتحلل من النساء إذا كان محصوراً.

وهذا القول وإن كان لايخلو من قوة(٢) ، إلا أن الاحوط لزوما

____________________

(١) السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.

(٢) بل لعله المتعيّن، وإليه ذهب المرتضى وابن ادريس مع دعوى الاجماع، تمسكاً بصحيحة ذريح عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، واحصر بعد ما أحرم، كيف يصنع ؟ قال: فقال:

=

٣٧٨

=

أو اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله الله عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت: بل قد اشترط ذلك، قال: فليرجع الى أهله حلالا لا احرام عليه، إن الله أحق من وفي بما اشترط عليه، قلت: افعليه الحج من قابل ؟ قال: لا » فهي دالة على التحلل بمجرد الاحصار بلا تعرض للهدي، إذ لو كان واجبا لذكرهعليه‌السلام لكونه في مقام البيان.

وصحيحة البزنطي قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون حاله ؟ وأي شيء عله ؟ قال: هو حلال من كل شيء، فقلت: ومن النساء والثياب والطيب ؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، قال: أما بلغك قول أبي عبداللهعليه‌السلام : حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ، قلت: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل.

ويويدهما ماورد في جملة من الصحاح في كتاب الاعتكاف من وجوب الاتمام اذا اعتكف يومين إلا اذا اشترط على ربه فله ان يفسخ، كصحيحة محمد بن مسلم وابي ولاد الحناط، وفي صحيحة ابي بصير عنهعليه‌السلام في حديث: وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» وفي صحيحة ابن يزيد عنهعليه‌السلام قال: واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في احرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى.

وقيل: أن فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله، وهو ظاهر المحقق في الشرائح وصريحه في النافع، ويدفعه قوله عليه

=

٣٧٩

مراعاة ماسبق ذكره في المسائل المتقدمة في كيفية التحلل عند الحصر والصد، وعدم ترتيب الأثر المذكور على اشتراط التحلل.

***

إلى هنا فرغنا من واجبات الحج، فلنشرع الان في آدابه، وقد ذكر الفقهاء من الاداب مالاتسعه هذه الرسالة فنقتصر على يسير منها.

وليعلم أن استحباب جملة من المذكورات مبتنٍ على قاعدة

____________________

=

السلام « فليرجع الى أهله حلالا لا إحرام عليه ».

وقيل: أن فائدته سقوط الحج عنه فى العام القابل، وهو المحكي عن الشيخ في يالتهذيب، لذيل الصحيحة المتقدمة، وتقابلها عدة من الصحاح فلابد من رفع اليد عن ذيلها.

وقيل: أن الفائدة ادراك الثواب بذكره في عقد الاحرام، وهو الذي يظهر من الشهيد في المسالك قال: - بعد أن ذكر ان سقوط الهدي في غير السائق، وتعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود، وسقوط القضاء فمخصوص بالمتمتع - ومن الجائز كونه تعبداً، أو دعاءً مأمورا به يترتب على فعله الثواب.

وذهب الشيخ وابن الجنيد والعلامة في المختلف والمنتهى الى عدم سقوط الهدي، تمسكا بإطلاق قوله تعالى ( فإن احصرتم فما استيسر من الهدي )، وفيه أنه مقيد بصحيحتي ذريح والبزنطي المتقدمين.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

الطريق المؤدّي إلى الله( ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ) (١) إلّا أولئك الذين يريدون أن يحترقوا في نار جهنّم( إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ ) .

هذه الآيات ـ خلافا لما يتصوّره أتباع مذهب الجبر ـ دليل ضدّ هذا المذهب ، وهي إشارة إلى أنّه لا يعذر أي أحد انحرف عن الطريق المستقيم ، مدّعيا أنّه قد خدع ، وانحرافه وعبادته للأوثان بسبب هذه الوساوس ، ولذا تقول الآيات المباركة ، أنتم ـ المشركون ـ لا قدرة لديكم على إضلال الأشخاص وخداعهم ، إلّا إذا كان أولئك يتّجهون بإرادتهم نحو صراط الجحيم.

وعبارة( صالِ الْجَحِيمِ ) شاهد على الكلام المذكور أعلاه ، لأنّ كلمة (صالي) جاءت بصيغة اسم الفاعل ، وعند ما تستخدم أي كلمة بصيغة اسم الفاعل بشأن موجود عاقل فإنّها تعطي مفهوم تنفيذ العمل بإرادته وإختياره ، مثل (قاتل) و (جالس) و (ضارب) ، إذن فإنّ( صالِ الْجَحِيمِ ) تعني رغبة الشخص في الاحتراق بنار جهنّم ، وبهذا تغلق كافّة طرق الأعذار أمام كلّ المنحرفين.

والذي يثير العجب أنّ بعض المفسّرين المعروفين فسّروا الآية بالمعنى التالي : (إنّكم لا تستطيعون خداع أحد ، إن لم يكن مقدّرا له الاحتراق بنار جهنّم).

إن كان حقّا هذا هو معنى الآية ، فلم يبعث الأنبياء؟ ولأي سبب تنزل الكتب السماوية؟ وما معنى محاسبة ولوم وتوبيخ عبدة الأوثان يوم القيامة التي نصّت عليها الآيات القرآنية؟ وأين ذهب عدل الباريعزوجل ؟

نعم ، يجب قبول هذه الحقيقة ، وهي انّ الإقرار بمبدإ الجبر ضدّ مبدأ الأنبياء

__________________

(١) التركيب النحوي لهذه الآية والتي تسبقها والاخرى التي تأتي بعدها ، وكما هو مشهور كذلك ، (ما) في جملة (ما تعبدون) هي (ما) الموصولة معطوفة على اسم أنّ ، وجملة( ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ ) خبرها. و (ما) في (ما أنتم) نافية ، وضمير (عليه) يعود على الله سبحانه وتعالى ، وفي مجموعها نحصل على ما يلي (إنّكم وآلهتكم التي تعبدونها لا تقدرون على إضلال أحد على الله بسببها إلّا من يحترق بنار الجحيم بسوء إختياره). والبعض الآخر اعتبر الآية( فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ) كلاما تامّا مستقلا وتعني أنّكم وآلهتكم ، ثمّ تقول في الآية التالية : ما أنتم بحاملين على عبادة ما تعبدونه إلّا من هو صالّ الجحيم.

٤٢١

تماما ، ويمسخ كلّ المفاهيم التي بعثوا من أجل ترسيخها ، ويقضي على كلّ القيم الإلهية والإنسانية.

ومن الضروري الالتفات إلى هذه النقطة وهي أنّ (صالي) مشتقّة من (صلى) وتعني إشعال النار والدخول فيها أو الاحتراق بها و (فاتن) اسم فاعل مشتقّة من (فتنة) وتعني الذي يثير الفتن والذي يضلّ الآخرين.

بعد انتهاء بحثنا حول الآيات الثلاث السابقة التي وضّحت مسألة إختيار الإنسان في مقابل فتن وإغراءات عبدة الأصنام ، نواصل بحثنا حول الآيات الثلاث التالية والتي تتناول المرتبة العالية لملائكة الله ، وتقول مخاطبة عبدة الأصنام : إنّ الملائكة التي كنتم تزعمون أنّها بنات الله لها مقام معيّن ، والجميل في هذه العبارة أنّ الملائكة هي التي تتحدّث عن نفسها( وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) (١) .

وتضيف ملائكة الرحمن : وإنّنا جميعا مصطفون عند الله في انتظار أوامره ،( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ) .

وإنّنا جميعا نسبّحه ، وننزّه عمّا لا يليق بساحة كبريائه( وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) .

نعم ، نحن عباد الله ، وقد وضعنا أرواحنا على الأكف بانتظار سماع أوامره ، إنّنا لسنا أبناء الله ، إنّنا ننزّه الباريعزوجل من تلك المزاعم الكاذبة والقبيحة وإنّنا منزعجين ومشمئزّين من خرافات وأوهام المشركين.

في الحقيقة ، إنّ الآيات المذكورة أعلاه أشارت إلى ثلاث صفات من صفات الملائكة.

الاولى : هي أنّ لكلّ واحد منهم مقام معيّن ومشخّص ليس له أن يتعدّاه.

__________________

(١) نقرأ في بعض الرّوايات التي نقلت عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الأئمّة المعصومين هم المقصودون في هذه الآية ، ومن الممكن أن يكون هذا التّفسير من قبيل تشبيه مقام الأئمّة بالملائكة ، أي كما أنّ للملائكة مقاما وتكليفا معيّنا ، فإنّ لنا مقاما وتكليفا معيّنا أيضا.

٤٢٢

والثانية : هي أنّهم مستعدّون دائما لإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفيذها في عالم الوجود ، وهذا الشيء مشابه لما ورد في الآيتين (٢٦) و (٢٧) من سورة الأنبياء( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

والثالثة : أنّهم يسبّحون الله دائما وينزّهونه عمّا لا يليق بساحة كبريائه.

الآيتان( إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) تعطيان مفهوم الحصر في الأدب العربي ، وبعض المفسّرين قالوا في تفسير هاتين الآيتين : إنّ الملائكة تريد أن تقول : نحن فقط المطيعون لأوامر الله والمسبّحون الحقيقيون له ، وهذه إشارة إلى أنّ طاعة الإنسان لله تعالى وتسبيحه يعدّ لا شيء بالنسبة لطاعة وتسبيح الملائكة لله ، ولا يمكن المقارنة بينهما.

والذي يلفت الانتباه أنّ مجموعة من المفسّرين نقلوا في نهاية هذه الآيات حديثا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال فيه : «ما في السموات موضع شبر إلّا وعليه ملك يصلّي ويسبّح»(١) .

وجاء في رواية اخرى : «ما في السماء موضع قدم إلّا عليه ملك ساجد أو قائم»(٢) .

وفي رواية ثالثة ورد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالسا مع مجموعة من أصحابه ، فقال لهم : «أطت السماء وحقّ لها أن تأط! ليس فيها موضع قدم إلّا عليه ملك راكع أو ساجد ، ثمّ قرأ :( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) »(٣) .

العبارات المختلفة كناية لطيفة عن أنّ عالم الوجود مكتظّ بالمطيعين لأوامر الله والمسبّحين له.

الآيات الأربع الأخيرة من هذا البحث تشير إلى أحد الأعذار الواهية التي

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٥٨١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) (الدرّ المنثور) نقلا عن تفسير الميزان المجلّد (١٧) الصفحة ١٨٨.

٤٢٣

تذرّع بها المشركون فيما يخصّ هذه القضيّة وعبادتهم للأصنام ، وتجيب عليهم قائلة :( وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ ) (١) .

( لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) .

يقول المشركون : لا تتحدّثوا كثيرا عن عباد الله المخلصين الذين أخلصهم الله لنفسه ، وعن الأنبياء العظام أمثال نوح وإبراهيم وموسى ، لأنّه لو كان الله قد شملنا بلطفه وأنزل علينا أحد كتبه السماوية لكنّا في زمرة عباده المخلصين.

وهذا مشابه لما يقوله الطلاب الكسالى الراسبون في دروسهم ، من أجل التغطية على كسلهم وعدم مثابرتهم ، لو كان لدينا معلّم وأستاذ جيّد لكنّا من الطلبة الأوائل.

الآية التالية تقول : لقد تحقّق ما كانوا يأملونه ، إذ أنزل عليهم القرآن المجيد الذي هو أكبر وأعظم الكتب السماوية ، إلّا أنّ هؤلاء الكاذبين في ادّعاءاتهم كفروا به ، ولم يفوا بما قالوا ، واتّخذوا موقفا معاديا إزاءه ، فسيعلمون وبال كفرهم( فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

كفاكم كذبا وادّعاء ، ولا تعتقدوا أنّكم أكفّاء للانضمام إلى صفوف عباد الله المخلصين ، فكذبكم واضح ، وادّعاءاتكم غير صادقة ، فليس هناك كتاب خير من القرآن المجيد ، ولا يوجد هناك نهج تربوي خير من نهج الإسلام ، فكيف كان موقفكم من هذا الكتاب السماوي؟ فانتظروا العواقب الأليمة لكفركم وعدم إيمانكم.

* * *

__________________

(١) (إنّ) مخفّفة من الثقيلة وتقديرها (وإنّهم كانوا ليقولون).

(٢) في الكلام حذف تقديره (فلمّا آتاهم الكتاب وهو القرآن كفروا به فسوف يعلمون عاقبة كفرهم).

٤٢٤

الآيات

( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) )

التّفسير

حزب الله هو المنتصر :

لا زلنا نتابع البحث في آيات هذه السورة المباركة ، والتي شارفت على الانتهاء ، بعد أن استعرضنا في الأبحاث السابقة جهاد الأنبياء العظام والمصاعب والعراقيل التي أثارها وأوجدها المشركون.

ففي آيات بحثنا الحالي سنتطرّق لأهمّ القضايا الواردة في هذه السورة ، والتي تصوّر الخاتمة بأفضل صورة ، إذ زفّت البشرى للمؤمنين بانتصار جيش الحقّ على جيش الشيطان ، الوعد الإلهي الكبير هذا إنّما جاء لبعث الأمل في صفوف المؤمنين في صدر الإسلام الذين كانوا لحظة نزول هذه الآيات يرزحون تحت ضغوط أعداء الإسلام في مكّة ، ولكلّ المؤمنين والمحرومين في كلّ زمان ومكان ،

٤٢٥

ولكي يكون حافزا لهم يدفعهم على نفض غبار اليأس عنهم ، والاستعداد لجهاد ومقاومة جيوش الباطل( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ) .

( وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) ، إنّها لعبارة واضحة وصريحة ، وإنّه لوعد يقوّي الروح ويبعث على الأمل.

نعم ، فانتصار جيوش الحقّ على الباطل ، وغلبة جند الله ، وتقديم الله سبحانه وتعالى العون لعباده المرسلين والمخلصين ، هي وعود مسلّم بها وسنن قطعيّة ، وذلك ما أكّدته الآية المذكورة أعلاه بعنوان( سَبَقَتْ كَلِمَتُنا ) أي إنّ هذا الوعد وهذه السنّة كانت موجودة منذ البداية.

نظائر كثيرة لهذا الموضوع وردت في آيات عديدة اخرى من آيات القرآن المجيد ، إذ جاء في الآية (٤٧) من سورة الروم( وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

وفي الآية (٤٠) من سورة الحجّ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) .

وفي الآية (٥١) من سورة غافر( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) .

وأخيرا في الآية (٢١) من سورة المجادلة( كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) .

وبديهي أنّ الله قادر على كلّ شيء ، وليس بمخلف للوعود ، ولم يكن يوما ما ليخلف وعده ، وقادر على أن يفي بهذا الوعد الكبير ، كما أنزل في السابق نصره على المؤمنين به.

الوعد الإلهي من أهمّ الأمور التي ينتظرها السائرون في طريق الحقّ باشتياق ، حيث يستمدّون منه القوى الروحية والمعنوية ، ويسترفدون منه نشاطا جديدا كلّما أحسّوا بالكلل ، فتسري دماء جديدة في شرايينهم.

* * *

٤٢٦

سؤال مهمّ :

وهنا يطرح السؤال التالي ، وهو : إن كانت مشيئة الباريعزوجل وإرادته تقضي بتقديم يد العون للأنبياء ونصرة المؤمنين ، فلم نشاهد استشهاد الأنبياء على طول تأريخ الحوادث البشرية ، وانهزام المؤمنين في بعض الأحيان؟ فإن كانت هذه سنّة إلهيّة لا تقبل الخطأ ، فلم هذه الاستثناءات؟

ونجيب على هذا السؤال بالقول :

أوّلا : إنّ الإنتصار له معان واسعة ، ولا يعطي في كلّ الأحيان معنى الإنتصار الظاهري والجسماني على العدو ، فأحيانا يعني انتصار المبدأ ، وهذا هو أهمّ انتصار ، فلو فرضنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد استشهد في إحدى الغزوات ، وشريعته عمّت العالم كلّه ، فهل يمكن أن نعبّر عن هذه الشهادة بالهزيمة.

وهناك مثال أوضح وهو الحسينعليه‌السلام وأصحابه الكرام حيث استشهدوا على أرض كربلاء ، وكان هدفهم العمل على فضح بني اميّة ، الذين ادّعوا أنّهم خلفاء الرّسول ، وكانوا في حقيقة الأمر يعملون ويسعون إلى إعادة المجتمع الإسلامي إلى عصر الجاهلية ، وقد تحقّق هذا الهدف الكبير ، وأدّى استشهادهم إلى توعية المسلمين إزاء خطر بني اميّة وإنقاذ الإسلام من خطر السقوط والضياع ، فهل يمكن هنا القول بأنّ الحسينعليه‌السلام وأصحابه الكرام خسروا المعركة في كربلاء؟

المهمّ هنا أنّ الأنبياء وجنود الله ـ أي المؤمنون ـ تمكّنوا من نشر أهدافهم في الدنيا واتّبعهم أناس كثيرون ، وما زالوا يواصلون نشر مبادئهم وأفكارهم رغم الجهود المستمرّة والمنسّقة لأعداء الحقّ ضدّهم.

وهناك نوع آخر من الإنتصار ، وهو الإنتصار المرحلي على العدو ، والذي قد يتحقّق بعد قرون من بدء الصراع ، فأحيانا يدخل جيل معركة ما ولا يحقّق فيها أي انتصار ، فتأتي الأجيال من بعده وتواصل القتال فتنتصر ، كالانتصار الذي حقّقه المسلمون في النهاية على الصليبيين في المعارك التي دامت قرابة القرنين ، وهذا

٤٢٧

النصر يحسب لجميع المسلمين.

ثانيا : يجب أن لا ننسى أنّ وعد الله سبحانه وتعالى بنصر المؤمنين وعد مشروط وليس بمطلق ، وأنّ الكثير من الأخطاء مصدرها عدم التوجّه إلى هذه الحقيقة ، وكلمات (عبادنا) و (جندنا) التي وردت في آيات بحثنا ، وغيرها من العبارات والكلمات المشابهة في هذا المجال في القرآن الكريم كعبارة( حِزْبَ اللهِ ) و( الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا ) و( لَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) وأمثالها ، توضّح بسهولة شروط النصر.

نحن لا نريد أن نكون مؤمنين ولا مجاهدين ولا جنودا مخلصين ، ونريد أن ننتصر على أعداء الحقّ والعدالة ونحن على هذه الحالة!

نحن نريد أن نتقدّم إلى الإمام في مسيرنا إلى الله ولكن بأفكار شيطانية ، ثمّ نعجب من انتصار الأعداء علينا ، فهل وفينا نحن بوعدنا حتّى نطلب من الله سبحانه وتعالى الوفاء بوعوده.

في معركة احد وعد الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بالنصر ، وقد انتصروا فعلا في المرحلة الاولى من المعركة ، إلّا أنّ مخالفة البعض لأوامر الرّسول وتركهم لمواقعهم لهثا وراء الغنائم ، وسعي البعض الآخر لبثّ الفرقة والنفاق في صفوف المقاتلين ، أدّى بهم إلى الفشل في الحفاظ على النصر الذي حقّقوه في المرحلة الاولى ، وهذا ما أدّى إلى خسرانهم المعركة في نهاية الأمر.

وبعد انتهاء المعركة جاءت مجموعة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخاطبته بلهجة خاصّة : ماذا عن الوعد بالنصر والغلبة ، فأجابهم القرآن الكريم بصورة لطيفة يمكنها أن تكون شاهدا لحديثنا ، وهي قوله تعالى في سورة آل عمران الآية (١٥٢) :( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) .

٤٢٨

عبارات (فشلتم) و (تنازعتم) و (عصيتم) التي وردت في الآية المذكورة أعلاه ، وضحّت بصورة جيّدة أنّ المسلمين في يوم احد تخلّوا عن شروط النصر الإلهي ، لذا فشلوا في الوصول إلى أهدافهم.

نعم ، فالباريعزوجل لم يعد كلّ من يدّعي الإسلام وأنّه من جند الله وحزب الله بأن ينصره دائما على أعدائه. الوعد الإلهي مقطوع لمن يرجو من أعماق قلبه وروحه رضى الله سبحانه وتعالى ، ويسير في النهج الذي وضعه الله ، ويتحلّى بالتقوى والأمانة.

ولقد تقدّم نظير لهذا السؤال فيما يخصّ (الدعاء) و (الوعد الإلهي بالاستجابة) وتطرّقنا للإجابة عليه فيما مضى(١) .

ولمواساة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وللتأكيد على أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، وفي نفس الوقت لتهديد المشركين ، جاءت الآية التالية لتقول :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) .

نعم ، إنّه تهديد مفعم بالمعاني ورهيب في نفس الوقت ، ويمكن أن يكون مصدر اطمئنان للمؤمنين في أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، خاصّة أنّ عبارة( حَتَّى حِينٍ ) جاءت بصورة غامضة.

فإلى أي مدّة تشير هذه العبارة؟ إلى زمان الهجرة؟ أم إلى حين معركة بدر؟ أم حتّى فتح مكّة؟ أم أنّها تشير إلى الزمان الذي تتوفّر فيه شروط الانتفاضة النهائية والواسعة للمسلمين ضدّ الطغاة والمتجبّرين؟

بالضبط لا أحد يدري

وآيات اخرى وردت في القرآن الكريم تحمل نفس المعنى ، كالآية (٨١) من سورة النساء التي تقول :( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ، والآية (٩١) من سورة الأنعام ، قوله تعالى :( قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) .

__________________

(١) راجع ذيل الآية (١٨٦) من سورة البقرة.

٤٢٩

ويؤكّد القرآن الكريم التهديد الأوّل بتهديد آخر جاء في الآية التي تلتها ، إذ تقول : انظر إلى لجاجتهم وكذبهم واعتقادهم بالخرافات ، إضافة إلى حمقهم.

فإنّهم سيرون جزاء أعمالهم القبيحة عن قريب( وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) وسوف ترى في القريب العاجل انتصارك وانتصار المؤمنين وانكسار وهزيمة المشركين المذلّة في الدنيا.

وعن تكرار أولئك الحمقى لهذا السؤال على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أين العذاب الإلهي الذي واعدتنا به؟ وإن كنت صادقا ، فلم هذا التأخير؟

يردّ القرآن الكريم عليهم بلهجة شديدة مرافقة بالتهديد ، قائلا : أولئك الذين يستعجلون العذاب وأحيانا يتساءلون (متى هذا الوعد) وأحيانا اخرى يقولون متسائلين (متى هذا الفتح)( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) ؟

فعند ما ينزل عذابنا عليهم ، ونحيل صباحهم إلى ظلام حالك ، فإنّهم في ذلك الوقت سيفهمون كم كان صباح المنذرين سيّئا وخطيرا( فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ) (١) .

استخدام عبارة (ساحة) والتي تعني فناء البيت أو الفضاء الموجود في وسط البيت ، جاء ليجسّم لهم نزول العذاب في وسط حياتهم ، وكيف أنّ حياتهم الطبيعيّة ستتحوّل إلى حياة موحشة ومضطربة.

عبارة( صَباحُ الْمُنْذَرِينَ ) تشير إلى أنّ العذاب الإلهي سينزل صباحا على هؤلاء القوم اللجوجين والمتجبّرين ، كما نزل صباحا على الأقوام السابقة ، أو أنّها تعطي هذا المعنى ، وهو أنّ كلّ الناس ينتظرون أن يبدأ صباحهم بالخير والإحسان ، إلّا أنّ هؤلاء ينتظرهم صباح حالك الظلمة. أو أنّها تعني وقت الاستيقاظ في الصباح ، أي إنّهم يستيقظون في وقت لم يبق لهم فيه أي طريق للنجاة من العذاب ، وأنّ كلّ شيء قد انتهى.

* * *

__________________

(١) في الكلام حذف تقديره (فساء الصباح صباح المنذرين).

٤٣٠

الآيات

( وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢) )

التّفسير

تولّ عنهم!

كما قلنا ، فإنّ الآيات الأخيرة النازلة في هذه السورة جاءت لمواساة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين الحقيقيين ، ولتهديد الكافرين اللجوجين.

الآيتان الأوّليان في بحثنا هذا ، تشبهان الآيات التي وردت في البحث السابق ، وتكرارها هنا إنّما جاء للتأكيد ، إذ تقول بلغة شديدة مرفقة بالتهديد : تولّ عنهم واتركهم في شأنهم لمدّة معيّنة( وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) .

وانظر إلى لجاجة أولئك الكافرين وكذبهم وممارساتهم العدائية ونكرانهم لوجود الله ، الذين سينالون جزاء أعمالهم عمّا قريب( وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) .

لتكرار ـ كما قلنا ـ جاء للتأكيد ، وذلك ليدرك أولئك الكافرون أنّ جزاءهم وهزيمتهم وخيبتهم أمر قطعي لا بدّ منه وسيكون ذلك عمّا قريب ، وسيبتلون

٤٣١

بالنتائج المريرة لأعمالهم ، كما أنّ انتصار المؤمنين هو أمر قطعي ومسلّم به أيضا.

أو أنّه هدّدهم في المرّة الاولى بالعذاب الدنيوي ، وفي المرّة الثانية بجزاء وعقاب الله لهم يوم القيامة.

ثمّ تختتم السورة بثلاثة آيات ذات عمق في المعنى بشأن (الله) و (الرسل) و (العالمين) ، إذ تنزّه الله ربّ العزّة والقدرة من الأوصاف التي يصفه بها المشركون والجاهلون( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) .

فأحيانا يصفون الملائكة بأنّها بنات الله ، وأحيانا يقولون بوجود نسبة بين الله والجنّ ، وأحيانا اخرى يجعلون مصنوعات لا قيمة لها من الحجر والخشب بمرتبة الباريعزوجل .

ومجيء كلمة (العزّة) ـ أي ذو القدرة المطلقة والذي لا يمكن التغلّب عليه ـ هنا تعطي معنى بطلان وعدم فائدة كلّ تلك المعبودات المزيّفة والخرافية التي يعبدها المشركون.

فآيات سورة الصافات تحدّثت أحيانا عن تسبيح وتنزيه( عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) وأحيانا عن تسبيح الملائكة ، وهنا تتحدّث عن تسبيح وتنزيه الباريعزوجل لذاته المقدّسة.

وفي الآية الثانية شمل الباريعزوجل كافّة أنبيائه بلطفه غير المحدود ، وقال :( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) . السلام الذي يوضّح السلامة والعافية من كلّ أنواع العذاب والعقاب في يوم القيامة ، السلام الذي هو صمّام الأمان أمام الهزائم ودليل للانتصار على الأعداء.

وممّا يذكر أنّ الله سبحانه وتعالى أرسل في آيات هذه السورة سلاما إلى كثير من أنبيائه وبصورة منفصلة ، قال تعالى في الآية (٧٩)( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ) ، وفي الآية (١٠٩)( سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ ) ، وفي الآية( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ) ، وفي الآية (١٣٠)( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) .

٤٣٢

وقد جمعها هنا في سلام واحد موجّه لكلّ المرسلين ، قال تعالى :( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) .

وأخيرا اختتمت السورة بآية تحمد الله( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

الآيات الثلاث الأخيرة يمكن أن تكون إشارة واستعراضا مختصرا لكلّ القضايا والأمور الموجودة في هذه السورة ، لأنّ الجزء الأكبر منها كان بشأن التوحيد والجهاد ضدّ مختلف أنواع الشرك ، فالآية الاولى تعيد ما جاء بشأن تسبيح وتنزيه اللهعزوجل عن الصفات التي وصف بها من قبل المشركين ، والقسم الآخر من السورة يبيّن جوانب من أوضاع سبع أنبياء كبار أشارت إليها هنا الآية الثانية.

والآية الثالثة استعرضت جزءا آخر من النعم الإلهية ، وبالخصوص أنواع النعم الموجودة في الجنّة ، وانتصار جند الله على جنود الكفر ، والحمد والثناء الذي جاء في الآية الأخيرة ، فيه إشارة لكلّ تلك الأمور.

المفسّرون الآخرون ذكروا تحليلات اخرى بخصوص الآيات الثلاث الواردة في آخر هذه السورة ، وقالوا : إنّ من أهمّ واجبات الإنسان العاقل معرفة أحوال ثلاثة :

الاولى : معرفة الله تعالى بالمقدار الممكن للبشر ، وآخر ما يستطيعه الإنسان في هذا المجال هو ثلاثة امور : تنزيهه وتقديسه عن كلّ ما لا يليق بصفات الالوهية ، والتي وضّحتها لفظة (سبحان).

ووصفه بكلّ ما يليق بصفات الالوهية والكمال ، وكلمة (ربّ) إشارة دالّة على حكمته ورحمته ومالكيّته لكلّ الأشياء وتربيته للموجودات.

وكونه منزّها في الالوهية عن الشريك والنظير ، والتي جاءت في عبارة( عَمَّا يَصِفُونَ ) .

والقضيّة الثانية المهمّة في حياة الإنسان هي تكميل الإنسان لنواقصه ، والذي

٤٣٣

لا يمكن أن يتمّ دون وجود الأنبياءعليهم‌السلام ، وجملة( سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) إشارة إلى هذه القضيّة.

والقضيّة الثالثة المهمّة في حياة الإنسان هي أن يعرف أنّه كيف يكون حاله بعد الموت؟ والانتباه إلى نعم ربّ العالمين ومقام غناه ورحمته ولطفه يعطي للإنسان نوعا من الاطمئنان( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) .

* * *

ملاحظة

التفكّر في نهاية كلّ عمل :

جاء في روايات عديدة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام «من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى (من الأجر يوم القيامة) فليكن آخر كلامه في مجلسه : سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين»(٢) .

نعم ، فلنختتم مجالسنا بتنزيه ذات الله ، وإرسال السلام والتحيّات إلى رسله ، وحمد وشكر الله على نعمه ، كي تمحى الأعمال غير الصالحة أو الكلمات المحرّمة التي جاءت في ذلك المجلس.

وقد جاء في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق ، أنّ أحد علماء الشام حضر عند الإمام الباقرعليه‌السلام ، فقال : جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحدا يفسّرها لي ، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف غير ما قال الآخر.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : «وما ذلك»؟

فقال : أسألك ما أوّل ما خلق اللهعزوجل من خلقه؟ فإنّ بعض من سألته قال :

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد ٢٦ ، الصفحة ١٧٣.

(٢) مجمع البيان ، ذيل آيات البحث ، واصول الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٣٤

القدرة. وقال بعضهم : العلم. وقال بعضهم : الروح؟

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : «ما قالوا شيئا ، أخبرك أنّ الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا عزّ ، لأنّه كان قبل عزّه ، وذلك قوله تعالى :( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (١) وكان خالقا ولا مخلوق» والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (وهو إشارة إلى انّ ما قاله لك أولئك النفر لا يخلو من شرك وهو مشمول لهذه الآية ، فإنّ اللهعزوجل كان قادرا وعالما وعزيزا منذ الأزل).

نهاية سورة الصافات

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٣٥
٤٣٦

سورة

ص

مكيّة

وعدد آياتها ثمان وثمانون آية

٤٣٧
٤٣٨

سورة (ص)

محتويات السورة :

سورة (ص) يمكن اعتبارها مكمّلة لسورة الصافات ، فمجمل مواضيعها يشابه كثيرا ما ورد في سورة الصافات ، ولكون السورة مكيّة النّزول فإن خصائصها كخصائص بقيّة السور المكيّة التي تبحث في مجال البدء والمعاد ورسالة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنّها تحتوي على مواضيع حسّاسة اخرى ، وفي المجموع بمثابة الدواء الشافي لكلّ الباحثين عن طريق الحقّ.

ويمكن تلخيص محتويات هذه الآية في خمس أقسام :

الأوّل : يتحدّث عن مسألة التوحيد والجهاد ضدّ الشرك والمشركين ، ومهمّة نبوّة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعناد ولجاجة الأعداء تجاه الأمرين المذكورين أعلاه.

الثاني : يعكس جوانب من تأريخ تسع من أنبياء الله ومن بينهم (داود) و (سليمان) و (أيّوب) حيث تتحدّث عنهم السورة أكثر من غيرهم ، ويعكس ـ أيضا ـ المشكلات التي عانوا منها في حياتهم وخلال دعوتهم الناس إلى الله. وذلك لكي تكون درسا مفيدا يتّعظ منه المؤمنون الأوائل الذين كانوا في ذاك الوقت يرزحون تحت أشدّ الضغوط من قبل المشركين.

الثالث : يتطرّق إلى مصير الكفرة الطغاة يوم القيامة ومجادلة بعضهم البعض في جهنّم ، ويبيّن للمشركين وللذين لا يؤمنون بالله إلى أين ستؤدّي بهم أعمالهم.

الرابع : يتناول مسألة خلق الإنسان وعلوّ مقامه وسجود الملائكة له ، ويكشف

٤٣٩

عن الفاصل الكبير الموجود بين سمو الإنسان وانحطاطه ، كي يفهم هؤلاء المعاندون قيمة وجودهم ، وأن يعيدوا النظر في نظمهم المنحرفة ليخرجوا من زمرة الشياطين.

القسم الخامس والأخير : يتوعّد الأعداء المغرورين بالعذاب ، ويواسي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبيّن هذه الحقيقة ، وهي أنّ النّبي لا يريد جزاء من أحد مقابل دعوته ، ولا يريد الشقاء والأذى لأحد.

فضيلة تلاوة سورة (ص)

ورد في أحد الروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من قرأ سورة (ص) اعطي من الأجر بوزن كلّ جبل سخّره الله لداود حسنات عصمه الله أن يصرّ على ذنب صغيرا أو كبيرا»(١) .

كما ورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام «من قرأ سورة (ص) في ليلة الجمعة اعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحد من الناس إلّا نبي مرسل أو ملك مقرّب ، وأدخله الله الجنّة وكلّ من أحبّ من أهل بيته حتّى خادمه الذي يخدمه»(٢)

فإذا وضعنا محتوى هذه السورة إلى جانب فضلها وثوابها ، يتّضح لنا الارتباط والعلاقة الموجودة بين أجرها وثوابها مع محتواها ، ونؤكّد مرّة اخرى على هذه الحقيقة ، وهي أنّ المراد من التلاوة هنا ليست تلك التلاوة الجافّة والخالية من الروح ، وإنّما التلاوة التي ترافق التفكير العميق والتصميم الجدّي ، الذين يدفعان الإنسان إلى العمل بما جاء في هذه السورة المباركة.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان بدء سورة (ص) ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٤٦٣.

(٢) نفس المصدر.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581