الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168905 / تحميل: 6109
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) )

أسباب النّزول

وردت في كتب التّفسير والحديث أسباب متشابهة لنزول الآيات الاولى من هذه السورة ، وسنستعرض أحد هذه الأسباب لكونه مفصّلا وجامعا أكثر من الأسباب الاخرى ، ففي حديث نقله المرحوم العلّامة الكليني عن الإمام الباقرعليه‌السلام جاء فيه : «أقبل أبو جهل بن هشام ومعه قوم من قريش فدخلوا على أبي طالب فقالوا : إنّ ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا ، فادعه ومره فليكفّ عن آلهتنا ونكفّ عن إلهه.

فبعث أبو طالب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه ، فلمّا دخل النّبي لم ير في البيت إلّا مشركا فقال : (السلام على من اتّبع الهدى) ثمّ جلس فخبّره أبو طالب بما جاؤوا به ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أو هل لهم في كلمة خير لهم من هذا يسودون بها العرب ويطأون أعناقهم»؟

٤٤١

فقال أبو جهل : نعم وما هذه الكلمة؟

قال : «تقولون : لا إله إلّا الله».

وما إن سمعوا هذه الكلمات حتّى وضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا وهم يقولون : ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إنّ هذا إلّا اختلاق ، فأنزل الله في قولهم :( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) ـ إلى قوله ـ( إِلَّا اخْتِلاقٌ ) (١) .

التّفسير

انقضاء مهلة النّجاة :

مرّة اخرى تمرّ علينا سورة تبدأ آياتها الاولى بحروف مقطّعة وهو حرف( ص ) ويطرح نفس السؤال السابق بشأن تفسير هذه الحروف المقطّعة : هل هذه إشارة إلى عظمة القرآن المجيد الذي يتألّف من مثل هذه الحروف المتيسّرة في متناول الجميع كالحروف الهجائية ، والذي غيّرت محتوياته مجرى حياة الإنسانية في هذا العالم

وأنّ قدرة الله العظمية هي التي أوجدت من هذه الحروف البسيطة تركيبا رائعا عظيما هو القرآن المجيد كلام الله ، أم أنّها إشارة إلى رموز وأسرار بين الله سبحانه وتعالى وأنبيائه

أمّ أنّها تعني أمورا أخرى؟

مجموعة من المفسّرين اعتبرت هنا حرف (ص) رمزا يشير إلى أحد أسماء الله ، وذلك لأنّ الكثير من أسمائه تبدأ بحرف الصاد مثل (صادق) ، (صمد) ، (صانع) أو أنّه إشارة إلى (صدق الله) التي اختصرت بحرف واحد.

ولا بدّ أنّكم طالعتم تفسير هذه الحروف المقطّعة بصورة مفصّلة في تفسير بدايات آيات سور (البقرة) و (آل عمران) و (الأعراف).

__________________

(١) اصول الكافي نقلا عن نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٠.

٤٤٢

ثمّ يقسم الله تعالى بالقرآن ذي الذكر والّذي هو حقّا معجزة إلهيّة( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) (١) .

فالقرآن ذكر ويشتمل على الذكر ، والذكر يعني التذكير وصقل القلوب من صدأ الغفلة ، تذكّر الله ، وتذكّر نعمه ، وتذكّر محكمته الكبرى يوم القيامة ، وتذكّر هدف خلق الإنسان.

نعم ، فالنسيان والغفلة هما من أهمّ عوامل تعاسة الإنسان ، والقرآن الكريم خير دواء لعلاجهما.

فالقرآن الكريم يقول بشأن المنافقين في الآية (٦٧) من سورة التوبة :( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) أي إنّهم نسوا الله ، والله في المقابل نسيهم وقطع رحمته عنهم.

ونقرأ في نفس هذه السورة الآية (٢٦) عن الضالّين ، قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ) .

نعم ، فالنسيان هو الابتلاء الكبير الذي ابتلي به الضالّون والمذنبون ، حتّى أنّهم نسوا أنفسهم وقيمة وجودها ، كما قال القرآن الكريم ، كلام الله الناطق( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) .(٢)

فالقرآن خير وسيلة لتمزيق حجب النسيان ، وهو نور لإزالة الظلمات والغفلة والنسيان ، حيث إنّ آياته تذكّر الإنسان بالله وبالمعاد ، وتعرّف الإنسان قيمة وجوده في هذه الحياة.

الآية التالية تقول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيت هؤلاء لا يستسلمون لآيات الله الواضحة ولقرآنه المجيد ، فاعلم أنّ سبب هذا لا يعود إلى أنّ هناك ستارا يغطّي كلام الحقّ ، وإنّما هم مبتلون بالتكبّر والغرور اللذين يمنعان الكافرين من قبول

__________________

(١) جملة( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) جملة قسم جوابها محذوف ، وتقديرها (والقرآن ذي الذكر إنّك صادق وإنّ هذا الكلام معجز).

(٢) الحشر ، ١٩.

٤٤٣

الحقّ ، كما أنّ عنادهم وعصيانهم ـ هما أيضا ـ مانع يحول دون تقبّلهم لدعوتك( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ) .

«العزّة» كما قال الراغب في مفرداته ، هي حالة تحوّل دون هزيمة الإنسان (حالة الذي لا يقهر) وهي مشتقّة من (عزاز) وتعني الأرض الصلبة المتينة التي لا ينفذ الماء خلالها ، وتعطي معنيين ، فأحيانا تعني (العزّة الممدوحة) المحترمة ، كما في وصف ذات الله الطاهر بالعزيز ، وأحيانا تعني (العزّة بالإثم) أي الوقوف بوجه الحقّ والتكبّر عن قبول الواقع ، وهذه العزّة مذلّة في حقيقة الأمر.

«شقاق» مشتقّة من (شقّ) ، ومعناه واضح ، ثمّ استعمل في معنى المخالفة ، لأنّ الاختلاف يسبّب في أن تقف كلّ مجموعة في شقّ ، أي في جانب.

القرآن هنا يعدّ مسألة العجرفة والتكبّر والغرور وطيّ طريق الانفصال والتفرقة من أسباب تعاسة الكافرين ، نعم هذه الصفات القبيحة والسيّئة تعمي عين الإنسان وتصمّ آذانه ، وتفقده إحساسه ، وكم هو مؤلم أن يكون للإنسان عيون تبصر وآذان تسمع ولكنّه يبدو كالأعمى والأصم.

فالآية (٢٠٦) من سورة البقرة تقول :( وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) أي عند ما يقال للمنافق : اتّق الله ، تأخذه العصبية والغرور واللجاجة ، وتؤدّي به إلى التوغّل في الذنب والسقوط في نار جهنّم وإنّها لبئس المكان.

ولإيقاظ أولئك المغرورين المغفّلين ، يرجع بهم القرآن الكريم إلى ماضي تأريخ البشر ، ليريهم مصير الأمم المغرورة والمتكبّرة ، كي يتّعظوا ويأخذوا العبر منها و( كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ) .

أي إنّ امما كثيرة كانت قبلهم قد أهلكناها (بسبب تكذيبها الأنبياء ، وإنكارها آيات الله ، وظلمها وارتكابها للذنوب) وكانت تستغيث بصوت عال عند نزول العذاب عليها ، ولكن ما الفائدة فقد تأخّر الوقت! ولم يبق أمامهم متّسع من الوقت

٤٤٤

لإنقاذ أنفسهم( فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ) .

فعند ما كان أنبياء الله في السابق يعظونهم ويحذّرونهم عواقب أعمالهم القبيحة ، لم يكتفوا بصمّ آذانهم وعدم الاستماع ، وإنّما كانوا يستهزئون ويسخرون من الأنبياء ويعذّبون المؤمنين ويقتلونهم ، فبذلك أضاعوا الفرصة ودمّروا كلّ الجسور التي خلفهم ، فنزل العذاب الإلهي ليهلكهم جميعا ، العذاب الذي رافقه انغلاق باب التوبة والعودة ، وفور نزوله تبدأ أصوات الاستغاثة تتعالى ، والتي لا تغني عنهم يومئذ شيئا.

وكلمة (لات) جاءت للنفي ، وهي في الأصل (لا) نافية أضيفت إليها (تاء) التأنيث ، لتعطي معنى التأكيد(١) .

«مناص» من مادّة (نوص) وتعني الملاذ والملجأ ، ويقال : إنّ العرب عند ما كانت تقع لهم حادثة صعبة ورهيبة ، وخاصّة في الحروب كانوا يكرّرون هذه الكلمة ويقولون (مناص مناص) أي : أين الملاذ؟ أين الملاذ؟ ولأنّ هذا المفهوم يتناسب مع معنى الفرار ، وأحيانا تأتي بمعنى إلى أين الفرار(٢) .

على أيّة حال ، فإنّ أولئك المغرورين المغفّلين لم يستفيدوا من الفرصة التي كانت بأيديهم للجوء إلى أحضان الرحمة واللطف الإلهي ، وعند ما أضاعوا الفرصة ونزل عليهم العذاب الإلهي ، أخذوا ينادون ويستغيثون ويبذلون الجهد للعثور على طريق نجاة لهم ، ولكن كلّ هذه الجهود تبوء بالفشل ، حيث أنّهم مهما بذلوا من جهد ومهما استغاثوا فإنّهم لا يصلون إلى مقصدهم.

هذه كانت سنّة الله مع كلّ الأمم السابقة ، وستبقى كذلك ، لأنّ سنّة الله لا تتغيّر

__________________

(١) البعض قال : إنّ (التاء) زائدة واعتبرها للمبالغة كما في كلمة (علامة) كما اعتبر البعض أنّ (لا) هنا (نافية للجنس) والبعض شبّهها بـ (ليس) وعلى أيّة حال إضافة (التاء) إلى (لا) يوجد أحكاما خاصّة ، منها من المؤكّد أنّها تستخدم للزمان ، والاخرى أنّ اسمها أو خبرها محذوف دائما ، وتذكر في الكلام بإحدى الحالتين المذكورتين آنفا ، وطبقا لهذا فإنّ عبارة (ولات حين مناص) تقديرها (ولات الحين حين مناص).

(٢) مفردات الراغب ، تفسير فخر الرازي ، تفسير روح المعاني ، كتاب مجمع البحرين مادّة (نوص).

٤٤٥

ولا تتبدّل.

ومن المؤسف أنّ الناس ـ على الأغلب ـ غير مستعدّين للاتّعاظ من تجارب الآخرين ، وكأنّهم راغبون في تكرار تلك التجارب المرّة ، التجارب التي تقع أحيانا مرّة واحدة في طول عمر الإنسان ، ولا تتكرّر ثانية ، وبصورة أوضح : إنّها الاولى والأخيرة.

* * *

٤٤٦

الآيات

( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) )

أسباب النّزول

سبب نزول هذه الآيات يشبه سبب نزول الآيات السابقة ، وغير مستبعد أن يكون هناك سبب واحد لنزول كلّ تلك الآيات.

ولكن بما أنّ سبب النّزول المذكور لهذه الآيات يحوي مطالب جديدة ، نذكره كما ورد في تفسير علي بن إبراهيم ، حيث جاء فيه : بعد أن أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدعوة ، اجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك قد سفه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا ، فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم ، جمعنا له حالا حتّى يكون أغنى رجل في قريش ، ونملكه علينا.

فأخبر أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجابه رسول الله قائلا : «لو وضعوا الشمس

٤٤٧

في يميني والقمر في يساري ما تركته ، ولكن كلمة يعطوني يملكون بها العرب وتدين بها العجم ويكونون ملوكا في الجنّة».

فقال لهم أبو طالب ذلك ، فقالوا : نعم وعشرة كلمات بدلا من واحدة ، أي كلمة تقصد أنت؟

فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله».

تضايقوا كثيرا عند سماعهم هذا الجواب ، وقالوا : ندع ثلاث مائة وستّين إلها ونعبد إلها واحدا؟ إنّه لأمر عجيب؟ نعبد إلها واحدا لا يمكن مشاهدته ورؤيته.

وهنا نزلت هذه الآيات المباركة بل( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) (١) .

هذا المعنى ورد أيضا في تفسير مجمع البيان مع اختلاف بسيط ، إذ ذكر صاحب تفسير مجمع البيان في آخر الرواية أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعبر بعد أن سمع جواب زعماء قريش وقال : «يا عمّ والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتّى أنفذه أو اقتل دونه» فقال له أبو طالب : امض لأمرك ، فو الله لا أخذلك أبدا(٢) .

* * *

التّفسير

هل يمكن قبول إله واحد بدلا من كلّ تلك الآلهة؟

المغرورون والمتكبّرون لا يعترفون بأمر لا يلائم أفكارهم المحدودة والناقصة ، إذ يعتبرون أفكارهم المحدودة والناقصة مقياسا لكلّ القيم. لذا فعند ما رفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لواء التوحيد في مكّة ، وأعلن الانتفاضة ضدّ الأصنام الكبيرة

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، الصفحة ٤٤٢ الحديث ٧.

(٢) مجمع البيان ، المجلّد ٨ ، الصفحة ٤٦٥.

٤٤٨

والصغيرة في الكعبة ، والبالغ عددها (٣٦٠) صنما ، تعجّبوا : لماذا جاءهم النذير من بينهم؟( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ) .

كان تعجّبهم بسبب أنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل منهم فلما ذا لم تنزل ملائكة من السماء بالرسالة؟ هؤلاء تصوّروا أنّ نقطة القوّة هذه نقطة ضعف ، فالذي يبعث من بين قوم ، هو أدرى باحتياجات وآلام قومه ، كما أنّه أعرف بمشكلاتهم وتفصيلات حياتهم ، ويمكن أن يكون لهم أسوة وقدوة ، إلّا أنّهم اعتبروا هذا الامتياز الكبير نقطة سلبية في دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعجّبوا من أمر بعثته إليهم.

وأحيانا كانوا يجتازون مرحلة التعجّب إلى مرحلة اتّهام رسول الله بالسحر والكذب( وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ ) .

وقلنا عدّة مرّات : إنّ اتّهامهم الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر ، إنّما نتج من جرّاء رؤيتهم لمعجزاته التي لا تقبل الإنكار وتنفذ بصورة مدهشة إلى أفكار المجتمع ، واتّهامه بالكذب بسبب تحدّثه بأمور تخالف سنّتهم الخرافية وأفكارهم الجاهلية التي كانت جزءا من الأمور المسلّم بها في ذلك المجتمع ، وادّعاء الرسالة من الله.

وعند ما أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوته لتوحيد الله ، أخذ أحدهم ينظر للآخر ويقول له : تعالى

واسمع العجب العجاب( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) (١) .

نعم ، فالغرور والتكبّر إضافة إلى فساد المجتمع ، تساهم جميعا في تغيّر بصيرة الإنسان ، وجعله متعجّبا من بعض الأمور الواقعية والواضحة ، في حين يصرّ بشدّة على التمسّك ببعض الخرافات والأوهام الواهية.

وكلمة (عجاب) على وزن (تراب) تعطي معنى المبالغة ، وتقال لأمر عجيب مفرط في العجب.

فالسفهاء من قريش كانوا يعتقدون أنّه كلّما ازدادت عدد آلهتهم إزداد نفوذهم

__________________

(١) «الجعل» بمعنى التصيير ، وهو ـ كما قيل ـ تصيير بحسب القول والإعتقاد والدعوى لا بحسب الواقع.

٤٤٩

وقدرتهم ، ولهذا السبب فإنّ وجود إله واحد يعدّ قليلا من وجهة نظرهم ، في حين ـ كما هو معلوم ـ أنّ الأشياء المتعدّدة من وجهة النظر الفلسفية تكون دائما محدودة ، والوجود اللامحدود واحد لا أكثر ، ولهذا السبب فإنّ كلّ الدراسات في معرفة الله تنتهي إلى توحيده.

وبعد أن يئس طغاة قريش من توسّط أبي طالب في الأمر وفقدوا الأمل ، خرجوا من بيته ، ثمّ انطلقوا وقال بعضهم لبعض ، أو قالوا لأتباعهم : اذهبوا وتمسّكوا أكثر بآلهتكم ، واصبروا على دينكم ، وتحمّلوا المشاق لأجله ، لأنّ هدف محمّد هو جرّ مجتمعنا إلى الفساد والضياع وزوال النعمة الإلهية عنّا بسبب تركنا الأصنام ، وإنّه يريد أن يترأس علينا( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ) .

«انطلق» مشتقّة من (انطلاق) وتعني الذهاب بسرعة والتحرّر من عمل سابق ، وهنا تشير إلى تركهم مجلس أبي طالب وعلامات الضجر والغضب بادية عليهم.

و (الملأ) إشارة إلى أشراف قريش المعروفين الذين ذهبوا إلى أبي طالب ، وبعد خروجهم من بيته تحدّث بعضهم لبعض أو لأتباعهم أن لا تتركوا عبادة أصنامكم وأثبتوا على عبادة آلهتكم.

وجملة( لَشَيْءٌ يُرادُ ) تعني أنّ هناك أمرا يراد بنا. ولكونها جملة غامضة بعض الشيء ، فقد ذكر المفسّرون لها تفاسير عديدة ، منها : أنّها إشارة إلى دعوة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ اعتبرت قريش هذه الدعوة مؤامرة ضدّها ، وقالت : إنّ ظاهرها يدعو إلى الله ، وباطنها يهدف إلى السيادة والرئاسة علينا وعلى العرب ، وما هذه الدعوة إلّا ذريعة لتنفيذ ذلك الأمر ، أي السيادة والرئاسة ، ودعت الناس إلى التمسّك أكثر بعبادة الأصنام ، وترك تحليل أمر هذه المؤامرة إلى زعماء القوم ، وهذا الأسلوب طالما لجأ إليه أئمّة الضلال لإسكات أصوات السائرين في طريق الحقّ ، إذ يطلقون على الدعوة إلى الله لفظة (مؤامرة) المؤامرة التي يجب أن يتولّى

٤٥٠

رجال السياسة تحليلها بدقّة لوضع الخطط والبرامج المنظّمة لمواجهتها ، وأن يمرّ بها عامة الناس مرّ الكرام من دون أن يعيروا لها أي اهتمام ، وأن يتمسّكوا أكثر بما عندهم ، أي بأصنامهم.

ونظير هذا الحديث ورد في قصّة نوح ، عند ما قال الملأ من قوم نوح لعامّتهم( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ) .(١)

وذهب آخرون إلى أنّ المقصود من هذه العبارة هو : يا عبدة الأصنام أثبتوا واستقيموا على آلهتكم ، لأنّ هذا هو المطلوب منكم.

أمّا البعض الآخر فقد قال : المقصود هو أنّ محمّدا يستهدفنا نحن ، وأنّه يريد جرّ مجتمعنا إلى الفساد من خلال تركنا لآلهتنا ، وفي نهاية الأمر ستزال النعم عنّا وينزل علينا العذاب!

فيما احتمل البعض الآخر أنّ المراد هو أنّ محمّدا لن يتوقّف عن دعوته وأنّه مصمّم على نشرها بعزم راسخ ، ولهذا فإنّ المحادثات معه عقيمة ، فاذهبوا وتمسّكوا أكثر بعقائدهم.

وأخيرا احتمل بعض المفسّرين أنّ المقصود هو أنّ المصيبة ستحلّ بنا ، وعلى أيّة حال ، علينا أن نتهيّأ لها وأن نتمسّك أكثر بسنّتنا.

وبالطبع ، لكون هذه الجملة لها مفهوم عامّ ، فإنّ أغلب التفاسير يمكن أن تعطي المعنى المطلوب ، رغم أنّ التّفسير الأوّل يعدّ أنسب من بقيّة التفاسير.

وعلى أيّة حال ، فإنّ زعماء المشركين أرادوا بهذا القول تقوية المعنويات المنهارة لأتباعهم ، والحيلولة دون تزعزع معتقداتهم أكثر ، ولكن كلّ مساعيهم ذهبت أدراج الرياح.

ولخداع عوامّ الناس وإقناع أنفسهم ، قال زعماء المشركين( ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) .

__________________

(١) المؤمنون ، ٢٤.

٤٥١

فلو كان ادّعاء التوحيد وترك عبادة الأصنام أمرا واقعيّا لكان آباؤنا الذين كانوا بتلك العظمة والشخصيّة قد أدركوا ذلك ، وكنّا قد سمعنا ذلك منهم ، لذا فهو مجرّد حديث كاذب وليست له سابقة.

وعبارة( الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ) يحتمل أنّها تشير إلى جيل آبائهم باعتباره آخر جيل بالنسبة لهم ، ويمكن أن تكون إشارة إلى أهل الكتاب وخاصّة (النصارى) الذين كانوا آخر الملل ، ودينهم كان آخر الأديان قبل ظهور نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي إنّنا لم نعثر في كتب النصارى على شيء ممّا يقوله محمّد ، وذلك لأنّ كتب النصارى كانت تقول بالتثليث ، أمّا التوحيد الذي دعا إليه محمّد فإنّه أمر جديد.

ولكن يتّضح من آيات القرآن الكريم أنّ عرب الجاهلية لم يكونوا معتمدين على كتب اليهود والنصارى ، وإنّما اعتمادهم الأساس كان على سنن وشرائع أجدادهم وآبائهم ، وهذا دليل على صحّة التّفسير الأوّل.

«اختلاق» مشتقّة من (خلق) وتعني إبداء أمر لم تكن له سابقة ، كما تطلق هذه الكلمة على الكذب ، وذلك لأنّ الكذّاب غالبا ما يطرح مواضيع لا وجود لها ، ولهذا فإنّ المراد من كلمة (اختلاق) في الآية ـ مورد البحث ـ أنّ التوحيد الذي دعا إليه هذا النبيّ مجهول بالنسبة لنا ولآبائنا الأوّلين ، وهذا دليل على بطلانه.

* * *

ملاحظة

الخوف من الجديد!

الخوف من القضايا والأمور المستحدثة والجديدة كانت ـ على طول التاريخ ـ أحد الأسباب المهمّة التي تقف وراء إصرار الأمم الضالّة على انحرافاتها ، وعدم استسلامها لدعوات أنبياء الله ، إذ أنّهم يخافون من كلّ جديد ، ولهذا كانوا ينظرون لشرائع الأنبياء بنظرة سيّئة جدّا ، وحتّى الآن هناك امم كثيرة تحمل آثارا من هذا

٤٥٢

التفكير الجاهلي ، في الوقت الذي لم تكن فيه دعوة الرسل للتوحيد أمرا جديدا ، ولا يمكن أن تكون حداثة الشيء دليلا على بطلانه ، فيجب أن نتّبع المنطق ، ونستسلم للحقّ أينما كان وممّن كان.

والأمر العجيب أنّ مسألة الخوف من الأمر الجديد ـ مع شديد الأسف ـ قد طالت بعض العلماء أيضا ـ إذ يتّخذون موقفا معارضا للنظريات العلمية الحديثة ويقولون :( إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) .

وهذا الأمر شوهد بصورة خاصّة في تأريخ الكنيسة المسيحية ، إذ أنّهم كانوا يتّخذون مواقف سلبية تجاه الاكتشافات العلمية لعلماء الطبيعة ، وكان أحدهم «غاليلو» إذ تعرّض لأشدّ هجمات الكنيسة على أثر إعلانه عن أنّ الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها ، حيث كانوا يقولون : إنّ هذا الكلام بدعة.

وأكثر ما يثير العجب أنّ بعض العلماء الكبار ، كانوا عند ما يتوصّلون إلى حقائق علمية جديدة ، يعمدون إلى البحث في امّهات الكتب لعلّهم يعثرون على علماء سابقين يوافقونهم في الرأي ، وذلك خوفا من تعرضهم لهجمات المعارضين وبهذا الأسلوب استطاع كثير من العلماء إبداء وجهة نظرهم وكأنّها قديمة وليست بجديدة ، وهذا أمر مؤلم جدّا.

ومثال هذا الحديث يمكن مشاهدته في كتاب (الأسفار) فيما ورد عن النظرية المعروفة بـ (الحركة الجوهرية) لصدر المتألهين الشيرازي.

على أيّة حال فإنّ طريقة التعامل مع القضايا الحديثة والابتكارات الجديدة أدّى إلى وقوع خسائر كبيرة في المجتمع الإنساني وفي عالم العلم والمعرفة ، وعلى أصحاب العلاقة أن يعملوا بجدّ لإصلاح هذا الأمر ، وإزالة الرسوبات الجاهلية من أفكار الرأي العامّ.

٤٥٣

إلّا أنّ هذا الحديث لا يعني قبول كلّ رأي جديد لكونه جديدا ، حتّى ولو كان بلا أساس ، إذ يصبح حينئذ نفس التمسّك بالجديد بلاء عظيما كعشق القديم ، فالاعتدال الإسلامي يدعونا إلى عدم الإفراط أو التفريط في العمل.

* * *

٤٥٤

الآيات

( أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) )

التّفسير

الجيش المهزوم :

الآيات السابقة تحدّثت عن المواقف السلبية التي اتّخذها المعارضون لنهج التوحيد والإسلام ، ونواصل في هذه الآيات الحديث عن مواقف المشركين.

فمشركو مكّة بعد ما أحسّوا أنّ مصالحهم اللامشروعة باتت في خطر ، وإثر تزايد اشتعال نيران الحقد والحسد في قلوبهم ، ومن أجلّ خداع الناس وإقناع أنفسهم عمدوا إلى مختلف الادّعاءات بمنطق زائف لمحاربة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها سؤالهم بتعجّب وإنكار( أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا ) .

ألم يجد الله شخصا آخر لينزل عليه قرآنه ، غير محمّد اليتيم والفقير ـ خاصّة

٤٥٥

وأنّ فينا الكثير من الشيبة وكبار السنّ الأثرياء المعروفون.

هذا المنطق لم يكن منحصرا بذلك الزمان فقط ، وإنّما يتعدّاه إلى كلّ عصر وزمان ، وحتّى في زماننا ، فإن تولّى شخص ما مسئولية مهمّة طفحت قلوب الآخرين بالغيظ والحسد ، وبدأت ألسنتهم بالثرثرة وتوجيه النقد والطعن : ألم يكن هناك شخص آخر حتّى توكّل هذه المهمة بالشخص الفلاني الذي هو من عائلة فقيرة وغير معروفة؟

نعم ، فأهل الكتاب من اليهود والنصارى يشتركون بعض الشيء مع المسلمين ، ولكن حبّ الدنيا من جهة ، وحسدهم من جهة اخرى ، تسبّبا في أنّ يبتعدوا عن الإسلام والقرآن ، ويقولوا إلى عبدة الأصنام : إنّ الطريق الذي تسلكونه أفضل من الطريق الذي سلكه المؤمنون( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ) .(١)

من البديهي أنّ إشكال التعجّب والإنكار المتولّدة عن الخطأ في «تحديد القيم» إضافة إلى الحسد وحبّ الدنيا ، لا يمكن أن تكون معيارا منطقيا في القضاء ، فهل أنّ شخصيّة الإنسان تحدّد باسمه أو مقدار ماله أو مقامه أو حتّى سنّه؟ وهل أنّ الرحمة الإلهيّة تقسّم على أساس هذا المعيار؟

لهذا فإنّ تتمّة الآية تقول : إنّ مرض أولئك شيء آخر ، إنّهم في حقيقة الأمر يشكّكون في أمر الوحي وأمر الله( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي ) .

ملاحظاتهم التي لا قيمة لها على شخصيّة الرّسول ما هي إلّا أعذار واهية ، وشكّهم وتردّدهم في هذه المسألة ليس بسبب وجود إبهام في القرآن المجيد ، وإنّما بسبب أهوائهم النفسية وحبّ الدنيا وحسدهم.

وفي نهاية الأمر فإنّ القرآن الكريم يهدّدهم بهذه الآية( بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ ) أي إنّ هؤلاء لم يذوقوا العذاب الإلهي ، ولهذا السبب جسروا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) النساء ، ٥١.

٤٥٦

ودخلوا المعركة ضدّ الوحي الإلهي بهذا المنطق الأجوف.

نعم ، فهناك مجموعة من الناس لا ينفع معها المنطق والكلام ، ولكن سوط العذاب هو الوحيد الذي يحطّ من تكبّرهم وغرورهم ، لذا يجب أن يعاقب أولئك بالعقاب الإلهي كي يشفوا من مرضهم.

ويضيف القرآن الكريم في الردّ عليهم : هل يمتلكون خزائن الرحمة الإلهيّة كي يهبوا أمر النبوّة لمن يرغبون فيه ، ويمنعونها عمّن لا يرغبون فيه؟( أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ) .

فالله سبحانه وتعالى بمقتضى كونه (ربّ) هذا الكون ومالكه ، وبارئ عالم الوجود وعالم الإنسانية ، ينتخب لتحمل رسالته شخصا يستطيع قيادة الأمّة إلى طريق التكامل والتربية. وبمقتضى كونه (العزيز) فإنّه لا يقع تحت تأثير الآخرين ويسلّم مقام الرسالة إلى أشخاص غير لائقين ، فمقام النبوّة عظيم ، والله سبحانه وتعالى هو صاحب القرار في منحه. ولكونه (الوهّاب) فإنّه ينفذ أيّ شيء يريده ، ويمنح مقام النبوّة لكلّ من يرى فيه القدرة على تحمّله.

ممّا يذكر أنّ كلمة (الوهّاب) جاءت بصيغة المبالغة ، وتعني كثير المنح والعطايا ، وهي هنا تشير إلى أنّ النبوّة ليست نعمة واحدة ، وإنّما هي نعم متعدّدة ، تتّحد فيما بينها لتمكّن صاحب هذا المقام الرفيع من أداء مهمّته ، وهذه النعم تشمل العلم والتقوى والعصمة والشجاعة والشهامة.

ونقرأ في الآية (٣٢) من سورة الزخرف نظير هذا الكلام ، قال تعالى :( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ) أي إنّهم يشكلون عليك بسبب نزول القرآن عليك ، فهل أنّهم هم المسؤولون عن تقسيم رحمة ربّ العالمين؟

هذا ويمكن الاستفادة من كلمة (رحمة) هنا في أنّ النبوّة إنّما هي رحمة ولطف ربّ العالمين بعالم الإنسانية ، وحقّا هي كذلك ، فلو لا بعث الأنبياء لخسر الناس الدنيا والآخرة ، كما خسرها أولئك الذين ابتعدوا عن نهج الأنبياء.

٤٥٧

الآية اللاحقة واصلت تناول نفس الموضوع ، ولكن من جانب آخر ، حيث قالت :( أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ ) .

هذا الكلام في حقيقته يعدّ مكمّلا للبحث السابق ، إذ جاء في الآية السابقة : إنّكم لا تمتلكون خزائن الرحمة الإلهية ، كي تمنحوها لمن تنسجم أهواؤه مع أهوائكم ، والآن تقول الآية التالية لها : بعد أن تبيّن أنّ هذه الخزائن ليست بيدكم ، وإنّما هي تحت تصرّف البارئعزوجل ، إذن فليس أمامكم غير طريق واحد ، وهو أن ترتقوا إلى السماوات لتمنعوا الوحي أن ينزل على رسول الله وإنّكم تعرفون أنّ تحقيق هذا الأمر شيء محال ، وأنتم عاجزون عن تنفيذه.

وعلى هذا ، فلا «المقتضي» تحت اختياركم ، ولا القدرة على إيجاد «المانع» ، فما ذا يمكنكم فعله في هذا الحال؟ إذا ، موتوا بغيظكم وحسدكم ، وافعلوا ما شئتم

وبهذا الشكل فإنّ الآيتين لا تكرّران موضوعا واحدا كما توهّمه مجموعة من المفسّرين ، بل إنّ كلّ واحدة منهما تتناول جانبا من جوانب الموضوع.

الآية الأخيرة في بحثنا جاءت بمثابة تحقير لأولئك المغرورين السفهاء ، قال تعالى :( جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ) (١) فهؤلاء جنود قلائل مهزومين

«هنالك» إشارة للبعيد ، وبسبب وجودها في الآية ، فقد اعتبر بعض المفسّرين أنّها إشارة إلى هزيمة المشركين في معركة بدر ، التي دارت رحاها في منطقة بعيدة بعض الشيء عن مكّة المكرّمة.

واستخدام كلمة (الأحزاب) هنا إشارة حسب الظاهر إلى كلّ المجموعات التي وقفت ضدّ رسل الله ، والذين أبادهم الباريعزوجل ، ومجتمع مكّة المشرك هو مجموعة صغيرة من تلك المجموعات ، والذي سيبتلى بما ابتلوا به (الشاهد على

__________________

(١) (ما) تعدّ زائدة في هذه العبارة ، إنّما جاءت للتحقير والتقليل ، و (جند) خبر لمبتدأ محذوف ، و (مهزوم) خبر ثان والعبارة في الأصل هي (هم جند ما مهزوم من الأحزاب) والبعض يعتقد بعدم وجود محذوف في الجملة و (جند) مبتدأ و (مهزوم) خبر ، ولكن الرأي الأوّل أنسب.

٤٥٨

هذا الحديث هو ما سيرد في الآيات القادمة التي تتطرّق لهذه المسألة).

ولا ننسى أنّ هذه السورة من السور المكيّة ، ونزلت في وقت كان فيه عدد المسلمين قليلا جدّا ، بحيث كان من اليسير على المشركين أن يبيدوهم بسهولة ، قال تعالى :( تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) .(١)

وفي ذلك اليوم لم تكن هنالك أيّة دلائل توضّح إمكانية انتصار المسلمين ، حيث لم تكن المعارك قد وقعت ، ولا الانتصارات في بدر والأحزاب وحنين قد تحقّقت.

ولكن القرآن قال بحزم إنّ هؤلاء الأعداء ـ الذين هم مجموعة صغيرة ـ سيهزمون في نهاية المطاف.

واليوم يبشّر القرآن الكريم مسلمي العالم المحاصرين من كلّ الجهات من قبل القوى المعتدية والظالمة بنفس البشائر التي بشّر بها المسلمين قبل (١٤٠٠) عام ، في أنّ الله سبحانه وتعالى سينجز وعده في هزيمة جند الأحزاب ، إن تمسّك مسلمو اليوم بعهودهم تجاه الله كما تمسّك بها المسلمون الأوائل.

* * *

__________________

(١) سورة الأنفال ، ٢٦.

٤٥٩

الآيات

( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) )

التّفسير

تكفيهم صيحة سماوية واحدة :

تتمّة للآية الآنفة الذكر ، التي بشّرت بهزيمة المشركين مستقبلا ، ووصفتهم بأنّهم مجموعة صغيرة من الأحزاب ، تناولت آيات بحثنا الحالي بعض الأحزاب التي كذّبت رسلها ، وبيّنت المصير الأليم الذي كان بانتظارها.

إذ تقول ، إنّ أقوام نوح وعاد وفرعون ذي الأوتاد كانت قد كذّبت قبلهم بآيات الله ورسله( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ) .

كذلك أقوام ثمود ولوط وأصحاب الأيكة ـ أي قوم شعيب ـ كانت هي الاخرى

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

العلماء بشرعك الزهاد ، ومصابيح الظلم ، وينابيع الحكم ، وأولياءالنعم ، وعصم الأمم ، قرناء التنزيل وآياته ، وامناء التأويل وولاته ،وتراجمة الوحي ودلالاته ، أئمة الهدى ، ومنار الدجى ، وأعلام التقى ،وكهوف الورى ، وحفظة الاسلام ، وحججك على جميع الأنام.

الحسن والحسين ، سيدي شباب أهل الجنة ، وسبطي نبي الرحمةوعلي بن الحسين السجاد زين العابدين ، ومحمد بن علي باقر علمالدين ، وجعفر بن محمد الصادق الأمين ، وموسى بن جعفر الكاظمالحليم ، وعلي بن موسى الرضا الوفي ، ومحمد بن علي البر التقي ،وعلي بن محمد المنتجب الرضي ، والحسن بن علي الهادي الزكي(1) ،والحجة بن الحسن صاحب العصر والزمان ، وصي الأوصياء وبقيةالأنبياء ، المستتر عن خلقك ، والمؤمل لاظهار حقك ، المهدي المنتظر ،والقائم الذي به ينتصر.

اللهم صل عليهم أجمعين ، صلاة باقية في العالمين ، تبلغهم بهاأفضل محل المكرمين ، اللهم ألحقهم في الاكرام بجدهم وأبيهم ، وخذلهم الحق من ظالميهم.

اشهد يا موالي أنكم المطيعون لله ، القوامون بأمره ، العاملونبإرادته ، الفائزون بكرامته ، اصطفاكم بعلمه ، واجتباكم لغيبه ، واختاركملسره ، وأعزكم بهداه ، وخصكم ببراهينه ، وأيدكم بروحه ، ورضيكم

__________________

(1) الزكي ، الرضي ( خ ل ).

٥٦١

خلفاء في ارضه ، ودعاة إلى حقه ، وشهداء على خلقه ، وأنصارا لدينهوحججا على بريته ، وتراجمة لوحيه ، وخزنة لعلمه ، ومستودعالحكمته ، عصمكم الله من الذنوب ، وبرأكم من العيوب ، وائتمنكمعلى الغيوب.

زرتكم يا موالي عارفا بحقكم ، مستبصرا بشأنكم ، مهتديا بهداكم ،مقتفيا لأثركم ، متبعا لسنتكم ، متمسكا بولايتكم ، معتصما بحبلكم ،مطيعا لأمركم ، مواليا لأوليائكم ، معاديا لأعدائكم ، عالما بأن الحق فيكمومعكم ، متوسلا إلى الله بكم ، مستشفعا إليه بجاهكم ، وحق عليه أنلا يخيب سائله ، والراجي ما عنده لزواركم ، والمطيعين لأمركم.

اللهم فكما وفقتني للايمان بنبيك ، والتصديق لدعوته ، ومننتعلي بطاعته واتباع ملته ، وهديتني إلى معرفته ، ومعرفة الأئمة منذريته ، وأكملت بمعرفتهم الايمان ، وقبلت بولايتهم وطاعتهم الأعمال ،واستعبدت بالصلاة عليهم عبادك ، وجعلتهم مفتاحا للدعاء ، وسبباللإجابة ، فصل عليهم أجمعين ، واجعلني بهم عندك وجيها في الدنياوالآخرة ومن المقربين.

اللهم اجعل ذنوبنا بهم مغفورة ، وعيوبنا مستورة ، وفرائضنامشكورة ، ونوافلنا مبرورة ، وقلوبنا بذكرك معمورة ، وأنفسنا بطاعتكمسرورة ، وجوارحنا على خدمتك مقهورة ، وأسمائنا في خواصكمشهورة ، وأرزاقنا من لدنك مدرورة ، وحوائجنا لديك ميسورة ،

٥٦٢

برحمتك يا ارحم الراحمين

اللهم أنجز لهم وعدهم(1) ، وطهر بسيف قائمهم أرضك ، وأقم بهحدودك المعطلة ، وأحكامك المهملة والمبدلة ، وأحيي به القلوبالميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة ، وأجل به صداء الجور عن طريقتك ،حتى يظهر الحق على يديه في أحسن صورته ، ويهلك الباطل وأهلهبنور دولته ، ولا يستخفي بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق.

اللهم عجل فرجهم ، وأظهر فلجهم ، واسلك بنا منهجهم ، وأمتناعلى ولايتهم ، واحشرنا في زمرتهم ، وتحت لوائهم ، وأوردنا حوضهم ،واسقنا بكأسهم ، ولا تفرق بيننا وبينهم ، ولا تحرمنا شفاعتهم ، حتى نظفربعفوك وغفرانك ، ونصير إلى رحمتك ورضوانك ، إله الحق ربالعالمين.

يا قريب الرحمة من المؤمنين ، ونحن أولئك ، حقا لا ارتيابا ، يا منإذا أوحشنا التعرض لغضبه آنسنا حسن الظن به ، فنحن واثقون بين رغبةورهبة ارتقابا ، قد أقبلنا لعفوك ومغفرتك طلابا ، وأذللنا لقدرتكوعزتك رقابا ، فصل على محمد وآله الطاهرين ، واجعل دعاءنا بهممستجابا ، وولاءنا لهم من النار حجابا.

اللهم بصرنا قصد السبيل لنعتمده ، ومورد الرشد لنرده ، وبدلخطايانا صوابا ، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة ،

__________________

(1) وعدك ( خ ل ).

٥٦٣

يا من تسمى من جوده وكرمه وهابا ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةحسنة ، وقنا عذاب النار ، إن حقت علينا اكتسابا ، برحمتك يا أرحمالراحمين ، وأنت حسبنا ونعم الوكيل(1) .

باب الوداع لسائر الأئمةعليهم‌السلام ، تقول :

السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، سلام مودع ،لا سئم ولا قال ورحمة الله وبركاته انه حميد مجيد ، سلام ولي غيرراغب عنكم ، ولا مستبدل بكم ، ولا مؤثر عليكم ، ولا زاهد في قربكم ،لا جعله الله اخر العهد من زيارة قبوركم واتيان مشاهدكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وحشرني الله في زمرتكم ،وأوردني حوضكم ، وجعلني من حزبكم ، وأرضاكم عني ، ومكنني فيدولتكم ، وأحياني في رجعتكم ، وملكني في أيامكم ، وشكر سعييبكم ، وغفر ذنبي بشفاعتكم ، وأقال عثرتي بمحبتكم ، واعلى كعبيبموالاتكم ، وشرفني بطاعتكم ، واعزني بهداكم ، وجعلني ممن ينقلبمفلحا منجحا غانما ، معافا غنيا ، فائزا برضوان الله وفضله وكفايته ،بأفضل ما ينقلب به أحد من زواركم ومواليكم ، ومحبيكم وشيعتكم ،ورزقني الله العود ثم العود ابدا ما أبقاني ، بنية صادقة ، وايمان وتقوىواخبات ، ورزق واسع حلال طيب.

__________________

(1) رواه السيد في مصباح الزائر : 246 ، عنه البحار 102 : 178.

٥٦٤

اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلاة عليهموأوجب لي المغفرة والرحمة ، والخير والبركة ، والفوز والايمانوحسن الإجابة ، كما أوجبت لأوليائك العارفين بحقهم ، الموجبينطاعتهم ، والراغبين في زيارتهم ، المقربين إليك واليهم.

بابي أنتم وأمي ونفسي وأهلي اجعلوني في همكم ، وصيرونيفي حزبكم ، وأدخلوني في شفاعتكم ، واذكروني عند ربكم ، اللهم صلعلى محمد وال محمد وأبلغ أرواحهم وأجسادهم مني السلام ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1) .

2 ـ زيارة أخرى مختصرة جامعة ، ويجزيك في جميع المشاهدعلى ساكنها السلام ، ان تقول :

السلام على أولياء الله وأصفيائه ، السلام على أمناء الله وأحبائه ،السلام على أنصار الله وخلفائه ، السلام على محال معرفة الله ، السلامعلى معادن حكمة الله ، السلام على مساكن ذكر الله ، السلام على عبادالله المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

السلام على مظاهري أمر الله ونهيه ، السلام على الادلاء على الله ،السلام على المستقرين في مرضات الله ، السلام على الممحصين فيطاعة الله.

__________________

(1) رواه الصدوق في العيون 2 : 272 ، عنه البحار 102 : 133.

٥٦٥

السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عادالله ، ومن عرفهم فقد عرف الله ، ومن جهلهم فقد جهل الله ، ومناعتصم بهم فقد اعتصم بالله ، ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله.

اشهد الله اني سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، مؤمن بماامنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مؤمنبسركم وعلانيتكم ، مفوض في ذلك كله إليكم ، لعن الله عدوكم منالجن والإنس ، وضاعف عليه العذاب الأليم(1) .

الباب (9)

زيارة مولانا الخلف الصالح صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام

حدثنا الشيخ الأجل الفقيه العالم أبو محمد عربي بن مسافر العباديرضي‌الله‌عنه قراءة عليه بداره بالحلة السيفية في شهر ربيع الأول سنة

__________________

(1) رواه الكليني في الكافي 4 : 578 ، باسناده عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ،عن هارون بن مسلم ، عن علي بن حسان ، عن الرضا ، عن أبيهعليهما‌السلام ، عنه الشيخ في التهذيب6 : 102.

ذكره ابن قولويه في الكامل : 522 ، باسناده عن محمد بن الحسين بن مت الجوهري ، عنمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران ، عن هارون بن مسلم ، عن علي بن حسان ، عن الرضا عليه‌السلام ،عنه البحار 10 : 431 ، 102 : 126 ، المستدرك 10 : 354.

أخرجه الصدوق في العيون 2 : 271 ، باسناده عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عنمحمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن حسان ، عن الرضا عليه‌السلام ، عنه البحار 102 : 126.

أورده في الفقيه 2 : 608 عن علي بن حسان ، عن الرضا عليه‌السلام .

٥٦٦

ثلاث وسبعين وخمسمائة ، وحدثني الشيخ العفيف أبو البقاء هبة الله بننماء بن علي بن حمدونرحمه‌الله قراءة عليه أيضا بالحلة السيفية ، قالاجميعا : حدثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بنعلي بن طحال المقداديرحمه‌الله بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بنأبي طالب صلوات الله عليه في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمامعليه‌السلام في العشر الأواخر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، قال :حدثنا الشيخ الأجل السيد المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسيرضي‌الله‌عنه بالمشهد المذكور في العشر الأواخر من ذي العقدة سنةتسع وخمسمائة ، قال : حدثنا السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بنالحسن الطوسيرضي‌الله‌عنه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بناشناس البزاز ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى القمي ،قال : حدثنا محمد بن علي بن زنجويه القمي ، قال : حدثنا أبو جعفرمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال :

قال أبو علي الحسن بن اشناس ، وأخبرنا أبو المفضل محمد بنعبد الله الشيباني ان أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري اخبرهوأجاز له جميع ما رواه ، انه خرج إليه من الناحية ، حرسها الله ، بعدالمسائل والصلاة والتوجه ، أوله :

بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمر الله تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ،حكمة بالغة عن قوم لا يؤمنون ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

٥٦٧

فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى والينا ، فقولوا كما قال اللهتعالى :( سلام على ال يس ) (1) ، ذلك هو الفضل المبين ، والله ذو الفضلالعظيم ، لمن يهديه صراطه المستقيم.

التوجه :

قد اتاكم الله يا ال يس خلافته وعلم مجاري امره ، فيما قضاهودبره ، واراده في ملكوته ، وكشف لكم الغطاء ، وأنتم خزنته وشهداؤه ،وعلماؤه وامناؤه ، وساسة العباد وأركان البلاد ، وقضاة الاحكام ،وأبواب الايمان.

ومن تقديره منائح العطاء بكم انفاذه محتوما مقرونا ، فما شئ منهالا وأنتم له السبب واليه السبيل ، خياره لوليكم نعمة ، وانتقامه منعدوكم سخطة ، فلا نجاة ولا مفزع الا أنتم ، ولا مذهب عنكم ، يا أعينالله الناظرة ، وحملة معرفته ، ومساكن توحيده في ارضه وسمائه.

وأنت يا حجة الله وبقيته ، كمال نعمته ، ووارث أنبيائه وخلفائه مابلغناه من دهرنا ، وصاحب الرجعة لوعد ربنا التي فيها دولة الحقوفرجنا ، ونصر الله لنا وعزنا.

السلام عليك أيها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب ، والغوثوالرحمة الواسعة ، وعدا غير مكذوب ، السلام عليك يا صاحب المرأى

__________________

(1) الصافات : 130.

٥٦٨

والمسمع(1) الذي بعين الله مواثيقه ، وبيد الله عهوده ، وبقدرة اللهسلطانه.

أنت الحكيم الذي لا تعجله العصبية ، والكريم الذي لا تبخلهالحفيظة(2) ، والعالم الذي لا تجهله الحمية ، مجاهدتك في الله ذات مشيةالله ، ومقارعتك في الله ذات انتقام الله ، وصبرك في الله ذو أناة الله ،وشكرك لله ذو مزيد الله ورحمته.

السلام عليك يا محفوظا بالله ، الله نور امامه وورائه ، ويمينهوشماله ، وفوقه وتحته ، السلام عليك يا مخزونا(3) في قدرة الله ، الله نورسمعه وبصره ، السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه ، ويا ميثاق اللهالذي اخذه ووكده ، السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته ، السلامعليك يا باب الله وديان دينه.

السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه ، السلام عليك يا حجة اللهودليل ارادته ، السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه ، السلام عليكفي اناء ليلك ونهارك ، السلام عليك يا بقية الله في ارضه.

السلام عليك حين تقوم ، السلام عليك حين تقعد ، السلام عليكحين تقرأ وتبين ، السلام عليك حين تصلي وتقنت ، السلام عليك حين

__________________

(1) اي الذي يرى الخلائق ويسمع كلامهم من غير أن يروه.

(2) الحفيظة : الحمية والغضب والذب عن المحارم.

(3) محروزا ( خ ل ).

٥٦٩

تركع وتسجد ، السلام عليك حين تعوذ وتسبح ، السلام عليك حينتهلل وتكبر.

السلام عليك حين تحمد وتستغفر ، السلام عليك حين تمجدوتمدح ، السلام عليك حين تمسي وتصبح ، السلام عليك في الليل إذايغشى والنهار إذا تجلى ، السلام عليك في الآخرة والأولى.

السلام عليكم يا حجج الله ورعاتنا ، وقادتنا وأئمتنا ، وسادتناوموالينا ، السلام عليكم أنتم نورنا ، وأنتم جاهنا أوقات صلواتنا ،وعصمتنا لدعائنا وصلاتنا ، وصيامنا واستغفارنا ، وسائر أعمالنا.

السلام عليك أيها الامام المأمول ، السلام عليك بجوامع السلام ،أشهدك يا مولاي اني اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداعبده ورسوله ، لا حبيب الا هو وأهله ، وان أمير المؤمنينحجته ، وان الحسن حجته ، وان الحسين حجته ، وان علي بن الحسينحجته ، وان محمد بن علي حجته ، وان جعفر بن محمد حجته ، وانموسى بن جعفر حجته ، وان علي بن موسى حجته ، وان محمد بن عليحجته ، وان علي بن محمد حجته ، وان الحسن بن علي حجته ، وأنتحجته ، وان الأنبياء دعاة وهداة رشدكم.

أنتم الأول والاخر وخاتمته ، وان رجعتكم حق لا شك فيها ، يوملا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا ،وان الموت حق ، وان منكرا ونكيرا حق ، وان النشر حق ، والبعث حق ،

٥٧٠

وان الصراط حق والمرصاد حق ، وان الميزان حق ، والحساب حق ، وانالجنة والنار حق ، والجزاء بهما للوعد والوعيد حق ، وانكم للشفاعةحق ، لا تردون ، ولا تسبقون بمشية الله ، وبامره تعملون.

ولله الرحمة والكلمة العليا ، وبيده الحسنى ، وحجة اللهالنعمى ، خلق الجن والإنس لعبادته ، أراد من عباده عبادته ، فشقيوسعيد ، قد شقي من خالفكم ، وسعد من أطاعكم.

وأنت يا مولاي فاشهد بما أشهدتك عليه ، تخزنه وتحفظه ليعندك ، أموت عليه وانشر عليه ، واقف به وليا لك ، بريئا من عدوك ، ماقتالمن أبغضكم ، وادا لمن أحبكم ، فالحق ما رضيتموه ، والباطل ماأسخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه ، والقضاءالمثبت ما استأثرت به مشيتكم ، والمحو ما لا استأثرت به سنتكم.

فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ومحمد عبده ورسوله ، عليأمير المؤمنين حجته ، الحسن حجته ، الحسين حجته ، علي حجته ، محمدحجته ، جعفر حجته ، موسى حجته ، علي حجته ، محمد حجته ، عليحجته ، الحسن حجته ، وأنت حجته ، وأنتم حججه وبراهينه.

انا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي اخذ الله علي ، شرطه قتالا فيسبيله ، اشترى به أنفس المؤمنين ، فنفسي مؤمنة بالله وبكم يا مولاي ،أولكم وآخركم ، ونصرتي لكم معدة ، ومودتي خالصة لكم ، وبراءتي من

٥٧١

أعدائكم ، أهل الحردة(1) والجدال ثابتة لثاركم ، آنا ولي وحيد(2) والله الهالحق يجعلني كذلك ، امين امين ، من لي الا أنت فيما دنت ، واعتصمتبك فيه ، تحرسني فيما تقربت به إليك ، يا وقاية الله وستره وبركته ،أغثني أدركني ، صلني بك ولا تقطعني.

اللهم إليك بهم توسلي وتقربي ، اللهم صل على محمد والهوصلني بهم ولا تقطعني ، اللهم بحجتك اعصمني ، وسلامك على اليس مولاي ، أنت الجاه عند الله ربك وربي.

الدعاء بعقب القول :

اللهم إني أسألك باسمك الذي خلقته من كلك ، فاستقر فيكفلا يخرج منك إلى شئ ابدا ، ايا كينون ايا مكون ، ايا متعال ايا متقدس ،ايا مترحم ايا مترائف ، ايا متحنن.

أسألك كما خلقته غضا ان تصلي على محمد نبي رحمتك ،وكلمة نورك ، ووالد هداة رحمتك ، واملأ قلبي نور اليقين ، وصدرينور الايمان ، وفكري نور الثبات ، وعزمي نور التوفيق ، وذكائي نورالعلم ، وقوتي نور العمل ، ولساني نور الصدق ، وديني نور البصائر منعندك ، وبصري نور الضياء ، وسمعي نور وعي الحكمة ، ومودتي نور

__________________

(1) حرد عليه : غضب.

(2) وجيه ( خ ل ).

٥٧٢

الموالاة لمحمد والهعليهم‌السلام ، ونفسي(1) نور قوة البراءة من أعداءال محمد.

حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك ، فلتسعني رحمتك يا ولييا حميد ، بمرآك ومسمعك يا حجة الله دعائي ، فوفني منجزات إجابتي ،اعتصم بك ، معك معك سمعي ورضاي(2) .

2 ـ الدعاء للندبة :

قال محمد بن أبي قرة : نقلت من كتاب أبي جعفر محمد بن الحسينابن سفيان البزوفريرضي‌الله‌عنه هذا الدعاء ، وذكر فيه انه الدعاءلصاحب الزمان صلوات الله عليه وعجل فرجه وفرجنا به ، ويستحب انيدعى به في الأعياد الأربعة :

__________________

(1) يقيني ( خ ل ).

(2) عنه البحار 53 : 173 ، 102 : 96.

رواه الطبرسي في الاحتجاج 2 : 492 ، باسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ،عنه البحار 53 : 171 ، 94 : 2 ، 102 : 81.

أورده مع اختلاف السيد في مصباح الزائر 223 ، عنه البحار 102 : 92.

أخرجه في البحار 94 : 36 مع اختلاف عن خط الشيخ الجبعي ، نقلا عن خط الشيخ الأجلعلي بن السكون ، عن أبي محمد عربي بن مسافر العبادي ، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بنطحال المقدادي ، عن أبي علي الطوسي ، عن والده ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بنحسين البزار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى القمي ، عن محمد بن علي بن زنجويه القمي ، عنالحميري.

٥٧٣

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه والهوسلم تسليما.

اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذيناستخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم(1) المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد فيزخارف هذه الدنيا الدنية وزبرجها(2) ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهمالوفاء به.

فقبلتهم وقربتهم ، وقدمت(3) لهم الذكر العلي والثناء الجلي ،وأهبطت عليهم ملائكتك ، وكرمتهم بوحيك ، ورفدتهم بعلمك ،وجعلتهم الذرايع(4) إليك ، والوسيلة إلى رضوانك.

فبعض أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها ، وبعض حملته فيفلكك ونجيته ومن آمن معه من الهلكة برحمتك ، وبعض اتخذتهخليلا ، وسألك لسان صدق في الآخرين فأجبته ، وجعلت ذلك عليا.

__________________

(1) النعم ( خ ل ).

(2) في مصباح الزائر : درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها.

أقول : زخرف الدنيا زينتها واصله الذهب ثم اطلق على كل مزين ، الزبرج ـ بالكسر ـ الزينةمن وشى أو جوهر والذهب.

(3) قدرت ( خ ل ).

(4) الذريعة : الوسيلة.

٥٧٤

وبعض كلمته من شجرة تكليما ، وجعلت له من أخيه ردءا(1) ووزيرا ، وبعض أولدته من غير أب ، وآتيته البينات وأيدتهبروح القدس.

وكلا شرعت له شريعة ، ونهجت منهاجا ، وتخيرت له أوصياء ،مستحفظا بعد مستحفظ ، من مدة إلى مدة ، إقامة لدينك ، وحجة علىعبادك ، ولئلا يزول الحق عن مقره ، ويغلب الباطل على أهله ، ولا يقولأحد لولا أرسلت إلينا رسولا منذرا ، فنتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى.

إلى أن انتهيت بالامر إلى حبيبك ونجيبك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان كما انتجبته سيد من خلقته ، وصفوة من اصطفيته ، وأفضلمن اجتبيته ، وأكرم من اعتمدته.

قدمته على أنبيائك ، وبعثته إلى الثقلين من عبادك ، وأوطأتهمشارقك ومغاربك ، وسخرت له البراق ، وعرجت به إلى سمائك ،وأودعته علم ما يكون إلى انقضاء خلقك.

ثم نصرته بالرعب ، وحففته بجبرئيل وميكائيل والمسومين منملائكتك ، ووعدته ان تظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون.

وذلك بعد أن بوأته(2) مبوء صدق من أهله ، وجعلت له ولهم أولبيت وضع للناس ، للذي ببكة مباركا ، وهدى للعالمين ، فيه آيات بينات ،

__________________

(1) الردء : الناصر ، العون.

(2) بوأه هيأ له وانزله فيه.

٥٧٥

مقام إبراهيم ، ومن دخله كان امنا ، وقلت( إنما يريد الله ليذهب عنكمالرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (1) .

ثم جعلت اجر محمد صلواتك عليه واله مودتهم في كتابك ،فقلت :( قل ما أسألكم عليه من اجر الا من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا ) (2) ،فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك.

فلما انقضت أيامه أقام وليه علي بن أبي طالب صلواتك عليهماوالهما هاديا ، إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد ، فقال والملاء امامه : منكنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر مننصره ، واخذل من خذله ، وقال : من كنت انا وليه فعلي اميره ، وقال : اناوعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من أشجار شتى.

وأحله محل هارون من موسى ، فقال : أنت مني بمنزلة هارون منموسى الا انه لا نبي بعدي ، وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين ، وأحل لهمن مسجده ماحل له ، وسد الأبواب الا بابه.

ثم أودعه علمه وحكمته ، فقال : انا مدينة العلم وعلي بابها ، فمنأراد الحكمة فليأتها من بابها ، ثم قال له :

أنت أخي ووصيي ووارثي ، لحمك من لحمي ، ودمك من دمي ،وسلمك سلمي ، وحربك حربي ، والايمان مخالط لحمك ودمك ، كما

__________________

(1) الأحزاب : 33.

(2) الفرقان : 57.

٥٧٦

خالط لحمي ودمي ، وأنت غدا على الحوض معي ، وأنت خليفتي ،وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي ، وشيعتك على منابر من نور مبيضةوجوههم حولي في الجنة وهم جيراني ، ولولا أنت يا علي لم يعرفالمؤمنون بعدي.

فكان بعده هدى من الضلالة ، ونورا من العمى ، وحبل الله المتينوصراطه المستقيم ، لا يسبق بقرابة في رحم ، ولا بسابقة في دين ،ولا يلحق في منقبة من مناقبه ، يحذو(1) حذو الرسول صلى الله عليهماوالهما ، ويقاتل على التأويل ، ولا تأخذه في الله لومة لائم.

قد وتر(2) فيه صناديد(3) العرب ، وقتل ابطالهم ، وناهش(4) ذؤبانهم(5) ،وأودع(6) قلوبهم أحقادا بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن ، فاضبت(7) على عداوته ، واكبت على منابذته(8) ، حتى قتل الناكثين والقاسطينوالمارقين.

__________________

(1) حذا حذوا : قطعها على مثال.

(2) وتر : الانتقام أو الظلم فيه.

(3) الصنديد : السيد الشجاع.

(4) ناوش ( خ ل ) ، أقول : نهشه عضه أو اخذه بأضراسه ، ناوشوهم في القتال : نازلوهم.

(5) الذؤبان جمع الذئب ، وذؤبان العرب صعاليكهم ولصوصهم.

(6) فاودع ( خ ل ).

(7) الضب : الحقد الخفي.

(8) نابذه الحرب : جاهره بها.

٥٧٧

ولما قضى نحبه(1) وقتله اشقى الآخرين ، يتبع اشقى الأولينلم يمتثل أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الهادين بعد الهادين ،والأمة مصرة على مقته ، مجمعة على قطيعة رحمه واقصاء ولده ، الاالقليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم.

فقتل من قتل ، وسبي من سبي ، واقصي من اقصي ، وجرى القضاءلهم بما يرجى له حسن المثوبة ، إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء منعباده الصالحين والعاقبة للمتقين ، وسبحان ربنا إن كان وعد ربنالمفعولا ، ولن يخلف الله وعده ، وهو العزيز الحكيم.

فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهماوالهما ، فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتدر(2) الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضج الضاجون ، ويعج(3) العاجون.

أين الحسن أين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ،وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أينالشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين اعلامالدين وقواعد العلم.

أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية ، أين المعد لقطع دابر

__________________

(1) النحب : الموت ، الاجل.

(2) فلتذرف ( خ ل ) ، أقول : الدر : السيلان ، ذرفت العين : دمعها.

(3) عج : صاح ورفعه صوته.

٥٧٨

الظلمة ، أين المنتظر لإقامة الأمت(1) والعوج ، أين المرتجى لإزالة الجوروالعدوان ، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن ، أين المتخير لإعادةالملة والشريعة ، أين المؤمل لاحياء الكتاب وحدوده ، أين محيي معالمالدين وأهله ، أين قاصم شوكة المعتدين ، أين هادم أبنية الشرك والنفاق.

أين مبيد أهل الفسق والعصيان ، أين حاصد فروع الغي والشقاق ،أين طامس(2) اثار الزيغ والأهواء ، أين قاطع حبائل الكذب والافتراء ، أينمبيد أهل العناد والمردة ، أين معز الأولياء ومذل الأعداء ، أين جامعالكلمة على التقوى ، أين باب الله الذي منه يؤتي.

أين وجه الله الذي إليه تتوجه الأولياء ، أين السبب المتصل بينالأرض والسماء ، أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى ، أين مؤلفشمل الصلاح والرضا ، أين الطالب بذحول(3) الأنبياء وأبناء الأنبياء ، أينالطالب بدم المقتول بكربلاء.

أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى ، أين المضطر الذييجاب إذا دعى ، أين صدر الخلائف ذو البر والتقوي ، أين ابن النبيالمصطفى ، وابن علي المرتضى ، وابن خديجة الغراء ، وابن فاطمةالكبرى.

__________________

(1) الأمت : الضعف.

(2) طمس : درس وانمحى.

(3) الذحل : الثأر.

٥٧٩

بابي أنت وأمي ونفسي لك الوقاء والحمى ، يا بن السادة المقربينيا بن النجباء الأكرمين ، يا بن الهداة المهديين ، يا بن الخيرة المهذبين ، يا بنالغطارفة(1) الأنجبين.

يا بن الأطائب المطهرين ، يا بن الخضارمة(2) المنتجبين ، يا بنالقماقمة(3) الأكرمين ، يا بن البدور المنيرة ، يا بن السرج المضيئة ، يا بنالشهب الثاقبة ، يا بن الأنجم الزاهرة ، يا بن السبل الواضحة ، يا بن الاعلاماللائحة ، يا بن العلوم الكاملة ، يا بن السنن المشهورة.

يا بن المعالم المأثورة ، يا بن المعجزات الموجودة ، يا بن الدلائلالمشهورة ، يا بن الصراط المستقيم ، يا بن النبأ العظيم ، يا بن من هو في أمالكتاب لدى الله علي حكيم ، يا بن الآيات البينات ، يا بن الدلائلالظاهرات ، يا بن البراهين الباهرات.

يا بن الحجج البالغات ، يا بن النعم السابغات ، يا بن طهوالمحكمات ، يا بن يس والذاريات ، يا بن الطور والعاديات ، يا بن من دنافتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، دنوا واقترابا من العلي الاعلى.

ليت شعري ، أين استقرت بك النوى ، بل اي ارض تقلك(4) أو ثرى(5) ،

__________________

(1) الغطريف : السخي ، السيد.

(2) الخضرم : الكثير العطاء.

(3) القمقام : السيد الكثير العطاء.

(4) قلا الشئ : حمله.

(5) الثرى : التراب الندي.

٥٨٠

581