الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168919 / تحميل: 6110
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وقال بعض المفسّرين بأنّ جملة :( وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) إشارة إلى مقام «الشهود» الذي يكون للمؤمنين في يوم القيامة بأن يمكّنهم الله من النظر إلى جماله وجلاله والالتذاذ من ذلك بأعظم اللذّات. ولكن يظهر أنّ الجملة المذكورة لها معنى واسع وشامل بحيث يشمل محتوى الحديث المذكور وعطايا ومواهب اخرى غير معروفة أيضا.

جملة( إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) تدلّل على أنّ أوّل لطف الله معهم ، هو «العفو» عن ذنوبهم وزلّاتهم التي تبدر منهم أحيانا ، لأنّ أشدّ قلق المؤمن يكون من هذا الجانب.

وبعد أن يهدأ بالهم من تلك الجهة ، فانّه تعالى يشملهم بـ «الشكر» أي انّه يشكر لهم أعمالهم ويعطيهم أفضل الجزاء والثواب.

نقل تفسير «مجمع البيان» مثلا تضربه العرب وهو «أشكر من بروقة» وتزعم العرب أنّها ـ أي بروقة ـ شجرة عارية من الورق ، تغيم السماء فوقها فتخضر وتورق من غير مطر(١) . وهو مثل يضرب للتعبير عن منتهى الشكر ، ففي قبال أقل الخدمات ، يقدّم أعظم الثواب. بديهي أنّ خالق مثل هذه الشجرة أشكر منها وأرحم.

* * *

تعليقة

شروط تلك التجارة العجبية :

الملفت للنظر أنّ كثيرا من الآيات القرآنية الكريمة تشبّه هذا العالم بالمتجر الذي تجّاره الناس ، والمشتري هو الله سبحانه وتعالى ، وبضاعته العمل الصالح ،

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٠٧.

٨١

والقيمة أو الأجر : الجنّة والرحمة والرضا منه تعالى(١) .

ولو تأمّلنا بشكل جيّد فسوف نرى أنّ هذه التجارة العجبية مع الله الكريم ليس لها نظير ، لأنّها تمتاز بالمزايا التالية التي لا تحتويها أيّة تجارة اخرى :

١ ـ إنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للبائع تمام رأسماله ، ثمّ كان له مشتريا!.

٢ ـ إنّ الله تعالى مشتر في حال أنّه غير محتاج ـ إلى شيء تماما ـ فلديه خزائن كلّ شيء.

٣ ـ إنّه تعالى يشتري «المتاع القليل» بالسعر «الباهض» «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير» ، «يا من يعطي الكثير بالقليل».

٤ ـ هو تعالى يشتري حتّى البضاعة التافهة( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) .

٥ ـ أحيانا يعطي قيمة تعادل سبعمائة ضعف أو أكثر «البقرة ـ ٢٦١».

٦ ـ علاوة على دفع الثمن العظيم فإنّه أيضا يضيف إليه من فضله ورحمته( وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) (الآية موضوع البحث).

ويا له من أسف أنّ الإنسان العاقل الحرّ ، يغلق عينيه عن تجارة كهذه ، ويشرع بغيرها ، وأسوأ من ذلك أن يبيع بضاعته مقابل لا شيء.

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) يقول : «ألا حرّ يدع هذه اللّماظة لأهلها ، إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة ، فلا تبيعوها إلّا بها»(٢) .

* * *

__________________

(١) سورة الصف : آية ١ والتوبة ـ آية ١١١ والبقرة ٢٠٧ والنساء ـ ٧٤.

(٢) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، جملة ٤٥٦ ، صفحة ٥٥٦.

٨٢

الآيتان

( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) )

التّفسير

الورثة الحقيقيّون لميراث الأنبياء :

بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن المؤمنين المخلصين الذين يتلون الكتاب الإلهي ويطبّقون وصاياه ، تتحدّث هذه الآيات عن ذلك الكتاب السماوي وأدلّة حقّانيّة ، وكذلك عن الحملة الحقيقيين لذلك الكتاب ، وبذا يستكمل الحديث الذي افتتحته الآيات السابقة حول التوحيد ، بالبحث الذي تثيره هذه الآيات حول النبوّة.

تقول الآية الكريمة :( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُ ) .

مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ (الحقّ) يعني كلّ ما ينطبق مع الواقع وينسجم معه ، فإنّ هذا التعبير دليل على إثبات أنّ هذا الكتاب السماوي نازل من الله تعالى ، لأنّنا

٨٣

كلّما دقّقنا النظر في هذا الكتاب السماوي وجدناه أكثر انسجاما مع الواقع.

فليس فيه تناقض ، أو كذب أو خرافة ، بل فمبادئه ومعارفه تنسجم مع منطق العقل. قصصه وتواريخه منزّهة عن الأساطير والخرافات ، وقوانينه تتساوق مع احتياجات البشر ، فتلك الحقّانية دليل واضح على أنّه نازل من الله سبحانه وتعالى.

هنا ولأجل توضيح موقع القرآن الكريم ، تمّت الاستفادة هنا من كلمة «الحقّ» ، في حال أنّه في آيات اخرى من القرآن الكريم ورد التعبير عنه بـ «النور» و «البرهان» و «الفرقان» و «الذكر» و «الموعظة» و «الهدى» ، وكلّ واحدة منها تشير إلى واحدة من بركات القرآن وأبعاده ، بينما كلمة (الحقّ) تشمل جميع تلك البركات.

يقول الراغب في (مفرداته) : أصل الحقّ المطابقة والموافقة ، والحقّ يقال على أوجه :

الأوّل : يقال لمن يوجد الشيء على أساس الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى هو الحقّ، لذا قال الله :( فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ ) .(١)

الثّاني : يقال للشيء الذي وجد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال فعل الله تعالى كلّه حقّ ، قال تعالى :( ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ) ،(٢) أي الشمس والقمر وغير ذلك.

الثّالث : في العقائد المطابقة للواقع. قال تعالى :( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ ) .(٣)

والرّابع : يقال للأقوال والأفعال الصادر وفقا لما يجب ، وبقدر ما يجب ، وفي الوقت المقرّر ، كقولنا : فعلك حقّ ، وقولك حقّ(٤) .

__________________

(١) يونس ، ٣٢.

(٢) يونس ـ ٥.

(٣) البقرة ـ ٢١٣.

(٤) مفردات الراغب ـ مادّة حقّ. «مع تلخيص واختصار».

٨٤

وبناء عليه ، فإنّ حقّانية القرآن المجيد هي من حيث كونه حديثا مطابقا للمصالح والواقعيات من جهة ، كما أنّ العقائد والمعارف الموجودة فيه تنسجم مع الواقع من جهة اخرى ، ومن جهة ثالثة فإنّه من نسج الله وصنعه الذي صنعه على أساس الحكمة ، والله ذاته تعالى الذي هو الحقّ يتجلّى في ذلك الكتاب العظيم ، والعقل يصدق ويؤمن بما هو حقّ.

جملة( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) دليل آخر على صدق هذا الكتاب السماوي ، لأنّه ينسجم مع الدلائل المذكورة في الكتب السماوية السابقة في إشارتها إليه وإلى حاملهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

جملة( إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) توضّح علّة حقّانية القرآن وانسجامه مع الواقع والحاجات البشرية ، لأنّه نازل من الله سبحانه وتعالى الذي يعرف عباده خير معرفة ، وهو البصير الخبير فيما يتعلّق بحاجاتهم.

لكن ما هو الفرق بين «الخبير» و «البصير»؟

قال البعض : «الخبير» العالم بالبواطن والعقائد والنيّات والبعد الروحي في الإنسان ، و «البصير» العالم بالظواهر والبعد الجسماني للإنسان.

وقال آخرون : «الخبير» إشارة إلى أصل خلق الإنسان ، و «البصير» إشارة إلى أعماله وأفعاله.

وطبيعي أنّ التّفسير الأوّل يبدو أنسب وإن كان شمول الآية لكلا المعنيين ليس مستبعدا.

الآية التّالية تتحدّث في موضوع مهم بالنسبة إلى حملة هذا الكتاب السماوي العظيم ، أولئك الذين رفعوا مشعل القرآن الكريم بعد نزوله على الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في زمانه وبعده على مرّ القرون والعصور ، وهم يحفظونه ويحرسونه ، فتقول :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) .

واضح أنّ المقصود من «الكتاب» هنا ، هو نفس ما ذكر في الآية السابقة وهو

٨٥

«القرآن الكريم» والألف واللام فيه «للعهد». والقول بأنّ المراد هو الإشارة للكتب السماوية ، وأنّ اللام هنا «للجنس» يبدو بعيد الاحتمال ، وليس فيه تناسب مع ما ورد في الآيات السابقة.

التعبير بـ «الإرث» هنا وفي موارد اخرى مشابهة في القرآن الكريم ، لأجل أنّ «الإرث» يطلق على ما يستحصل بلا مشقّة أو جهد ، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب السماوي العظيم للمسلمين هكذا بلا مشقّة أو جهد.

لقد وردت روايات كثيرة هنا من أهل البيتعليهم‌السلام في تفسير عبارة( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) بالأئمّة المعصومينعليهم‌السلام (١) .

هذه الروايات ـ كما ذكرنا مرارا ـ ذكر لمصاديق واضحة وفي الدرجة الاولى. ولكن لا مانع من اعتبار العلماء والمفكّرين في الامّة ، والصلحاء والشهداء ، الذين سعوا واجتهدوا في طريق حفظ هذا الكتاب السماوي ، والمداومة على تطبيق أوامره ونواهيه ، تحت عنوان( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) .

ثمّ تنتقل الآية إلى تقسيم مهمّ بهذا الخصوص ، فتقول :( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) .

ظاهر الآية هو أنّ هذه المجامع الثلاثة هي من بين( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) أي : ورثة وحملة الكتاب السماوي.

وبتعبير أوضح ، إنّ الله سبحانه وتعالى قد أوكل مهمّة حفظ هذا الكتاب السماوي ، بعد الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الامّة ، الامّة التي اصطفاها الله سبحانه ، غير أنّ في تلك الامّة مجاميع مختلفة : بعضهم قصّروا في وظيفتهم العظيمة في حفظ هذا الكتاب والعمل بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم ، وهم مصداق( ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) .

ومجموعة اخرى ، أدّت وظيفتها في الحفظ والعمل بالأحكام إلى حدّ كبير ، وإن

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٦١.

٨٦

كان عملها لا يخلو من بعض الزلّات والتقصيرات أيضا ، وهؤلاء مصداق «مقتصد».

وأخيرا مجموعة ممتازة ، أنجزت وظائفها العظيمة بأحسن وجه ، وسبقوا الجميع في ميدان الاستباق ، والذين أشارت إليهم الآية بقولها :( سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ) .

وهنا يمكن أن يقال بأنّ وجود المجموعة «الظالمة» ينافي أنّ هؤلاء جميعا مشمولون بقوله «اصطفينا»؟

وفي الجواب نقول : إنّ هذا شبيه بما ورد بالنسبة إلى بني إسرائيل في الآية (٥٣) من سورة المؤمن :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ) ، في حال أنّنا نعلم أنّ بني إسرائيل جميعهم لو يؤدّوا وظيفتهم إزاء هذا الميراث العظيم.

أو نظير ما ورد في الآية (١١٠) من سورة آل عمران :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) .

أو ما ورد في الآية (١٦) من سورة الجاثية بخصوص بني إسرائيل أيضا( وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

وكذلك في الآية (٢٦) من سورة الحديد نقرأ :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) .

وخلاصة القول : إنّ الإشارة في أمثال هذه التعبيرات ليست للامّة بأجمعها فردا فردا ، بل إلى مجموع الامّة ، وإن احتوت على طبقات ، ومجموعات مختلفة(١) .

__________________

(١) أمّا ما احتمله البعض من أنّ التقسيم الوارد في الآية يعود على «عبادنا» وليس على «الذين اصطفينا» ، بحيث أنّ هذه المجموعات الثلاثة لا تدخل ضمن مفهوم ورثة الكتاب ، بل ضمن مفهوم «عبادنا» و «الذين اصطفينا» فقط المجموعة الثالثة أي «السابقين بالخيرات» ، فيبدو بعيدا ، لأنّ الظّاهر هو أنّ هذه المجموعات ممّن ذكرتهم الآية ، ونعلم أنّ الحديث في الآية لم يكن عن كلّ العباد ، بل عن( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) ، ناهيك عن إضافة «نا» إلى «عباد» وهو نوع من التمجيد والمدح ، ممّا يجعل ذلك غير منسجم مع التّفسير المذكور.

٨٧

وقد ورد في روايات كثيرة عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام في تفسير «سابق بالخيرات» بالمعصومعليه‌السلام ، و «ظالم لنفسه» بمن لا يعرف الإمام ، و «المقتصد» العارف بالإمام(١) .

هذه التّفسيرات شاهد واضح على ما اخترناه لتفسير الآية ، وهو أنّه لا مانع من كون هذه المجاميع الثلاثة ضمن ورثة الكتاب الإلهي.

ولا نحتاج إلى التذكير بأنّ تفسير الروايات أعلاه هو من قبيل بيان المصاديق الأوضح للآية ، وهم الأئمّة المعصومون ، إذ هم الصفّ الأوّل ، بينما العلماء والمفكّرون وحماة الدين الآخرون في صفوف اخرى.

كذلك فإنّ التّفسير الوارد في تلك الروايات للظالم والمقتصد ، هو أيضا من قبيل بيان المصاديق ، وإذا لاحظنا أنّ بعض الرّوايات تنفي شمول الآية للعلماء في مقصودها فإنّ ذلك في الحقيقة لإلفات النظر إلى وجود الإمام في مقدّمة تلك الصفوف.

ومن الجدير بالذكر أنّ جمعا من المفسّرين القدماء والمعاصرين احتملوا الكثير من الاحتمالات في تفسير هذه المجاميع ، والتي هي في الحقيقة جميعا من قبيل بيان المصاديق(٢) .

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٦١ ، كذلك الكافي ، المجلّد ١ ، باب من اصطفاه الله من عباده.

(٢) ذهب بعض بأنّ السابق بالخيرات هم أعوان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصد طبقة التابعين ، والظالم لنفسه أفرادا آخرون. والبعض الآخر فسّروا «سابق بالخيرات» بالذين يفضّل باطنهم على ظاهرهم و «المقتصد» بالذين يتساوى ظاهرهم وباطنهم ، و «الظالم لنفسه» بالذين يفضّل ظاهرهم على باطنهم. والبعض الآخر قالوا إنّ «السابقين» هم الصحابة ، و «المقتصدين» هم تابعيهم ، و «الظالمين» هم المنافقون. وقال آخرون بأنّ الآية تشير إلى المجموعات الثلاثة الواردة في سورة الواقعة ـ الآيات ٧ إلى ١١.( وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) . وفي حديث أنّ «السابق بالخيرات» هم الأئمّة علي والحسن والحسين وشهداء آل محمّد عليهم الصلاة والسلام ، والمقتصد المتديّنون المجاهدون ، والظالم لنفسه الذي خلط عملا صالحا وآخر غير صالح.

٨٨

وهنا يطرح السؤال التالي : لماذا ابتدأ الحديث بذكر الظالمين كمجموعة اولى ، ثمّ المقتصد ، ثمّ السابقين بالخيرات ، في حين أنّ العكس يبدو أولى من عدّة جهات؟

بعض كبار المفسّرين قالوا للإجابة على هذا السؤال : إنّ الهدف هو بيان ترتيب مقامات البشر في سلسلة التكامل ، لأنّ أوّل المراحل هي مرحلة العصيان والغفلة ، وبعدها مقام التوبة والإنابة ، وأخيرا التوجّه والاقتراب من الله سبحانه وتعالى ، فحين تصدر المعصية من الإنسان فهو «ظالم لنفسه» ، وحين يلج مقام التوبة فهو «مقتصد» ، وحين تقبل توبته ويزداد جهاده في طريق الحقّ ، ينتقل إلى مقام القرب ليرقى إلى مقام «السابقين بالخيرات»(١) .

وقال آخر : بأنّ هذا الترتيب لأجل الكثرة والقلّة في العدد والمقدار ، فالظالمون يشكّلون الأكثرية ، والمقتصدون في المرتبة التالية ، والسابقون للخيرات وهم الخاصّة والأولياء من الناس هم الأقلّية وان كانوا أفضل من الناحية الكيفيّة.

الملفت للتأمّل ما نقل في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : (ما مؤدّاه): «قدّم الظالم لكي لا ييأس من رحمة الله ، وأخّر السابقون بالخيرات لكي لا يأخذهم الغرور بعملهم»(٢) .

ويمكن أن يكون كلّ من هذه المعاني الثلاثة مقصودا.

وآخر كلام في تفسير هذه الآية حول المشار إليه في جملة( ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ؟

قال البعض ، بأنّه ميراث الكتاب الإلهي ، وقال آخرون بأنّه إشارة إلى التوفيق التي شمل حال السابقين بالخيرات ، وطيّهم لهذا الطريق بإذن الله ، لكن يبدو أنّ

__________________

وكلّ هذه التّفسيرات كما قلنا من قبيل بيان المصاديق ، وكلّها قابلة للتعقّل ، عدا التّفسير الأوّل الّذي لا يحتوي على مفهوم صحيح.

(١) مجمع البيان ، تفسير الآية مورد البحث.

(٢) تفسير أبو الفتوح الرازي ، المجلّد ٩ تفسير الآيات مورد البحث.

٨٩

المعنى الأوّل أنسب وأكثر انسجاما مع ظاهر الآية.

* * *

ملاحظة

من هم حرّاس الكتاب الإلهي؟

على ما ذكر القرآن الكريم فإنّ الله سبحانه وتعالى يشمل الامّة الإسلامية بمواهب عظيمة ، من أهمّها ذلك الميراث الإلهي العظيم وهو «القرآن».

وقد اصطفيت الامّة الإسلامية من باقي الأمم ، وتلك نعمة أعطيت لها ، ومسئولية ثقيلة أسندت إليها بنفس النسبة التي فضّلت بها وأصبحت بسببها مشمولة باللطف الإلهي ، وستكون هذه الامّة في صف «السابقين بالخيرات» ما أدّت حقّ حفظ وحراسة هذا الميراث العظيم. أي أن تسبق جميع الأمم في الخيرات ، في تطوير العلوم ، في التقوى والزهد ، في العبادة وخدمة البشرية ، في الجهاد والاجتهاد ، في التنظيم والإدارة ، في الفداء والإيثار والتضحية ، فتتقدّم وتسبق في كلّ هذه الأمور ، وإلّا فإنّها لا تكون قد أدّت حقّ حفظ ذلك الميراث العظيم. خاصّة إذا علمنا أنّ تعبير «السابقين بالخيرات» مفهوم واسع إلى درجة أنّه يشمل التقدّم في جميع الأمور ذات المنحى الإيجابي من امور الحياة.

نعم ، فحملة مثل هذا الميراث هم ـ فقط ـ أولئك الذين يتّصفون بتلك الصفات ، بحيث أنّهم لو أعرضوا عن تلك الهدية السماوية العظيمة ولم يراعوا حرمتها ، فسيكونون مصداقا لـ «ظالم لنفسه» ، إذ أنّ محتوى تلك الهدية الإلهية ليس سوى نجاتهم وتوفيقهم وانتصارهم ، فإنّ من يضرب عرض الحائط بنسخة الدواء التي كتبها له الطبيب ، فإنّه يساعد على استمرار الألم والعذاب لنفسه. وإنّ من يحطّم مصباحه الوحيد وهو يسير في طريق مظلم ، إنّما يسوق نفسه إلى التيه والضياع ، لأنّ الله سبحانه وتعالى غني عن الجميع.

٩٠

وعلى المذنبين أيضا أن لا ينسوا حقيقة أنّهم كانوا مشمولين بمضمون الآية الكريمة في زمرة( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) وإنّ لهم ذلك الاستعداد بالقوّة ، فعليهم أن يتجاوزوا مرحلة «الظالم لنفسه» وينتقلوا إلى مرحلة «المقتصد» وليرتقوا من هناك حتّى ينالوا فخر «السابقين بالخيرات» ، حيث أنّهم من جهة الفطرة والبناء الروحي من الذين اصطفاهم الحقّ.

* * *

٩١

الآيات

( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) )

التّفسير

الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن :

هذه الآيات في الحقيقة نتيجة لما ورد ذكره في الآيات الماضية ، يقول تعالى :( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ) (١) .

«جنّات» جمع «جنّة» بمعنى (الروضة) وكلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.

__________________

(١) «جنّات عدن» : يمكن أن تكون خبرا لمبتدء محذوف تقديره «جزائهم» أو «أولئك لهم جنّات عدن» ، نظير الآية (٣١ ـ سورة الكهف) بعضهم أيضا قال : إنّها (بدل) عن «الفضل الكبير» ، ولكن باعتبار أنّ «الفضل الكبير» إشارة إلى ميراث الكتاب السماوي ، فلا يمكن أن تكون «جنّات» بدلا عنها ، إلّا إذا اعتبرنا المسبّب في مقام السبب.

٩٢

و «عدن» بمعنى الاستقرار والثبات ، ومنه سمّي المعدن لأنّه مستقر الجواهر والمعادن. وعليه فإنّ «جنّات عدن» بمعنى «جنّات الخلد والدوام والاستقرار».

على كلّ حال فإنّ هذا التعبير يشير إلى أنّ نعم الجنّة العظيمة خالدة وثابتة ، وليست كنعم الدنيا ممزوجة بالقلق الناجم عن زوالها وعدم دوامها ، وأهل الجنّة ليست لهم جنّة واحدة ، بل جنّات متعدّدة تحت تصرّفهم.

ثمّ تشير الآية إلى ثلاثة أنواع من نعم الجنّة ، بعضها إشارة إلى جانب مادّي وبعضها الآخر إلى جانب معنوي وباطني ، وبعض أيضا يشير إلى عدم وجود أي نوع من المعوّقات ، فتقول الآية :( يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ ) .

فهؤلاء لم يلتفتوا في هذه الدنيا إلى بريقها وزخرفها ، ولم يجعلوا أنفسهم أسرى لزبرجها ، ولم يكونوا أسرى التفكير باللباس الفاخر ، والله سبحانه وتعالى يعوّضهم عن كلّ ذلك ، فيلبسهم في الآخرة أفخر الثياب.

هؤلاء زيّنوا حياتهم الدنيا بالخيرات ، فزيّنهم الله سبحانه وتعالى في يوم تجسّد الأعمال يوم القيامة بأنواع الزينة.

لقد قلنا مرارا بأنّ الألفاظ التي وضعت لهذا العالم المحدود لا يمكنها أن توضّح مفاهيم ومفردات عالم القيامة العظيم ، فلأجل بيان نعم ذلك العالم الآخر نحتاج إلى حروف اخرى وثقافة اخرى وقاموس آخر ، على أيّة حال ، فلأجل توضيح صورة وإن كانت باهتة عن النعم العظيمة في ذلك العالم لا بدّ لنا أن نستعين بهذه الألفاظ العاجزة.

بعد ذلك تلك النعمة الماديّة ، تنتقل الآية مشيرة إلى نعمة معنوية خاصّة فتقول :وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) .

فهؤلاء يحمدون الله بعد أن أصبحت تلك النعمة العظيمة من نصيبهم ، وتلاشت عن حياتهم جميع عوامل الغمّ والحسرة ببركة اللطف الإلهي ، وتبدّدت سحب الهمّ

٩٣

المظلمة عن سماء أرواحهم ، فلا خوف من عذاب إلهي ، ولا وحشة من موت وفناء ، ولا قلق ، ولا أذى الماكرين ، ولا اضطهاد الجبابرة القساة الغاصبين.

اعتبر بعض المفسّرين ذلك الغمّ والحسرة إشارة إلى نظير ما يتعرّض له في الدنيا ، واعتبره البعض الآخر إشارة إلى الحسرة في المحشر على نتائج أعمالهم ، ولا تضادّ بين هذين التّفسيرين ، ويمكن جمعهما في إطار المفهوم العام للآية.

«الحزن» : (على وزن عدم) ، و «الحزن» ـ على وزن عسر ـ كليهما لمعنى واحد كما ذهب إليه أرباب اللغة ، وأصله الوعورة والخشونة في الأرض واطلق على الخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغمّ ويضادّه الفرح(١) .

ثمّ يضيف أهل الجنّة هؤلاء( إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) .

فبغفرانه أزال عنّا حسرة الزلّات والذنوب ، وبشكره وهبنا المواهب الخالدة التي لن يلقى عليها الغمّ بظلاله المشؤومة. غفر وستر بغفرانه الكثير الكثير من ذنوبنا ، وبشكره أعطانا الكثير على أعمالنا البسيطة القليلة القليلة!

أخيرا تنتقل الآية مشيرة إلى آخر النعم ، وهي عدم وجود عوامل الإزعاج والمشقّة والتعب والعذاب ، فتحكى عن ألسنتهم( الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ ) .

الدار الآخرة هناك دار إقامة لا كما في الدنيا حيث أنّ الإنسان ما أن يألف محيطه ويتعلّق به حتّى يقرع له جرس الرحيل! هذا من جانب ومن جانب آخر فمع أنّ العمر هناك متّصل بالأبد ، إلّا أنّ الإنسان لا يصيبه الملل أو الكلل ، أو التعب أو النصب مطلقا ، لأنّهم في كلّ آن أمام نعمة جديدة ، وجمال جديد.

«النصب» بمعنى التعب ، و «اللغوب» بمعنى التعب والنصب أيضا. هذا على ما تعارف عليه أهل اللغة والتّفسير ، في حين أنّ البعض فرّق بين اللفظتين فقال بأنّ (النصب) يطلق على المشاقّ الجسمانية ، و «اللغوب» يطلق على المشاقّ

__________________

(١) مفردات الراغب.

٩٤

الروحية(١) . أو أنّه الضعف والنحول الناجم عن المشقّة والألم ، وبذا يكون «اللغوب» ناجما عن «النصب»(٢) .

وبذا فلا وجود هناك لعوامل التعب والمشقّة ، سواء كانت نفسية أو جسمانية.

* * *

__________________

(١) انظر تفسير روح المعاني ، مجلّد ٢٢ ، صفحة ١٨٤.

(٢) المصدر السابق.

٩٥

الآيات

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) )

التّفسير

ربّنا أخرجنا نعمل صالحا!

القرآن الكريم يقرن (الوعيد) (بالوعود) ويذكر «الإنذارات» ، إلى جانب «البشارات» لتقوية عاملي الخوف والرجاء الباعثين للحركة التكاملية في الإنسان ، إذ أنّ الإنسان بمقتضى «حبّ الذات» يقع تحت تأثير غريزتي «جلب المنفعة» و «دفع الضرر».

وعليه فمتابعة للحديث الذي كان في الآيات السابقة عن المواهب الإلهية

٩٦

العظيمة وصبر «المؤمنين السابقين في الخيرات» ينتقل الحديث هنا إلى العقوبات الأليمة للكفّار ، والحديث هنا أيضا عن العقوبات المادية والمعنوية.

تبتدئ الآيات بالقول :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ ) ، فكما أنّ الجنّة دار المقامة والخلد للمؤمنين ، فإنّ النار أيضا مقام أبدي للكافرين.

ثمّ تضيف( لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ) (١) ، فمع أنّ تلك النار الحامية وذلك العذاب المؤلم يستطيع القضاء عليهم في كلّ لحظة ، إلّا أنّهم ولعدم صدور الأمر الإلهي ـ وهو المالك لكلّ شيء ـ بموتهم لا يموتون ، يجب أن يبقوا على قيد الحياة ليذوقوا عذاب الله. فالموت بالنسبة إلى هؤلاء ليس سوى منفذ للخلاص من العذاب ، لكن الله تعالى أوصد دونهم ذلك المنفذ.

يبقى منفذ آخر هو أن يبقوا على قيد الحياة ويخفّف عنهم العذاب شيئا فشيئا ، أو أن يزداد تحمّلهم للعذاب فينتج عن ذلك تخفيف العذاب عنهم ، ولكن تتمّة الآية أغلقت هذا المنفذ أيضا( وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ) .

ثمّ تضيف الآية وللتأكيد على قاطعية هذا الوعد الإلهي( كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) .

فقد كفر هؤلاء في بادئ الأمر بنعمة وجود الأنبياء والكتب السماوية ، ثمّ أتلفوا رصيدهم الذي سخّره الله لمساعدتهم على نيل السعادة ، نعم ، فجزاء الكفّار ليس سوى الحريق والعذاب الأليم ، الحريق بالنار التي أشعلوها بأيديهم في الحياة الدنيا واحتطبوا لها من أفكارهم وأعمالهم ووجودهم.

وبما أنّ كلمة «كفور» صيغة مبالغة ، فإنّ لها معنى أعمق من «كافر» ، علاوة على أنّ لفظة «كافر» تستخدم في قبال «مؤمن» ولكن «كفور» إشارة إلى أولئك الذين كفروا بكلّ نعم الله ، وأغلقوا عليهم جميع أبواب الرحمة الإلهيّة في هذه الدنيا ، لذا فإنّ الله يغلق عليهم جميع أبواب النجاة في الآخرة.

__________________

(١) «لا يقضى عليهم» بمعنى لا يحكم عليهم.

٩٧

وتنتقل الآية التالية إلى وصف نوع آخر من العذاب الأليم ، وتشير إلى بعض النقاط الحسّاسة في هذا الخصوص ، فتقول الآية الكريمة :( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) (١) .

نعم ، فهم بمشاهدة نتائج أعمالهم السيّئة ، يغرقون في ندم عميق ، ويصرخون من أعماق قلوبهم ويطلبون المحال ، العودة إلى الدنيا للقيام بالأعمال الصالحة.

التعبير بـ «صالحا» بصيغة النكرة إشارة إلى أنّهم لم يعملوا أقلّ القليل من العمل الصالح ، ولازم هذا المعنى أنّ كلّ هذا العذاب والألم إنّما هو لمن لم تكن لهم أيّة رابطة مع الله سبحانه في حياتهم ، وكانوا غرقى في المعاصي والذنوب ، وعليه فإنّ القيام بقسم من الأعمال الصالحة أيضا يمكن أن يكون سببا في نجاتهم.

التعبير بالفعل المضارع «نعمل» أيضا له ذلك الإشعاع ، ويؤيّد هذا المعنى ، وهو تأكيد أيضا على «أنّنا كنّا مستغرقين في الأعمال الطالحة».

قال بعض المفسّرين : إنّ الربط بين وصف «صالحا» واللاحق لها «كنّا نعمل» يثير نكتة لطيفة ، وهي أنّ المعنى هو «إنّنا كنّا نعمل الأعمال التي عملنا بناء على تزيين هوى النفس والشيطان ، وكنّا نتوّهم أنّها أعمال صالحة ، والآن قرّرنا أن نعود ونعمل أعمالا صالحة في حقيقتها غير التي ارتكبناها».

نعم فالمذنب في بادئ الأمر ـ وطبق قانون الفطرة السليمة ـ يشعر ويشخص قباحة أعماله ، ولكنّه قليلا قليلا يتطبّع على ذلك فتقل في نظره قباحة العمل ، ويتوغّل أبعد من ذلك فيرى القبيح جميلا ، كما يقول القرآن الكريم :( زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ ) (٢) .

وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .(٣)

__________________

(١) «يصطرخون» من مادّة «صرخ» بمعنى الصياح الشديد الذي يطلقه الإنسان من القلب للاستغاثة وطلب النجدة ، للتخلّص من الألم أو العذاب أو أي مشكل آخر.

(٢) التوبة ، ٣٧.

(٣) الكهف ، ١٠٤.

٩٨

على كلّ حال ، ففي قبال ذلك الطلب الذي يطلبه أولئك من الله سبحانه وتعالى ، يصدر ردّ قاطع عنه سبحانه وتعالى حيث يقول :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ ) فإذا لم تنتفعوا بكلّ ما توفّر بين أيديكم من وسائل النجاة تلك ومن كلّ الفرص الكافية المتاحة( فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) .

هذه الآية تصرّح : لم يكن ينقصكم شيء ، لأنّ الفرصة أتيحت لكم بما يكفي ، وقد جاءتكم نذر الله بالقدر الكافي ، وبتحقّق هذين الركنين يحصل الانتباه والنجاة ، وعليه فليس لكم أي عذر ، فلو لم تكن لكم المهلة كافية لكان لكم العذر ، ولو كانت لكم مهلة كافية ولم يأتكم نذير ومرشد ومعلّم فكذلك لكم العذر ، ولكن بوجود ذينك الركنين فما هو العذر؟!

«نذير» عادة ترد في الآيات القرآنية للإشارة إلى وجود الأنبياء ، وبالأخصّ نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن بعض المفسّرين ذكروا لهذه الكلمة هنا معنى أوسع ، بحيث تشمل الأنبياء والكتب السماوية والحوادث الداعية إلى الانتباه كموت الأصدقاء والأقرباء ، والشيخوخة والعجز ، وكما يقول الشاعر :

رأيت الشيب من نذر المنايا

لصاحبه وحسبك من نذير(١)

من الجدير بالملاحظة أيضا أنّه قد ورد في بعض الروايات أنّ هناك حدّا من العمر يعتبر إنذارا وتذكيرا للإنسان ، وذلك بتعبيرات مختلفة ، فمثلا

في حديث عن ابن عبّاس مرفوعا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من عمّره الله ستّين سنة فقد أعذر إليه»(٢) .

وعن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال : «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستّون سنة»(٣) .

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٩٩

وعن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا أنّه قال : «إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستّين؟ وهو العمر الذي قال الله :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) (١) .

ولكن ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : إنّ الآية «توبيخ لابن ثماني عشرة سنة»(٢) .

طبعا ، من الممكن أن تكون الرواية الأخيرة إشارة إلى الحدّ الأقل ، والروايات السابقة إشارة إلى الحدّ الأعلى ، وعليه فلا منافاة بينها ، وحتّى أنّه يمكن انطباقها على سنين اخرى أيضا ـ حسب التفاوت لدى الأفراد ـ وعلى كلّ حال فإنّ الآية تبقى محتفظة بسعة مفهومها.

في الآية الأخيرة ـ من هذه الآيات ـ يرد الجواب على طلب الكفّار في العودة إلى الدنيا فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

الجملة الاولى في الحقيقة دليل على الجملة الثانية ، أي إنّه كيف يمكن لعالم أسرار السموات والأرض وغيب عالم الوجود أن لا يكون عالما بأسرار القلوب؟!

نعم ، فهو سبحانه وتعالى يعلم أنّه لو استجاب لما طلبه منه أهل جهنّم ، وأعادهم إلى الدنيا فسوف يعاودون نفس المسيرة المنحرفة التي كانوا عليها ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٢٨) من سورة الأنعام :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

إضافة إلى ذلك فالآية تنبيه للمؤمنين على أن يسعوا لتحقيق الإخلاص في نيّاتهم ، وأن لا يأخذوا بنظر الإعتبار غير الله سبحانه وتعالى ، لأنّ أقلّ شائبة في نواياهم سيكون معلوما لديه وباعثا لمجازاتهم على قدر ذلك.

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٢٥٤.

(٢) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٠.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الطّرفة السادسة عشر

في وصف ما كان بعد إفاقتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأكيد تعريفه بما يحدث من الإنكار لوصيّته(١)

وروى(٢) صاحب كتاب الخصائص أيضا الرضي الموسويّ، قال: حدّثني هارون بن موسى، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار(٣) ، قال: حدّثنا أبو موسى عيسى(٤) الضّرير البجلي، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألت أبي، فقلت: فما(٥) كان بعد إفاقته؟

قال: دخل عليه النساء يبكين، وارتفعت الأصوات، وضجّ الناس بالباب، من المهاجرين والأنصار، فبيناهم كذلك إذ نودي(٦) : أين عليّ؟ فأقبل حتّى دخل عليه.

قال عليّ: فانكببت عليه(٧) ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي، افهم فهّمك الله، وسدّدك وأرشدك،

__________________

(١) في « هـ » « و »: لوصيّه

(٢) في « أ » « ب »: روى

(٣) في « أ » « ب » « ج »: أحمد بن محمّد بن عليّ

في « د » « هـ » « و »: حدثني محمّد بن عليّ. والمثبت عن الخصائص (٧٢). ولعل ما هنا تصحيف ( احمد بن محمّد ابو عليّ ) انظر معجم رجال الحديث ( ج ٣؛ ٨٢ )

(٤) ساقطة من « أ »

(٥) في « ب »: ما

(٦) لفظة ( إذ ) ساقطة من « هـ » « و »

في « هامش أ » « د »: فبيناهم كذلك نادى

(٧) في « هامش أ » « د »: فأقبل حتّى دخل عليه عليّ فانكبّ عليه

لفظة ( عليه ) ساقطة من « أ » « ب »

١٦١

ووفّقك وأعانك، وغفر ذنبك ورفع ذكرك، اعلم يا أخي أنّ القوم سيشغلهم عنّي ( ما يريدون من عرض الدّنيا وهم عليه قادرون، فلا يشغلك عنّي(١) )(٢) ما يشغلهم، فإنّما مثلك في الأمّة مثل الكعبة؛ نصبها الله للناس علما، وإنّما تؤتى - من(٣) كلّ فجّ عميق ( ونأي سحيق - ولا تأتي )(٤) ، وإنّما أنت علم الهدى، ونور الدّين، وهو نور الله.

يا أخي، والّذي بعثني بالحقّ لقد قدّمت إليهم بالوعيد، وبعد أن أخبرتهم(٥) رجلا رجلا بما(٦) افترض الله عليهم(٧) من حقّك وألزمهم من طاعتك، وكلّ أجاب وسلّم إليك الأمر، وإنّي لأعلم خلاف قولهم(٨) ، فإذا قبضت(٩) ، وفرغت من جميع ما أوصيتك(١٠) به، وغيّبتني في قبري، فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله، ثمّ أمض ذلك على عزائمه(١١) على ما أمرتك به، وعليك بالصبر على ما ينزل بك وبها حتّى تقدموا عليّ(١٢) .

__________________

(١) ساقطة من « ب »

(٢) ساقطة من « و »

(٣) في « هـ » « و »: وإنّما تولى في كلّ

(٤) ساقطة من « د »

في « ج » « و »: ونأي سحق

في « هـ »: ونأي إسحاق

(٥) في « ج » « هـ » « و »: أخبرهم

(٦) في « ب » « ج » « هـ » « و »: ما

(٧) ساقطة من « أ » « ب »

(٨) في « ب » « ج » « هـ » « و »: قوله

(٩) في « هامش أ »: قضيت

(١٠) في « ب »: ما وصّيتك

في « ج » « هـ » « و »: ما أوصيك

(١١) كلمة ( ذلك ) ساقطة من « هـ » « و »

جملة ( ذلك على عزائمه ) ساقطة من « د »

(١٢) ساقطة من « هـ »

١٦٢

الطّرفة السابعة عشر

في تعريف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام (١) ، لمهمّات(٢) يحتاج إليها في الوصيّة، لإمام(٣) بعد إمام

وعنه، عن أبيه، عن جدّه محمّد بن عليّ، قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : كنت مسند(٤) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صدري ليلة من الليالي في مرضه، وقد فرغ من وصيّته، وعنده فاطمة ابنتهعليها‌السلام ، وقد أمر ازواجه و(٥) النساء(٦) أن يخرجن من عنده، ففعلن(٧) .

فقال: يا أبا الحسن، تحوّل من موضعك، وكان أمامي، قال: ففعلت، وأسنده

__________________

(١) في « ج » « هـ » « و »: عليهما أفضل السلام

(٢) في « د »: لعليّ ما يحتاج إليه

في « هـ » « و »: مهمّات

(٣) في « أ »: الإمام

(٤) في « أ »: سند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

في « هامش أ » « هـ » « و »: مسندا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

في « ب »: أسند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

(٥) الواو عن « أ » فقط

(٦) كلمة ( والنساء ) ساقطة من « د ». وأدخلها في « أ » عن نسخة

(٧) ساقطة من « د »

١٦٣

جبرئيلعليه‌السلام إلى(١) صدره، وجلس ميكائيل عن(٢) يمينه.

فقال: يا عليّ، ضمّ كفّيك بعضها الى بعض، ففعلت.

فقال لي: قد عهدت إليك، أخذت العهد لك(٣) ، بمحضر أميني(٤) ربّ العالمين؛ جبرئيل وميكائيل، يا عليّ بحقّها عليك إلاّ أنفذت وصيّتي على ما فيها، وعلى قبولك إيّاها، وعليك(٥) بالصبر والورع، ومنهاجي(٦) وطريقي، لا(٧) طريق فلان وفلان، وخذ ما آتاك الله بقوّة.

وأدخل كفّيه(٨) فيما بين كفّي، وكفّاي مضمومتان، فكأنه أفرغ بينهما(٩) شيئا، فقال: يا عليّ قد أفرغت(١٠) بين يديك الحكمة، وقضاء ما يرد عليك، وما هو وارد، حتّى(١١) لا يعزب عنك(١٢) من أمرك شيء، وإذا حضرتك الوفاة فأوص وصيّك(١٣) من بعدك على ما أوصيتك(١٤) ، واصنع هكذا، لا كتاب ولا صحيفة.

__________________

(١) في « و »: على

(٢) في « ج » « هـ » « و »: على

(٣) في « أ » « ب »: فقال لي قد اخذت العهد لك بمحضر

في « هامش أ »: فقال لي قد عهدت إليك بمحضر

في « هـ » « و »: فقال لي قد عهد إليك أحدث الحدث لك

(٤) في « ب »: أمين

(٥) قوله ( وعليك ) ساقط من « د ». وقد أدخله في متن « أ » عن نسخة قوله ( عليك ) فقط ساقط من « هـ » « و »:

(٦) في « هامش أ » « د »: وعلى منهاجي

(٧) في « ب »: ولا

(٨) في « أ » « ب » « ج » « هـ » « و »: وادخل يده. والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٩) في « هـ » « و »: بهما

(١٠) في « و »: فرّغت

(١١) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٢) ساقطة من « أ » « ب »

(١٣) في « أ » « ب » « هـ »: وصيّتك. والمثبت عن « هامش أ » « ج » « د » « و »

(١٤) في « ج » « هـ »: على ما أوصيك

في « و »: كما أوصيك

١٦٤

الطّرفة الثامنة عشر

في جواب من سأل عن(١) أسرار الوصيّة، وهل كان فيها ذكر من يخالف على عليّعليه‌السلام ويطلب الأمور الدّنيويّة.

قال: وحدّثني عيسى بن المستفاد، قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : بأبي أنت وأمّي ألا تذكر ما في الوصيّة؟

( قال: ذلك سرّ الله وسرّ رسوله.

قال: فقلت(٢) : جعلت فداك، أكان(٣) في الوصيّة )(٤) ذكر القوم وخلافهم على عليّ(٥) أمير المؤمنين؟

قال: نعم، حرفا حرفا، و(٦) شيئا شيئا، أما سمعت قول الله تعالى( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) (٧) ، والله والله لقد قال

__________________

(١) في « ب »: من

(٢) في « ج » « هـ » « و »: قال عمي فقلت

(٣) في « أ » « د » « هـ »: كان

(٤) ساقطة من « ب »

(٥) عن « ب »

(٦) الواو ساقطة من « د »

(٧) يس: ١٢. وفي « أ » « ب » كتب آخر الآية المباركة فقط، أعني قوله( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ )

١٦٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ وفاطمةعليهم‌السلام : قد فهمتما ما كتب ربّكما وما شرط(١) ؟ قالا: بلى، وقبلناه بقبوله(٢) ، وصبرنا على ما ساءنا(٣) وأغاظنا حتّى نقدم عليك.

__________________

(١) في « هامش أ » « د »: قد فهمتما ما نبأتكما وما شرطتما؟

(٢) ساقطة من « هامش أ » « د »

في « ج »: بقوله

(٣) في « ب »: ما أساءنا

١٦٦

الطّرفة التاسعة عشر

في تسليم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة(١) إلى عليّعليهم‌السلام عند وفاته، وتعظيم المخالفة لوصيّته بها(٢) في حياته(٣)

قال: حدّثني عيسى، قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام (٤) : فما كان بعد خروج الملائكة من عند(٥) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال(٦) : فقال: لما كان اليوم الّذي ثقل فيه وجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) وخيف عليه فيه(٨) الموت،

__________________

(١) عن « ب ». وفي باقي النسخ: لفاطمة

(٢) ساقطة من « ب »

(٣) في « د »: وتعليمه للمحافظة لوصيته بها قال ...

في « هـ »: وتعظيمه لوصيّه بها قال ...

في « و »: وتعظيم للمخالفة لوصيّته بها قال ...

(٤) في « هامش أ » « د »: قال حدثنا عيسى ...

في « ب » « ج »: قال حدثني عليّ قال قلت لأبي فما كان

في « هـ » « و »: قال حدثنا عيسى قال قلت لأبي فما كان

(٥) ساقطة من « هـ » « و »

(٦) ساقطة من « د »

(٧) في « د »: لما كان الذي ثقل فيه دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة ...

في « هـ » « و »: لمّا كان الذي ثقل فيه وجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

(٨) ساقطة من « أ » « ب »

١٦٧

دعا عليّا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وقال لمن في بيته: اخرجوا عنّي، وقال(١) لأمّ سلمة: تكوني ممّن(٢) على الباب فلا يقربه أحد، ففعلت أمّ سلمة، فقال: يا عليّ، ادن منّي(٣) ، فدنا منه، فأخذ بيد فاطمةعليها‌السلام فوضعها(٤) على صدره طويلا، وأخذ بيد(٥) عليّ بيده الأخرى.

فلما أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة - بكاء شديدا - وعليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام لبكاء رسول(٦) اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت فاطمةعليها‌السلام (٧) : يا رسول الله قد قطّعت قلبي، وأحرقت كبدي، لبكائك يا سيّد النّبيّين(٨) من الأوّلين والآخرين(٩) ، ويا أمين ربّه ورسوله، ويا(١٠) حبيبه ونبيّه، من لولدي بعدك؟ ولذلّ ينزل بي بعدك(١١) ؟ من لعلي أخيك وناصر الدّين(١٢) ؟ من لوحي الله وأمره(١٣) ؟ ثمّ بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته، وأكبّ عليه عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام

فرفع رأسه إليهم، ويدها في يده، فوضعها في يد عليّعليه‌السلام ، وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمّد عندك، فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنّك لفاعل يا عليّ(١٤) ،

__________________

(١) عن « د ». وفي باقي النسخ: فقال

(٢) ساقطة من « د » « هـ » « و ». وأدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٣) جملة ( ادن مني ) ساقطة من « ب »

(٤) في « أ » « ب »: فوضع. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٥) ساقطة من « ب »

(٦) في « هـ »: لبكاء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولعلّها لبكاء عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

(٧) عن « أ » « د »

(٨) في « د »: المرسلين

(٩) قوله ( من الاولين والآخرين ) ساقطة من « د »

(١٠) حرف النداء ( يا ) ساقط من « د ». وأدخل في متن « أ » عن نسخة

(١١) في « أ » « ب »: ولذلّ أهل بيتك بعدك. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(١٢) في « هامش أ » « د »: من لعلي أخيك من ناصر ومعين ثمّ بكت

(١٣) عن « ج » « هـ » « و »

(١٤) قوله ( يا عليّ ) ساقط من « ب »

١٦٨

هذه والله سيدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى، أم والله، ما بلغت نفسي هذا الموضع حتّى سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته.

يا عليّ، انفذ لما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمرني(١) بها جبرئيلعليه‌السلام ، واعلم يا عليّ أنّي راض عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربّي وملائكته(٢) .

يا عليّ، ويل ( لمن ظلمها، وويل )(٣) لمن ابتزّها حقّها، وويل لمن انتهك(٤) حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، ( وويل لمن آذى جنينها، وشجّ جنبيها )(٥) ، وويل لمن شاقّها وبارزها.

اللهمّ إنّي منهم بريء وهم منّي براء(٦) ثمّ سمّاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وضمّ فاطمة إليه وعليّا والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وقال: اللهمّ إنّي لهم ولمن شايعهم سلم(٧) ، وزعيم يدخلون الجنّة، ( وحرب وعدوّ لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم(٨) أو تأخّر عنهم وعن شيعتهم )(٩) ، زعيم لهم يدخلون النّار، ثمّ والله يا فاطمة لا أرضى حتّى ترضي(١٠) ، ثمّ لا والله لا أرضى حتّى ترضي(١١) ، ثمّ والله لا أرضى حتّى ترضي(١٢) .

__________________

(١) في « د » « هـ » « و »: أمر

(٢) في « أ » « ب »: والملائكة. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٣) ساقطة من « هـ »

(٤) في « د » « هـ » « و »: هتك

(٥) بدلها في « ب » « ج » « هـ » « و »: وويل لمن آذى حليلها

(٦) في « و »: برءاء

(٧) ساقطة من « هـ »

(٨) ساقطة من « هـ »

(٩) بدلها في « هامش أ » « د »: ولعدي وتيم ولحرب ولمن عاداكم وظلمكم وتقدمكم وتأخّر عنكم وعن شيعتكم

(١٠) إلى هنا ينتهي ما في « أ » « هـ »

(١١) في « هامش أ » « د »: ثمّ لا والله لا أرضى على أحد حتّى ترضي عنه

في « ب »: ثمّ لا أرضى حتّى ترضى. وإلى هنا ينتهي ما في « ب »

(١٢) هذه الفقرة الاخيرة والنسق المثبت في المتن عن « ج » « و ». وهي في « هامش أ » « د » باختلاف يسير وهو: ثم والله لا ارضى حتّى ترضي

١٦٩

١٧٠

الطّرفة العشرون

في تحقيق ما يروون(١) من صلاة أبي بكر بالناس عند المرض، وكشف ما في ذلك من الوهم المعترض

وعنهعليه‌السلام ؛ قال عيسى: وسألته(٢) ؛ قلت: ما تقول؛ فإنّ الناس قد أكثروا(٣) في(٤) أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ثمّ عمر؟

فأطرقعليه‌السلام عنّي(٥) طويلا، ثم قال: ليس كما ذكروا، و(٦) لكنّك يا عيسى كثير البحث في الأمور، وليس(٧) ترضى عنها إلاّ بكشفها.

فقلت: بأبي أنت وأمّي، إنّما أسأل منها(٨) عمّا أنتفع به(٩) في ديني وأتفقّه، مخافة أن أضلّ

__________________

(١) في « ب »: ما يرون

في « هامش أ » « د » « هـ » « و »: ما يروونه

(٢) في « ب »: سألته، بسقوط الواو

في « د »: وسألته

(٣) في « ج » « هـ » « و »: قد أكثر

(٤) ساقطة من « د ». وأدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٥) في « ب »: فاطرق عليّ

(٦) الواو ساقطة من « ب »

(٧) في « و »: ولست

(٨) في « هـ »: عنها

(٩) ساقطة من « أ » « ب »

في « هامش أ » « د »: إنّما اسأل عنها لانتفع به

١٧١

وأنا لا أدري، ولكن متى أجد مثلك أحدا(١) يكشفها لي(٢) !!

فقالعليه‌السلام : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا ثقل في مرضه دعا عليّاعليه‌السلام ، فوضع رأسه في حجره وأغمي عليه، وحضرت الصلاة، فأوذن بها(٣) ، فخرجت عائشة، فقالت: يا عمر اخرج فصلّ بالنّاس.

فقال: أبوك أولى بها.

فقالت: صدقت، ولكنّه رجل ليّن وأكره أن يواثبه القوم، فصلّ أنت.

فقال لها عمر: بل يصلّي هو، وأنا أكفيه إن وثب واثب، أو تحرّك متحرّك، مع أنّ محمّدا مغمى عليه لا أراه يفيق منها، والرّجل مشغول به لا يقدر يفارقه - يريد عليّاعليه‌السلام - فبادر(٤) بالصّلاة قبل أن يفيق، فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر عليّا بالصلاة(٥) ، فقد سمعت مناجاته منذ(٦) الليلة، وفي آخر كلامه يقول(٧) : الصلاة الصلاة.

قال: فخرج أبو بكر ليصلّي بالناس، فأنكر القوم ذلك، ثمّ ظنّوا أنّه بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكبّر حتّى أفاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٨) ، فقال(٩) : ادعوا إليّ(١٠) العباس، فدعي، فحملاه؛ هو وعليّعليه‌السلام ، فأخرجاه حتّى صلّى بالناس وإنّه لقاعد، ثمّ حمل فوضع على منبره، فلم يجلس بعد ذلك على المنبر(١١) ، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، حتّى

__________________

(١) عن « هامش أ » « د »

(٢) قوله ( لي ) ساقط من « د »، وأدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٣) في « هامش أ » « د »: فأذّن فخرجت

في « و »: فأذّن بها فخرجت

(٤) في « د » « هـ » « و »: فبادره. وقد أدخلت الهاء في متن « أ » عن نسخة

(٥) ساقطة من « أ » « ب »

(٦) ساقطة من « و »

(٧) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(٨) قوله ( رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن « أ » فقط

(٩) في « ج » « د » « هـ » « و »: وقال

(١٠) في « هامش أ » « ب » « د »: ادعوا لي

(١١) في « ج » « هـ » « و »: على المنبر محمله، دون نقط. ولعلّها ( محمله )

١٧٢

برزن العواتق من خدورهنّ، فبين باك وصائح وصارخ(١) ومسترجع، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) يخطب ساعة ويسكت ساعة.

وكان ممّا(٣) ذكر في خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومي هذا و(٤) في ساعتي هذه من الجنّ والإنس، فليبلّغ شاهدكم غائبكم(٥) ، ألا قد(٦) خلّفت فيكم كتاب الله؛ فيه(٧) النّور والهدى والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجّة الله لي عليكم، وخلّفت فيكم العلم الأكبر، علم الدّين ونور الهدى، وصيّي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ألا و(٨) هو حبل الله فاعتصموا به(٩) جميعا ولا تفرّقوا عنه(١٠) ،( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) (١١) .

أيّها(١٢) الناس، هذا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كنز(١٣) الله اليوم وما بعد اليوم، من(١٤) أحبّه وتولاّه اليوم وما بعد اليوم(١٥) فقد أوفى بما عاهد عليه الله، وأدّى ما وجب عليه، ومن

__________________

(١) في « ج »: ومادح

(٢) ( والنبي ) ساقطة من « ب »

(٣) في « هامش أ » « د »: فيما

(٤) في « ج »: أو. وأدخلت الالف في متن « أ » عن نسخة

(٥) في « هامش أ » « د »: فيبلّغ شاهدكم الغائب

في « هـ » « و »: فيبلغ شاهدكم الغائب

(٦) في « أ » « ب »: ألا وقد

(٧) في « د » « هـ » « و »: منه

(٨) الواو ساقطة من « ج » « د » « هـ » « و »

(٩) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٠) ساقطة من « أ »

(١١) آل عمران: ١٠٣

(١٢) في « د »: يا أيّها الناس

(١٣) في « ج » « هـ »: كثّر الله. ومن هنا إلى نهاية الفقرة اختلافات كثيرة بين النسخ، وما اثبتناه عن « ج » « هـ » « و ».

وسيأتي نصّ « أ » « ب » ونص « هامش أ » « د » في آخر الفقرة

(١٤) في « هـ »: لم أحبه. في « ج »: من أحبّه وتوالاه

(١٥) جملة ( وما بعد اليوم ) ساقطة من « هـ » « و »

١٧٣

عاداه اليوم وما(١) بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى و(٢) أصمّ، لا حجّة له عند الله(٣) .

أيّها الناس، لا تأتوني غدا بالدّنيا(٤) تزفّونها زفّا(٥) ، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم، إيّاكم(٦) وبيعات الضلالة، والشّورى للجهالة(٧) .

ألا وإنّ هذا الأمر له أصحاب وآيات، قد سمّاهم الله في كتابه، وعرّفتكم وأبلغت(٨) ما أرسلت به إليكم( وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) (٩) .

لا ترجعنّ بعدي كفّارا مرتدّين، متأوّلين للكتاب(١٠) على غير معرفة، وتبتدعون(١١) السّنّة بالهوى؛ لأنّ كلّ سنّة وحدث(١٢) وكلام خالف القرآن فهو ردّ(١٣) وباطل، القرآن إمام هدى، وله(١٤)

__________________

(١) ( ما ) ساقطة من « هـ » « و »

(٢) الواو عن « هـ » « و »

(٣) الفقرة في « هامش أ » « د » هكذا: كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من لم أحبّه وتوالاه اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصم [ في « د »: أعمى أصم ] لا حجة له عند الله، أيها الناس ومن أوفى بما عاهد عليه الله، وأدّى ما وجب عليه من حق عليّ، جاء يوم القيامة بصيرا مستوجبا لفضل الله، ومن عادى عليا اليوم وما بعد [ في « د »: وبعد ] اليوم فقد أخزاه الله

الفقرة في « أ » « ب » هكذا: هذا عليّ بن أبي طالب فأحبّه، ومن تولاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى أصم، لا حجّة له عند الله

(٤) ساقطة من « أ » « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

(٥) في « د »: تزقونها زقا

(٦) في « ج » « د » « هـ » « و »: أمامكم. والمثبت عن « ب »، وقد أدخل في متن « أ » استظهارا من الناسخ، وكتب في الهامش: في النسخة أمامكم

(٧) في « د »: والشور الجهالة

(٨) في « د » « هـ » « و »: وبلغتكم

في « ج »: وأبلغتكم

(٩) الأحقاف؛ ٢٣

(١٠) في « د »: الكتاب

(١١) في « أ »: وتبدعون. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ.

(١٢) في « و »: وحديث

(١٣) في « هامش أ » « د »: بدعة

(١٤) ساقطة من « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

١٧٤

قائد يهدي(١) إليه، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وليّ الأمر بعدي عليّ، وليّه(٢) ووارث علمي وحكمتي(٣) ، وسرّي وعلانيتي، و(٤) ما ورّثه النّبيّون من قبلي، وأنا وارث ومورّث(٥) ، فلا تكذبنّكم أنفسكم.

أيّها الناس، الله الله في أهل بيتي، فإنّهم أركان الدّين، ومصابيح الظّلم، ومعدن العلم، عليّ أخي ووارثي، ووزيري وأميني، والقائم بأمري، والموفي بعهدي(٦) على سنّتي(٧) ، أوّل الناس بي إيمانا، وآخرهم عهدا عند الموت، وأوّلهم(٨) لي لقاء يوم القيامة، وليبلّغ(٩) شاهدكم غائبكم، ألا ومن أمّ(١٠) قوما إمامة عمياء - وفي الأمّة من هو أعلم منه - فقد كفر.

أيّها الناس، ومن كانت له قبلي تباعة(١١) تبعة فها أنا(١٢) ، ومن كانت له عندي(١٣) عدة(١٤) فليأت فيها(١٥) عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّه ضامن لذلك كلّه، حتّى لا يبقى لأحد عليّ تباعة(١٦) .

__________________

(١) في « ج » « هـ »: ويهدي

(٢) في « ب » « ج » « هـ » « و »: ولي الأمر بعد وليّه

(٣) في « هامش أ » « د »: وحكمي

(٤) في « أ » « د »: ووارثي ووارث ما ورّثه

(٥) في « هامش أ »: وأنا وارث ومورّثه عليّ. في « د »: وأنا وارث النبيون ومورثه عليّ. وهي غلط

(٦) في « ب »: بعدي

(٧) في « هامش أ » « د »: والموفي بعهدي على سنتي عليّ

في « ج » « هـ » « و »: والموفي بعهدي على سنتي ويقبل على سنّتي

(٨) في « هامش أ » « ج » « د » « هـ » « و »: وأوسطهم

(٩) في « هامش أ » « د » « هـ » « و »: ويبلغ

(١٠) في « د »: ألا ومن قال في الأمّة من هو أعلم منه فقد كفر

(١١) كتب في « هامش أ »: تباعة بدل من تبعة في نسخة صحيحة. وكلمة ( تباعة ) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٢) في « ب »: فيها أو من كانت

في « ج » غير واضحة القراءة، ويمكن قراءتها ( فهابنا ) أو ( فهاندا )

(١٣) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٤) ساقطة من « ب »

(١٥) في « هامش أ » « د »: بها

(١٦) في « هامش أ » « د »: تبعة

١٧٥

١٧٦

الطّرفة الحادية والعشرون

في تعريف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بطرف ما يتجدّد(١) ويكون

وعنه، عن أبيه، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته لعليّعليه‌السلام - والناس حضور(٢) حوله -: أما والله يا عليّ ليرجعنّ أكثر هؤلاء كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض، وما بينك وبين أن ترى ذلك إلاّ أن يغيب عنك شخصي(٣) .

__________________

(١) في « د »: ما يجدّد

في « هـ » « و »: ما يحدّد

(٢) ساقطة من « هـ »

(٣) في « ج »: الشخص

١٧٧

١٧٨

الطّرفة الثانية والعشرون

في زيادة تعريف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بما يتجدّد(١) من اختلاف الآراء وتغيّر(٢) الأهواء

وعنه، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: في(٣) مفتاح الوصيّة « يا عليّ من شاقّك من نسائي وأصحابي فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، وأنا منهم بريء، فابرأ منهم ».

فقال عليّعليه‌السلام فقلت: نعم قد فعلت(٤) .

فقال(٥) : اللهمّ فاشهد، يا عليّ إنّ(٦) القوم يأتمرون بعدي على قتلك، يظلمون(٧) ، ويبيّتون

__________________

(١) في « هـ » « و »: بما تجدّد

(٢) في « أ » « ب »: وتغيير

(٣) ساقطة من « أ » « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

(٤) جملة ( قد فعلت ) ساقطة من « ب »

(٥) في « هامش أ » « د »: قال

(٦) في « أ »: فاشهد عليّ أنّ

في « ب »: فاشهد عليّ أنّ

في « ج »: فأشهدنا على أنّ. والمثبت عن « هامش أ » « د » « هـ » « و »

(٧) في « أ » « ب »: ان القوم يأتمرون بعدي عليّ، ويبيّتون

في « هامش أ » « د »: ان القوم يأتمرون بعدي ويظلمون

في « هـ » « و »: ان القوم يأتمرون بعدي يظلمون

١٧٩

على ذلك، فمن يبيّت(١) على ذلك فأنا منهم بريء، وفيهم نزلت( بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (٢) ، ثمّ يميتك(٣) شقيّ هذه الأمّة، هم(٤) شركاؤه فيما يفعل.

__________________

(١) في « ج »: ومن يبيّت

في « د »: ويلبثون على ذلك، ومن يلبث

في « هـ »: ويلبثون على ذلك، ومن ثبت

في « و »: ويثبون على ذلك، ومن ثبت

(٢) النساء: ٨١

(٣) في « ج »: ثم ينسك

في « د »: ثم ذاك هذه الأمة

في « هـ »: ثمّ دك

في « و »: ثم دل

(٤) في « هامش أ » « د »: وهم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581