الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 176153 / تحميل: 5905
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث :

توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

مقدمة الفصل :

نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام . وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.

ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام .

وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام مبتدئين بالإمام عليعليه‌السلام وزوجته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام . ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣].

١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

٣١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (آل الرسول)و (عترة النبي).

و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسينعليه‌السلام ذروة سنام المجد منها.

١٢١

ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيتعليهم‌السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)

هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :

(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)

وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه‍.

يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).

وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقولرحمه‌الله :

هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :

١ ـ آل الرسول

٢ ـ أهل البيت

٣ ـ العترة

٤ ـ ذوو القربى.

ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :

٣٢ ـ من هم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ :

قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.

واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا :«اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛

١٢٢

وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.

واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.

واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.

وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهمعليهم‌السلام :فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.

٣٣ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.

وهذه المعاني كلها موجودة فيهمعليهم‌السلام . فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهمعليهم‌السلام .

١٢٣

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال :يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.

ثم قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.

٣٤ ـ من هم العترة؟ :

وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيمعليه‌السلام :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسىعليه‌السلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريمعليها‌السلام .

قصة الشعبي مع الحجاج :

وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.

فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة

١٢٤

والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمةعليها‌السلام ؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.

فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول.أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله( يا بَنِي آدَمَ ) [وقال( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال :( وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.

(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريمعليها‌السلام . وقد صحّ النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».

فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.

وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.

٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :

وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :

لما نزل قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣] قالوا :يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهماعليهم‌السلام .

١٢٥

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.

٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :

أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله.فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منهعليه‌السلام .وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منهعليه‌السلام .وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منهعليه‌السلام . وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منهعليه‌السلام .وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منهعليه‌السلام .

وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.

٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.

وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟.(قال) قال :«كلهم من بني هاشم».

١٢٦

وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».

٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب

(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق

ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.

٣٩ ـ إمامة أهل البيتعليهم‌السلام منصوصة في كتب السنّة :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)

يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل

١٢٧

ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.

وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.

ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكتب إليّ :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».

وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».

وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة :إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسىعليه‌السلام .

ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.

إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.

١٢٨

٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيتعليهم‌السلام :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.

فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».

٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :

(المصدر السابق)

ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.

فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام وذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨].

٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :

(المصدر السابق ، ص ٣٠)

ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس ،

١٢٩

إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.

معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.

قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام والتاسع مهديّهم.

ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريمعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.

(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.

٤٣ ـ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام حين أسري به :

(مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)

ذكر ابن شاذان عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) ، قلت :( وَالْمُؤْمِنُونَ ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليعليه‌السلام . يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن

١٣٠

والحسين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهديعليهم‌السلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.

٤٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :

وجاء عليعليه‌السلام يفسر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).

٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :

جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :

«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».

فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهديعليه‌السلام . وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام .

١٣١

٤٦ ـ الحجة المهديعليه‌السلام هو الإمام الثاني عشر :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)

قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهديعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهديعليه‌السلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمةعليها‌السلام ، جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه.

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

٤٧ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام المقصودون في آية التطهير؟ :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)

يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :

١) ـ هم نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهن في بيته.

٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعليعليهم‌السلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.

١٣٢

تعليق المؤلف :

إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.

٤٨ ـ حديث الكساء :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)

ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

١٣٣

(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خير.

وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمةعليهم‌السلام .

وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليعليه‌السلام فقالت : توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجلست أنتظره ، فإذا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».

وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت :خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء عليعليه‌السلام فأدخله فيه ، ثم قال :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال :«اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :«إنك على خير».(أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).

١٣٤

وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمةعليها‌السلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول :الصلاة أهل البيت( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.

وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.

وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.

٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :

(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)

ومما يؤكد أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.

١٣٥

خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجادلونه في المسيحعليه‌السلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة وفي ذلك نزلت الآية :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسينعليهم‌السلام ، أن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.

(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من( أَنْفُسَنا ) نفس عليعليه‌السلام . ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.

(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة

١٣٦

(قال) قال الإمام عليعليه‌السلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.

(إلى أن قالعليه‌السلام ) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.

٥٠ ـ آية المودّة :

ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيتعليهم‌السلام هم :علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام . وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم.

٥١ ـ آية السلام :

قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم.ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى أن قال :

(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى( طه ) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [آل عمران : ٣١] ، وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . ا ه.

٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في

١٣٧

تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :

«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصةعليهم‌السلام .

وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار اللهعزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

٤ ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

٥٣ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)

قال بعض أهل العلم : إن آل البيتعليهم‌السلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.

٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا

١٣٨

يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.

فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله :( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.

بعض فضائل الإمام عليعليه‌السلام

٥٥ ـ فضائل الإمام عليعليه‌السلام لا تحصى :

فضائل الإمام عليعليه‌السلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق

١٣٩

الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.

(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائلهعليه‌السلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.

٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)

عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام عن آبائه عن الحسينعليه‌السلام قال :سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.

وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

والحيوان(١) .

لكن هذا التّفسير فضلا عن أنّه لا يلائم الآيات أعلاه ، فإنّه أيضا يقصر «اليوم» فيما يتعلق بالأرض ولمواد الغذائية وحسب ، لأنّ معناه يتعلق بالفصول الأربعة فقط ، بينما لا حظنا أن «يوم» في معنى خلق السماوات والأرض يعني بداية مرحلة!

مضافا لذلك تكون النتيجة اختصاص يومين من الأيّام الستة لخلق الأرض ، ويومين آخرين لخلق السماوات ، أمّا اليومان الباقيان اللذيان يتعلقان بخلق الكائنات بين السماء والأرض «ما بينهما» فليس هناك إشارة إليهما!

من كلّ ذلك يتبيّن أنّ التّفسير الأوّل أجود.

وقد لا تكون هناك حاجة للقول بأنّ «اليوم» في الآيات أعلاه هو حتما غير اليوم العادي ، لأنّ اليوم بالمعنى العادي لم يكن قد وجد قبل خلق السماوات والأرض ، بل المقصود بذلك هو مراحل الخلق التي استنفذت من الزمن أحيانا ملايين بل وبلايين السنين.(٢)

* * *

ملاحظتات

تبقى أمامنا ملاحظتان ينبغي أن نشير إليهما :

أوّلا : ما هو المقصود من قوله تعالى :( بارَكَ فِيها ) ؟

الظاهر أنّها إشارة إلى المعادن والكنوز المستودعة في باطن الأرض ، وما على الأرض من أشجار وأنهار ونباتات ومصادر للماء الذي هو أساس الحياة والبركة ، حيث تستفيد منها جميع الاحياء الأرضية.

__________________

(١) ثمّة حديث بهذا المضمون في تفسير علي بن إبراهيم.

(٢) راجع الآية (٥٤) من سورة الأعراف.

٣٦١

ثانيا : بما تتعلق الأيام الاربعة في عبارة :( فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) ؟

بعض المفسّرين يعتقد أنّها تخص «الأقوات» فقط. لكنّها ليست كذلك ، بل تشمل الأقسام الثلاثة المذكورة في الآية (أي خلق الجبال ، خلق المصادر وبركات الأرض ، خلق الموارد الغذائية) لأنّه ـ خلافا لذلك ـ فإنّ بعض هذه الأمور سوف لا تدخل في الأيام الواردة في الآيات أعلاه ، وهذا أمر لا يتناسب مع نظم الآيات ونظامها.

بعد الانتهاء من الكلام عن خلق الأرض ومراحلها التكاملية ، بدأ الحديث عن خلق السماوات حيث تقول الآية :( ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ) .

فكانت الإجابة :( قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) .

وفي هذه الأثناء :( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) ثم :( وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ) وأخيرا :( وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ) نعم :( ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

في الآيتين المتقدمتين تستلفت النظر عشر ملاحظات سنقف عليها خلال النقاط الآتية ، التي ننهي من خلالها البحث في هذه المجموعة من الآيات ، وهي :

أولا : كلمة «ثم» تأتي عادة للإشارة إلى التأخير في الزمان ، وتأتي أحيانا للدلالة على التأخير في البيان. فإذا كان المعنى الأوّل هو المقصود فسيكون المفهوم هو أنّ خلق السماوات تمّ بعد خلق الأرض وخلق الجبال والمعادن والمواد الغذائية. أما إذا كان المعنى الثّاني هو المقصود ، فليس هناك مانع من أن تكون السماوات قد خلقت وبعدها تمّ خلق الأرض ، ولكن عند البيان ذكرت الآية أوّلا خلق الأرض والأرزاق ومصادرها التي يحتاجها البشر ، ثمّ عرجت إلى ذكر قضية خلق السماء.

المعنى الثّاني بالإضافة إلى أنّه أكثر تناسقا وانسجاما مع الاكتشافات العلمية ،

٣٦٢

فهو أيضا يتفق مع الآيات القرآنية الأخرى ، كقوله تعالى في الآيات (٢٧ ـ ٣٣) من سورة «النازعات» :( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) .

إنّ هذه المجموعة من الآيات الكريمة تكشف بوضوح أنّ دحو وتوسيع الأرض وتفجر العيون ونبات الأشجار والموارد الغذائية ، قد تمّ جميعا بعد خلق السماوات. أما لو فسّرنا معنى «ثم» بالتأخير في الزمان ، فعلينا أن نقول : إنّ كلّ تلك قد تكونت قبل خلق السماء ، وهذا يتنافى مع المعنى الواضح للمراد من قوله تعالى :( بَعْدَ ذلِكَ ) أي أن كلّ ما ذكر قد تم خلقه بعد ذلك (أي بعد السماوات).

وبذلك نفهم أن (ثم) هنا قد استخدمت للتدليل على التأخير البياني(١) .

ثانيا : «استوى» من «استواء» وتعني الاعتدال أو مساواة شيئين ببعضهما ، ولكن ذهب علماء اللغة والتّفسير إلى أنّ هذه الكلمة عند ما تتعدّى بـ «على» يصبح معناها الاستيلاء والتسلّط على شيء ما مثل( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (٢) .

وعند ما تتعدى بـ «إلى» فهي تعني القصد ، كما في الآية التي نبحثها( ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ ) اي قصد الى السماء.

ثالثا : جملة «هي دخان» تبيّن أن بداية خلق السماوات كان من سحب الغازات الكثيفة الكثيرة ، وهذا الأمر يتناسب مع آخر ما توصلت إليه البحوث العلمية بشأن بداية الخلق والعالم.

والآن فإنّ الكثير من النجوم السماوية هي على شكل سحب مضغوطة من الغازات والدخان.

__________________

(١) أما ما نقل عن ابن عباس من قوله : إنّ خلق الأرض كان قبلا ، وأما «دحو الأرض» فجاء بعد ذلك ، فهو لا يحل المشكلة ، وكأن ابن عبّاس لم يهتم عما بعد الآية من حديث عن خلق الجبال والمواد الغذائية!

(٢) طه ، الآية ٥.

٣٦٣

رابعا : قوله تعالى :( فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ) لا تعني أن كلاما قد جرى باللفظ ، وإنّما قول الخالق وأمره هو نفسه الأمر التكويني ، وهو عين إرادته في الخلق. أما التعبير بـ «طوعا أو كرها» فهو إشارة إلى أنّ الإرادة الإلهية الحتمية قد ارتبطت يتكوّن السماوات والأرض. والمعنى أنّه يجب أن يحدث هذا الأمر شاءت أم أبت.

خامسا : الجملة في قوله تعالى :( أَتَيْنا طائِعِينَ ) تشير إلى أنّ المواد التي تتشكل منها السماء والأرض من ناحية التكوين والخلقة ، كانت مستسلمة تماما لإرادة الله وأمره ، فتقبلت شكلها المطلوب ولم تعترض أمام هذا الأمر الإلهي مطلقا.

ومن الواضح أنّ هذا الأمر وهذا الامتثال ليس لهما طبيعة تكليفية وتشريعية ، بل حدثت بمحض التكوين فقط.

سادسا : قوله تعالى :( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) يشير إلى وجود مرحلتين في خلق السماوات ، كلّ مرحلة استمرت لملايين أو مليارات السنين ، وكل مرحلة تتضمن مراحل اخرى ، ومن المحتمل أن تكون هاتان المرحلتان هما مرحلة تبديل الغازات المضغوطة إلى سوائل ومواد مذابة ، ثمّ مرحلة تبديل المواد المذابة إلى مواد جامدة.

كلمة «يوم» استخدمت هنا ـ كما أشرنا سابقا ـ بمعنى مرحلة ، وهو ممّا يشبع استخدامه في عدّة لغات ، ويشبع استخدامه أيضا في كلامنا اليومي ، فعند ما تقول مثلا : يوم لك ويوم عليك ، إنّما تشير إلى مراحل الحياة المختلفة. (هناك بحث مفصل حول هذا الموضوع في نهاية تفسير الآية (٥٤) من سورة الأعراف).

سابعا : إنّ العدد «سبع» ربّما جاء هنا للكثرة ، بمعنى أنّ هناك سماوات كثيرة وأجرام كثيرة. ومن المحتمل أن يكون الرقم للعدد ، أي إن عدد السماوات هي سبع بالتحديد. ومع هذا التقييد فإنّ جميع ما نرى من كواكب ونجوم ثابتة وسيّارة هي

٣٦٤

من السماء الأولى ، وبذلك يكون عالم الخلقة متشكلا من سبع مجموعات كبرى ، واحدة منها فقط أمام أنظار البشرية ، وإنّ الأجهزة العلمية الفلكية الدقيقة وبحوث الإنسان ، لم تتوصل إلى ما هو أبعد من السماء الأولى.

ولكن كيف تكون العوالم الستة لأخرى؟ وممّ تتشكّل؟ فهو أمر لا يعلمه إلّا الله تعالى.

والمعتقد هنا أنّ هذا التّفسير هو الأصح. (في هذا الموضوع يمكن مراجعة نهاية تفسير الآية (٢٩) من سورة البقرة).

ثامنا : قوله تعالى :( وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ) تشير إلى أنّ المسألة لم تنته بخلق السماوات وحسب ، بل إنّ في كل منها مخلوقات وكائنات ونظام خاص وتدبير معين ، بحيث أن كلّ واحدة تعتبر بحد ذاتها دليلا على العظمة والقدرة والعلم.

تاسعا : قوله تعالى :( وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ ) تدل على أنّ جميع النجوم زينة للسماء الأولى ، وتبدو في نظر الإنسان كالمصابيح المعلقة في سقف هذه السماء الزرقاء ، وهي ليست للزينة وحسب ، حيث تجذب بتلألؤها الخاص المتعاقب قلوب عشاق أسرار الخلقة ، بل في الليالي المعتمة تكون مصابيح للتائهين وأدلة لمن يسير في الطريق ، تعينهم على تعيين اتجاه الحركة.

أمّا «الشهب» التي تظهر كنجوم سريعة تظهر في السماء بوميض سريع قبل أن تنطفئ ، فهي في الواقع سهام تستقر في قلوب الشياطين وتحفظ السماء من نفوذهم. (راجع تفسير الآية ١٧ من سورة الحجر ونهاية الآية السابعة من سورة الصافات).

عاشرا : قوله تعالى :( ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) تكملة للجمل التسع السابقة ، وتشكل بمجموعها عشرة كاملة ، تقول : إنّ ما حدث في السماء والأرض منذ بداية الخلق إلى مرحلة التشكّل والنظام الدقيق ، كان وفق برنامج محسوب ومقدّر ، تمّ

٣٦٥

تنظيمه من قبل المبدأ الأزلي ذي العلم والقدرة المطلقتين ، وإن أي تفكير في أي بحر من هذه البحور يقودنا نحو المبدأ العظيم جلّت قدرته.

* * *

٣٦٦

الآيات

( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) )

التّفسير

أحذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود!

بعد البحث المهم الذي تضمّنته الآيات السابقة حول التوحيد ومعرفة الخالق جلّ وعلاه تنذر الآيات ـ التي بين أيدينا ـ المعارضين والمعاندين الذين تجاهلوا كلّ هذه الدلائل الواضحة والآيات البينات ، وتحذرهم أن نتيجة الإعراض نزول

٣٦٧

العذاب بهم ، يقول تعالى :( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) (١) .

عليكم أن تخافوا هذه الصاعقة المميتة المحرقة التي إذا نزلت بساحتكم تنفيكم وتحل بداركم الدمار.

لاحظنا في بداية هذه السورة المباركة أنّ بعض زعماء الشرك في مكّة مثل «الوليد بن المغيرة» وبرواية اخرى «عتبة بن ربيعة» جاءوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتحقيق حول القرآن ودعوة الرّسول وطرحوا عليه بعض الأسئلة وفي سياق إجابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم تلا عليهم الآيات الاولى من هذه السورة ، وعند ما وصل النّبي في تلاوته إلى الآيات أعلاه وهدّدهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، ارتعشت أجسادهم وأصيبوا بالخوف بحيث أنّهم لم يكونوا قادرين على الاستمرار في الكلام ، لذلك عادوا إلى قومهم وذكروا لهم تأثرهم العميق واضطرابهم ووجلهم من هذه الكلمات.

«الصاعقة» كما يقول الراغب في المفردات ، تعني الصوت المهيب في السماء ، ويشتمل على النّار أو الموت أو العذاب. (ولهذا السبب تطلق الصاعقة على الموت أحيانا ، وعلى النّار وفي أحيان اخرى).

والصاعقة ـ وفقا للتحقيقات العلمية الراهنة ـ هي شرارة كهربائية عظيمة تحدث بين مجموعة من الغيوم التي تحمل الشحنات الكهربائية الموجبة ، وبين الأرض التي تكون شحنتها «سالبة» وتصيب عادة قمم الجبال والأشجار وأي شيء مرتفع ، وفي الصحاري المسطحة تصيب الإنسان والأنعام ، كما أن حرارتها شديدة للغاية بحيث أنّها تحيل أي شيء تصيبه إلى رماد ، وتحدث صوتا مهيبا وهزّة أرضية قوية في المكان الذي تضربه.

__________________

(١) «الفاء» في «فإن اعرضوا» هي «فاء التفريع» كما قيل ، بناء على ذلك فإنّ هذا الإنذار الحاسم يعتبر فرعا ونتيجة للإعراض عن الآيات التوحيدية السابقة.

٣٦٨

الله تبارك وتعالى ـ كما تنص على ذلك آيات القرآن ـ عاقب بعض الأقوام الأشقياء من الأمم السابقة بالصاعقة.

والطريف هنا أنّ عالم اليوم برغم التقدم الهائل في العلوم ، بقي عاجزا عن اكتشاف وسيلة لمنع الصاعقة.

وسيبقى هذا السؤال : لماذا ذكر هنا قوم عاد وثمود من بين جميع الأقوام السابقة؟

السبب يعود إلى أنّ العرب كانوا على اطّلاع بخبر أولئك الأقوام ، وكانوا قد شاهدوا بأعينهم آثار مدنهم المدمّرة ، إضافة إلى أنّهم كانوا يعرفون أخطار الصواعق ، لأنّهم يعيشون في الصحراء والبادية.

يواصل الحديث القرآني سياقه بالقول :( إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ) .

إنّ استخدام تعبير( مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ) هو إشارة إلى ما ذكرناه أعلاه من أنّ الأنبياء قد استخدموا جميع الوسائل والأساليب لهدايتهم ، وحاولوا طرق كلّ الأبواب حتى ينفذوا إلى قلوبهم المظلمة.

وقد يكون التعبير إشارة إلى الأنبياء الذين بعثوا خلال أزمنة مختلفة إلى هؤلاء الأقوام ، وطرحوا عليهم نداء التوحيد.

لكن لنرى ماذا كان جوابهم حيال هذه الجهود العظيمة الواسعة لرسل الله تعالى؟

يقول تعالى :( قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ) لإبلاغ رسالته بدلا من إرسال الناس.

والآن وما دام الأمر كذلك :( فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) . وما جئتم به لا نعتبره من الله.

إنّ مفهوم هذا الكلام لا يعني إيمان هؤلاء بأنّ هؤلاء رسل الله حقّا ، و. أنّهم

٣٦٩

لا يؤمنون بهم ، وإنّما مفهوم الكلام رفض هؤلاء دعوة الرسل في أنّهم مبلغوا رسالات الله من الأساس ، حيث حملوهم على الكذب والادّعاء. (ذلك فإنّ جملة( بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ) هي للاستهزاء أو السخرية ، أو أن يكون المقصود بها هو : طبقا لادعائكم بأنّكم رسل الله تبلغون عنه).

إنّها نفس الذريعة التي ينقلها القرآن مرارا على لسان منكري النبوات ورسالات الله ومكذبي الرسل ، من الذين كانوا يتوقعون أن يكون الأنبياء دائما ملائكة ، وكأنما البشر لا يستحقون مثل هذا المقام.

مثال ذلك قولهم في الآية (٧) من سورة الفرقان :( وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) .

إنّ قائد البشر يجب أن يكون من صنف البشر ، كي يعرف مشاكل الإنسان واحتياجاته ويحس آلامهم ويتفاعل مع قضاياهم ، وكي يستطع أن يكون القدوة والأسوة ، لذلك يصرح القرآن في الآية (٩) من سورة «الأنعام» بقوله تعالى :( وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ) .

بعد المجمل الذي بينته الآيات أعلاه ، تعود الآيات الآن ـ كما هو أسلوب القرآن الكريم ـ إلى تفصيل ما أوجز من خبر قوم عاد وثمود ، فتقول :( فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) .

إنّ هؤلاء القوم كانوا يعيشون في أرض «الأحقاف» من (حضرموت) جنوب الجزيرة العربية ، وكانوا يتصفون بوضع استثنائي فريد من حيث القوّة الجسمانية والمالية والتمدّن المادي ، فكانوا يبنون القصور الجميلة والقلاع المحكمة ، خاصة في الأماكن المرتفعة ، حيث يرمز ذلك إلى قدرتهم ويكون وسيلة لاستعلائهم.

لقد كانوا رجالا مقاتلين أشدّاء ، فأصيبوا بالغرور بسبب قدراتهم الظاهرية ومجدهم المادي ، حتى ظنّوا أنّهم أفضل من الجميع ، وأنّ قوّتهم لا تقهر ، ولذلك قاموا بتكذيب الرسل والإنكار عليهم ، وتكالبوا على نبيّهم «هود».

٣٧٠

لكن القرآن يرد على هؤلاء ودعواهم بالقول :( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) .

أليس الذي خلقهم خلق السماوات والأرض؟

بل هل يمكن المقايسة بين هاتين القدرتين ، فأين القدرة المحدودة الفانية من القدرة المطلقة اللامتناهية الأزلية؟!

ما للتراب وربى الأرباب(١) ؟!

تضيف الآية في النهاية قوله تعالى :( وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ) .

نعم ، إنّ الإنسان الضعيف المحدود سوف يطغى بمجرّد أن يشعر بقليل من القدرة والقوة ، وأحيانا بدافع من جهله ، فيتوهم أنّه يصارع الله جلّ وعلا!!

لكن ما أسهل أن يبدل الله عوامل حياته إلى موت ودمار ، كما تخبرنا الآية عن مآل قوم عاد :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) .

إنّ هذه الريح الصرصر ، وكما تصرح بذلك آيات اخرى ، كانت تقتلعهم من الأرض بقوّة ثمّ ترطمهم بها ، بحيث أصبحوا كأعجاز النخل الخاوية. (يلاحظ الوصف في سورة «القمر» الآية ١٩ ـ ٢٠ وسورة الحاقة الآية ٦ فما بعد).

لقد استمرت هذه الريح سبع ليال وثمانية أيّام ، وحطّمت كيانهم وكل وسائل عيشهم ، نكالا بما ركبوا من حماقة وعلوا وغرور ، ولم يبق منهم سوى أطلال تلك القصور العظيمة ، وآثار تلك الحياة المرفهة.

هذا في الدنيا ، وهناك في الآخرة :( وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى ) .

إنّ العذاب الأخروي هو في الواقع كالشرارة في مقابل بحر لجي من النّار.

__________________

(١) إنّ هذا التعبير يشبه في الواقع جملة : «الله أكبر» حيث تقوم بتعريف الله (جلّ وعلا) بأنّه أعظم وأكبر من جميع الموجودات ، ذلك أنّنا نعلم أن لا قياس بين الإثنين (التراب ورب الأرباب) ولكن الله يتحدّث إليها بلساننا ، لذلك نرى أمثال هذه الألفاظ والتعابير في كلامه تعالى

٣٧١

والأنكى من ذلك أن ليس هناك من ينصرهم :( وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ) .

فبعد عمر من الجد والعمل في سبيل التظاهر بالعظمة والعلو ، يصيبهم الله تعالى بعذاب أذلهم في هذه الدنيا ، وفي العالم الآخر ينتظرهم ما هم أشد وأصعب!

«صرصر» : على وزن (دفتر) مشتقّة في الأصل من كلمة «صرّ» على وزن «شرّ» وتعني الغلق بإحكام ، لذا تستعمل كلمة «صرّه» للكيس الذي يحتوي على المال وهو مغلق بشكل جيّد. ثمّ أطلقت على الرياح الباردة جدا ، أو التي فيها صوت عال ، أو الرياح المسمومة القاتلة. وقد تكون الرياح العجيبة التي شملت قوم «عاد» تحمل كلّ هذه الصفات جميعا.

( أَيَّامٍ نَحِساتٍ ) تعني الأيام المشؤومة التي اعتبرها البعض بأنّها الأيّام المليئة بالتراب والغبار ، أو الأيّام الباردة جدا ، وهذه المعاني يمكن أن تكون مرادة من الآيات التي نحن بصددها.

لقد أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في خطب نهج البلاغة إلى قصة عاد ، كي تكون درسا أخلاقيا تربويا يتعظ منه الآخرون. يقولعليه‌السلام : «واتعظوا فيها بالذين قالوا : من أشدّ منّا قوّة؟ حملوا إلى قبورهم ، فلا يدعون ركبانا ، وأنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا ، وجعل لهم من الصفيح أجنان ، ومن التراب أكفان ، ومن الرفات جيران»(١) .

* * *

ملاحظتان

أوّلا : ما هي وسيلة فناء قوم عاد؟

وفقا للآية (١٣) من هذه السورة ، فإنّ قوم عاد وثمود أهلكوا بالصاعقة. في حين أنّ الآيات التي نبحثها تقول : إنّهم أبيدوا بالريح الصرصر العاتية ، فهل هناك

__________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة رقم (١١١).

٣٧٢

تعارض بين الاثنين؟

في الجواب ذكر المفسّرون وعلماء اللغة معنيين للصاعقة ، أحدهما عام ، والآخر خاص.

فالصاعقة بمعناها العام تعني أي شيء يهلك الإنسان ، وهي كما يقول العلّامة الطبرسي في مجمع البيان : «المهلكة من كلّ شيء».

أمّا المعنى الخاص ، فالصاعقة شرارة عظيمة من النّار تنزل من السماء ، وتحرق كلّ ما يوجد في طريقها ، كما وضحنا ذلك آنفا.

بناء على هذا ، لو كانت الصاعقة بالمعنى الأوّل فلا تعارض بينها وبين الرياح القوية.

يقول الراغب في المفردات : «قال بعض أهل اللغة : الصاعقة على ثلاثة أوجه : الموت كقوله :( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ) وقوله :( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) والعذاب كقوله :( أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) والنّار كقوله :( وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ ) وما ذكره فهو أشياء حاصلة من الصاعقة فإن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجوّ ، ثمّ يكون منه نار فقط أو عذاب أو موت وهي في ذاتها شيء واحد وهذه الأشياء تأثيرات منها».

وثمة احتمال آخر ، هو أن قوم عاد قد شملهم نوعان من العذاب : الأوّل الرياح الشديدة التي دمّرت كلّ شيء والتي سلطها الله عليهم أيّاما عديدة ، ثم جاء بعد ذلك دور الصاعقة النّارية المميتة التي شملتهم بأمر الله.

لكن المعنى الأوّل يبدو أكثر تناسبا مع الموضوع ، خصوصا إذا لا حظنا الآيات الأخرى التي تتحدث عن عقاب قوم عاد وهلاكهم. (راجع الآيات في سورة الذاريات ـ آية ٤١ ، وسورة الحاقة ـ آية ٦ ، والقمر الآيتان (١٨) و (١٩)).

٣٧٣

ثانيا : أيام قوم عاد النحسة

البعض يعتقد أنّ أيّام السنة نوعان : أيّام نحسة مشؤومة ، وأيام سعيدة مباركة.

ويستدلون على ذلك بالآيات أعلاه ، فيقولون : هناك تأثيرات مجهولة تؤثر في الليالي والأيّام ، ونشعر نحن بآثار ذلك ، بينما أسبابها ما تزال مبهمة بالنسبة لنا.

وقال البعض : إنّ الأيام النحسة في الآية التي نبحثها هي الأيّام المملوءة بالتراب والغبار.

وقوم عاد قد أصيبوا بمثل هذه الرياح الشديدة بحيث باتوا لا يرى أحدهم الآخر ، كما تفيد ذلك الآيتان (٢٤ ـ ٢٥) من سورة «الأحقاف» في قوله تعالى :( فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) .

وسوف نقوم ببحث مفصل حول مفهوم الأيّام النحسة والأيّام السعيدة ، في نهاية حديثنا عن الآية (١٩) من سورة القمر ، إن شاء الله تعالى.

* * *

٣٧٤

الآيتان

( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) )

التّفسير

عاقبة قوم ثمود :

بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن قوم عاد ، تبحث هاتان الآيتان في قضية قوم ثمود ومصيرهم ، حيث تقول : إنّ الله قد بعث الرسل والأنبياء لهم مع الدلائل البينة ، إلّا أنّهم :( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) .

لذلك :( فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .

وهؤلاء مجموعة تسكن «وادي القرى» (منطقة بين الحجاز والشام) وقد وهبهم الله أراضي خصبة خضراء مغمورة ، وبساتين ذات نعم كثيرة وكانوا يبذلون الكثير من جهدهم في الزراعة. ولقد وهبهم الله العمر الطويل والأجسام القوية ، وكانوا مهرة في البناء القوي المتماسك ، حيث يقول القرآن عنهم في ذلك :( وَكانُوا

٣٧٥

يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ ) (١) .

لقد جاءهم نبيّهم بمنطق قوي وقلب ملؤه الحبّ ، ومعه المعاجز الإلهية ، إلّا أنّ هؤلاء القوم المغرورين المستعلين لم يرفضوا دعوته ـ وحسب ـ بل آذوه وأتباعه القليلين ، لذلك شملهم الله بعقابه في الدنيا ، ولن يغني ذلك عن عذاب الآخرة شيئا.

نقرأ في الآية (٧٨) من سورة الأعراف أنّهم أصيبوا بزلزلة عظيمة ، فبقيت أجسادهم في المنازل بدون حراك :( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

وفي الآية (٥) من سورة الحاقة قوله تعالى بشأنهم :( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) .

أمّا الآية (٦٧) من سورة هود فتقول عنهم :( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

أمّا الآية التي نحن بصددها فقد استخدمت تعبير «صاعقة».

قد يتصور البعض أن هناك تعارضا بين هذه التعابير ، ولكن عند التدقيق يظهر أنّ الكلمات الأربع أعلاه (رجفة ، طاغية ، صيحة ، صاعقة) ترجع جميعا إلى حقيقة واحدة ، لأنّ الصاعقة ، ـ كم قلنا سابقا ـ لها صوت مخيف ، بحيث يمكن أن نسميها بالصيحة السماوية ، ولها أيضا نارا محرقة ، وهي عند ما تسقط على منطقة معينة تحدث هزّة شديدة ، وكذلك هي وسيلة للتخريب.

في الواقع إنّ البلاغة القرآنية تستوجب أن تبيّن الأبعاد المختلفة للعذاب الإلهي بتعابير مختلفة وفي سياق آيات عديدة كيما تخلّف أثرا عميقا في نفس الإنسان.

وهؤلاء القوم قد واجهتهم عوامل مختلفة للموت في إطار حادثة واحدة ، بحيث أن كلّ عامل لوحده يكفي لإبادتهم كالصيحة المميتة مثلا ، أو الهزة الأرضية

__________________

(١) الحجر ، الآية ٨٢.

٣٧٦

القاتلة ، أو النّار المحرقة ، وأخيرا الصاعقة المخفية.

ولكن قد يتساءل عن مصير الأشخاص الذين آمنوا بصالحعليه‌السلام بين هذه الأمواج القاتلة من الصواعق ، فهل احترقوا بنيران غيرهم؟

القرآن يجيبنا على ذلك بقول اللهعزوجل :( وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ) .

لقد أنجى هذه المجموعة إيمانها وتقواها ، بينما شمل العذاب تلك الكثرة الطاغية بسبب كفرها وعنادها ، والمجموعتان يمكن أن تكونا نموذجا لفئات من هذه الأمة.

قال بعض المفسّرين : لقد آمن بنبيّ الله صالح (١١٠) أشخاص من بين مجموع القوم ، ولقد أنقذ الله هؤلاء وأنجاهم في الوقت المناسب.

* * *

ملاحظة

أنواع الهداية الإلهية :

الهداية على نوعين : أوّلا «الهداية التشريعة» وهي تشمل إبانة الطريق والكشف عنه بجميع العلائم. ثمّ هناك «الهداية التكوينية» التي هي في واقعها إيصال إلى المطلوب أو الوصول إلى الهدف.

لقد تجمعت الهدايتان معا في الآيات التي نبحثها ، فالآيات تتحدث أولا عن هداية ثمود وهذه هي الهداية التشريعية التي استبانوا من خلالها الطريق.

ثم أضافت الآية عن وصف حالهم بأنّهم استحبوا العمى على الهدى ، وهذه هي عين الهداية التكوينية والتوصّل نحو الهدف.

وهكذا فإنّ الهداية بمعناه الأوّل قد تمّت من خلال بعثة الرسل والأنبياء ، أمّا الهداية بمعناها الثّاني والتي ترتبط بإرادة واختيار أي إنسان ، فلم تتمّ بسبب غرور

٣٧٧

القوم وتكبرهم وعلوهم ، لأنّهم :( فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) .

إنّ هذا ـ بحدّ ذاته ـ دليل على مبدأ «حرية الإرادة الإنسانية» وعدم الجبر.

ولكن ـ برغم صراحة ووضوح الآيات ـ نرى أنّ بعض المفسّرين كالفخر الرازي يصرون على إنكار دلالة الآية ، وذكروا كلاما لا يليق بمنزلة الباحث المحقق ، وذلك بسبب ميولهم نحو عقيدة الجبر(١) !!

* * *

__________________

(١) يلاحظ الفخر الرازي في التّفسير الكبير في نهاية حديثه عن هذه الآية.

٣٧٨

الآيات

( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) )

التّفسير

كانت الآيات السابقة تتحدث عن الجزاء الدنيوي للكفار المغرورين والظالمين والمجرمين. أمّا الآيات التي نبحثها الآن فتتحدث عن العذاب الأخروي ، وعن مراحل مختلفة من عقاب أعداء الله.

يقول تعالى :( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ ) .

٣٧٩

وكي تتصل الصفوف ببعضها يتمّ تأخير الصفوف(١) حتى تلتحق بها الصفوف الأخرى :( فَهُمْ يُوزَعُونَ ) .

وحينذاك :( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) .

يا لهم من شهود؟ فأعضاء الإنسان تشهد بنفسها عليه ولا يمكن إنكار شهادتها ، لأنّها كانت حاضرة في جميع المشاهد والمواقف وناظرة لكل الأعمال ، وهي إذ تتحدث فبأمر الله تعالى.

وهنا يثار سؤال : هل تعني شهادة هذه الأعضاء من جسم الإنسان أنّ الله تبارك وتعالى يخلق فيها قدرة الإحساس والإدراك والشعور ، وبالتالي القدرة على الكلام؟

أم أنّ آثار الذنوب سوف تظهر في ذلك اليوم (يوم البروز) لأنّها مطبوعة عليها طوال عمر الإنسان ، كما نقول في تعبيراتنا الشائعة : إن صفحة وجهه تحكي وتخبر ما يخفيه فلان في سرّه؟

أو أنّ الأمر يكون كما في حال الشجرة التي أوجد الله تعالى فيها الصوت وأسمعه موسىعليه‌السلام ؟

في الواقع يمكن قبول كلّ هذه التفاسير ، وقد جاءت مبثوثة في تفاسير المفسّرين.

طبعا لا يوجد مانع من أن يقوم تعالى بخلق الإدراك والشعور في الأعضاء ، فتشهد في محضر الله تعالى عن علم ومعرفة ، خصوصا وأن ظاهر الآيات يشير للوهلة الأولى إلى هذا المعنى. وهو ما يعتقده البعض فيما يخص تسبيح وحمد

__________________

(١) «يوزعون» من «وزع» وهي بمعنى المنع ، وعند ما تستخدم للجنود أو الصفوف الأخرى ، فإن مفهومها يعني أن يبقى المجموع إلى أن يلتحق بهم آخر نفر.

(٢) «ما» في قوله تعالى :( إِذا ما جاؤُها ) زائدة ، وهي هنا للتأكيد.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607