الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 176209 / تحميل: 5908
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْعِقابِ ) . انّ العذاب الشديد غير مخالف لرحمته الواسعة ، كما لا يتوهّم أحدا انّ رحمته العامّة هي إعطاء الفرصة للظالمين ان يفعلوا ما يريدون. لانّه في هذه الموارد يكون شديد العقاب ، والحصول على نتائج هذه الصفتين للربّ يعني( لَذُو مَغْفِرَةٍ ) و( لَشَدِيدُ الْعِقابِ ) مرهون بسلوك الإنسان نفسه.

* * *

ملاحظتان

1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟

يستفاد من خلال آيات متعدّده في القرآن الكريم انّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين اثبات «المعاد الجسماني» لانّهم كانوا يتعجّبون دائما من هذا الموضوع وهو : كيف يبعث الإنسان من جديد بعد ان صار ترابا؟ كما اشارت اليه الآية السابقة( أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهناك سبع آيات اخرى تشير الى هذا الموضوع (الآية 35 و 82 من سورة المؤمنون 7 ـ 2 النمل 6 ـ 1 و 53 الصافات ـ 3 ق 7 ـ 4 الواقعة).

ومن هنا يتّضح انّ هذا التساؤل كان مهمّا بالنسبة إليهم حيث كانوا يكرّرونه في كلّ فرصة ، ولكن القرآن الكريم يجيبهم بعبارات قصيرة وقاطعة ، فمثلا الآية (29) من سورة الأعراف :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) تتكوّن من كلمات قليلة ولكنّها مفحمة لهم ، وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) لانّكم في الخلق الاوّل لم تكونوا شيئا امّا الآن فتوجد على الأقل عظام نخرة مع التراب المتبقّي منكم.

وفي بعض الأحيان يأخذ بأيدي الناس ويدعوهم الى التفكّر والإمعان في عظمة وقدرة الخالق( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .

٣٤١

2 ـ هل انّ الله يعفو عن الظالمين؟

قرانا في الآيات المتقدّمة انّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا ، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه ، ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لان يصلحوا أنفسهم ، والّا فهو تعالى شديد العقاب.

ويمكن ان نستفيد من هذه الآية انّ الذنوب الكبيرة ـ ومن جملتها الظلم ـ قابلة للغفران (ولكن بتحقّق شروطها) ، وهو ردّ على قول المعتزلة بأنّ الذنوب الكبيرة لا يغفرها الله ابدا.

وعلى ايّة حال فـ «المغفرة الواسعة» و «العقاب الشديد» في الواقع تجعل كل المعترفين بوجود الله بين «الخوف» و «الرجاء» الذي يعتبر من العوامل المهمّة لتربية الإنسان ، فلا ييأس من رحمة الله لكثرة الذنوب ، ولا يأمن من العذاب لقلّتها.

ولهذا جاء في الحديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنئ احد العيش ، ولولا وعيد الله وعقابه لاتّكل كلّ واحد»(1) .

ومن هنا يتّضح انّ الذين يقولون ـ أثناء ارتكابهم المعاصي ـ انّ الله كريم ، يكذبون في اتّكالهم على كرم الله ، فهم في الواقع يستهزءون بعقاب الله.

* * *

__________________

(1) مجمع البيان ، المجلد 5 و 6 ، ص 278 ـ تفسير القرطبي ، المجلّد السّادس ، ص 3514.

٣٤٢

الآية

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ(7) )

التّفسير

ذريعة اخرى!

بعد ما أشرنا في الآيات السّابقة الى مسألة «التوحيد» و «المعاد» ، تتطرّق هذه الآية الى واحدة من اعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ومن الواضح انّ احدى وظائف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اظهار معاجزه لكي يدلّ على صدقه وصلته بالوحي الالهي ، والذي يبحث عن الحقيقة له الحقّ في المطالبة بالمعجزة أثناء شكّه وتردّده في تصديق الدعوة ، او تتّضح له دلائل النبوّة عن طريق آخر.

ولكن يجب ان نلتفت الى هذه النقطة وهي : انّ اعداء الأنبياء لم يكن لديهم حسن نيّة او اتّباع للحقّ عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما

٣٤٣

يسمّى بـ «المعجزات الاخلاقية».

اقتراحهم للمعاجز لم يكن لكشف الحقيقة ، ولهذا لم يستجب الأنبياء لمطاليبهم ، وفي الحقيقة كانت هذه الفئة من الكفّار المعاندين يعتقدون انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي القدرة على انجاز اي عمل خارق للعادة ، وايّ واحد منهم يقترح عليه انجاز عمل ما سوف يلبّي مطاليبه.

ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي انّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.

ولذلك نقرا في تكملة الآية قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) .

* * *

بحثان

هنا يرد سؤالان :

1 ـ هل الآية «انّما أنت منذر ...» جواب للكفّار؟

كيف يمكن لجملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ان تكون جوابا للكفّار عند طلبهم المعجزة؟

الجواب : بالاضافة الى ما قلناه سابقا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست له القدرة الغيبية المطلقة كي يطلبوا منه الاعجاز ، لانّ الوظيفة الاولى له هي إنذار أولئك الذين يسيرون في طريق الضلال ، والدعوة الى الصراط المستقيم ، وإذا ما احتاجت هذه الدعوة الى المعجزة فسوف يأتي بها النّبي ، ولكن لا يأتي بها للمعاندين البعيدين عن هذه المسيرة.

فمعنى الآية : انّ الكفّار نسوا انّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة الى الله ، واعتقدوا انّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.

٣٤٤

2 ـ ما هو المقصود من جملة( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ؟

قال بعض المفسّرين : انّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول ، فأصل الجملة تكون (أنت منذر وهاد لكلّ قوم).

ولكن هذا التّفسير خلاف الظاهر ، لانّ الواو في جملة( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) تفصل بين جملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ولو كانت كلمة «هاد» قبل «لِكُلِّ قَوْمٍ » كان المعنى السّابق صحيحا. ولكن الأمر ليس كذلك.

والشيء الآخر هو انّ هدف الآية بيان انّ هناك قسمين من الدعوة الى الله : أحدهما ان يكون عمل الداعي هو الإنذار فقط. والآخر : ان يكون العمل هو الهداية.

وسوف تسألون حتما : ما هو وجه التفاوت بين (الإنذار) و (الهداية)؟ نقول في جواب هذا السؤال : انّ الإنذار للذين اضلّوا الطريق ودعوتهم تكون الى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والاستقامة للذين آمنوا.

وفي الحقيقة انّ المنذر مثل العلّة المحدثة ، امّا الهادي فبمنزلة العلّة الباقية وهذه هي التي تعبّر عنها بالرّسول والامام ، فالرّسول يقوم بتأسيس الشريعة والامام يقوم بحفظها وحراستها. (ليس من شكّ انّ الهداية في آيات اخرى مطلقة للرسول ، ولكن بقرينة المنذر في هذه الآية نفهم انّ المقصود من الهادي هو الشخص الحافظ والحامي للشريعة).

هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقا ، فقد قال الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انا المنذر وعلي الهادي».

ولا بأس ان نشير الى عدّة من هذه الرّوايات :

1 ـ في ذيل هذه الآية من تفسير الفخر الرازي مرفوعا عن ابن عبّاس قال : وضع رسول الله يده على صدره فقال : «انا المنذر» ثمّ اومأ الى منكب عليعليه‌السلام وقال : (أنت الهادي بك يهتدي المهتدون من بعدي) هذه الرّواية ذكرها العلّامة

٣٤٥

«ابن كثير» في تفسيره ، والعلّامة «ابن الصبّاغ المالكي» في الفصول المهمّة ، و «الكنجي» الشافعي في كفاية الطالب و «الطبري» في تفسيره ، و «ابو حيّان الاندلسي» في تفسيره البحر المحيط ، وكذلك «العلّامة النيسابوري» في تفسيره الكشّاف ، وعدد آخر من المفسّرين.

2 ـ نقل «الحمويني» وهو من علماء اهل السنّة المعروفين في كتابه فرائد السمطين عن ابو هريرة قال «ان المراد بالهادي عليعليه‌السلام ».

3 ـ «مير غياث الدين» مؤلّف كتاب (حبيب السيّد) كتب يقول في المجلّد الثّاني صفحة 12 : «قد ثبت بطرق متعدّدة انّه لمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) قال لعلي : «انا المنذر وأنت الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي».

كما نقل هذا الحديث «الآلوسي» في (روح المعاني) و «الشبلنجي» في (نور الأبصار) والشيخ «سليمان القندوزي» في (ينابيع المودّة).

وبما انّ اكثر هذه الرّوايات مسنده الى ابن عبّاس فإنّه لم يكن الشخص الوحيد الذي روى ذلك ، فأبو هريرة نقل ذلك فيما ذكره الحمويني ، وحتّى علي نفسه ـ طبقا لما نقله الثعلبي ـ قد قال : «المنذر النّبي والهادي رجل من بني هاشم» يعني نفسه(1) .

لا شكّ انّ هذه الأحاديث لا تصرّح بالخلافة ، ولكن بالنظر الى ما تحتويه هذه الكلمة (الهداية) من المعنى الواسع ، فإنّها غير منحصرة بعليعليه‌السلام بل تشمل جميع العلماء واصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يقومون بنفس المهمّة ، فإنّه يتّضح لنا تخصيص علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الرّوايات بهذا العنوان يدلّ على انّه المصداق البارز له ، وذلك لما يمتاز به من الخصوصيات ، وهذا المطلب لا يكون منفصلا عن خلافة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

* * *

__________________

(1) للمزيد من الاطلاع راجع كتاب احقاق الحقّ ، المجلّد الثّالث ، ص 87 وما بعدها.

٣٤٦

الآيات

( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) )

التّفسير

علم الله المطلق :

نقرا في هذه الآيات قسما من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكلّ شيء ، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات التوحيد ، وهو العلم الذي يكون أساسا للمعاد والعدالة الالهيّة يوم القيامة وهذه الآيات استندت الى هذين القسمين : (العلم بنظام التكوين ، والعلم بأعمال العباد).

تقول الآية اوّلا :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) في رحمها ، سواء من أنثى الإنسان او الحيوان( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ) اي تنقص قبل موعدها المقرّر( وَما

٣٤٧

تَزْدادُ ) (1) اي يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.

في تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين :

يعتقد البعض ـ انّها تشير ـ كما ذكرنا آنفا ـ الى وقت الولادة ، وهي على ثلاثة انواع : فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده ، واخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك ويعلم لحظة الولادة بالتحديد ، وهذه من الأمور التي لا يستطيع اي احد او جهاز ان يحدّد موعده ، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة ، وسببه واضح لانّ استعدادات الأرحام والاجنّة مختلفة ، ولا احد يعلم بهذا التفاوت.

وقال بعض آخر : انّها تشير الى ثلاث حالات مختلفة للرحم ايّام الحمل ، فالجملة الاولى تشير الى نفس الجنين الذي تحفظه ، والجملة الثانية تشير الى دم الحيض الذي ينصبفي الرحم ويمصّه الجنين ، والجملة الثالثة اشارة الى الدم الاضافي الذي يخرج أثناء الحمل أحيانا ، او دم النفاس أثناء الولادة(2) .

وهناك عدّة احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية دون ان تكون متناقضة فيما بينها ، ويمكن ان يكون مراد الآية اشارة الى مجموع هذه التفاسير ، ولكن الظاهر انّ التّفسير الاوّل اقرب ، بدليل جملة (تحمل) المقصود منها الجنين والجمل (تغيض) و (تزداد) بقرينة الجملة السابقة تشير الى الزيادة والنقصان في فترات الحمل.

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام او الامام الباقرعليه‌السلام

__________________

(1) «تغيض» أصلها الغيض بمعنى ابتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد ، و «الغيضة» المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، و «ليلة غائضة» اي مظلمة.

(2) يقول صاحب الميزان مؤيّدا هذا الراي : إنّ بعض روايات ائمّة اهل البيت يؤيّد هذا الراي. وابن عبّاس ممّن يؤيّد هذا الراي ايضا ، ولكن بالنظر الى الرّوايات المنقولة في تفسير نور الثقلين في ذيل الآية فإنّ أكثرها يؤيّد ما قلناه في الراي الاوّل.

٣٤٨

في تفسير الآية انّ «الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كلّ شيء حمل على تسعة أشهر». وفي تكملة الحديث يقول : «كلّما رأت المراة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد وبعدد الايّام التي زاد فيها في حملها من الدم»(1) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) ولكي لا يتصوّر احد انّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل ، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب ، كما انّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب ايضا. فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول :( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب( الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ ) فهو يحيط بكلّ شيء ، ولا يخفى عنه شيء.

ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم :( سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ) (2) وهذا هو الحقّ فالذي يوجد في كلّ مكان لا معنى للغيب والشهادة او الليل والنهار عنده ، فهو محيط بها وعالم بأخبارها بشكل متساو.

* * *

بحوث

1 ـ القرآن وعلم الاجنّة

أشار القرآن المجيد مرارا الى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون احد الادلّة على التوحيد ومعرفة الله وعلمه المطلق ، وبالطبع فإنّ علم الاجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقا عبارة عن معلومات اوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشف عن

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 2 ، صفحة 485.

(2) «سارب» من سرب على وزن ضرر ، بمعنى الماء الجاري ، ويقال للشخص الذاهب الى عمل ايضا.

٣٤٩

كثير من اسرار هذا العالم الساكن والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع ان نقول : انّ اكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامن في تكوين الجنين ومراحل تكامله.

فمن هذا الذي يرعى هذا الكائن المخفي وبتعبير القرآن واقع «في ظلمات ثلاث» الذي يمتاز بالظرافة ودقّة التكوين وان يوصل له المقدار اللازم من الغذاء ويرشده مراحل حياته؟

وعند ما تقول الآية السابقة :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) فليس المقصود من علمه بالذكر والأنثى فقط ، بل بكلّ خصائصه والطاقة الكامنة فيه ، هذه الأشياء لا يستطيع احد وبأي وسيلة ان يتعرّف عليها ، وعلى هذا فإنّ وجود هذا النظام الدقيق والمعقّد للجنين ومراحل تكامله لا يمكن ان يكون بدون صانع عالم وقدير.

2 ـ كلّ شيء له مقدار

نحن نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ كلّ شيء له حدّ محدود ولا يتجاوزه ، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وفي الآية 21 سورة الحجر يقول تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) والآية التي نحن بصددها( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .

كلّ هذه تشير الى انّه ليس هناك شيء في العالم بدون حساب ، حتّى الموجودات في الطبيعة التي نعتبرها في بعض الأحيان غير مهمّة ، فإنّ وجودها على أساس حساب دقيق ، علمنا بذلك ام لم نعلم ، وأساسا فإنّ معنى حكمة الله هو ان يجعل لكلّ ما في الكون حدّا ومقدارا ونظاما.

وكلّ ما حصلناه اليوم من اسرار الكون بواسطة العلوم يؤكّد هذه الحقيقة ، فمثلا نرى انّ دم الإنسان ـ الذي هو المادّة الحياتية لوجود الإنسان والذي يقوم

٣٥٠

بنقل المواد الضروريّة اللازمة لخلايا الجسم ـ يتركّب من عشرين مادّة او اكثر ، وبنسب ثابتة دقيقة بحيث لو تمّ اي تغيير فيها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر ، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل في الجسم يقومون بتحليل الدم وقياس نسبة السكر والدهن وسائر مركّبات الدم الاخرى ، ويتمّ تشخيص العلّة بواسطة معرفة زيادة او نقصان هذه النسب ، وليس دم الإنسان وحده له هذه الميزة ، بل كلّ ما في الوجود له نفس هذه الدقّة في النظام.

ولا بدّ هنا من التنبيه على انّ ما يظهر لنا في بعض الأحيان من عدم النظام في عالم الوجود هو في الواقع ناتج من قصور في علومنا ومعرفتنا ، فالإنسان الذي يؤمن بالله لا يمكن ان يتصوّر ذلك ، وبتطوّر العلوم تتأكّد لنا هذه الحقيقة.

وكي نستطيع ان نتعلّم هذا الدرس وهو انّ المجتمع الانساني الذي هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العيش بسلام ، فعليه ان يجعل شعار( كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) يسود جميع جوانبه ، ويجتنب الإفراط والتفريط في اعماله وتخضع جميع مؤسساته الاجتماعية للحساب والموازين.

3 ـ الغيب والشهادة سواء عند الله

استندت هذه الآيات الى انّ الغيب والشهادة معلومان عند الله ، فهما مفهومان نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود ، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواسا ذات مدى نسبي ، فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا ، وما كان خارجا عنه فهو غيب ، فلو فرضنا انّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن الأشياء وإدراكها ، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا.

وبما انّ كلّ شيء له حدّ محدود غير الذات الالهيّة ، فإنّ لغير الله تعالى غيب وشهادة ، ولانّ ذات الله غير محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ كلّ شيء بالنسبة

٣٥١

اليه شهادة ، ولا معنى للغيب بالنسبة اليه ، وإذا ما قلنا ـ انّ الله عالم الغيب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غيب وشهادة ، امّا هو فهما عنده سواء. لنفترض انّنا ننظر ما في أيدينا في النهار ، فهل نجهل ما فيها؟! جميع الكون في مقابل علم الله أوضح من هذا واظهر.

4 ـ الآثار التربوية في إدراكنا لعلم الله

أثناء قراءتنا للآيات الماضية التي تقول : انّ الله يعلم السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده ، هل نجد في أنفسنا ايمانا بهذه الحقيقة؟ لو كنّا مؤمنين بذلك حقّا ونشعر بأنّ الله تعالى مطّلع علينا فإنّ هذا الايمان والاحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟.

نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام في جوابه لمن سأله عن طريقتهم في الحياة قال : «علمت انّ الله مطلع عليّ فاستحييت».

كما نشاهد كثيرا من المواقف من تأريخ المسلمين وحياتهم تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، يقال : دخل أب وابنه في بستان ، فتسلّق الأب شجرة ليقطف ثمارها دون اذن صاحبها ، بينما بقي الابن أسفل الشجرة لمراقبة الأوضاع. وفجأة صاح الابن الذي كان مؤمنا ومتعلّما ونادى أباه بأن ينزل بسرعة ، عندها خاف الأب ونزل فورا وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، فقال الابن : كان قصدي هو الله المحيط بنا جميعا ، كيف يمكن ان تخاف ان يراك الإنسان ، ولا تخاف ان يراك الله؟! اين الايمان؟!

* * *

٣٥٢

الآية

( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) )

التّفسير

المعقّبات الغيبية!

علمنا في الآيات السابقة انّ الله بما انّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية انّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (1) .

ولكي لا يتصوّر احد انّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمس في المزلّات ، او يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كلّ ذلك ينتظر من الله او الملائكة ان يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما

__________________

(1) هناك حديث بين المفسرين في ان الضمير (له) لمن يعود ، وكما تشير الآية فإنه يعود للإنسان كما تؤكد عليه الآيات السابقة ، ولكن بعضهم قال : يعود للنبي او لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل الآية [فتأمل].

٣٥٣

بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وكي لا يتبادر الى الأذهان انّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب او الجزاء؟ هنا تضيف الآية( وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ولهذا السبب فإنّه حين صدور العذاب الالهي على قوم او امّة ، فسوف ينتهي دور المعقّبات ويتركون الإنسان عرضة للحوادث

* * *

بحوث

1 ـ ما هي المعقّبات؟

«المعقّبات» كما جاء في مجمع البيان للعلّامة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة) وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية انّ الله سبحانه وتعالى امر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار ومن بين يديه ومن خلفه.

انّ الإنسان ـ بدون شك ـ معرّض في حياته الى كثير من الحوادث الروحية والجسمية ، فالامراض والمتغيّرات في السّماء والأرض محيطة بالإنسان ، وخصوصا في مرحلة الطفولة التي لا يدرك فيها ما يجري حوله ويكون هدفا سهلا للإصابة بها ، فقد يتعجّب الإنسان كيف ينجو الطفل وينمو من بين جميع هذه الحوادث ، وخصوصا في العوائل التي لا تدرك هذه المسائل وتعاني من قلّة الامكانيات كأبناء الريف الذين يعانون من الحرمان والفقر وهم معرضون للامراض اكثر من غيرهم.

وإذا ما امعنّا النظر في هذه المسائل فسوف نجد انّ هناك قوى محافظة ، تحفظ الإنسان في مقابل هذه الحوادث كالدرع الواقي.

وكثيرا ما يتعرّض الإنسان الى حوادث خطرة ويتخلّص منها بشكل

٣٥٤

اعجازي تجعله يشعر انّ كلّ ذلك ليس صدفة وانّما هناك قوى محافظة تحميه.

وهناك كثير من الأحاديث المنقولة عن ائمّة المسلمين تؤكّد ذلك ومن جملتها : الحديث المروي عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية يقول : «يحفظ بأمر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه الى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان من نهار يتعاقبانه».

وفي حديث آخر عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «ما من عبد الّا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه وبين امر الله».

ونقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنينعليه‌السلام «انّ مع كلّ انسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه».

كما نقرا في نهج البلاغة في وصف الملائكة من الخطبة الاولى «ومنهم الحفظة لعباده».

انّ عدم إدراكنا لوجود المعقّبات عن طريق الحسّ او التجربة العلمية ليس دليلا على عدم وجودهم ، لانّه غير منحصر في هذا المجال فقط ، فالقرآن الكريم والمصادر المعرفية الاخرى اشارت الى امور كثيرة وراء الحسّ والتي لا يمكن إثباتها بالطرق العادية. واكثر من ذلك ما قلنا سابقا من انّنا نتعرّض في حياتنا الى كثير من المخاطر والتي لا يمكن النجاة منها الّا بوجود هذه القوى المحافظة (ورأيت في حياتي بعض من هذه النماذج المحيّرة ، والتي كانت بالنسبة لي كشخص صعب التصديق دليلا على وجود هذا المعقّب اللامرئي).

2 ـ التغيير يبدأ من النفس (قانون عام)

تبيّن الجملة( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ) والتي جاءت في موردين متفاوتين في القرآن الكريم ، انّها قانون عام ، قانون حاسم ومنذر!

٣٥٥

هذا القانون الذي هو واحد من القوانين الاساسيّة لعلم الاجتماع في الإسلام ، يقول لنا : انّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم ، وما أصاب القوم من السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم ، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله المنجّمون ليس له أساس من الصحّة ، فالأساس والقاعدة هي ارادة الامّة إذا أرادت العزّة والافتخار والتقدّم ، او العكس ان أرادت هي الذلّة والهزيمة ، حتّى اللطف الالهي او العقاب لا يكون الّا بمقدّمة. فتلك ارادة الأمم في تغيير ما بأنفسهم حتّى يشملهم اللطف او العذاب الالهي.

وبتعبير آخر : انّ هذا الأصل القرآني الذي يبيّن واحدا من اهمّ المسائل الاجتماعية في الإسلام ، يؤكّد لنا ان اي تغيير خارجي للأمم مرتبط بالتغيير الداخلي لها ، واي نجاح او فشل يصيب الامّة ناشئ من هذا الأمر ، والذين يبحثون عن العوامل الخارجية لتبرير اعمالهم وتصرّفاتهم ويعتبرون القوى المستعمرة والمتسلّطة هي السبب في شقائهم يقعون في خطأ كبير ، لانّ هذه القوى الجهنميّة لا تستطيع ان تفعل شيئا إذا لم تكن لديها قدرة ومركز في داخل المجتمع.

المهمّ ان نطهّر مجتمعاتنا من هذه المقرّات والمراكز للمستعمرين ولا نجعلها تنفذ في داخل مجتمعنا ، فهؤلاء بمنزلة الشياطين ، ونحن نعلم انّ الشيطان ليس له سبيل على عباد الله المخلصين ، فهو يتسلّط على الذي مهّد له السبيل في داخله.

يقول هذا الأصل القرآني : انّنا يجب ان نثور من الداخل كي ننهي حالة الشقاء والحرمان ، ثورة فكرية وثقافية ، ثورة ايمانيّة وأخلاقية ، وأثناء وقوعنا في مخالب الشقاء يجب ان نبحث فورا عن نقاط الضعف فينا ، ونطهّر أنفسنا منها بالتوبة والرجوع الى الله ونبدأ حياة جديدة مفعمة بالنّور والحركة ، كي نستطيع في ظلّها ان نبدّل الهزيمة الى نصر ، لا ان نخفي نقاط الضعف وعوامل الهزيمة هذه ونبحث عنها في خارج المجتمع ونظلّ ندور في الطرق الملتوية.

٣٥٦

هناك كتب ومؤلّفات كثيرة كتبت عن عوامل انتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين ، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية ، ولكن إذا ما أردنا ان نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب ان نبحث عن ذاك النصر او تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والاخلاقية في المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الاسلامية في ايران ، او ثورة الجزائر او ثورة المسلمين الافغان ، نشاهد بوضوح انطباق هذا الأصل القرآني عليها. فقبل ان تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة طريقتها في التعامل معنا ، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء.

وعلى ايّة حال فهذا درس ليومنا ولغدنا ولمستقبلنا ولكلّ المسلمين والأجيال القادمة. ونحن نرى انّ القيادات المنتصرة فقط هي التي استطاعت ان تقود وتغيّر شعوبها على أساس هذا الأصل الخالد ، وفي تاريخ المسلمين والإسلام شواهد على ذلك كثيرة.

* * *

٣٥٧

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) )

التّفسير

قسم آخر من دلائل عظمة الله :

يتطرّق القرآن الكريم مرّة ثانية الى آيات التوحيد وعلائم العظمة واسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول ان تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الاشارة الى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الايمان في

٣٥٨

قلوب الناس ، فتشير اوّلا الى البرق( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ، ويحدث صوتا مخيفا وهو الرعد من جانب آخر ، وقد يسبّب أحيانا الحرائق للناس وخصوصا في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ، وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) القادرة على ارواء ظمأ الاراضي الزراعية.

بركات الرعد والبرق :

نحن نعلم انّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الاخرى ، وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ، فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ، ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا ، ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الالكترونات فانّهما تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرعد.

وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ، وخطورتها تكمن في انّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر راس السلك السالب ، حتّى الإنسان في الصحراء يمكن ان يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان الى رماد في لحظة واحدة ، ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب ان يلجأ الإنسان الى شجرة او حائط او الى الجبال او الى اي مرتفع آخر ، او ان يستلقي في ارض منخفضة.

وعلى ايّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ

٣٥٩

فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا الى ثلاثة منها :

1 ـ السقي : ـ من الطبيعي انّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان الى (15) الف درجة مئوية ، وهذه الحرارة كافية لان تحرق الهواء المحيط بها ، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).

2 ـ التعقيم : ـ ونتيجة للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الاوكسجين في قطرات الماء ، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل او الماء المؤكسد (2 O 2 H ) ومن آثاره قتل المكروبات ، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ، فعند نزول هذه القطرات الى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ، ولهذا السبب يقال انّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.

3 ـ التغذية والتسميد : ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ، وعند نزولها الى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعا من السّماد النباتي ، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.

يقول بعض العلماء : انّ مقدار ما ينتجه البرق من الاسمدة في السنة يصل الى عشرات الملايين من الاطنان ، وهذه كميّة كبيرة جدّا.

وعلى ايّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ، فيمكن ان تكون دليلا واضحا لمعرفة الله ، كلّ ذلك من بركات البرق. كما انّه يمكن ان يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ، وقد تحرق الإنسان او الأشجار ، ومع انّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ، فهي مع ذلك عامل خوف للناس ، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون اشارة الى جميع هذه الأمور.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

يَشاءُ وَيَقْدِرُ ) .

ونقرأ في آية قادمة في هذا السورة :( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ) (١) .

وواضح أن (الرزق) هنا يشمل الرزق المعنوي والمادي ، والجسماني والروحاني فعند ما يكون هو مصدر اللطف والرزق ، فلما ذا تتوجهون نحو الأصنام التي لا ترزق ولا تتلطف ، لا تحل مشاكلكم.

وتقول الآية في نهايتها :( وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) .

وعند ما يعد الله تعالى عباده بالرزق واللطف فهو قادر على إنجاز هذا الأمر ، ولهذا السبب لا يوجد أي تخلف في وعوده أبدا.

ومن الضروري الانتباه إلى هذه الملاحظة وهي أن (لطيف) لها معنيان : الأوّل : أنّه صاحب اللطف والمحبة والرحمة. والثّاني : علمه بجميع الأمور الصغيرة والخافية ، وبما أن رزق العباد يحتاج إلى الإحاطة والعلم بالجميع وفي أي مكان كانوا ، سواء في السماء أو في الأرض ، لذا فإن الآية تشير في البداية إلى لطفه ثمّ إلى رزقه ، كما أن القرآن يضيف في الآية (٦) من سورة هود وبعد أن يذكر :( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها ) قوله :( وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ) .

وطبعا لا يوجد أي تناقض بين هذين المعنيين ، بل يكمل أحدهما الآخر ، فاللطيف هو الشخص الذي يكون كاملا من حيث المعرفة والعلم ، ومن حيث اللطف والمحبّة لعباده ، وبما أن الخالق يعلم باحتياجات عباده بشكل جيد فانه يسدد احتياجاتهم بأفضل وجه ، لذا فهو الاجدر بهذا الاسم.

على أية حال ، فإنّ الآية أعلاه أشارت إلى أربعة صفات من أوصاف الخالق : اللطف ، والرزق ، والقوّة ، والعزّة ، وهي أفضل دليل على مقام (ربوبيته) ، لأن (الرب) يجب أن تتوفر فيه هذه الصفات.

__________________

(١) الآية ٢٧ ـ نفس هذه السورة.

٥٠١

الآية التي بعدها شبّهت أفراد العالم حيال رزق الخالق وكيفية الاستفادة منه بالمزارعين الذين يقوم قسم منهم بالزراعة للآخرة والقسم الآخر للدنيا ، وتحدد عاقبة كلّ قسم منهم وفق تشبيه لطيف حيث تقول :( مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) (١) .

إنه لتشبيه لطيف وكناية جميلة ، فجميع الناس مزارعون ، وهذه الدنيا مزرعة لنا ، أعمالنا هي البذور ، والإمكانات الإلهية هي المطر لهذه المزرعة ، إلّا أن هذه البذور تختلف كثيرا ، فبعضها غير محدودة النتاج وأبدية ، أشجارها دائمة الخضرة ومثمرة وبعضها الآخر قليل النفع جدا ، وتنتهي بسرعة ، وتحمل ثمارا مرّة.

وفي الحقيقة ، فإن عبارة (يريد) تشير إلى اختلاف الناس في النيات ، ومجموع هذه الآية يعتبر توضيحا لما جاء في الآية السابقة من المواهب والرزق الإلهي ، فالبعض يستفيد من هذه المواهب على شكل بذور للآخرة ، والبعض الآخر يستعملها للتمتع الدنيوي.

والطريف في الأمر أن الآية تقول بخصوص الذين يزرعون للآخرة :( نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) إلّا أنّها لا تقول أنّه لا يصيبهم شيء من متاع الدنيا ، وبالنسبة لمن يزرع للدنيا تقول :( نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) .

وعلى هذا الأساس فلا طلّاب الدنيا يصلون إلى ما يريدون ، ولا طلّاب الآخرة يحرمون من الدنيا ، ولكن مع الفارق ، وهو أن المجموعة الأولى تذهب إلى الآخرة بأيد فارغة ، والمجموعة الثانية بأيد مملوءة.

وقد جاء ما يشبه نفس هذا المعنى في الآية ١٨ و ١٩ من سورة الإسراء ، ولكن بشكل آخر :( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا

__________________

(١) مصطلح (حرث) كما يقول الراغب في مفرداته : تعني في الأصل : رمي البذر في الأرض وتهيئتها للزراعة ، وفي القرآن الكريم استخدمت عدة مرات بهذا المعنى ، ولكن لا يعلم سبب اعتبار بعض المفسرين أنها تعني (العمل والكسب).

٥٠٢

لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ) .

عبارة( نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) تتلاءم مع ما ورد في آيات قرآنية اخرى ، مثل :( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (١) و( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢) .

على أية حال ، فالآية أعلاه صورة ناطقة تعكس التفكير الإسلامي بالنسبة الى الحياة الدنيا ، الدنيا المطلوبة لذاتها ، والدنيا التي تعتبر مقدمة للعالم الآخر ومطلوبة لغيرها ، فالإسلام ينظر إلى الدنيا على أنّها مزرعة يقتطف ثمارها يوم القيامة.

والعبارات الواردة في الروايات أو في آيات قرآنية اخرى تؤّكد هذا المعنى.

فمثلا تشبّه الآية (٢١٦) من سورة البقرة المنفقين بالبذر الذي له سبعة سنابل ، وفي كلّ سنبلة مائة حبة ، وأحيانا أكثر. وهذا نموذج لمن يبذر البذور للآخرة.

ونقرأ في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . «وهل يكب الناس على مناخرهم في النّار إلّا حصائد ألسنتهم»(٣) .

وجاء في حديث آخر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : «إن المال والبنين حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام»(٤) .

ويمكن أن نستفيد هذه الملاحظة من الآية أعلاه ، وهي أن الدنيا والآخرة تحتاجان إلى السعي ، ولا يمكن نيلهما دون تعب وأذى ، كما أن البذر والثمر لا يخلوان من التعب والأذى ، لذا فالأفضل للإنسان أن يزرع شجرة ويبذل جهده في تربيتها ، ليكون ثمرها حلو المذاق ودائميا وأبديا ، وليست شجرة تموت بسرعة وتفنى.

__________________

(١) الأنعام ، الآية ١٦٠.

(٢) فاطر ، الآية ٣٠.

(٣) المحجة البيضاء ، المجلد الخامس ، ص ١٩٣ (كتاب آفات اللسان).

(٤) الكافي ، وفقا لنقل نور الثقلين ، المجلد الرابع ، ص ٥٦٩.

٥٠٣

وننهي هذا الكلام بحديث عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول : «من كانت نيّته الدنيا فرق الله عليه أمره ، وجعل الفقر بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلّا ما كتب له ، ومن كانت نيّته الآخرة جمع الله شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة»(١) .

وما هو مشهور بين العلماء أن (الدنيا مزرعة الآخرة) فهو في الحقيقة اقتباس من مجموع ما ذكرناه أعلاه.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، نهاية الآيات التي نبحثها.

٥٠٤

الآيات

( أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) )

سبب النّزول

لقد ورد في تفسير مجمع البيان سبب نزول للآيات ٢٣ وحتى ٢٦ من هذه السورة أنّه ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنّ رسول الله حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها : نأتي رسول الله فنقول له إن تعروك أمور فهذه أموالنا

٥٠٥

تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك فنزلت :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فقرأها عليهم وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله فقال المنافقون : إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك أن يذللنا لقرابته من بعده ، فنزلت :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتد عليهم فانزل الله :( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ) الآية ، فأرسل في أثرهم فبشرهم وقال : (ويستجيب الذين ، آمنوا وهم الذين سلّموا لقوله تعالى)(١) .

التّفسير

أجر الرسالة في مودة أهل البيتعليهم‌السلام

بما أنّ الآية ١٣ من هذه السورة كانت تتحدث عن تشريع الدين من قبل الخالق بواسطة الأنبياء أولي العزم ، لذا فإن أوّل آية في هذا البحث ـ كاستمرار للموضوع ـ تقول في مجال نفي تشريع الآخرين ، وأن جميع القوانين ليست معتبرة قبال القانون الإلهي ، وأن التقنين يختص بالخالق :( أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ ) .

فهو خالق ومالك ومدبر عالم الوجود ، ولهذا السبب تنفرد ذاته المنزهة بحق التقنين ، ولا يستطيع شخص أن يتدخل في تشريعاته دون إذن ، لذا فكل شيء باطل قبال تشريعه.

وبعد ذلك يقوم القرآن بتهديد المشرعين بالباطل ، حيث تقول الآية :( وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) حيث يصدر الأمر بعذابهم.

وفي نفس الوقت يجب عليهم أن لا ينسوا هذه الحقيقة وهي :( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٩.

٥٠٦

المقصود من (كلمة الفصل) هي المدّة المقررة المعطاة من قبل الخالق لمثل هؤلاء الأفراد ، كي تكون لهم حرية العمل وتتم الحجة عليهم.

كما أن عبارة (ظالمين) تتحدث عن المشركين الذين لهم عقائد منحرفة قبال القوانين الإلهية وذلك بسبب اتساع مفهوم الظلم ، وإطلاقه على أي عمل ليس في مورده.

ويظهر أن المقصود من (العذاب الأليم) هو عذاب يوم القيامة ، لأن هذه العبارة عادة ما تستخدم بهذا المعنى في القرآن الكريم ، والآية التي بعدها تشهد على هذه الحقيقة ، وما قاله بعض المفسّرين (كالقرطبي) من أن ذلك يشمل عذاب الدنيا والآخرة مستبعد.

ثم تذكر الآية بيانا مجملا حول (عذاب الظالمين) ثمّ بيانا مفصلا عن (جزاء المؤمنين) ، فتقول :( تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ ) .( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ ) .

«روضات» جمع (روضة) وتعني المكان الذي يشتمل على الماء والشجر الكثير ، لذا فإن كلمة (روضة) تطلق على البساتين الخضراء ، ونستفيد من هذه العبارة بشكل واضح أن بساتين الجنّة متفاوتة ، والمؤمنون من ذوي الأعمال الصالحة في أفضل بساتين الجنّة ، ومفهوم هذا الكلام أنّ المؤمنين المذنبين سيدخلون الجنّة بعد أن يشملهم العفو الإلهي بالرغم من أن مكانهم ليس في (الروضات).

إلّا أن الفضل الإلهي بخصوص المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة لا ينتهي هنا ، فسوف يشملهم اللطف الإلهي بحيث :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

ولهذا الترتيب لا يوجد أي قياس بين (العمل) و (الجزاء) ، بل إن جزاءهم غير محدود من جميع الجهات ، لأن جملة :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ ) تكشف عن هذه الحقيقة.

والأجمل من ذلك عبارة( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) حيث توضح اللطف الإلهي

٥٠٧

اللامتناهي بشأنّهم ، وهل هناك فوز أكبر من أن يصلوا إلى قرب مقام الخالق؟ فكما يقول بخصوص الشهداء :( بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ، كذلك يقول بشأن المؤمنين ذوي الأعمال الصالحة :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

وليس غريبا أن تقول الآية في نهايتها :( ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) .

وقد قلنا ـ مرارا ـ أنّه لا يمكن شرح نعم الجنّة من خلال الكلام ، فنحن المكبلون بقيود عالم المادة ، لا نستطيع أن ندرك المفاهيم التي تتضمّنها جملة :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) . فما ذا يريد المؤمنون؟ وما هي الألطاف الموجودة في جوار قربه تعالى؟!

وعادة عند ما يقوم الخالق العظيم بوصف شيء ما بالفضل الكبير ، فإنّ ذلك يكشف عن مقدار العظمة بحيث يكون أعظم من كلّ ما نفكر به.

وبعبارة اخرى : سوف يصل الأمر بهؤلاء العباد الخلّص أنّه سيتوفر لهم كلّ ما يريدونه ، يعني سيظهر في وجودهم شعاع من قدرة الخالق الأزلية ، أي( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) ، فهل هناك فضيلة موهبة أعظم من هذه؟

ولبيان عظمة هذا الجزاء تقول الآية التي بعدها :( ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) .

يبشرهم حتى لا تصعب عندهم آلام الطاعة والعبودية ومجاهدة هوى النفس والجهاد حيال أعداء الله ، ويقوم هذا الجزاء العظيم بترغيبهم ويعطيهم القدرة والطاقة الكبيرة لسلوك طرق الحياة المليئة بالصعوبات والمشاكل للوصول إلى رضا الخالق.

وقد يتوهم أن نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد جزاء وأجرا على إبلاغ هذه الرسالة ، لذا فإنّ القرآن يأمر الرّسول بعد هذا الكلام ليقول :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) أي حبّ اهل بيتي.

__________________

(١) سورة يس ، الآية ٨٢.

٥٠٨

ومودة ذوي القربى ومحبتهم ـ كما سيأتي بيانها بشكل مفصل ـ ترتبط بقضية الولاية وقبول قيادة الأئمة المعصومينعليهم‌السلام من آل الرّسول حيث تعتبر في الحقيقة استمرارا لقيادة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستمرارا للولاية الإلهية ، وجليّ أن قبول هذه الولاية والقيادة كقبول نبوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستكون سببا لسعادة البشرية نفسها وستعود نتائجها إليها.

* * *

توضيح

هناك بحوث متعددة وتفاسير مختلفة للمفسّرين في تفسير هذه الجملة ، بحيث إذا ما نظرنا إليها بدون أي موقف مسبق نشاهد أنّها ابتعدت عن المفهوم الأصلي للآية بسبب الدوافع المختلفة ، وذكروا احتمالات لا تتلاءم مع محتوى الآية ، ولا مع سبب نزولها ، ولا مع سائر القرائن التأريخية والروائية.

وبشكل عام هناك أربعة تفاسير معروفة للآية :

١ ـ هو ما قلناه أعلاه ، حيث أن المقصود من ذوي القربى هم أقرباء الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحبّهم يعتبر وسيلة لقبول إمامة وقيادة الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام من نسل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودعما لتطبيق الرسالة.

وقد اختار هذا المعنى جمع من المفسّرين الأوائل ، وجميع المفسّرين الشيعة ، ووردت روايات كثيرة من طرق الشيعة والسنّة في هذا المجال سنشير إليها لاحقا.

٢ ـ المقصود هو أن جزاء الرسالة وأجرها هو حب أمور معينة تقربكم من الله.

هذا التّفسير الذي ذكره بعض مفسّري أهل السنة لا يتلاءم مع ظاهر الآية أبدا ، لأن معنى الآية سيصبح هكذا : إنني أريد منكم أن تحبوا طاعة الخالق ، وتودونه في قلوبكم ، في حين أنّه يجب أن يقال : إنني أريد منكم أن تطيعوا

٥٠٩

الخالق ، (وليس مودة الطاعة الإلهية).

إضافة إلى ذلك فإنّه لا يوجد أحد بين المخاطبين في الآية لا يرغب بالتقرب من الخالق ، وحتى المشركين كانوا يرغبون بذلك ، وكانوا يظنون أن عبادة الأصنام تعتبر وسيلة لهذا الأمر.

٣ ـ المقصود حبّ أقرباءكم بعنوان أجر الرسالة ، أي بصلة الرحم. وبملاحظة هذه التّفسير لا يوجد أي ترابط بين الرسالة وأجرها ، لأنّه ماذا يستفيد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حبّ الشخص أقرباءه؟ وكيف يمكن اعتبار هذا الأمر أجرا للرسالة؟!

٤ ـ المقصود أن أجري هو أن تحفظوا قرابتي منكم ، ولا تؤذونني ، لأني أرتبط برابطة القرابة مع أكثر قبائلكم (لأن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرتبط بقبائل قريش نسبيا ، وبالقبائل الأخرى سببيا (عن طرق الزواج) ، وعن طريق أمه بعض أهالي المدينة من قبيلة بني النجار ، وعن طريق مرضعته بقبيلة بني سعد).

هذه العبارة هي أسوأ تفسير مذكور للآية ، لأن طلب أجر الرسالة هو من الأشخاص الذين آمنوا بها ، ومع هؤلاء الأشخاص لا توجد حاجة إلى مثل هذا الكلام ، فأولئك كانوا يحترمون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه مرسل إلهي ، ولا توجد حاجة لاحترامه بسبب قرابته ، لأن الاحترام الناشئ بسبب قبول الرسالة فوق جميع هذه الأمور ، وفي الواقع يجب اعتبار هذا التّفسير من الأخطاء الكبيرة التي أصابت بعض المفسّرين ومسخت مفهوم الآية بشكل كامل.

ولكي نفسه حقيقة محتوى الآية بشكل أفضل ، علينا طلب العون من الآيات القرآنية الأخرى :

نقرأ في العديد من آيات القرآن المجيد :( ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ) (١) .

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠.

٥١٠

وهناك عبارات مختلفة تخصّ الرّسول ، فقد ورد في القرآن :( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ) (١) .

وفي مكان آخر نقرأ :( قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) .

وأخيرا :( قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (٢) .

وعند ما نضع هذه الآيات الثلاثة إلى جانب الآية التي نبحثها ، يسهل علينا الاستنتاج : ففي مكان تنفي الآية الأجر والجزاء بشكل كامل.

وفي مكان آخر تقول الآية : إنني أطلب الأجر من الأشخاص الذين يريدون سلوك الطريق إلى الخالق.

وبخصوص الآية الثّالثة فإنّها تقول : إنّ الأجر الذي أطلبه منكم إنّما هو لكم.

وأخيرا فإن الآية التي نبحثها تضيف : إن مودّة القربى هي أجر رسالتي ، يعني أن الأجر الذي طلبته منكم ويشمل هذه الخصوصيات : لا يعود نفعه إليّ أبدا ، بل ينفعكم بالكامل ، ويعبّد الطريق أمامكم للوصول إلى الخالق.

وعلى هذا الإساس ، فهل تعني الآية شيئا آخر سوى قضية استمرار خط رسالة النّبي الكريم بواسطة القادة الإلهيين وخلفاءه المعصومين الذين كانوا جميعهم من عائلته؟ لكن لأن المودة هي أساس هذا الارتباط نرى أن الآية أشارت بصراحة إلى ذلك.

والطريف في الأمر أن هناك خمسة عشر موردا في القرآن المجيد ـ غير الذي ذكرنا ـ ذكر فيه كلمة (القربى) حيث أن جميعها تعني الأقرباء ، ومع هذا الوضع لا نعلم لماذا يصر البعض بحصر معنى كلمة القربى في (التقرب إلى الله) ويتركون المعنى الواضح والظاهر المستخدم في جميع الآيات القرآنية؟.

__________________

(١) سبأ ، الآية ٤٧.

(٢) سورة ص ، الآية ٨٦.

٥١١

ومن الضروري الإشارة إلى هذه الملاحظة ، وهي أنّه ورد في آخر الآية :

( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) . وهل هناك حسنة أفضل من أن يكون الإنسان دائما تحت راية القادة الإلهيين ، يحبّهم بقلبه ، ويستمر على خطهم ، يطلب منهم التوضيح للقضايا المبهمة في كلام الخالق ، يعتبرهم القدوة والأسوة وسيرتهم وعملهم هو المعيار.

* * *

الروايات الواردة في تفسير هذه الآية

الدليل الآخر على التّفسير أعلاه هو الروايات المتعددة الواردة في مصادر أهل السنة والشيعة ، والمنقولة عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث توضح أن المقصود من (القربى) هم أهل البيت والمقربون وخاصة الرّسول ، وعلى سبيل المثال نذكر :

١ ـ ينقل (أحمد بن حنبل) في فضائل الصحابة بسنده عن سعيد بن جبير عن عامر : لما نزلت :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قالوا : يا رسول الله! ومن قرابتك؟ من هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : «علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام ، وقالها ثلاثا»(١) .

٢ ـ ورد في (مستدرك الصحيحين) أن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام قال : عند استشهاد أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام ، وقف الحسن بن عليعليه‌السلام يخطب في الناس ، وكان ممّا قال : إنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كلّ مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيّه :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت(٢) .

__________________

(١) إحقاق الحق ، المجلد الثّالث ، ص ٢ ، كما ذكر القرطبي : أيضا هذه الرواية في نهاية الآية التي نبحثها المجلد الثامن ، ص ٥٨٤٣.

(٢) مستدرك الصحيحين ، المجلد الثَّالث ، ص ١٧٢ ، وقد نقل محب الدين الطبري نفس هذا الحديث في الذخائر ص ١٣٧ ، كما ذكر ابن حجر ذلك أيضا في الصواعق المحرقة ، ص ١٠١.

٥١٢

٣ ـ ذكر (السيوطي) في (الدر المنثور) في نهاية الآية التي نبحثها عن مجاهد عن ابن عباس أنّه قال في تفسير آية :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي(١) .

ومن هنا يتّضح ضعف ما ينقل عن ابن عباس بطريق آخر من أن المقصود هو عدم إيذاء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسبب قرابته مع القبائل العربية المختلفة.

٤ ـ ينقل (ابن جرير الطبري) في تفسيره بسنده عن (سعيد بن جبير) وبسند آخر عن (عمر بن شعيب) أن المقصود من هذه الآية هم قربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

٥ – وينقل العلّامة الطبرسي عن (شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني ، الذي هو من المفسّرين والمحدثين المعروفين لأهل السنة ، عن (أبي أمامة الباهلي) أن رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وأنا وعلي من شجرة واحدة ، فأنا أصلها ، وعلي فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها ـ حتى قال ـ لو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ، ثمّ ألف عام ، ثمّ ألف عام ، حتى يصير كالشن البالي ، ثمّ لم يدرك محبتنا كبه الله على منخريه في النّار ، ثمّ تلا :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ».

والطريف في الأمر أن هذا الحديث اشتهر بدرجة بحيث أن الشاعر المعروف الكميت أشار إلى ذلك في أشعاره ، فقال :

وجدنا لكم في آل حاميم آية

تأوّلها منا تقيّ ومعرب(٣)

٦ – وينقل السيوطي أيضا في (الدر المنثور) عن ابن جرير عن أبي الديلم : عند ما تأسّر علي بن الحسينعليه‌السلام ، وأوقفوه في بوابة دمشق ، قال رجل من أهل الشام : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم.

__________________

(١) الدر المنثور ، نهاية الآية التي نبحثها ، المجلد السادس ، ص ٧.

(٢) تفسير الطبري ـ المجلد ٢٥ ـ ص ١٦ و ١٧.

(٣) مجمع البيان ، المجلد التاسع ، ص ٢٩.

٥١٣

قال علي بن الحسينعليه‌السلام : هل قرأت القرآن؟

قال : نعم قال : هل قرأت سور حم.

قال : لا.

قال : ألم تقرا هذه الآية :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .

قال : أأنتم الذين أشارت لهم هذه الآية؟

قال : بلى(١) .

٧ ـ نقل (الزمخشري) حديثا في «تفسير الكشاف» وقد اقتبسه أيضا الفخر الرازي والقرطبي في تفسيرهما ، حيث يوضح هذا الحديث مقام آل محمّد وأهمية حبّهم ، فيقول :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مات على حب آل محمّد مات شهيدا

ألا ومن مات على حب آل محمّد مات مغفورا له

ألا ومن مات على حب آل محمّد مات تائبا

ألا ومن مات على حب آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان

ألا ومن مات على حب آل محمّد بشره ملك الموت بالجنة ثمّ منكر ونكير

ألا ومن مات على حب آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة

ألا ومن مات على حب آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة

ألا ومن مات على حب آل محمّد مات على السنة والجماعة

ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافرا

__________________

(١) الدر المنثور ، المجلد السادس ، ص ٧.

٥١٤

ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة(١) .

والطريف في الأمر أن (الفخر الرازي) بعد ذكر هذا الحديث الشريف الذي أرسله «صاحب الكشاف» إرسال المسلمات ، يقول : «وأنا أقول : آل محمّد هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعليا الحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل ، وأيضا اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب وقيل هم أمته فإن حملناه على القرابة فهم الآل وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل ، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل ، وأما غيرهم فيدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه.

وروى فيه صاحب الكشاف أنّه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال علي وفاطمة وابناهما فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النّبي ، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه :

الأول : قوله تعالى :( إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ووجه الاستدلال به ما سبق.

الثّاني : لا شك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب فاطمة وقال (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها) وثبت بالنقل المتواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يحب عليا والحسن والحسين وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأمة مثله لقوله :( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ولقوله تعالى:( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) ولقوله :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ولقوله سبحانه :( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .

الثّالث : أن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد

__________________

(١) تفسير الكشاف ، المجلد الرابع ، ص ٢٢٠ و ٢٢١ ، تفسير الفخر الرازي ، المجلد ٢٧ ، ص ١٦٥ و ١٦٦ ، تفسير القرطبي ، المجلد الثامن ، ص ٥٨٤٣ ، تفسير الثعلبي ، نهاية الآية التي نبحثها عن جليل بن عبد الله البجلي (وفقا لنقل المراجعات رسالة رقم ١٩).

٥١٥

في الصلاة وهو قوله اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد وأرحم محمّدا وآل محمّدا. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن حبّ آل محمّد واجب.

وقال الشافعيرضي‌الله‌عنه :

يا راكبا قف بالمحصب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كما نظم الفرات الفائض

إن كان رفضا حب آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي(١)

نعم فهذا مقام آل محمّد الذين نتمسك بهم ونؤمن بهم كقادة لنا ، وسراج لديننا ودنيانا ، ونعتبرهم أسوة وقدوة لنا ، ونرى أن استمرار خط النبوة في إمامتهم.

وطبعا ، فإن هناك روايات كثيرة اخرى غير التي ذكرناها أعلاه ، في المصادر الإسلامية ، وقد اكتفينا بسبع روايات مراعاة للاختصار ، ولكن لا بأس من ذكر هذه الملاحظة ، وهي أنّه في بعض المصادر الكلامية كإحقاق الحق وشرحه المبسوط ، ورد الحديث المعروف أعلاه بشأن تفسير الآية :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) منقولا عن خمسين كتابا تقريبا من كتب أهل السنة ، حيث يبيّن هذا الأمر مدى انتشار هذه الرواية واشتهارها ، بغض النظر عن المصادر الكثيرة التي تنقل هذا الحديث عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام .

* * *

بحوث

١ ـ كلام مع المفسر المعروف (الآلوسي)

في هذا المجال يطرح سؤال ذكره الآلوسي في تفسير روح المعاني بشكل اعتراض على الشيعة ، ونحن نذكر ذلك على شكل سؤال ونقوم بمناقشته : يقول :

__________________

(١) تفسير فخر الرازي ٢٧ / ١٦٦.

٥١٦

«ومن الشيعة من أورد الآية في مقام الاستدلال على إمامة علي كرم الله تعالى وجهه قال : علي كرم الله تعالى وجهه ، واجب المحبة وكل واجب المحبة واجب الطاعة وكل واجب الطاعة صاحب الإمامة ، ينتج ، عليرضي‌الله‌عنه صاحب الإمامة وجعلوا الآية دليل الصغرى ، ولا يخفى ما في كلامهم هذا من البحث

أمّا أوّلا : فلأن الاستدلال بالآية على الصغرى لا يتمّ إلّا على القول بأن معناها لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوا قرابتي وتحبوا أهل بيتي وقد ذهب الجمهور إلى المعنى الأوّل وقيل في هذا المعنى : إنّه لا يناسب شأن النبوّة لما فيه من التهمة فإن أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئا ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم وأيضا فيه منافاة لقوله تعالى :( وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ )

وأمّا ثانيا : فلأنا لا نسلم أن كلّ واجب المحبة واجب الطاعة فقد ذكر ابن بابويه في كتاب الإعتقادات أن الإمامية اجمعوا على وجوب محبة العلوية مع أنّه لا يجب طاعة كلّ منهم.

وأمّا ثالثا : فلا لا نسلم إن كلّ واجب الطاعة صاحب الإمامة أي الزّعامة الكبرى وإلّا لكان كلّ نبي في زمنه صاحب ذلك ونص :( إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً ) يأبى ذلك

وأمّا رابعا : فلأن الآية تقتضي أن تكون الصغرى أهل البيت واجبو الطاعة ومتى كانت هذه صغرى قياسهم لا ينتج النتيجة التي ذكروها ولو سلمت جميع مقدماته ، بل ينتج أهل البيت صاحبوا الإمامة وهم لا يقولون بعمومه ...»(١) .

* * *

تحليل ومناقشة :

يمكن توضيح جواب العديد من هذه الإشكالات إذا راجعنا تصورنا لهذه

__________________

(١) تفسير روح المعاني ج ٢٥ ، ص ٣٢ ـ ٣٣.

٥١٧

الآية ـ التي نبحثها ـ وفقا للقرائن المتعددة القوية الموجودة في نفس هذه الآية ، وسائر الآيات القرآنية الأخرى :

قلنا : إن هذه المحبّة ليست أمرا عاديا ، بل هي جزاء للنبوّة وأجرا للرسالة ، ولا بد أن يكون الأجر والثمن مساويا للمثمن ، حتى يمكن اعتباره جزاء له.

من جانب ثان فإن الآيات القرآنية تؤّكد أنّ نفع هذه المحبة ليس شيئا يعود إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ان حاصل ذلك يعود إلى المؤمنين أنفسهم ، أو بعبارة اخرى يعتبر أمرا معنويا يؤثر في هداية المسلمين وتكاملهم.

وبهذا الترتيب فبالرغم من أنّه لا يستفاد من الآية سوى وجوب المحبة ، إلّا أن وجوب المحبة هذه ـ بمراعاة القرائن المذكورة ـ لها علاقة بقضية الإمامة التي تعتبر السند لمقام النبوة والرسالة.

ومع هذا التوضيح المختصر سنقوم ببحث الإشكالات أعلاه :

١ ـ يجب القول أنّ بعض الترسبات الذهنية واتخاذ المواقف المسبقة كانت سببا لعدم تفسير بعض المفسّرين للآية بمودة أهل البيت ، فمثلا فسّر بعضهم (القربى) لمعنى (التقرب من الخالق) في حين أنّها وردت بمعنى الأقرباء في جميع الآيات القرآنية التي تحتوي على هذه الكلمة.

أو أنّ البعض فسّر ذلك بمعنى قرابة النّبي مع سائر القبائل العربية ، في حين أن هذا التّفسير يخل بنظام الآية بشكل كامل ، فأجر الرسالة يطلب من الذين قبلوا تلك الرسالة ، فهل توجد حاجة للاهتمام بالقرابة وغض النظر عن الأذى لمن آمن برسالة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

إضافة إلى ذلك ، لماذا نترك الرّوايات المتعددة التي تفسّر الآية بولاية أهل بيت النّبيّ؟

لذا يجب الاعتراف بأنّ هذه المجموعة من المفسّرين لم يفسروا الآية بأذهان خالية من المواقف المسبقة ، وإلّا فإنه لا يوجد موضوع معقد ضمنها.

٥١٨

ومن هنا يتوضح أن طلب مثل هذا الأجر لا يتعارض ، لا مع منزلة النبوة ، ولا يشبه تقاليد اصحاب الدنيا ، ويتناسق بشكل كامل مع الآية (١٠٤) من سورة يوسف التي تنفي أي نوع من الأجر ، لأن أجر مودة أهل البيت في الحقيقة ـ لا يستفيد منه النّبي ، بل إن المسلمين هم الذين يستفيدون منه.

٢ ـ صحيح أن وجوب المحبة العادية لا تكون دليلا أبدا على وجوب الطاعة ، لكن عند ما تكون هذه المحبة بمستوى الرسالة ، عندها سنتيقن بأنّها تشمل وجوب الطاعة ، ومن هنا يتّضح أن قول ابن بابويه (الشيخ الصدوق) لا يتعارض مع ما قلناه.

٣ ـ صحيح أن أي طاعة واجبة لا يكون دليلا على منزلة الإمامة والزعامة الكبرى ، ولكن يجب الانتباه إلى أن وجوب الطاعة التي هي أجر للرسالة بما يناسب مقامها لا يمكن أن يكون شيئا سوى الإمامة.

٤ ـ الإمام ـ بمعنى القائد ـ لا يمكن أن يكون أكثر من واحد في أي عصر ، وبناء على ذلك فإنّه لا يوجد أي معنى إمامة أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام جميعهم ، إضافة لذلك يجب الاستفادة من دور الروايات في هذا المجال لفهم معنى الآية.

والملفت للنظر أن الآلوسي نفسه يهتم كثيرا بمودة أهل البيت ، ويقول في بضع سطور قبل هذا البحث :

«والحق وجوب محبة قرابته عليه الصلاة والسلام من حيث أنّهم قرابته وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودّة أشدّ وآثار تلك المودة التعظيم والاحترام والقيام بأداء الحقوق أتمّ قيام وقد تهاون كثير من الناس بذلك حتى عدوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك. وأنا أقول قول الشافعي الشافي :

يا راكبا قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كملتطم الفرات الفائض

٥١٩

إن كان رفضا حب آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي

ومع هذا لا أعتقد الخروج عما يعتقده أكابر أهل السنة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم دينا ، وأرى حبّهم فرضا علي مبينا ، فقد أوجبه الشارع وقامت على ذلك البراهين السواطع»(١) .

٢ ـ سفينة النجاة

ذكر الفخر الرازي في نهاية هذا البحث ملاحظة ، كما ذكرها الآلوسي أيضا في روح المعاني بعنوان (ملاحظة لطيفة) وذلك نقلا عن الفخر الرازي ، حيث يعتقد أن بعض التناقضات ستزول من خلال هذه الملاحظة هي : إن الرّسول الأكرم قال من جانب : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجى» ومن جانب آخر قال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

فنحن الآن تائهون في بحر التكاليف ، وأمواج الشبهات والشهوات تعصف بنا من كلّ جانب ، ومن يريد أن يعبر هذا البحر يحتاج إلى شيئين :

الأول : السفينة الخالية من أي عيب أو نقص.

والثّاني : النجوم المتلألئة التي توضح الطريق.

فعند ما يركب الإنسان في السفينة وتراقب عيناه النجوم الوضاءة ، عندها سيكون هناك أمل بالنجاة. وبالمثل فأي واحد من أبناء السنة عند ما يركب في سفينة حب آل محمّد وينظر إلى الأصحاب (النجوم) عندها سيكون هناك أمل بأن يوصله الخالق جل وعلا إلى السعادة والسلامة في الدنيا والآخرة(٢) .

وكلنا نقول أن هذا التشبيه الشاعري ليس دقيقا بالرغم من جماله ، لأن سفينة نوح كانت مركب النجاة في ذلك اليوم ، عند ما غطت الأمواج العاصفة والمياه كل

__________________

(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ٣٢.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، المجلد ٢٧ ، ص ١٦٧.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607