الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 592
المشاهدات: 166884
تحميل: 5016


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166884 / تحميل: 5016
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 16

مؤلف:
العربية

وفي المقابل أردنا أن نجازي هؤلاء في هذه الحياة الدنيا ، وفي الآخرة بأشد العذاب.

ويرى بعض المفسّرين أن سبب نزول هذه الآية هو قضية مؤامرة قتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الهجرة ، والتي أشير إليها في الآية (٣٠) من سورة الأنفال :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (١) .

والظاهر أن هذا من قبيل التطبيق ، لا أنه سبب النّزول

والآية الأخرى بيان لإحدى علل التآمر ، فتقول :( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ) ؟ فإن الأمر ليس كذلك ، إذ نحن نسمع ورسلنا :( بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) .

«السر» هو ما يضمره الإنسان في قلبه ، أو ما يودعه من أسراره لدى إخوانه وأصدقائه ، و «النجوى» هي الهمس في الأذن.

نعم ، فإنّ الله سبحانه لا يسمع نجواهم وهمسهم فيما بينهم فحسب ، بل يعلم ما يضمرونه في أنفسهم أيضا ، فإن السر والعلن لديه سواء.

والملائكة المكلفون بتسجيل أعمال البشر وأقوالهم يكتبون هذه الكلمات في صحائف أعمالهم دائما ، وإن كانت الحقائق بدون ذلك واضحة أيضا ، ليروا جزاء أعمالهم وأقوالهم ومؤامراتهم في الدنيا والآخرة.

* * *

__________________

(١) الفخر الرازي ، ذيل الآيات مورد البحث.

١٠١

الآيات

( قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) )

التّفسير

ذرهم في خوضهم يلعبون :

لما كان البحث في الآيات السابقة ـ وخاصة في بداية السورة ـ عن مشركي العرب واعتقادهم بأنّ لله ولدا ، وأنّهم كانوا يظنون الملائكة بنات الله ، ولما مر البحث في عدة آيات مضت عن المسيحعليه‌السلام ودعوته إلى الوحدانية الخالصة والعبودية لله وحده ، فقد ورد البحث في هذه الآيات في نفي هذه العقائد الفاسدة عن طريق آخر.

١٠٢

تقول الآية :( قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ) لأن ايماني بالله أقوى من ايمانكم جميعا ، ومعرفتي به أكبر ، وعليه فيجب أن أعظّم ولده وأطيعه قبلكم.

وبالرغم من أنّ مضمون هذه الآية بدا معقدا لجماعة من المفسّرين ، فذكروا توجيهات مختلفة له كان بعضها عجيبا جدّا(١) ، لكن لا يوجد في الواقع أي تعقيد في محتوى الآية ، وهذا الأسلوب الرائع يستعمل مع الأفراد العنودين المتعصبين ، كما لو قال شخص : إنّ فلانا أعلم من الجميع ، في حين أنّه لا يعلم شيئا ، فيقال له : إذا كان هو الأعلم فأنا أوّل من يتبعه ، وذلك ليبذل القائل جهده في البحث عن دليل يدعم به مدعاه ، وعند ما يصطدم بصخرة الواقع يستيقظ من غفلته.

غاية ما في الأمر أنّ هناك نكتتين يجب الالتفات إليهما :

الأولى : أنّ العبادة لا تعني العبادة في كل الموارد ، فقد تأتي أحيانا بمعنى الطاعة والتعظيم والاحترام ، وهي هنا بهذا المعنى ، فعلى فرض أن لله ولدا ـ وهو فرض محال ـ فلا دليل على عبادته ، لكنّه لما كان ـ طبقا لهذا الفرض ـ ابن الله فيجب أن يكون مورد احترام وتقدير وطاعة.

والأخرى : أنّ (لو) تستعمل بدل (أن) في مثل هذه الموارد عادة في أدب العرب ، وهي تدل على كون الشيء مستحيلا ، وإنّما لم تستعمل في الآية ـ مورد البحث ـ مماشاة وانسجاما في الكلام مع الطرف المقابل.

وعلى هذا ، فإنّ النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لو كان لله ولد لبادرت قبلكم إلى احترامه وتعظيمه ، ليطمئن هؤلاء من استحالة أن يكون لله ولد.

بعد هذا الكلام ذكرت الآية دليلا واضحا على نفي هذه الادعاءات ، فقالت :

__________________

(١) فمثلا : إنّ بعض المفسّرين قد فسّر (إن) هنا بمعنى النفي ، و (أنا أول العابدين) بمعنى أول من عبد الله ، وعلى هذا التّفسير فإن معنى الآية يصبح : لا ولد لله أبدا ، وأنا أوّل من عبد لله! وفسر البعض الآخر (العابدين) بالذي يأبى العبادة ، وعلى هذا يكون المعنى : إنّ كان لله ولد فإني سوف لا أعبد مثل هذا الرب أبدا ، لأنه بأبوته لا يمكن أن يكون ربا. وواضح أن مثل هذه التفاسير لا تنسجم مع ظاهر الآية بأي وجه من الوجوه.

١٠٣

( سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) فإنّ من كان مالكا للسماوات والأرض ومدبرا لها ، وربّا للعرش العظيم ، لا يحتاج إلى الولد ، فهو الوجود اللامتناهي ، والمحيط بكل عالم الوجود ، ومربي كل عالم الخلقة ، بل يحتاج الولد من يموت ، ولا يستمر وجوده إلّا عن طريق الولد.

الولد لازم لمن يحتاج العون والأنس في وقت العجز والوحدة.

وأخيرا فإن وجود الولد دليل على الجسمانية والانحصار في حيّز الزمان والمكان.

إنّ ربّ العرش ، والسماء والأرض ، والمنزّه عن كل هذه الأمور ، غني عن الولد.

والتعبير بـ( رَبِّ الْعَرْشِ ) بعد( رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) من قبيل ذكر العام بعد الخاص ، لأنّ العرش ـ وكما قلنا سابقا ـ يقال لمجموع عالم الوجود ، والذي هو عرش حكومة اللهعزوجل .

ويحتمل أيضا أن يكون العرش إشارة إلى عالم ما وراء الطبيعة ، فيكون في مقابل السماوات والأرض التي تشير إلى عالم المادة.

لمزيد الاطلاع على معنى العرش ، راجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (٢٥٥) من سورة البقرة ، وأوسع منه ما جاء في ذيل الآية (٧) من سورة المؤمن.

ثمّ تضيف الآية الأخرى كاحتقار لهؤلاء المعاندين وتهديد لهم ، وهو بحد ذاته أسلوب آخر من أساليب البحث مع أمثال هؤلاء الأفراد( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) ليجنوا عاقبة أعمالهم ، وليذوقوا وبال أمرهم.

من الواضح أن المراد من هذا اليوم الموعود هو يوم القيامة ، وما احتمله البعض من أن المراد هو لحظة الموت فيبدوا بعيدا جدّا ، لأنّ الجزاء على الأعمال يكون في يوم القيامة لا في لحظة الموت.

إنّه نفس اليوم الموعود الذي أقسم الله تعالى به في الآية (٢) من سورة البروج ، حيث تقول الآية :( وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) .

١٠٤

وتواصل الآيتان التاليتان البحث حول مسألة التوحيد ، وهما تشكلان نتيجة للآيات السابقة من جهة ، ومن جهة أخرى دليلا لتكملتها وإثباتها. وفيهما سبع من صفات الله سبحانه ، ولجميعها أثر في تحكيم وتقوية مباني التوحيد.

فتقف الآية الأولى بوجه المشركين الذين كانوا يعتقدون بانفصال إله السماء عن إله الأرض ، بل ابتدعوا للبحر إلها ، وللصحراء إلها وآخر للحرب ، ورابعا للصلح والسلم ، وآلهة مختلفة ومتعددة بتعدد الموجودات ، فتقول :( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) لأنّ كونه إلها في السماء والأرض يثبت كونه ربّا ومعبودا فيهما ـ وقد مرّ ذلك في الآيات السابقة ـ لأنّ المعبود الحقيقي هو ربّ العالم ومدبره ، لا الأرباب المختلفة ، ولا الملائكة ، ولا المسيح ولا الأصنام ، فكلها ليست أهلا لأن تكون أربابا وآلهة ، إذ ليس لها مقام الربوبية ، فكلها مخلوقة في أنفسها ومربوبة ، وتتمتع بأرزاق الله ، وكلها تعبده سبحانه.

وتقول في الصفتين الثّانية والثّالثة( وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) فكل أعماله تقوم على أساس الدقّة والحساب والنظم ، وهو عليم بكل شيء ومحيط به ، وبذلك فإنّه يعلم أعمال العباد جيدا ، ويجازيهم عليها طبقا لحكمته.

وتتحدث الآية الثانية في الصفتين الرابعة والخامسة ، بركات وجوده الدائمة الوفيرة ، وعن امتلاكه السماء والأرض وما بينهما ، فتقول :( تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ) .

«تبارك» من مادة بركة ، وتعني امتلاك النعمة الوفيرة ، أو الثبات والبقاء ، أو كليهما ، وكلاهما يصدقان في شأن الله تعالى ، فإنّ وجوده باق وخالد ، وهو مصدر النعم الكثيرة.

وليس للخير الكثير كمال المعنى إذا لم يكن ثابتا وباقيا ، فإنّ الخيرات مهما كانت كثيرة ، فهي تعد قليلة إذا كانت مؤقتة وسريعة الزوال.

وتضيف في الصفتين السّادسة والسّابعة :( وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )

١٠٥

وعلى هذا فإذا أردتم الخير والبركة فاطلبوها منه لا من الأصنام ، فإن مصائركم إليه يوم القيامة ، وهو المرجع الوحيد لكم ، وبيده كل شيء ، وليس للأصنام والآلهة أي دور في هذه الأمور.

* * *

ملاحظات

١ ـ لقد تكررت (السماوات والأرض) في هذه الآيات ثلاث مرات : مرّة لبيان كون الله ربّا ومدبرا لهما ، وأخرى في كونه إلها فيهما ، وثالثة في كونه مالكا وحاكما ، وهذه الأمور الثلاثة مترابطة ببعضها ، وهي في الحقيقة علة ومعلول لبعضها البعض ، فهو مالك ، ولذلك فهو ربّ ، وهو في النتيجة إله. ووصفه بالحكيم والعليم إكمال لهذه المعاني.

٢ ـ يستفاد من بعض الرّوايات الإسلامية أن تعبير الآيات المذكورة بـ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) كان قد أصبح وسيلة لبعض الزنادقة والمشركين لإثبات مدعاهم ، وكانوا يفسّرون الآية ـ حسب سفسطتهم ـ بأن في السماء إلها ، وفي الأرض إلها آخر غيره ، في حين أنّ الآية تقول بعكس ذلك ، فهي تقول : إنّه الإله الذي يعبد في السماء وفي الأرض ، أي إنّه تعالى هو المعبود في كل مكان.

ومع ذلك ، فإنّ الزنادقة عند ما كانوا يطرحون هذا المطلب كسؤال أمام الأئمّة المعصومين ، فإنّهمعليهم‌السلام كانوا يجيبونهم على طريقة النقض والحل :

فمن جملة ذلك ما ورد في الكافي عن هشام بن الحكم ، أنّه قال : قال أبو شاكر الديصاني(١) : إن في القرآن آية هي قولنا ، قلت : ما هي؟ قال :( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ

__________________

(١) كان أبو شاكر الديصاني أحد علماء فرقة الديصانية ، الذين كانوا يعتقدون بعبادة إلهين ، ويقولون بإله النور وإله الظلمة. (لغت نامه دهخدا مادة ديصان).

١٠٦

إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) فلم أدر بما أجيبه.

فحججت فخبرت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال : «هذا كلام زنديق خبيث ، إذا رجعت إليه فقل له : ما اسمك بالكوفة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل له : ما اسمك في البصرة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل : كذلك الله ربّنا ، في السماء إله ، وفي الأرض إله ، وفي البحار إله ، وفي القفار إله ، وفي كل مكان إله».

قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته ، فقال : هذه نقلت من الحجاز(١) .

وذكر المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي لتكرار لفظ الإله ، في هذه الآية علتين : إحداهما : التأكيد على كون الله تعالى إلها في كل مكان.

والأخرى : أنه إشارة إلى أن ملائكة السماء تعبده ، والبشر في الأرض يعبدونه أيضا ، وعلى هذا فإنه إله الملائكة وبني آدم وكل الموجودات في السماوات والأرض.

* * *

__________________

(١) أصول الكافي ، المجلد الأول ، كتاب التوحيد ، باب الحركة والانتقال حديث ١٠.

١٠٧

الآيات

( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩) )

التّفسير

من يملك الشفاعة؟

لا زال الحديث في هذه الآيات ـ وهي آخر آيات سورة الزخرف ـ حول إبطال عقيدة الشرك وتفنيدها ، وعاقبة المشركين المرّة ، وهي توضح بطلان عقيدتهم بدلائل أخرى.

تقول الآية الأولى :( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ ) فلا تقام الشفاعة عند الله إلّا بإذنه ، ولم يأذن الله الحكيم بها لهذه الأحجار والأخشاب التي لا قيمة لها ، والفاقدة للعقل والشعور والإدراك مطلقا.

لكن لما كانت الملائكة وأمثالها من بين آلهة هؤلاء ، فقد استثنوا في ذيل الآية ،

١٠٨

فقالت :( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ ) وهم الذين أسلموا لوحدانية الله سبحانه في جميع المراحل ، وأذعنوا لها. نعم ، هؤلاء هم الذين يشفعون بإذن الله تعالى.

لكن ليس الأمر كما تتوهمون أنّهم يشفعون لأي كان ، حتى وإن كان وثنيا ومشركا ومنحرفا عن طريق التوحيد وضالا عن الصراط المستقيم ، بل( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) جيدا لمن يشفعون.

وعلى هذا فإنّهم يقطعون الأمل من شفاعة الملائكة لسببين :

الأوّل : أنّها كانت بنفسها تقرّ بوحدانية الله وتشهد بها ، ولذلك حصلت على إذن الشفاعة.

والآخر : أنهم يعرفون جيدا من له أهلية الشفاعة ومستحقها(١) .

واعتبر البعض جملة( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) مكملة لجملة( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ ) وعلى هذا يصبح معنى الآية : إنّ الذين يشهدون بالتوحيد ويعلمون حقيقته هم الذين يملكون حق الشفاعة فقط. إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.

وعلى أية حال ، فإن هذه الآية تبيّن الشرط الأساس الذي ينبغي توفره في الشفاعة عند الله تعالى ، وهم الشاهدون بالحق ، والعالمون به على الدوام والمحيطون بروح التوحيد جيدا ، وهم كذلك عالمون بأحوال المشفوع لهم وأوضاعهم.

ثمّ تدين المشركين من أفواههم ، وتجيبهم جوابا قاطعا ، فتقول :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

لقد قلنا مرارا إن من النادر أن يوجد من بين مشركي العرب وغيرهم من يعتقد أن الأصنام هي الخالقة لهم ، فإنّ الأعم الأغلب منهم يعتبرون الأصنام وسائط

__________________

(١) طبقا لهذا التّفسير فإن استثناء (إلّا من شهد بالحق) استثناء متصل ، لكنه يصبح منقطعا فيما إذا كان المراد من جملة (الذين يدعون من دونه الشفاعة) خصوص الأصنام. لكن يبدو أن المعنى الأوّل هو الأنسب ، خاصة بملاحظة (الذين) وهي للعاقل ، أو التغليب من العاقل وغير العاقل.

١٠٩

وشفعاء يقربونهم إلى الله زلفى ، أو أنها دلائل وعلامات لأولياء الله المقدسين ، ثمّ يضمون إليها ذريعة أن معبودنا يجب أن يكون موجودا ملموسا ومحسوسا لنأنس به ، فيعبدونها ، ولذا فإنّهم متى ما سئلوا عن خالقهم فسيقولون : الله.

وقد ذكّر القرآن مرارا بحقيقة أن العبادة لا تليق إلّا بخالق هذا الكون ومدبره ، وإذا كنتم تعلمون أن الله هو الخالق والمدبر ، فلم يبق لكم إلّا أن تقصروا عبادتكم عليه ، وتخصوه بها.

ولذلك فإنّ الآية تقول في نهايتها( فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) وهو لوم وتوبيخ لهم فإنّكم إذا علمتم حقيقة الأمر فلم تعرضون عن الله وتعبدون غيره؟

وتحدثت الآية التالية عن شكوى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الله سبحانه من هؤلاء القوم المتعصبين الذين لا منطق لديهم ، فقالت :( وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) .

إنّه يقول : لقد تحدثت مع هؤلاء ، القوم ليلا ونهارا ، فأتيتهم من طريق التبشير والإنذار ، وذكرت لهم قصص الأقوام الماضين المؤلمة ، وحذرتهم من عذابك ، ورغبتهم في رحمتك إن هم رجعوا عن طريق الضلال ، وخلاصة القول : إنّي أبلغتهم الأمر ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، وقلت كل ما ينبغي أن يقال ، إلّا أن حرارة كلامي لم تؤثر في برودة قلوبهم ، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، فلم يؤمنوا(١) .

ويأمر الله سبحانه نبيّه في آخر آية أن( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) ولا يكن إعراضك عنهم إعراض افتراق وغضب وأذى وجرح للمشاعر ، بل أعرض عنهم( وَقُلْ سَلامٌ ) لا سلام تحية ومحبّة ، بل سلام وداع وافتراق.

__________________

(١) هنا اختلاف كبير بين المفسّرين في أن (قيله) معطوفة على ماذا؟ فالبعض يعتقد أنها معطوفة على الساعة التي مرت قبل ثلاث آيات ، وعلى هذا يصبح معنى الجملة : إنّ الله عنده علم الساعة ، وشكوى النّبي من الكفار. والبعض الآخر اعتبرها معطوفة على (علم الساعة) بشرط أن تكون (علم) مقدرة قبل (قيله) كمضاف محذوف. وهو لا يختلف كثيرا عن التّفسير الأول. واعتبر جماعة الواو واو القسم. وهناك احتمالات أخرى لو ذكرناها هنا لطال بنا المقام. وهنا احتمال آخر لعله أفضل من كل ما قيل في هذا الباب ، وهو أنّها معطوفة على محذوف جملة : (انى يؤفكون) ، وتقدير ذلك : (أنى يؤفكون عن عبادته وعن قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون).

١١٠

إنّ هذا السلام يشبه ذلك السلام الذي ورد في الآية (٦٣) من سورة الفرقان :( وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) سلام هو علامة اللامبالاة بهم ممتزجة بالعلوّ والعزة.

ومع ذلك فإنّه تعالى يهددهم ويحذرهم بجملة عميقة المعنى ، لئلا يتصوروا أن الله تاركهم بعد هذا الفراق والوداع ، فيقول :( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .

نعم ، سوف يعلمون أي نار محرقة قد أوقدوها لأنفسهم بعنادهم ، وأي عذاب أليم قد هيأوا أسبابه ليطالهم فيما بعد؟

وقد ذكر البعض سبب نزول الآية( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) وهو : أن «النضر بن الحارث» ونفرا من قريش قالوا : إنّ كان ما يقوله محمّد حقا ، فلا حاجة لنا بشاعته ، فإننا نحبّ الملائكة وهم أولياؤنا ، وهم أحق بالشفاعة ، فنزلت هذه الآية ونبهتهم على أن الملائكة لا تشفع يوم القيامة إلّا لمن يشهدون بالحق ، أي للمؤمنين.

وهنا تنتهي سورة الزخرف.

اللهم ، قربنا منك ومن أوليائك يوما بعد يوم ، وزدنا حبا لك ولهم حتى تنالنا شفاعتهم.

اللهم ، احفظنا من كل شرك خفي وجلي.

إلهنا ، قد وصفت يوم القيامة في كتابك بصفات مهولة ومفزعة وتجعل الناس سكارى وما هم بسكارى

اللهم فعاملنا بفضلك في ذلك اليوم ولا تعاملنا بعدلك ، يا أرحم الراحمين.

آمين ربّ العالمين.

نهاية سورة الزخرف

* * *

١١١
١١٢
١١٣

سورة

الدّخان

مكيّة

وعدد آياتها تسع وخمسون آية

١١٤

«سورة الدخان»

محتوى سورة الدّخان :

هذه السورة هي خامس الحواميم السبعة ، ولما كانت من السورة المكية ، فإنّها تتضمن الأبحاث العامة لتلك السور ، أي البحث حول المبدأ والمعاد والقرآن بصورة تامّة. وقد نسجت آياتها ونظمت في هذا الباب تنظيما تنزل معه ضرباتها الحاسمة المفزعة على القلوب الغافلة الذاهلة عن ربها ، وتدعوها إلى الإيمان والتقوى ، والحق والعدالة.

ويمكن تلخيص فصول هذه السورة في سبعة :

١ ـ بداية السورة بالحروف المتقطعة ، ثمّ بيان عظمة القرآن ، مع تبيان نزوله في ليلة القدر أوّل مرة.

٢ ـ وتتحدث في الفصل الثّاني عن التوحيد ووحدانية الله سبحانه ، وبيان بعض مظاهر عظمته في عالم الوجود.

٣ ـ ويتحدث قسم مهم منها عن مصير الكفار وعاقبتهم ، وأنواع العقوبات الأليمة التي نزلت وستنزل بهم.

٤ ـ وتتحدث السورة في فصل آخر عن قصة موسىعليه‌السلام وبني إسرائيل مع قوم فرعون ، وهزيمة قوم فرعون وهلاكهم وفنائهم ، من أجل إيقاظ هؤلاء الغافلين.

٥ ـ وتشكل مسألة القيامة وأنواع العذاب الأليم الذي سينال أصحاب الجحيم ، والمثوبات العظيمة التي تسر الروح ، والتي سينالها المتقون ، فصلا آخر من آيات هذه السورة.

١١٥

٦ ـ ومن المواضيع الأخرى التي طرحت في هذه السورة موضوع الغاية من الخلق ، وعدم كون خلق السماء والأرض عبثا.

٧ ـ وأخيرا تنتهي السورة ببيان عظمة القرآن الكريم كما بدأت بذلك.

ولما كان الكلام في الآية العاشرة من هذه السورة عن «الدخان المبين» ، فقد سميت بسورة الدخان.

فضل تلاوة هذه السورة

جاء في حديث عن نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ سورة الدخان ليلة الجمعة ويوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنّة»(١)

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك»(٢) .

وفي حديث آخر عن أبي حمزة الثمالي ، عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «من قرأ سورة الدخان في فرائضه ونوافله بعثه الله من الآمنين يوم القيامة ، وأظله تحت ظل عرشه ، وحاسبه حسابا يسيرا ، وأعطي كتابه بيمينه»(٣) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، بداية سورة الدخان.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١١٦

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) )

التّفسير

نزول القرآن في الليلة المباركة :

نلاحظ في بداية هذه السورة ـ وكالسور الأربعة السابقة ، والسورتين الآتيتين ، والتي يكون مجموعها سبع سور هي سور الحواميم ـ الحروف المقطعة (حم) ، وقد بحثنا كثيرا فيما مضى حول الحروف المقطعة في القرآن بصورة عامة(١) ، وبحثت حروف (حم) خاصة في بداية أوّل سورة من الحواميم (سورة المؤمن) وفي بداية سورة فصلت.

__________________

(١) راجع تفسير بداية سورة البقرة ، بداية سورة آل عمران ، بداية سورة الأعراف.

١١٧

وجدير بالانتباه أن بعض المفسّرين فسّر (حم) هنا بالقسم ، فيصبح في الآية قسمان متتابعان : قسم بحروف الهجاء كـ (حم) ، وقسم بهذا الكتاب المقدس الذي يكون من هذه الحروف.

وكما قلنا ، فإنّ الآية الثانية أقسمت بالقرآن الكريم ، حيث تقول :( وَالْكِتابِ الْمُبِينِ ) ذلك الكتاب الواضح محتواه ، والبينة معارفه الحية تعليماته ، البناءة أحكامه ، الدقيقة برامجه وخططه ، وهو الكتاب الذي يدل بنفسه على كونه حقّا ، كما أن بزوغ الشمس دليل على الشمس.(١)

لكن لنر الآن ما هو القصد من وراء ذكر هذا القسم؟

الآية التالية توضح هذا الأمر ، فتقول :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) .

«المبارك» من مادة بركة ، وهي الربح والمنفعة والخلود والدوام ، فأي ليلة هذه التي تكون مبدأ الخيرات ، ومنبع الإحسان والعطايا الدائمة؟

لقد فسّرها أغلب المفسّرين بليلة القدر ، تلك الليلة العظيمة التي تغيرت فيها مقدرات البشر بنزول القرآن الكريم تلك الليلة التي تقدر فيها مصائر الخلائق

نعم ، لقد نزل القرآن على قلب النّبي المطهر في ليلة حاسمة مصيرية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ظاهر الآية هو أنّ القرآن كله قد نزل في ليلة القدر.

أمّا ما هو الهدف الأساس من نزوله؟ نهاية الآية أشارت إليه إذ قالت :( إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) فإن سنتنا الدائمة هي إرسال الرسل لإنذار الظالمين والمشركين ، وكان إرسال نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الكتاب المبين آخر حلقة من هذه السلسلة المباركة المقدسة.

صحيح أنّ الأنبياءعليهم‌السلام ينذرون من جانب ، ويبشرون من جانب آخر ، لكن لما كان أساس دعوتهم هو مواجهة الظالمين والمجرمين ومحاربتهم ، كان أغلب

__________________

(١) سنبحث حول فلسفة الأيمان والقسم في القرآن ، والهدف الأساسي منها ، في تفسير الجزء الأخير من القرآن الكريم ، في ذيل الآيات الكثيرة التي يلاحظ القسم فيها مكررا. إن شاء الله تعالى.

١١٨

كلامهم عن الإنذار والتخويف.

نزول القرآن الدفعي والتدريجي :

١ ـ نحن نعلم أن القرآن الكريم نزل على مدى ثلاث وعشرين سنة ـ وهي فترة نبوةّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إضافة إلى أن لمحتوى القرآن ارتباطا وعلاقة بالحوادث المختلفة التي وقعت في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين طوال هذه ال (٢٣) سنة ، بحيث أنها إذا فصلت عن القرآن الكريم فسيكون غير مفهوم ، وإذا كان الحال كذلك فكيف نزل القرآن الكريم كاملا في ليلة القدر؟

وفي معرض الإجابة على هذا السؤال ، ذهب البعض هذا المعنى ببداية نزول القرآن ، وبناء على هذا فلا مانع من أن تكون بداية نزوله في ليلة القدر ، وينزل الباقي خلال (٢٣) سنة.

غير أن هذا التّفسير ـ وكما قلنا ـ لا ينسجم مع ظاهر الآية مورد البحث ، ومع آيات أخرى في القرآن المجيد.

وللاجابة على هذا السؤال يجب الانتباه إلى أننا نقرأ في هذا الآية( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) من جهة ، ومن جهة أخرى جاء في الآية (١٨٥) من سورة البقرة( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ومن جهة ثالثة نقرأ في سورة القدر( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فيستفاد جيدا من مجموع هذه الآيات أن الليلة المباركة في هذه الآية إشارة إلى ليلة القدر التي هي من ليالي شهر رمضان المبارك.

وإضافة إلى ما مر ، فإنه يستفاد من آيات عديدة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عالما بالقرآن قبل نزوله التدريجي ، كالآية (١١٤) من سورة طه( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) .

وجاء في الآية (٦) من سورة القيامة( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) .

من مجموع هذه الآيات يمكن الاستنتاج أنه كان للقرآن نزولان :

١١٩

الأوّل : نزوله دفعة واحدة ، حيث نزل من الله سبحانه على قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهر في ليلة القدر من شهر رمضان.

والثّاني : النّزول التدريجي ، حيث نزل على مدى (٢٣) سنة بحسب الظروف والحوادث والاحتياجات.

والشاهد الآخر لهذا الكلام أن بعض الروايات قد عبرت بالإنزال ، وبعضها الآخر بالنّزول ، والذي يفهم من متون اللغة أن التنزيل يستعمل في الموارد التي ينزل فيها الشيء تدريجيا ومتفرقا ، أما الإنزال فله معنى واسع يشمل النّزول التدريجي والنّزول دفعة واحدة.(١) والطريف أنّ كل الآيات المذكورة التي تتحدث عن نزول القرآن في ليلة القدر وشهر رمضان قد عبرت بالإنزال ، وهو يتوافق مع النّزول دفعة واحدة ، في حين عبر بالتنزيل فقط في الموارد التي دار الكلام فيها حول النّزول التدريجي للقرآن.

لكن ، كيف كان هذا النّزول جملة على قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ هل كان على هيئة هذا القرآن الذي بين أيدينا بآياته وسورة المختلفة ، أم أنّ مفاهيمه وحقائقه قد نزلت بصورة مختصرة جامعة؟

ليس الأمر واضحا بدقّة ، بل القدر المتيقن الذي نفهمه من القرائن ـ أعلاه ـ أن هذا القرآن قد نزل دفعة واحدة في ليلة واحدة على قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة ، ونزل على مدى (٢٣) سنة بصورة تدريجية مرّة أخرى.

والشاهد الآخر لهذا الكلام ، أنّ للتعبير بالقرآن ـ في الآية أعلاه ـ ظهورا في مجموع القرآن.

صحيح أنّ كلمة القرآن تطلق على كل القرآن وجزئه ، لكن لا يمكن إنكار أن ظاهر هذه الكلمة هو مجموع القرآن عند عدم وجود قرينة أخرى معها. والتي فسر بها البعض هذه الآية بأنها بداية نزول القرآن ، وقالوا : إنّ أوّل آيات القرآن نزلت

__________________

(١) تراجع مفردات الراغب ، مادة نزل.

١٢٠