الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177243 / تحميل: 5796
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وفي المقابل أردنا أن نجازي هؤلاء في هذه الحياة الدنيا ، وفي الآخرة بأشد العذاب.

ويرى بعض المفسّرين أن سبب نزول هذه الآية هو قضية مؤامرة قتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الهجرة ، والتي أشير إليها في الآية (٣٠) من سورة الأنفال :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (١) .

والظاهر أن هذا من قبيل التطبيق ، لا أنه سبب النّزول

والآية الأخرى بيان لإحدى علل التآمر ، فتقول :( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ) ؟ فإن الأمر ليس كذلك ، إذ نحن نسمع ورسلنا :( بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) .

«السر» هو ما يضمره الإنسان في قلبه ، أو ما يودعه من أسراره لدى إخوانه وأصدقائه ، و «النجوى» هي الهمس في الأذن.

نعم ، فإنّ الله سبحانه لا يسمع نجواهم وهمسهم فيما بينهم فحسب ، بل يعلم ما يضمرونه في أنفسهم أيضا ، فإن السر والعلن لديه سواء.

والملائكة المكلفون بتسجيل أعمال البشر وأقوالهم يكتبون هذه الكلمات في صحائف أعمالهم دائما ، وإن كانت الحقائق بدون ذلك واضحة أيضا ، ليروا جزاء أعمالهم وأقوالهم ومؤامراتهم في الدنيا والآخرة.

* * *

__________________

(١) الفخر الرازي ، ذيل الآيات مورد البحث.

١٠١

الآيات

( قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) )

التّفسير

ذرهم في خوضهم يلعبون :

لما كان البحث في الآيات السابقة ـ وخاصة في بداية السورة ـ عن مشركي العرب واعتقادهم بأنّ لله ولدا ، وأنّهم كانوا يظنون الملائكة بنات الله ، ولما مر البحث في عدة آيات مضت عن المسيحعليه‌السلام ودعوته إلى الوحدانية الخالصة والعبودية لله وحده ، فقد ورد البحث في هذه الآيات في نفي هذه العقائد الفاسدة عن طريق آخر.

١٠٢

تقول الآية :( قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ) لأن ايماني بالله أقوى من ايمانكم جميعا ، ومعرفتي به أكبر ، وعليه فيجب أن أعظّم ولده وأطيعه قبلكم.

وبالرغم من أنّ مضمون هذه الآية بدا معقدا لجماعة من المفسّرين ، فذكروا توجيهات مختلفة له كان بعضها عجيبا جدّا(١) ، لكن لا يوجد في الواقع أي تعقيد في محتوى الآية ، وهذا الأسلوب الرائع يستعمل مع الأفراد العنودين المتعصبين ، كما لو قال شخص : إنّ فلانا أعلم من الجميع ، في حين أنّه لا يعلم شيئا ، فيقال له : إذا كان هو الأعلم فأنا أوّل من يتبعه ، وذلك ليبذل القائل جهده في البحث عن دليل يدعم به مدعاه ، وعند ما يصطدم بصخرة الواقع يستيقظ من غفلته.

غاية ما في الأمر أنّ هناك نكتتين يجب الالتفات إليهما :

الأولى : أنّ العبادة لا تعني العبادة في كل الموارد ، فقد تأتي أحيانا بمعنى الطاعة والتعظيم والاحترام ، وهي هنا بهذا المعنى ، فعلى فرض أن لله ولدا ـ وهو فرض محال ـ فلا دليل على عبادته ، لكنّه لما كان ـ طبقا لهذا الفرض ـ ابن الله فيجب أن يكون مورد احترام وتقدير وطاعة.

والأخرى : أنّ (لو) تستعمل بدل (أن) في مثل هذه الموارد عادة في أدب العرب ، وهي تدل على كون الشيء مستحيلا ، وإنّما لم تستعمل في الآية ـ مورد البحث ـ مماشاة وانسجاما في الكلام مع الطرف المقابل.

وعلى هذا ، فإنّ النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لو كان لله ولد لبادرت قبلكم إلى احترامه وتعظيمه ، ليطمئن هؤلاء من استحالة أن يكون لله ولد.

بعد هذا الكلام ذكرت الآية دليلا واضحا على نفي هذه الادعاءات ، فقالت :

__________________

(١) فمثلا : إنّ بعض المفسّرين قد فسّر (إن) هنا بمعنى النفي ، و (أنا أول العابدين) بمعنى أول من عبد الله ، وعلى هذا التّفسير فإن معنى الآية يصبح : لا ولد لله أبدا ، وأنا أوّل من عبد لله! وفسر البعض الآخر (العابدين) بالذي يأبى العبادة ، وعلى هذا يكون المعنى : إنّ كان لله ولد فإني سوف لا أعبد مثل هذا الرب أبدا ، لأنه بأبوته لا يمكن أن يكون ربا. وواضح أن مثل هذه التفاسير لا تنسجم مع ظاهر الآية بأي وجه من الوجوه.

١٠٣

( سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) فإنّ من كان مالكا للسماوات والأرض ومدبرا لها ، وربّا للعرش العظيم ، لا يحتاج إلى الولد ، فهو الوجود اللامتناهي ، والمحيط بكل عالم الوجود ، ومربي كل عالم الخلقة ، بل يحتاج الولد من يموت ، ولا يستمر وجوده إلّا عن طريق الولد.

الولد لازم لمن يحتاج العون والأنس في وقت العجز والوحدة.

وأخيرا فإن وجود الولد دليل على الجسمانية والانحصار في حيّز الزمان والمكان.

إنّ ربّ العرش ، والسماء والأرض ، والمنزّه عن كل هذه الأمور ، غني عن الولد.

والتعبير بـ( رَبِّ الْعَرْشِ ) بعد( رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) من قبيل ذكر العام بعد الخاص ، لأنّ العرش ـ وكما قلنا سابقا ـ يقال لمجموع عالم الوجود ، والذي هو عرش حكومة اللهعزوجل .

ويحتمل أيضا أن يكون العرش إشارة إلى عالم ما وراء الطبيعة ، فيكون في مقابل السماوات والأرض التي تشير إلى عالم المادة.

لمزيد الاطلاع على معنى العرش ، راجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (٢٥٥) من سورة البقرة ، وأوسع منه ما جاء في ذيل الآية (٧) من سورة المؤمن.

ثمّ تضيف الآية الأخرى كاحتقار لهؤلاء المعاندين وتهديد لهم ، وهو بحد ذاته أسلوب آخر من أساليب البحث مع أمثال هؤلاء الأفراد( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) ليجنوا عاقبة أعمالهم ، وليذوقوا وبال أمرهم.

من الواضح أن المراد من هذا اليوم الموعود هو يوم القيامة ، وما احتمله البعض من أن المراد هو لحظة الموت فيبدوا بعيدا جدّا ، لأنّ الجزاء على الأعمال يكون في يوم القيامة لا في لحظة الموت.

إنّه نفس اليوم الموعود الذي أقسم الله تعالى به في الآية (٢) من سورة البروج ، حيث تقول الآية :( وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ) .

١٠٤

وتواصل الآيتان التاليتان البحث حول مسألة التوحيد ، وهما تشكلان نتيجة للآيات السابقة من جهة ، ومن جهة أخرى دليلا لتكملتها وإثباتها. وفيهما سبع من صفات الله سبحانه ، ولجميعها أثر في تحكيم وتقوية مباني التوحيد.

فتقف الآية الأولى بوجه المشركين الذين كانوا يعتقدون بانفصال إله السماء عن إله الأرض ، بل ابتدعوا للبحر إلها ، وللصحراء إلها وآخر للحرب ، ورابعا للصلح والسلم ، وآلهة مختلفة ومتعددة بتعدد الموجودات ، فتقول :( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) لأنّ كونه إلها في السماء والأرض يثبت كونه ربّا ومعبودا فيهما ـ وقد مرّ ذلك في الآيات السابقة ـ لأنّ المعبود الحقيقي هو ربّ العالم ومدبره ، لا الأرباب المختلفة ، ولا الملائكة ، ولا المسيح ولا الأصنام ، فكلها ليست أهلا لأن تكون أربابا وآلهة ، إذ ليس لها مقام الربوبية ، فكلها مخلوقة في أنفسها ومربوبة ، وتتمتع بأرزاق الله ، وكلها تعبده سبحانه.

وتقول في الصفتين الثّانية والثّالثة( وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) فكل أعماله تقوم على أساس الدقّة والحساب والنظم ، وهو عليم بكل شيء ومحيط به ، وبذلك فإنّه يعلم أعمال العباد جيدا ، ويجازيهم عليها طبقا لحكمته.

وتتحدث الآية الثانية في الصفتين الرابعة والخامسة ، بركات وجوده الدائمة الوفيرة ، وعن امتلاكه السماء والأرض وما بينهما ، فتقول :( تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ) .

«تبارك» من مادة بركة ، وتعني امتلاك النعمة الوفيرة ، أو الثبات والبقاء ، أو كليهما ، وكلاهما يصدقان في شأن الله تعالى ، فإنّ وجوده باق وخالد ، وهو مصدر النعم الكثيرة.

وليس للخير الكثير كمال المعنى إذا لم يكن ثابتا وباقيا ، فإنّ الخيرات مهما كانت كثيرة ، فهي تعد قليلة إذا كانت مؤقتة وسريعة الزوال.

وتضيف في الصفتين السّادسة والسّابعة :( وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )

١٠٥

وعلى هذا فإذا أردتم الخير والبركة فاطلبوها منه لا من الأصنام ، فإن مصائركم إليه يوم القيامة ، وهو المرجع الوحيد لكم ، وبيده كل شيء ، وليس للأصنام والآلهة أي دور في هذه الأمور.

* * *

ملاحظات

١ ـ لقد تكررت (السماوات والأرض) في هذه الآيات ثلاث مرات : مرّة لبيان كون الله ربّا ومدبرا لهما ، وأخرى في كونه إلها فيهما ، وثالثة في كونه مالكا وحاكما ، وهذه الأمور الثلاثة مترابطة ببعضها ، وهي في الحقيقة علة ومعلول لبعضها البعض ، فهو مالك ، ولذلك فهو ربّ ، وهو في النتيجة إله. ووصفه بالحكيم والعليم إكمال لهذه المعاني.

٢ ـ يستفاد من بعض الرّوايات الإسلامية أن تعبير الآيات المذكورة بـ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) كان قد أصبح وسيلة لبعض الزنادقة والمشركين لإثبات مدعاهم ، وكانوا يفسّرون الآية ـ حسب سفسطتهم ـ بأن في السماء إلها ، وفي الأرض إلها آخر غيره ، في حين أنّ الآية تقول بعكس ذلك ، فهي تقول : إنّه الإله الذي يعبد في السماء وفي الأرض ، أي إنّه تعالى هو المعبود في كل مكان.

ومع ذلك ، فإنّ الزنادقة عند ما كانوا يطرحون هذا المطلب كسؤال أمام الأئمّة المعصومين ، فإنّهمعليهم‌السلام كانوا يجيبونهم على طريقة النقض والحل :

فمن جملة ذلك ما ورد في الكافي عن هشام بن الحكم ، أنّه قال : قال أبو شاكر الديصاني(١) : إن في القرآن آية هي قولنا ، قلت : ما هي؟ قال :( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ

__________________

(١) كان أبو شاكر الديصاني أحد علماء فرقة الديصانية ، الذين كانوا يعتقدون بعبادة إلهين ، ويقولون بإله النور وإله الظلمة. (لغت نامه دهخدا مادة ديصان).

١٠٦

إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) فلم أدر بما أجيبه.

فحججت فخبرت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال : «هذا كلام زنديق خبيث ، إذا رجعت إليه فقل له : ما اسمك بالكوفة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل له : ما اسمك في البصرة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل : كذلك الله ربّنا ، في السماء إله ، وفي الأرض إله ، وفي البحار إله ، وفي القفار إله ، وفي كل مكان إله».

قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته ، فقال : هذه نقلت من الحجاز(١) .

وذكر المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي لتكرار لفظ الإله ، في هذه الآية علتين : إحداهما : التأكيد على كون الله تعالى إلها في كل مكان.

والأخرى : أنه إشارة إلى أن ملائكة السماء تعبده ، والبشر في الأرض يعبدونه أيضا ، وعلى هذا فإنه إله الملائكة وبني آدم وكل الموجودات في السماوات والأرض.

* * *

__________________

(١) أصول الكافي ، المجلد الأول ، كتاب التوحيد ، باب الحركة والانتقال حديث ١٠.

١٠٧

الآيات

( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩) )

التّفسير

من يملك الشفاعة؟

لا زال الحديث في هذه الآيات ـ وهي آخر آيات سورة الزخرف ـ حول إبطال عقيدة الشرك وتفنيدها ، وعاقبة المشركين المرّة ، وهي توضح بطلان عقيدتهم بدلائل أخرى.

تقول الآية الأولى :( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ ) فلا تقام الشفاعة عند الله إلّا بإذنه ، ولم يأذن الله الحكيم بها لهذه الأحجار والأخشاب التي لا قيمة لها ، والفاقدة للعقل والشعور والإدراك مطلقا.

لكن لما كانت الملائكة وأمثالها من بين آلهة هؤلاء ، فقد استثنوا في ذيل الآية ،

١٠٨

فقالت :( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ ) وهم الذين أسلموا لوحدانية الله سبحانه في جميع المراحل ، وأذعنوا لها. نعم ، هؤلاء هم الذين يشفعون بإذن الله تعالى.

لكن ليس الأمر كما تتوهمون أنّهم يشفعون لأي كان ، حتى وإن كان وثنيا ومشركا ومنحرفا عن طريق التوحيد وضالا عن الصراط المستقيم ، بل( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) جيدا لمن يشفعون.

وعلى هذا فإنّهم يقطعون الأمل من شفاعة الملائكة لسببين :

الأوّل : أنّها كانت بنفسها تقرّ بوحدانية الله وتشهد بها ، ولذلك حصلت على إذن الشفاعة.

والآخر : أنهم يعرفون جيدا من له أهلية الشفاعة ومستحقها(١) .

واعتبر البعض جملة( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) مكملة لجملة( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ ) وعلى هذا يصبح معنى الآية : إنّ الذين يشهدون بالتوحيد ويعلمون حقيقته هم الذين يملكون حق الشفاعة فقط. إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.

وعلى أية حال ، فإن هذه الآية تبيّن الشرط الأساس الذي ينبغي توفره في الشفاعة عند الله تعالى ، وهم الشاهدون بالحق ، والعالمون به على الدوام والمحيطون بروح التوحيد جيدا ، وهم كذلك عالمون بأحوال المشفوع لهم وأوضاعهم.

ثمّ تدين المشركين من أفواههم ، وتجيبهم جوابا قاطعا ، فتقول :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .

لقد قلنا مرارا إن من النادر أن يوجد من بين مشركي العرب وغيرهم من يعتقد أن الأصنام هي الخالقة لهم ، فإنّ الأعم الأغلب منهم يعتبرون الأصنام وسائط

__________________

(١) طبقا لهذا التّفسير فإن استثناء (إلّا من شهد بالحق) استثناء متصل ، لكنه يصبح منقطعا فيما إذا كان المراد من جملة (الذين يدعون من دونه الشفاعة) خصوص الأصنام. لكن يبدو أن المعنى الأوّل هو الأنسب ، خاصة بملاحظة (الذين) وهي للعاقل ، أو التغليب من العاقل وغير العاقل.

١٠٩

وشفعاء يقربونهم إلى الله زلفى ، أو أنها دلائل وعلامات لأولياء الله المقدسين ، ثمّ يضمون إليها ذريعة أن معبودنا يجب أن يكون موجودا ملموسا ومحسوسا لنأنس به ، فيعبدونها ، ولذا فإنّهم متى ما سئلوا عن خالقهم فسيقولون : الله.

وقد ذكّر القرآن مرارا بحقيقة أن العبادة لا تليق إلّا بخالق هذا الكون ومدبره ، وإذا كنتم تعلمون أن الله هو الخالق والمدبر ، فلم يبق لكم إلّا أن تقصروا عبادتكم عليه ، وتخصوه بها.

ولذلك فإنّ الآية تقول في نهايتها( فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) وهو لوم وتوبيخ لهم فإنّكم إذا علمتم حقيقة الأمر فلم تعرضون عن الله وتعبدون غيره؟

وتحدثت الآية التالية عن شكوى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الله سبحانه من هؤلاء القوم المتعصبين الذين لا منطق لديهم ، فقالت :( وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) .

إنّه يقول : لقد تحدثت مع هؤلاء ، القوم ليلا ونهارا ، فأتيتهم من طريق التبشير والإنذار ، وذكرت لهم قصص الأقوام الماضين المؤلمة ، وحذرتهم من عذابك ، ورغبتهم في رحمتك إن هم رجعوا عن طريق الضلال ، وخلاصة القول : إنّي أبلغتهم الأمر ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، وقلت كل ما ينبغي أن يقال ، إلّا أن حرارة كلامي لم تؤثر في برودة قلوبهم ، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، فلم يؤمنوا(١) .

ويأمر الله سبحانه نبيّه في آخر آية أن( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) ولا يكن إعراضك عنهم إعراض افتراق وغضب وأذى وجرح للمشاعر ، بل أعرض عنهم( وَقُلْ سَلامٌ ) لا سلام تحية ومحبّة ، بل سلام وداع وافتراق.

__________________

(١) هنا اختلاف كبير بين المفسّرين في أن (قيله) معطوفة على ماذا؟ فالبعض يعتقد أنها معطوفة على الساعة التي مرت قبل ثلاث آيات ، وعلى هذا يصبح معنى الجملة : إنّ الله عنده علم الساعة ، وشكوى النّبي من الكفار. والبعض الآخر اعتبرها معطوفة على (علم الساعة) بشرط أن تكون (علم) مقدرة قبل (قيله) كمضاف محذوف. وهو لا يختلف كثيرا عن التّفسير الأول. واعتبر جماعة الواو واو القسم. وهناك احتمالات أخرى لو ذكرناها هنا لطال بنا المقام. وهنا احتمال آخر لعله أفضل من كل ما قيل في هذا الباب ، وهو أنّها معطوفة على محذوف جملة : (انى يؤفكون) ، وتقدير ذلك : (أنى يؤفكون عن عبادته وعن قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون).

١١٠

إنّ هذا السلام يشبه ذلك السلام الذي ورد في الآية (٦٣) من سورة الفرقان :( وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) سلام هو علامة اللامبالاة بهم ممتزجة بالعلوّ والعزة.

ومع ذلك فإنّه تعالى يهددهم ويحذرهم بجملة عميقة المعنى ، لئلا يتصوروا أن الله تاركهم بعد هذا الفراق والوداع ، فيقول :( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .

نعم ، سوف يعلمون أي نار محرقة قد أوقدوها لأنفسهم بعنادهم ، وأي عذاب أليم قد هيأوا أسبابه ليطالهم فيما بعد؟

وقد ذكر البعض سبب نزول الآية( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) وهو : أن «النضر بن الحارث» ونفرا من قريش قالوا : إنّ كان ما يقوله محمّد حقا ، فلا حاجة لنا بشاعته ، فإننا نحبّ الملائكة وهم أولياؤنا ، وهم أحق بالشفاعة ، فنزلت هذه الآية ونبهتهم على أن الملائكة لا تشفع يوم القيامة إلّا لمن يشهدون بالحق ، أي للمؤمنين.

وهنا تنتهي سورة الزخرف.

اللهم ، قربنا منك ومن أوليائك يوما بعد يوم ، وزدنا حبا لك ولهم حتى تنالنا شفاعتهم.

اللهم ، احفظنا من كل شرك خفي وجلي.

إلهنا ، قد وصفت يوم القيامة في كتابك بصفات مهولة ومفزعة وتجعل الناس سكارى وما هم بسكارى

اللهم فعاملنا بفضلك في ذلك اليوم ولا تعاملنا بعدلك ، يا أرحم الراحمين.

آمين ربّ العالمين.

نهاية سورة الزخرف

* * *

١١١
١١٢
١١٣

سورة

الدّخان

مكيّة

وعدد آياتها تسع وخمسون آية

١١٤

«سورة الدخان»

محتوى سورة الدّخان :

هذه السورة هي خامس الحواميم السبعة ، ولما كانت من السورة المكية ، فإنّها تتضمن الأبحاث العامة لتلك السور ، أي البحث حول المبدأ والمعاد والقرآن بصورة تامّة. وقد نسجت آياتها ونظمت في هذا الباب تنظيما تنزل معه ضرباتها الحاسمة المفزعة على القلوب الغافلة الذاهلة عن ربها ، وتدعوها إلى الإيمان والتقوى ، والحق والعدالة.

ويمكن تلخيص فصول هذه السورة في سبعة :

١ ـ بداية السورة بالحروف المتقطعة ، ثمّ بيان عظمة القرآن ، مع تبيان نزوله في ليلة القدر أوّل مرة.

٢ ـ وتتحدث في الفصل الثّاني عن التوحيد ووحدانية الله سبحانه ، وبيان بعض مظاهر عظمته في عالم الوجود.

٣ ـ ويتحدث قسم مهم منها عن مصير الكفار وعاقبتهم ، وأنواع العقوبات الأليمة التي نزلت وستنزل بهم.

٤ ـ وتتحدث السورة في فصل آخر عن قصة موسىعليه‌السلام وبني إسرائيل مع قوم فرعون ، وهزيمة قوم فرعون وهلاكهم وفنائهم ، من أجل إيقاظ هؤلاء الغافلين.

٥ ـ وتشكل مسألة القيامة وأنواع العذاب الأليم الذي سينال أصحاب الجحيم ، والمثوبات العظيمة التي تسر الروح ، والتي سينالها المتقون ، فصلا آخر من آيات هذه السورة.

١١٥

٦ ـ ومن المواضيع الأخرى التي طرحت في هذه السورة موضوع الغاية من الخلق ، وعدم كون خلق السماء والأرض عبثا.

٧ ـ وأخيرا تنتهي السورة ببيان عظمة القرآن الكريم كما بدأت بذلك.

ولما كان الكلام في الآية العاشرة من هذه السورة عن «الدخان المبين» ، فقد سميت بسورة الدخان.

فضل تلاوة هذه السورة

جاء في حديث عن نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ سورة الدخان ليلة الجمعة ويوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنّة»(١)

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك»(٢) .

وفي حديث آخر عن أبي حمزة الثمالي ، عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «من قرأ سورة الدخان في فرائضه ونوافله بعثه الله من الآمنين يوم القيامة ، وأظله تحت ظل عرشه ، وحاسبه حسابا يسيرا ، وأعطي كتابه بيمينه»(٣) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، بداية سورة الدخان.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١١٦

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) )

التّفسير

نزول القرآن في الليلة المباركة :

نلاحظ في بداية هذه السورة ـ وكالسور الأربعة السابقة ، والسورتين الآتيتين ، والتي يكون مجموعها سبع سور هي سور الحواميم ـ الحروف المقطعة (حم) ، وقد بحثنا كثيرا فيما مضى حول الحروف المقطعة في القرآن بصورة عامة(١) ، وبحثت حروف (حم) خاصة في بداية أوّل سورة من الحواميم (سورة المؤمن) وفي بداية سورة فصلت.

__________________

(١) راجع تفسير بداية سورة البقرة ، بداية سورة آل عمران ، بداية سورة الأعراف.

١١٧

وجدير بالانتباه أن بعض المفسّرين فسّر (حم) هنا بالقسم ، فيصبح في الآية قسمان متتابعان : قسم بحروف الهجاء كـ (حم) ، وقسم بهذا الكتاب المقدس الذي يكون من هذه الحروف.

وكما قلنا ، فإنّ الآية الثانية أقسمت بالقرآن الكريم ، حيث تقول :( وَالْكِتابِ الْمُبِينِ ) ذلك الكتاب الواضح محتواه ، والبينة معارفه الحية تعليماته ، البناءة أحكامه ، الدقيقة برامجه وخططه ، وهو الكتاب الذي يدل بنفسه على كونه حقّا ، كما أن بزوغ الشمس دليل على الشمس.(١)

لكن لنر الآن ما هو القصد من وراء ذكر هذا القسم؟

الآية التالية توضح هذا الأمر ، فتقول :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) .

«المبارك» من مادة بركة ، وهي الربح والمنفعة والخلود والدوام ، فأي ليلة هذه التي تكون مبدأ الخيرات ، ومنبع الإحسان والعطايا الدائمة؟

لقد فسّرها أغلب المفسّرين بليلة القدر ، تلك الليلة العظيمة التي تغيرت فيها مقدرات البشر بنزول القرآن الكريم تلك الليلة التي تقدر فيها مصائر الخلائق

نعم ، لقد نزل القرآن على قلب النّبي المطهر في ليلة حاسمة مصيرية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ظاهر الآية هو أنّ القرآن كله قد نزل في ليلة القدر.

أمّا ما هو الهدف الأساس من نزوله؟ نهاية الآية أشارت إليه إذ قالت :( إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) فإن سنتنا الدائمة هي إرسال الرسل لإنذار الظالمين والمشركين ، وكان إرسال نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الكتاب المبين آخر حلقة من هذه السلسلة المباركة المقدسة.

صحيح أنّ الأنبياءعليهم‌السلام ينذرون من جانب ، ويبشرون من جانب آخر ، لكن لما كان أساس دعوتهم هو مواجهة الظالمين والمجرمين ومحاربتهم ، كان أغلب

__________________

(١) سنبحث حول فلسفة الأيمان والقسم في القرآن ، والهدف الأساسي منها ، في تفسير الجزء الأخير من القرآن الكريم ، في ذيل الآيات الكثيرة التي يلاحظ القسم فيها مكررا. إن شاء الله تعالى.

١١٨

كلامهم عن الإنذار والتخويف.

نزول القرآن الدفعي والتدريجي :

١ ـ نحن نعلم أن القرآن الكريم نزل على مدى ثلاث وعشرين سنة ـ وهي فترة نبوةّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إضافة إلى أن لمحتوى القرآن ارتباطا وعلاقة بالحوادث المختلفة التي وقعت في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين طوال هذه ال (٢٣) سنة ، بحيث أنها إذا فصلت عن القرآن الكريم فسيكون غير مفهوم ، وإذا كان الحال كذلك فكيف نزل القرآن الكريم كاملا في ليلة القدر؟

وفي معرض الإجابة على هذا السؤال ، ذهب البعض هذا المعنى ببداية نزول القرآن ، وبناء على هذا فلا مانع من أن تكون بداية نزوله في ليلة القدر ، وينزل الباقي خلال (٢٣) سنة.

غير أن هذا التّفسير ـ وكما قلنا ـ لا ينسجم مع ظاهر الآية مورد البحث ، ومع آيات أخرى في القرآن المجيد.

وللاجابة على هذا السؤال يجب الانتباه إلى أننا نقرأ في هذا الآية( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) من جهة ، ومن جهة أخرى جاء في الآية (١٨٥) من سورة البقرة( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ومن جهة ثالثة نقرأ في سورة القدر( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فيستفاد جيدا من مجموع هذه الآيات أن الليلة المباركة في هذه الآية إشارة إلى ليلة القدر التي هي من ليالي شهر رمضان المبارك.

وإضافة إلى ما مر ، فإنه يستفاد من آيات عديدة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عالما بالقرآن قبل نزوله التدريجي ، كالآية (١١٤) من سورة طه( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) .

وجاء في الآية (٦) من سورة القيامة( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) .

من مجموع هذه الآيات يمكن الاستنتاج أنه كان للقرآن نزولان :

١١٩

الأوّل : نزوله دفعة واحدة ، حيث نزل من الله سبحانه على قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهر في ليلة القدر من شهر رمضان.

والثّاني : النّزول التدريجي ، حيث نزل على مدى (٢٣) سنة بحسب الظروف والحوادث والاحتياجات.

والشاهد الآخر لهذا الكلام أن بعض الروايات قد عبرت بالإنزال ، وبعضها الآخر بالنّزول ، والذي يفهم من متون اللغة أن التنزيل يستعمل في الموارد التي ينزل فيها الشيء تدريجيا ومتفرقا ، أما الإنزال فله معنى واسع يشمل النّزول التدريجي والنّزول دفعة واحدة.(١) والطريف أنّ كل الآيات المذكورة التي تتحدث عن نزول القرآن في ليلة القدر وشهر رمضان قد عبرت بالإنزال ، وهو يتوافق مع النّزول دفعة واحدة ، في حين عبر بالتنزيل فقط في الموارد التي دار الكلام فيها حول النّزول التدريجي للقرآن.

لكن ، كيف كان هذا النّزول جملة على قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ هل كان على هيئة هذا القرآن الذي بين أيدينا بآياته وسورة المختلفة ، أم أنّ مفاهيمه وحقائقه قد نزلت بصورة مختصرة جامعة؟

ليس الأمر واضحا بدقّة ، بل القدر المتيقن الذي نفهمه من القرائن ـ أعلاه ـ أن هذا القرآن قد نزل دفعة واحدة في ليلة واحدة على قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة ، ونزل على مدى (٢٣) سنة بصورة تدريجية مرّة أخرى.

والشاهد الآخر لهذا الكلام ، أنّ للتعبير بالقرآن ـ في الآية أعلاه ـ ظهورا في مجموع القرآن.

صحيح أنّ كلمة القرآن تطلق على كل القرآن وجزئه ، لكن لا يمكن إنكار أن ظاهر هذه الكلمة هو مجموع القرآن عند عدم وجود قرينة أخرى معها. والتي فسر بها البعض هذه الآية بأنها بداية نزول القرآن ، وقالوا : إنّ أوّل آيات القرآن نزلت

__________________

(١) تراجع مفردات الراغب ، مادة نزل.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بيعقوب » قال الرّجل: يا ابن رسول الله، ما الّذي نزل بيعقوب؟ قال: « كان يعقوب النّبيعليه‌السلام ، يذبح لعياله في كلّ يوم شاة، ويقسم لهم من الطّعام مع ذلك ما يسعهم، وكان في عصره نبي من الأنبياء كريم على الله لا يؤبه له، قد أخمل نفسه ولزم السّياحة، ورفض الدّنيا فلا يشتغل بشئ منها، فإذا بلغ من الجهد توخّى دور الأنبياء وأبناء الأنبياء والصّالحين، ووقف لها وسأل ممـّا يسأل السّؤال، من غير أن يعرف به، فإذا أصاب ما يسمك رمقه مضى لمـّا هو عليه، (ولمـّا أغري)(١) ليلة بباب يعقوب وقد فرغوا من طعامهم، وعندهم منه بقيّة كثيرة، فسأل فأعرضوا عنه، فلا هم أعطوه شيئاً ولا صرفوه، وأطال الوقوف ينتظر ما عندهم، حتّى أدركه ضعف الجهد وضعف طول القيام، فخرّ من قامته قد غشي عليه، فلم يقم إلّا بعد هَوِىّ من اللّيل، فنهض لمـّا به ومضى لسبيله، فرأى يعقوب في منامه تلك اللّيلة ملكاً أتاه فقال: يا يعقوب، يقول لك ربّ العالمين: وسعت عليك في المعيشة، وأسبغت عليك النّعمة، فيعتري ببابك نبيّ من أنبيائي كريم عليّ، قد بلغ الجهد فتعرض أنت وأهلك عنه، وعندكم من فضول ما أنعمت به عليكم ما القليل منه يحييه، فلم تعطوه شيئاً ولم تصرفوه فيسأل غيركم، حتّى غشي عليه فخرّ من قامته لاصقاً بالأرض عامّة ليلته، وأنت في فراشك مستبطن متقلّب في نعمتي عليك، وكلاكما بعيني، وعزّتي وجلالي لأبتلينّك ببليّة تكون لها حديثاً في الغابرين، فانتبه يعقوبعليه‌السلام مذعوراً، وفزغ إلى محرابه فلزم البكاء والخوف حتّى أصبح، أتاه بنوه يسألونه ذهاب يوسف معهم » ثمّ ذكر أبو جعفرعليه‌السلام قصّة يوسف بطولها.

____________________________

(١) في المصدر: وأنه أعترى ذات، والظاهر أنّه أصوب إذ أن عراه وأعتراه: غشيه طالباً معروفه (لسان العرب ج ١٥ ص ٤٤).

٢٠١

[ ٨٠٣٢ ] ١٠ - عماد الدّين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي البقاء ابراهيم بن الحسين البصري، عن أبي طالب محمّد بن الحسن، عن أبي الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن وهبان الدّبيلي، عن عليّ بن أحمد بن كثير العسكري، عن أحمد بن المفضّل أبي سلمة الأصفهاني، عن أبي علي راشد بن عليّ بن وائل القرشي، عن عبدالله بن حفص المدني، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطأة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال فيما أوصاه إليه: « البركة في المال من إعطاء(١) الزكاة، ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين، وهم الأقربون(٢) يا كميل، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف، وتصدّق على المساكين، يا كميل، لا تردّن سائلاً ولو بشقّ تمرة، أو من شطر عنب، يا كميل، الصّدقة تنمى عند الله تعالى » الخبر.

ورواه الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول(٣) ، ويوجد في بعض نسخ نهج البلاغة.

[ ٨٠٣٣ ] ١١ - الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب: عن الجواهر للشّيخ الفاضل محمّد بن محاسن البادرائي، أنّه روى: أنّ عيسىعليه‌السلام قال: من ردّ السائل محروماً، لا تغشى الملائكة بيته سبعة أيّام.

____________________________

١٠ - بشارة المصطفى ص ٢٥.

(١) في المصدر: إيتاء.

(٢) وفيه: الأقربون لنا.

(٣) تحف العقول ص ١١٥.

١١ - مجموع الغرائب:

٢٠٢

[ ٨٠٣٤ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « للسّائل حقّ وإن جاء على فرس ».

[ ٨٠٣٥ ] ١٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّ سائلاً كان يسأل يوماً، فقالعليه‌السلام : « أتدرون ما يقول؟ » قالوا: لا، يا ابن رسول الله قالعليه‌السلام : « يقول: أنا رسولكم إن أعطيتموني شيئاً أخذته وحملته إلى هناك، وإلا أرد إليه وكفّي صفر ».

[ ٨٠٣٦ ] ١٤ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « لو لا أنّ السّائلين(١) يكذبون، ما قدّس من ردّهم ».

[ ٨٠٣٧ ] ١٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه كان يقول: « اللّهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين » فقالت له إحدى زوجاته: لم تقول هكذا؟ قال: « لأنهم يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بأربعين عاماً، ثمّ قال: أنظري ألّا تزجري المسكين، وإن سأل شيئاً فلا تردّيه ولو بشقّ تمرة، واحبيه وقربيه إلى نفسك، حتّى يقرّبك الله تعالى إلى رحمته ».

[ ٨٠٣٨ ] ١٦ - وروي: أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عباده: استطعمتك فلم تطعمني، واستقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم

____________________________

١٢ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧، وفي ج ٥ ص ٥٤٨، وأخرجه في البحار ج ٩٦ ص ١٧ ح ٢ عن جامع الأخبار ص ١٦٢.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: السؤّال.

١٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٦.

١٦ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٢٨١.

٢٠٣

تكسني، فيقول العبد: إلهي أنّه كان، وكيف كان؟ فيقول تعالى: العبد الفلاني الجائع استطعمك فما أطعمته، والفلاني العاري استكساك فما كسوته، فلأمنعنك اليوم فضلي كما منعته.

[ ٨٠٣٩ ] ١٧ - أبو علي محمّد بن همام في كتاب التّمحيص: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال - إلى أن عدّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها - لا يردّ سائلاً، ولا يبخل بنائل ».

[ ٨٠٤٠ ] ١٨ - البحار، عن الديلمي في أعلام الدين: عن أبي أمامة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « قال الخضرعليه‌السلام : من سُئل بوجه الله عزّوجلّ فردّ سائله، وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم، (إلّا)(١) عظم يتقعقع » الخبر.

[ ٨٠٤١ ] ١٩ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن زيد الشحّام، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: « ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً قطّ، فقال: لا، إن كان عنده أعطاه، وإن لم يكن عنده، قال: يكون إن شاء الله ».

[ ٨٠٤٢ ] ٢٠ - القطب الراوندي في لبّ اللّباب: عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه خرج ذات يوم معه خمسة دراهم، فأقسم عليه

____________________________

١٧ - التمحيص ص ٧٤ ح ١٧١.

١٨ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

(١) في أعلام الدين: ولا.

١٩ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦١ ح ٢١٢.

٢٠ - لبّ اللباب: مخطوط.

٢٠٤

فقير فدفعها إليه، فلمّا مضى فإذا بأعرابي على جمل، فقال له: اشتر هذا الجمل، قال: « ليس معي ثمنه »، قال: اشتر نسية، فاشتراه بمائة درهم، ثمّ أتاه إنسان فاشتراه منه بمائة وخمسين درهماً نقداً، فدفع إلى البايع مائة، وجاء بخمسين إلى داره، فسألته - أي فاطمةعليها‌السلام - عن ذلك، فقال: « أتجّرت مع الله، فأعطيته واحداً فأعطاني مكانه عشرة ».

[ ٨٠٤٣ ] ٢١ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من نهر سائلاً، نهرته الملائكة يوم القيامة ».

٢١ -( باب جواز ردّ السّائل، بعد إعطاء ثلاثة)

[ ٨٠٤٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه وقف به سائل وهو مع جماعة من أصحابه، فسأله فأعطاه، ثمّ جاء آخر فسأله فأعطاه ثمّ جاء الثّالث(١) فأعطاه ثمّ جاء الرّابع فقال له: « يرزقنا الله وإيّاك » ثمّ قال لأصحابه: « لو أنّ رجلاً عنده مائة ألف، ثمّ أراد ان يضعها موضعها لوجد ».

[ ٨٠٤٥ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام ، فجاءه سائل، فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده ثمّ ناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده

____________________________

٢١ - لب اللباب: مخطوط.

الباب - ٢١

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٥ ح ١٢٦٦.

(١) في المصدر زيادة: فسأله.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٥٩، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٦٩ ح ٥٩.

٢٠٥

فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقال: « رزقنا الله وإيّاك »(١) .

٢٢ -( باب عدم جواز الرّجوع في الصّدقة، وحكم صدقة الغلام)

[ ٨٠٤٦ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « إذا تصدّق الرّجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها، ولا أن يستوهبها، ولا أن يملكها، بعد أن تصدّق بها، إلّا بالميراث، فإنّها(١) إن دارت له بالميراث حلّت له ».

[ ٨٠٤٧ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن كتاب الفنون، قال: نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم أنّ هميانه سرق، فخرج فرأى جعفر الصّادقعليه‌السلام ، مصلّيا ولم، يعرفه فتعلّق به وقال له: أنت أخذت همياني، قال: « ما كان فيه؟ » قال: ألف دينار، قال: فحمله إلى داره، ووزن له ألف دينار، وعاد إلى منزله ووجد هميانه، فرجع(١) إلى جعفرعليه‌السلام معتذراً بالمال فأبى قبوله، وقالعليه‌السلام : « شئ خرج من يدي لا يعود إليّ » (إلى أن)(٢)

____________________________

(١) ورد في هامش الطبعة الحجرية، منه (قدّه) ما نصّه: « هذا الخبر رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٥٥ ح ٧ بإسناده عن عجلان كما في الأصل، وفيه أنهم كانوا أربعة أعطى ثلاثة منهم وردّ الرابع فالظاهر أنّه سقط في نسخة العياشي جملة أخرى، والله العالم ».

الباب - ٢٢

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٩ ح ١٢٧٥.

(١) في الطبعة الحجرية « فانهما » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٢٧٤.

(١) في المصدر: فعاد.

(٢) ليس في المصدر.

٢٠٦

قال: فسأل(٣) الرّجل، فقيل: هذا جعفر الصّادقعليه‌السلام ، قال: لا جرم هذا فعال مثله.

[ ٨٠٤٨ ] ٣ - السيّد عليّ بن طاووس في مهج الدّعوات: نقلاً من كتاب عتيق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله بن صفوة، عن محمّد بن العبّاس العاصمي، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أبيه، عن محمّد بن الرّبيع الحاجب، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام - في حديث طويل - أنّه قال: « إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا » الخبر.

٢٣ -( باب استحباب التماس الدّعاء من السّائل، واستحباب دعاء السّائل لمن أعطاه)

[ ٨٠٤٩ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنّه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٨٠٥٠ ] ٢ - الشّيخ المفيد في الاختصاص: عن القاسم، عن بريد العجلي، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك، قد كان الحال حسنة، وإنّ الأشياء اليوم متغيّرة، فقال: « إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم، فإن لم تصبها فبع وسادة من وسائدك بعشرة دراهم، ثمّ ادع عشرة من أصحابك واصنع لهم طعاماً، فإذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك » قال: فقدمت الكوفة فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها، حتّى بعت

____________________________

(٣) وفيه: فسأل عنه.

٣ - مهج الدعوات ص ١٩٦.

الباب - ٢٣

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٨.

٢ - الاختصاص ص ٢٤.

٢٠٧

وسادة لي بعشرة دراهم كما قال، وجعلت لهم طعاماً، ودعوت أصحابي عشرة، فلمّا أكلوا سألتهم أن يدعوا الله لي، فما مكثت حتّى مالت إليّ(١) الدّنيا.

٢٤ -( باب استحباب المساعدة على إيصال الصّدقة والمعروف إلى المستحقّ)

[ ٨٠٥١ ] ١ - الصّدوق في الخصال: عن حمزة بن محمّد العلوي(١) ، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن جعفر الأشعري، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن الصّادقعليه‌السلام ، عن آبائه، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٢ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف، فإن الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٣ ] ٣ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: قال: روي أنّ الصّدقة لتجري على سبعين رجلاً، تكون أجر آخرهم كأوّلهم.

____________________________

(١) في المصدر عليّ.

الباب - ٢٤

١ - الخصال ص ١٣٤ ح ١٤٥.

(١) كذا في المصدر، وفي النسخة الحجرية « حمزة بن الحسن العلوي » راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٧٨ و ٢٨١، ومجمع الرجال ج ٧ ص ٢٣٦.

٢ - الجعفريات ص ١٧١.

٣ - لب اللباب: مخطوط.

٢٠٨

[ ٨٠٥٤ ] ٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الخازن الأمين الذي يؤدّي ما ائتمن به، طيبة به نفسه فإنّه أحد المتصدّقين ».

[ ٨٠٥٥ ] ٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقة المرأة من بيت زوجها، غير مسرفة ولا مضرّة، مع علم عدم كراهيّة، لها أجر وله مثلها، لها بما أنفقت، وله بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك ».

٢٥ -( باب مواساة المؤمن في المال)

[ ٨٠٥٦ ] ١ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « أشدّ الأعمال ثلاثة: إنصاف النّاس من نفسك، حتّى لا ترضى لهم إلّا ما ترضى به لها منهم، ومواساة الأخ في الله(١) ، وذكر الله على كلّ حال ».

[ ٨٠٥٧ ] ٢ - وعن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قلت: ما أشدّ ما عمل العباد؟ قال: « إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال » الخبر.

[ ٨٠٥٨ ] ٣ - الصّدوق في مصادقة الإخوان: عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « إختبر شيعتنا في خصلتين، فإن كانتا

____________________________

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

٥ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

الباب - ٢٥.

١ - الغايات ص ٧٣.

(١) في المصدر: المال.

٢ - الغايات ص ٧٤.

٣ - مصادقة الإخوان ص ٣٦ ح ٢.

٢٠٩

فيهم (وإلّا فاغرب ثمّ اغرب)(١) ، قلت: ما هما؟ قال: المحافظة على الصّلاة(٢) ، والمواساة للإخوان وإن كان الشّئ قليلاً ».

[ ٨٠٥٩ ] ٤ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « المواساة أفضل الأعمال، وقال(١) : أحسن الإحسان مواساة الإخوان ».

[ ٨٠٦٠ ] ٥ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « يجئ أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه »، فقلت: ما أعرف ذلك فينا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « فلا شئ إذاً »، قلت: فالهلكة إذاً؟ قال: « إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد ».

[ ٨٠٦١ ] ٦ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأعمال ثلاث: إنصاف النّاس من نفسك ومواساة الأخ في الله، وذكرك الله تعالى في كلّ حال ».

[ ٨٠٦٢ ] ٧ - أصل من أصول القدماء: قال: دخل رجل إلى جعفر بن

____________________________

(١) في المصدر: وإلّا فأعزب ثمّ أعزب.

(٢) في المصدر: الصلوات في مواقيتهن.

٤ - درر الحكم ودرر الكلم ص ٤٧ ح ١٣٥٩.

(١) نفس المصدر ص ١٨٤ ح ١٩٧.

٥ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٣.

٦ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٧ - أصل من أصول القدماء.

٢١٠

محمّدعليهما‌السلام ، وقال: يابن رسول الله، ما المروّة؟ قال: « ترك الظّلم ومواساة الإخوان في السّعة » الخبر.

[ ٨٠٦٣ ] ٨ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه أوصى لبعض(١) شيعته فقال: يا معشر شيعتنا، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا، اصدقوا في قولكم، وبرّوا في أيمانكم لأوليائكم واعدائكم، وتواسوا بأموالكم، وتحابّوا بقلوبكم » الخبر.

وباقي أخبار الباب، يأتي في أبواب العشرة من كتاب الحجّ.

٢٦ -( باب استحباب الإيثار على النّفس ولو بالقليل، لغير صاحب العيال)

[ ٨٠٦٤ ] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن سماعة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سألناه عن الرّجل لا يكون عنده إلّا قوت يومه، ومنهم من عنده قوت شهر، ومنهم من عنده قوت سنة، أيعطف من عنده قوت يوم على من ليس عنده شئ؟ ومن عنده قوت شهر على من دونه؟ والسّنة(١) على نحو ذلك؟ وذلك كلّه الكفاف الذي لا يلام عليه، فقالعليه‌السلام : « هما أمران، أفضلهم(٢) فيه أحرصكم على الرّغبة فيه والأثرة على نفسه، إنّ الله عزّوجلّ

____________________________

٨ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٦٤.

(١) في المصدر: بعض، والظاهر هو الصحيح.

الباب - ٢٦

١ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٢.

(١) في المصدر: ومن عنده قوت سنة على من دونه.

(٢) وفيه: أفضلكم.

٢١١

يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣) وإلّا لا يلام عليه، اليد العليا خير اليد السّفلى، ويبدأ بمن يعول ».

[ ٨٠٦٥ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « قد فرض الله التّحمل على الأبرار في كتاب الله »، قيل: وما التّحمل؟ قال: « إذا كان وجهك آثر من(١) وجهه التمست له، وقال في قول الله عزّوجلّ:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٢) وقال: لا تستأثر عليه بما هو أحوج إليه منك ».

[ ٨٠٦٦ ] ٣ - سبط الشّيخ الطّبرسي في مشكاة الأنوار: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه سئل: ما أدنى حقّ المؤمن على أخيه؟ قال: « أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه ».

[ ٨٠٦٧ ] ٤ - وعن أنس [ قال ](١) : أنّه أهدي لرجل من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رأس شاة مشوي فقال: إنّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا حقّاً، فبعث [ به ](٢) إليه، فلم يزل يبعث به واحد بعد واحد، حتّى تداولوا بها سبعة أبيات، حتّى رجعت إلى الأوّل، فنزل( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٢ - المؤمن ص ٤٤ ج ١٠٤.

(١) في الطبعة الحجرية « عن » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٣ - مشكاة الأنوار ص ١٩٢.

٤ - مشكاة الأنوار ص ١٨٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه ليستقيم المعنى.

٢١٢

نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) وفي رواية: فتداولته تسعة أنفس، ثمّ عاد إلى الأوّل.

[ ٨٠٦٨ ] ٥ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السّلام لجميع العالم ».

[ ٨٠٦٩ ] ٦ - زيد الزرّاد في أصله: قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين، قال: « ولم ذاك؟ » فقلت: وذلك أنّا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره، ونجد الدّينار والدّرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: « كلّا، إنّكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين، ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون، إذاً لرفعنا الله إليه، وأنكرتم الأرض وأنكرتم السّماء، [ بل ](١) والذي نفسي بيده، إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدّنيا كلّها عندهم يعدل جناح بعوضة - إلى أن قالعليه‌السلام - هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر، والمؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله فقال:( وَيُؤْثِرُونَ ) (٢) الآية - إلى أن

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٥ - الجعفريات ص ٢٣١.

٦ - أصل زيد الزرّاد ص ٦.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٢١٣

قال - حليتهم طول السكوت بكتمان السّر، والصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصوم: والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر » الخبر.

[ ٨٠٧٠ ] ٧ - وفيه: قال زيد: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان، وفي ذلك محبّة من الرّحمان، ومرغمة من الشّيطان، وتزحزح عن النّيران ».

[ ٨٠٧١ ] ٨ - الشّيخ الطّوسي في أماليه: بإسناده عن أبي ذر رحمه الله، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: « جهد من مقل إلى فقير (في سرّ)(١) ».

كتاب الغايات(٢) لجعفر بن أحمد القمي: مثله.

[ ٨٠٧٢ ] ٩ - وعن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: قلت: ما أفضل الصّدقة؟ قال: « جهد المقلّ، أما سمعت الله يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) ويرى هيهنا فضلاً ».

[ ٨٠٧٣ ] ١٠ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: قال: روى جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه واللّفظ له، عن أبي هريرة: أنّه جاء

____________________________

٧ - أصل زيد الزراد ص ٢.

٨ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٥٣.

(١) كان في الطبعة الحجرية « محتال ».

(٢) الغايات ص ٦٨.

٩ - الغايات ص ٧٧.

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٠ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢١٤

رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلّا الماء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لهذا الرّجل اللّيلة؟ » فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا يا رسول الله » فأتى فاطمةعليها‌السلام وسألها: « ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصّبية، لكنّا نؤثر ضيفنا به، فقالعليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، واطفئي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل أتت فاطمةعليها‌السلام بسراج، فوجدت الجفنة مملوّة من فضل الله، فلمّا أصبح صلى مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته، نظر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وبكى بكاءً شديداً وقال: « يا أمير المؤمنين، لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة، إقرأ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) » أي مجاعة الخبر.

[ ٨٠٧٤ ] ١١ - وعن محمّد بن العتمة(١) ، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: « اللّهم وليّ المؤمنين(٢) وجار المؤمنين، اقبل قرباني اللّيلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم إنّي منعت نفسي [ مع شدّة ](٣) سغبي، أطلب القربة إليك غنماً، اللّهم فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي » فأتيته حتّى عرفته فإذا هو عليّ بن أبي طالب

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١١ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦، وعنه في البحار ج ٤١ ص ٢٩.

(١) في المصدر: الصمة.

(٢) في المصدر زيادة: وإله المؤمنين.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٢١٥

عليه‌السلام ، فأتى رجلاً فأطعمه.

[ ٨٠٧٥ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن شقيق بن سلمة، عن عبدالله بن مسعود، قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة صلة العشاء، فقام رجل من بين الصّف، فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار، أنا رجل غريب فقير، وأسألكم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاطعموني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الحبيب لا تذكر الغربة، فقد قطعت نياط قلبي، أمّا الغرباء فأربعة، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: مسجد ظهراني قوم لا يصلّون فيه، وقرآن في أيدي قوم لا يقرؤون فيه، وعالم بين قوم لا يعرفون حاله ولا يتفقّدونه، وأسير في بلاد الرّوم بين الكفّار لا يعرفون الله، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذي يكفي مؤونة هذا الرّجل؟ فيبوّئه الله في الفردوس الأعلى، فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بيد السائل، وأتى به إلى حجرة فاطمةعليها‌السلام ، فقال: يا بنت رسول الله، انظري في أمر هذا الضّيف، فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا ابن العمّ، لم يكن في البيت إلّا قليل من البرّ، صنعت منه طعاماً، والأطفال محتاجون إليه، وأنت صائم، والطّعام قليل لا يغني غير واحد، فقال: أحضريه، فذهبت وأتت بالطّعام ووضعته، فنظر إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فرآه قليلاً، فقال في نفسه: لا ينبغي أن آكل من هذا الطّعام، فإن أكلته لا يكفي الضيف، فمدّ يده إلى السّراج يريد أن يصلحه فأطفأه، وقال لسيّدة النّساءعليها‌السلام : تعلّلي في إيقاده، حتّى يحسن الضّيف أكله ثمّ إثتيني به، وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يحرّك فمه المبارك، يري الضّيف أنّه يأكل ولا يأكل، إلى أن فرغ الضّيف من

____________________________

١٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٨٩.

٢١٦

أكله وشبع، وأتت خير النّساءعليها‌السلام بالسّراج ووضعته، وكان الطّعام بحاله، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لضيفه: لم ما أكلت الطّعام؟ فقال: يا أبا الحسن أكلت الطّعام وشبعت، ولكنّ الله تعالى بارك فيه، ثمّ أكل من الطّعام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسيّدة النّساء، والحسنانعليهم‌السلام ، وأعطوا منه جيرانهم، وذلك ممـّا بارك الله تعالى فيه، فلمّا أصبح أمير المؤمنينعليه‌السلام أتى إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، كيف كنت مع الضّيف؟ فقال: بحمد الله - يا رسول الله - بخير، فقال: إنّ الله تعالى تعجّب ممـّا فعلت البارحة، من إطفاء السّراج والامتناع من الأكل للضّيف، فقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: جبرائيل، وأتى بهذه الآية في شأنك( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (١) الآية ».

[ ٨٠٧٦ ] ١٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه رأى يوماً جماعة فقال: « من أنتم؟ » قالوا: نحن قوم متوكّلون، فقال: « ما بلغ بكم توكّلكم؟ » قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقالعليه‌السلام : « هكذا يفعل الكلاب عندنا »، فقالوا: كيف نفعل يا أمير المؤمنين؟ فقال: « كما نفعله، إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا ».

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٩٠.

٢١٧

٢٧ -( باب استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصّدقة، وتقبيل ما تصدّق به، وشمّه بعد القبض، وتقبيل يد السّائل)

[ ٨٠٧٧ ] ١ - الشّيخ في مجالسه: عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزّبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن أبي أسامة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: الصّدقة تطفئ غضب الرّب، قال: وكان يقبل الصّدقة قبل أن يعطيها السّائل، قيل له: ما يحملك على هذا؟ قال: فقال: لست أقبل يد السّائل، إنّما أقبل يد ربي، إنها تقع في يد ربي، قبل أن تقع في يد السّائل ».

٢٨ -( باب استحباب القرض للصّدقة، وصدقة من عليه قرض، واستحباب الزّيادة في قضاء الدين)

[ ٨٠٧٨ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن ذريح المحاربي، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « أتى رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، وأسلفه أربعة أوساق، ولم يكن له غيرها، فأعطاها السائل، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله، ثمّ أنّ المرأة قالت لزوجها: أما

____________________________

الباب - ٢٧

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٥.

الباب - ٢٨

١ - بل كتاب محمّد بن المثنى الحضرمي ص ٨٣.

٢١٨

آن لك أن تطلب سلفك، فتقاضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: سيكون ذلك، ففعل ذلك الرّجل مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أنّه دخل ذات يوم عند اللّيل، فقال له ابن له: جئت بشئ؟ فإنّي لم أذق شيئاً اليوم، ثمّ قال: والولد فتنة، فغدا الرّجل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: سلفي، فقال: سيكون ذلك، فقال: حتّى متى سيكون ذلك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأسلفه ثمانية أوساق، فقال الرّجل: إنّما لي أربعة، فقال له: خذها، فأعطاها إيّاه ».

[ ٨٠٧٩ ] ٢ - إبن شهر آشوب في المناقب: قال: روت الخاصّة والعامّة، عن الخدري: أنّ عليّاًعليه‌السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمةعليها‌السلام طعاماً، فقالت: « ما كان إلّا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين » - إلى أن قال - فخرج واستقرض من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً: ما شاء الله، فناوله عليّعليه‌السلام الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه ونام الخبر.

وهذا الخبر، رواه جماعة من أصحابنا، بألفاظ مختلفة، أجمعها وأطولها ما رواه الشّيخ أبوالفتوح الرّازي(١) في تفسيره، وقد أخرجناه في كتابا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

____________________________

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦.

(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٦٣.

٢١٩

٢٩ -( باب تحريم السّؤال من غير احتياج)

[ ٨٠٨٠ ] ١ - الشيخ الطوسي في مجالسه: عن الحسين بن إبراهيم، عن محمّد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزّعفراني، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « يا محمّد، لو يعلم السّائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة، ما ردّ أحد أحداً - قال: ثمّ قال لي - يا محمّد، أنّه من سأل وهو بظهر(١) غنى، لقي الله مخموشاً وجهه ».

[ ٨٠٨١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في الخرائج: روى أنّ رجلاً جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما طعمت طعاماً منذ يومين، فقال: « عليك بالسّوق » فلمّا كان من الغد، دخل فقال: يا رسول الله، أتيت السّوق أمس فلم أصب شيئاً، فبتّ بغير عشاء، قال: « فعليك بالسّوق » فأتى بعد ذلك أيضاً، فقال: « عليك بالسّوق » فانطلق إليها، فإذا عير قد جاءت وعليها متاع فباعوه بفضل دينار، فأخذه الرّجل وجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما أصبت شيئاً، قال: « بل أصبت من عير آل فلان شيئاً » قال: لا، قال: « بلى، ضرب لك فيها بسهم، وخرجت منها بدينار » قال: نعم، قال: « فما حملك على أن تكذب؟ » قال: أشهد أنّك صادق، ودعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم، أتعلم ما يعمل النّاس؟ وأن أزداد خيراً إلى

____________________________

الباب - ٢٩

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٧.

(١) في المصدر: يظهر غنى.

٢ - الخرائج والجرايح ص ٨٠ باختلاف يسير.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592