الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177189 / تحميل: 5794
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

«سورة الجاثية»

محتوى السورة :

هذه السورة ـ وهي سادس الحواميم ـ من السورة المكية ، وقد نزلت في وقت كانت المواجهة بين المسلمين ومشركي مكّة قد اشتدت وسادت الأجواء الاجتماعية في مكّة ، ولذلك فإنّها أكّدت على المسائل المتعلقة بالتوحيد ، ومحاربة الشرك ، وتهديد الظالمين بمحكمة القيامة ، والتنبيه إلى كتابة الأعمال وتسجيلها ، وكذلك التنبيه إلى عاقبة الأقوام المتمردين الماضين.

ويمكن تلخيص محتوى هذه السورة في سبعة فصول :

١ ـ عظمة القرآن المجيد وأهميته.

٢ ـ بيان جانب من دلائل التوحيد أمام المشركين.

٣ ـ ذكر بعض ادعاءات الدهريين ، والردّ عليها بجواب قاطع.

٤ ـ إشارة وجيزة إلى عاقبة بعض الأقوام الماضين ـ كبني إسرائيل ـ كشاهد على مباحث هذه السورة.

٥ ـ تهديد الضالين المصرين على عقائدهم المنحرفة والمتعصبين لها تهديدا شديدا.

٦ ـ الدعوة إلى العفو والصفح ، لكن مع الحزم وعدم الانحراف عن طريق الحق.

٧ ـ الإشارات البليغة المعبرة إلى مشاهد القيامة المهولة ، وخاصة صحيفة

١٨١

الأعمال التي تشتمل على كلّ أعمال الإنسان دون زيادة أو نقصان.

وتبدأ هذه السورة بصفات وأسماء اللهعزوجل العظيمة كالعزيز والحكيم ، وتنتهي بها أيضا.

واسمها مقتبس من الآية ٢٨ منها ، و «الجاثية» تعني الجثو على الركب ، وهي إشارة الى وضع كثير من الناس في ساحة القيامة ، في محكمة العدل الإلهية تلك.

وقد ذكر المرحوم الطبرسي في مجمع البيان اسما آخر لهذه السورة غير مشهور ، وهو (الشريعة) مستلهم من الآية (١٨) من هذه السورة.

فضل تلاوة السورة :

نقرأ في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ حاميم الجاثية ستر الله عورته ، وسكن روعته عند الحساب»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قرأ سورة الجاثية كان ثوابها أنّ لا يرى النّار أبدا ، ولا يسمع زفير جهنم ولا شهيقها ، وهو مع محمّد»(٢) .

* * *

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، بداية سورة الجاثية.

(٢) تفسير البرهان ، بداية سورة الجاثية ، المجلد ٤ ، ص ١٦٧.

١٨٢

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) )

التّفسير

آيات الله في كلّ مكان :

قلنا : إنّ هذه هي السورة هي سادس السور التي تبدأ بالحروف المتقطعة (حم) وهي تشكل مع السورة الآتية ـ أي سورة الأحقاف ـ سور الحواميم السبعة.

وقد بحثنا مرارا في تفسير الحروف المتقطعة في بدايات سورة البقرة وآل

١٨٣

عمران ، وكذلك في الحواميم.

يقول المرحوم الطبرسي في بداية هذه السورة : إنّ أحسن ما يقال هو أنّ (حم) اسم هذه السورة. ثمّ ينقل عن بعض المفسّرين ، أنّ تسمية هذه السورة بـ (حم) للإشارة إلى أنّ هذا القرآن المعجز بتمامه يتكون من حروف الألف باء.

نعم ، إنّ كتاب النور والهداية والإرشاد وحل المعضلات ومعجزة نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالدة هذا ، يتركب من هذه الحروف البسيطة ، وغاية العظمة أن يتكون أمر بهذه الأهمية من هذه الحروف السهلة البسيطة.

وربّما كان هذا هو السبب في أن تتحدث الآية التالية عن عظمة القرآن مباشرة فتقول :( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (١) .

«العزيز» هو القوي الذي لا يقهر ، و «الحكيم» هو العارف بأسرار كلّ شيء ، وتقوم كل أفعاله على أساس الحكمة والدقة ، ومن الواضح أنّ الحكمة التامة والقوّة اللامحدودة من لوازم تنزيل مثل هذا الكتاب العظيم ، وهما غير موجودتين إلّا في الله العزيز المتعال.

والطريف أنّ هذه الآية قد وردت على هذه الهيئة في بداية أربع سور من القرآن الكريم ، ثلاث منها من الحواميم ـ وهي المؤمن والجاثية والأحقاف ـ والأخرى من غير الحواميم ، وهي سورة الزمر. وهذا التكرار والتأكيد يهدف إلى جلب انتباه الجميع إلى عمق أسرار القرآن وعظمة محتواه ، لئلا ينظروا ببساطة وعدم تدبر إلى أية عبارة أو تعبير من تعابيره ، ولئلا يظنوا أنّ هذه الكلمة أو تلك لا محل لها ولا فائدة من ذكرها ، لكي لا يقنعوا بحدّ معين من فهمه وإدراكه ، بل ينبغي أن يكونوا في سعي دؤوب للتوصل إلى أعمق ممّا أدركوه.

__________________

(١) (تنزيل الكتاب) خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : (هذا تنزيل الكتاب) ، ثمّ إنّ (تنزيل) مصدر جاء هنا بمعنى اسم المفعول ، وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، وتقدير الكلام : هذا كتاب منزل

١٨٤

وهنا نكتة تستحق الالتفات ، وهي أنّ صفة (العزيز) قد وردت أحيانا لوصف نفس القرآن ، مثل :( وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ) (١) ، فإنّه عزيز لا تصل إليه أيدي الذين يقولون بعدم فائدته ، ولا ينقص مر الزمان من أهميته ، ولا تبلى حقائقه ولا تفقد قيمتها ، ويفضح المحرفين أو من يحاول تحريفه ، ويشق طريقه إلى الأمام دائما رغم كل ما يوضع أمامه من عراقيل.

وقد تأتي هذه الصفة في حق منزله جل وعلا ، كما في هذه الآية ، وكلاهما صحيح.

ثمّ تناولت الآية التي بعدها بيان آيات الله سبحانه ودلائل عظمته في الآفاق والأنفس ، فقالت :( إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .

إن عظمة السماوات من جانب ، ونظامها العجيب الذي مرّت عليه ملايين السنين الذي لم ينحرف عما سار عليه قيد أنملة ، من جانب آخر ، ونظام خلقة الأرض وعجائبها ، من جانب ثالث ، يكون كلّ منها آية من آيات الله سبحانه.

إنّ للأرض ـ على قول بعض العلماء ـ أربع عشرة حركة ، وتدور حول نفسها بسرعة مذهلة ، وكذلك تدور حول الشمس بحركة سريعة ، وأخرى مع المنظومة الشمسية ضمن مجرّة «درب التبانة» ، وهي تسير في طريق لا نهاية له ، وسفر لا حدّ له ، ومع ذلك فهي من الهدوء والاستقرار بمكان ، بحيث يستقر عليها الإنسان وكل الموجودات الحية فلا يشعرون بأي اضطراب وتزلزل ، حتى ولا بقدر رأس الإبرة.

وهي ليست بتلك الصلابة التي لا يمكن معها أن تزرع ، وتبني عليها الدور والبنايات ، ولا هي رخوة ولا يمكن الثبات عليها ، والاستقرار فيها.

وقد هيئت فيها أنواع المعادن ووسائل الحياة لمليارات البشر ، سواء الماضون منهم والحاضرون والآتون ، وهي جميلة تسحر الإنسان ، وتفتنه.

والجبال والبحار وجو الأرض ـ أيضا ـ كلّ منها آية وسرّ من الأسرار.

__________________

(١) سورة فصلت ، ٤١.

١٨٥

غير أنّ علامات التوحيد هذه ، وعظمة الله تعالى إنّما يلتفت إليها وينتفع بها المؤمنون ، أي طلاب الحق والسائرون في طريق الله ، أمّا عمي القلوب المغرورون المغفلون ، فهم محرومون من إدراكها والإحساس بها.

ثمّ انتقلت السورة من آيات الآفاق إلى آيات الأنفس ، فقالت :( وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .

كما ورد في العبارة المعروفة والمنسوبة إلى أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «أتحسب انّك جرم صغير ، وفيك انطوى العالم الأكبر» ، وكلّ ما هو موجود في ذلك العالم الكبير يوجد منه نموذج مصغر في داخل جسم الإنسان وروحه.

إنّ خصاله وصفاته مركبة من خصال الكائنات الحية وصفاتها ، وتنوع خلقته عصارة مجموعة من حوادث هذا العالم الكبير.

إنّ بناء خلية من خلاياه كبناء مدينة صناعية عظيمة مليئة بالأسرار ، وخلق شعرة منه ـ بخصائصها وأسرارها المختلفة التي اكتشفت بقدرة العلم وتطوره ـ آية عظيمة من آيات الله العظيم.

إنّ وجود آلاف الكيلو مترات من العروق والشرايين والأوردة الكبيرة والصغيرة ، والأوعية الدموية الصغيرة جدّا والشعيرات المتناهية في الصغر في بدن الإنسان ، وآلاف الكيلومترات من طرق المواصلات وأسلاك الاتصالات في سلسلة الأعصاب ، وكيفية ارتباطها واتصالها بمركز القيادة في المخ ، والذي هو مزيج فذّ من العقد والأسرار ، وقوي في الوقت نفسه ، وكذلك طريقة عمل كلّ جهاز من أجهزة البدن الداخلية وانسجامها العجيب في مواجهة الأحداث المفاجئة ، والدفاع المستميت للقوى المحافظة على البدن ضد هجوم العوامل الخارجية كلّ واحد من هذه الأمور يشكل ـ بحد ذاته ـ آية عظمى من آيات الله سبحانه.

وإذا تجاوزنا الإنسان ، فإنّ مئات الآلاف من أنواع الكائنات الحية ، ابتداء من الحيوانات المجهرية وحتى الحيوانات العملاقة ، بخصائصها وبناء أجهزتها

١٨٦

المختلفة تماما ، والتي قد يصرف جمع من العلماء كلّ أعمارهم أحيانا لمطالعة حياة وسلوك نوع واحد منها ، ومع أنّ آلاف الكتب قد كتبت حول أسرار هذه المخلوقات ، فإنّ ما نعلمه عنها قليل بالنسبة إلى ما نجهله منها كلّ واحد من هذه المخلوقات آية بنفسه ، ودليل على علم مبدئ الخلقة وحكمته وقدرته اللامتناهية.

لكن ، لماذا يعيش جماعة عشرات السنين في ظل هذه الآيات ، ويمرون عليها ، دون أن يطلعوا حتى على واحدة منها!؟

إنّ سبب ذلك هو ما يقرره القرآن الكريم من أنّ هذه الآيات خاصّة للمؤمنين وطلاب اليقين وأصحاب الفكر والعقل ، ولأولئك الذين فتحوا أبواب قلوبهم لمعرفة الحقيقة ، بكلّ وجودهم الظامئ للعلم واليقين ليرتووا من صافي نبعه وفيضه ، فلا تعزب عن نظرهم أدنى حركة ولا أصغر موجود ، ويفكرون فيه الساعات الطوال ، ليجعلوا منه سلما للارتقاء إلى الله سبحانه ، وسجلا لمعرفته جلّ وعلا ، وليذوبوا في مناجاته ، وليملؤوا أقداح قلوبهم من خمرة عشقه فينتشوا منها.

وتذكر الآية التالية ثلاث مواهب أخرى لكلّ منها أثره الهام في حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى ، وكل منها آية من آيات الله تعالى ، وهي مواهب «النور» و «الماء» و «الهواء» ، فتقول :( وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

إنّ نظام «النور والظلمة» ، وحدوث الليل والنهار حيث يخلف كلّ منهما الآخر نظام موزون دقيق جدّا ، وهو عجيب في وضعه وسنته وقانونه ، فإذا كان النهار دائميا ، أو أطول من اللازم ، فسترتفع الحرارة حتى تحترق الكائنات الحية ، ولو كان الليل سرمدا ، أو طويلا جدّا لانجمدت الموجودات من شدّة البرد.

ويحتمل في تفسير الآية أنّ لا يكون المراد من اختلاف الليل والنهار تعاقبهما ، بل هو إشارة إلى اختلاف المدة وتفاوت الليل والنهار ، في فصول السنة ، فيعود

١٨٧

نفعه على الإنسان من خلال ما ينتج عن هذا الاختلاف من المحاصيل الزراعية المختلفة والنباتات والفواكه ، ونزول الثلوج وهطول الأمطار والبركات الأخرى.

والطريف أنّ العلماء يقولون : بالرغم من التفاوت الشديد بين مناطق الأرض المختلفة من ناحية طول الليل والنهار وقصرهما ، فإنّنا إذا حسبنا مجموع أيّام السنة فسنرى أنّ كلّ المناطق تستقبل نفس النسبة من أشعة الشمس تماما(١) .

ثمّ تتناول الحديث في الفقرة الثانية عن الرزق السماوي ، أي «المطر» والذي لا كلام في لطافة طبعه ورقته ، ولا بحث في قدرته على الإحياء ، وبعثه الحياة في كلّ الأرجاء ومنحها الجمال والروعة.

ولم لا يكون كذلك ، والماء يشكل الجانب الأكبر والقسم الأساسي من بدن الإنسان ، وكثير من الحيوانات الأخرى ، والنباتات؟

ثمّ تتحدث في الفقرة الثالثة عن هبوب الرياح تلك الرياح التي تنقل الهواء المليء بالأوكسجين من مكان إلى آخر ، وتضعه تحت تصرف الكائنات الحية ، وتبعد الهواء الملوث بالكاربون إلى الصحارى والغابات لتصفيته ، ثمّ إعادته إلى المدن.

والعجيب أنّ هاتين المجموعتين من الكائنات الحية ـ أي الحيوانات والنباتات ـ متعاكسة في العمل تماما ، فالأولى تأخذ الأوكسجين وتعطي غاز ثاني أوكسيد الكاربون ، والثانية على العكس تتنفس ثاني أوكسيد الكاربون وتزفر الأوكسجين ، ليقوم التوازن في نظام الحياة ، ولكي لا ينفذ مخزون الهواء النقي المفيد من جو الأرض بمرور الزمان.

إنّ هبوب الرياح ، إضافة إلى ذلك فانّه يلقح النباتات فيجعلها حاملة للأثمار والمحاصيل ، وينقل أنواع البذور إلى الأراضي المختلفة لبذرها هناك ، وينمي

__________________

(١) وردت بحوث مفصلة حول اختلاف الليل والنهار ، في سورة البقرة ـ ذيل الآية ١٦٤ وفي سورة آل عمران ذيل الآية ١٩٠ ، وفي سورة يونس ذيل الآية ٦ ، وفي ذيل الآية ٧١ من سورة القصص.

١٨٨

المراتع الطبيعية والغابات ، ويهيج الأمواج المتلاطمة في قلوب المحيطات ، ويبعث الحركة والحياة في البحار ويثير أمواجها العظيمة ، ويحفظ الماء من التعفن والفساد ، وهذه الرياح نفسها هي التي تحرك السفن على وجه المحيطات والبحار وتجريها(١) .

والطريف أنّ هذه الآيات تتحدث أوّلا عن آيات السماء والأرض وتقول في نهاية الآية الأولى : إنّها آيات «للمؤمنين» ، ثمّ تتناول الحديث في خلق الكائنات الحية فتقول في نهاية الآية الثانية : إنّها آيات «للموقنين» ، وبعد ذلك تتكلم في أنظمة النور والظلمة ، والرياح والأمطار ، ثمّ تقول : إنّها آيات للذين «يعقلون».

إنّ هذا التفاوت في التعبير لعله بسبب أنّ الإنسان يطوي ثلاث مراحل في سيره إلى معرفة الله سبحانه ليصل إلى هدفه ، فالأولى مرحلة «التفكر» ، والثانية مرحلة «اليقين» والعلم ، وبعدها مرحلة «الإيمان» أو ما يسمى بعقد القلب ، ولما كان الإيمان أشرف هذه المراحل ، ثمّ يأتي بعده اليقين ، وفي المرحلة الثالثة يأتي التفكير ، فقد وردت هذه المراحل حسب هذا الترتيب في الآيات المذكورة ، وإن كانت المراحل من ناحية الوجود الخارجي تبدأ بمرحلة التفكر ، ثمّ اليقين ، ثمّ الإيمان.

وبتعبير آخر فإنّ أهل الإيمان يرتقون إلى هذه المرحلة من خلال مشاهدة آيات الله سبحانه ، أمّا الذين ليسوا منهم فليصلوا إلى مرحلة اليقين أو إلى مرحلة التفكر على أقل التقادير.

وقد ذكر المفسّرون في هذا الباب وجوها أخرى أيضا ، وما قلناه هو الأنسب.

وتقول الآية الأخيرة ، إجمالا للبحوث الماضية ، وتبيانا لعظمة آيات القرآن وأهميتها :( تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ ) .

هل أنّ كلمة «تلك» إشارة إلى آيات القرآن ، أم إلى آيات الله والعلامات الدالة

__________________

(١) لقد وردت بحوث مفصلة حول آثار الرياح والأمطار في ذيل الآيات ٤٦ ـ ٥٠ من سورة الروم.

١٨٩

عليه في الآفاق والأنفس ، والتي مرّت الإشارة إليها في الآيات السابقة؟

كلّ محتمل ، إلّا أنّ الظاهر هو أنّ المراد الآيات القرآنية بقرينة التعبير بالتلاوة ، غاية ما في الأمر أنّ هذه الآيات القرآنية آيات الله سبحانه في كلّ عالم الوجود ، وعلى هذا فيمكن الجمع بين التّفسيرين (فتأمل!).

وعلى أية حال ، فإنّ (التلاوة) من مادة (تلو) أي الإتيان بالكلام بعد الكلام متعاقبا ، وبناء على هذا فإنّ تلاوة آيات القرآن تعني قراءتها بصورة متوالية متعاقبة.

والتعبير بالحق إشارة إلى محتوى هذه الآيات ، وهو أيضا إشارة إلى كون نبوّة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوحي الإلهي حقّا. وبعبارة أخرى ، فإنّ هذه الآيات بليغة معبرة تضمنت في طياتها الاستدلال على حقانيتها وحقانية من جاءها.

وحقّا إذا لم يؤمن هؤلاء بهذه الآيات فبأي شيء سوف يؤمنون؟ ولذلك تعقب الآية :( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ ) (١) .

وعلى قول «الطبرسي» في مجمع البيان ، فإنّ الحديث إشارة إلى قصص الأقوام الماضين ، وأحداثهم التي تبعث على الإعتبار بهم ، في حين أنّ الآيات تقال للدلائل التي تميز الحق من الباطل والصحيح من السقيم ، وآيات القرآن المجيد تتحدث عن الإثنين معا.

حقا إنّ للقرآن الكريم محتوى عميقا من ناحية الاستدلال والبراهين على التوحيد ، وكذلك فهو يحتوي على مواعظ وإرشادات تجذب العباد إلى الله سبحانه حتى القلوب التي لها أدنى استعداد ـ أو أرضية صالحة ـ وتدعوا كلّ مرتبط بالحق الى الطهارة والتقوى ، فإذا لم تؤثر هذه الآيات البينات في أحد فلا أمل في هدايته بعد ذلك.

* * *

__________________

(١) للتعبير بـ (بعد الله) محذوف ، والتقدير : فبأي حديث بعد حديث الله.

١٩٠

الآيات

( وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) )

التّفسير

ويل لكلّ أفاك أثيم :

رسمت الآيات السابقة صورة عن فريق يسمعون كلام الله مدعما بمختلف أدلة التوحيد والمواعظ والإرشاد ، فلا يترك أثرا في قلوبهم القاسية.

أمّا هذه الآيات فتتناول بالتفصيل عواقب أعمال هذا الفريق ، فتقول : أوّلا :( وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) .

«الأفاك» صيغة مبالغة ، وهي تعني الشخص الذي يكثر الكذب جدّا ، وتقال أحيانا لمن يكذب كذبة عظيمة حتى وإن لم يكثر من الكذب.

١٩١

و «الأثيم» من مادة إثم ، أي المجرم والعاصي ، وتعطي أيضا صفة المبالغة.

ويتّضح من هذه الآية جيدا أنّ الذين يقفون موقف الخصم العنيد المتعصب أمام آيات الله سبحانه هم الذين غمرت المعصية كيانهم ، فانغمسوا في الذنوب والآثام والكذب ، لا أولئك الصادقون الطاهرون ، فإنّهم يذعنون لها لطهارتهم ، ونقاء سريرتهم.

ثمّ تشير الآية التالية إلى كيفية اتخاذهم لموضع الخصام هذا ، فتقول :( يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها ) (١) ولهذا فإنّه بحكم تلوثه بالذنب والكذب ، والغرور والكبر والعجب ، يمر كأن لم يسمع كلّ هذه الآيات ، وكأنه أصم أو أنّه يعتبر نفسه كذلك ، كما ورد لك في الآية (٧) من سورة لقمان :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ) .

وتهدده الآية في نهايتها بالعذاب الشديد ، فتقول :( فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) فكما أنّه آذى قلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين وآلمهم ، فإنّنا سنبتليه بعذاب أليم أيضا ، لأنّ عذاب القيامة تجسم لأعمال البشر في الحياة الدنيا.

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين ذكر سبب نزول لهذه الآية والآية التي تليها ، واعتبروهما إشارة إلى أبي جهل أو النظر بن الحارث ، ذلك أنّهم كانوا قد جمعوا قصصا وأساطير من العجم ليلهوا بها الناس ويصرفوهم عن دين الحق.

لكن من الواضح أنّ هذه الآية لا تختص بهم ، بل ولا بمشركي العرب أيضا ، فهي تشمل كلّ المجرمين الكاذبين المستكبرين في كلّ عصر وزمان ، وكلّ الذين يصرون كأن لم يسمعوا آيات الله سبحانه ونداءات الأنبياء وكلمات الأئمّة والعظماء ، لأنّها لا تنسجم مع شهواتهم وميولهم ورغباتهم المنحرفة ، ولا تؤيد أفكارهم الشيطانية ، ولا توافق عاداتهم الخاطئة وأعرافهم البالية وتقاليدهم العمياء.

__________________

(١) يمكن أن تكون عبادة (يسمع آيات الله) جملة مستأنفة ، أو هي وصف آخر لـ (كل).

١٩٢

نعم ، بشّر كلّ أولئك بالعذاب الأليم.

ولما كان العذاب لا ينسجم مع البشارة ، فإنّ هذا التعبير ورد من باب السخرية والاستهزاء.

ثمّ تضيف الآية التي بعدها :( وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً ) (١) .

في الحقيقة ، توجد لدى هؤلاء الجاهلين الأنانيين حالتان :

الأولى : أنّهم غالبا ما يسمعون آيات الله فلا يعبؤون بها ، ويمرون عليها دون اهتمام وتعظيم ، فكأنّهم لم يسمعوها أيضا.

والأخرى : أنّهم إذا سمعوها وأرادوا أن يهتموا بها ، فليس لهم من رد فعل إزاءها إلّا الاستهزاء والسخرية. وكلهم مشتركون في هاتين الحالتين ، فمرّة هذه ، وأخرى تلك ، وبناء على هذا فلا تعارض بين هذه الآية والتي قبلها.

والطريف أنّها تقول أوّلا :( وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً ) ثمّ لا تقول : إنّه يستهزئ فيما بعد بما علم ، بل تقول : إنّه يتخذ كلّ آياتنا هزوا ، سواء التي علمها والتي لم يعلمها ، وغاية الجهل أن ينكر الإنسان شيئا أو يستهزئ به وهو لم يفهمه أصلا ، وهذا خير دليل على عناد أولئك وتعصبهم.

ثمّ تصف الآية عقاب هؤلاء في النهاية فتقول :( أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) ولم لا يكون الأمر كذلك ، فإنّ هؤلاء كانوا يريدون أن يضفوا على أنفسهم الهيبة والعزة والمكانة الاجتماعية من خلال الاستهزاء بآيات الله سبحانه ، إلّا أنّ الله تعالى سيجعل عقابهم تحقيرهم ومذلتهم وهوانهم ، ويبتليهم بعذاب القيامة المهين المذل ، فيسبحون على وجوههم مصفّدين مكبّلين ثمّ يرمون على تلك الحال في جهنم ، ويلاحقهم مع ذلك تقريع ملائكة العذاب وسخريتهم.

ومن هنا يتّضح لماذا وصف العذاب بالأليم في الآية السابقة ، وبالمهين هنا ،

__________________

(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ ضمير (اتخذها) لا يعود على (شيئا) ، بل على (آياتنا).

١٩٣

وبالعظيم في الآية التالية ، فكلّ منها يناسب نوعية جرم هؤلاء وكيفيته.

وتوضح الآية التالية العذاب المهين ، فتقول :( مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ ) .

إن التعبير بالوراء مع أنّ جهنّم أمامهم وسيصلونها في المستقبل ، يمكن أن يكون ناظرا إلى أنّ هؤلاء قد أقبلوا على الدنيا ونبذوا الآخرة والعذاب وراء ظهورهم ، وهو تعبير مألوف ، إذ يقال للإنسان إذا لم يهتم بأمر ، تركه وراء ظهره ، والقرآن الكريم يقول :( إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ) (١) .

وقال جمع من المفسّرين أيضا : إنّ كلمة (وراء) من مادة المواراة ، وتقال لكلّ شيء خفي على الإنسان وحجب عنه ، سواء كان خلفه ولا يراه ، أم أمامه لكنّه بعيد لا يراه ، وعلى هذا فإنّ لكلمة (وراء) معنى جامعا يطلق على مصداقين متضادين(٢) .

وليس ببعيد إذا قلنا : إنّ التعبير بالوراء إشارة إلى مسألة العلة والمعلول ، فمثلا نقول : إذا تناولت الغذاء الفلاني غير الجيد فستمرض بعد ذلك ، أي إنّ تناول الغذاء يكون علة لذلك المرض ، وهنا أيضا تكون أعمال هؤلاء علة لعذاب الجحيم المهين.

وعلى أية حال ، فإنّ الآية تضيف مواصلة الحديث أنّ هؤلاء إن كانوا يظنون أنّ أموالهم الطائلة وآلهتهم التي ابتدعوها ستحل شيئا من أثقالهم ، وأنّها ستغني عنهم من الله شيئا ، فإنّهم قد وقعوا في اشتباه عظيم ، حيث :( وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ ) .

ولما لم يكن هناك سبيل نجاة وفرار من هذا المصير ، فإنّ هؤلاء يجب أن يبقوا في عذاب الله ونار غضبه :( وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

__________________

(١) سورة الدهر ، الآية ٢٧.

(٢) قال البعض أيضا : إنّ كلمة (وراء) إنّ أضيفت إلى الفاعل أعطت معنى الوراء ، وإن أضيفت إلى المفعول أعطت معنى الأمام. روح البيان ، المجلد ٨ ، صفحة ٤٣٩. لكن لا دليل على هذا المدعى.

١٩٤

ولقد استصغر هؤلاء آيات الله سبحانه ، ولذلك سيعظم الله عذابهم ، وقد اغتر هؤلاء وتفاخروا فألقاهم الله في العذاب الأليم!

إن هذا العذاب عظيم من كلّ الجهات ، فهو عظيم في خلوده ، وشدته ، وباقترانه بالتحقير ، والإهانة ، وعظيم في نفوذه إلى نخاع وقلوب المجرمين

نعم إنّ الذنب العظيم ، أمام الله العظيم ، لا يكون جزاؤه إلّا العذاب العظيم.

* * *

١٩٥

الآيات

( هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) )

التّفسير

كل شيء مسخر للإنسان :

مواصلة للبحوث التي وردت في الآيات السابقة حول عظمة آيات الله ، تتناول هذه الآيات نفس الموضوع ، فتقول :( هذا هُدىً ) فهو يميز بين الحق والباطل ، ويضيء حياة الإنسان ، ويأخذ بيد سالكي طريق الحق ليوصلهم إلى هدفهم

١٩٦

ومنزلهم المقصود ، لكن :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ) .

«الرجز» يعني الاضطراب والاهتزاز وعدم الانتظار ، كما يقول الراغب في مفرداته ، وتقول العرب : رجز البعير إذا تقاربت خطواته واضطرب لضعف فيه.

وتطلق هذه الكلمة أيضا على مرض الطاعون والابتلاءات الصعبة ، أو العواصف الثلجية الشديدة ، والوساوس الشيطانية وأمثال ذلك ، لأنّ كلّ هذه الأمور تبعث على الاضطراب والتزلزل وعدم الانتظام والانضباط ، وإنّما يقال لأشعار الحرب (رجز) لأنّها مقاطع قصيرة متقاربة ، أو لأنّها تلقي الرعب والاضطراب بين صفوف الأعداء.

ثمّ تحول زمان الحديث إلى بحث التوحيد الذي مرّ ذكره في الآيات الأولى لهذه السورة ، فتعطي المشركين دروسا ، بليغة مؤثرة في توحيد الله سبحانه ومعرفته.

فتارة تدغدغ عواطفهم ، وتقول :( اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

من الذي أودع في مادة السفن الأصلية خاصية الطفو على الماء وعدم الغطس؟ ومن الذي جعل الماء فراشا ناعما حركتها حتى استطاعت أن تسير فيه بكلّ سهولة ويسر؟ ومن الذي أمر الرياح أن تمرّ على سطح المحيطات بصورة منتظمة لتحرك السفن وتسيرها؟ أو يحل قوّة البخار محل الهواء ليزيد من سرعة هذه السفن العظيمة؟

نحن نعلم أنّ أكبر وسائط نقل الإنسان وأهمها في الماضي والحاضر هي السفن الصغيرة والكبيرة ، والتي تنقل على مدار السنة ملايين البشر ، وأكثر من ذلك البضائع التجارية من أقصى نقاط العالم إلى المناطق المختلفة ، وقد تكون السفن أحيانا بسعة مدينة صغيرة ، وسكانها بعدد سكانها ، وهي مجهزة بمختلف الوسائل والأموال.

١٩٧

حقا لو لم تكن هذه القوى الثلاث ، أفيكون بمقدور الإنسان أن يحل مشاكل حمله ونقله بواسطة المراكب العادية البسيطة؟ حتى هذه المراكب والوسائط البسيطة هي بحدّ ذاتها من نعمه سبحانه ، وهي فعالة في مجالها.

والطريف أنّ الآية (٣٢) من سورة إبراهيم تقول :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) أمّا هنا فإنّ الآية تقول :( سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ ) لأنّ التأكيد هناك كان على تسخير البحار ، ولذلك اتبعتها بقولها :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ ) أمّا هنا فإنّ الآية ناظرة إلى تسخير الفلك ، وعلى أية حال ، فإنّهما معا مسخران للإنسان بأمر الله سبحانه ، وهما في خدمته.

إنّ الهدف من هذا التسخير هو أن تبتغوا من فضل الله ، وهذا التعبير يأتي عادة في مورد التجارة والنشاطات الاقتصادية ، ومن الطبيعي أنّ نقل المسافرين من مكان الى آخر في ضمن هذا التسخير.

والهدف من الاستفادة من فضل الله هو إثارة حسن الشكر لدى البشر ، لتعبئة عواطفهم لأداء شكر المنعم ، وبعد ذلك يسيرون في طريق معرفة الله سبحانه.

كلمة «الفلك» ـ وكما قلنا سابقا ـ تستعمل للمفرد والجمع.

ولمزيد من التفصيل حول تسخير البحار والفلك ، ومنافعها وبركاتها ، راجعوا ذيل الآية (١٤) سورة النحل.

بعد بيان السفن التي لها تماس مباشر بحياة البشر اليومية ، تطرقت الآية التي بعدها إلى مسألة تسخير سائر الموجودات بصورة عامة ، فتقول :( وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) .

فقد كرّمكم إلى درجة أنّ سخر لكم كلّ موجودات العالم ، وجعلها في خدمتكم ولتأمين مصالحكم ومنافعكم ، فالشمس والقمر ، والرياح والمطر ، والجبال والوديان ، والغابات والصحاري ، والنباتات والحيوانات ، والمعادن والمنابع الغنية التي تحت الأرض ، وبالجملة فإنّه أمر كلّ هذه الموجودات أن تكون في خدمتكم ،

١٩٨

ومطيعة لأمركم ، ومنفذة لإرادتكم ، لتتمتعوا بنعمه ومواهبه سبحانه ، ولا تذهلوا في سكرة الغفلة عنه.

ومما يستحق الانتباه أنّه يقول :( جَمِيعاً مِنْهُ ) (١) فإذا كانت كلّ النعم منه ، وهو خالقها وربها ومدبرها جميعا ، فلما ذا يعرض الإنسان عنه ويلجأ إلى غيره ، ويتسكع على اعتبار المخلوقات الضعيفة ، ويبقى في غفلة وذهول عن المنعم الحقيقي عليه؟ ولذلك تضيف الآية في النهاية :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

لقد كانت الآية السابقة تلامس عاطفة الإنسان وتحاول إثارتها ، وهنا تحاول هذه الآية تحريك عقل الإنسان وفكره ، فما أعظم رحمة ربّنا سبحانه!! إنّه يتحدث مع عباده بكلّ لسان وأسلوب يمكن أن يطبع أثره ، فمرّة بحديث القلب ، وأخرى بلسان الفكر ، والهدف واحد من كلّ ذلك ، ألا وهو إيقاظ الغافلين ودفعهم إلى سلوك السبيل القويم.

وقد أوردنا بحثا مفصلا حول تسخير مختلف موجودات العالم في ذيل الآيات ٣١ ـ ٣٣ من سورة إبراهيم.

ثمّ تطرقت الآية التالية إلى ذكر قانون أخلاقي يحدد كيفية التعامل مع الكفار لتكمل أبحاثها المنطقية السابقة عن هذا الطريق ، فحولت الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت :( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ) .

فمن الممكن أن تكون معاملة هؤلاء قاسية ، وتعبيراتهم خشنة غير مؤدبة ، وألفاظهم بذيئة ، وذلك لبعدهم عن مبادئ الإيمان وأسس التربية الإلهية ، غير أنّ عليكم أن تقابلوهم بكلّ رحابة صدر لئلا يصروا على كفرهم ويزيدوا في تعصبهم ،

__________________

(١) ثمّة احتمالات عديدة في إعراب (جميعا منه) وتركيبها ، فقد احتمل الزمخشري في الكشاف احتمالين : الأول : إنّ (جميعا منه) حال لـ (ما في السموات وما في الأرض) أي إنّها جميعا مسخرة لكم لكنّها منه سبحانه. والآخر : إنّه خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هي منه جميعا. واحتمل البعض أيضا أن تكون تأكيدا لـ (ما في السموات وما في الأرض).

١٩٩

فتعبد المسافة بينهم وبين الحق.

إنّ حسن الخلق والصفح ورحابة الصدر يقلل من ضغوط هؤلاء وعدائهم من جهة ، كما أنّه يمكن أن يكون عاملا لجذبهم إلى الإيمان وإقبالهم عليه.

وقد ورد نظير هذا الأمر الأخلاقي كثيرا في القرآن الكريم كقوله تعالى :( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (١)

إنّ التصلب في التعامل مع الجاهلين والإصرار على عقوبتهم لا يثمر في العادة ، بل إن تجاهلهم والاعتزاز بالنفس أمامهم هو الأسلوب الناجح في إيقاظهم ، وهو عامل مؤثر في هدايتهم.

وليس هذا قانونا عاما بالطبع ، إذ لا يمكن إنكار وجود حالات لا يمكن معالجتها ومواجهتها إلّا بالغلظة والشدّة ، غير أنّها قليلة.

والنكتة الأخرى هنا أنّ كلّ الأيّام هي أيّام الله ، إلّا أنّ (أيّام الله) قد أطلقت على أيّام خاصّة ، للدلالة على عظمتها وأهميتها.

لقد ورد هذا التعبير في موضعين من القرآن المجيد : أحدهما في هذه الآية ، والآخر في سورة إبراهيم ، وله هناك معنى أوسع وأشمل.

وقد فسّرت «أيّام» في الرّوايات الإسلامية بتفاسير مختلفة ، ومن جملتها ما ورد في تفسير علي بن إبراهيم بأنّ أيّام الله ثلاثة : يوم قيام المهدي ، ويوم الموت ، ويوم القيامة(٢) .

ونقرأ في حديث آخر عن النّبي الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «أيام الله نعماؤه وبلاؤه ببلائه»(٣) .

وعلى أية حال ، فإنّ هذا التعبير يبين أهمية يوم القيامة ، يوم تجلي حاكمية الله

__________________

(١) سورة الزخرف ، الآية ٨٩.

(٢) تفسير نور الثقلين ، المجلد ٢ ، صفحة ٥٢٦.

(٣) المصدر السابق.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

(سهل بن أحمد)(١) ، عن محمّد بن محمّد الأشعث، عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ)(٢) ، رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر، فلم يدخلاه الجنّة، رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان، ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له ».

[ ٨٧٠٤ ] ٢ - السيد فضل الله في نوادره: عن علي بن الحسن الورّاق، عن أبي محمّد، عن اسحاق بن عيسى، عن الحسين بن علي، عن اسماعيل بن سعيد، عن يزيد بن هارون، عن المسعودي، يقول: من قرأ أول ليلة من شهر رمضان( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) (١) حفظ إلى مثلها من قابل.

[ ٨٧٠٥ ] ٣ - وعن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عبد الرحمان، عن أبي بكر بن محمّد، عن محمّد بن عمرو بن مذعورة، عن ابي هريرة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من صلى في شهر رمضان، في كلّ ليلة ركعتين، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب مرّة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، إن شاء صلاهما في أوّل الليل، وإن شاء في آخر

____________________________

(١) في جامع الأحاديث: محمّد بن عبدالله، وفي البحار كما في المتن وكلاهما من مشايخ مؤلف جامع الأحاديث.

(٢) ليس في جامع الأحاديث.

٢ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٥٠ ح ١٩.

(١) الفتح ٤٨: ١.

٣ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٦ ح ١١.

٤٨١

الليل، والذي بعثني بالحق نبيّا، إنّ الله عزّوجلّ يبعث بكلّ ركعة مائة الف ملك، يكتبون له الحسنات، ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات، واعطاه ثواب من أعتق سبعين رقبة ».

[ ٨٧٠٦ ] ٤ - البحار، عن اعلام الدين للديلمي: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ في شهر رجب وشعبان وشهر رمضان، كلّ يوم وليلة: فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ بربّ الناس، وقل أعوذ بربّ الفلق، ثلاث مرّات، ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثلاث مرّات، ثمّ يصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثلاث مرات، ثمّ يقول: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وعلى كلّ ملك ونبي، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أربعمائة مرة، ثمّ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده، من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك كلّه في الشهور الثلاثة ولياليها، لا يفوتها شئ، لو كانت ذنوبه عدد قطر المطر، وورق الشّجر، وزبد البحر، غفرها الله له، وأنّه ينادي مناد يوم الفطر، يا عبدي أنت ولييّ حقّا حقّا، ولك عندي بكلّ حرف قرأته، شفاعة في الإخوان والأخوات، بكرامتك عليّ، ثمّ قال: والذي بعثني بالحقّ نبيّا، إنّ من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك في هذه الشّهور الثّلاثة ولياليها، ولو في عمره مرّة واحدة، اعطاه الله بكلّ حرف سبعين الف حسنة، كلّ حسنة عند الله أثقل من جبال الدّنيا، ويقضي الله له سبعمائة حاجة

____________________________

٤ - البحار ج ٩٦ ص ٣٨١ ح ٧ عن اعلام الدين ص ١١٣.

٤٨٢

عند نزعه، وسبعمائة حاجة في القبر، وسبعمائة حاجة عند خروجه من قبره، ومثل ذلك عند تطاير الصّحف، ومثله عند الميزان، ومثله عند الصراط، ويظلّه تحت ظلّ عرشه، ويحاسبه حسابا يسيرا، ويشيّعه سبعون الف ملك إلى الجنّة، ويقول الله تعالى: خذها لك في هذه الأشهر(١) ، ويذهب به إلى الجنّة، وقد أعدّ له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ».

[ ٨٧٠٧ ] ٥ - الكافي: عن محمّد بن عيسى، بإسناده عن الصالحينعليهم‌السلام ، قال: تكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، هذا الدّعاء ساجدا وقائما، [ وقاعداً ](١) وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ كن لوليّك فلان بن فلان، هذه الساعة، وفي كلّ ساعة، وليّا، وحافظا، وناصرا، ودليلا، وقائدا، وعينا، حتّى تسكنه أرضك طوعا، وتمتّعه فيها طويلا ».

ورواه الكفعمي في مصباحه: مثله، باختلاف يسير(٢) .

[ ٨٧٠٨ ] ٦ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: وأمّا ما رواه العامة، عن جعفر، عن آبائه، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ من صلى ليلة سبع وعشرين، ركعتين يقرأ في كلّ ركعة: فاتحة الكتاب، وإنّا أنزلناه مرة، وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة، فإذا سلّم استغفر مائة

____________________________

(١) في نسخة: هذا الشهر.

٥ - الكافي ج ٤ ص ١٦٢ ح ٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) مصباح الكفعمي ص ٥٨٦.

٦ - لب اللباب: مخطوط.

٤٨٣

مرّة، وصلى على النبي وآله مائة مرة، فقد أدرك ليلة القدر »، فإنّ هذه الرواية، لا تنافي ما صحّ من أنّ ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، لأنّ هذه الرواية تختصّ بمن فاته ليلة ثلاث وعشرين، فأدرك ليلة سبع وعشرين.

[ ٨٧٠٩ ] ٧ - وفيه: روي أنّ الملائكة إذا ما سلّموا ليلته على المنتبهين الذّاكرين، ثمّ يرجعون إلى السماء، يأمرهم الله تعالى بالانصراف إلى الأرض، حتّى يسلّموا على النائمين من المؤمنين، على كلّ واحد سبعين سلاما.

[ ٨٧١٠ ] ٨ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « أتدرون لم سمّي شعبان شعبان؟ لأنّه يتشعب منه خير كثير لرمضان، وإنّما سمّي رمضان رمضان، لأنّه ترمض فيه الذنوب - أي تحرق - وقال: إنّ لله في كلّ يوم جمعة، ستمائة الف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوها، وفي كلّ ساعة من ليل أو نهار من شهر رمضان، الف عتيق من النار، كلّهم قد استوجبوها، وله يوم الفطر مثل ما أعتق في الشهر والجمعة ».

[ ٨٧١١ ] ٩ - الصدوق في الأمالي، وفضائل الأشهر الثلاثة: عن صالح بن عيسى العجلي، عن محمّد بن علي بن علي، عن محمّد بن الصلت، عن محمّد بن بكير، عن عباد المهلبي، عن سعد بن عبدالله، عن هلال بن عبدالله(١) ، عن علي بن زيد بن جدعان(٢) ، عن

____________________________

٧، ٨ - لب اللباب: مخطوط.

٩ - أمالي الصدوق ص ١٩١ ح ١، فضائل الاشهر الثلاثة ص ١١٢.

(١) في الأمالي: عبد الرحمن.

(٢) في الطبعة الحجرية: يعلى بن زيد بن جذعان، والصواب أثبتناه من المصدر « راجع تهذيب التهذيب ج ٨ ص ٣٢٢ ».

٤٨٤

سعيد بن المسيّب، عن عبد الرحمان بن سمرة، قال: كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: « رأيت البارحة عجائب » فقلنا يا رسول الله، وما رأيت؟ حدّثنا [ به ](٣) فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا. فقال:

« رأيت رجلاً من أُمتي، قد أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه فمنعه منه - إلى أن قال - ورأيت رجلاً من أُمّتي يلهث عطشا، كلّما ورد حوضا منع منه، فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه ».

[ ٨٧١٢ ] ١٠ - وفي الأمالي: عن علي بن أحمد الدقاق، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني، عن أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ، قال: « قال موسىعليه‌السلام : إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا؟ قال: يا موسى، اقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه، قال: إلهي، فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس؟ قال: يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه ».

____________________________

(٣) أثبتناه من المصدرين.

١٠ - أمالي الصدوق ص ١٧٤.

٤٨٥

٤٨٦

أبواب بقيّة الصوم الواجب

١ -( باب حصر أنواع ما يجب منه)

[ ٨٧١٣ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أنّ الصوم على أربعين وجها: فعشرة (منها واجب)(١) ، كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهنّ حرام، وأربعة عشر وجها منها، صاحبها فيها بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التّأديب، ومنها صوم الإباحة، وصوم السفر والمريض، وأمّا صوم الواجب: فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين - يعني لمن افطر يوماً من شهر رمضان عمدا متعمّدا - وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ، لمن لم يجد العتق واجب، من قول الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) (٢) وصيام شهرين في كفّارة الظهار، (لمن لم يجد العتق، واجب من)(٣) قول(٤) الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ

____________________________

أبواب بقية الصوم الواجب

الباب - ١

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) في المصدر: واجبة فيها.

(٢) النساء ٤: ٩٢.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) في المصدر: وقال.

٤٨٧

فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ) (٥) أو صيام(٦) ثلاثة أيام في كفّارة اليمين، واجب لمن لم يجد الإطعام، قال الله تعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) (٧) كلّ ذلك متتابع ليس بمفترق، وصيام من كان به أذى من رأسه، واجب قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٨) فصاحب هذه بالخيار، فإن شاء صام ثلاثة أيّام، وصوم دم المتعة واجب، لمن لم يجد الهدي، قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) (٩) وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك وتعالى:( أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا ) (١٠) وأروي عن العالم أنّه قال: أتدرون كيف يكون عدل ذلك صياما؟ فقيل له: لا، فقال: يقوّم الصّيد قيمة، ثمّ يشتري بتلك القيمة البرّ، ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعا، فيصوم لكلّ نصف صاع يوما، وصوم النّذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب ».

ورواه الصدوق في الهداية(١١) : عن الزهري، أنّه قال: دخلت على علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال لي: « يا زهري من أين جئت؟ » فقلت: من المسجد، فقال: « فيم كنتم؟ » قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فاجتمع رأيي ورأي أصحابي، على أنّه ليس شئ من الصوم بواجب، إلّا صوم شهر رمضان، فقال: « يا زهري ليس

____________________________

(٥) المجادلة ٥٨: ٤.

(٦) في المصدر: وصيام.

(٧) المائدة ٥: ٨٩.

(٨، ٩) البقرة ٢: ١٩٦.

(١٠) المائدة ٥: ٩٥.

(١١) الهداية ص ٤٨.

٤٨٨

كما قلتم، إنّ الصوم على أربعين وجها » الخ.

وفي المقنع: اعلم أنّ الصوم على أربعين وجها وساق مثله(١٢) .

٢ -( باب أنّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين، فافطر لعذر بنى، ولغير عذر استأنف، إلّا أن يصوم شهرا ومن الثّاني ولو يوماً فيبني)

[ ٨٧١٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « متى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما، ثمّ أفطر، فعليه أن يبني عليه ولا بأس، وإن صام شهرا أو أقلّ منه، ولم يصم من الشهر الثاني شيئا، عليه أن يعيد صومه، إلّا أن يكون قد أفطر لمرض، فله أن يبني على ما صام، لأنّ الله حبسه ».

[ ٨٧١٥ ] ٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا ثمّ مرض، هل يعيده؟ قال: « نعم، أمر الله حبسه ».

[ ٨٧١٦ ] ٣ - وعن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن المرأة يجب عليها صوم شهرين متتابعين، قال: « تصوم، فما حاضت فهو يجزيها ».

____________________________

(١٢) المقنع ص ٥٥.

الباب - ٢

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦. ٢،

٣ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٣٢.

٤٨٩

٣ -( باب وجوب صوم النّذر)

[ ٨٧١٧ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وصوم النّذر واجب ».

[ ٨٧١٨ ] ٢ - فرات بن ابراهيم الكوفي، بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: « مرض الحسن والحسينعليهما‌السلام ، مرضا شديدا، فعادهما سيّد ولد آدم، محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعادهما أبو بكر وعمر، فقال عمر لعليّعليه‌السلام : يا أبا الحسن، إن نذرت لله نذرا واجبا، فإنّ كلّ نذر لا يكون لله فليس فيه وفاء، فقال عليعليه‌السلام : إن عافى الله ولديّ ممـّا بهما، صمت لله ثلاثة أيّام متواليات، وقالت فاطمةعليها‌السلام ، مثل مقالة عليعليه‌السلام » الخبر، وله طرق كثيرة.

[ ٨٧١٩ ] ٣ - الصدوق في الهداية: عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه قال للزّهري: « وصوم النّذر واجب » الخبر.

[ ٨٧٢٠ ] ٤ - وفي المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً معروفا أو شهراً معروفا، فعليه أن يصوم ذلك اليوم و(١) ذلك الشهر، فإن لم يصمه أو صامه فأفطر، عليه(٢) الكفّارة.

____________________________

الباب - ٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

٢ - تفسير فرات الكوفي ص ١٩٦.

٣ - الهداية ص ٤٩.

٤ - المقنع ص ١٣٨.

(١) في المصدر: أو.

(٢) وفيه: فعليه.

٤٩٠

٤ -( باب وجوب صوم كفّارة النّذر وقضائه، وقدر الكفّارة)

[ ٨٧٢١ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإن أفطر (يوم صوم)(١) النّذر، فعليه الكفّارة شهرين متتابعين، وقد روي أنّ عليه كفّارة يمين ».

[ ٨٧٢٢ ] ٢ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم يوما، فوقع ذلك اليوم على أهله، فعليه أن يصوم يوماً بدل يوم، ويعتق رقبة مؤمنة.

٥ -( باب وجوب كفّارة مخيّرة بقتل الخطأ، وكفّارة الجمع بقتل العمد، وأنّ القاتل في الأشهر الحرم، يصوم شهرين منها، وحكم دخول العيد وأيّام التّشريق)

[ ٨٧٢٣ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « كفّارة القتل، عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين، إذا لم يجد ما يعتق، أو إطعام ستّين مسكينا، إن لم يستطع الصّوم ».

[ ٨٧٢٤ ] ٢ - احمد بن محمّد بن عيسى في نوادره: عن فضالة بن أيّوب، والقاسم بن محمّد، عن ابان بن عثمان، عن زرارة والحسين بن سعيد، عن أحمد بن عبدالله، عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت

____________________________

الباب - ٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦.

(١) في الطبعة الحجرية (يوما صومه) وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المقنع ص ١٣٨.

الباب - ٥

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤١٣ ح ١٤٤٣.

٢ - نوادر أحمد بن عيسى ص ٦١.

٤٩١

أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « إذا قتل الرّجل في شهر حرام، صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم »، فتبسّمت وقلت له: يدخل ها هنا شئ، قال: « أدخلني(١) »، قلت: العيد والأضحى وأيّام التّشريق، قال: « هذا حقّ لزمه فليصمه » قال أحمد بن عبدالله في حديثه: ليعتق أو يصوم.

٦ -( باب وجوب التّتابع: في صوم كفّارة اليمين، والظّهار، والقتل، والإفطار، وبدل الهدي، وأحكام كفّارات الحجّ)

[ ٨٧٢٥ ] ١ - دعائم الإسلام: عن علي، ومحمّد بن علي بن الحسين، وجعفر بن محمّدعليهم‌السلام ، أنّهم قالوا: « صيام كفّارة اليمين، ثلاثة أيّام متتابعات، لا يفرّق(١) بينها ».

[ ٨٧٢٦ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « صيام الظّهار، شهران متتابعان، كما قال الله عزّوجلّ ».

[ ٨٧٢٧ ] ٣ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن علي بن جعفر، عن أخيه(١) موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال: سألته عن صوم

____________________________

(١) في نسخة: أدخله، منه قدّه.

الباب - ٦

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٠٣.

(١) في الطبعة الحجرية: لا فرق، وما أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٢٧٩.

٣ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٩٣ ح ٢٤١.

(١) في الطبعة الحجرية « عمّن أخبره، عن »، وما أثبتناه من المصدر هو الصواب « راجع معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٢٨٥ ورجال النجاشي ص ١٧٦ وغيرهما ».

٤٩٢

الثلاثة أيّام في الحجّ والسّبعة، ايصومها متوالية أم يفرّق بينها؟ قال: « يصوم الثّلاثة لا يفرّق بينها، (والسبعة لا يفرق بينها)(٢) ، ولا يجمع الثلاثة والسبعة(٣) ».

[ ٨٧٢٨ ] ٤ - وعن الزهري، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، قال: « صيام شهرين متتابعين من قتل خطأ، لمن لم يجد العتق واجب، قال الله تعالى:( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ) (١) » الآية.

الصدوق في الهداية(٢) والمقنع(٣) : عنهعليه‌السلام ، مثله.

فقه الرضا(٤) عليه‌السلام : مثله.

٧ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حتّى يقوم القائمعليه‌السلام ، لزمه ووجب عليه صوم ما عدا الأيّام المحرّمة)

[ ٨٧٢٩ ] ١ - محمّد بن ابراهيم النّعماني في كتاب الغيبة: حدّثنا محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن

____________________________

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) وفيه زيادة: جميعاً.

٤ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٢٦٦ ح ٢٣١.

(١) النساء ٤: ٩٢.

(٢) الهداية ص ٤٩.

(٣) المقنع ص ٥٦.

(٤) فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

الباب - ٧

١ - الغيبة ص ٩٤ ح ٢٦.

٤٩٣

شمّون، عن عبدالله بن عبد الرحمان الأصمّ، عن كرام، قال: حلفت فيما بيني وبين نفسي، ان لا آكل طعاما بنهار، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فدخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: رجل من شيعتك جعل لله عليه أن لا يأكل طعاما(١) أبدا، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فقال: « صم يا كرام، ولا تصم العيدين، ولا ثلاثة أيّام التّشريق، ولا إذا كنت مسافرا » الحديث.

٨ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حينا، وجب عليه صوم ستة أشهر، ومن نذر أن يصوم زمانا، وجب عليه صوم خمسة أشهر)

[ ٨٧٣٠ ] ١ - العيّاشي في تفسيره: عن اسماعيل بن زياد السكوني، عن جعفر بن محمّد(١) عليهما‌السلام ، أنّ علياعليه‌السلام ، قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر، والحين ستّة أشهر، لأن الله يقول:( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) (٢) ».

[ ٨٧٣١ ] ٢ - الجعفريات: اخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد،(١) عن عليعليهم‌السلام ، أنّه قال فيمن نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر ».

____________________________

(١) في المصدر زيادة: بنهار.

الباب - ٨

١ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٢٢٤.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

(٢) ابراهيم ١٤: ٢٥.

٢ - الجعفريات ص ٦٢.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

٤٩٤

٩ -( باب أنّ من نذر صوما معيّنا فعجز، وجب عليه أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام)

[ ٨٧٣٢ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم كلّ سبت، أو احد، أو سائر الأيام، فليس له أن يتركه إلّا من علّة، وليس عليه صومه في سفر ولا مرض، إلّا أن يكون نوى ذلك، فإن أفطر من غير علّة، تصدّق مكان كلّ يوم على عشرة مساكين.

١٠ -( باب أنّ من نذر صوم أيّام معيّنة في الشهر، فاتّفق في السّفر، لم يجب صومها ولا قضاؤها، وأنّه لا يجب التتّابع في صوم النّذر، إلّا مع الشّرط فيه)

[ ٨٧٣٣ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً بعينه ما دام حيا، فوافق ذلك اليوم عيد فطر، أو أضحى، أو ايّام التّشريق، أو سافر، أو مرض، فقد وضع الله عنه الصّيام في هذه الأيام كلّها، ويصوم يوماً بدل يوم.

____________________________

الباب - ٩

١ - المقنع ص ١٣٧.

الباب - ١٠

١ - المقنع ص ١٣٧.

٤٩٥

٤٩٦

أبواب الصوم المندوب

١ -( باب استحباب صوم كلّ يوم، عدا الأيام المحرّمة)

[ ٨٧٣٤ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا ابي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكّل الله تعالى ملائكة بالدعاء للصّائمين ».

[ ٨٧٣٥ ] ٢ - وبهذا الإسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نوم الصّائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٣٦ ] ٣ - وبهذا الإسناد قال: « قيل يا رسول الله: ما الّذي يباعد الشّيطان منّا؟ قال: الصوم لله يسوّد وجهه، والصّدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله عزّوجلّ، والمواظبة على العمل، تقطع دابره(١) ،

____________________________

أبواب الصوم المندوب

الباب - ١

١، ٢ - الجعفريات ص ٥٨.

٣ - الجعفريات ص ٥٨.

(١) دابر الشئ: آخره (لسان العرب - دبر - ج ٤ ص ٢٧٠) وقوله تعالى:( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) أي أهلك آخر من بقي منهم (مجمع البحرين ج ٣ ص ٢٩٧).

٤٩٧

والاستغفار يقطع وتينه(٢) ».

[ ٨٧٣٧ ] ٤ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ثلاثة من روح الله: التّهجّد في الليل بالصلاة، ولقاء الإخوان، والصوم ».

[ ٨٧٣٨ ] ٥ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لكلّ شئ زكاة، وزكاة الأبدان الصيام ».

[ ٨٧٣٩ ] ٦ - وعن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: « سبع من سوابق الإيمان، فتمسكوا بهنّ: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وحبّ أهل بيت نبيّ الله حقّا (حقّا)(١) ، من قبل القلوب لا الزّحم بالمناكب، ومفارقة القلوب، والجهاد في سبيل الله، والصيام في الهواجر، وإسباغ الوضوء في السبرات(٢) ، والمحافظة على الصلوات، وحج(٣) بيت الله الحرام ».

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « نوم الصائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٤٠ ] ٧ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « يقول الله عزّ

____________________________

(٢) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه (لسان العرب - وتن - ج ١٣ ص ٤٤١). ٤،

٥ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

٦ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

(١) ليس في المصدر.

(٢) السَّبَرات: جمع سبرة، وهي شدّة البرد (مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٢٢).

(٣) في المصدر: والحجّ إلى.

٧ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٠.

٤٩٨

وجلّ: الصوم لي وأنا أُجزي به، وللصّائم فرحتان. فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربّه، والذي نفس محمّد بيده، لخلوف فم الصّائم، أطيب عند الله من ريح المسك ».

[ ٨٧٤١ ] ٨ - أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي في كتاب التّحصين: نقلاً عن الشيخ ابي محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي، في كتابه المنبئ عن زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن بلال، قال: حدّثنا عبد الرحمان بن حمدان قال: حدّثنا الحسن بن محمّد، حدّثنا ابو الحسن بشر بن أبي بشر البصري، قال: أخبرني الوليد بن عبد الواحد، قال: حدّثنا حنّان البصري، عن اسحاق بن نوح، عن محمّد بن علي، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقبل على أُسامة بن زيد، فقال: « يا أُسامة، عليك بطريق الحقّ، وإيّاك وأن تختلج دونه، بزهرة رغبات الدّنيا، وغضارة نعيمها، وبائد(١) سرورها، وزائل عيشها » فقال اسامة: يا رسول الله، ما أيسر ما ينقطع به ذلك الطّريق؟ قال: « السّهر الدّائم، والظمأ في الهواجر(٢) ، وكفّ النفس عن الشهوات، وترك اتّباع الهوى، واجتناب أبناء الدّنيا، يا أُسامة، عليك بالصوم فإنّه قربة إلى الله، وليس شئ أطيب عند الله من ريح فم صائم، ترك الطّعام والشّراب لله ربّ العالمين، وآثر الله على ما سواه، وابتاع آخرته بدنياه، فإن استطعت أن يأتيك الموت، وانت

____________________________

٨ - التحصين ص ٨.

(١) البائد: المنقطع، وبادَ الشئ: انقطع وذهب (لسان العرب ج ٣ ص ٩٧).

(٢) الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحرّ والجمع هواجر. (مجمع البحرين - هجر - ج ٣ ص ٥١٦).

٤٩٩

جائع وكبدك ظمآن فافعل، فإنّك تنال بذلك اشرف المنازل، وتحلّ مع الأبرار والشهداء والصّالحين » الخبر.

[ ٨٧٤٢ ] ٩ - مصباح الشّريعة: قال الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصّوم جنّة - أي ستر - من آفات الدّنيا، وحجاب من عذاب الآخرة - إلى ان قال - وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [ قال الله تعالى: ](١) الصوم لي وأنا أُجزي به، فالصوم يميت مراد(٢) النّفس، وشهوة الطّبع الحيواني، وفيه صفاء(٣) القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظّاهر والباطن، والشكر على النّعم، والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التّضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى الله، وسبب انكسار الشهوة(٤) ، وتخفيف السّيئات، وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد ما لا يحصى، وكفى بما ذكرناه منه، لمن عقله، ووفق لاستعماله ».

[ ٨٧٤٣ ] ١٠ - الحسن بن أبي الحسن الديلمي في إرشاد القلوب: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في ليلة المعراج: « يا ربّ ما أوّل العبادة؟ قال: أوّل العبادة الصّمت والصوم، قال: يا ربّ وما ميراث الصوم؟ قال: يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد، لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر، وإذا كان العبد في حالة الموت،

____________________________

٩ - مصباح الشريعة ص ١٣٣.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: هوى.

(٣) وفيه: حياة.

(٤) في الطبعة الحجرية (الهمة) وما أثبتناه من المصدر.

١٠ - إرشاد القلوب ص ٢٠٣.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592