الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177361 / تحميل: 5797
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) )

التّفسير

خلق هذا العالم على أساس الحق :

هذه السورة هي آخر سورة تبدأ بـ( حم ) وتسمى جميعا الحواميم.

وقد كانت لنا بحوث كثيرة حول الحروف المتقطعة بعامة ، و (حم) بخاصة ، في بدايات سور البقرة وآل عمران والأعراف سور الحواميم السابقة ، فلا حاجة لتكرارها هنا.

ونكتفي هنا بالقول بأنّ هذه الآيات التي تهزّ الأعماق ، وتحرك الوجدان ، والتي تضمنها القرآن الكريم بين دفتيه تتكون من حروف الهجاء البسيطة ، من الألف والباء ، والحاء والميم وأمثالها ، وكفى بها دليلا على عظمة الله سبحانه إذ أظهر هذا المركّب العظيم من مثل هذه المفردات البسيطة ، ولو تأملنا فيه كثيرا ، وفكرنا في أسراره حتى القيامة فسيبقى فيه من الأسرار الخافية الكثير الكثير.

٢٤١

وربّما كان هذا هو السبب في أن تضيف الآية مباشرة :( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) .

إنّه نفس التعبير الذي ورد في بداية ثلاث سور من الحواميم ، وهي : المؤمن ، والجاثية ، والأحقاف.

ولا شكّ في الحاجة إلى قوّة لا تقهر ، وحكمة لا حد لها ، لكي تنزل مثل هذا الكتاب.

ثمّ تحولت الآيات من كتاب التدوين إلى كتاب التكوين ، فتحدثت الآية عن عظمة السماوات والأرض وكونهما حقا ، فقالت :( ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ ) فلا ترى في كتاب سمائه كلمة تخالف الحق ، ولا تجد في مجموع عالم خلقه شيئا نشازا لا ينسجم والحق ، فالكل منسق منتظم ، وكله مقترن بالحق.

لكن ، كما أنّ لهذا الكون بداية ، فإنّ له نهاية أيضا ، ولذلك تضيف الآية :( وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) فإذا حل الأجل ستفنى الدنيا بما فيها ، ولما كان هذا العالم مقترنا بالحق ويسير ضمن منهجه ، وله هدف مرجو ، فمن الطبيعي أن يوجد عالم آخر تبحث فيه الأعمال وتعلن فيه النتائج ، وبناء على هذا ، فإنّ كون هذا العالم حقّا دليل بنفسه على وجود المعاد ، وإلّا فإنّه سيكون لغوا وعبثا لا فائدة فيه ، وسيقترن حين ذلك بكثير من المظالم والمفاسد.

لكن مع أنّ القرآن حق ، وخلق العالم حق أيضا :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) فالآيات القرآنية تهددهم وتنذرهم بصورة متلاحقة متوالية ، وتحذرهم بأن محكمة عظمى أمامهم ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ نظام الخلقة بدقته وأنظمته الخاصّة يدل بنفسه على أنّ في الأمر حسابا ونظاما ، غير أنّ هؤلاء الغافلين لم يلتفتوا لا إلى هذا ولا إلى ذلك.

كلمة «معرضون» ـ من الإعراض ـ تشير إلى أنّ هؤلاء إذا نظروا إلى آيات

٢٤٢

التكوين والتدوين فسيدركون الحقائق ، إلّا أنّهم أعرضوا بوجوههم عنها ، وفروا من الحق لئلا يغير من أسلوب تقاليدهم وأهوائهم وميولهم وشهواتهم وإتباعهم لها.

* * *

٢٤٣

الآيات

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) )

التّفسير

أضل الناس :

كان الكلام في الآيات السابقة عن خلق السماوات والأرض وأنّها جميعا من صنع الله العزيز الحكيم ، ولازم ذلك أن لا يكون في الكون إله سواه ، لأنّ من له أهلية الألوهية هو خالق العالم ومدبره ، وهاتان الصفتان قد جمعتا في الذات المقدسة.

ومن أجل تكملة هذا البحث ، تخاطب هذه الآيات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول :( قُلْ

٢٤٤

أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ) .

إذا كنتم تقرون بأنّ الأصنام لا دخل لها في خلق الموجودات الأرضية مطلقا ، ولا في خلق الشمس والقمر والنجوم وموجودات العالم العلوي ، وتقولون بصراحة بأن الله هو خالقها جميعا(١) ، فعلام تمدون أكفكم إلى الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تعقل ، تستمدون منها العون في حلّ معضلاتكم ، ودفع البلاء عنكم ، واستجلاب البركات إليكم؟

وإذا قلتم ـ على سبيل الفرض ـ إنّها شريكة في أمر الخلق والتكوين فـ( ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

وخلاصة القول ، فإنّ الدليل إمّا أن يكون نقليا عن طريق الوحي السماوي ، أو عقليا منطقيا ، أو بشهادة العلماء وتقريرهم ، أمّا أنتم فلستم مستندين إلى الوحي والكتاب السماوي في دعواكم حول الأصنام ، وغير قادرين من طريق العقل على إثبات اشتراكها في خلق السماوات والأرض وبالتالي إثبات كونها آلهة ، ولم يرد أثر من أقوال العلماء الماضين ما يؤيد رأيكم ويدعم اعتقادكم ، ومن هنا يتبيّن أنّ دينكم ومعتقدكم لا يعدو كونه حفنة من الخرافات المستهجنة ، والأوهام الكاذبة.

بناء على هذا ، فإنّ جملة( أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ) إشارة إلى دليل العقل ، وجملة( ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا ) إشارة إلى الوحي السماوي ، والتعبير بـ( أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) إشارة إلى سنن الأنبياء الماضين وأوصيائهم ، أو آثار العلماء السابقين(٢) . وقد ذكر علماء اللغة والمفسّرون عدةّ معان لكلمة «أثارة» ـ على وزن حلاوة ـ فمنها : بقية الشيء ، الرواية ، العلامة. لكنّ الظاهر أنّها تعود إلى معنى واحد ،

__________________

(١) لقد ورد هذا المعنى في أربع آيات من القرآن ، وطالعوا تفصيلا أكثر حول هذا المطلب في ذيل الآية (٢٥) من سورة الزخرف من التّفسير الأمثل.

(٢) نقرأ في حديث روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام في أصول الكافي في تفسير جملة (أو أثارة من علم) أنّه قال : «إنّما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء». نور الثقلين ، المجلد ٥ ، صفحة ٩.

٢٤٥

وهو الأثر الذي يبقى من الشيء ويدل على وجوده.

وقد وردت مثل هذه المناظرة والمحاكمة مع الوثنيين في الآية (٤٠) من سورة فاطر ، حيث تقول :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً ) .

وممّا يلفت النظر أنّه يقول في مورد الأرض :( ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ) أمّا في مورد السماء فيقول :( أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ) أي إنّ الكلام في الموردين عن الاشتراك ، لأنّ الشرك في العبادة يجب أن ينشأ من الشرك في الخالقية وتدبير النشأة.

وهنا يطرح سؤال ، وهو : إذا كان المشركون يعتقدون ـ عادة ـ أنّ أمر الخلق مختص بالله سبحانه ، فلما ذا يطالبون بأحد هذه الأدلة الثالثة؟

ويمكن الإجابة بأنّ هذه المطالبة موجهة إلى فئة قليلة بين عبدة الأوثان ، يحتمل أنّهم كانوا يقولون باشتراك الأصنام في الخلق ، أو أنّها طرحت على سبيل الفرض ، أي إنّكم إذا ظننتم يوما أنّ الأصنام شريكة في خلق العالم ، فاعلموا أن لا دليل لكم على ذلك ، لا من النقل ولا من العقل.

بعد ذلك تبيّن الآية التالية عمق ضلالة هؤلاء المشركين وانحرافهم ، فتقول :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) ولا يقف الأمر عند عدم إجابتهم وحسب ، بل إنّهم لا يسمعون كلامهم :( وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ ) .

ويرى بعض المفسّرين أنّ مرجع الضمير في هذه الآية إلى الأصنام الجامدة الميتة ، باعتبار أنّ أكثر آلهة مشركي العرب كانت الأصنام. واعتبره البعض إشارة إلى الملائكة والبشر الذين عبدوا من دون الله ، لأنّ عبدة الملائكة والجن لم يكونوا قلّة بين العرب ، والتعبيرات المختلفة لهذه الآية ، والمتناسبة مع ذوي العقول تؤيد

٢٤٦

هذا المعنى.

لكن لا مانع من أن نفسر الآية بمعناها الواسع ، فتدخل فيه كلّ هذه المعبودات ، سواء الحية والميتة ، العاقلة وغير العاقلة ، فتكون التعابير متناسبة مع ذوي العقول من باب التغليب.

وعند ما تقول الآية : إنّهم لا يجيبونهم إلى يوم القيامة ، فإنّ ذلك لا يعني أنّهم سيجيبونهم يوم القيامة ـ ما ظن البعض ذلك ـ بل إنّ هذا التعبير متداول في النفي المؤيد ، كما نقول مثلا : لو أصررت على فلان إلى يوم القيامة لما أقرضك ، أي أنّه سوف لا يقوم بها العمل أبدا ، لا أنّه سيلبي طلبك في يوم القيامة.

وسبب ذلك معلوم أيضا ، لأنّ كلّ سعي وجهد وتلبية طلب وقضاء حاجة نافع في هذه الحياة الدنيا ، فإذا انتهت انتهى معها إمكان القيام بكلّ هذه الأعمال.

والأشد أسفا من ذلك أنّه :( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ ) .

أمّا المعبودات من العقلاء ، فإنّهم سيهبون لإظهار عدائهم لهؤلاء الضالين ، فالمسيحعليه‌السلام يظهر اشمئزازه وتنفره من عابديه ، وتتبرأ الملائكة منهم ، بل وحتى الشياطين والجن تظهر عدم رضاها. وأمّا المعبودات التي لا عقل لها ولا حياة ، فإنّ الله سبحانه سمحها العقل والحياة لتنطق بالبراءة من هؤلاء العبدة وتبدي غضبها عليهم.

لقد ورد نظير هذا المعنى في آيات القرآن الأخرى ، ومن جملتها الآية (١٤ من سورة فاطر ، حيث تقول :( إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) . وكررت في الآيات مورد البحث كلّ هذه المسائل بتفاوت يسير.

لكن كيف ينكر المعبودون عبادة عابديهم ، وهي ممّا لا ينكر؟

ربّما كان ذلك إشارة إلى أنّهم كانوا يعبدون أهواءهم في الحقيقة ، ولم يكونوا

٢٤٧

يعبدون تلك الآلهة ، لأنّ أساس الوثنية عبادة الهوى.

وهنا نكتة تستحق الانتباه ، وهي : إنّ عداء المعبودين لعبدتهم يوم القيامة لم يرد التأكيد عليه هنا فقط ، بل نقرأ ذلك أيضا في الآية (٢٥) من سورة العنكبوت على لسان إبراهيمعليه‌السلام بطل التوحيد ومحطم الأصنام إذ يقول :( وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) .

وجاء في الآية (٨٢) من سورة مريم :( كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) .

* * *

٢٤٨

الآيات

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) )

التّفسير

لم أكن أوّل نبيّ!!

يستمر الحديث في هذه الآيات عن حال المشركين ، وكيفية تعاملهم مع آيات الله ، فتقول :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا

٢٤٩

سِحْرٌ مُبِينٌ ) فهم لا يستطيعون إنكار نفوذ القرآن السريع في القلوب ، وجاذبيته التي لا تقاوم من جهة ، وهم من جهة أخرى غير مستعدين لأن يخضعوا أمام عظمته وكونه حقّا ، ولذلك فإنّهم يفسّرون هذا النفوذ القوي بتفسير خاطئ منحرف ويقولون : إنّه سحر مبين ، وهذا القول ـ بحدّ ذاته ـ اعتراف ضمني واضح بتأثير القرآن الخارق في قلوب البشر.

بناء على هذا فإنّ «الحق» ـ في الآية المذكورة ـ إشارة إلى آيات القرآن ، وإن كان البعض قد فسّرها بالنبوّة ، أو الإسلام ، أو معجزات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأخرى ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب بملاحظة بداية الآية.

غير أنّ هؤلاء لم يكتفوا بإطلاق هذه التهمة وإلصاقها به ، بل إنّهم تمادوا فخطوا خطوة أوسع ، وأكثر صراحة :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ) .

إنّ الله سبحانه يأمر نبيّه هنا بأن يجيبهم بجواب قاطع ، ويعطيهم البرهان الجلي بأنّه قل لهم إذا كان كذلك فاللازم أن يفضحني ولا تستطيعون الدفاع عنّي مقابل عقابه :( قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً ) (١) فكيف يمكن أن يظهر الله سبحانه هذه الآيات البينات والمعجزة الخالدة على يد كذّاب؟ إنّ هذا بعيد عن حكمة الله ولطفه.

وهذا كما ورد في الآيات (٤٤) ـ (٤٧) من سورة الحاقة :( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ) .

بناء على هذا ، هل يمكن أن أقدم على مثل هذا العمل الخطير من أجلكم؟

وكيف تصدّقون أنّ بالإمكان أن أكذب مثل هذه الكذبة ثمّ يبقيني الله حيا ، بل ويمنحني معاجز أخر؟

__________________

(١) جملة (إن افتريته) جملة شرطية حذف جزاؤها ، والتقدير : إن افتريته أخذني وعاجلني بالعقوبة.

٢٥٠

ثمّ يضيف مهددا :( هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) وسيعاقبكم في الوقت اللازم.

نعم ، إنّه يعلم كلّ ما رميتموني به من التهم ، وأنّكم وقفتم بوجه رسوله ، وكنتم تصدون الناس عن الإيمان بالحق بنفثكم السموم بينهم.

ثمّ يقول في الجملة التالية كتأكيد أكبر مقترن بتعامل مؤدب جدّا :( كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) فهو يعلم صدق دعوتي ، وسعيي وجهدي في إبلاغ الرسالة ، كما يعلم كذبكم وافتراءكم والعوائق التي تضعونها في طريقي ، وهذا كاف لي ولكم.

ومن أجل أن يدلهم على طريق الرجوع إلى الحق ، ويعلمهم بأنّه مفتوح إن أرادوا العودة ، يقول :( وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) فهو يعفو عن التائبين ويغفر لهم ، ويدخلهم في رحمته.

ويضيف في الآية التالية :( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

إنّ هذه الجمل الوجيزة الغنية المحتوى تجيب عن كثير من إشكالات المشركين ، ومن جملتها أنّهم كانوا يتعجبون أحيانا ـ في مسألة بعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كيف يمكن أن يتصل إنسان بالله ويرتبط به؟

وأحيانا كانوا يقولون : لماذا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟

وتارة كانوا يطلبون معاجز عجيبة غريبة ، وكان كلّ منهم يتمنى شيئا.

وكانوا يظنون أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستودع لعلم الغيب ، فيطلبون منه أن يخبرهم بكلّ حوادث المستقبل.

وأخيرا فإنّهم كانوا يعجبون أحيانا من دعوته لنبذ الآلهة والتوجّه إلى عبادة الله

__________________

(١) «ما» في جملة (ما تفيضون فيه) يمكن أن تكون موصولة ، وتعني التهم غير الصحيحة ، والتي كان يعلمها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبناء على هذا فإنّ ضمير (فيه) يعود إليها. وإن كانت مصدرية فإنّ الضمير (فيه) يعود إلى القرآن أو إلى الحق ، وهنا تكون (تفيضون) بمعنى الدخول في عمل ما بقصد الإفساد والتخريب.

٢٥١

وتوحيده.

وهذه الآية إشارة إجمالية إلى أجوبة جميع هذه الأسئلة ، وقطع لكلّ تلك الأعذار الواهية.

يقول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا لست أوّل نبيّ دعا إلى التوحيد ، فقد جاء قبلي أنبياء كثيرون كلهم كانوا بشرا ، وكانوا يلبسون الثياب ويأكلون الطعام ، ولم يدّع أحد منهم أنّه يعلم الغيب المطلق ، بل كانوا يقولون : إنّنا نعلم من أمور الغيب ما يعلمنا الله إيّاه فقط.

ولم يستسلم أحد منهم أمام المعاجز التي كان يقترحها الناس ، والتي كانت تقوم على أساس الرغبة والميول.

كل ذلك ليعلم الجميع أنّ النّبي أيضا عبد من عباد الله ، وعلمه وقدرته محدودة بما يريده الله سبحانه ويمنحه ، فإنّ العلم المطلق والقدرة المطلقة لله جلّ وعلاء وحسب.

هذه الحقائق كان يجب على الناس أن يعلموها ويدركوها ، لينتهوا من إشكالاتهم الجوفاء.

كل ذلك ورد بعد البحث الذي مرّ في الآيات السابقة ، حيث كانوا يرمون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر مرّة ، وبالافتراء أخرى ، ليعلم أنّ منبع هذه الاتهامات ومصدرها هو تلك الأوهام التي أجيب عنها في هذه الآية.

ومن هنا يتّضح أن مفاد هذه الآية لا يتنافى مع الآيات الأخرى التي توحي بأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم الغيب ، كالذي ورد في سورة الفتح حول فتح مكّة ودخول المسجد الحرام ـ الآية ٢٧ من سورة الفتح ـ أو ما ورد في شأن المسيحعليه‌السلام حيث يقول :( أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (١) ، وأمثال ذلك ، لأنّ الآية مورد البحث تنفي علم الغيب المطلق ، لا مطلق علم الغيب ، وبتعبير آخر ، فإنّ الآية

__________________

(١) آل عمران ، الآية ٤٩.

٢٥٢

تنفي علم الغيب الاستقلالي ، أمّا تلك الآيات فتتحدث عن علم الغيب الذي ينال ببركة التعليم الإلهي.

والشاهد على هذا الكلام الآيتان (٢٦) ـ (٢٧) من سورة الجن :( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) .

وقد ذكر بعض المفسّرين سبب نزول للآية مورد البحث ، فقالوا : إنّ عبء المشاكل وضغطها لما زاد على أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة ، رأى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أنّه يهاجر إلى أرض ذات نخيل وأشجار وماء كثير ، فذكر ذلك لأصحابه ، ففرحوا لذلك وظنّوا أنّهم سيرون فرجا وسعة بعد أذى المشركين ، فصبروا مدّة فلم يروا أثرا لذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، لم نر ما أخبرتنا به ، فمتى سنهاجر إلى تلك الأرض التي رأيتها في منامك؟ فسكت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت هذه الآية :( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (١) .

إلّا أنّ سبب النّزول هذا يبدو بعيدا ، لأنّ المخاطبين في هذه الآيات أعداء النّبي لا أصحابه ، لكن يمكن أن يكون هذا من باب التطبيق ، أي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمسّك بهذه الآية وأجاب بها أصحابه حينما طرحوا هذا السؤال.

وتضيف آخر آية من هذه الآيات ، ولتكملة ما ورد في الآيات السابقة :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (٢) .

وللمفسّرين أقوال في الشاهد من بني إسرائيل الذي شهد على كون القرآن المجيد حقّا

قال البعض : إنّه موسى بن عمرانعليه‌السلام الذي أخبر في عصره بظهور نبيّ الإسلام ، وأعطى أوصافه وعلاماته.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، المجلد ٢٨ ، صفحة ٨.

(٢) جزاء الجملة الشرطية : (إن كان من عند الله) محذوف ، وتقديره : (من أضل منكم).

٢٥٣

إلّا أنّ هذا الاحتمال غير صحيح بملاحظة جملة :( فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) التي توحي بأنّ هذا الشاهد من بني إسرائيل قد آمن بنبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوقت الذي استكبر فيه المشركون ولم يؤمنوا ، لأنّ ظاهر الجملة يوحي بأنّ هذا الشاهد كان موجودا في عصر نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمن به ، بينما اختار الآخرون طريق الاستكبار والكفر.

وقال آخرون : إنّه كان رجلا من علماء أهل الكتاب ، كان يحيا في مكّة. ومع أنّ أنصار الدين اليهودي والمسيحي كانوا قلة في مكّة ، لكن لا يعني هذا أنّ أحدا منهم لم يكن فيها ، ومع ذلك فلا يعرف من كان هذا العالم من بني إسرائيل؟ وما هو اسمه؟

وهذا التّفسير باطل منهم أيضا لأنّه لم يكن هناك عالم معروف من أهل الكتاب في مكّة في عصر ظهور النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تذكر التواريخ اسما له(١) .

طبعا ، يمتاز هذا التّفسير والذي قبله بأنّهما ينسجمان مع كون كلّ سورة الأحقاف مكية.

والتّفسير الثّالث الذي ارتضاه أكثر المفسّرين ، هو أنّ هذا الشاهد كان «عبد الله بن سلام» عالم اليهود المعروف ، الذي آمن في المدينة والتحق بصفوف المسلمين.

وقد ورد ـ في حديث ـ أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انطلق حتى دخل كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا دخوله عليهم ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، يحط الله عن كلّ يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه» فسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثمّ ردّ عليهم فلم يجبه أحد ثلاثا ، فقال : «أبيتم ، فو الله لأنا الحاشر ، وأنا العاقب ، وأن المقض ، آمنتم أو كذبتم» ثمّ انصرف حتى كاد يخرج ، فإذا رجل من خلفه ، فقال : كما أنت يا محمّد فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلموني فيكم يا

__________________

(١) التعبير هنا بـ (شاهد) بصيغة النكرة للتعظيم ، وهو يوحي بأنّه كان شخصا معروفا عظيما.

٢٥٤

معشر اليهود؟ فقالوا : والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك ، فقال : فإنّي أشهد بالله إنّه النّبي الذي تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ، قالوا : كذبت ، ردوا عليه وقالوا شرّا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كذبتم ، لن يقبل منكم قولكم» ـ ولم يكن هذا الرجل غير عبد الله بن سلام ـ فنزلت الآية :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) (١) .

وطبقا لهذا التّفسير ، فإنّ هذه الآية نزلت في المدينة بالرغم من أنّ السورة مكيّة ، وهذا ليس منحصرا بالآية مورد البحث ، بل يلاحظ ـ أحيانا ـ في سور القرآن الأخرى وجود آيات مكية في طيات السور المدنية وبالعكس ، وهذا يبيّن أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر بوضع الآية مع ما يناسبها من مفاد السورة من دون الالتفات إلى تاريخ نزولها.

ويبدو من جهات عديدة أنّ هذا التّفسير هو الأنسب.

* * *

__________________

(١) تفسير المراغي ، المجلد ٢٦ ، صفحة ١٤.

٢٥٥

الآيات

( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) )

سبب النّزول

ذكر المفسّرون أسباب نزول عديدة للآية الأولى من هذه الآيات :

١ ـ إنّ هذه الآية نزلت في «أبي ذر الغفاري» الذي أسلم في مكّة ، ثمّ تابعته في الإيمان قبيلته ـ بنو غفار ـ ولما كانت قبيلة بني غفار من سكان البادية وكانوا فقراء ، قال كفار قريش ـ وكانوا أثرياء من أهل المدن ـ : لو كان الإسلام خيرا ما

٢٥٦

سبقنا إليه غفار الحلفاء ، فنزلت هذه الآية وأجابتهم.

٢ ـ كانت في مكّة جارية رومية يقال لها «زنيرة»(١) ، لبت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الإسلام ، فقال زعماء قريش : لو كان ما جاء به محمّد خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة.

٣ ـ إنّ جماعة من قبائل البوادي أسلموا قبل سكان مكّة ، فقال أشراف مكّة : لو كان الإسلام خيرا ما سبقتنا إليه رعاة الإبل.

٤ ـ إنّ جماعة من الرجال الطاهرين والفقراء كبلال وصهيب وعمار ، قد اعتنقوا الإسلام ، فقال زعماء مكّة : أيمكن أن يكون دين محمّد خيرا ويسبقنا إليه هؤلاء؟

٥ ـ إنّ عبد الله بن سلام وجماعة من أصحابه لما آمنوا ، قال جماعة من اليهود : لو كان دين محمّد خيرا ما سبقونا إليه(٢) .

ويمكن تلخيص أسباب النّزول الأربعة الأولى بالقول بأنّ الإسلام لاقى ترحيبا واسعا وامتدادا سريعا بين الطبقات الفقيرة وسكان البوادي ، وذلك لأنّهم لم يكونوا يمتلكون منافع غير مشروعة لتهدد بالخطر ، ولم يكن الغرور قد ركبهم وملأ عقولهم ، وقلوبهم أطهر من قلوب المترفين ومتبعي الشهوات والرغبات.

لقد عدّ الإقبال الواسع على الإسلام من قبل هذه الفئة ، والذي كان يشكل أقوى نقاط هذا الدين ، نقطة ضعف كبيرة من قبل المستكبرين فقالوا : أي دين هذا الذي يتبعه سكان البوادي والفقراء والحفاة والجواري والعبيد؟ إذا كان دينا مقبولا ومعقولا فلا ينبغي أن يكون أتباعه من طبقة فقيرة واطئة اجتماعيا ، ونتخلف نحن أعيان المجتمع وأشرافه عن اتباعه.

والطريف أنّ نمط التفكير المنحرف هذا من أكثر أنماط التفكير رواجا اليوم بين الأثرياء والمترفين فيما يتعلّق بالدين ، حيث يقولون : إنّ الدين ينفع الفقراء والحفاة ، وكلّ منهما ينفع صاحبه وينسجم معه ، ونحن في مستوى أسمى منه

__________________

(١) كانت «زنيّرة» بكسر الزاي وتشديد النون من السابقات إلى الإسلام ، ولذلك كان أبو جهل يؤذيها ويعذبها.

(٢) تفسير القرطبي ، المجلد ٩ ، صفحة ٦٠٠٩.

٢٥٧

وأعلى.

وقد أجاب القرآن هؤلاء جوابا شافيا كافيا سيتّضح في تفسير هذه الآيات.

أمّا سبب النّزول الخامس الذي ذكر أعلاه ، والقائل بأنّ المراد هو عبد الله بن سلام وأصحابه ، فمع أنّه نقل عن أكثر المفسّرين على قول الطبرسي في مجمع البيان ، والقرطبي في تفسيره ، إلّا أنّه يبدو بعيدا من جهتين :

الأولى : إنّ التعبير بـ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) بصورة مطلقة يستعمل عادة في مورد المشركين ، لا في أهل الكتاب واليهود والنصارى.

والأخرى : إنّ عبد الله بن سلام لم يكن رجلا مجهولات أو ضعيف الشخصية بين اليهود ليقولوا فيه : إنّ الإسلام لو كان خيرا ما سبقنا هذا وأصحابه إليه.

* * *

التّفسير

شرط الإنتصار الإيمان والاستقامة :

تستمر هذه الآيات في تحليل أقوال المشركين وأفعالهم ، ثمّ تقريعهم وملامتهم بعد ذلك ، فتشير أوّلا إلى ما نطق به هؤلاء من كلام بعيد عن المنطق السليم ، مبنيّ على أساس الكبر والغرور ، فتقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ ) (١) .

فما هؤلاء إلّا حفنة من الفقراء الحفاة من سكان القرى ، والعبيد الذين لا حظ لهم من العلم والمعرفة إلّا القليل ، فكيف يمكن أن يعلم هؤلاء الحق وأن يقبلوا عليه ونحن ـ أعيان المجتمع وأشرافه ـ في غفلة عنه؟

__________________

(١) بحث المفسّرون كثيرا في معنى «اللام» في (الذين آمنوا) إلّا أنّ أنسب الاحتمالات جميعا هو أن «اللام» بمعنى (في) وبناء على هذا فإنّ معنى الجملة : إنّ الكافرين قالوا في المؤمنين ، ولا يأتي في هذه الحالة إشكال من جهة كون فعل (سبقونا) للغائب. في حين أنّ البعض قد اعتبر اللام لام التعليل! وقال آخرون (الذين آمنوا) هنا مخاطبون ، وجملة (سبقونا) بمعنى سبقتمونا!

٢٥٨

لقد غفل هؤلاء عن أن العيب فيهم لا في الإسلام ، فلو لا حجب الكبر والغرور الملقاة على قلوبهم ولولا أنّهم سكرى من خمرة المال والجاه والمقام ، ولو لا أنّ غرورهم وتكبرهم يمنعهم من التحقيق في أمر هذا الدين ، إذن لا نجذبوا بسرعة الى الإسلام كما انجذب الفقراء إليه.

ولذلك فإنّ الآية تجيبهم في نهايتها بهذا التعبير اللطيف :( وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) (١) أي إنّ هؤلاء ما أرادوا أن يهتدوا بآيات القرآن ، لا أن القصور في قابلية القرآن على الهداية.

والتعبير بـ «الإفك القديم» شبيه بتهمة أخرى حكيت عنهم في آيات القرآن الأخرى ، إذ قالوا :( أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) (٢) .

جملة «سيقولون» بصيغة المضارع ، تدل على أنّهم كانوا يرمون القرآن بهذه التهمة دائما ، وكانوا يتخذون هذا الاتهام غطاء لعدم إيمانهم.

ثمّ تطرقت الآية إلى دليل آخر لإثبات كون القرآن حقا ، ولنفي تهمة المشركين إذ كانوا يقولون : هذا إفك قديم ، فقالت : إنّ من علامات صدق هذا الكتاب العظيم أنّ كتاب موسى الذي يعتبر إماما أي قدوة للناس ورحمة قد أخبر عن هذا النبي وصفاته. وهذا القرآن أيضا كتاب منسجم في آياته وفيه العلائم المذكورة في التوراة :( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ ) وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف تقولون : هذا إفك قديم؟

لقد أكّد القرآن في آياته مرارا على أنّه مصدق للتوراة والإنجيل ، أي إنّه يتفق مع العلامات والصفات التي وردت في هذين الكتابين السماويين حول نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كانت هذه العلامات دقيقة إلى الحد الذي يقول القرآن الكريم :

__________________

(١) (إذ) في هذه الآية ظرفية ، ويعتقد البعض أنّها متعلقة (سيقولون) ، ويقولون : إنّ وجود الفاء غير مانع. إلّا أنّ البعض الآخر ـ كالزمخشري في الكشاف ـ يرى أنّه بما أنّ الفعل بعدها ماض ، و (سيقولون) فعل مضارع فلا يمكن أن يكون متعلقها ، بل متعلقها محذوف ، والتقدير : «وإذا لم يهتدوا به ظهر عنادهم» إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أكثر انسجاما مع معنى الآية.

(٢) الفرقان ، الآية ٥.

٢٥٩

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) (١) .

وقد ورد نظير معنى الآية مورد البحث في الآية (١٧) من سورة هود :( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) .

والتعبير بـ( إِماماً وَرَحْمَةً ) يحتمل أن يكون من جهة أن ذكر الإمام يستدعي أحيانا أن تخطر في الذهن مسألة التكليف الشاق الصعب ، نتيجة الذكريات التي كانت لديهم عن أئمتهم ، إلّا أنّ ذكر الرحمة يبدل هذا الخطور الذهني إلى ما يبعث على الاطمئنان ، فهو يقول : إنّ هذا الإمام توأم الرحمة ومقترن بها ، فحتى إذا أتاكم بالتكاليف والأوامر فهي رحمة أيضا ، وأي رحمة أعم وأسمى من تربية نفوس هؤلاء القوم؟!

ثمّ تضيف بعد ذلك :( لِساناً عَرَبِيًّا ) يفهمه الجميع ويستفيدون منه.

ثمّ تبيّن في النهاية الهدف الرئيسي من نزول القرآن في جملتين قصيرتين ، فتقول :( لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ ) وإذا لا حظنا أنّ جملة (ينذر) مضارعة تدل على الاستمرار والدوام ، فسيتّضح أنّ إنذار القرآن كبشارته دائمي مستمر ، فهو يحذر الظالمين والمجرمين على مدى التأريخ ويخوفهم وينذرهم ، ويبشر المحسنين على الدوام.

وممّا يلفت النظر أنّ الآية جعلت الظالمين في مقابل المحسنين لأنّ للظلم هنا معنى واسعا يشمل كلّ إساءة ومخالفة ، ومن الطبيعي أنّ الظلم إمّا بحق الآخرين أو بحق النفس.

والآية التالية تفسير للمحسنين الذين ورد ذكرهم في الآية التي قبلها ، فتقول :( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) .

__________________

(١) البقرة ، الآية ١٤٦.

(٢)( الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ) مبتدأ ، وجملة (لا خوف عليهم) خبره ، والفاء لا تأتي مع الخبر إلّا في الموارد التي يكون في

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فأحرجها قائلة: إلى الله أشكو عقوق أبنائي(٦٦٥) .

[ عبدالله بن حكيم التميمي وطلحة ]

جاء عبدالله بن حكيم يناشد طلحة فيقول له(١) : يا أبا محمد أما هذا كتبك إلينا ؟. قال طلحة: بلى قال: كتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه ! فلعمري ما هذا رأيك، ان تريد إلا هذه الدنيا، فمهلا مهلا. ولم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعا راضيا، ثم نكثت بيعتك، وجئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال: ان عليا دعاني إلى بيعته بعدما بايعه الناس(٢) ، فعلمت إني لو لم أقبل ما عرضه علي لم يتم لي الأمر، ثم يغري بي من معه(٦٦٦) .

[ حكيم من بني جشم ينصح أهل البصرة ]

لما انتهت عائشة بمن معها إلى المربد - مكان من البصرة - قام الجشمي يخاطب أهل البصرة وقد اجتمعوا هناك فيقول(٣) : أنا فلان بن فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فان أتوكم خائفين، فانما أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وان كانوا أتوكم بدم عثمان فغيرنا ولي قتله، فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا، فانكم ان لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس، والفتنة الصماء، فحصبه من أهل البصرة أشياع الجمل(٦٦٧) .

____________________

(٦٦٥) (١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس).

(٢) كذب هذا الناكث، إذ كان أول مبايع لعلى، نعوذ بالله من سوء الخاتمة (منه قدس).

(٦٦٦) الغدير ج ٩ / ٩٩.

(٣) كما في أواخر ص ٤٩٨ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس)

(٦٦٧) تاريخ الطبري ج٥ / ١٧٥ (*).

٤٦١

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤١: -

[ خطاب عائشة في أهل البصرة ]

ثم أقبلت عائشة على جملها عسكر، فنادت بصوت مرتفع(١) : أيها الناس أقلوا الكلام واسكتوا، فسكت الناس لها فقالت: أيها الناس ان أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا، وانما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل، ألا وان قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها اياه شيئا، ولا سلكت به سبيلا قاصدا، أما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه القائم، وتقيم الجالس، وليسلطن الله عليهم قوما لا يرحمونهم، يسومونهم سوء العذاب.

أيها الناس انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه، ماصوه كما يماص الثوب الرحيض، ثم عدوا عليه فقتلوه بعد توبته، وخروجه من ذنبه، وبايعوا ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا، أترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ! ألا ان عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.

____________________

(١) كما في ص ٤٩٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٢

قال أهل السير والأخبار: فماج الناس واختلفوا. فمن قائل: القول ما قالت أم المؤمنين. ومن قائل يقول: ما هي وهذا الأمر انما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها. وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط، حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى، ثم تمايزوا فريقين، فريقا مع عثمان بن حنيف، وفريقا مع عائشة وأصحابها(٦٦٨) .

[ وقوف الفريقين للقتال ]

ثم أصبح الفريقان من غد، فصفا للحرب، وخرج عثمان بن حنيف(١) فناشد عائشة الله والإسلام، وأذكر طلحة والزبير بيعتهما عليا. فقالا: نطلب بدم عثمان فقال لهما: وما أنتما وذاك، أين بنوه ؟ أين بنو أعمامه الذين هم أحق به منكم ؟ كلا ولكنكما حسدتما عليا حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر، وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما ؟ ! فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه، فقال للزبير: لولا صفية ومكانها من رسول الله، فانها أدنتك إلى الظل، وان الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة يعني طلحة. ثم قال: اللهم اني قد أعذرت.

ثم حمل فاقتتل الناس قتالا شديدا، ثم تحاجزوا واصطلحوا على كيفية خاصة، فصلها المؤرخون، أرجأوا فيها الأمر إلى ما بعد وصول أمير المؤمنين إلى البصرة، وأعطى الفريقان على ما كتبوه

____________________

(٦٦٨) وقريب منه في: الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٩.

(١) كما في ص ٥٠٠ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس) (*).

٤٦٣

من الصلح عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة وميثاق، وختم الكتاب من الفريقين(٦٦٩) .

لكن عائشة وطلحة والزبير أجمعوا على مراسلة القبائل واستمالة العرب ووجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف، من حيث لا يشعر الأمير ابن حنيف وأصحابه، فلما استوثق لأصحاب الجمل أمرهم، خرجوا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا، إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير، فجاءت الشرطة وحرس بيت المال فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان، ثم غلبهم أصحاب الزبير وقدموه، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع، فصاح بهم أهل المسجد: ألا تتقون بالله يا أصحاب محمد ؟ وقد طلعت الشمس، فغلب الزبير وصلى بالناس.

فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المسلحين: أن خذوا عثمان بن حنيف فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتفت لحيته وشارباه وحاجباه وأشفار عينيه، وكل شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا الشرطة وحراس بيت المال وهم سبعون رجلا من المؤمنين من شيعة علي فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لابان بن عثمان: اخرج إليه فاضرب عنقه فان الأنصار قتلوا أباك.

فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة ويا طلحة ويا زبير ان أخي سهلا خليفة علي على المدينة، وأقسم بالله ان لو قتلت ليضعن السيف في نبي أبيكم ورهطكم فلا يبقي ولا يذر. فكفوا عنه.

وأمرت عائشة الزبير أن يقتل الشرطة وحراس بيت المال وقالت له: قد بلغني الذي صنعوا بك، فذبحهم والله الزبير كما

____________________

(٦٦٩) راجع: الكامل ج ٣ / ١١٠، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨ ط بيروت. (*)

٤٦٤

يذبح الغنم، ولي ذلك منهم ابنه عبدالله وهم سبعون رجلا، وبقيت منهم طائفة مستمسكين بيت المال قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.

فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف، أول غدر كان في الإسلام، وكان قتل الشرطة وحراس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا، وكانوا مائة وعشرين رجلا، وقيل كانوا (كما في ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي) أربعمأة رجل(٦٧٠) .

ثم طردوا عثمان بن حنيف فلحق بعلي، فلما رآه بكى وقال له: فارقتك شيخا وجئتك أمرد. فقال علي: انا لله وانا إليه راجعون. يقولها ثلاثا(٦٧١)

وقد منيعليه‌السلام في هذه المأساة بغصة لا تساغ، كان يشكو بثه فيها وحزنه إلى الله فيقول على المنبر: " اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ثم قالوا: ألا ان في الحق ان تأخذه، وفي الحق أن تتركه "(٦٧٢) (ثم ذكر أصحاب الجمل فقال): " فخرجوا يجرون حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عامل بها وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا. " الخطبة وهي في نهج البلاغة(٦٧٣) .

____________________

(٦٧٠) مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٨.

(٦٧١) تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٦.

(٦٧٢) نهج البلاغة الخطبة - ٢١٧ -.

(٦٧٣) نهج البلاغة الخطبة - ١٧٢ - (*).

٤٦٥

[ موقف حكيم بن جبلة(١) ]

لما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم خرج في ثلثمائة من عبدالقيس وكان سيدهم. فخرج القوم إليه وحملوا عائشة على جمل، فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر، ويومها مع علي يوم الجمل الأكبر.

وتجالد الفريقان بالسيوف وأبلى حكيم وأصحابه بلاء حسنا، لكن شد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم فضرب رجل فقطعها، ووقع الأزدي عن فرسه، فجثا حكيم فأخذ رجله المقطوعة فضرب بها الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله خنقا متكئا عليه حتى زهقت نفسه، فمر بحكيم إنسان وهو يجود بنفسه فقال له: من فعل بك هذا ؟ قال: وسادي فنظر فإذا الأزدي تحته.

وكان حكيم من أبطال العرب وشجعان المسلمين المستبصرين في شأن أهل البيت، وقد قتل معه ابنه الأشرف وإخوة له ثلاثة، وقتل معه أصحابه كلهم وهم ثلثمائة من عبدالقيس وكلهم من الاخيار، وربما كان بعض المقتولين يومئذ من بكر بن وائل. فلما صفت البصرة لعائشة وطلحة والزبير بعد قتل حكيم وأصحابه، وطردا ابن حنيف عنها.

اختلف طلحة والزبير في الصلاة، وأراد كل منهما أن يؤم بالناس، وخاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له، ورضي بتقدمه ،

____________________

(١) فصله أهل السير والأخبار فراجعه في ص ٥٠١ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس) (*).

٤٦٦

فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت الإمامة يوما لعبد الله بن الزبير، ويوما لمحمد ابن طلحة ولما دخلوا بيت المال في البصرة ورأوا ما فيه من الأموال. قرأ الزبير - وقد استفزه الفرح -:( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ ) فنحن أحق بها من أهل البصرة(٦٧٤) .

هذا مجمل ما كان في البصرة من الأحداث قبل وصول أمير المؤمنين إليها.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٤٦: -

[ وصول علي إلى البصرة والتقاء الجمعين ]

ثم جاء علي بعدها إلى البصرة بمن معه فنهدت إليه عائشة بمن معها تذوده عنها، وكانت رابطة الجأش، مشيعة القلب فكف يده عنها وعنهم باذلا وسعه في إصلاح ذا البين على ما يرضي الله تعالى ورسوله، وبلغ في ذلك كل مبلغ من قول أو فعل.

حتى روى ابن جرير الطبري(١) وغيره من اثبات أهل السير والأخبار: ان عليا دعا إليه الزبير يومئذ فذكره بكلمة قالها النبي له بمسمع منه وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم "(٦٧٥) فانصرف عنه الزبير

____________________

(٦٧٤) اختلاف طلحة والزبير في الإمارة: مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٧، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٨٢.

(١) في خبر وقعة الجمل أواخر ص ٥١٩ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٥) يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ وقريب منه في كل من: المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٦٦ وصححه هو والذهبي، الأغاني لأبي الفرج ج ١٦ / ١٣١ و ١٣٢، العقد الفريد ج ٢ / ٢٧٩، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٢ / ١٢٢، مطالب السئول ص ٤١، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٧٣، مجمع الزوائد ج ٧ / ٢٣٥، =>

٤٦٧

وقال: فاني لا أقاتلك ورجع إلى ابنه عبدالله فقال: مالي في هذا الحرب بصيرة، فقال له ابنه: انك قد خرجت على بحيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت ان تحتها الموت فجبنت. فأحفظه ولده حتى أرعد وغصب وقال ويحك إني قد حلفت له أن لا أقاتله، فقال ابنه: كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم(٦٧٦) .

وقال الطبري: وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره(١) ، ودعا علي طلحة فقال: يا طلحة جئت بعرس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني ؟. قال: بايعتك وعلى عنقي اللج، وأصر طلحة على الحرب.

وحينئذ رجع علي إلى أصحابه فقال لهم (فيما حكاه الطبري وغيره): أيكم يعرض عليهم هذا المصحف(٢) وما فيه، فان قطعت يده أخذه بيده الأخرى فان قطعت أيضا أخذه بأسنانه. قال فتى شاب: أنا. فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلا ذلك الشاب. فقال له علي: أعرض عليهم هذا

____________________

=> فتح الباري لابن حجر ج ١٣ / ٤٦، المواهب اللدنية للقسطلاني ج ٢ / ١٩٥، شرح المواهب للزرقاني ج ٣ / ٣١٨ وج ٧ / ٢١٧، الخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ / ١٣٧، السيرة الحلبية ج ٣ / ٣١٥، شرح الشفا للخفاجي ج ٣ / ١٦٥، الغدير للأميني ج ٣ / ١٩١ وج ٩ / ١٠١، تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠ و ٢٠٤، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(٦٧٦) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٠، الكامل في التاريخ ج ٣ / ١٢٣، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦٣، تذكرة الخواص ص ٧٠.

(١) راجع ص ٥٢٠ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك، وقد استجاب الله دعاء على فسلط الله على الزبير عمرو بن جرموز فقتله في ذلك اليوم (منه قدس).

(٢) تنبغي الإشارة إلى ان ابن العاص أخذ حيلة المصاحف في صفين من هذه الواقعة وأساء استخدامها كما لا يخفى (منه قدس).

٤٦٨

وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، والله الله في دمائنا ودمائكم. فلما جاءهم الفتى حملوا عليه وفي يده المصحف فقطعوا يديه، فأخذه بأسنانه حتى قتل، وعندئذ قال علي لأصحابه: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم.

ورثت أم الغلام المرسل بالمصحف بقولها فيما رواه الطبري(١) :

لاهم ان مسلما دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

وأمهم قائمة تراهم

يأتمرون الغي لا تناهم

قد خضبت من علق لحاهم(٦٧٧)

وبرزت ربه الجمل والهودج إلى المعركة، وقد عصفت في رأسها النخوة ونزت فيه سورة الانفة، فأدركتها حمية منكرة، وكانت أجرأ من ذي لبدة، قد جمعت ثيابها على أسد، تلهب حماسها في جيشها، فتدفعهم به إلى الموت دون جملها، وقد نظرت عن يسارها فقالت: من القوم عن يساري؟.

فأجابها صبرة بن شيمان (كما في الكامل لابن الأثير وغيره): نحن بنوك الأزد.

فقالت: يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الذي كنا نسمع به في قول القائل :

وجالد من غسان أهل حفاظها

وكعب وأوس جالدت وشبيب

فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك، وقالت لمن يمينها: من القوم عن يمينى ؟. قالوا: بكر بن وائل. قالت: لكم يقول القائل :

وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم

من العزة القعساء بكر بن وائل

____________________

(١) راجع ص ٥٢٢ من الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك (منه قدس).

(٦٧٧) تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٠٤ و ٢٠٦، تذكرة الخواص ص ٧١، مروج الذهب ج ٢ / ٣٦١ (*).

٤٦٩

انما بازائكم عبدالقيس. وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم ؟ قالوا: بنو ناجية. قالت: بخ بخ سيوف أبطحية قرشية، فجالدوا جلادا يتفادى منه، فكأنما أشعلت فيهم من الحماسة نارا تلظى. وتتابع حملة اللواء على خطام جملها مستميتين يقولون :

يا أمنا يا زوجة النبي

يا زوجة المبارك المهدي

نحن بنو ضبة لا نفر

حتى نرى جما جما تخر

يخر منها العلق المحمر

وما زالت تستفز حميتهم حتى عقر الجمل، بعد ان قتل على خطامه أربعون رجلا وكانت الهزيمة بأذن الله. ولو عناية أمير المؤمنين ساعتئذ في حفظها، ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء التي شقت عصا المسلمين إلى يوم الدين، وعلى أسسها كانت صفين والنهروان ومأساة كربلا وما بعدها. حتى نكبة فلسطين، في عصرنا هذا.

لكن أخا النبي وأبا سبطيه، وقف على الجمل بنفسه، حين أطفئت الفتنة بعقره، وما ان هوى بالهودج حتى آواه - وفيه عائشة - إلى وارف من ظله منيع، وجعل معها أخاها محمدا ليقوم بمهامها في نسوة من الصالحات، ومن على محاربيه وتفضل عليهم، وأطلق الأسرى من أعدائه الألداء، واختص عائشة من الكرامة بكل ما يناسب خلقه الكريم. وفضله العميم، وحكمته البالغة وهذا كله معلوم بحكم الضرورة من كتب السير والأخبار.

وتسمى هذه الوقعة وقعة الجمل الأكبر. وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وتفصيل الوقعتين في كتب السير والتواريخ فلتراجع.

٤٧٠

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٠: -

وقد كانت القتلى يوم الجمل

الأكبر ثلاثة عشر ألفا من أبناء عائشة فيهم طلحة والزبير بكل أسف، واستشهد يومئذ من أولياء علي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - ألف أو دونه أو أكثر منه(٦٧٨) .

هذا وقد كانت أم المؤمنين من أعلم الناس بأن عليا أخو رسول الله ووليه ووارثه ووصيه(٦٧٩) وانه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله(٦٨٠) وانه

____________________

(٦٧٨) ولأجل المزيد من الاطلاع حول هذه الواقعة راجع: أحاديث أم المؤمنين عائشة ق ١ / ١٢١ - ٢٠٠، الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية، مروج الذهب ج ٢ / ٣٥٩ - ٣٦٠، أسد الغابة ج ٢ / ١١٤ و ١٧٨ وج ١ / ٣٨٥ وج ٤ / ٤٦ و ١٠٠ وج ٥ / ١٤٣ و ١٤٦ و ٢٨٦، الإصابة ج ١ / ٢٤٨ وج ٢ / ٣٩٥، تاريخ الطبري ج ٥ / ١٦٣، الكامل لابن الأثير ج ٣ / ١٠٥، تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ / ١٤٩.

(٦٧٩) كما تقدم تحت رقم (٥٥١ و ٥٥٢ و ٥٥٣ و ٥٥٤).

(٦٨٠) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ / ١٥٧ ح ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٢ و ٢٢٧ و ٢٣٢ و ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٢ و ٢٤٣ و ٢٤٤ و ٢٤٥ و ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٥٥ و ٢٦٠ و ٢٦٢ و ٢٦٣ و ٢٦٤ و ٢٧٠ و ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٧٨ و ٢٧٩ و ٢٨٩ و ٢٩٠ ط ١، المستدرك للحاكم ج ٣ / ٣٨، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٤٥، فرائد السمطين ج ١ / ٢٥٣، مصنف ابن أبى شيبة ج ٦ / ١٥٤، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٢٣، الاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ / ٣٦، تاريخ بغداد ج ٨ / ٥، إحقاق الحق ج ٥ / ٤٠٠، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ٩٣، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ١٨١ ح ٢١٧ و ٢٢١ ط ١، السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ / ١٠٦، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٥٥ و ٥٦، ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٨ ط اسلامبول، صحيح مسلم في باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٧ / ١٢١ ط العامرة بمصر، حلية الأولياء ج ١ / ٦٢، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ / ١١٠ ط دار صادر، السيرة النبوية لابن هشام، البداية والنهاية ج ٤ / ١٨٦ وج ٧ / ٣٣٦، صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب ج ٥ / ٢٣، الكامل في التاريخ ج ٢ / ١٤٩، أسد الغابة ج ٤ / ٢١، تذكرة الخواص ص ٢٥، التاريخ الكبير للبخاري ج ٤ / ٢٦٢، نزل الأبرار ص ٤٣. راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رق م (٤٧٤).

٤٧١

منه بمنزلة هارون من موسى إلا في النبوة(٦٨١) وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "(٦٨٢) ، " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار "(٦٨٣) .

____________________

(٦٨١) حديث المنزلة: من الأحاديث المتواترة ولأجل الاطلاع على مصادره راجع كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١١٧ تحت رقم (٤٧٥) ففيه الكفاية.

(٦٨٢) حديث المولاة: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ / ١٣ ح ٥٠٨ و ٥١٣ و ٥١٤ و ٥٢٣ و ٥٤٤ و ٥٦٢ و ٥٦٩، كفاية الطالب ص ٦٣ ط الحيدرية وص ١٧ ط الغرى، كنز العمال ج ٦ / ٤٠٣ ط ١ وج ١٥ / ١١٥ ح ٣٣٢ و ٤٠٢ ط ٢، شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ / ١٥٧ ح ٢١١ وص ١٩٢ ح ٢٥٠، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٥، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥١ ط السعيدية وص ١٣٧ ط العثمانية، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٩٦ ط الحيدرية وص ٢٦ و ٢٧ ط مصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ١٦٣ ط بيروت وبهامش الفصل لابن حزم ج ١ / ٢٢٠، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢٠٩ و ٢٨٩ ط ١ وج ٢ / ٢٨٩ وج ٣ / ٢٠٨ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٣٢ ط الميمنية، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ / ١١٢، نظم درر السمطين للزرندي ص ١١٢، المناقب للخوارزمي ص ٨٠ و ٩٤ و ١٣٠، ينابيع المودة للقندوزي ص ٢٨٩ ط اسلامبول وص ٢٩٧ ط الحيدرية، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٦٩ ح ٣٦ و ٣٩ و ٤٠، نزل الأبرار للبدخشاني ص ٥١ - ٥٤، وراجع بقية مصادر الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٨٢.

(٦٨٣) حديث: " الحق مع علي ". صحيح الترمذي ج ٥ / ٢٩٧ ح ٣٧٩٨، المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٢٤، المناقب للخوارزمي ص ٥٦، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٣ / ١١٧ ح ١١٥٩ و ١١٦٠، غاية المرام ص ٥٣٩ (باب) ٤٥، شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٢ / ٥٧٢ ط ١ وج ١٠ / ٢٧٠ بتحقيق أبو الفضل، منتخب كنز العمال بهامش =>

٤٧٢

وقد شهدت حجة الوداع مع رسول الله فرأته يوم الموقف يشيد بفضله آمرا أمته بالتمسك بثقليه تارة وبخصوص علي أخرى، منذرا بضلال من لم يأخذ بهما معا(٦٨٤) .

ويوم الغدير رأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد رقى منبر الحدائج يعهد إلى علي عهده، ويوليه على الأمة بعده، بمسمع ومنظر من تلك الألوف المؤلفة قافلة من حجة الوداع، حيث تفترق بهم الطرق إلى بلادهم(٦٨٥) .

ورأته وقد نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين يقول لهم: " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " أخرجه كل من الإمامين أحمد في مسنده(١) والحاكم في صحيحه المستدرك، والطبراني في الكبير، ورواه الترمذي بسنده الصحيح إلى زيد بن أرقم، كما في ترجمة الزهراء من الإصابة(٦٨٦) .

____________________

=> مسند أحمد ج ٥ / ٦٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ / ١٣١، جامع الأصول لابن الأثير ج ٩ / ٤٢٠، إحقاق الحق للتستري ج ٥ / ٦٢٦، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ١٧٦ ح ١٣٨، الغدير ج ٣ / ١٧٩، دلائل الصدق ج ٢ / ٣٠٢، المعيار والموازنة للاسكافي المعتزلي ص ٣٥ و ١١٩، نزل الأبرار للبدخشانى ص ٥٦، راجع بقية المصادر في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٠ ط بيروت.

(٦٨٤) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم (١٥) وسوف يأتي أيضا.

(٦٨٥) الغدير للأميني ج ١ / ٩، فرائد السمطين للحمويني ج ١ / ٧٣ ح ٣٩. ولأجل المزيد من الاطلاع على هذه الحادثة مع مصادرها راجع: سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص ١٧٣ تحت رقم (٦١٥ و ٦١٦ و ٦١٧ و ٦١٨ و ٦١٩ و ٦٢٠ و ٦٢١ و ٦٢٢) ففيها مئات المصادر لهذه الواقعة المباركة. وسوف يأتي بعض منها.

(١) راجع من المسند ص ٤٤٢ من جزئه الثاني بالإسناد إلى أبى هريرة (منه قدس).

(٦٨٦) صحيح الترمذي ج ٥ / ٣٦٠ ح ٣٩٦٢، سنن ابن ماجة ج ١ / ٥٢ ح ١٤٥، =>

٤٧٣

ورأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جللهم بكسائه يقول حينئذ: " أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم "(٦٨٧) إلى كثير من أمثال هذه النصوص الصحيحة التي لم يخف شئ منها على أم المؤمنين فانها عيبة الحديث حتى قيل عنها :

حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها(٦٨٨)

وحسبها ما قد رواه أبوها أبو بكر إذ قال: رأيت رسول الله خيم

____________________

=> المستدرك للحاكم ج ٣ / ١٤٩، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٦٤ ح ٩٠ ط ١، أسد الغابة ج ٣ / ١١ وج ٥ / ٥٢٣ ذخائر العقبى ص ٢٥، الصواعق المحرقة ص ١١٢ ط الميمنية وص ١٨٥ ط المحمدية، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٦ و ١٦٩، كفاية الطالب ص ٣٣٠ و ٣٣١ ط الحيدرية وص ١٨٨ و ١٨٩ ط الغرى، ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ ط اسلامبول، شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ / ٢٧، المناقب للخوارزمي ص ٩١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٦١ و ٩٩، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ / ٣، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ / ٢٧١، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢، إحقاق الحق ج ٩ / ١٦١ - ١٧٤، نزل الأبرار ص ٣٥ و ١٠٥، فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٣٩، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨. وقد تقدم مع مصادر أخرى تحت رقم (١٢٦).

(٦٨٧) نقل ابن حجر الهيثمي في تفسير الآية من آيات فضلهم التي وردت في الفصل الحادي عشر من صواعقه، وقد استفاض قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرب علي حربي وسلمه سلمى (منه قدس). الصواعق لابن حجر ص ١٤٢ و ١٨٥ ط المحمدية و ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية، الإصابة ج ٤ / ٣٧٨، ينابيع المودة ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول، نظم درر السمطين ص ٢٣٢ و ٢٣٩، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ / ٢٨٠، مشكاة المصابيح ج ٣ / ٢٥٨، ذخائر العقبى ص ٢٣، الرياض النضرة ج ٢ / ٢٤٩، وقد تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٨٨) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري راجع الأزرية ص. (*)

٤٧٤

خيمة(١) وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد. ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد "(٦٨٩) .

فهل يا ترى كانت أم المؤمنين في هذا الخروج وما إليه تريد الله ورسوله والدار الآخرة، وأنها من المحسنات ؟ تبتغي بذلك الأجر والثواب الذي وعد الله به نساء نبيه إذ يقول:( وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٦٩٠) .

أم كانت ترى أن بينها وبين الله هوادة، تبيح لها ما قد حرمه الله على العالمين ؟ فارتكبت بخروجها - على الإمام - ما أرتكبت آمنة من وعيده إذ يقول:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ

____________________

(١) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم: "( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ". وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء، فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء (منه قدس).

(٦٨٩) تجد هذا الحديث منقولا عن أبى بكر الصديق في كتاب عبقرية محمد للأستاذ الكبير عباس محمود العقاد بعين لفظه تحت عنوان - النبي والإمام والصحابة - فراجع (منه قدس).

وأيضا في: فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٤٠ ح ٣٧٣، المناقب للخوارزمي ص ٢١١، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٤، سمط النجوم ج ٢ / ٤٨٨ راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم (١٢٨).

(٦٩٠) سورة الأحزاب: ٢٩ (*).

٤٧٥

وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) (٦٩١) .

أم أنها يا ترى رأت خروجها ذلك الخروج، عبادة لله وقنوتا منها له ولرسوله وعملا صالحا ؟ فاستأثرت به عملا بقوله تعالى:( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (٦٩٢) !

أم أنها أرادت أن تمثل التقوى والورع بخروجها دون صواحبها من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتستأثر من بينهن بالعمل بقوله تعالى:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (٦٩٣) .

وهل رأت بيت ابن ضبة بيتها الذي أمرها الله أن تقرأ فيه ؟ ورأت قيادتها لتلك الجيوش سرداقا ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية الأولى ؟ ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله ؟(٦٩٤) .

ورأت أنها تكون بذلك كله نصب أمر الله ونهيه إذ يقول عزوجل:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (٦٩٥) .

وماذا تقول ؟ أو يقول أولياؤها ؟ في خطاب الله لها ولصاحبتها بقوله:( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (١) وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ

____________________

(٦٩١) سورة الأحزاب: ٣٠.

(٦٩٢) سورة الأحزاب: ٣١.

(٦٩٣) سورة الأحزاب: ٣٢.

(٦٩٤) إشارة إلى البيت الذي استقرت فيه في البصرة. راجع: شرح ابن أبى الحديد.

(٦٩٥) سورة الأحزاب: ٣٣.

(١) ثبت بهذه الآية صدور الذنب منهما، ووجوب التوبة عليهما (منه قدس) (*).

٤٧٦

وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (١) * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) (٦٩٦) .

وحسبهما من الله تعالى حجة عليهما، مثله العظيم، الذي ضربه لهما في سورة التحريم، أعني قوله عز من قائل:( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٦٩٧) .

ولله قول من يقول من أبطال أهل البيت علما وعملا :

عائش ما نقول في قتالك

سلكت في مسالك المهالك

وحسبك ما أخرج البخاري

من الصحيح مومئا للدار(٢)

____________________

(١) هذه هي الغاية في الاستعداد لمكافحتهما في نصرته والدفاع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لو تظاهر عليه أهل الأرض في الطول والعرض، ما أعد لمكافحتهم أكثر من هذه القوة كما لا يخفى (منه قدس).

(٦٩٦) سورة التحريم: ٤ و ٥. راجع ما تقدم من مصادر تحت رقم (٦٢٠).

(٦٩٧) سورة التحريم: ٩ و ١٠. راجع: تفسير القرطبي ج ١٨ / ٢٠٢، فتح القدير للشوكاني ج ٥ / ٢٥٥.

(٢) يشير في هذا البيت إلى ما أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير ص ١٢٥ من الجزء الثاني من صحيحه عن عبدالله قال: قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأشار إلى مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان، ولفظه عند مسلم: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت عائشة فقال رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان. فراجعه في كتاب الفتن واشراط الساعة ص ٥٠٣ من الجزء الثاني من صحيحه (منه قدس) (*).

٤٧٧

قد قيل تبت وعلي غمضا

فلم سجدت الشكر لما قبضا "(١)

ولم ركبت البغل في يوم الحسن

تؤججين نار هاتيك الفتن(٦٩٨)

____________________

(١) اشارة إلى ما كان من أم المؤمنين، حين بلغها نعى علىعليه‌السلام من أنها سجدت لله شكرا ثم رفعت رأسها قائلة :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم سألت: من قتله ؟. فقيل لها: رجل من مراد. فقالت :

فان يك نائيا فلقد نعاه

غلام ليس في فيه التراب

فأنكرت عليها زينب بنت أم سلمة قائلة لها، العلى تقولين هذا يا عائش ؟ !. فأجابت عائش: أنى نسيت، فإذا نسيت فذكروني ! ! (منه قدس).

(٦٩٨) كان الإمام أبو محمد الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، أنذر الهاشميين قبل وفاته بفتنة يخشاها من بني أمية إذا أراد الهاشميون دفنه عند جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعهد إلى أخيه سيد الشهداء أن يتدارك الشر إذا هبت عواصفه، بدفنه في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد، وأقسم عليه أن لا يريق في سبيله مل‌ء محجمة من دم. فلما قضى (بأبي وأمي) نحبه، أراد الهاشميون أن يجددوا به العهد بجده رسول الله، أو أنهم أرادوا أن يدفنوه عنده إذا أمنوا الفتنة، فقامت قيامة بني أمية، وأعدوا للحرب عدتها متجهزين بجهازها، وعلى رأسهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكان مروان ينادى يا رب هيجاء هي خير من دعة، أيدفن أمير المؤمنين (عثمان) في أقصى المدينة، ويدفن الحسن مع رسول الله. وجاؤا بعائشة وهي على بغل، تذودهم عن بيتها قائلة: لا تدخلوه بيتي.

ففي ترجمة الحسن من كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهانى المروانى عن على بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه، أي الحسن، ركبت عائشة بغلا واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل: يوما على بغل، ويوما على جمل. وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء، ليومها الثاني من أهل البيت قال: فأتاها القاسم بن محمد بن أبى بكر فقال: يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال: يوم البغلة الشهباء. أه‍. وفى ذلك يقول القائل: =>

٤٧٨

... ..

____________________

=>

تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت

لك التسع من الثمن وفى الكل تصرفت

ولنا هنا أن نبحث عن الوجه في كون بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيتها تدخل فيه من تحب، وتنرود عنه من لا تحب ؟ شأن المالك يتصرف في ملكه المطلق كيف يشاء، فهل يا ترى ملكها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيته ببيع أو هبة أو نحوهما ؟ كلا. وما أظن ان أحدا قال ذلك أو توهمه.

نعم أسكنها في حجرة من حجرات داره، كما أسكن غيرها من نسائه في حجرات اخر، وكما يسكن كل رجل زوجته في بيته قياما بواجب المرأة على زوجها فان اسكانها من نفقاتها الواجبة لها عليه اجماعا وقولا واحدا. والمرأة انما تسكن في بيت زوجها. فيدها على مسكنها ليست من امارات الملك في شئ، لان المتصرف في مسكنها في الحقيقة، انما هو الرجل، حيث انه هو الذى أسكنها فيه وحيث انه كان يساكنها في نفس البيت، ولو في يومها وليلتها في أقل الفروض.

على انه لو سلمنا ان يد عائشة على حجرتها، امارة تملكها، فلم لم تكن يد الزهراء على فدك امارة على تملكها ؟ ! وشتان بين هاتين اليدين، فان يد البنت على شئ من أملاك أبيها تتصرف فيه على عهده بمنظر منه ومسمع، لمن امارات الملك بلا كلام، ولاسيما إذا كانت نازحة على بيت أبيها إلى بيت زوجها. بخلاف يد الزوجة على حجرة من حجرات دار زوجها، ونحن نحكم العرف البشرى في هذه الفرق بين هاتين اليدين.

ولعل الخليفة يومئذ وهو أبوها، ملكها بيت رسول الله بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بولايته العامة، وهذا ليس بالبعيد، لكنا كنا نأمل منه، أن يعامل بنت رسول الله فيما كان في يدها، معاملة بنته، ولو فعل لكان ذلك أقرب إلى اجتماع الكلمة، ولم شعث الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (منه قدس). هذه الأبيات. (*)

٤٧٩

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٤٥٩: -

[ الفصل الخامس ] [ تأول خالد بن الوليد ] [ المورد - (٨٦) -: ذلك ما فعله خالد بن الوليد يوم فتح مكة ]

وقد نهاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ عن القتل والقتال، كما نص عليه أهل السير والأخبار، ورواه أثبات المحدثين بأسانيدهم الصحيحة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يومئذ وللزبير: " لا تقاتلا إلا من قاتلكما ".

ولكن خالدا قاتل مع ذلك وقتل نيفا وعشرين رجلا من قريش وأربعة نفر من هذيل فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة، فرأى امرأة مقتولة، فسأل حنظلة الكاتب: من قتلها ؟: قال: خالد بن الوليد. فأمره أن يدرك خالدا فينهاه أن يقتل امرأة أو وليدا، أو عسيفا - أي أجيرا -(٦٩٩) إلى آخر ما تجده من هذه القضية في " عبقرية عمر " للأستاذ العقاد ص ٢٦٦.

____________________

(٦٩٩) هذه الحادثة رواها ابن هشام في غزوة حنين في السيرة النبوية ج ١٤ ١٠٠ ولعلها قد تكررت من خالد. (*)

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592