الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177188 / تحميل: 5794
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

كفروا من أهل الكتاب الذين كانوا يذكرون علامات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ظهوره ، وذلك استنادا إلى ما ورد في كتبهم السماوية ، وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر ، إلّا أنّهم أعرضوا عنه بعد ظهوره واتضاح هذه العلامات وتحقّقها ، ومنعتهم شهواتهم ومصالحهم من الإيمان به.

بالرغم من ذلك ، فإنّ القرائن الموجودة في الآيات السابقة واللاحقة تبيّن جيدا أنّ هذه الآية تتحدث أيضا عن المنافقين الذين جاؤوا ورأوا بأمّ أعينهم الدلائل الدالّة على حقانية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمعوا آياته ، إلّا أنّهم أدبروا اتباعا لأهوائهم وشهواتهم ، وطاعة لوساوس الشيطان.

«سوّل» من مادة سؤل ـ على وزن قفل ـ وهي الحاجة التي يحرص عليها الإنسان(١) ، و «التسويل» بمعنى الترغيب والتشويق إلى الأمور التي يحرص عليها ، ونسبته إلى الشيطان بسبب الوساوس التي يلقيها في نفس الإنسان ، وتمنع من هدايته.

وجملة( وَأَمْلى لَهُمْ ) من مادة «إملاء» ، وهو زرع طول الأمل فيهم ، والآمال البعيدة المدى ، والتي تشغل الإنسان ، فتصدّه عن الحق والهدى.

وتشرح الآية التالية علّة هذا التسويل والتزيين الشيطاني ، فتقول :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ) وهذا دأب المنافقين في البحث عن العصاة والمخالفين ، وإذا لم يكونوا مشتركين ومتفقين معهم في كلّ المواقف ، فإنّهم يتعاونون معهم على أساس المقدار المتفق عليه من مواقفهم ، بل ويطيعونهم إذا اقتضى الأمر.

بل قد اتجه منافقو المدينة نحو يهود المدينة ـ وهم «بنو النضير» و «بنو قريظة»

__________________

(١) ولذلك فإنّ البعض قد فسّرها بمعنى الأمل ، كما نقرأ ذلك في الآية (٣٦) من سورة طه :( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ) .

٣٨١

الذين كانوا يبشرون بالإسلام قبل بعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا بعد ظهوره ومبعثه ، وتعرّض مصالحهم للخطر ، ولحسدهم وكبرهم ، فإنّهم اعتبروا الإسلام دينا باطلا ، وغير سليم ـ ولمّا كان هناك قدر مشترك بين المنافقين واليهود في مخالفتهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتآمرهم ضد الإسلام ، فإنّهم اتفقوا مع اليهود على العمل المشترك ضد الإسلام والمسلمين.

وربّما كان تعبير( فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ) إشارة إلى أنّنا نتعاون معكم في هذا الجزء فقط ، فإنّكم تخالفون عبادة الأصنام ، وتعتقدون بالبعث والقيامة ، ونحن لا نتفق معكم في هذه الأمور(١) .

هذا الكلام شبيه بما جاء في الآية (١١) من سورة الحشر :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ) .

وتهدد الآيات هؤلاء في نهايتها فتقول :( وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ ) فهو عليم بكفرهم الباطن ونفاقهم ، وبتآمرهم مع اليهود ، وسيعاقبهم ويجازيهم في الوقت المناسب. وعليم بما كان يخفيه اليهود من حسدهم وعدائهم وعنادهم ، فقد كانوا يعرفون علامات نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يعرفون أبناءهم بشهادة كتابهم ، وكانوا يذكرون هذه العلامات للناس من قبل ، إلّا أنّهم أخفوها جميعا بعد ظهوره ، والله عليم بهذا الإخفاء ومحاولة طمس الحق.

وجاء في حديث عن الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام : أنّ المراد من( كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ) بنو أميّة الذين كرهوا نزول أمر الله تعالى في ولاية عليعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) ثمّة احتمالات عديدة أخرى في تفسير هذه الآية ، لا ينسجم أي منها مع الآيات السابقة واللاحقة ، ولذلك أعرضنا عن ذكرها.

(٢) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ١٠٥.

٣٨٢

وواضح أنّ هذا النوع تطبيق وبيان مصداق ، وليس حصرا لمعنى الآية.

والآية التالية بمثابة توضيح لهذا التهديد المبهم ، فتقول :( فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ) (١) .

نعم ، إنّ هؤلاء الملائكة مأمورون أن يذيقوا هؤلاء العذاب وهم على أعتاب الموت ليذوقوا وبال الكفر والنفاق والعناد ، وهم يضربون وجوههم لأنّها اتجهت نحو أعداء الله ، ويضربون أدبارهم لأنّهم أدبروا عن آيات الله ونبيّه.

وهذا المعنى نظير ما ورد في الآية (٥٠) من سورة الأنفال حول الكفار والمنافقين :( وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) .

وتناولت آخر آية من هذه الآيات بيان علّة هذا العذاب الإلهي وهم على إعتاب الموت ، فتقول :( ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ) .

لأنّ رضى الله سبحانه هو شرط قبول الأعمال وكلّ سعي وجهد ، وبناء على هذا ، فمن الطبيعي أن تحبط أعمال أولئك الذين يصرون على إغضاب اللهعزوجل وإسخاطه ، ويخالفون ما يرتضيه ، ويودعون هذه الدنيا وهم خالو الوفاض ، قد أثقلتهم أوزارهم ، وأرهقتهم ذنوبهم.

إنّ حال هؤلاء القوم يخالف تماما حال المؤمنين الذين تستقبلهم الملائكة بوجوه ضاحكة عند ما يشرفون على الموت ، وتبشّرهم بما أعد الله لهم :( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٢) .

وممّا يلفت النظر أنّ الجملة فعلية في مورد غضب الله تعالى :( ما أَسْخَطَ اللهَ ) وهي أسمية في مورد رضاه :( رِضْوانَهُ ) ، وقال بعض المفسّرين : إنّ هذا التفاوت

__________________

(١) كيف ، خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فكيف حالهم

(٢) النحل ، الآية ٣٢.

٣٨٣

في التعبير يتضمن نكتة لطيفة ، وهي أنّ غضب الله قد يحدث وقد لا يحدث ، أمّا رضاه ورحمته فهي مستمرة دائمة.

وواضح أيضا أنّ غضب الله تعالى وسخطه لا يعني التأثر النفسي ، كما أنّ رضاه سبحانه لا يعني انبساط الروح وانشراح الأسارير ، بل هما كما ورد في حديث الإمام الصادقعليه‌السلام : «غضب الله عقابه ، ورضاه ثوابه»(١) .

* * *

__________________

(١) توحيد الصدوق ، طبق نقل الميزان ، المجلد ١٨ ، صفحة ٢٦٦.

٣٨٤

الآيات

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) )

التّفسير

يعرف المنافقون من لحن قولهم :

تشير هذه الآيات إلى جانب آخر في صفات المنافقين وعلاماتهم ، وتؤكّد بالخصوص على أنّهم يظنّون أنّ باستطاعتهم أن يخفوا واقعهم وصورتهم الحقيقية عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين دائما ، وأن ينقذوا أنفسهم بذلك من الفضيحة الكبرى ، فتقول أوّلا :( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ ) (١) .

«الأضغان» جمع ضغن ، وهو الحقد الشديد.

__________________

(١) اعتبر البعض (أم) في الآية أعلاه استفهامية ، والبعض الآخر اعتبرها منقطعة بمعنى بل ، ويبدو أنّ الأوّل هو الأفضل.

٣٨٥

نعم ، لقد كانت قلوب هؤلاء مملوءة غيظا وحقدا شديدا على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وكانوا يتحيّنون الفرص لإنزال الضربة بهم ، فهنا يحذّرهم القرآن بأن لا يظنّوا أنّ بإمكانهم أن يخفوا وجههم الحقيقي دائما ، ولذلك فإنّ الآية التالية تضيف :( وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ) فنجعل في وجوههم علامات تعرفهم بها إذا رأيتهم ، وتراهم رأي العين فتنظر واقعهم عند ما تنظر ظاهرهم.

ثمّ تضيف :( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) فيمكنك في الحال أن تعرفهم من خلال نمط كلامهم.

يقول الراغب في مفرداته : «اللحن» عبارة عن صرف الكلام عن قواعده وسننه ، أو إعرابه على خلاف حاله ، أو الكناية بالقول بدلا من الصراحة. والمراد في الآية مورد البحث هو المعنى الثّالث ، أي : يمكن معرفة المنافقين مرضى القلوب من خلال الكناية في كلامهم ، وتعبيراتهم المؤذية التي تنطوي على النفاق.

حينما يكون الكلام عن الجهاد ، فإنّهم يسعون إلى إضعاف إرادة الناس ومعنوياتهم ، وحينما يكون الكلام عن الحق والعدالة ، فإنّهم يحرّفونه بنحو من الأنحاء ، وإذا ما أتى الحديث عن الصالحين المتّقين السابقين إلى الإسلام ، فإنّهم يسعون إلى تشويه سمعتهم ، وتقليل أهميتهم ومكانتهم ، ولذلك روي عن «أبي سعيد الخدري» حديثه المعروف الذي يقول فيه : لحن القول بغضهم علي بن أبي طالب ، وكنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم علي بن أبي طالب(١) .

نعم ، لقد كانت إحدى العلامات البارزة للمنافقين أنّهم كانوا يعادون أوّل من آمن من الرجال ، وأول مضح في سبيل الإسلام ، ويبغضونه.

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآيات مورد البحث. ثمّ إنّ جماعة من كبار العامّة نقلوا مضمون هذا الحديث في كتبهم ، ومن جملتهم : أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل ، وابن عبد البر في الإستيعاب ، والذهبي في تاريخ أوّل الإسلام ، وابن الأثير في جامع الأصول ، والعلّامة الگنجي في كفاية الطالب ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ، والسيوطي في الدر المنثور ، والآلوسي في روح المعاني ، وأورده جماعة آخرون في كتبهم ، وهو يبيّن أنّها إحدى الروايات المسلمة عن الرّسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمزيد من الإيضاح يراجع إحقاق الحق ، المجلد الثّالث ، صفحة ١١٠ وما بعدها.

٣٨٦

إنّ الإنسان لا يستطيع عادة أن يكتم ما ينطوي عليه ضميره لمدة طويلة دون أن يظهر ذلك في كنايات كلامه وإشاراته ولحنه ، ولذلك نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «ما أضمر أحد شيئا إلّا ظهر في فلتات لسانه ، وصفحات وجهه»(١) .

وقد ذكرت آيات القرآن الأخرى كلمات المنافقين الجارحة ، والتي هي مصداق للحن القول هذا ، أو حركاتهم المشبوهة ، ولعلّه لهذا السبب قال بعض المفسّرين : إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف المنافقين جيدا ، من خلال علاماتهم ، بعد نزول هذه الآية.

والشاهد على هذا الكلام هو أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بأن لا يصلّي على من مات منهم ولا يقوم على قبره داعيا الله له :( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ) (٢) .

لقد كان الجهاد بالذات من المواقف التي كان المنافقون يعكسون فيها ما يعيشونه في داخلهم ، وقد أشارت آيات كثيرة في القرآن الكريم ، وخاصّة في سورة التوبة والأحزاب إلى وضع هؤلاء قبل الحرب حين جمع المساعدات وإعداد العدّة للحرب ، وفي أثناء الحرب في ساحتها إذا اشتد هجوم العدو واستعرت حملته ، وبعد الحرب عند تقسيم الغنائم ، حتى وصل الأمر بالمنافقين إلى أن يعرفهم حتى المسلمون العاديّون في هذه المشاهد والمواقف.

واليوم أيضا لا تصعب معرفة المنافقين من لحن قولهم ومواقفهم المضادة في المسائل الاجتماعية المهمة ، وخاصة عند الاضطرابات أو الحروب ، ويمكن التعرف عليهم بأدنى دقة في أقوالهم وأفعالهم ، وما أروع أن يعي المسلمون أمرهم ويستيقظوا ويستلهموا من هذه الآية تعليماتها ليعرفوا هذه الفئة الحاقدة الخطرة

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الجملة ٢٦.

(٢) التوبة ، الآية ٨٤.

٣٨٧

ويفضحوها.

وأخيرا تضيف الآية :( وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ ) فهو يعلم أعمال المؤمنين ما ظهر منها وما بطن ، ويعلم أعمال المنافقين ، وإذا افترضنا أنّ هؤلاء قادرون على إخفاء واقعهم الحقيقي عن الناس ، فهل باستطاعتهم إخفاءه عن الله الذي هو معهم في سرّهم وعلانيهم ، وخلوتهم واجتماعهم؟

وتضيف الآية التالية مؤكّدة وموضحة طرقا أخرى لتمييز المؤمنين عن المنافقين :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ) الحقيقيين من المتظاهرين بالجهاد والصبر.

ومع أنّ لهذا الابتلاء والاختبار أبعادا واسعة ، ومجالات رحبة تشمل الصبر والثبات في أداء كلّ الواجبات والتكاليف ، ولكن المراد منه هنا الامتحان في ساحة الحرب والقتال لمناسبته كلمة «المجاهدين» ، والآيات السابقة واللاحقة ، والحق أنّ ميدان الجهاد ساحة اختبار عسير وشديد ، وقلّما يستطيع المرء أن يخفي واقعه في أمثال هذه الميادين.

وتقول الآية الأخيرة :( وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ ) .

قال كثير من المفسّرين : إنّ المراد من الأخبار هنا أعمال البشر ، وذلك أن عملا ما إذا صدر من الإنسان ، فإنّه سينتشر بين الناس كخبر.

وقال آخرون : إنّ المراد من الأخبار هنا : الأسرار الداخلية ، لأنّ أعمال الناس تخبر عن هذه الأسرار.

ويحتمل أن تكون الأخبار هنا بمعنى الأخبار التي يخبر بها الناس عن وضعهم وعهودهم ومواثيقهم ، فالمنافقون ـ مثلا ـ كانوا قد عاهدوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يرجعوا عن القتال ، في حين أنّهم نقضوا عهدهم :( وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ) (١) .

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ١٥.

٣٨٨

ونراهم في موضع آخر :( وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً ) (١) .

وبهذا فإنّ الله سبحانه يختبر أعمال البشر ، كما يختبر أقوالهم وأخبارهم. وطبقا لهذا التّفسير فإنّ لهاتين الجملتين في الآية مورد البحث معنيين متفاوتين ، مع أنّ إحداهما تؤكّد الأخرى طبقا للتفاسير السابقة.

وعلى أية حال ، فليست هذه المرة الأولى التي يخبر الله سبحانه الناس فيها بأنّي أبلوكم لتمييز صفوفكم ، وليعرف المؤمنون الحقيقيون وضعفاء الإيمان والمنافقون ، وقد ذكرت مسألة الامتحان والابتلاء هذه في آيات كثيرة من القرآن الكريم.

وقد بحثنا المسائل المتعلقة بالاختبار الإلهي في ذيل الآية (١٥٥) من سورة البقرة ، وكذلك وردت في بداية سورة العنكبوت.

ثمّ إنّ جملة( حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ ) لا تعني أنّ الله لا يعلمهم ، بل المراد تحقق هذا المعلوم عمليا ، وتشخيص هؤلاء المجاهدين ، فالمعنى : ليتحقق علم الله سبحانه في الخارج ، وتحصل العينية ، وتتميز الصفوف.

* * *

__________________

(١) الأحزاب ، الآية ١٣.

٣٨٩

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) )

التّفسير

الذين يموتون على الكفر لن يغفر الله لهم :

بعد البحوث المختلفة التي دارت حول المنافقين في الآيات السابقة ، تبحث هذه الآيات وضع جماعة أخرى من الكفار ، فتقول :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ ) حتى وإن عملوا خيرا ، لأنّه لم يكن مقترنا بالإيمان.

هؤلاء يمكن أن يكونوا مشركي مكّة ، أو الكفار من يهود المدينة ، أو كليهما ، لأنّ التعبير بـ «الكفر» ، و «الصد عن سبيل الله» ، و( شَاقُّوا الرَّسُولَ ) قد ورد بحقّ

٣٩٠

الفريقين في آيات القرآن الكريم.

أمّا «تبيّن الهدى» ، فقد كان عن طريق المعجزات بالنسبة إلى مشركي مكّة ، وعن طريق الكتب السماوية بالنسبة إلى أهل الكتاب.

و «إحباط أعمالهم» إمّا أن يكون إشارة إلى أعمال الخير التي قد يقومون بها أحيانا كإقراء الضيف ، والإنفاق ، ومعونة ابن السبيل ، أو أن يكون إشارة إلى عدم تأثير خطط هؤلاء ومؤامراتهم ضد الإسلام.

وعلى أية حال ، فقد كان هؤلاء الجماعة متّصفين بثلاث صفات : الكفر ، والصد عن سبيل الله ، والعداء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ كانت إحداها تتعلق بالله سبحانه ، والأخرى بعباد الله ، والثالثة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبعد أن تبيّن حال المنافقين ، والخطوط العامة لأوضاعهم ، وجّهت الآية التالية الخطاب إلى المؤمنين مبيّنة خطهم وحالهم ، فقالت :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) .

في الواقع ، إنّ أسلوب حياة المؤمنين وبرنامجهم يقع في الطرف المقابل للكفار والمنافقين في كلّ شيء ، فهؤلاء يعصون أمر الله سبحانه ، وأولئك يطيعونه ، هؤلاء يعادون النبي ، وأولئك يطيعون أمر هو هؤلاء تحبط أعمالهم لكفرهم وريائهم ومنّتهم ، أمّا أولئك فإنّ أعمالهم محفوظة عند الله سبحانه وسيثابون عليها ، لاجتنابهم هذه الأمور.

وعلى كلّ حال ، فإنّ أسلوب الآية يوحي بأنّ من بين المؤمنين أفرادا كانوا قد قصروا في طاعة الله ورسوله وفي حفظ أعمالهم عن التلوث بالباطل ، ولذلك فإنّ الله سبحانه يحذّرهم في هذه الآية.

والشاهد لهذا الكلام سبب النّزول الذي ذكره البعض لهذه الآية ، وهو : إنّ «بني أسد» كانوا قد أسلموا وأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إنّنا نؤثرك على أنفسنا ، ونحن وأهلونا رهن إشارتك وأمرك. غير أنّ أسلوبهم في الكلام كانت تلوح منه المنّة ،

٣٩١

فنزلت الآية أعلاه ، وحذّرتهم من ذلك.

واستدل بعض الفقهاء بجملة :( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) على حرمة قطع الصلاة ، ولكنّ الآية مورد البحث وما قبلها وما بعدها شاهدة على أنّها لا تتعلق بهذا الأمر ، بل عدم الإبطال عن طريق الشرك والرياء والمن وأمثال ذلك.

وجاءت الآية الأخيرة من هذه الآيات موضحة ومؤكّدة لما مرّ في الآيات السابقة حول الكفار ، وتهدي إلى الصراط المستقيم من يريد التوبة إلى طريق الرجوع ، فتقول :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) لأنّ أبواب التوبة ستغلق بنزول الموت ، ويحمل هؤلاء أوزارهم وأوزار الذين يضلّونهم ، فكيف يغفر الله لهم؟

وبهذا ، فقد ورد الحديث في مجموع هذه الآيات عن ثلاث مجموعات : الكفّار ، والمنافقون ، والمؤمنون ، وتحدّدت صفات كلّ منهم ومصيره.

* * *

بحث

عوامل إحباط ثواب العمل :

من المسائل الأساسية التي أكدت عليها آيات القرآن المختلفة ، ومنها الآية مورد البحث ، هي أن يحذر المؤمنون من أن تحبط أعمالهم كالكفار ، وبتعبير آخر : فإنّ نفس العمل شيء ، والحفاظ عليه شيء أهمّ ، فإنّ العمل الصالح السالم المفيد ، هو العمل الذي يكون منذ البداية سالما من العيوب وأن يحافظ عليه من الخلل والعيب حتى نهاية العمر.

والعوامل التي تؤدي إلى إحباط أعمال الإنسان ، أو تهددها بذلك الخطر كثيرة ، ومن جملتها :

١ ـ المن والأذى كما يقول القرآن الكريم :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا

٣٩٢

صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١) .

فهنا ذكر عاملان لبطلان العمل : أحدهما المنّ والأذى ، والآخر الرياء والكفر ، فالأوّل يأتي بعد العمل والثّاني قرينه ، وهما كالنّار يحرقان الأعمال الصالحة.

٢ ـ العجب عامل آخر في إحباط آثار العمل ، كما ورد ذلك في الحديث : «العجب يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب»(٢) .

٣ ـ الحسد ـ أيضا ـ أحد هذه الأسباب ، والذي ورد فيه تعبير شبيه بما ورد في العجب ، فقد روي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إيّاكم والحسد ، فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب»(٣) .

وكما تذهب الحسنات السيئات( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٤) ، فإنّ السيئات تمحو كلّ الحسنات أحيانا.

٤ ـ المحافظة على الإيمان إلى آخر لحظات العمر ، وهذا أهم شرط لبقاء آثار العمل ، لأنّ القرآن يقول بصراحة :( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٥) .

من هنا نعرف أهمية ومشاكل وصعوبات مسألة المحافظة على الأعمال ، ولذلك ورد في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «الإبقاء على العمل أشدّ من العمل» ، قال ـ أي الراوي ـ : وما الإبقاء على العمل؟ قال : «يصل الرجل بصلة ، وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتب له سرّا ، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثمّ

__________________

(١) البقرة ، الآية ٢٦٤.

(٢) روح البيان ، المجلد ٨ ، صفحة ٥٢٢.

(٣) بحار الأنوار ، المجلد ٧٣ ، صفحة ٢٥٥.

(٤) هود ، الآية ١١٤.

(٥) الزمر ، الآية ٦٥.

٣٩٣

يذكرها فتمحى وتكتب له رياء»(١) .

وقد أشارت الآية ـ مورد البحث ـ إشارة خفية إلى هذه الأمور حيث تقول :( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) الكافي ، المجلد الثاني ، باب الرياء ، الحديث ١٦.

(٢) لمزيد من الإيضاح والتفصيل حول مسألة إحباط العمل راجع ذيل الآية (٢١٧) من سورة البقرة.

٣٩٤

الآية

( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) )

التّفسير

الصلح المذل!!

متابعة للآيات السابقة التي كانت تتحدّث حول مسألة الجهاد ، تشير هذه الآية إلى أحد الأمور الهامة في مسألة الجهاد ، وهو أنّ ضعفاء الإيمان يطرحون غالبا مسألة الصلح للفرار من مسئولية الجهاد ، ومصاعب ميدان الحرب.

من المسلّم أنّ الصلح خير وحسن جدّا ، لكن في محله ، إذ يكون حينها صلحا يحقق الأهداف الإسلامية السامية ، ويحفظ ماء وجه المسلمين وحيثيتهم وهيبتهم وعظمتهم. أمّا الصلح الذي يؤدي إلى ذلّتهم وانكسار شوكتهم فلا ، ولذلك تقول الآية الشريفة : الآن وقد سمعتم الأوامر الإلهية في الجهاد( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) (١) .

أي : الآن وقد لاحت علائم انتصاركم وتفوّقكم ، كيف تذلّون أنفسكم وترضون

__________________

(١) «تدعوا» مجزوم ، وهو معطوف على (لا تهنوا) ، والمعنى : لا تهنوا ولا تدعوا إلى السلم.

٣٩٥

بالمهانة باقتراح الصلح الذي لا يعني إلّا التراجع والهزيمة؟ فليس هذا صلحا في الواقع ، بل هو استسلام وخضوع ينبع من الضعف والانهيار ، وهو نوع من طلب الراحة والعافية ، ويقبح بكم أن تتحملوا عواقبه الأليمة الخطرة.

ومن أجل رفع معنويات المسلمين المجاهدين تضيف الآية :( وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ) فإنّ من كان الله معه تكون كلّ عوامل الإنتصار مسخّرة له ، فلا يحس بالوحشة أبدا ، ولا يدع للضعف والانهزام سبيلا إلى نفسه ، ولا يستسلم للعدو باسم الصلح ولن يدع نتائج دماء الشهداء ومكاسبها تذهب سدى في اللحظات الحسّاسة.

( لَنْ يَتِرَكُمْ ) من مادة «الوتر» ، وهو المنفرد ، ولذلك يقال لمن قتل قريبه ، وبقي وحيدا : وتر. وجاء أيضا بمعنى النقصان.

وفي الآية ـ مورد البحث ـ كناية جميلة عن هذا المطلب ، بأنّ الله سبحانه لن يترككم وحدكم ، بل سيقرنكم بثواب أعمالكم ، خاصّة وأنّكم تعلمون أنّكم لن تخطوا خطوة إلّا كتبت لكم ، فلم يكن الله لينقص من أجركم شيئا ، بل سيضاعفه ويزيد عليه من فضله وكرمه.

اتضح ممّا قلناه أنّ الآية مورد البحث لا تنافي مطلقا الآية (٦١) من سورة الأنفال حيث تقول :( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) لنجعل إحداهما ناسخة للأخرى ، بل إنّ كلا منها ناظرة إلى مورد خاص ، فإحداهما تنظر إلى الصلح المعقول ، والأخرى إلى الصلح الذي ليس في محله فإنّ أحدهما صلح يحفظ مصالح المسلمين ، والآخر صلح يطرحه ضعفاء المسلمين وهم على أبواب النصر ، ولذلك فإنّ تتمة آية سورة الأنفال تقول :( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ) .

وقد أشار أمير المؤمنين عليعليه‌السلام إلى كلا الصالحين في عهده لمالك الأشتر ،

٣٩٦

حيث يقول : «ولا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك ولله فيه رضى»(١) .

إنّ طرح قضية الصلح من ناحية العدو من جهة ، وكونه مقترنا برضى الله سبحانه من جهة أخرى ، يبيّن انقسام الصلح إلى القسمين اللذين أشرنا إليهما فيما قلناه.

وعلى أية حال ، فإنّ أمراء المسلمين وأولياء أمورهم يجب أن يكونوا في غاية الحذر في تشخيص موارد الصلح والحرب ، والتي هي من أعقد المسائل وأدقّها ، لأنّ أدنى اشتباه في المحاسبة سيستتبع عواقب وخيمة في هذا المجال.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.

٣٩٧

الآيات

( إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨) )

التّفسير

إن تتولّوا سيمنح الله الرسالة قوما آخرين :

قلنا : إنّ سورة محمّد هي سورة الجهاد ، فبأمر الجهاد بدأت ، وبه تنتهي ، والآيات مورد البحث ـ وهي آخر آيات هذه السورة ـ تتناول مسألة أخرى من مسائل حياة البشر في هذا الميدان ، فتطرح كون الحياة الدنيا لا قيمة لها لزيادة ترغيب المسلمين ودعوتهم إلى طاعة الله سبحانه عموما ، والى أمر الجهاد بالخصوص ، لأنّ حبّ الدنيا والانشداد إليها أحد عوامل المهمّة التي تعوّق عن

٣٩٨

الجهاد ، فتقول :( إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) .

«اللعب» يقال للأعمال التي تتصف بنوع من الخيال للوصول إلى هدف خيالي ، و «اللهو» يقال لكلّ عمل يشتغل الإنسان به فيصرفه عن المسائل الأساسية.

والحق أنّ الدنيا لعب ولهو ليس إلّا ، فلا يحصل منها أنس وارتياح ، وليس لها دوام وبقاء ، وإنّما هي لحظات كلمح البصر ، ولذات زائلة تحفّها الآلام والمتاعب.

ثمّ تضيف الآية :( وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) (١) فلا أنّ الله يسألكم أجرا مقابل الهداية والرشاد وكلّ تلك الهبات العظيمة في الدنيا والآخرة ، ولا رسوله ، فإنّ الله تعالى غني عن العالمين ، ولا يحتاج رسوله إلى غير الله.

وإذا كان الشيء الزهيد من أموالكم يؤخذ كزكاة وخمس وحقوق شرعية أخرى ، فإنّه يعود عليكم ويصرف فيكم ، لحماية يتاماكم ومساكينكم وضعفائكم وأبناء السبيل منكم ، وللدفاع عن أمن بلادكم واستقلالها ، ولاستقرار النظام والأمن ، ولتأمين احتياجاتكم ، وعمران دياركم.

بناء على هذا ، فحتى هذا المقدار اليسير هو من أجلكم ومنفعتكم ، فإنّ الله ورسوله في غنى عنكم ، وبذلك فلا منافاة بين مفهوم هذه الآية وآيات الزكاة والإنفاق وأمثالها.

ثمّة احتمالات أخرى عديدة في تفسير جملة :( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) ولرفع ما يبدو في الظاهر تناقضا :

فقال البعض : إنّه تعالى لا يسألكم شيئا من أموالكم مقابل الهداية والثواب.

وقال آخرون : إنّه تعالى لا يسألكم كلّ أموالكم ، بل يريد قسما منها فقط.

وقال جماعة : إنّ هذه الجملة إشارة إلى أنّ أموال الجميع من الله سبحانه ، وإن كانت ودائع بأيدينا أيّاما قليلة.

__________________

(١) جملة (لا يسألكم) مجزومة ، ومعطوفة على جزاء الجملة الشرطية ، أي : يؤتكم.

٣٩٩

لكن أفضلها جميعا هو التّفسير الأول.

وعلى أية حال ، فلا ينبغي نسيان أنّ جانبا من الجهاد هو الجهاد بالأموال ، ومن الطبيعي أنّ كلّ جهاد للعدو وقتال ضده يحتاج إلى أموال وميزانيات يجب أن تجمع وتهيّأ من قبل المسلمين الزاهدين في الدنيا وغير المتعلّقين بها. والآيات مورد البحث تهيء ـ في الحقيقة ـ الأرضية الفكرية والثقافية لهذه المسألة.

ولتبيان تعلّق أغلب الناس بأموالهم وثرواتهم الشخصية تضيف الآية التالية :( إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ ) .

«يحفكم» من مادة إحفاء ، أي : الإصرار والإلحاح في المطالبة والسؤال ، وهي في الأصل من حفأ ، وهو المشي حافيا ، وهذا التعبير كناية عن الأعمال التي يتابعها الإنسان إلى أبعد الحدود ، ومن هنا كان إحفاء الشارب يعني تقصيره ما أمكن.

و «الأضغان» جمع ضغن ، وهو بمعنى الحقد الشديد ، وقد أشرنا إليه سابقا.

وخلاصة القول : فإنّ الآية تبيّن التعلّق الشديد لكثير من الناس بالأمور المالية ، وهي في الحقيقة نوع من اللوم ولتوبيخ لهؤلاء ، وفي نفس الوقت ترغيب في ترك هذا الارتباط ، وتشويق إلى هذا المعنى ، فإنّ تعلّقهم بلغ حدّا أنّ الله سبحانه إذا سألهم شيئا من أموالهم فإنّهم يغضبون ويحقدون عليه!

وبذلك فإنّ الآية ترديد أن توقظ أرواح البشر الغاطّة في نومها العميق بسوط التقريع والملامة والعتاب ، ليرفعوا عن أعناقهم قيود الذل والعبودية للأموال ، ويصبحوا في حال يضحّون عندها بكلّ ما لديهم في سبيل الله ، ويقدّمون ما عندهم بين يديه ، ولا يرجون في مقابل ما يعطون إلّا الإيمان به وتقواه ورضاه عنهم.

والآية الأخيرة ـ من الآيات مورد البحث ، وهي آخر آية من سورة محمّد ـ تأكيد آخر على ما مرّ في الآيات السابقة حول المسائل المادية وتعلّق الناس بها ، ومسألة الإنفاق في سبيل الله ، فتقول :( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ ) .

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

(سهل بن أحمد)(١) ، عن محمّد بن محمّد الأشعث، عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ)(٢) ، رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر، فلم يدخلاه الجنّة، رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان، ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له ».

[ ٨٧٠٤ ] ٢ - السيد فضل الله في نوادره: عن علي بن الحسن الورّاق، عن أبي محمّد، عن اسحاق بن عيسى، عن الحسين بن علي، عن اسماعيل بن سعيد، عن يزيد بن هارون، عن المسعودي، يقول: من قرأ أول ليلة من شهر رمضان( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) (١) حفظ إلى مثلها من قابل.

[ ٨٧٠٥ ] ٣ - وعن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عبد الرحمان، عن أبي بكر بن محمّد، عن محمّد بن عمرو بن مذعورة، عن ابي هريرة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من صلى في شهر رمضان، في كلّ ليلة ركعتين، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب مرّة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، إن شاء صلاهما في أوّل الليل، وإن شاء في آخر

____________________________

(١) في جامع الأحاديث: محمّد بن عبدالله، وفي البحار كما في المتن وكلاهما من مشايخ مؤلف جامع الأحاديث.

(٢) ليس في جامع الأحاديث.

٢ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٥٠ ح ١٩.

(١) الفتح ٤٨: ١.

٣ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٦ ح ١١.

٤٨١

الليل، والذي بعثني بالحق نبيّا، إنّ الله عزّوجلّ يبعث بكلّ ركعة مائة الف ملك، يكتبون له الحسنات، ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات، واعطاه ثواب من أعتق سبعين رقبة ».

[ ٨٧٠٦ ] ٤ - البحار، عن اعلام الدين للديلمي: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ في شهر رجب وشعبان وشهر رمضان، كلّ يوم وليلة: فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ بربّ الناس، وقل أعوذ بربّ الفلق، ثلاث مرّات، ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثلاث مرّات، ثمّ يصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثلاث مرات، ثمّ يقول: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وعلى كلّ ملك ونبي، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أربعمائة مرة، ثمّ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده، من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك كلّه في الشهور الثلاثة ولياليها، لا يفوتها شئ، لو كانت ذنوبه عدد قطر المطر، وورق الشّجر، وزبد البحر، غفرها الله له، وأنّه ينادي مناد يوم الفطر، يا عبدي أنت ولييّ حقّا حقّا، ولك عندي بكلّ حرف قرأته، شفاعة في الإخوان والأخوات، بكرامتك عليّ، ثمّ قال: والذي بعثني بالحقّ نبيّا، إنّ من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك في هذه الشّهور الثّلاثة ولياليها، ولو في عمره مرّة واحدة، اعطاه الله بكلّ حرف سبعين الف حسنة، كلّ حسنة عند الله أثقل من جبال الدّنيا، ويقضي الله له سبعمائة حاجة

____________________________

٤ - البحار ج ٩٦ ص ٣٨١ ح ٧ عن اعلام الدين ص ١١٣.

٤٨٢

عند نزعه، وسبعمائة حاجة في القبر، وسبعمائة حاجة عند خروجه من قبره، ومثل ذلك عند تطاير الصّحف، ومثله عند الميزان، ومثله عند الصراط، ويظلّه تحت ظلّ عرشه، ويحاسبه حسابا يسيرا، ويشيّعه سبعون الف ملك إلى الجنّة، ويقول الله تعالى: خذها لك في هذه الأشهر(١) ، ويذهب به إلى الجنّة، وقد أعدّ له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ».

[ ٨٧٠٧ ] ٥ - الكافي: عن محمّد بن عيسى، بإسناده عن الصالحينعليهم‌السلام ، قال: تكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، هذا الدّعاء ساجدا وقائما، [ وقاعداً ](١) وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ كن لوليّك فلان بن فلان، هذه الساعة، وفي كلّ ساعة، وليّا، وحافظا، وناصرا، ودليلا، وقائدا، وعينا، حتّى تسكنه أرضك طوعا، وتمتّعه فيها طويلا ».

ورواه الكفعمي في مصباحه: مثله، باختلاف يسير(٢) .

[ ٨٧٠٨ ] ٦ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: وأمّا ما رواه العامة، عن جعفر، عن آبائه، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ من صلى ليلة سبع وعشرين، ركعتين يقرأ في كلّ ركعة: فاتحة الكتاب، وإنّا أنزلناه مرة، وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة، فإذا سلّم استغفر مائة

____________________________

(١) في نسخة: هذا الشهر.

٥ - الكافي ج ٤ ص ١٦٢ ح ٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) مصباح الكفعمي ص ٥٨٦.

٦ - لب اللباب: مخطوط.

٤٨٣

مرّة، وصلى على النبي وآله مائة مرة، فقد أدرك ليلة القدر »، فإنّ هذه الرواية، لا تنافي ما صحّ من أنّ ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، لأنّ هذه الرواية تختصّ بمن فاته ليلة ثلاث وعشرين، فأدرك ليلة سبع وعشرين.

[ ٨٧٠٩ ] ٧ - وفيه: روي أنّ الملائكة إذا ما سلّموا ليلته على المنتبهين الذّاكرين، ثمّ يرجعون إلى السماء، يأمرهم الله تعالى بالانصراف إلى الأرض، حتّى يسلّموا على النائمين من المؤمنين، على كلّ واحد سبعين سلاما.

[ ٨٧١٠ ] ٨ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « أتدرون لم سمّي شعبان شعبان؟ لأنّه يتشعب منه خير كثير لرمضان، وإنّما سمّي رمضان رمضان، لأنّه ترمض فيه الذنوب - أي تحرق - وقال: إنّ لله في كلّ يوم جمعة، ستمائة الف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوها، وفي كلّ ساعة من ليل أو نهار من شهر رمضان، الف عتيق من النار، كلّهم قد استوجبوها، وله يوم الفطر مثل ما أعتق في الشهر والجمعة ».

[ ٨٧١١ ] ٩ - الصدوق في الأمالي، وفضائل الأشهر الثلاثة: عن صالح بن عيسى العجلي، عن محمّد بن علي بن علي، عن محمّد بن الصلت، عن محمّد بن بكير، عن عباد المهلبي، عن سعد بن عبدالله، عن هلال بن عبدالله(١) ، عن علي بن زيد بن جدعان(٢) ، عن

____________________________

٧، ٨ - لب اللباب: مخطوط.

٩ - أمالي الصدوق ص ١٩١ ح ١، فضائل الاشهر الثلاثة ص ١١٢.

(١) في الأمالي: عبد الرحمن.

(٢) في الطبعة الحجرية: يعلى بن زيد بن جذعان، والصواب أثبتناه من المصدر « راجع تهذيب التهذيب ج ٨ ص ٣٢٢ ».

٤٨٤

سعيد بن المسيّب، عن عبد الرحمان بن سمرة، قال: كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: « رأيت البارحة عجائب » فقلنا يا رسول الله، وما رأيت؟ حدّثنا [ به ](٣) فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا. فقال:

« رأيت رجلاً من أُمتي، قد أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه فمنعه منه - إلى أن قال - ورأيت رجلاً من أُمّتي يلهث عطشا، كلّما ورد حوضا منع منه، فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه ».

[ ٨٧١٢ ] ١٠ - وفي الأمالي: عن علي بن أحمد الدقاق، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني، عن أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ، قال: « قال موسىعليه‌السلام : إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا؟ قال: يا موسى، اقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه، قال: إلهي، فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس؟ قال: يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه ».

____________________________

(٣) أثبتناه من المصدرين.

١٠ - أمالي الصدوق ص ١٧٤.

٤٨٥

٤٨٦

أبواب بقيّة الصوم الواجب

١ -( باب حصر أنواع ما يجب منه)

[ ٨٧١٣ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أنّ الصوم على أربعين وجها: فعشرة (منها واجب)(١) ، كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهنّ حرام، وأربعة عشر وجها منها، صاحبها فيها بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التّأديب، ومنها صوم الإباحة، وصوم السفر والمريض، وأمّا صوم الواجب: فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين - يعني لمن افطر يوماً من شهر رمضان عمدا متعمّدا - وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ، لمن لم يجد العتق واجب، من قول الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) (٢) وصيام شهرين في كفّارة الظهار، (لمن لم يجد العتق، واجب من)(٣) قول(٤) الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ

____________________________

أبواب بقية الصوم الواجب

الباب - ١

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) في المصدر: واجبة فيها.

(٢) النساء ٤: ٩٢.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) في المصدر: وقال.

٤٨٧

فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ) (٥) أو صيام(٦) ثلاثة أيام في كفّارة اليمين، واجب لمن لم يجد الإطعام، قال الله تعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) (٧) كلّ ذلك متتابع ليس بمفترق، وصيام من كان به أذى من رأسه، واجب قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٨) فصاحب هذه بالخيار، فإن شاء صام ثلاثة أيّام، وصوم دم المتعة واجب، لمن لم يجد الهدي، قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) (٩) وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك وتعالى:( أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا ) (١٠) وأروي عن العالم أنّه قال: أتدرون كيف يكون عدل ذلك صياما؟ فقيل له: لا، فقال: يقوّم الصّيد قيمة، ثمّ يشتري بتلك القيمة البرّ، ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعا، فيصوم لكلّ نصف صاع يوما، وصوم النّذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب ».

ورواه الصدوق في الهداية(١١) : عن الزهري، أنّه قال: دخلت على علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال لي: « يا زهري من أين جئت؟ » فقلت: من المسجد، فقال: « فيم كنتم؟ » قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فاجتمع رأيي ورأي أصحابي، على أنّه ليس شئ من الصوم بواجب، إلّا صوم شهر رمضان، فقال: « يا زهري ليس

____________________________

(٥) المجادلة ٥٨: ٤.

(٦) في المصدر: وصيام.

(٧) المائدة ٥: ٨٩.

(٨، ٩) البقرة ٢: ١٩٦.

(١٠) المائدة ٥: ٩٥.

(١١) الهداية ص ٤٨.

٤٨٨

كما قلتم، إنّ الصوم على أربعين وجها » الخ.

وفي المقنع: اعلم أنّ الصوم على أربعين وجها وساق مثله(١٢) .

٢ -( باب أنّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين، فافطر لعذر بنى، ولغير عذر استأنف، إلّا أن يصوم شهرا ومن الثّاني ولو يوماً فيبني)

[ ٨٧١٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « متى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما، ثمّ أفطر، فعليه أن يبني عليه ولا بأس، وإن صام شهرا أو أقلّ منه، ولم يصم من الشهر الثاني شيئا، عليه أن يعيد صومه، إلّا أن يكون قد أفطر لمرض، فله أن يبني على ما صام، لأنّ الله حبسه ».

[ ٨٧١٥ ] ٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا ثمّ مرض، هل يعيده؟ قال: « نعم، أمر الله حبسه ».

[ ٨٧١٦ ] ٣ - وعن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن المرأة يجب عليها صوم شهرين متتابعين، قال: « تصوم، فما حاضت فهو يجزيها ».

____________________________

(١٢) المقنع ص ٥٥.

الباب - ٢

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦. ٢،

٣ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٣٢.

٤٨٩

٣ -( باب وجوب صوم النّذر)

[ ٨٧١٧ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وصوم النّذر واجب ».

[ ٨٧١٨ ] ٢ - فرات بن ابراهيم الكوفي، بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: « مرض الحسن والحسينعليهما‌السلام ، مرضا شديدا، فعادهما سيّد ولد آدم، محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعادهما أبو بكر وعمر، فقال عمر لعليّعليه‌السلام : يا أبا الحسن، إن نذرت لله نذرا واجبا، فإنّ كلّ نذر لا يكون لله فليس فيه وفاء، فقال عليعليه‌السلام : إن عافى الله ولديّ ممـّا بهما، صمت لله ثلاثة أيّام متواليات، وقالت فاطمةعليها‌السلام ، مثل مقالة عليعليه‌السلام » الخبر، وله طرق كثيرة.

[ ٨٧١٩ ] ٣ - الصدوق في الهداية: عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه قال للزّهري: « وصوم النّذر واجب » الخبر.

[ ٨٧٢٠ ] ٤ - وفي المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً معروفا أو شهراً معروفا، فعليه أن يصوم ذلك اليوم و(١) ذلك الشهر، فإن لم يصمه أو صامه فأفطر، عليه(٢) الكفّارة.

____________________________

الباب - ٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

٢ - تفسير فرات الكوفي ص ١٩٦.

٣ - الهداية ص ٤٩.

٤ - المقنع ص ١٣٨.

(١) في المصدر: أو.

(٢) وفيه: فعليه.

٤٩٠

٤ -( باب وجوب صوم كفّارة النّذر وقضائه، وقدر الكفّارة)

[ ٨٧٢١ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإن أفطر (يوم صوم)(١) النّذر، فعليه الكفّارة شهرين متتابعين، وقد روي أنّ عليه كفّارة يمين ».

[ ٨٧٢٢ ] ٢ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم يوما، فوقع ذلك اليوم على أهله، فعليه أن يصوم يوماً بدل يوم، ويعتق رقبة مؤمنة.

٥ -( باب وجوب كفّارة مخيّرة بقتل الخطأ، وكفّارة الجمع بقتل العمد، وأنّ القاتل في الأشهر الحرم، يصوم شهرين منها، وحكم دخول العيد وأيّام التّشريق)

[ ٨٧٢٣ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « كفّارة القتل، عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين، إذا لم يجد ما يعتق، أو إطعام ستّين مسكينا، إن لم يستطع الصّوم ».

[ ٨٧٢٤ ] ٢ - احمد بن محمّد بن عيسى في نوادره: عن فضالة بن أيّوب، والقاسم بن محمّد، عن ابان بن عثمان، عن زرارة والحسين بن سعيد، عن أحمد بن عبدالله، عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت

____________________________

الباب - ٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦.

(١) في الطبعة الحجرية (يوما صومه) وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المقنع ص ١٣٨.

الباب - ٥

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤١٣ ح ١٤٤٣.

٢ - نوادر أحمد بن عيسى ص ٦١.

٤٩١

أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « إذا قتل الرّجل في شهر حرام، صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم »، فتبسّمت وقلت له: يدخل ها هنا شئ، قال: « أدخلني(١) »، قلت: العيد والأضحى وأيّام التّشريق، قال: « هذا حقّ لزمه فليصمه » قال أحمد بن عبدالله في حديثه: ليعتق أو يصوم.

٦ -( باب وجوب التّتابع: في صوم كفّارة اليمين، والظّهار، والقتل، والإفطار، وبدل الهدي، وأحكام كفّارات الحجّ)

[ ٨٧٢٥ ] ١ - دعائم الإسلام: عن علي، ومحمّد بن علي بن الحسين، وجعفر بن محمّدعليهم‌السلام ، أنّهم قالوا: « صيام كفّارة اليمين، ثلاثة أيّام متتابعات، لا يفرّق(١) بينها ».

[ ٨٧٢٦ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « صيام الظّهار، شهران متتابعان، كما قال الله عزّوجلّ ».

[ ٨٧٢٧ ] ٣ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن علي بن جعفر، عن أخيه(١) موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال: سألته عن صوم

____________________________

(١) في نسخة: أدخله، منه قدّه.

الباب - ٦

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٠٣.

(١) في الطبعة الحجرية: لا فرق، وما أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٢٧٩.

٣ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٩٣ ح ٢٤١.

(١) في الطبعة الحجرية « عمّن أخبره، عن »، وما أثبتناه من المصدر هو الصواب « راجع معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٢٨٥ ورجال النجاشي ص ١٧٦ وغيرهما ».

٤٩٢

الثلاثة أيّام في الحجّ والسّبعة، ايصومها متوالية أم يفرّق بينها؟ قال: « يصوم الثّلاثة لا يفرّق بينها، (والسبعة لا يفرق بينها)(٢) ، ولا يجمع الثلاثة والسبعة(٣) ».

[ ٨٧٢٨ ] ٤ - وعن الزهري، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، قال: « صيام شهرين متتابعين من قتل خطأ، لمن لم يجد العتق واجب، قال الله تعالى:( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ) (١) » الآية.

الصدوق في الهداية(٢) والمقنع(٣) : عنهعليه‌السلام ، مثله.

فقه الرضا(٤) عليه‌السلام : مثله.

٧ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حتّى يقوم القائمعليه‌السلام ، لزمه ووجب عليه صوم ما عدا الأيّام المحرّمة)

[ ٨٧٢٩ ] ١ - محمّد بن ابراهيم النّعماني في كتاب الغيبة: حدّثنا محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن

____________________________

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) وفيه زيادة: جميعاً.

٤ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٢٦٦ ح ٢٣١.

(١) النساء ٤: ٩٢.

(٢) الهداية ص ٤٩.

(٣) المقنع ص ٥٦.

(٤) فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

الباب - ٧

١ - الغيبة ص ٩٤ ح ٢٦.

٤٩٣

شمّون، عن عبدالله بن عبد الرحمان الأصمّ، عن كرام، قال: حلفت فيما بيني وبين نفسي، ان لا آكل طعاما بنهار، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فدخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: رجل من شيعتك جعل لله عليه أن لا يأكل طعاما(١) أبدا، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فقال: « صم يا كرام، ولا تصم العيدين، ولا ثلاثة أيّام التّشريق، ولا إذا كنت مسافرا » الحديث.

٨ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حينا، وجب عليه صوم ستة أشهر، ومن نذر أن يصوم زمانا، وجب عليه صوم خمسة أشهر)

[ ٨٧٣٠ ] ١ - العيّاشي في تفسيره: عن اسماعيل بن زياد السكوني، عن جعفر بن محمّد(١) عليهما‌السلام ، أنّ علياعليه‌السلام ، قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر، والحين ستّة أشهر، لأن الله يقول:( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) (٢) ».

[ ٨٧٣١ ] ٢ - الجعفريات: اخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد،(١) عن عليعليهم‌السلام ، أنّه قال فيمن نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر ».

____________________________

(١) في المصدر زيادة: بنهار.

الباب - ٨

١ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٢٢٤.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

(٢) ابراهيم ١٤: ٢٥.

٢ - الجعفريات ص ٦٢.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

٤٩٤

٩ -( باب أنّ من نذر صوما معيّنا فعجز، وجب عليه أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام)

[ ٨٧٣٢ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم كلّ سبت، أو احد، أو سائر الأيام، فليس له أن يتركه إلّا من علّة، وليس عليه صومه في سفر ولا مرض، إلّا أن يكون نوى ذلك، فإن أفطر من غير علّة، تصدّق مكان كلّ يوم على عشرة مساكين.

١٠ -( باب أنّ من نذر صوم أيّام معيّنة في الشهر، فاتّفق في السّفر، لم يجب صومها ولا قضاؤها، وأنّه لا يجب التتّابع في صوم النّذر، إلّا مع الشّرط فيه)

[ ٨٧٣٣ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً بعينه ما دام حيا، فوافق ذلك اليوم عيد فطر، أو أضحى، أو ايّام التّشريق، أو سافر، أو مرض، فقد وضع الله عنه الصّيام في هذه الأيام كلّها، ويصوم يوماً بدل يوم.

____________________________

الباب - ٩

١ - المقنع ص ١٣٧.

الباب - ١٠

١ - المقنع ص ١٣٧.

٤٩٥

٤٩٦

أبواب الصوم المندوب

١ -( باب استحباب صوم كلّ يوم، عدا الأيام المحرّمة)

[ ٨٧٣٤ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا ابي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكّل الله تعالى ملائكة بالدعاء للصّائمين ».

[ ٨٧٣٥ ] ٢ - وبهذا الإسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نوم الصّائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٣٦ ] ٣ - وبهذا الإسناد قال: « قيل يا رسول الله: ما الّذي يباعد الشّيطان منّا؟ قال: الصوم لله يسوّد وجهه، والصّدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله عزّوجلّ، والمواظبة على العمل، تقطع دابره(١) ،

____________________________

أبواب الصوم المندوب

الباب - ١

١، ٢ - الجعفريات ص ٥٨.

٣ - الجعفريات ص ٥٨.

(١) دابر الشئ: آخره (لسان العرب - دبر - ج ٤ ص ٢٧٠) وقوله تعالى:( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) أي أهلك آخر من بقي منهم (مجمع البحرين ج ٣ ص ٢٩٧).

٤٩٧

والاستغفار يقطع وتينه(٢) ».

[ ٨٧٣٧ ] ٤ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ثلاثة من روح الله: التّهجّد في الليل بالصلاة، ولقاء الإخوان، والصوم ».

[ ٨٧٣٨ ] ٥ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لكلّ شئ زكاة، وزكاة الأبدان الصيام ».

[ ٨٧٣٩ ] ٦ - وعن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: « سبع من سوابق الإيمان، فتمسكوا بهنّ: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وحبّ أهل بيت نبيّ الله حقّا (حقّا)(١) ، من قبل القلوب لا الزّحم بالمناكب، ومفارقة القلوب، والجهاد في سبيل الله، والصيام في الهواجر، وإسباغ الوضوء في السبرات(٢) ، والمحافظة على الصلوات، وحج(٣) بيت الله الحرام ».

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « نوم الصائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٤٠ ] ٧ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « يقول الله عزّ

____________________________

(٢) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه (لسان العرب - وتن - ج ١٣ ص ٤٤١). ٤،

٥ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

٦ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

(١) ليس في المصدر.

(٢) السَّبَرات: جمع سبرة، وهي شدّة البرد (مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٢٢).

(٣) في المصدر: والحجّ إلى.

٧ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٠.

٤٩٨

وجلّ: الصوم لي وأنا أُجزي به، وللصّائم فرحتان. فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربّه، والذي نفس محمّد بيده، لخلوف فم الصّائم، أطيب عند الله من ريح المسك ».

[ ٨٧٤١ ] ٨ - أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي في كتاب التّحصين: نقلاً عن الشيخ ابي محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي، في كتابه المنبئ عن زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن بلال، قال: حدّثنا عبد الرحمان بن حمدان قال: حدّثنا الحسن بن محمّد، حدّثنا ابو الحسن بشر بن أبي بشر البصري، قال: أخبرني الوليد بن عبد الواحد، قال: حدّثنا حنّان البصري، عن اسحاق بن نوح، عن محمّد بن علي، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقبل على أُسامة بن زيد، فقال: « يا أُسامة، عليك بطريق الحقّ، وإيّاك وأن تختلج دونه، بزهرة رغبات الدّنيا، وغضارة نعيمها، وبائد(١) سرورها، وزائل عيشها » فقال اسامة: يا رسول الله، ما أيسر ما ينقطع به ذلك الطّريق؟ قال: « السّهر الدّائم، والظمأ في الهواجر(٢) ، وكفّ النفس عن الشهوات، وترك اتّباع الهوى، واجتناب أبناء الدّنيا، يا أُسامة، عليك بالصوم فإنّه قربة إلى الله، وليس شئ أطيب عند الله من ريح فم صائم، ترك الطّعام والشّراب لله ربّ العالمين، وآثر الله على ما سواه، وابتاع آخرته بدنياه، فإن استطعت أن يأتيك الموت، وانت

____________________________

٨ - التحصين ص ٨.

(١) البائد: المنقطع، وبادَ الشئ: انقطع وذهب (لسان العرب ج ٣ ص ٩٧).

(٢) الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحرّ والجمع هواجر. (مجمع البحرين - هجر - ج ٣ ص ٥١٦).

٤٩٩

جائع وكبدك ظمآن فافعل، فإنّك تنال بذلك اشرف المنازل، وتحلّ مع الأبرار والشهداء والصّالحين » الخبر.

[ ٨٧٤٢ ] ٩ - مصباح الشّريعة: قال الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصّوم جنّة - أي ستر - من آفات الدّنيا، وحجاب من عذاب الآخرة - إلى ان قال - وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [ قال الله تعالى: ](١) الصوم لي وأنا أُجزي به، فالصوم يميت مراد(٢) النّفس، وشهوة الطّبع الحيواني، وفيه صفاء(٣) القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظّاهر والباطن، والشكر على النّعم، والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التّضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى الله، وسبب انكسار الشهوة(٤) ، وتخفيف السّيئات، وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد ما لا يحصى، وكفى بما ذكرناه منه، لمن عقله، ووفق لاستعماله ».

[ ٨٧٤٣ ] ١٠ - الحسن بن أبي الحسن الديلمي في إرشاد القلوب: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في ليلة المعراج: « يا ربّ ما أوّل العبادة؟ قال: أوّل العبادة الصّمت والصوم، قال: يا ربّ وما ميراث الصوم؟ قال: يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد، لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر، وإذا كان العبد في حالة الموت،

____________________________

٩ - مصباح الشريعة ص ١٣٣.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: هوى.

(٣) وفيه: حياة.

(٤) في الطبعة الحجرية (الهمة) وما أثبتناه من المصدر.

١٠ - إرشاد القلوب ص ٢٠٣.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592