الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل13%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177228 / تحميل: 5796
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

(فتأمّل!)(١) .

والجدير بالملاحظة هنا : هو أنّ المفسّرين قد احتملوا عدّة احتمالات في تفسير( فِي عَقِبِهِ ) ففسّرها البعض بكلّ ذريّة إبراهيم وأسرته ، واعتبرها آخرون خاصّة بقوم إبراهيم وأمّته ، وفسّرها جماعة بآل محمّدعليهم‌السلام إلّا أنّ الظاهر هو أنّ لها معنى واسعا يشمل كل ذريته إلى انتهاء الدنيا ، والتّفسير بآل محمّدعليهم‌السلام من قبيل بيان المصداق الواضح لها.

والآية التالية جواب عن سؤال في الحقيقة ، وهو : في مثل هذه الحال لم لا يعذّب الله مشركي مكّة؟ ألم نقرأ في الآيات السابقة :( فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) ؟

فتقول الآية مجيبة :( بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ) فنحن لم نكتف بحكم العقل ببطلان الشرك والوثنيّة ، ولا بحكم وجدانهم بالتوحيد بل أمهلناهم لإتمام الحجّة عليهم حتّى يقوم هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهذا النّبي العظيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهدايتهم.

وبتعبير آخر ، فإنّ جملة( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) في الآية السابقة توحي بأنّ الهدف من مساعي إبراهيمعليه‌السلام الحثيثة كان رجوع كل ذرّيته إلى خط التوحيد ، في حين أن العرب كانت تدعي أنّها من ذرية إبراهيمعليه‌السلام ورغم ذلك لم ترجع ، إلّا أنّ الله سبحانه أمهلهم مع ذلك حتى يأتي النّبي العظيم بالكتاب الجديد ليوقظ هؤلاء من نومهم ، وبالفعل فقد استيقظت جماعة عظيمة منهم.

إلّا أنّ العجيب أنّه :( وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ ) !

نعم. لقد عدوّا القرآن المجيد سحرا ، والنّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساحرا ، وإذا لم يرجعوا عمّا قالوا فإنّ عذاب الله سيحيط بهم ويأخذهم من حيث لا يشعرون.

* * *

__________________

(١) نقل صاحب نور الثقلين هذه الأحاديث في المجلّد ٤ ، صفحة ٥٩٦ ـ ٥٩٧ ، ووردت أيضا في تفسير البرهان ، المجلد ٤ ، صفحة ١٣٨ ـ ١٣٩.

٤١

الآيتان

( وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) )

التّفسير

لم لم ينزل القرآن على أحد الأغنياء؟

كان الكلام في الآيات السابقة في ذرائع المشركين في مواجهة دعوة الأنبياء ، فكانوا يتّهمونهم بالسحر تارة ، ويتوسلون تارة أخرى بتقليد الآباء وينبذون كلام الله وراء ظهورهم ، وتشير الآيات ـ مورد البحث ـ إلى حجّة واهية أخرى من حجج أولئك المشركين ، فتقول :( وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) أي مكّة والطائف.

لقد كانوا معذورين بتشبثهم بمثل هذه الذريعة من جهة ، إذ كان المعيار في

٤٢

تقييمهم للبشر هو المال والثروة والمقام الظاهري والشهرة.

إنّ صغار العقول هؤلاء كانوا يتصوّرون أنّ الأثرياء ، وزعماء قبائلهم الظلمة هم أقرب الناس إلى الله سبحانه ، ولذلك فإنّهم كانوا يتعجبون لماذا لم تنزل موهبة النبوّة والرحمة الإلهيّة العظيمة هذه على رجل من قبيل هؤلاء الأفراد ونزلت على يتيم فقير خالي اليد اسمه محمّد! إن هذا لشيء عجاب لا يكاد يصدق!

نعم ، إنّ نظام القيم الخاطئ يستتبع مثل هذا الاستنباط ، وهذا هو السبب في بلاء المجتمعات البشرية العظيم ، والعامل الأساس في انحرافها الفكري ، حيث تقلب الحقائق تماما في بعض الأحيان.

إنّ حامل هذه الدعوة الإلهيّة يجب أن يكون إنسانا تغمر وجوده روح التقوى

أن يكون إنسانا واعيا ، ذا إرادة وتصميم ، شجاعا عادلا ، عارفا بآلام المحرومين والمظلومين ، ذائقا لمرارتها

هذه هي القيم التي يلزم توفّرها من أجل حمل هذه الرسالة السماويّة ، لا الألبسة الفاخرة الجميلة ، والقصور الفخمة الفارهة المزيّنة بأنواع الزينة والزخارف ، خاصّة وإن أيّا من أنبياء الله لم يكن متمتعا بهذه الصفات والمزايا المادية ، لئلّا تشتبه القيم الأصيلة بالقيم المزيّفة.

وللمفسّرين أقوال في مراد المشركين من الرجل في مكّة والطائف؟ إلّا أنّ أغلبهم اعتبروا «الوليد بن المغيرة» رجل مكّة ، و «عروة بن مسعود الثقفي» رجل الطائف ، وإن كان البعض قد ذكر أن عتبة بن ربيعة من مكّة ، وحبيب بن عمر الثقفي من الطائف.

إلّا أنّ الظاهر أن قول أولئك المشركين لم يكن يدور حول شخص معين ، بل كان هدفهم الإشارة إلى أحد الأثرياء المعروفين ، وله عشيرة مشهورة.

ويردّ القرآن الكريم بأجوبة قاطعة على هذا النمط من التفكير المتسافل الخرافي ، ويجسد النظرة الإلهيّة الإسلاميّة تماما ، فيقول أوّلا :( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ

٤٣

رَبِّكَ ) فيمنحوا النبوّة من يشاءون ، وينزلوا عليه الكتاب السماوي ، وإذا لم يعجبهم إنسان أهملوه؟

هؤلاء على خطأ كبير ، فإنّ ربّك هو الذي يقسم رحمته ، وهو يعلم ـ أفضل من سواه ـ من يستحق هذا المقام العظيم ، ومن هو أهل له ، كما ورد ذلك في الآية (١٢٤) من سورة الأنعام أيضا :( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

فضلا عن ذلك ، فإنّ وجود التفاوت والاختلاف بين البشر من ناحية مستوى المعيشة ، لا يدلّ على تفاوتهم في المقامات والمنازل المعنويّة مطلقا ، بل :( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) .

لقد نسي هؤلاء أنّ حياة البشر حياة جماعيّة ، ولا يمكن أن تدار هذه الحياة إلّا عن طريق التعاون والخدمة المتبادلة ، فإذا ما تساوى كلّ الناس في مستوى معيشتهم وقابليّاتهم ومكانتهم الاجتماعية ، فإنّ أصل التعاون والخدمة المتبادلة سيتزلزل.

بناء على هذا فينبغي أن لا يخدعهم هذا التفاوت ، ويظنّوا أنّه معيار القيم الإنسانية ، إذ :( وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) بل إن كل المقامات والثروات لا تعدل جناح بعوضة في مقابل رحمة الله والقرب منه.

إنّ التعبير بـ «ربّك» الذي تكرّر مرّتين في هذه الآية ، إشارة لطيفة إلى لطف الله الخاص بنبي الإسلام الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنحه مقام النبوّة والخاتميّة.

* * *

سؤالين مهمّين :

عند مطالعة الآية أعلاه يتبادر إلى الذهن سؤالان يستخدمهما أعداء الإسلام كحربة للطعن في الفلسفة الإسلاميّة :

٤٤

الأوّل : كيف أقرّ القرآن استخدام الإنسان وتسخيره من قبل الإنسان؟ ألا يماثل هذا نظام الطبقات الاقتصاديّة ، أي نظام المستثمرين والمستثمرين؟

الثّاني : أنّ الأرزاق والمعايش إذا كانت مقسّمة من قبل الله تعالى ، فأي ثمرة يمكن أن تنتج عن جهودنا ومساعينا؟ ألّا يعني هذا إطفاء مشاعل السعي ومصابيح الجهاد من أجل الحياة؟

إنّ الإباحة على هذه الأسئلة تتّضح بالتدقيق في متن الآية ، لأنّ هؤلاء يتصورون أنّ معنى الآية هو أنّ جماعة معيّنة من البشر تسخر جماعة أخرى لأنفسها تسخيرا ظالما يمتصّ الدماء والجهود ، في حين أن الأمر ليس كذلك ، بل هو استخدام الناس بعضهم بعضا ، أي أنّ كل جماعة من الناس لهم إمكانيّات واستعدادات خاصّة يستطيعون العمل بواسطتها في مجال ما من شؤون الحياة ، وهم بطبيعة الحال يقدمون خدماتهم في ذلك الحقل إلى الآخرين ، كما أنّ خدمات الآخرين في الحقول الأخرى تقدم إليهم.

والخلاصة : هو استخدام متبادل ، وخدمة ذات طرفين ، وبتعبير آخر : فإنّ الهدف من التسخير هو التعاون في أمر الحياة ، ولا شيء آخر.

ولا يخفى أنّ البشر لو كانوا متساوين جميعا من ناحية الذكاء والاستعداد الروحي والجسمي ، فسوف لن تتهيّأ مستلزمات الحياة الاجتماعيّة ، والنظم الحياتيّة مطلقا ، كما أن خلايا جسم الإنسان لو كانت متشابهة من ناحية البنية والرقة والمقاومة لا ختل نظام الجسم ، فأين خلايا عظم كعب القدم القويّة جدّا من خلايا العين الرقيقة؟ إن لكل من هاتين مهمّة خاصّة بنيت على أساسها.

والمثال الحي الذي يمكن أن يضرب لهذا الموضوع هو الخدمات المتبادلة في جهاز التنفّس ، ودوران الدم ، والتغذية ، وسائر أجهزة بدن الإنسان ، التي هي مصداق واضح لـ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) في إطار نشاطات البدن الداخليّة ، فهل يمكن الإشكال على مثل هذا التسخير؟ وهل فيه خلل أو نقص؟

٤٥

فإن قيل : إنّ جملة :( رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ) دليل على عدم العدالة الاجتماعية.

قلنا : هذا يصحّ في حالة تفسير العدالة بالمساواة ، في حين أنّ العدالة تعني وضع كلّ شيء في محلّه ضمن منظومته ، فهل أنّ وجود سلسلة المراجع والرتب في فرقة عسكريّة ، أو تنظيم إداري ، أو في الدولة ، دليل على وجود الظلم في تلك الأجهزة؟

من الممكن أن يستعمل بعض الناس كلمة «المساواة» في مجال الشعارات من دون الالتفات إلى معناها الواقعي ، أمّا في الواقع العملي فلا يمكن أن يتمّ أو يقوم أي نظام بدون الاختلاف والتفاوت ، غير أنّ هذا التفاوت يجب أن لا يكون ذريعة لأنّ يستغل الإنسان أخاه الإنسان أبدا ، بل يجب أن يكون الجميع أحرارا في استعمال قواهم الخلاقة ، وتنمية نبوغهم وإبداعهم ، والاستفادة من نتائج نشاطاتهم بدون زيادة أو نقصان ، وأمّا في حال عجزهم فيجب على القادرين أن يجدوا ويجتهدوا في رفع النواقص وسد ما يحتاجونه.

وأمّا فيما يتعلق بالسؤال الثّاني ، وهو : كيف يمكن المحافظة على شعلة الجهاد والسعي والاجتهاد وهاجة مع كون الرزق معينا؟ فإنّ الاشتباه ناشئ من تصورهم أن الله سبحانه لم يجعل لسعي الإنسان واجتهاده أي أثر أو دور.

صحيح أنّ الله سبحانه خلق القابليات متفاوتة لمختلف النشاطات ، وصحيح أنّ العوامل الخارجة عن إرادة الإنسان مؤثّرة في مسير حياته ، لكن مع ذلك فإنّه سبحانه قد جعل سعيه ، واجتهاده أيضا أحد العوامل الأساسيّة ، وأوضح سبحانه ببيان أصل :( أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) (١) ، أنّ سعادة الإنسان وما يجنيه ويحصل عليه يرتبط بسعيه واجتهاده.

وعلى أيّة حال ، فإنّ النكتة الغامضة والدقيقة تكمن في أنّ البشر ليسوا

__________________

(١) النجم ، الآية ٣٩.

٤٦

كالأواني المتساوية الصفات الى صنعت في معمل واحد ، في شكل واحد ، وعلى وتيرة واحدة ، وبحجم واحد ، ولغاية واحدة في الاستعمال ، ولو كانوا كذلك لما أمكنهم التعايش بعضهم مع البعض الآخر يوما واحدا.

وأيضا ليس الناس من قبيل أجهزة وأدوات سيارة نظمها مهندسها على هيئة ما ، فهي تقوم بعملها بصورة إجبارية ، بل لديهم حرية الإرادة ، وعليهم مسئولية وواجب في نفس الوقت الذي تختلف فيه قابلياتهم ولياقاتهم ، وهذا هو المركب الخاص الذي يسمونه الإنسان ، والاعتراضات والإيرادات التي تطرح غالبا تنبع من عدم معرفة هذا الإنسان.

وخلاصة القول : إنّ الله سبحانه لم يفضل أي إنسان على الآخرين من كل الجهات ، بل إنّ جملة :( رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ) إشارة إلى الامتيازات التي تمتاز بها كل جماعة على الجماعة الأخرى ، وتسخير كل فئة لأخرى واستخدامها لها نابع من هذه الامتيازات تماما ، وهذا عين العدالة والتدبير والحكمة(١) .

* * *

__________________

(١) كان لنا بحث مفصّل في هذا الباب في ذيل الآية (٣٢) من سورة النساء ، وبحث آخر في ذيل الآية (١٦٥) من سورة الأنعام.

٤٧

الآيات

( وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥) )

التّفسير

قصور فخمة سقفها من فضة؟ (قيم كاذبة)

تستمر هذه الآيات في البحث حول «نظام القيم في الإسلام» ، وعدم اعتبار كون المال والثروة والمناصب المادية هي المعيار في التقييم ، فتقول الآية الأولى :( وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ ) (١) .

ولجعلنا لهم بيوتا لها عدّة طوابق ولها سلالم جميلة( وَمَعارِجَ عَلَيْها

__________________

(١) «لبيوتهم» بدل اشتمال بـ (لمن يكفر بالرحمن) وتكرار (اللام) لهذا المعنى ، أو بمعنى (على) أي : على بيوتهم ، لكن الاحتمال الأول أصح.

٤٨

يَظْهَرُونَ ) (١) .

وقال بعض المفسّرين : إنّ المراد أن السلالم مصنوعة من الفضة ، وعدم تكرار كلمة الفضة لوضوح المراد. وكأنّهم لم يعتبروا وجود السّلام لوحدها دليلا على أهمية البيوت ، والأمر ليس كذلك ، إذ أن وجود السلالم الكثيرة دليل على عظمة النباء وتكونه من عدّة طوابق.

«السقف» جمع سقف ، ويعتقد البعض أنها جمع سقيفة ، أي المكان المسقف ، إلّا أنّ القول الأوّل أشهر.

ثمّ تضيف الآية الأخرى :( وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ ) .

وربّما كانت هذه الجملة إشارة إلى الأبواب والأسرّة الفضية ، لأنّ الآية السابقة لما تحدثت عن السّقف الفضية امتنع التكرار. ويمكن أيضا أن يكون وجود الأبواب والأسرّة المتعددة ـ خاصّة وأن (أبوابا) و (سررا) نكرة ، وقد وردت هنا لبيان الأهمية ـ دليلا بنفسه على عظمة تلك القصور ، لأنّهم يجعلون لبيت حقير عدّة أبواب أبدا ، بل هي مختصة بالقصور والبيوت الفخمة ، وكذلك الحال بالنسبة لوجود الأسرّة.

ولم تكتف الآية بهذا ، بل استطردت أنّه إضافة إلى كل ذلك فقد جعلنا لهم مباهج وانواع الزينة( وَزُخْرُفاً ) (٢) لتكمل الحياة المادية وزخارفها وزبارجها من كل الجهات ، القصور الفخمة المتعددة الطبقات الأبواب والأسرّة المتعددة ، وكل وسائل الزينة والنقوش والرسوم وسائر الجواذب التي يتحقّق فيها مراد عبيد الدنيا وأمانيهم.

ثمّ تضيف الآية :( وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ

__________________

(١) «المعارج» جمع معراج ، وهو الوسيلة التي يستخدمها الإنسان للصعود إلى الطبقات العليا.

(٢) اعتبر البعض (زخرفا) عطفا على (سقفا) ، ويعتقدون أنها إشارة إلى وسائل الزينة المستقلة التي توضع تحت تصرف أمثال هؤلاء الأفراد. والبعض اعتبرها عطفا على (من فضة) وكانت في الأصل (من زخرف) ثم نصبت بنزع الخافض ، وعلى هذا يصبح معنى الجملة : إنا جعلنا بعض سقوف وأسرة بيوت هؤلاء من ذهب وبعضها من فضة. (تأمل!).

٤٩

لِلْمُتَّقِينَ )

«الزخرف» في الأصل بمعنى كل زينة مقترنة بالرسم والتصوير ، ولما كان الذهب أحد أهم وسائل الزينة ، فقد قيل له : زخرف ، وإنّما قيل للكلام الأجوف الذي لا فائدة فيه : كلام مزخرف ، لأنهم يحيطونه ويلبسونه المزوقات ليصبح مقبولا.

وخلاصة القول : إنّ هذه الأسس المادية ووسائل الزينة الدنيوية ، حقيرة لا قيمة لها عند الله تعالى فلا ينبغي أن تكون إلّا من نصيب الأفراد الذين لا قيمة لهم كالكافرين ومنكري الحق ، ولو لم يتأثر الناس من طلاب الدنيا ويميلوا إلى الكفر لجعل الله تعالى هذه الأمور من نصيب هذه الفئة فقط ، ليعلم الجميع أن هذه الأمور ليست هي المعيار والمقياس لشخصية الإنسان وقيمته ومقامه.

* * *

ملاحظتان

١ ـ الإسلام يحطم القيم الخاطئة

حقّا لا يمكن العثور على تعبير أبلغ مما ورد في الآيات أعلاه لتحطيم المقاييس والقيم الكاذبة والقضاء عليها ، وتغيير بناء ذلك المجتمع الذي يدور محور تقييم شخصية الأفراد فيه حول مقدار ما يملكون من الإبل ، ومقدار الدراهم والدنانير ، وعدد الغلمان والجواري والبيوت وأدوات الزينة ، حتى أنّهم يتعجبون لماذا اختير محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنبوة وهو اليتيم الفقير ماديا؟!

إن أهم عمل لرسالة السماء هو تحطيم أطر القيم الخاطئة هذه ، وبناء القيم الإنسانية الأصيلة كالتقوى ، والعلم ، الإيثار والتضحية ، الشهامة والحلم على أنقاضها ، وإلّا فإنّ كل الإصلاحات ستكون فوقية وسطحية وغير ثابتة.

وهذا هو الذي قام به الإسلام والقرآن والرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أحسن

٥٠

وجه ، ولهذا فإنّ المجتمع الذي كان أكثر المجتمعات البشرية تخلفا وخرافة ، قد تسلق سلّم الرشد والرقي حتى أصبح في المرتبة الأولى في مدّة قصيرة.

والطريف أنّنا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في تكملة هذا البحث : «لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء»(١) .

ويبلغ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام الكلام في هذا الباب غايته حيث يقول : «ولقد دخل موسى بن عمران وأخوه هارونعليهما‌السلام على فرعون وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العصي ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزّه ، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ وبقاء الملك وهما بما ترون من حال الفقر والذل ، فهلّا ألقي عليهما أساورة من ذهب ، إعظاما للذهب وجمعه ، واحتقارا للصوف ولبسه ، ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ، ومعادن العقيان ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرض لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء».

ويقول في موضع آخر من هذه الخطبة : «ألا ترون ان الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما. ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا ، وأقل نتائق الأرض مدرا ، وأضيق بطون الأودية قطرا ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وعيون وشلة ، وقرى منقطعة ، لا يزكو بها خف ، ولا حافر ولا ظلف. ثمّ أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ...».

«ولو أراد الله سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار ، وسهل وقرار ، جم الأشجار ، داني الثمار ، ملتف البنا ، متصل القرى ، بين برة سمراء ، وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وطرق عامرة ، لكان قد صغر

__________________

(١) تفسير الكشّاف ، المجلد ٤ ، صفحة ٢٥٠.

٥١

قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء»(١) .

وعند ذلك كان الناس سينشغلون بالقيم الظاهرية الخداعة ، ويغفلون عن القيم الإلهيّة الواقعية.

على أية حال ، فإنّ أساس الثورة الإسلامية هو تغيير القيم ، وإذا ما أصبح مسلمو اليوم يعانون من ظروف صعبة خانقة ، وتحت ضغط الأعداء الجلادين القساة ، فإنّ ذلك ناتج عن تركهم لقيم الأصيلة ، وانتشار القيم والأعراف الجاهلية بينهم مرّة أخرى ، فأصبح المال والمنصب الدنيوي مقياس التقييم ، ونسوا العلم والفضيلة والتقوى ، وغرقوا في بحر المغريات والزخارف المادية ، وأضحوا غرباء عن الإسلام ، وما دام الوضع كذلك فيجب أن يدفعوا كفارة هذا الذنب العظيم ، وما داموا لم يشرعوا بالتغيير ابتداء من القيم الحاكمة على وجودهم ، فسوف لن تشملهم رحمة الله ولطفه ، وذلك :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (٢) .

٢ ـ جواب عن سؤال

بمطالعة الآيات المذكورة حول التحقير الشديد للزينة الظاهرية ، والثروة والمقام المادي ، يطرح هذا السؤال نفسه ، وهو : إذا كان الحق كذلك ، فلما ذا يقول القرآن في موضع آخر:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .(٣)

أو يقول في موضع آخر :( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (٤) ، فكيف

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢. الخطبة القاصعة.

(٢) الرعد ، الآية ١١.

(٣) الأعراف ، الآية ٣٢.

(٤) الأعراف ، الآية ٣١.

٥٢

تتوافق هاتان الفئتان مع الآيات؟

ينبغي الالتفات في الجواب إلى أن الهدف في الآيات ـ مورد البحث ـ هو القضاء على القيم الكاذبة الخاطئة ، الهدف هو أن لا يعد الناس شخصية الإنسان متقومة بثروته وزينته ، ولا يغني هذا أنّ الإمكانيات المادية شيء سيّء ، بل المهم أن تكون مجرّد أدوات ومظاهر للنظر ، وليس كهدف سام وغاية تبلغ.

ثمّ إنّ هذه الإمكانيات تكون ذات قيمة عند ما تكون في حد المعقول واللائق بالحال ، وخالية من كلّ أنواع الإسراف والتبذير ، لا أن تبنى القصور من الذهب والفضة ، وتدّخر الثروات الطائلة منهما.

ومن هنا يتّضح أن وجود جماعة من الكفّار والظالمين بهذه القدرة المادية ليس دليلا على رفعة شخصيتهم ، ولا أن حرمان المؤمنين منها ، أو من التمتع بها في حد المعقول كأدوات للزينة ، يضر بإيمانهم وتقواهم ، وهذا هو التفكير الإسلامي والقرآني الصحيح.

* * *

٥٣

الآيات

( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) )

التّفسير

أقران الشياطين!

لما كان الكلام في الآيات السابقة عن عبدة الدنيا الذين يقيّمون كل شيء على أساس المعايير المادية ، فإنّ الآيات ـ مورد البحث ـ تتحدث عن أحد الآثار المميتة الناشئة عن الارتباط بالدنيا والتعلق بها ، ألا وهو الابتعاد عن الله سبحانه. تقول الآية الأولى :( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ

٥٤

قَرِينٌ ) (١) (٢) .

نعم ، إنّ الغفلة عن ذكر الله ، والغرق في لذات الدنيا ، والانهيار بزخارفها ومغرياتها يؤدي إلى تسلط شيطان على الإنسان يكون قرينة دائما ، ويلقي لجاما حول رقبته يشدّه به ، ويجرّه إليه ليذهب به حيث يشاء!

من البديهي أنّه لا مجال لأن يتصور أحد معنى الجبر في هذه الآية لأنّ هذه نتيجة الأعمال التي قام بها هؤلاء أنفسهم ، وقد قلنا مرارا : إنّ أولى نتائج أعمال الإنسان ـ وخاصة الانغماس في ملاذ الدنيا ، والتلوث بأنواع المعاصي ـ هو تكوّن حجاب على القلب والسمع والبصر يبعده عن الله سبحانه ، ويسلط الشياطين عليه ، وقد يستمرّ هذا الحال بالنسبة إليه حتى يغلق بوجهه باب الرجوع ، لأنّ الشياطين والأفكار الشيطانية تكون حينئذ قد أحاطت به من كل جانب ، وهذه نتيجة عمل الإنسان نفسه ، وإن كانت نسبتها إلى الله سبحانه بلحاظ كونه سبب الأسباب صحيحة أيضا ، وهذا هو نفس الشيء الذي عبّر عنه في آيات القرآن الأخرى بعنوان تزيين الشياطين( فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ) (٣) ، أو بعنوان ولاية الشيطان( فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ) .(٤)

وممّا يستحق الانتباه أن جملة( نُقَيِّضْ ) وبالالتفات إلى معناها اللغوي ، تدل على استيلاء الشياطين ، كما تدل على كونهم أقرانا ، وفي الوقت نفسه فقد جاءت جملة :( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) بعدها لتؤكّد هذا المعنى ، وهو أنّ الشياطين لا يفارقون مثل هؤلاء الأفراد ، ولا يبتعدون عنهم مطلقا!

__________________

(١) «يعش» من مادة العشو ، فإن عديت بـ (إلى) : (عشوت إليه) فهي تعني الهداية بواسطة شيء ما بعين ضعيفة ، وإن عديت بـ (عن) : (عشا عنه) ، وأعطت معنى الإعراض عن الشيء ، وهو المراد في الآية المذكورة. لسان العرب (عشو).

(٢) «نقيّض» من مادة قيض ، وهي في الأصل بمعنى الغشاء الذي يغطي البيضة ، ثمّ جاءت بمعنى جعل شيء مستوليا على شيء آخر.

(٣) النحل ، الآية ٦٣.

(٤) النحل ، الآية ٦٣.

٥٥

والتعبير بـ «الرحمن» إشارة لطيفة إلى أنّه كيف يعرض هؤلاء عن الله الذي عمّت رحمته العامّة الجميع وشملتهم ، ويغفلون عن ذكره؟ فهل يستحق أمثال هؤلاء غير هذا المصير ويكونون أقرانا للشياطين ، يتبعون أوامرهم ، وينفذون ما يملون عليهم؟

واحتمل بعض المفسّرين أن يكون للشياطين هنا معنى واسع بحيث يشمل حتى شياطين الإنس ، واعتبروا الكلمة إشارة إلى رؤوس الضلالة وزعمائها الذين يتسلطون على الغافلين عن ذكر الله سبحانه فيكونون أقرانا لهم ، وهذا التوسع في المعنى ليس ببعيد.

ثمّ أشارت الآية التالية إلى أمر مهم كانت الشياطين تقوم به في شأن هؤلاء الغافلين ، فقالت :( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) (١) .

فكلما صمّموا على التوبة والرجوع إلى طريق الصواب والرشاد كانت الشياطين تلقي في طريقهم الأحجار والعقبات ، وتنصب الموانع في طريق عودتهم حتى لا يعودوا إلى الصراط المستقيم أبدا. وتزين الشياطين طريق الضلال لهم إلى الحد الذي يظنون :( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) كما نقرأ ذلك في الآية (٣٨) من سورة العنكبوت حول عاد وثمود :( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) .

وهكذا تستمر هذه الحالة على هذا المنوال ، فيبقى الإنسان الغافل الجاهل على ضلاله ، وتستمر الشياطين في إضلاله ، حتى ترفع الحجب ، وتنفتح عين رؤيته على الحقيقة:( حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) .

إنّ كل أنواع العذاب من جهة ، ومجالسة قرين السوء هذا من جهة اخرى والنظر إلى وجهه المشؤوم يجسد أمام عينيه كل ذكريات ضياعه وتعاسته ، فويل له إذ

__________________

(١) ضمير الجمع في «أنّهم» والجملة التالية يعود إلى الشياطين ، ومع أنه قد جاء بصيغة المفرد من قبل ، إلّا أنّه كان بمعنى الجمع.

٥٦

أصبح قرين من كان يزين له كل القبائح ويسلكه طريق الضلال على أنّه سبيل الخير والفلاح ، وطريق الانحراف على أنّه طريق الهدى والصلاح ، وويل له إذا أصبح مقيّدا معه بنفس الأصفاد في نفس السجن!

نعم ، إن عرصة القيامة تجسيد واسع لمشاهد هذه الدنيا ، والقرين والرفيق والقائد والدليل هنا وهناك واحد ، بل إنّهما ـ برأي بعض المفسّرين ـ يقرنان بسلسلة واحدة!

من المعلوم أنّ المراد من المشرقين : المشرق والمغرب ، لأنّ العرب عند ما يريدون أن يثنوا جنسين مختلفين بلفظ واحد ، فإنّهم يختارون أحد اللفظين ، كما يقولون : الشمسان ، إشارة إلى الشمس والقمر ، والظهران ، إشارة إلى صلاتي الظهر والعصر ، والعشاء ان ، إشارة إلى صلاتي المغرب والعشاء.

وقد ذكروا تفاسير أخرى لا تبدو مناسبة للآية من أي وجه ، كقولهم : إنّ المراد هو مشرق بداية الشتاء ، ومشرق بداية الصيف ، وإن كان هذا التّفسير مناسبا في موارد أخرى.

وعلى أية حال ، فإنّ هذا التعبير كناية عن أبعد مسافة يمكن تصورها ، حيث يضرب المثل ببعد المشرق عن المغرب في هذا الباب.

إلّا أن هذا الأمل لا يتحقق مطلقا ، ولا يمكن أن يقع الإفتراق أو البون بين هؤلاء وبين الشياطين ، ولذلك فإنّ الآية التالية تضيف :( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) فيجب أن تذوقوا عذاب قرين السوء هذا مع أنواع العذاب الأخرى إلى الأبد(١) .

وبهذا فإنّ القرآن الكريم يبدل أمل هؤلاء في الإفتراق عن الشياطين إلى يأس دائم ، وكم هو مضن تحمل هذا الجوار؟

__________________

(١) على هذا فإن فاعل «ينفع» هو القول السابق حيث كانوا يأملون أن يكون البعد بينهم وبين الشياطين كما بين المشرق والمغرب ، وجملة (إذ ظلمتم) بيان لعلة عدم النفع ، وجملة( أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) نتيجة هذا الظلم والجور.

٥٧

وهناك احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية ، منها أن الإنسان قد يشعر بخفة آلامه عند رؤية متألمين آخرين ، لأنّ المعروف (أن البلية إذا عمّت طابت) غير أنّه يقال لهؤلاء : لا يوجد هناك مثل تسلية الخاطر هذه ، بل ستغوصون في العذاب ، وعذاب الشياطين المشتركين معهم لا يبعث على تسلية الخاطر(١) .

واحتملوا أيضا أن المصيبة عند ما تقع ، تخف وطأتها عند ما يجد الإنسان ثقلها موزعا بينه وبين أصدقائه ، ولكن هذه المسألة لا توجد هناك أيضا ، لأنّ لكل فرد سهما وافرا من العذاب ، من دون أن ينقص من عذاب الآخرين شيء!

لكن بملاحظة أن هذه الآية تكملة للآية السابقة ، فإنّ التّفسير الأوّل الذي اخترناه هو الأنسب.

ويترك القرآن هنا هذه الفئة وشأنها ، ويوجه الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتحدث عن الغافلين عمي القلوب الذي كذبوا ارتباطه بالله ، وهم من جنس من تقدم الكلام عنهم في الآيات السابقة ، فيقول :( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

وقد ورد نظير هذا المعنى في آيات أخرى من القرآن الكريم ، حيث شبه المعاندين الذين لا أمل في هدايتهم ، والغارقين في الذنوب بالعمي والصم ، بل وبالأموات أحيانا.

فقد جاء في الآية (٤٢) من سورة يونس :( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ) .

وجاء في الآية (٨٠) من سورة النمل :( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) . وآيات أخرى.

إن كل هذه التعابير توضح أن القرآن يقول بنوعين من السمع والبصر والحياة للإنسان : السمع والبصر والحياة الظاهريّة ، والسمع والبصر والحياة الباطنية ،

__________________

(١) بناء على هذا التّفسير ، فإنّ جملة( أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) ستكون فاعل (ينفع) لا نتيجته.

٥٨

والمهم هو القسم الثّاني من الإدراك والنظر والحياة ، فإنّها إذا تعطلت فلا ينفع حينئذ موعظة وإرشاد ، ولا إنذار وتحذير!

ومما يستحق الانتباه أنّ الآيات السابقة قد شبهت هذه الفئة بالأفراد العمش العيون ، والمحدودي البصر ، وتشبههم الآية الأخيرة هنا بالصم والعمي ، وذلك لأنّ الإنسان إذا اشتغل بالدنيا فحاله كمن يشكو ألما بسيطا في عينه ، فكلما زاد تعلقه بالدنيا واشتغاله بها ، ومال إلى الماديات أكثر ، وأهمل المسائل الروحية والمعنوية ، فسيضعف بصره نتيجة ذلك الألم في عينه ، حتى يصل بعدها إلى مرحلة العمى ، وهذا هو الشيء الذي أثبتته الأدلّة القطعية في مجال التشديد على المعنويات السلبية والإيجابية في الإنسان ، ورسوخ الملكات فيه نتيجة تكرار العمل والإصرار عليه ، وقد راعى القرآن الكريم هذا التسلسل أيضا(١) .

* * *

__________________

(١) التّفسير الكبير للفخر الرازي ، المجلد ٢٧ ، صفحة ٢١٤ ـ ٢١٥.

٥٩

الآيات

( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) )

التّفسير

استمسك بالذي اوحي إليك :

متابعة للآيات السابقة التي كانت تتحدث عن الكفّار المعاندين الظالمين الذين لا أمل في هدايتهم ، تخاطب هذه الآيات نبيّ الإسلام الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهدّدة الكفار أشدّ تهديد من جانب ، ومسليّة خاطر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتقول :( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) .

وسواء كان المراد من الذهاب بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بين أولئك القوم وفاته أم هجرته من مكّة إلى المدينة ، فإنّه إشارة إلى أنّك حتى وإن لم تكن شاهدا وناظرا لأمرهم ،

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[6]

قول رسول الله (ص):

(أول من يدخل الجنة: شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده،

ورجل عفيف متعفف (1) ذو عبادة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل الحديث 8. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 20.

كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 99، المجلس 12، الحديث الاول، ووراه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، عن صحيفة الرضا عليه السلام ومجالس المفيد وفي 71: 272 و 72: 126، ذيل الحديث السابق (5) عن العيون وفي 74: 144.

والعلامة النوري في مستدرك الوسائل 15: 489 الحديث 5، عن العيون.

ورواه العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 3: 9 بلفظ: (وعبد أحسن).

فقه الحديث:

الاوائل ممن يدخل الجنة - حسب ما ورد في هذا الحديث - ثلاثة فالشهيد - وهو من يقتل في سبيل الله - قد صرح القرآن بدخوله الجنة في آيات وعدد ما لهم من النعيم في بعضها، حيث قال:

( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ) (2) .

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي متكلف على العفة).

(2) النساء 4 / 69.

٨١

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبييل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .

والثاني: العبد المخلص في طاعة ربه، والذي يمحض سيده النصيحة ويعمل بما يرضاه.

والثالث: هو الفقير الذى لا يظهر فقره، وقد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ) (2) وليست العفة وحدها تسبب دخوله الجنة، بل لابد من أن يكون عابدا لله تعالى.

وملاحظة الحديث بصورة عامة تكشف عن أن المحور الاساسي في دخول الجنة هو عبادة الله سبحانه، أما الاخيران فقد صرح فيهما بلزوم العبادة، وأما الاول، فلان الشهيد لا يكون مفتخرا بوسام الشهادة إلا إذا كان في قتله في سبيل الله وطاعته، فتكون الطاعة والعبادة هي السبب في إدخاله الجنة فما هي العبادة؟

ورد في الحديث عن عيسى بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما العبادة؟ قال: (حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها...) (3) .

وفي حديث المعراج: (يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا؟ قال لا يا رب، قال إذا اجتمع فيه سبع خصال، ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحي مني في الخلاء وأكل ما لابد منه، ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الاخيار لحبي إياهم) (4) .

__________________

(1) آل عمران 3 / 169، والبقرة 2 / 154.

(2) البقرة 2 / 273.

(3) الكافي 2: 83.

(4) البحار 77: 30.

٨٢

[7]

قول رسول الله (ص)

أول من يدخل النار: أمير مسلط (1) لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه (2)

وفقير فخور (3) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل حديث 8 أيضا، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الحديث 20، وعنه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، الحديث 75، عن صحيفة الرضا عليه السلام و 73: 126، الحديث 8، ذيل الحديثين السابقين (5 و 6)، عن العيون، و 73: 290، الحديث 10 و 75: 341 و 96: 13، الحديث 22، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 7: 34، الحديث الاول عن كتاب دعائم الاسلام 1: 247.

ورواه من العامة:

الديلمي في الفردوس، الحديث 32 و 33، عن علي، وفيه: (أول من يدخل النار سلطان مسلط لم يعدل). (أول من يدخل النار سلطان جائر وذو إثرة).

فقه الحديث:

الامارة والسلطة على الناس هي من الامور التي لا يحسد عليها الامير

__________________

(1) في هامش صحيفة الرضا، عن بعض النسخ: (إمام متسلط). وفي البحار 69: 393 و 73: 290 و 75: 341: (إمام متسلط).

(2) في الصحيفة: (لم يقض حقه). وفي الهامش، عن بعض النسخ: (لم يعط من المال حقه).

(3) في المستدرك: (ومفتر فاجر). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ، (فقير فجور).

٨٣

فإنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الامير المسلط، من تطبيق العدل، ورفع الظلم والاحسان إلى الاخرين. وهذا مما لا يمكن لكل إنسان مسلط إجرائه بحذافيره إلا من عصم الله، خصوصا مع ما يتمتع به من أنانية وجهل وغرور وحرص.

فأي إمير لا يهتم بشؤون المجتمع الذي يحكمه، فإنه يكون أول من يرد النار حسب هذا الحديث الشريف، ومن يدخل النار مقترنا بورود هذا الامير ذو الثروة الذى لم يعط حق المال، من الزكاة والخمس والحقوق اللازمة للثروات.

وأما الفقير الفخور، فإن السر في دخوله النار هو الفخر لا الفقر، وقد ورد الذم في القرآن الكريم لمن كان مختالا فخورا فقال سبحانه، ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) (1) . وفي الحديث: لا حمق أعظم من الفخر، والافتخار من صغر الاقدار. وإن أول من هوى بالفخر هو إبليس. وفي البحار عن أمير المومنين علي عليه السلام: (ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) (2) . وإن كان ولابد من الافتخار فليكن الفخر بما ورد في الدعاء والمناجاة مع الله: (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).

وفي غرر الحكم عن علي عليه السلام: (ينبغي إن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم، ورذائل الشيم) (3) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس من آدم شرع سواء).

__________________

(1) لقمان: 31 / 18.

(2) البحار 73: 294 و 78.

(3) ميزان الحكمة 7: 419.

٨٤

[8]

قول رسول الله (ص):

(لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن (1) ما حافظ على الصلوات (2) الخمس (3)

فإذا ضيعهن (4) تجرأ (5) عليه (6) وأوقعه (7) [في] (8) العظائم).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 9. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 21، كما رواه في الامالي: 391، الباب 73، الحديث 9، وثواب الاعمال: 274، الحديث 3. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 269، الباب 168، الحديث 8. والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236، الحديث 933.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 227، الحديث 54، عن المعتبر، وفي 83: 11، الحديث 12، و 83: 13، الحديث 22، عن العيون وصحيفة

__________________

(1) في البحار 82: 227، عن المعتبر: (من أمر المؤمن). وفي هامش صحيفة الرضا عليه السلام عن بعض النسخ: (من المؤمنين ما حافظوا).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (الصلاة). وفي الوسائل: (مواقيت الصلوات).

(3) في الوسائل زيادة: (لوقتهن).

(4) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ضيعوها).

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يجرأ). وعن بعضها: (يجرؤ)، وفي المعتبر: (اجترأ عليه). وهنا ينهى الحديث في المعتبر.

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (عليهم).

(7) في الوسائل 3: 18 و 81: (فأدخله في).

(8) من البحار 83: 14، والوسائل 3: 18 و 281 وصحيفة الرضا عليه السلام.

٨٥

الرضا عليه السلام.

ورواه العلامة النوري في المستدرك 3: 30، الحديث 11، عن المحقق في المعتبر، مع اختلاف.

ورواه الحر العاملي في الوسائل 3: 18 الباب 7 من ابواب أعداد الفرائض الحديث 2. بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم). كما رواه في 3: 81، بإسناده عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي السكوني، عن ابن فضال، عن سعيد بن غزوان، عن اسماعيل ابن ابي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم، ذعرا منه، ما صلى الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم).

قال المحدث العاملي: ورواه البرقي في المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال، مثله (1) .

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 14، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19061، عن أبي نعيم. ورواه أبو بكر محمد بن الحسين النجار، في أماليه. والرافعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في التدوين. ورواه الديلمي في الفردوس، الحديث 7591، عن علي عليه السلام.

__________________

(1) انظر المحاسن 1: 82، الحديث 12.

٨٦

[9]

قول رسول الله (ص):

(من أدى (1) فريضة (2)

فله عند الله دعوة مستجابة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 10، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 الباب 31، الحديث 22. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 118، الباب 14، الحديث الاول. والشيخ الطوسي في أماليه 2: 608، الباب 26.

ورد معناه في الكافي 3: 498، الباب 27، الحديث 8. والفقيه 2: 62 الباب 112، الحديث 1710.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 207، الحديث 13 عن العيون 2: 28 و 85: 321، الحديث 7: عن العيون 2: 28، الحديث 22 وصحيفة الرضا عليه السلام: 10 وأمالي الطوسي 2: 210 وأمالي المفيد 76 وفي البحار 93: 344، الحديث 8، عن أمالي المفيد: 76.

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 11، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله ابن احمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص)...).

__________________

(1) في الوسائل: (من صلى).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فريضته).

٨٧

وروى في الحديث 12، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله إلا كان له عند أدائها دعوة مستجابة).

كما رواه في الوسائل 4: 1016، الحديث 11، عن الامالي. وفي 4: 1015 الحديث 10، عن أمالي ابن الشيخ 1: 295، بإسناده عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام وفي 4: 1116، الحديث 10، عن الامالي.

ورواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 27، الحديث 47 وعنه البحار 86: 218، الحديث 34 و 93: 347، الحديث 14، والمستدرك 1، 355 الحديث 8.

وروى نحوه البرقي في المحاسن 1: 50، الحديث 72. وعنه الوسائل 4: 1016، الحديث 12. والبحار 8: 322، الحديث 10.

وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 112. وابن فهد الحلي في عدة الداعي: 58، وعنه الوسائل 4: 1015، الحديث 9.

والشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر 2: 76 و 168.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19040، عن الديلمي، عن علي عليه السلام.

والشوكاني في الفوائد المجموعة للشوكاني: 28.

ورواه الديلمي في الفردوس عن سلمان الفارسي، الحديث 5921، وفيه زيادة: (في شهر رمضان).

وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

والطبراني في الكبير بلفظ: (من صلى فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة).

٨٨

[10]

قول رسول الله (ص):

(العلم خزائن، ومفتاحه (1) السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة:

السائل، والمعلم، والمستمع (2) والمحب لهم (3) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 11. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 23. وفي الخصال: 245 الباب 4، الحديث 101، عن ابن المغيرة، بإسناده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، مع اختلاف ذكرناه في الهامش.

ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، 239. والعلامة المجلسي في البحار 1: 196 و 197، الحديث 3، عن صحيفة الرضا عليه السلام. وكنز الفوائد، باختلاف يسير ذكرناه في الهامش. وكذا في 10: 368، الحديث 12.

ورواه البحراني في العوالم 3: 217، الحديث الاول، عن الكنز. وفي الصفخة 219، الحديث 5، عن الخصال. وأورد صدره في منية المريد، 71، عن الصادق عليه السلام، عنه البحار 1: 198، الحديث 7، والعوالم 3: 219، الحديث 7.

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (ومفتاحها) وفي هامش الصحيفة عن (ن): (ومفاتيحه). وعن بعض النسخ: (ومفتاحه). وفي البحار: (ومفاتحه). وفي الخصال: (والمفاتيح).

(2) في كنز العمال: (والمستمع والسامع)

(3) في صحيفة الرضا عليه السلام: (والمحب له). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (والمجيب له).

٨٩

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 28662. عن علي عليه السلام. والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1: 99. والعراقي في المغني عن حمل الاسفار 1: 10. وأبو نعيم في حلية الاولياء 3: 192. والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 2: 85. والسيوطي في الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: 115. والديلمي في الفردوس، الحديث 4192. والرافعي في التدوين 3: 3. وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

فقه الحديث:

من خصوصيات الدين الاسلامي والمذهب الشيعي هو الحث على العلم والتعليم، وهذا الحديث يبين طريقة الاستفادة من العلماء، وهو اقتراح فريد وهام لا يقف على أهميته إلا من واجه الامر بصورة جدية.

فالعالم - وهو الذى أتعب نفسه في تحصيل العلم مثل في الحديث بالكنز والخزينة المحتوية على أنواع التحفيات والذخائر، لا يمكن أن تثار محتوياته كلها - قد يتحير هو عند ما يطلب منه الافادة في نقطة الانطلاق، والموضوع الضروري الذي ينبغي طرحه في هذا المجلس الخاص، أو بالنسبة إلى هذا المستمع بالخصوص.

وقد يكون ما يطرحه من مواضيع لا تفيد السامعين فائدة تامة لبعدها عن واقع حياتهم وحاجتهم الفعلية.

أما لو كان المتعلم هو البادئ بالسؤال والمفترح لموضوع البحث، فإن الفائدة المتوخاة تكون قطعية.

وربما كانت هناك نقاط يستفيدها المسؤول من نفس السائل، فيطرح الجواب بصورة تكون أنفع بحال السائل مما لو كان طرحه ابتداء ومن دون سؤال مسبق.

٩٠

[11]

قول رسول الله (ص):

لا تزال امتي بخير ما تحابوا (1) ، وأدوا الامانة، وأجتنبوا الحرام (2) ، وقروا الضيف (3)

[وأقاموا الصلاة] (4) وآتوا (5) الزكاة، فإذا (6) لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (7) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 12. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 9، الحديث 25. وثواب الاعمال: 300 الحديث الاول. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2: 260. والسبزواري في جامع الاخبار، الحديث 1052.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 69: 394، الحديث 76. و 405 الحديث 110. و 71: 206 الحديث 11. و 73: 352، الحديث 52. و 74: 392، الحديث 10. و 75: 115، الحديث 7. و 75: 460 الحديث 14. و 82: 207، الحديث 14. و 96: 14، الحديث 23، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام،

__________________

(1) في العيون، والبحار: 71 و 73 و 74، والوسائل، زيادة: (وتهادوا).

(2) لم ترد عبارة: (وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام) في البحار 69: 405.

(3) في صحيفة الرضا: (واقرؤوا). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وقروا). وفي بعض النسخ: (ووقروا). وعن بعضها: (وقرؤوا) - من القرى -.

(4) الزيادة من صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث 12، والبحار 69: 394 و 71: 206 و 73: 352 و 74: 392 و 75: 460. والمستدرك 16: 258. والوسائل.

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وأدوا).

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فإن).

(7) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (بالسنين والقحط). وفي البحار 69: 405: (بالسنين والجدب).

٩١

وصحيفة الرضا عليه السلام، وأمالي الطوسي، وجامع الاخبار، مع اختلاف في بعض الموارد. ورواه العلامة النوري في المستدرك 16: 258، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

كما روى معناه المحدث العاملي في الوسائل 11: 202. و 16: 557.

ورواه من العامة:

ابن خزيمة في صحيحه: 339 وابن عبد البر في التمهيد 8: 91. والبخاري في التأريخ الكبير 7: 34.

فقه الحديث:

يؤكد النبي (ص) في هذا الحديث على ستة أشياء، هي اسس سعادة المجتمع وأولها المحبة، فالحب هو أساس الثقة والسبب في التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع. وقد ذكر الرسول الاعظم بعض ما يورث المحبة في حديث أورده العلامة المجلسي في البحار (70: 15) فقال (ص): (إرغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).

وروي: (البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، وقربة من الله) (1) .

وعن الصادق عليه السلام، (ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل) (2) .

وأما الخصال الاخرى من أداء الامانة، وإجتناب الحرام، وأضافة الضيوف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأثارها الاجتماعية واضحة.

وكون ترك هذه الامور موجبة للقحط والجدب، يستفاد من قوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (الاعراف: 7 / 96).

__________________

(1) تحف العقول: 217.

(2) البحار 78: 229.

٩٢

[12]

قول رسول الله (ص):

(ليس منا من غش (1) مسلما (2) أو ضره (3) أو ما كره (4) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 13. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الباب 21 (في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة) الحديث 26.

ورواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار 10: 367، الحديث 4. وفي 75: 285، الحديث 5، عن العيون. ورواه العلامة الحر العاملي في الوسائل 12: 211، الحديث 12 عن العيون. ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 9: 82، الحديث 9. وفي 13: 201، الحديث 1، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه الفقيه الايلاقي في جامع الاحاديث بالرقم 379.

هذا وروى معناه في الكافي 5: 160. ومن لا يحضره الفقيه 3: 273 وأمالي الصدوق: 223. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 50. وثواب الاعمال 2: 320. وسلسلة الابريز: 84.

ورواه من العامة:

السيوطي في الجامع الصغير 2: الحديث 7688. وروى معناه الطبراني

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي خان).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (مؤمنا).

(3) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (أو غره).

(4) المماكرة: من المكر وهو الخداع.

٩٣

في الكبير: 10234، والصغير 1: 161. وأبو نعيم في حلية الاولياء 4: 188 - 189. والترمذي: 1315. والحاكم في المستدرك 2: 9. وابن ماجه في سننه: 224 و 225. والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 78 و 79 و 8: 16. والسنن الصغير للبيهقي 2: 1938. ومسلم في صحيحه: 101 و 102. وابن حبان: 556 و 1107. والخطيب في تأريخه 3: 178. والمتقي في كنز العمال 4: 9503، 9506 و 9975.

فقه الحديث:

النصيحة للمسلمين فريضة لازمة لحفظ العدالة الاجتماعية، وبسط الاعتماد بين أفراد المجتمع، وعند نقشي الغش والاضرار والمكر فإنه يوجب الحقد والعداء والتفرقة بين أفراد المجتمع، فإن الحقيقة لا تبقى خافية إلى الابد، وبمجرد أن تنكشف يتولد البغضاء والتصدي للمقابلة بالمثل والانتقام.. إلى غير ذلك.

وفي حديث: (الغش شيمة المردة، ومن أخلاق اللئام، ومن علامات الشقاء) (1) .

وأما الاضرار بالغير والمكر، فهي كالغش في إيجاد التفرقة والفساد. وقد ورد النهي عن الضرر والضرار في ضمن أحاديث كثيرة، وكتب فيها العلماء رسائل متعددة، وقيل في معنى الضر: أن ينقص الرجل أخاه شيئا من حقه، وفي المكر، إن أصله الخداع (2) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر العرب) (3) .

__________________

(1) ميزان الحكمة 7: 220.

(2) راجع النهاية: لابن الاثير، مادة: (ضرر) و (مكر).

(3) البحار 41: 109.

٩٤

[13]

قول رسول الله (ص):

(قال الله تعالى: يابن آدم، لا يغرنك (1) ذنب الناس عن ذنبك (2)

ولا نعمة الناس عن (3) نعمة الله تعالى عليك

ولا تقنط الناس (4) من رحمة الله (5) وأنت ترجوها لنفسك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 15، ورواه الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 27. وأورده العلامة المجلسي في البحار 70: 388، الحديث 55. و 71: 45، الحديث 50. و 73: 359، الحديث 81. وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 72، عن الباقر، عن النبي (ص) والشيخ ورام في تنبيه الخواطر 2: 77، عن علي، عن النبي (ص).

ورواه من العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 4: 316. وابن عراق في تنزيه الشريعة 2: 344.

__________________

(1) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (لا يغرك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ذنب نفسك).

(3) في البحار 70: 388: (من).

(4) في هامش الصحيفة: (لم ترد (من نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس) في بعض النسخ).

(5) في صحيفة الرضا عليه السلام زيادة: (تعالى عليهم). وفي البحار زيادة: (تعالى). وفي هامش الصحيفة: (لم ترد (عليهم) في العيون والبحار) وعن بعض النسخ: (عليك).

٩٥

[14]

قول رسول الله (ص):

(ثلاثة (1) أخافهن على امتي (2) :

الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة (3) البطن والفرج).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 17. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29: الباب 31، الحديث 28 والمواعظ: 104، الباب 9، الحديث 1. ومن لا يحضره الفقيه 4: 407، الباب 175، الحديث 5881. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 111، المجلس 13. الحديث الاول. والشيخ الكليني في الكافي 2: 79، الباب 38، الحديث 6. والشيخ الطوسي في أماليه 1: 158، الباب 6، الحديث 15. والعلامة المجلسي في البحار 10: 368، الحديث 15. و 22: 451، الحديث 7، عن العيون، وعن أمالي الشيخ: 97 و 98. وفي البحار 71: 273، الحديث 19، عن المحاسن 1: 295 الحديث 462. ورواه المحدث العاملي في الوسائل 11: 198، كتاب الجهاد الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5. والعلامة النوري في المستدرك 11: 276، الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 11، عن أمالى المفيد.

ورواه من العامة:

التبريزي في مشكاة المصابيح، الحديث 3712. والمتقي الهندي في كنز العمال،

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام، والبحار: (ثلاث).

(2) في صحيفة الرضا عليه السلام والبحار وكنز العمال زيادة: (من بعدي).

(3) في كنز العمال: (وشهوات).

٩٦

الحديث 43864، عن الديلمي، عن أنس.

فقه الحديث:

الحديث الشريف يبين أمورا هي أعظم الاخطار التي تهدد كيان الامة ويعرف المسلمين ذلك للاجتناب عنها والحذر منها. أولها: الضلالة بعد المعرفة، فإن الهداية الالهية بإرشاد الناس إلى الدين القويم والتمسك بشريعة سيد المرسلين مهدد بميل النفس إلى الضلال والغواية، والشيطان بالمرصاد لكل مؤمن متقي ليلقيه في أحضان الكفر والضلال. فلابد للانسان المسلم من الحذر عن الوقوع في الضلالة بالاستزادة من نور المعرفة، وارتياد مجالس العلم، وطلب الحكمة أينما كانت ليكون على أتم استعداد لمواجهة قوى الكفر والضلال.

وأما الفتن، وهي ثاني الامور التي تهدد كيان المسلم إذا لم يتأهب لها بالتسلح بالعلم والعقيدة الصحيحة. والفتنة لابد منها، فبها يمتاز الصادق في إيمانه عن المتظاهر، والمؤمن عن الكافر، والمستقيم على الهدى عن غيره، قال سبحانه: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) (العنكبوت: 29 / 1).

فالفتنة بالنسبة إلى المؤمن المتقي الثابت تكون كالكير ينفي خبث الحديد وهو تمحيص، وأما بالنسبة إلى من لم يأخذ من الايمان بالحظ الا وفى فقد توجب له الانزلاق والتردي في الضلال والارتداد بعد الهدى، فلا بد قبل أوان الامتحان من الاستزادة بالعلم والمعرفة وتقوية جذور الايمان في القلب، حتى لا يكون الممتحن فيها من الفئة الاخيرة.

وأما شهوة البطن والفرج، فهما من أعظم الفتن التي ابتلي بها الانسان في الدنيا، وهما مصدر كل شر لو لم يتوقى الانسان من شرهما بتهيئة ما يغنيهما من الحلال.

٩٧

[15]

قول رسول الله (ص)

(أتاني ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك (1) السلام، ويقول (2) :

إن شئت جعلت لك بطحاء مكة (3) ذهبا. قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت (4) :

يا رب (5) أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 76. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 36، كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 124، المجلس 15، الحديث الاول. والسبزواري في جامع الاخبار: 126. والحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 52، الحديث 139. وعنه البحار 16: 283، الحديث 130. ومشكاة الانوار: 294. ورواه العلامة المجلسي في البحار 16: 220، الحديث 12، عن العيون، وصحيفة الرضا عليه السلام. وفي 72: 164، الحديث 13، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 12: 52 الباب 63 من

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (يقرأ عليك). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يقرأك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ويقول لك).

(3) بطحاء مكة، ويقال لها الابطح أيضا، وهو البطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

(4) كذا في أمالي المفيد، وفي الاصل: (فأرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي المصادر الاخرى: (فرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي البحار (16: 220): (فرفع رأسه إلى السماء وقال). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فرفعت رأسي إلى السماء فقلت).

(5) في كنز العمال: (لا يا رب).

٩٨

أبواب جهاد النفس، الحديث 3، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط: 37. وفيه: (جاء إلى رسول الله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (1) ذهب. قال: فرفع رأسه... الحديث).

ورواه من العامة:

أحمد بن حنبل في المسند 4: 30. والمتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 18616، عن الحسن، عن أمير المؤمنين عليه السلام. والسيوطي في الدر المنثور 5: 338، ورواه الجزري في جامع الاصول 10: 137، ذيل الحديث 7614.

والترمذي في سننه برقم 2348، بلفظ، (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا...).

فقه الحديث:

النبي (ص) اسوة كل مسلم في كل شئ، وقد اختار الله له أن يكون أعرف الناس بالحقائق، فمن هناك عزف عن المال والذهب وما يتعلق بالدنيا، وانتخب الزهد، ليكون دائم الاتصال بربه، إذا جاع سأله، وأذا شبع شكره.

وهذا تعليم لاتباعه على سلوك نفس الطريق وعدم التكالب على الدنيا، لانه موجب للاعراض عن الاخرة، والغفلة عن الرب تعالى. وقد قال الله تعالى: ( إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ) (2) ، فالغني موجب للطغيان إلا من عصم الله.

__________________

(1) الرضراض: الحصى أو صغارها، والارض المرضوضة بالحجارة. والمراد دقاق الذهب، أي ما رض منه.

(2) العلق: 96 / 6.

٩٩

[16]

قول رسول الله (ص):

(عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة [لا محالة] (1) ،

وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق (2) في النار لا محالة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 86. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 31، الباب 31، الحديث 41، وعنهما البحار 71: 386، الحديث 31. ورواه الطبرسي في مجمع البيان 5: 333، وعنه البحار 71: 383. ورواه العلامة المجلسي في البحار 10: 369، الحديث 19. والمحدث العاملي في الوسائل 8: 506 الباب 104 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 17 و 11: 324، الباب 69 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

وورد مرسلا في روضة الواعظين: 441، ومشكاة الانوار: 223.

ورواه من العامة:

الحاكم في المستدرك 1: 23. والديلمي في مسند الفردوس، الحديث 4033، عن علي عليه السلام.

فقه الحديث:

الخلق الحسن مفتاح السعادة والفلاح، ليس في الدنيا فقط، بل هو مفتاح الجنة أيضا.

فصاحب الخلق الحسن كثير الاصدقاء والاعوان والاحبة، وإن كان

__________________

(1) من صحيفة الرضا عليه السلام والمصادر الناقلة لهذا الحديث.

(2) في هامش النسخة: (أي صاحب سوء الخلق).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592