الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177190 / تحميل: 5794
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

(سهل بن أحمد)(١) ، عن محمّد بن محمّد الأشعث، عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ)(٢) ، رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر، فلم يدخلاه الجنّة، رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان، ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له ».

[ ٨٧٠٤ ] ٢ - السيد فضل الله في نوادره: عن علي بن الحسن الورّاق، عن أبي محمّد، عن اسحاق بن عيسى، عن الحسين بن علي، عن اسماعيل بن سعيد، عن يزيد بن هارون، عن المسعودي، يقول: من قرأ أول ليلة من شهر رمضان( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) (١) حفظ إلى مثلها من قابل.

[ ٨٧٠٥ ] ٣ - وعن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن عبد الرحمان، عن أبي بكر بن محمّد، عن محمّد بن عمرو بن مذعورة، عن ابي هريرة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من صلى في شهر رمضان، في كلّ ليلة ركعتين، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب مرّة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، إن شاء صلاهما في أوّل الليل، وإن شاء في آخر

____________________________

(١) في جامع الأحاديث: محمّد بن عبدالله، وفي البحار كما في المتن وكلاهما من مشايخ مؤلف جامع الأحاديث.

(٢) ليس في جامع الأحاديث.

٢ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٥٠ ح ١٩.

(١) الفتح ٤٨: ١.

٣ - نوادر الراوندي: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٦ ح ١١.

٤٨١

الليل، والذي بعثني بالحق نبيّا، إنّ الله عزّوجلّ يبعث بكلّ ركعة مائة الف ملك، يكتبون له الحسنات، ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات، واعطاه ثواب من أعتق سبعين رقبة ».

[ ٨٧٠٦ ] ٤ - البحار، عن اعلام الدين للديلمي: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ في شهر رجب وشعبان وشهر رمضان، كلّ يوم وليلة: فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ بربّ الناس، وقل أعوذ بربّ الفلق، ثلاث مرّات، ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ثلاث مرّات، ثمّ يصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثلاث مرات، ثمّ يقول: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وعلى كلّ ملك ونبي، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، ثلاث مرّات، ثمّ يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، أربعمائة مرة، ثمّ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده، من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك كلّه في الشهور الثلاثة ولياليها، لا يفوتها شئ، لو كانت ذنوبه عدد قطر المطر، وورق الشّجر، وزبد البحر، غفرها الله له، وأنّه ينادي مناد يوم الفطر، يا عبدي أنت ولييّ حقّا حقّا، ولك عندي بكلّ حرف قرأته، شفاعة في الإخوان والأخوات، بكرامتك عليّ، ثمّ قال: والذي بعثني بالحقّ نبيّا، إنّ من قرأ هذه السّور، وفعل ذلك في هذه الشّهور الثّلاثة ولياليها، ولو في عمره مرّة واحدة، اعطاه الله بكلّ حرف سبعين الف حسنة، كلّ حسنة عند الله أثقل من جبال الدّنيا، ويقضي الله له سبعمائة حاجة

____________________________

٤ - البحار ج ٩٦ ص ٣٨١ ح ٧ عن اعلام الدين ص ١١٣.

٤٨٢

عند نزعه، وسبعمائة حاجة في القبر، وسبعمائة حاجة عند خروجه من قبره، ومثل ذلك عند تطاير الصّحف، ومثله عند الميزان، ومثله عند الصراط، ويظلّه تحت ظلّ عرشه، ويحاسبه حسابا يسيرا، ويشيّعه سبعون الف ملك إلى الجنّة، ويقول الله تعالى: خذها لك في هذه الأشهر(١) ، ويذهب به إلى الجنّة، وقد أعدّ له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ».

[ ٨٧٠٧ ] ٥ - الكافي: عن محمّد بن عيسى، بإسناده عن الصالحينعليهم‌السلام ، قال: تكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، هذا الدّعاء ساجدا وقائما، [ وقاعداً ](١) وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ كن لوليّك فلان بن فلان، هذه الساعة، وفي كلّ ساعة، وليّا، وحافظا، وناصرا، ودليلا، وقائدا، وعينا، حتّى تسكنه أرضك طوعا، وتمتّعه فيها طويلا ».

ورواه الكفعمي في مصباحه: مثله، باختلاف يسير(٢) .

[ ٨٧٠٨ ] ٦ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: وأمّا ما رواه العامة، عن جعفر، عن آبائه، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّ من صلى ليلة سبع وعشرين، ركعتين يقرأ في كلّ ركعة: فاتحة الكتاب، وإنّا أنزلناه مرة، وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة، فإذا سلّم استغفر مائة

____________________________

(١) في نسخة: هذا الشهر.

٥ - الكافي ج ٤ ص ١٦٢ ح ٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) مصباح الكفعمي ص ٥٨٦.

٦ - لب اللباب: مخطوط.

٤٨٣

مرّة، وصلى على النبي وآله مائة مرة، فقد أدرك ليلة القدر »، فإنّ هذه الرواية، لا تنافي ما صحّ من أنّ ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، لأنّ هذه الرواية تختصّ بمن فاته ليلة ثلاث وعشرين، فأدرك ليلة سبع وعشرين.

[ ٨٧٠٩ ] ٧ - وفيه: روي أنّ الملائكة إذا ما سلّموا ليلته على المنتبهين الذّاكرين، ثمّ يرجعون إلى السماء، يأمرهم الله تعالى بالانصراف إلى الأرض، حتّى يسلّموا على النائمين من المؤمنين، على كلّ واحد سبعين سلاما.

[ ٨٧١٠ ] ٨ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « أتدرون لم سمّي شعبان شعبان؟ لأنّه يتشعب منه خير كثير لرمضان، وإنّما سمّي رمضان رمضان، لأنّه ترمض فيه الذنوب - أي تحرق - وقال: إنّ لله في كلّ يوم جمعة، ستمائة الف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوها، وفي كلّ ساعة من ليل أو نهار من شهر رمضان، الف عتيق من النار، كلّهم قد استوجبوها، وله يوم الفطر مثل ما أعتق في الشهر والجمعة ».

[ ٨٧١١ ] ٩ - الصدوق في الأمالي، وفضائل الأشهر الثلاثة: عن صالح بن عيسى العجلي، عن محمّد بن علي بن علي، عن محمّد بن الصلت، عن محمّد بن بكير، عن عباد المهلبي، عن سعد بن عبدالله، عن هلال بن عبدالله(١) ، عن علي بن زيد بن جدعان(٢) ، عن

____________________________

٧، ٨ - لب اللباب: مخطوط.

٩ - أمالي الصدوق ص ١٩١ ح ١، فضائل الاشهر الثلاثة ص ١١٢.

(١) في الأمالي: عبد الرحمن.

(٢) في الطبعة الحجرية: يعلى بن زيد بن جذعان، والصواب أثبتناه من المصدر « راجع تهذيب التهذيب ج ٨ ص ٣٢٢ ».

٤٨٤

سعيد بن المسيّب، عن عبد الرحمان بن سمرة، قال: كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: « رأيت البارحة عجائب » فقلنا يا رسول الله، وما رأيت؟ حدّثنا [ به ](٣) فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا. فقال:

« رأيت رجلاً من أُمتي، قد أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه فمنعه منه - إلى أن قال - ورأيت رجلاً من أُمّتي يلهث عطشا، كلّما ورد حوضا منع منه، فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه ».

[ ٨٧١٢ ] ١٠ - وفي الأمالي: عن علي بن أحمد الدقاق، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني، عن أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ، قال: « قال موسىعليه‌السلام : إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا؟ قال: يا موسى، اقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه، قال: إلهي، فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس؟ قال: يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه ».

____________________________

(٣) أثبتناه من المصدرين.

١٠ - أمالي الصدوق ص ١٧٤.

٤٨٥

٤٨٦

أبواب بقيّة الصوم الواجب

١ -( باب حصر أنواع ما يجب منه)

[ ٨٧١٣ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أنّ الصوم على أربعين وجها: فعشرة (منها واجب)(١) ، كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهنّ حرام، وأربعة عشر وجها منها، صاحبها فيها بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التّأديب، ومنها صوم الإباحة، وصوم السفر والمريض، وأمّا صوم الواجب: فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين - يعني لمن افطر يوماً من شهر رمضان عمدا متعمّدا - وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ، لمن لم يجد العتق واجب، من قول الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) (٢) وصيام شهرين في كفّارة الظهار، (لمن لم يجد العتق، واجب من)(٣) قول(٤) الله:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ

____________________________

أبواب بقية الصوم الواجب

الباب - ١

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) في المصدر: واجبة فيها.

(٢) النساء ٤: ٩٢.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) في المصدر: وقال.

٤٨٧

فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ) (٥) أو صيام(٦) ثلاثة أيام في كفّارة اليمين، واجب لمن لم يجد الإطعام، قال الله تعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) (٧) كلّ ذلك متتابع ليس بمفترق، وصيام من كان به أذى من رأسه، واجب قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٨) فصاحب هذه بالخيار، فإن شاء صام ثلاثة أيّام، وصوم دم المتعة واجب، لمن لم يجد الهدي، قال الله تبارك وتعالى:( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) (٩) وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك وتعالى:( أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا ) (١٠) وأروي عن العالم أنّه قال: أتدرون كيف يكون عدل ذلك صياما؟ فقيل له: لا، فقال: يقوّم الصّيد قيمة، ثمّ يشتري بتلك القيمة البرّ، ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعا، فيصوم لكلّ نصف صاع يوما، وصوم النّذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب ».

ورواه الصدوق في الهداية(١١) : عن الزهري، أنّه قال: دخلت على علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال لي: « يا زهري من أين جئت؟ » فقلت: من المسجد، فقال: « فيم كنتم؟ » قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فاجتمع رأيي ورأي أصحابي، على أنّه ليس شئ من الصوم بواجب، إلّا صوم شهر رمضان، فقال: « يا زهري ليس

____________________________

(٥) المجادلة ٥٨: ٤.

(٦) في المصدر: وصيام.

(٧) المائدة ٥: ٨٩.

(٨، ٩) البقرة ٢: ١٩٦.

(١٠) المائدة ٥: ٩٥.

(١١) الهداية ص ٤٨.

٤٨٨

كما قلتم، إنّ الصوم على أربعين وجها » الخ.

وفي المقنع: اعلم أنّ الصوم على أربعين وجها وساق مثله(١٢) .

٢ -( باب أنّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين، فافطر لعذر بنى، ولغير عذر استأنف، إلّا أن يصوم شهرا ومن الثّاني ولو يوماً فيبني)

[ ٨٧١٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « متى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما، ثمّ أفطر، فعليه أن يبني عليه ولا بأس، وإن صام شهرا أو أقلّ منه، ولم يصم من الشهر الثاني شيئا، عليه أن يعيد صومه، إلّا أن يكون قد أفطر لمرض، فله أن يبني على ما صام، لأنّ الله حبسه ».

[ ٨٧١٥ ] ٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط: عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا ثمّ مرض، هل يعيده؟ قال: « نعم، أمر الله حبسه ».

[ ٨٧١٦ ] ٣ - وعن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن المرأة يجب عليها صوم شهرين متتابعين، قال: « تصوم، فما حاضت فهو يجزيها ».

____________________________

(١٢) المقنع ص ٥٥.

الباب - ٢

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦. ٢،

٣ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٣٢.

٤٨٩

٣ -( باب وجوب صوم النّذر)

[ ٨٧١٧ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وصوم النّذر واجب ».

[ ٨٧١٨ ] ٢ - فرات بن ابراهيم الكوفي، بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: « مرض الحسن والحسينعليهما‌السلام ، مرضا شديدا، فعادهما سيّد ولد آدم، محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعادهما أبو بكر وعمر، فقال عمر لعليّعليه‌السلام : يا أبا الحسن، إن نذرت لله نذرا واجبا، فإنّ كلّ نذر لا يكون لله فليس فيه وفاء، فقال عليعليه‌السلام : إن عافى الله ولديّ ممـّا بهما، صمت لله ثلاثة أيّام متواليات، وقالت فاطمةعليها‌السلام ، مثل مقالة عليعليه‌السلام » الخبر، وله طرق كثيرة.

[ ٨٧١٩ ] ٣ - الصدوق في الهداية: عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه قال للزّهري: « وصوم النّذر واجب » الخبر.

[ ٨٧٢٠ ] ٤ - وفي المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً معروفا أو شهراً معروفا، فعليه أن يصوم ذلك اليوم و(١) ذلك الشهر، فإن لم يصمه أو صامه فأفطر، عليه(٢) الكفّارة.

____________________________

الباب - ٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

٢ - تفسير فرات الكوفي ص ١٩٦.

٣ - الهداية ص ٤٩.

٤ - المقنع ص ١٣٨.

(١) في المصدر: أو.

(٢) وفيه: فعليه.

٤٩٠

٤ -( باب وجوب صوم كفّارة النّذر وقضائه، وقدر الكفّارة)

[ ٨٧٢١ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإن أفطر (يوم صوم)(١) النّذر، فعليه الكفّارة شهرين متتابعين، وقد روي أنّ عليه كفّارة يمين ».

[ ٨٧٢٢ ] ٢ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم يوما، فوقع ذلك اليوم على أهله، فعليه أن يصوم يوماً بدل يوم، ويعتق رقبة مؤمنة.

٥ -( باب وجوب كفّارة مخيّرة بقتل الخطأ، وكفّارة الجمع بقتل العمد، وأنّ القاتل في الأشهر الحرم، يصوم شهرين منها، وحكم دخول العيد وأيّام التّشريق)

[ ٨٧٢٣ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « كفّارة القتل، عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين، إذا لم يجد ما يعتق، أو إطعام ستّين مسكينا، إن لم يستطع الصّوم ».

[ ٨٧٢٤ ] ٢ - احمد بن محمّد بن عيسى في نوادره: عن فضالة بن أيّوب، والقاسم بن محمّد، عن ابان بن عثمان، عن زرارة والحسين بن سعيد، عن أحمد بن عبدالله، عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت

____________________________

الباب - ٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦.

(١) في الطبعة الحجرية (يوما صومه) وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المقنع ص ١٣٨.

الباب - ٥

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤١٣ ح ١٤٤٣.

٢ - نوادر أحمد بن عيسى ص ٦١.

٤٩١

أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « إذا قتل الرّجل في شهر حرام، صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم »، فتبسّمت وقلت له: يدخل ها هنا شئ، قال: « أدخلني(١) »، قلت: العيد والأضحى وأيّام التّشريق، قال: « هذا حقّ لزمه فليصمه » قال أحمد بن عبدالله في حديثه: ليعتق أو يصوم.

٦ -( باب وجوب التّتابع: في صوم كفّارة اليمين، والظّهار، والقتل، والإفطار، وبدل الهدي، وأحكام كفّارات الحجّ)

[ ٨٧٢٥ ] ١ - دعائم الإسلام: عن علي، ومحمّد بن علي بن الحسين، وجعفر بن محمّدعليهم‌السلام ، أنّهم قالوا: « صيام كفّارة اليمين، ثلاثة أيّام متتابعات، لا يفرّق(١) بينها ».

[ ٨٧٢٦ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « صيام الظّهار، شهران متتابعان، كما قال الله عزّوجلّ ».

[ ٨٧٢٧ ] ٣ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن علي بن جعفر، عن أخيه(١) موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال: سألته عن صوم

____________________________

(١) في نسخة: أدخله، منه قدّه.

الباب - ٦

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٠٣.

(١) في الطبعة الحجرية: لا فرق، وما أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٢٧٩.

٣ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٩٣ ح ٢٤١.

(١) في الطبعة الحجرية « عمّن أخبره، عن »، وما أثبتناه من المصدر هو الصواب « راجع معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٢٨٥ ورجال النجاشي ص ١٧٦ وغيرهما ».

٤٩٢

الثلاثة أيّام في الحجّ والسّبعة، ايصومها متوالية أم يفرّق بينها؟ قال: « يصوم الثّلاثة لا يفرّق بينها، (والسبعة لا يفرق بينها)(٢) ، ولا يجمع الثلاثة والسبعة(٣) ».

[ ٨٧٢٨ ] ٤ - وعن الزهري، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، قال: « صيام شهرين متتابعين من قتل خطأ، لمن لم يجد العتق واجب، قال الله تعالى:( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ) (١) » الآية.

الصدوق في الهداية(٢) والمقنع(٣) : عنهعليه‌السلام ، مثله.

فقه الرضا(٤) عليه‌السلام : مثله.

٧ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حتّى يقوم القائمعليه‌السلام ، لزمه ووجب عليه صوم ما عدا الأيّام المحرّمة)

[ ٨٧٢٩ ] ١ - محمّد بن ابراهيم النّعماني في كتاب الغيبة: حدّثنا محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن

____________________________

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) وفيه زيادة: جميعاً.

٤ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٢٦٦ ح ٢٣١.

(١) النساء ٤: ٩٢.

(٢) الهداية ص ٤٩.

(٣) المقنع ص ٥٦.

(٤) فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

الباب - ٧

١ - الغيبة ص ٩٤ ح ٢٦.

٤٩٣

شمّون، عن عبدالله بن عبد الرحمان الأصمّ، عن كرام، قال: حلفت فيما بيني وبين نفسي، ان لا آكل طعاما بنهار، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فدخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: رجل من شيعتك جعل لله عليه أن لا يأكل طعاما(١) أبدا، حتّى يقوم قائم آل محمّدعليهم‌السلام ، فقال: « صم يا كرام، ولا تصم العيدين، ولا ثلاثة أيّام التّشريق، ولا إذا كنت مسافرا » الحديث.

٨ -( باب أنّ من نذر أن يصوم حينا، وجب عليه صوم ستة أشهر، ومن نذر أن يصوم زمانا، وجب عليه صوم خمسة أشهر)

[ ٨٧٣٠ ] ١ - العيّاشي في تفسيره: عن اسماعيل بن زياد السكوني، عن جعفر بن محمّد(١) عليهما‌السلام ، أنّ علياعليه‌السلام ، قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر، والحين ستّة أشهر، لأن الله يقول:( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) (٢) ».

[ ٨٧٣١ ] ٢ - الجعفريات: اخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد،(١) عن عليعليهم‌السلام ، أنّه قال فيمن نذر أن يصوم زمانا، قال: « الزّمان خمسة أشهر ».

____________________________

(١) في المصدر زيادة: بنهار.

الباب - ٨

١ - تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٢٢٤.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

(٢) ابراهيم ١٤: ٢٥.

٢ - الجعفريات ص ٦٢.

(١) في المصدر زيادة: عن أبيه.

٤٩٤

٩ -( باب أنّ من نذر صوما معيّنا فعجز، وجب عليه أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام)

[ ٨٧٣٢ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر رجل أن يصوم كلّ سبت، أو احد، أو سائر الأيام، فليس له أن يتركه إلّا من علّة، وليس عليه صومه في سفر ولا مرض، إلّا أن يكون نوى ذلك، فإن أفطر من غير علّة، تصدّق مكان كلّ يوم على عشرة مساكين.

١٠ -( باب أنّ من نذر صوم أيّام معيّنة في الشهر، فاتّفق في السّفر، لم يجب صومها ولا قضاؤها، وأنّه لا يجب التتّابع في صوم النّذر، إلّا مع الشّرط فيه)

[ ٨٧٣٣ ] ١ - الصدوق في المقنع: فإن نذر أن يصوم يوماً بعينه ما دام حيا، فوافق ذلك اليوم عيد فطر، أو أضحى، أو ايّام التّشريق، أو سافر، أو مرض، فقد وضع الله عنه الصّيام في هذه الأيام كلّها، ويصوم يوماً بدل يوم.

____________________________

الباب - ٩

١ - المقنع ص ١٣٧.

الباب - ١٠

١ - المقنع ص ١٣٧.

٤٩٥

٤٩٦

أبواب الصوم المندوب

١ -( باب استحباب صوم كلّ يوم، عدا الأيام المحرّمة)

[ ٨٧٣٤ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا ابي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكّل الله تعالى ملائكة بالدعاء للصّائمين ».

[ ٨٧٣٥ ] ٢ - وبهذا الإسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نوم الصّائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٣٦ ] ٣ - وبهذا الإسناد قال: « قيل يا رسول الله: ما الّذي يباعد الشّيطان منّا؟ قال: الصوم لله يسوّد وجهه، والصّدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله عزّوجلّ، والمواظبة على العمل، تقطع دابره(١) ،

____________________________

أبواب الصوم المندوب

الباب - ١

١، ٢ - الجعفريات ص ٥٨.

٣ - الجعفريات ص ٥٨.

(١) دابر الشئ: آخره (لسان العرب - دبر - ج ٤ ص ٢٧٠) وقوله تعالى:( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) أي أهلك آخر من بقي منهم (مجمع البحرين ج ٣ ص ٢٩٧).

٤٩٧

والاستغفار يقطع وتينه(٢) ».

[ ٨٧٣٧ ] ٤ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ثلاثة من روح الله: التّهجّد في الليل بالصلاة، ولقاء الإخوان، والصوم ».

[ ٨٧٣٨ ] ٥ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لكلّ شئ زكاة، وزكاة الأبدان الصيام ».

[ ٨٧٣٩ ] ٦ - وعن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: « سبع من سوابق الإيمان، فتمسكوا بهنّ: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وحبّ أهل بيت نبيّ الله حقّا (حقّا)(١) ، من قبل القلوب لا الزّحم بالمناكب، ومفارقة القلوب، والجهاد في سبيل الله، والصيام في الهواجر، وإسباغ الوضوء في السبرات(٢) ، والمحافظة على الصلوات، وحج(٣) بيت الله الحرام ».

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « نوم الصائم عبادة، ونفسه تسبيح ».

[ ٨٧٤٠ ] ٧ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « يقول الله عزّ

____________________________

(٢) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه (لسان العرب - وتن - ج ١٣ ص ٤٤١). ٤،

٥ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

٦ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٩.

(١) ليس في المصدر.

(٢) السَّبَرات: جمع سبرة، وهي شدّة البرد (مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٢٢).

(٣) في المصدر: والحجّ إلى.

٧ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٠.

٤٩٨

وجلّ: الصوم لي وأنا أُجزي به، وللصّائم فرحتان. فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربّه، والذي نفس محمّد بيده، لخلوف فم الصّائم، أطيب عند الله من ريح المسك ».

[ ٨٧٤١ ] ٨ - أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي في كتاب التّحصين: نقلاً عن الشيخ ابي محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي، في كتابه المنبئ عن زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن بلال، قال: حدّثنا عبد الرحمان بن حمدان قال: حدّثنا الحسن بن محمّد، حدّثنا ابو الحسن بشر بن أبي بشر البصري، قال: أخبرني الوليد بن عبد الواحد، قال: حدّثنا حنّان البصري، عن اسحاق بن نوح، عن محمّد بن علي، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقبل على أُسامة بن زيد، فقال: « يا أُسامة، عليك بطريق الحقّ، وإيّاك وأن تختلج دونه، بزهرة رغبات الدّنيا، وغضارة نعيمها، وبائد(١) سرورها، وزائل عيشها » فقال اسامة: يا رسول الله، ما أيسر ما ينقطع به ذلك الطّريق؟ قال: « السّهر الدّائم، والظمأ في الهواجر(٢) ، وكفّ النفس عن الشهوات، وترك اتّباع الهوى، واجتناب أبناء الدّنيا، يا أُسامة، عليك بالصوم فإنّه قربة إلى الله، وليس شئ أطيب عند الله من ريح فم صائم، ترك الطّعام والشّراب لله ربّ العالمين، وآثر الله على ما سواه، وابتاع آخرته بدنياه، فإن استطعت أن يأتيك الموت، وانت

____________________________

٨ - التحصين ص ٨.

(١) البائد: المنقطع، وبادَ الشئ: انقطع وذهب (لسان العرب ج ٣ ص ٩٧).

(٢) الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحرّ والجمع هواجر. (مجمع البحرين - هجر - ج ٣ ص ٥١٦).

٤٩٩

جائع وكبدك ظمآن فافعل، فإنّك تنال بذلك اشرف المنازل، وتحلّ مع الأبرار والشهداء والصّالحين » الخبر.

[ ٨٧٤٢ ] ٩ - مصباح الشّريعة: قال الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصّوم جنّة - أي ستر - من آفات الدّنيا، وحجاب من عذاب الآخرة - إلى ان قال - وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [ قال الله تعالى: ](١) الصوم لي وأنا أُجزي به، فالصوم يميت مراد(٢) النّفس، وشهوة الطّبع الحيواني، وفيه صفاء(٣) القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظّاهر والباطن، والشكر على النّعم، والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التّضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى الله، وسبب انكسار الشهوة(٤) ، وتخفيف السّيئات، وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد ما لا يحصى، وكفى بما ذكرناه منه، لمن عقله، ووفق لاستعماله ».

[ ٨٧٤٣ ] ١٠ - الحسن بن أبي الحسن الديلمي في إرشاد القلوب: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في ليلة المعراج: « يا ربّ ما أوّل العبادة؟ قال: أوّل العبادة الصّمت والصوم، قال: يا ربّ وما ميراث الصوم؟ قال: يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد، لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر، وإذا كان العبد في حالة الموت،

____________________________

٩ - مصباح الشريعة ص ١٣٣.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: هوى.

(٣) وفيه: حياة.

(٤) في الطبعة الحجرية (الهمة) وما أثبتناه من المصدر.

١٠ - إرشاد القلوب ص ٢٠٣.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

جامع طريف إذ يقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) .

ومفهوم الآية كما أشرنا سابقا واسع إلى درجة أنّها تشمل أي نوع من أنواع التقدّم والتأخّر والكلام والتصرّفات الذاتية الخارجية عن تعليمات القيادة

ومع هذه الحال فإنّنا نلاحظ في تاريخ حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موارد كثيرة يتقدّم فيها بعض الأفراد على أمره أو يتخلّفون ويلون رؤوسهم فيكونون موضع الملامة والتوبيخ الشديد ومن ذلك ما يلي

١ ـ حين تحرّك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة كان ذلك في شهر رمضان وكان معه جماعة كثيرة ، منهم الفرسان ومنهم المشاة ، ولمّا بلغ (منزل) كراع الغميم أمر بإناء ماء ، فتناول منه الرّسول وأفطر ثمّ أفطر من كان معه ، إلّا أنّ العجيب أنّ جماعة منهم (تقدّم على النبي) ولم يوافقوا على الإفطار وبقوا صائمين فسمّاهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعصاة(١) !

٢ ـ ومثل آخر ما حدث في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة حيث أمر النبيّ أن ينادي المنادي : «من لم يسق منكم هديا فليحلّ وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هديا فليقم على إحرامه» ثمّ يؤدّي مناسك الحج وأنّ من جاء بالهدي (وحجّه حجّ إفراد) فعليه أن يبقى على إحرامه ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لولا أنّي سقت الهدي لأحللت ، وجعلتها عمرة ، فمن لم يسق هديا فليحلّ». إلّا أنّ جماعة أبوا وقالوا كيف يمكننا أن نحل وما يزال النّبي محرما أليس قبيحا أن نمضي للحج بعد أداء العمرة ويسيل منّا ماء الغسل «من الجنابة».

فساء النّبي ما قالوا ووبّخهم ولامهم(٢) .

٣ ـ قصة التخلّف عن جيش أسامة عند ما أراد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلتحق بالرفيق

__________________

(١) نقل هذا الحديث كثير من المؤرخين والمحدّثين ومنها ما ورد في الجزء السابع من وسائل الشيعة ، الصفحة ١٢٥ ، باب من يصح منه الصوم مع شيء من التلخيص.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٢١ ، ص ٣٨٦ (بشيء من التصرّف والاختصار).

٥٢١

الأعلى معروفة حيث أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين أن ينفّذوا جيش أسامة بن زيد ويتحرّكوا إلى حرب الروم وأمر المهاجرين والأنصار أن يتحرّكوا مع هذا الجيش

ولعلّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد ألّا تقع عند رحلته مسائل في أمر الخلافة ـ وقد وقعت ـ حتى أنّه لعن المتخلّفين عن جيش أسامة ومع كلّ ذلك تخلّف جماعة بحجة أنّهم لا يستطيعون أن يتركوا النّبي في مثل هذه الظروف(١) !!

٤ ـ قصة «القلم والدواة» معروفة أيضا وهي في الساعات الأخيرة من عمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنّها مثيرة والأحسن أن ننقل ما جاء من عبارة في صحيح مسلم بعينها هنا :

«لمّا حضر رسول الله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي : هلمّ اكتب لكم كتابا لا تضلّون بعده ، فقال عمر إنّ رسول الله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت ، فاختصموا فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلّوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله قال رسول الله قوموا»(٢) !

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ هذا الحديث عينه نقله البخاري في صحيحه باختلاف يسير جدا «صحيح البخاري ، ج ٦ ، باب مرض النبي ، ص ١١».

وهذه القضية من الحوادث المهمّة في التأريخ الإسلامي التي تحتاج إلى تحليل وبسط ليس هنا محلّه ولكنّها على كلّ حال من أجلى موارد التخلّف عن أمر النّبي ومخالفة الآية محل البحث :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ )

__________________

(١) ذكر هذه القصة مؤرّخون كثر في كتب التاريخ الإسلامي وهي من الحوادث المهمّة في تاريخ الإسلام «لمزيد الاطلاع يراجع كتاب المراجعات ـ المراجعة ٩٠ ـ منه».

(٢) صحيح مسلم ، ج ٣ ، كتاب الوصية ، الحديث ٢٢.

٥٢٢

وما يهمّنا هنا أنّ رعاية الانضباط الإسلامي والإلهي تحتاج إلى روح التسليم المطلق وقبول القيادة «الإلهية» في جميع شؤون الحياة والإيمان المتين بمقام القائد الشامخ

* * *

٥٢٣

الآيات

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) )

سبب النّزول

قال بعض المفسّرين كالطبرسي في مجمع البيان : هناك قولان في شأن نزول الآية الأولى من الآيات أعلاه ، ولكنّ بعضهم اكتفى بقول واحد منهما كالقرطبي وسيد قطب ، ونور الثقلين.

فالقول الأوّل في شأن نزول الآية محل البحث الذي ذكره أغلب المفسّرين أنّ الآية الكريمة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) نزلت في «الوليد بن عقبة» وذلك أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسله لجمع الزكاة من قبيلة «بني المصطلق» فلمّا علم

٥٢٤

بنو المصطلق أنّ مبعوث الرّسول قادم إليهم سرّوا كثيرا وهرعوا لاستقباله ، إلّا أنّ الوليد حيث كانت له خصومة معهم في زمان الجاهلية ، شديدة ، تصوّر أنّهم يريدون قتله.

فرجع إلى النّبي «ومن دون أن يتحقّق في الأمر» وقال : يا رسول الله إنّهم امتنوا عن دفع الزكاة «ونعرف أنّ عدم دفع الزكاة هو نوع من الوقوف بوجه الحكومة الإسلامية فبناء على ذلك فإنّ مدّعى الوليد يقتضي أنّهم مرتدّون»!!

فغضب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك وصمّم على أن يقاتلهم فنزلت الآية آنفة الذكر(١)

وأضاف بعضهم أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أخبره الوليد بن عقبة بارتداد قبيلة (بني المصطلق) أمر خالد بن الوليد بن المغيرة أن يمضي نحوها وأن لا يقوم بعمل حتى يتريث ويعرف الحقّ

فمضى خالد ليلا وصار قريبا من قبيلة بني المصطلق وبعث عيونه ليستقصوا الخبر فعادوا إليه وأخبروا بأنّهم مسلمون «أوفياء لدينهم» وسمعوا منهم صوت الآذان والصلاة ، فغدا خالد عليهم في الصباح بنفسه فوجد ما قاله أصحابه صدقا فعاد إلى النّبي وأخبره بما رأى فنزلت الآية آنفة الذكر ، وعقّب النّبي عليها «التأنّي من الله والعجلة من الشيطان»(٢) .

وذكر بعض المفسّرين قولا آخر في شأن نزول الآية وعوّلوا عليه فحسب ، وهو أنّ الآية نزلت في «مارية القبطية» زوج النّبي وأم إبراهيمعليه‌السلام ، لأنّه قيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ لها ابن عمّ «يدعى جريحا» تتردّد إليه أحيانا «وبينهما علاقة غير مشروعة» فأرسل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلف عليعليه‌السلام فقال له «يا أخي خذ السيف فإن وجدته عندها فاضرب عنقه ...»

فأخذ أمير المؤمنين السيف ثمّ قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله : أكون في أمرك

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٣٢.

(٢) القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦١٣١.

٥٢٥

إذا أرسلتني كالسكة المحماة ؛ أمضي لما أمرتني أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب» ، قال علي : فأقبلت متوشّحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلمّا عرف أنّي أريده أتى نخلة فرقى إليها ثمّ رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا أنّه أجبّ امسح مال ممّا للرجال قليل ولا كثير فرجعت فأخبرت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «الحمد لله الذي يصرف عنّا السوء أهل البيت»(١) .

وورد هذا الشأن ذاته في تفسير نور الثقلين ج ٥ مع اختلاف يسير في العبارات

* * *

التّفسير

لا تكترث بأخبار الفاسقين :

كان الكلام في الآيات الآنفة على ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون ووظائفهم أمام قائدهم ونبيّهم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ورد في الآيات المتقدّمة أمران مهمّان ، الأوّل أن لا يقدموا بين يديه والآخر هو مراعاة الأدب عند الكلام معه وعدم رفع الصوت فوق صوته

أمّا الآيات محل البحث فهي تبيّن الوظائف الأخرى على هذه الأمّة إزاء نبيّها.

وتقول ينبغي الاستقصاء عند نقل الخبر إلى النّبي فلو أنّ فاسقا جاءكم بنبإ فتثبّتوا وتحقّقوا من خبره ، ولا تكرهوا النّبي على قبول خبره حتى تعرفوا صدقه فتقول الآيات أوّلا :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) .

ثمّ تبيّن السبب في ذلك فتضيف :( أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٣٢ ، كما ورد في تفسير نور الثقلين بصورة مسهبة ، ج ٥ ، ص ٨١.

٥٢٦

فلو أنّ النّبي قد أخذ بقول «الوليد بن عقبة» وعدّ قبيلة بني المصطلق مرتدّين وقاتلهم لكانت فاجعة ومصيبة عظمى!

ويستفاد من لحن الآية التالية أنّ جماعة من أصحاب الرّسول اصرّوا على قتال بني المصطلق ، فقال لهم القرآن إنّ هذا هو الجهل بعينه وعاقبته الندم.

واستدل جماعة من علماء الأصول على حجّية خبر الواحد بهذه الآية لأنّها تقول إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا ومفهومها أنّ العادل لو جاء بنبإ فلا يلزم التبيّن ويصح قبول خبره إلّا أنّه أشكل على هذا الاستدلال بمسائل عديدة أهمها مسألتان :

المسألة الأولى : إنّ الاستدلال المتقدّم ذكره متوقّف على قبول «حجّية مفهوم الوصف» ، والمعروف أنّه لا حجّية لمفهوم الوصف(١)

المسألة الثانية : إنّ العلة المذكورة في ذيل الآية فيها من السعة ما يشمل خبري العادل والفاسق معا لأنّ العمل بالخبر الظنّي ـ مهما كان ـ ففيه احتمال الندم.

لكنّ هاتين المسألتين يمكن حلّهما ، لأنّ مفهوم الوصف وأي قيد آخر في الموارد التي يراد منها بيان القيد في مقام الاحتراز حجة ، وذكر هذا القيد «قيد الفاسق» في الآية المتقدّمة طبقا للظهور العرفي لا فائدة منه تستحق الملاحظة سوى حجّية خبر العادل!

وأمّا في مورد التعليل الوارد في ذيل الآية فالظاهر أنّه لا يشمل كلّ عمل بالأدلة الظنّية ، بل هو ناظر إلى الموارد التي يكون العمل فيها بجهالة ، أي العمل بسفاهة وحمق ، لأنّ الآية عوّلت على الجهالة ، ونعرف أنّ أغلب الأدلة التي يعوّل عليها العقلاء جميعا في العالم في المسائل اليومية هي دلائل ظنّية «من قبيل

__________________

(١) يتصوّر بعضهم أنّ المسألة هنا من قبيل مفهوم الشرط ومفهوم الشرط حجّة ، في حين أنّه لا علاقة هنا بمفهوم الشرط ، إضافة الى ذلك فإنّ الجملة الشرطية هنا لبيان الموضوع ونعرف أنّه في مثل هذه الموارد لا مفهوم للجملة الشرطية أيضا فلاحظوا بدقّة.

٥٢٧

ظواهر الألفاظ وقول الشاهد ، وقول أهل الخبرة ، وقول ذي اليد وأمثالها».

ومعلوم أنّه لا يعدّ أيّ ممّا أشير إليه آنفا بأنّه جهالة ولو لم يطابق الواقع أحيانا ، فلا تتحقّق هنا مسألة الندم فيه لأنّه طريق عام

وعلى كلّ حال فإنّنا نعتقد بأنّ هذه الآية من الآيات المحكمات التي فيها دلالة على حجّية خبر الواحد حتى في الموضوعات ، وهناك بحوث كثيرة في هذا الصدد ـ ليس هنا مجال شرحها

إضافة إلى ذلك فإنّه لا يمكن إنكار أنّ مسألة الاعتماد على الأخبار الموثقة هي أساس التاريخ والحياة البشرية. بحيث لو حذفنا مسألة حجيّة خبر العادل أو الموثّق من المجتمعات الإنسانية لبطل كثير من التراث العلمي والمعارف المتعلّقة بالمجتمعات البشرية القديمة وحتى كثير من المسائل المعاصرة التي نعمل على ضوئها اليوم

ولا يرجع الإنسان إلى الوراء فحسب ، بل تتوقف عجلة الحياة ، لذلك فإنّ العقلاء جميعا يرون حجّيته والشارع المقدّس أمضاه أيضا «قولا وعملا».

وبمقدار ما يعطي خبر الواحد «الثقة» الحياة نظامها فإنّ الاعتماد على الأخبار غير الموثّقة خطير للغاية ، ومدعاة إلى اضطراب نظام المجتمع ، ويجر الوبال والمصائب المتعدّدة ، ويهدّد الحيثيات وحقوق الأشخاص بالخطر ويسوق الإنسان إلى الانحراف والضلال وكما عبّر القرآن الكريم تعبيرا طريفا في الآية محل البحث :( فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) .

وهنا لطيفة تسترعي الانتباه أيضا ، وهي أنّ صياغة الأخبار الكاذبة والتعويل على الأخبار غير الموثّقة من الأساليب القديمة التي تتّبعها النظم الاستعمارية والديكتاتورية لتخلق جوّا كاذبا ينخدع به الجهلة من الناس والمغفّلون فتنهب أموالهم وأرصدتهم بهذه الأساليب وما شاكلها

فلو عمل المسلمون بهذا الأمر الإلهي الوارد في هذه الآية على نحو الدقّة ولم

٥٢٨

يأخذوا بأخبار الفاسقين دون تبيّن لكانوا مصونين من هذه البلايا الخطيرة!

والجدير بالذكر أنّ المسألة المهمّة هنا هي الوثوق والاعتماد على الخبر ذاته ، غاية ما في الأمر قد يحصل هذا الوثوق من جهة الاعتماد على الشخص المخبر تارة ، وتارة من القرائن الأخر الخارجية ولذلك فإنّنا قد نطمئن إلى «الخبر» أحيانا وإن كان «المخبر» فاسقا

فعلى هذا الأساس ، فإنّ هذا الوثوق أو الاعتماد كيف ما حصل ، سواء عن طريق العدالة والتقوى وصدق القائل أم عن طريق القرائن الخارجية ، فهو معتبر عندنا ، وسيرة العقلاء التي أمضاها الشارع الإسلامي مبنية على هذا الأساس

ولذا فإنّنا نرى في الفقه الإسلامي كثيرا من الأخبار ضعيفة السند لكن لأنّها جرى عليها «عمل المشهور» ووقف على صحة الخبر من خلال قرائن خاصة ، فلذلك أصبحت هذه الأخبار (الضعيفة السند) صالحة للعمل وجرت فتاوى الفقهاء على وفقها.

وعلى العكس من ذلك قد تقع أخبار عندنا قائلها معتبر ولكنّ القرائن الخارجية لا تساعد على قبوله ، فلا سبيل لنا إلّا الاعراض عنه وإن كان المخبر عادلا و «معتبرا»

فبناء على هذا ـ إنّ المعيار هو الاعتماد على الخبر نفسه ـ في كلّ مكان ـ وإن كان الغالب كون الوسيلة هي عدالة الراوي وصدقه ـ لهذا الاعتماد ـ إلّا أنّ ذلك ليس قانونا كليّا. (فلاحظوا بدقّة).

والآية التالية ـ وللتأكيد على الموضوع المهم في الآية السابقة ـ تضيف قائلة :( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) (١) .

وتدلّ هذه الجملة ـ كما قاله جماعة من المفسّرين أيضا ـ أنّه بعد أن أخبر

__________________

(١) كلمة «لعنتّم» : مشتقّة من مادة العنت ومعناه الوقوع في عمل يخاف الإنسان عاقبته أو الأمر الذي يشقّ على الإنسان ، ومن هنا قيل للألم الحاصل من العظم المكسور عند تعرّضه للضربة بأنّه عنت

٥٢٩

«الوليد» بارتداد طائفة «بني المصطلق» ألحّ جماعة من المسلمين البسطاء السذّج ذوي النظرة السطحية على الرّسول أن يقاتل الطائفة آنفة الذكر

فالقرآن يقول : من حسن حظّكم أنّ فيكم رسول الله وهو مرتبط بعالم الوحي فمتى ما بدت فيكم بوادر الانحراف فسيقوم بإرشادكم عن هذا الطريق ، فلا تتوقّعوا أن يطيعكم ويتعلّم منكم ولا تصرّوا وتلحّوا عليه ، فإنّ ذلك فيه عنت لكم وليس من مصلحتكم

ويشير القرآن معقّبا في الآية إلى موهبة عظيمة أخرى من مواهب الله سبحانه فيقول :( وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ ) .

وفي الحقيقة أنّ هذه التعابير إشارة لطيفة إلى قانون اللطف أي «اللطف التكويني».

وتوضيح ذلك أنّه حين يريد الشخص الحكيم أن يحقّق أمرا فإنّه يوفّر له جميع ما يلائمه من كلّ جهة ويصدق هذا الأصل في شأن الناس تماما

فالله يريد أن يطوي الناس جميعا طريق الحق دون أن يقعوا تحت تأثير الإجبار بل برغبتهم وإرادتهم ، ولذا يرسل إليهم الرسل والكتب السماوية من جهة ، ويحبّب إليهم الإيمان من جهة أخرى ، ويضري شعلة العشق نحو طلب الحق والبحث عنه في داخل النفوس ويكرّه إليها الكفر والفسوق والعصيان

وهكذا فإنّ كلّ إنسان مفطور على حبّ الإيمان والطهّارة والتقوى ، والبراءة من الكفر والذنب.

إلّا أنّه من الممكن أن يتلوّث ماء المعنويات المنصبّ في وجود الناس في المراحل المتتالية وذلك نتيجة للاختلاط بالمحيطات الموبوءة فيفقد صفاءه ويكتسب رائحة الذنب والكفر والعصيان

هذه الموهبة الفطرية تدعو الناس إلى إتباع رسول الله وعدم التقدّم بين يديه.

٥٣٠

وينبغي التذكير بهذه اللطيفة أيضا ، وهي أنّ محتوى الآية لا ينافي المشاورة أبدا ، لأنّ الهدف من المشاورة أو الشورى أن يعرب كلّ عن عقيدته ووجهة نظره ، إلّا أنّ الرأي الأخير والنظر النهائي لشخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يستفاد ذلك من آية الشورى أيضا

وبتعبير آخر إنّ الشورى هي موضوع مستقل ، وفرض الرأي موضوع آخر ، فالآية محل البحث تنفي فرض الرأي لا المشاورة.

وفي أنّ المراد من «الفسوق» المذكور في الآية ما هو؟! قال بعض المفسّرين هو الكذب ، إلّا أنّه مع الالتفات إلى سعة مفهومه اللغوي فإنّه يشمل كلّ خروج على الطاعة ، فعلى هذا يكون التعبير بـ «العصيان» بعده تأكيدا عليه ، كما أنّ جملة( وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) تأكيد على الجملة السابقة لها :( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ ) .

وقال بعضهم إنّ كلمة «الفسوق» إشارة إلى الذنوب الكبيرة في حين أنّ «العصيان» أعم منه إلّا أنّه لا دليل على ذلك

وعلى كلّ حال ، فإنّ القرآن يقرّر قاعدة كلية وعامة في نهاية هذه الآية لواجدي الصفات المذكورة [فيها] فتقول :( أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) .

أي لو حفظتم هذه الموهبة الإلهية «العشق للإيمان والتنفّر من الكفر والفسوق» ولم تلوّثوا هذا النقاء والصفات الفطرية فإنّ الرشد والهداية دون أدنى شكّ في انتظاركم

وممّا يستجلب النظر أنّ الجمل السابقة في الآية كانت بصيغة الخطاب للمؤمنين لكنّ هذه الجملة :( أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) تتحدّث عنهم بصيغة «الغائب» ويبدو أنّ هذا التفاوت في التعبير جاء ليدلّ على أنّ هذا الحكم غير مختصّ بأصحاب النبي ، بل هو قانون عام ، فكلّ من حفظ صفاءه الفطري في أي عصر وزمان هو من أهل الرشد والهداية والنجاة.

أمّا آخر الآيات محل البحث فتوضّح هذه الحقيقة وهي أن محبوبية الإيمان

٥٣١

والتنفّر من الكفر والعصيان من المواهب الإلهية العظمى على البشر إذ تقول :( فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) .

فعلمه وحكمته يوجبان أن يخلق فيكم عوامل الرشد والسعادة ويكملها بدعوة الأنبياء إيّاكم ويجعل عاقبتكم الوصول إلى الهدف المنشود «وهو الجنّة».

والظاهر أنّ الفضل والنعمة كليهما إشارة إلى حقيقة واحدة ، هي المواهب الإلهية التي يمنحها عباده ، غاية ما في الأمر أنّ «الفضل» إنّما سمّي فضلا لأنّ الله غير محتاج إليه و «النعمة» إنّما سمّيت نعمة لأنّ العباد محتاجون إليها ، فهما بمثابة الوجهين لعملة واحدة!

ولا شكّ أنّ علم الله بحاجة العباد وحكمته في مجال التكامل وتربية المخلوقات توجبان أن يتفضّل بهذه النعم المعنوية الكبرى على عباده (وهي محبوبية الإيمان والتنفّر من الكفر والعصيان).

* * *

ملاحظات

١ ـ هداية الله وحريّة الإرادة

إنّ الآيات الآنفة تجسيد بيّن لوجهة نظر الإسلام في مسألة «الجبر والإختيار» والهداية والإضلال ، لأنّها توضح هذه اللطيفة ـ بجلاء ـ وهي أنّ الله يهيئ المجال «والأرضية» للهداية والرشد ، فمن جهة يبعث رسوله ويجعله بين الناس وينزل القرآن الذي هو نور ومنهج هداية ؛ ومن جهة يلقي في النفوس العشق للإيمان ومحبّته ؛ والتنفّر والبراءة من الكفر والعصيان ، لكن في النهاية يوكل للإنسان أن يختار ما يشاء ويصمّم بنفسه ، ويشرع سبحانه التكاليف في هذا المجال!

__________________

(١) (فضلا ونعمة) نصبا على أنّهما [مفعولان لأجله] للفعل حبّب إليكم أو أنّهما مفعولان مطلقان لفعلين محذوفين وتقديرهما : هكذا أفضل فضلا وأنعم نعمة

٥٣٢

وطبقا للآيات المتقدّمة فإنّ عشق الإيمان والتنفّر من الكفر موجودان في قلوب جميع الناس دون استثناء وإذا لم يكن لدى بعضهم ذلك فإنّما هو من جهة اخطائهم وسلوكيّاتهم وأعمالهم ، فإنّ الله لم يلق في قلب أيّ شخص حبّ العصيان وبغض الإيمان

٢ ـ القيادة والطاعة

هذه الآيات تؤكد مرّة أخرى أنّ وجود القائد «الإلهي» ضروري لرشد جماعة ما ، بشرط أن يكون مطاعا لا مطيعا وأن يتّبع أصحابه وجماعته أوامره لا أن يؤثّروا عليه ويفرضوا عليه آراءهم (ابتغاء مقاصدهم ومصالحهم).

وهذه المسألة لا تختصّ بالقادة الإلهيين فحسب ، بل ينبغي أن تكون حاكمة في المديرية والقيادة في كلّ مكان. وحاكمية هذا الأصل لا تعني استبداد القادة ، ولا ترك الشورى كما أشرنا آنفا وأوضحنا ذلك.

٣ ـ الإيمان نوع من العشق لا إدراك العقل فحسب

هذه الآيات تشير ضمنا إلى هذه الحقيقة وهي أنّ الإيمان نوع من العلاقة الإلهية الشديدة «والمعنوية» وإن كانت من الاستدلالات العقلية ولذلك فإنّنا نقرأ حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام حين سألوه : هل الحب والبغض من الإيمان ، فأجابعليه‌السلام : «وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض»؟! ثمّ تلا هذه الآية :( ... وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) (١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قوله في هذا المجال «وهل الدين

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، باب الحب في الله والبغض في الله ، الحديث ٥.

٥٣٣

إلّا الحبّ»؟! ثمّ استدلّعليه‌السلام ببعض الآيات منها هذه الآية محل البحث وقال بعدئذ : «الدين هو الحبّ والحبّ هو الدين»(١) .

إلّا أنّه ودون أدنى شكّ يجب أن ترفد هذه المحبّة ـ كما نوّهنا آنفا ـ بالوجوه الاستدلالية والمنطقيّة لتكون مثمرة عندئذ

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٨٣ ، وص ٨٤.

٥٣٤

الآيتان

( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) )

سبب النّزول

ورد في شأن نزول الآيتين ـ هاتين ـ أنّ خلافا وقع بين قبيلتي «الأوس» و «الخزرج» «وهما قبيلتان معروفتان في المدينة» أدّى هذا الخلاف إلى الاقتتال بينهما وأن يتنازعا بالعصي والهراوات والأحذية فنزلت الآيتان آنفتا الذكر وعلّمت المسلمين سبيل المواجهة مع أمثال هذه الحوادث(١) .

وقال بعضهم : حدث بين نفرين من الأنصار خصومة واختلاف! فقال أحدهما للآخر : سآخذ حقّي منك بالقوة لأنّ قبيلتي كثيرة ، وقال الآخر : لنمض ونحتكم عند

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٣٢.

٥٣٥

رسول الله ، فلم يقبل الأوّل ، فاشتدّ الخلاف وتنازع جماعة من قبيلتيهما بالعصي والأحذية و «حتى» بالسيوف ، فنزلت الآيتان آنفتا الذكر وبيّنت وظيفة المسلمين في مثل هذه الأمور(١) .

التّفسير

المؤمنون أخوة :

يقول القرآن هنا قولا هو بمثابة القانون الكلّي العام لكلّ زمان ومكان :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (٢) .

وصحيح أنّ كلمة «اقتتلوا» مشتقّة من مادة القتال ومعناها الحرب ، إلّا أنّها كما تشهد بذلك القرآن تشمل كلّ أنواع النزاع وإن لم يصل إلى مرحلة القتال والمواجهة «العسكرية» ويؤيّد هذا المعنى أيضا بعض ما نقل في شأن نزول الآية

بل يمكن القول : إنّه لو توفّرت مقدّمات النزاع كالمشاجرات اللفظية مثلا التي تجرّ إلى المنازعات الدامية فإنّه ينبغي وطبقا لمنطوق الآية أن يسعى إلى الإصلاح بين المتنازعين ، لأنّه يمكن أن يستفاد هذا المعنى من الآية المتقدّمة عن طريق إلغاء الخصوصية.

وعلى كلّ حال ، فإنّ من واجب جميع المسلمين أن يصلحوا بين المتنازعين منهم لئلّا تسيل الدماء وأن يعرفوا مسئوليتهم في هذا المجال ، فلا يكونوا متفرّجين كبعض الجهلة الذين يمرّون بهذه الأمور دون اكتراث وتأثّر! فهذه هي وظيفة المؤمنين الأولى عند مواجهة أمثال هذه الأمور.

ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثانية على النحو التالي :( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ) ولم تستسلم لاقتراح الصلح( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) .

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦١٣٦.

(٢) مع أنّ كلمة (طائفتان) مثنى طائفة ، إلّا أنّ فعلها جاء بصيغة الجمع اقتتلوا لأنّ كلّ طائفة مؤلفة من مجموعة من الأفراد.

٥٣٦

وبديهي أنّه لو سالت دماء الطائفة الباغية والظالمة ـ في هذه الأثناء ـ فإثمها عليها ، أو كما يصطلح عليه إنّ دماءهم هدر ، وإن كانوا مسلمين ، لأنّ الفرض أنّ النزاع واقع بين طائفتين من المؤمنين

وهكذا ـ فإنّ الإسلام يمنع من الظلم وإن أدّى إلى مقاتلة الظالم ، لأنّ ثمن العدالة أغلى من دم المسلمين أيضا ، ولكن لا يكون ذلك إلّا إذا فشلت الحلول السلمية.

ثمّ يبيّن القرآن الوظيفة الثالثة فيقول :( فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ ) .

أي لا ينبغي أن يقنع المسلمون بالقضاء على قوة الطائفية الباغية الظالمة بل ينبغي أن يعقب ذلك الصلح وأن يكون مقدّمة لقلع جذور عوامل النزاع ، وإلّا فإنّه بمرور الزمن ما أن يحسّ الظالم في نفسه القدرة حتى ينهض ثانية ويثير النزاع.

قال بعض المفسّرين : يستفاد من التعبير «بالعدل» أنّه لو كان حقّ مضاع بين الطائفتين أو دم مراق وما إلى ذلك ممّا يكون منشأ للنزاع فيجب إصلاحه أيضا ، وإلّا فلا يصدق عليه «إصلاح بالعدل»(١) .

وحيث أنّه تميل النوازع النفسية أحيانا في بعض الجماعات عند الحكم والقضاء الى إحدى الطائفتين المتخاصمتين وتنقض «الاستقامة» عند القضاة فإنّ القرآن ينذر المسلمين في رابع تعليماته وما ينبغي عليهم فيقول :( وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (٢) .

والآية التالية تضيف ـ لبيان العلّة والتأكيد على هذا الأمر قائلة :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) .

__________________

(١) تفسير الميزان ج ١٨ ، ص ٣٤٢.

(٢) كلمة «المقسطين» مأخوذة من القسط ومعناها في الأصل التقسيم بالعدل ، وحين ترد على صيغة الفعل الثلاثي قسط على زنة ضرب تعني الظلم والتجاوز على حصّة الآخرين ظلما ، إلّا أنّه حين تأتي ثلاثي مزيد فيقال «أقسط» فإنّها تعني إعطاء الحصة عدلا ، وهل القسط والعدل بمعنى واحد أم لا؟ هناك بحث ذكرناه في ذيل الآية (٢٩) من سورة الأعراف لا بأس بمراجعتها

٥٣٧

فكما تسعون للإصلاح بين الأخوين في النسب ، فينبغي أن لا تألوا جهدا في الدخول بصورة جادّة للإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين بعدالة تامّة!

وما أحسنه من تعبير وكم هو بليغ إذ يعبّر القرآن عن جميع المؤمنين بأنّهم «أخوة» وأن يسمّي النزاع بينهم نزاعا بين الأخوة! وأنّه ينبغي أن يبادر إلى إحلال الإصلاح والصفاء مكانه

وحيث أنّه في كثير من الأوقات تحل «الروابط» في أمثال هذه المسائل محل «الضوابط» فإنّ القرآن يضيف في نهاية هذه الآية مرّة أخرى قائلا :( وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .

وهكذا تتّضح إحدى أهم المسؤوليات الاجتماعية على المسلمين في ما بينهم في تحكيم العدالة الاجتماعية بجميع أبعادها.

* * *

بحثان

الأوّل : شروط قتال أهل البغي «البغاة»

هناك باب في الفقه الإسلامي بعنوان : «قتال أهل البغي» ضمن كتاب الجهاد ، والمراد منه قتال الظلمة الذين ينهضون بوجه «الإمام العادل في المسلمين» وقد وردت فيهم أحكام كثيرة في هذا الباب

إلّا أنّ ما أثارته الآية الآنفة موضوع آخر ، وهو النزاع الواقع بين الطائفتين المؤمنين ، وليس في هذا النزاع نهوض بوجه إمام المسلمين العادل ولا نهوض بوجه الحكومة الإسلامية الصالحة. وقد أراد بعض الفقهاء أو المفسّرين أن يستفيدوا من هذه الآية «في المسألة السابقة» إلّا أنّ هذا الاستدلال كما يقول الفاضل «المقداد» في «كنز العرفان» خطأ بيّن(١) . لأنّ القيام والنهوض بوجه الإمام

__________________

(١) كنز العرفان في فقه القرآن ، كتاب الجهاد ، باب أنواع أخر من الجهاد ـ الجزء الأول ، ص ٣٨٦.

٥٣٨

العادل موجب للكفر ، في حين أنّ النزاع بيّن المؤمنين موجب للفسق فحسب لا الكفر ، ولذلك فإنّ القرآن المجيد عبّر عن الطائفتين بالمؤمنين وسمّاهم أخوة ، فلا يصحّ تعميم أحكام أهل البغي على أمثال هؤلاء!

ومن المؤسف أنّنا لم نعثر على بحث في الفقه في شأن أحكام هذه الطائفة ، إلّا أنّ ما يستفاد من الآية المتقدمة بضميمة القرائن الأخر وخاصة ما ورد من إشارات في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الأحكام التالية!

١ ـ إنّ الإصلاح بين الطوائف المتنازعة «من المسلمين» أمر واجب كفائي.

٢ ـ ينبغي لتحقّق هذا الأمر أن يشرع أوّلا من المراحل البسيطة وأن تراعى قاعدة «الأسهل فالأسهل» إلّا أنّه إذا لم ينفع ذلك فيجوز عندئذ المواجهة المسلّحة بل تلزم أحيانا

٣ ـ ما يسفك من دم البغاة في هذا السبيل وما تذهب منهم من أموال كلّها هدر ، لأنّ حكم الشرع قد امتثل وأديّت الوظيفة الواجبة ، والأصل في مثل هذه الموارد عدم الضمان!

٤ ـ لا حاجة لإذن حاكم الشرع في مراحل الإصلاح عن طريق الكلام والمباحثات ، إلّا أنّه لا بدّ من الإذن عند اشتداد العمل ولا سيما إذا انتهى الأمر إلى سفك الدماء ، فلا يجوز عندئذ الإقدام بأيّ عمل إلّا بأمر الحكومة الإسلامية وحاكم الشرع! إلّا في الموارد التي لا يمكن الوصول إلى حاكم الشرع بأي وجه ، فللعدول عندئذ وأهل الخبرة من المؤمنين أن يتّخذوا القرار الذي يرونه

٥ ـ في حالة ما لو سفكت الطائفة الباغية والظالمة دما من «الجماعة المصلحة» أو نهبت أموالا منها ، فهي ضامنة بحكم الشرع ويجري القصاص منها في صورة وقوع قتل العمد ، وكذلك في مورد تسفك فيه دماء من الطائفة المظلومة أو تتلف منها أموالها فإنّ حكم القصاص والضمان ثابت أيضا وما يقال من أنه بعد وقوع الصلح لا تتحمل الطائفة الباغية مسئولية الدماء المسفوكة والأموال المهدورة لأنّه

٥٣٩

لم تشر إليه الآية ـ محل البحث ـ غير صحيح ، والآية ليست في مقام بيان جميع هذا المطلب ، بل المرجع في مثل هذه الموارد هو سائر الأصول والقواعد الواردة في أبواب القصاص والإتلاف

٦ ـ حيث أنّ الهدف من هذه المقاتلة والحرب حمل الطائفة الباغية على قبول الحق ، فعلى هذا لا تثار في الحرب مسألة «أسرى الحرب والغنائم» لأنّ الطائفتين بحسب الفرض مسلمتان ، إلّا أنّه لا مانع من الأسر مؤقتا لإطفاء نائرة النزاع ولكن بعد حل النزاع والصلح يجب إطلاق الأسرى فورا

٧ ـ قد يتفق أحيانا أن يكون طرفا النزاع باغيين ، فهذا الطرف قتل جماعة من القبيلة الأخرى وسلب ماله ، وذلك الطرف قتل جماعة من هذه القبيلة والطائفة وسلب أموالها دون أن يقنع كلّ منهما بالمقدار اللازم من الدفاع سواء كان الطرفان «الطائفتان» بمستوى واحد من الظلم والبغي أو بعضهما أكثر اعتداء والآخر أقل! وبالطبع فإنّ الحكم في شأن هذا المورد لم يرد صراحة في القرآن ، لكن يمكن أن يستفاد هذا الحكم عن طريق إلغاء الخصوصية من الآية محل البحث ، وهو أنّ وظيفة المسلمين أن يصلحوا بين الطرفين ، وإذا لم يوافقا على الصلح فلا بدّ من قتالهم جميعا حتى يفيء كل إلى أمر الله ، ما ذكرناه آنفا من أحكام في شأن الباغي والظالم جار في الطرفين

وفي ختام هذا الكلام نؤكّد مرّة أخرى أنّ حكم هؤلاء البغاة منفصل عن حكم الذين يقفون بوجه الإمام المعصوم أو الحكومة الإسلامية العادلة ، فإنّ لهذه الطائفة الأخيرة أحكاما أشدّ وأصعب واردة في كتاب الجهاد من الفقه الإسلامي.

الثّاني : أهميّة الأخوة الإسلامية

إنّ جملة :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الواردة في الآيات المتقدّمة واحدة من الشعارات الأساسية و «المتجذّرة» في الإسلام ، فهي شعار عميق ، بليغ ، مؤثر وذو

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592