الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151300 / تحميل: 5585
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

من شكّ أنّ المرأة التي يأتي ذكرها في الآيات التالية هي سارة زوج إبراهيم وولدها هذا هو إسحاق!

( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ) ونقرأ في الآية (٧٢) من سورة هود قوله تعالى :( قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً )

فبناء على هذا فصراخها كان صراخ تعجّب مقرون بالسرور ، وكلمة «صرّة» مشتقّة من الصرّ على وزن الشرّ ، ومعناه في الأصل الشدّ والارتباط ، كما يطلق على الصوت العالي والصراخ والجماعة المتراكمة لأنّها ذات شدّة وارتباط.

ويطلق على الريح الباردة «صرصر» لأنّها تصرّ الإنسان و «الصرورة» كلمة تطلق على من لم يحجّ رجلا كان أو امرأة! كما تطلق على من لم يرغب في الزواج [منهما] لأنّ في ذلك نوعا من الامتناع أو الارتباط ، والصرّة في الآية محلّ البحث معناها هو الصوت العالي الشديد.

أمّا «صكّت» فمشتقّة من مادّة صكّ على وزن شكّ ـ ومعناها الضرب الشديد أو الضرب ، والمراد منها هنا هو أنّ امرأة إبراهيم حين سمعت بالبشرى ضربت بيدها على وجهها ـ كعادة سائر النساء ـ تعجّبا وحياء!

وطبقا لما يقول بعض المفسّرين وما ورد في سفر التكوين فإنّ امرأة إبراهيم كانت آنئذ في سنّ التسعين وإبراهيم نفسه كان في سنّ المائة عاما أو أكثر.

إلّا أنّ الآية التالية تنقل جواب الملائكة لها فتقول :( قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) .

فبالرغم من كونك امرأة عجوزا وبعلك مثلك شيخا إلّا أنّ أمر الله إذا صدر في شيء ما فلا بدّ أن يتحقّق دون أدنى شكّ!.

حتّى خلق العالم الكبير كعالمنا هذا إنّما هو عليه سهل إذ تمّ بقوله : كن فكان! والتعبير بـ «الحكيم» و «العليم» إشارة إلى أنّه لا يحتاج إلى الإخبار بكونك

١٠١

امرأة عقيما عجوزا وبعلك شيخا ، فالله يعرف كلّ هذه الأمور ، وإذا لم يرزقك حتّى الآن ولدا وأراد أن يهبك في هذه السنّ ولدا فإنّما هو لحكمته!

الطريف أنّنا نقرأ في الآية (٧٣) من سورة هود أنّ الملائكة قالوا لها :( أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) .

ووجود الفرق بين هذين التعبيرين هو لأنّ الملائكة قالوا كلّ ذلك لسارة منتهى الأمر أنّ قسما منه أشارت إليه سورة هود ، وهنا إشارة إلى القسم الآخر ، ففي سورة هود جاء الكلام عن «رحمة الله وبركاته» وهما يتناسبان مع كونه حميدا مجيدا.

أمّا هنا فالكلام على علمه بعدم استعداد هذين الزوجين للإنجاب والولد ويأس المرأة بحسب الأسباب الطبيعية «الظاهرية» ويتناسب مع هذا الكلام أن يقال أنّه هو العلم ، وإذ سئل لم لم يرزقهما في فترة الشباب ولدا. فيقال : أنّ في ذلك حكمة وهو الحكيم سبحانه.

* * *

ملاحظة

كرم الأنبياء :

كثيرا ما يظنّ الممسكون البخلاء أنّ السخاء والنظرة البعيدة ضرب من الإفراط والإسراف والتبذير ، والتشدّد وضيق النظرة نوع من الزهد والتدبير!! والقرآن يكشف عن هذه الحقيقة في هذه الآيات والآيات التي مرّت في سورة هود ، وهي أنّ الضيافة بسعتها وبشكلها المعقول ليست مخالفة للشرع ، بل طالما قام النّبي بمثل هذا العمل ، فهو دليل على أنّ هذا الأمر محبوب ، وبالطبع فإنّ ضيافة كهذه الضيافة التي تستوعب الآخرين إنّما هي سنّة الكرماء الشرفاء.

والله سبحانه لم يحرّم التمتّع بمواهب الحياة وكون الإنسان ذا مال حلال كما

١٠٢

كان إبراهيم ـ فلا ضير أن يتصرّف بماله كما فعل إبراهيمعليه‌السلام أيضا.

فإبراهيم مع كونه ثريّا ذا مال لم يغفل عن ذكر الله لحظة واحدة ولم يكن قلبه أسير ثروته ولم يجعل منافعه منحصرة به وحده.

يقول القرآن في الآية ٣٢ من سورة الأعراف :( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

وفي هذا الصدد كان لنا بحث مفصّل ذيل الآية ٣٢ من سورة الأعراف «فلا بأس بمراجعته هناك».

* * *

١٠٣

بداية الجزء السابع والعشرون

١٠٤
١٠٥

ب دای ة الجزء السابع والعشرون

من

القرآن الكريم

١٠٦

الآيات

( قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) )

التّفسير

مدن قوم لوط المدمرة آية وعبرة :

تعقيبا على ما سبق من الحديث عن الملائكة الذين حلّوا ضيفا على إبراهيم وبشارتهم إيّاه في شأن الولد «إسحاق» تتحدّث هذه الآيات عمّا دار بينهم وبين إبراهيم في شأن قوم لوط.

توضيح ذلك أنّ إبراهيم بعد ما ابعد إلى الشام واصل دعوة الناس إلى الله ومواجهته لكلّ أنواع الشرك وعبادة الأصنام وقد عاصر إبراهيم الخليل «لوط» أحد الأنبياء العظام ويحتمل أنّه كان مأمورا من قبله بتبليغ الناس وهداية الضالّين ، فسافر إلى بعض مناطق الشام «أي مدن سدوم» فحلّ في قوم مجرمين ملوّثين

١٠٧

بالشرك والمعاصي الكثيرة ، وكان أقبحها تورّطهم في الانحراف الجنسي واللواط ، وأخيرا فقد أمر رهط من الملائكة بعذابهم وهلاكهم إلّا أنّهم مرّوا بإبراهيم قبل إهلاكهم.

وقد عرف إبراهيم من حال الضيف (الملائكة) أنّهم ماضون لأمر مهمّ ، ولم يكن هدفهم الوحيد البشرى بتولّد إسحاق ، لأنّ واحدا منهم كان كافيا لمهمّة «البشارة». أو لأنّهم كانوا عجلين فأحسّ بأنّ لديهم «مأمورية» مهمّة.

لذلك فإنّ أوّل آية من الآيات محلّ البحث تحكي بداية المحاورة فتقول :( قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ) (١) .

فأماط الملائكة اللثام عن «وجه الحقيقة» ومأموريتهم فـ( قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ) .

إنّهم قوم متلوّثين ـ إضافة إلى عقيدتهم الفاسدة ـ بأنواع الآثام والذنوب المختلفة المخزية القبيحة(٢) .

ثمّ أضافوا قائلين :( لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ ) والتعبير بـ «حجارة من طين» هو ما أشارت إليه الآية ٨٢ من سورة هود بالقول من «سجّيل» وسجّيل كلمة فارسية الأصل مأخوذ من (سنگ+ گل) ثمّ صارت في العرب سجّيل ، فهي ليست صلبة كالحجر ولا رخوا كالورد ، ولعلّها في المجموع إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ هلاك قوم لوط المجرمين لم يكن يستلزم إنزال أحجار عظيمة وصخور وجلاميد من السماء ، بل كان يكفي أن يمطروا بأحجار صغيرة ليست صلبة جدّا كأنّها حبّات «المطر».

__________________

(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ «خطب» لا يطلق على كلّ عمل ، بل هو خاصّ في الأمور والأعمال المهمّة في حين أنّ كلمات مثل عمل ، شغل ، أمر ، فعل ، لها معان عامّة.

(٢) ينبغي الالتفات إلى أنّه في سورة هود جاء التعبير هكذا : إنّا أرسلنا إلى قوم لوط ، وهذا التفاوت في التعابير بين الآيات محلّ البحث وآيات سورة هود هو لأنّ كلا من الآيات يذكر قسما ممّا جرى وبتعبير آخر هذه المسائل كلّها واقعة ، غاية ما في الأمر أنّ بعضها مذكور في الآيات محلّ البحث وبعضها في الآيات الآنفة من سورة هود.

١٠٨

ثمّ أضاف الملائكة قائلين :( مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ) كلمة مسوّمة تطلق على ما فيه علامة ووسم ، وهناك أقوال بين المفسّرين في كيفية أنّها «مسوّمة»؟!

قال بعضهم إنّها كانت في شكل خاصّ يدلّ على أنّها ليست أحجارا كسائر الأحجار الطبيعية ، بل كانت وسيلة للعذاب.

وقال جماعة كان لكلّ واحدة منها علامة وكانت لشخص معيّن وعلامتها في نقطة خاصّة ليعلم الناس أنّ عقاب الله في منتهى الدقّة بحيث يعلم من هذه الأحجار المسوّمة أنّ أيّ مجرم ينال واحدة منها فيهلك بها.

كلمة «المسرفين» إشارة إلى كثرة ذنوبهم بحيث تجاوزت الحدّ وخرقوا أستار الحياء والخجل ، ولو قدّر لبعض الدارسين أن يتفحّص حالات قوم لوط وأنواع ذنوبهم للاحظ أنّ هذا التعبير في حقّهم ذو مغزى كبير(١) .

وكلّ إنسان من الممكن أن يقع في الذنب أحيانا ، فلو تيقّظ بسرعة وأصلح نفسه يرتفع الخطر ، وإنّما يكون خطيرا حين يبلغ حدّ الإسراف!.

ويكشف هذا التعبير عن مطلب مهمّ آخر ، وهو أنّ هذه الحجارة السماوية التي أعدت لتنزل على قوم لوط لا تختّص بهؤلاء القوم ، بل معدّة لجميع المسرفين والعصاة المجرمين.

والقرآن هنا يكشف عمّا جرى لرسل الله إلى نبيّه لوط على أنّهم حلّوا ضيفا عنده ، وقد تبعهم قوم لوط بلا حياء ولا خجل ظنّا منهم أنّهم غلمان نضرون ليقضوا منهم وطرهم!! إلّا أنّهم سرعان ما أحسّوا بخطئهم فإذا هم عمي العيون ، فيذكر قول الله فيهم(٢) ( فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ

__________________

(١) يراجع ذيل الآية (٨١) من سورة هود.

(٢) الجدير بالنظر أن في سورة هود بيانا لهذه القصة لكن التعابير فيها تدل بوضوح أن لقاء الملائكة لإبراهيم كان قبل

١٠٩

الْمُسْلِمِينَ ) .

أجل فنحن لا نحرق الأخضر واليابس معا ، وعدالتنا لا تسمح أن يبتلى المؤمن بعاقبة الكافر حتّى ولو كان بين آلاف الآلاف من الكافرين رجل مؤمن طاهر لأنجيناه!

وهذا هو ما أشارت إليه الآيتان ٥٩ و٦٠ من سورة الحجر بالقول :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ ) .

ونقرأ في سورة هود الآية ٨١ مثله :( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ) .

أمّا في سورة العنكبوت فقد وردت الإشارة في الآية (٣٢) كما يلي :( قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) .

كما أنّ هذا الموضوع ذاته مشار إليه في الآية (٨٣) من سورة الأعراف :( فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) .

وكما تلاحظون ، أنّ هذا القسم من قصّة قوم لوط ورد في هذه السور الخمس في عبارات مختلفة وجميعها يتحدّث عن حقيقة واحدة إلّا أنّه حيث يمكن أن ينظر إلى حادثة ما من زوايا متعدّدة وكلّ زاوية لها بعدها الخاصّ فإنّ القرآن ينقل الحوادث التاريخية ـ على هذه الشاكلة ـ غالبا ، والتعابير المختلفة في الآيات المتقدّمة شاهدة على هذا المعنى.

أضف إلى ذلك أنّ القرآن كتاب تربوي وإنساني ـ وفي مقام التربية يلزم أحيانا أن يعول على مسألة مهمّة مرارا لتترك أثرها العميق في ذهن القارئ غاية ما في الأمر ينبغي أن يكون هذا التكرار بتعابير طريفة ومثيرة ومختلفة لئلّا

__________________

معاقبة قوم لوط وهلاكهم مع أنّ الآيات محلّ البحث فيها تعابير تشير إلى أنّ اللقاء تمّ بعد المعاقبة والجزاء ، وطريق الحلّ هو أن نقول أنّ الآيات الوارد ذكرها آنفا إلى قوله : «مسوّمة عند ربّك للمسرفين» هي كلام الملائكة ، وأمّا الآيات الثلاث بعدها فقول الله يخاطب نبيّه والمسلمين يتحدّث عنها على أنّها قصّة وقعت فيما مضى «فلاحظوا بدقّة»!

١١٠

يقع السأم ويملّ الإنسان ، وأن يكون الأسلوب فصيحا بليغا!.

«ولمزيد التوضيح في شأن ضيف إبراهيم وما دار بينهم وبينه ثمّ عاقبة قوم لوط المرّة يراجع ذيل الآيات ٨٣ من سورة الأعراف و٨١ من سورة هود و٥٩ و٦٠ من سورة الحجر و٣٢ من سورة العنكبوت».

وعلى كلّ حال فإنّ الله سبحانه زلزل مدن قوم لوط وقلب عاليها سافلها ثمّ أمطرها بحجارة من سجّيل منضود ولم يبق منها أثرا حتّى أنّ أجسادهم دفنت تحت الأنقاض والحجارة! لتكون عبرة لمن يأتي بعدهم من المجرمين والظالمين غير المؤمنين.

ولذلك فإنّ القرآن يضيف قائلا في آخر آية من الآيات محلّ البحث :( وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ ) .

وهذا التعبير يدلّ بوضوح أنّ من يعتبر ويتّعظ بهذه الآيات هم الذين لديهم استعداد للقبول في داخل كيانهم ويحسّون بالمسؤولية.

* * *

بحث

أين تقع مدن قوم لوط؟

من المسلّم به أنّ إبراهيم الخليل جاء إلى الشام بعد أن هاجر من العراق و «بابل» ويقال أنّ لوطا كان يقطن معه إلّا أنّه بعد فترة توجّه نحو «سدوم» ليدعو إلى التوحيد ويكافح الفساد.

و «سدوم» واحدة من مدن قوم لوط وأحيائهم التي كانت من بلاد الأردن على مقربة من البحر الميّت وكانت أرضها خصبة كثيرة الأشجار ، إلّا أنّ هذه الأرض بعد نزول العذاب الإلهي على هؤلاء الظالمين من قوم لوط قلب عاليها سافلها وتهدّمت مدنها وسمّين بالمؤتفكات «أي المقلوبات».

١١١

وذهب بعضهم أنّ آثار هذه المدن الخربة غرقت في الماء ويزعمون أنّهم رأوا في زاوية من البحر الميّت أعمدتها وآثارها وخرائبها الاخرى.

وما نقرؤه في بعض التفاسير الإسلامية هو أنّ المراد من جملة «وتركنا فيها آية» هو المياه العفنة والمستنقعات التي غطّت أماكن هذه المدن ، ولعلّه إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّه بعد الزلازل الشديدة وانشقاق الأرض انفتح طريق من البحر الميّت نحو هذه الأرض فغرقت جميع آثارها تحت الماء.

في حين أنّ بعضهم يعتقد أنّ مدن لوط لم تغرق بعد وما تزال على مقربة من البحر الميّت منطقة مغطّاة بالصخور السود ويحتمل أن تكون هي محلّ مدن قوم لوط!

وقيل أنّ مركز إبراهيم كان في مدينة «حبرون» على فاصلة غير بعيدة من «سدوم» وحين نزل العذاب والصاعقة من السماء أو الزلزلة في الأرض واحترقت «سدوم» كان إبراهيم واقفا قريبا من حبرون وشاهد دخان تلك المنطقة المتصاعد في الفضاء بامّ عينيه(١) !.

ومن مجموع هذه الكلمات تتّضح الحدود التقريبية لهذه المدن وإن كانت جزئياتها ما تزال وراء ستار الإبهام باقية.

* * *

__________________

(١) مقتبس من كتاب القاموس المقدّس.

١١٢

الآيات

( وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) )

التّفسير

دروس العبرة من الأقوام السالفة :

يتحدّث القرآن في هذه الآيات محلّ البحث ـ تعقيبا على قصّة قوم لوط وعاقبتهم الوخيمة ـ عن قصص أقوام آخرين ممّن مضوا في العصور السابقة.

فيقول أوّلا :( وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) .

١١٣

«السلطان» ما يكون به التسلّط ، والمراد به هنا المعجزة أو الدليل والمنطق العقلي القويّ أو كلاهما ، وقد واجه موسى فرعون بهما.

والتعبير بـ( بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) جاء في آيات القرآن المتعدّدة والمختلفة كثيرا وغالبا ما يراد منه الدليل المنطقي البيّن والواضح إلّا أنّ فرعون لم يسلّم لمعجزات موسى الكبرى التي كانت شاهدا على ارتباطه بالله ولم يطأطئ رأسه للدلائل المنطقية بل بقي مصرّا لما كان فيه من غرور وتكبّر( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

«الركن» في الأصل القاعدة الأساسية أو الاسطوانة(١) والقسم المهمّ من كلّ شيء ، وهو هنا لعلّه إشارة إلى أركان البدن ، أي أنّ فرعون أدار ظهره لموسى تماما!

وقال بعضهم المراد بالركن هنا جيشه ، أي أنّه اعتمد على أركان جيشه وتولّى عن رسالة الحقّ. أو أنّه صرف نفسه عن أمر الله وصرف أركان حكومته ـ وجيشه جميعا عن ذلك أيضا(٢) .

والطريف أنّ الجبابرة المتكبّرين حين كانوا يتّهمون الأنبياء بالكذب والافتراء كانوا يتناقضون تناقضا عجيبا. فتارة يتّهمونهم بأنّهم سحرة ، واخرى بأنّهم مجانين ، مع أنّ الساحر ينبغي أن يكون ذكيّا وأن يعوّل على مسائل دقيقة ويعرف نفوس الناس حتّى يسحرهم ويخدعهم بها والمجنون بخلافه تماما.

إلّا إنّ القرآن يخبر عن فرعون الجبّار وأعوانه بقوله :( فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ) .

«اليمّ» : كما هو مذكور في كتب اللغة وكتب الأحاديث يطلق على البحر ، كما

__________________

(١) الأسطوانة معربة عن كلمة ستون الفارسية.

(٢) فتكون الباء في بركنه حسب التّفسير الأوّل للمصاحبة ، وحسب التّفسير الثاني للسببية ، وحسب التّفسير الثالث للتعدية

١١٤

يطلق على الأنهار العظيمة كالنيل مثلا(١)

جملة «فنبذناهم» إشارة إلى أنّ فرعون وجنوده كانوا في درجة من الضعف أمام قدرة الله بحيث ألقاهم في اليمّ كأنّهم موجود لا قيمة ولا مقدار له.

والتعبير بـ( وَهُوَ مُلِيمٌ ) إشارة إلى أنّ العقاب الإلهي لم يمحه فحسب بل التاريخ من بعده يلومه على أعماله المخزية ويذكرها بكلّ ما يشينه ويلعنه ويفضح غروره وتكبّره بإماطة النقاب عنهما.

ثمّ يتناول القرآن عاقبة قوم آخرين بالذكر وهم «قوم عاد» فيقول :( وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ) .

وكون الريح عقيما هو عند ما تأتي الريح غير حاملة معها السحب الممطرة ، ولا تلقح النباتات ولا تكون فيها أيّة فائدة ولا بركة وليس معها إلّا الدمار والهلاك!

ثمّ يذكر القرآن سرعة الريح المسلّطة على عاد فيقول :( ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) .

«الرميم» مأخوذ من الرمّة على زنة (المنّة) ـ وهي العظام النخرة البالية.

والرمّة ـ على وزن القبّة ـ هي الحبل المتآكل أو الخيط البالي والرّم(٢) على وزن الجنّ ـ ما يسقط من الخشب أو التبن على الأرض و «الترميم» معناه إصلاح الأشياء المتآكلة(٣) !

وهذا التعبير يدلّ على أنّ سرعة الريح المسلّطة على قوم عاد لم تكن سرعة طبيعيّة ، بل إضافة إلى تخريبها البيوت وهدمها المنازل ، فهي محرقة وذات سموم

__________________

(١) المراد بالمليم ذو الملامة ـ فهو اسم فاعل من اللوم وبابه الأفعال [الام يليم] أي هو الشخص الذي يرتكب عملا يكون بنفسه ملامة مثل المغرب الذي يأتي بالعجيب الغريب ولمزيد التوضيح في قصّة موسى وفرعون يراجع ذيل الآية ١٣٦ من سورة الأعراف.

(٢) راجع : المفردات للراغب مادّة رمّ.

(٣) راجع : لسان العرب والمفردات مادّة رمّ.

١١٥

ممّا جعلت كلّ شيء رميما.

أجل ، هذه قدرة الله التي تدمّر القوم الجبّارين بسرعة الريح المذهلة فلا تبقي منهم ومن ضجيجهم وصخبهم وغرورهم إلّا أجسادا تحوّلت رميما.

وهكذا أشارت الآية آنفة الذكر إشارة عابرة عن عاقبة قوم «عاد» الأثرياء الأقوياء الذين كانوا يقطنون الأحقاف وهي منطقة «ما بين عمان وحضرموت» ثمّ تصل النوبة إلى ثمود قوم صالح إذ أمهلهم الله قليلا ليتلقوا العذاب بعد ذلك فيقول الله فيهم :( وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ) .

والمراد بـ( حَتَّى حِينٍ ) هو الأيّام الثلاثة المشار إليها في الآية (٦٥) من سورة هود إمهالا لهم :( فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) .

ومع أنّ الله قد أنذرهم بواسطة نبيّهم «صالح»عليه‌السلام مرارا إلّا أنّه إتماما للحجّة أمهلهم ثلاثة أيّام فلعلّهم يتداركون ما فرطوا في ماضيهم الأسود ويغسلوا صدأ الذنوب ـ بماء التوبة ـ عن قلوبهم وأرواحهم.

بل كما يقول بعض المفسّرين : ظهرت خلال الأيّام الثلاثة بعض التغيّرات في أبدانهم إذ صارت صفراء ثمّ حمرا ثمّ تحوّلت سودا لتكون نذيرا لهؤلاء القوم المعاندين ، إلّا أنّهم وللأسف لم يؤثّر فيهم أي شيء من هذه الأمور ولم ينزلوا عن مركب غرورهم.

أجل :( فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ) .

كلمة «عتوا» مشتقّة من العتوّ ـ على وزن غلوّ ـ ومعناه الإعراض «بالوجه» ، والانصراف عن طاعة الله ، والظاهر أنّ هذه الجملة إشارة إلى ما كان منهم من إعراض طوال الفترة التي دعاهم فيها نبيّهم صالح كالشرك وعبادة الأوثان والظلم وعقرهم الناقة التي كانت معجزة نبيّهم ، لا الإعراض الذي كان منهم خلال الأيّام الثلاثة فحسب ، وبدلا من أن يتوبوا وينيبوا غرقوا في غرورهم وغفلتهم.

١١٦

والشاهد على ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف :( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١)

والصاعقة والصاقعة كلّا اللفظين بمعنى واحد تقريبا ، وأصلهما الهوّي المقرون بالصوت الشديد ، مع تفاوت بينهما ، وهو أنّ الصاعقة تطلق على ما يقع في الأشياء السماوية والصاقعة في الأشياء فوق الأرض.

وكما يقول بعض أهل اللغة فإنّ «الصاعقة» تعني الموت حينا أو العذاب أو النار حينا آخر ، وهذه الكلمة تطلق غالبا على الصوت الشديد الذي يسمع في السماء مقرونا بالنار المهلكة.

وقد أشرنا من قبل أنّ السحب ذات الشحنات الموجبة إذا اقتربت من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة ، يحدث وميض كهربائي شديد من هذين مقرونا بصوت مرعب ونار محرقة يهتزلها مكان الحادث.

وفي القرآن الكريم استعملت هذه الكلمة في الآية (١٩) من سورة البقرة بهذا المعنى بجلاء ، لأنّه بعد أن يتحدّث القرآن عن الصيّب والبرق والرعد يضيف قائلا :( يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ) .

وأخيرا فإنّ آخر جملة تتحدّث عن شأن هؤلاء القوم المعاندين تقول :( فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ ) .

أجل : هكذا تدمّر الصاعقة حين تقع على الأرض بصورة مفاجئة ، فلا يستطيع الإنسان أن ينهض من الأرض ، ولا يقدر على الصريخ والإستنصار ، وعلى هذه الحال هلك قوم صالح وكانوا عبرة للآخرين.

أجل : إنّ قوم صالح (ثمود) الذين كانوا من القبائل العربية وكانوا يقطنون «الحجر» وهي منطقة تقع شمال الحجاز مع إمكانات مادية هائلة وثروات طائلة

__________________

(١) الأعراف ، الآية ٧٧.

١١٧

وعمّروا طويلا في قصور مشيّدة اهلكوا بسبب إعراضهم عن أمر الله وطغيانهم وعنادهم والشرك والظلم ، وبقيت آثارهم درسا بليغا من العبر للآخرين.

وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث إشارة قصيرة إلى عاقبة خامس أمّة من الأمم ، وهي قوم نوح فتقول :( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ) (١) .

و «الفاسق» يطلق على من يخرج على حدود الله وأمره ، ويكون ملوّثا بالكفر أو الظلم أو سائر الذنوب.

والتعبير بـ «من قبل» لعلّه إشارة إلى أنّ قوم فرعون وقوم لوط وعادا وثمود كان قد بلغهم ما انتهى إليه قوم نوح من عاقبة وخيمة ، إلّا أنّهم لم يتنبهوا ، فابتلوا بما ابتلي به من كان قبلهم من قوم نوح!

* * *

تعقيب

١ ـ أوجه عذاب الله!

ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّه ورد في الآيات الآنفة الإشارة إلى قصص خمس امم من الأمم المتقدّمة «قوم لوط ، فرعون ، عاد ، ثمود ، وقوم نوح» وقد أشير إلى جزاء أربع من هذه الأمم وما عوقبت به ، إلّا أنّه لم ترد الإشارة في كيفية عقاب قوم نوح.

وحين نلاحظ بدقّة نجد كلّ امّة من الأمم الأربع المتقدّم ذكرها عوقبت بنوع من العناصر الأربعة المعروفة! فقوم لوط عوقبوا بالزلزلة والحجارة (من السماء) أي أنّهم أهلكوا بالتراب ، وقوم فرعون أهلكوا بالماء غرقا ـ وعاد أهلكوا بريح صرصر عاتية (سريعة) وثمود أهلكوا بالصاعقة و «النار».

__________________

(١) هناك حذف في الجملة المتقدّمة وتقديره كما يقول «الزمخشري» في «الكشّاف» وأهلكنا قوم نوح من قبل ، بالرغم من أنّ أهلكنا لم تكن في الآيات المتقدّمة إلّا أنّ هذه الكلمة تستفاد منها بصورة جيّدة.

١١٨

وصحيح أنّ هذه الأشياء الأربعة لا تعدّ اليوم (عنصرا) أي جسما بسيطا ، لأنّ كلّا منها مركب من أجسام أخر ، إلّا أنّه لا يمكن الإنكار أنّها تمثّل أربعة أركان حياة الإنسان المهمّة ، ومتى ما حذف أي منها فلا يمكن أن يواصل الإنسان حياته فكيف بحذف جميعها؟!

أجل إنّ الله سبحانه أهلك هذه الأمم بشيء يعدّ عامل البقاء والحياة الأصيل ولم يستطيعوا بدونه أن يواصلوا الحياة وهذه قدرة (غائية) عجيبة!

وإذا لم نجد بيانا عن ما عوقب به قوم نوحعليه‌السلام خلال السياق ، فلعلّه لأنّهم عوقبوا بمثل ما عوقب به قوم فرعون أي اهلكوا بالغرق (والطوفان) ولم تكن حاجة هنا للتكرار!

٢ ـ الرياح اللواقح والرياح العقيم!

قرأنا في الآيات الآنفة أنّ عادا أهلكوا بالريح العقيم ، ونقرأ في الآية (٢٢) من سورة الحجر( وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً ) ! وبالرغم أنّ هذه الآية ناظرة إلى تلقيح الغيوم واتّصال بعضها ببعض لنزول الغيث إلّا أنّها وبشكل عام تبيّن أثر الرياح في حياة الإنسان أجل إنّ أثرها وعملها التلقيح ، تلقيح الغيوم وتلقيح النباتات ، وحتّى أنّها تؤثّر أحيانا على تهيأة مختلف الحيوانات للتلاقح!

إلّا أنّ هذه الريح حين تحمل الأمر بالعذاب ، فبدلا من أن تهب الحياة تكون عاملا على الهلاك ، وكما يعبّر القرآن في الآية (٢٠) من سورة القمر التي تتكلّم على عاد فتقول :( تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) !

* * *

١١٩

الآيات

( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) )

التّفسير

والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون :

مرّة اخرى تتحدّث هذه الآيات عن موضوع آيات عظمة الله في عالم الخلق ، وهي في الحقيقة تتمّة لما ورد في الآيتين (٢٠) و٢١) من هذه السورة في شأن آياته في الأرض وفي نفس «الإنسان» ووجوده ـ وهي ضمنا دليل على قدرة الله على المعاد والحياة فتقول أوّلا :( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ) .

«الأيد» على وزن الصيد ، معناه القدرة والقوّة ـ وقد تكرّر هذا المعنى في آيات القرآن المجيد ، وهو هنا بمعنى قدرة الله المطلقة العظيمة في خلق السماوات!

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يده مع يد الذّابح، ويسمّي الله تعالى، ويقول « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ » إلى قوله « وأنا من المسلمين » ثمَّ يقول: « اللهم منك ولك. بسم الله، والله أكبر. اللهمّ تقبّل منّي » ثمَّ يمرّ السّكين. ولا ينخعه حتّى يموت. ومن أخطأ في الذّبيحة، فذكر غير صاحبها، كانت مجزئة عنه بالنّيّة. وينبغي أن يبدأ أيضا بالذّبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذّبح. فإن قدّم الحلق على الذّبح ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن السّنّة أن يأكل الإنسان من هديه لمتعته، ومن الأضحيّة ويطعم القانع والمعترّ: يأكل ثلثه، ويطعم القانع والمعترّ ثلثه، ويهدي لأصدقائه الثّلث الباقي. وقد بيّنّا أنه لا يجوز أن يأكل من الهدي المضمون إلّا إذا كان مضطرّا. فإن أكل منه من غير ضرورة، كان عليه قيمته. ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادّخارها. ولا يجوز أن يخرج من منى من لحم ما يضحّيه. ولا بأس بإخراج السّنام منه. ولا بأس أيضا بإخراج لحم قد ضحّاه غيره. ويستحبّ أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي، بل يتصدّق بها كلّها. ولا يجوز أيضا أن يعطيها الجزّار. وإذا أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك، تصدّق بثمنه.

ولا يجوز أن يحلق الرّجل رأسه، ولا أن يزور البيت، إلا بعد الذّبح، أو أن يبلغ الهدي محلّه. وهو أن يحصل في رحله

٢٦١

فإذا حصل في رحله بمنى، وأراد أن يحلق، جاز له ذلك. ومتى فعل ذلك ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفّارة، ولم يجدها، كان عليه سبع شياه. فإن لم يجد، صام ثمانية عشر يوما إمّا بمكّة أو إذا رجع إلى أهله.

والصّبيّ إذا حجّ به متمتّعا، وجب على وليّه أن يذبح عنه.

ومن لم يتمكّن من شراء هدي، إلّا يبيع بعض ثيابه التي يتجمّل بها، لم يلزمه ذلك، وكان الصوم مجزئا عنه.

ويجزي الهدي عن الأضحيّة. وإن جمع بينهما، كان أفضل. ومن لم يجد الأضحيّة، جاز له أن يتصدّق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها، نظر إلى الثّمن الأوّل والثّاني والثّالث، وجمعها ثمَّ يتصدّق بثلثها، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر لله تعالى أن ينحر بدنة، فإن سمّى الموضع الذي ينحرها فيه، وجب عليه الوفاء به، وإن لم يسمّ الموضع، لم يجز له أن ينحرها إلّا بفناء الكعبة. ويكره للإنسان أن يضحّي بكبش قد تولّى تربيته، ويستحبّ أن يكون ذلك ممّا يشتريه.

باب الحلق والتقصير

يستحبّ أن يحلق الإنسان رأسه بعد الذّبح. وإن كان صرورة، لا يجزئه غير الحلق. وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام، جاز له التّقصير، والحلق أفضل. اللهمّ إلّا أن يكون قد لبّد

٢٦٢

شعره. فإن كان كذلك، لم يجزئه غير الحلق في جميع الأحوال.

ومن ترك الحلق عامدا أو التّقصير إلى أن يزور البيت، كان عليه دم شاة. وإن فعله ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء، وكان عليه إعادة الطّواف. ومن رحل من منى قبل الحلق، فليرجع إليها، ولا يحلق رأسه إلّا بها مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من الرّجوع إليها، فليحلق رأسه في مكانه، ويردّ شعره إلى منى، ويدفنه هناك فإن لم يتمكّن من ردّ الشعر، لم يكن عليه شي‌ء.

والمرأة ليس عليها حلق، ويكفيها من التّقصير مقدار أنملة.

وإذا أراد أن يحلق، فليبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين ويقول إذا حلق: « اللهمّ أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة ». ومن لم يكن على رأسه شعر، فليمرّ الموسى عليه. وقد أجزأه. وإذا حلق رأسه، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء والطّيب، إن كان متمتّعا. فإن كان حاجّا غير متمتّع، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف الزّيارة، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف النّساء، حلّت له أيضا النّساء.

ويستحبّ ألا يلبس الثّياب إلّا بعد الفراغ من طواف الزّيارة، وليس ذلك بمحظور. وكذلك يستحبّ ألّا يمسّ الطّيب إلّا بعد الفراغ من طواف النّساء، وإن لم يكن ذلك محظورا على ما قدّمناه.

٢٦٣

باب زيارة البيت والرجوع الى منى ورمي الجمار

فإذا فرغ من مناسكه بمنى، فليتوجّه إلى مكّة، وليزر البيت يوم النّحر، ولا يؤخره إلّا لعذر. فإن أخّره لعذر، زار من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك. هذا إذا كان متمتّعا. فإن كان مفردا أو قارنا، جاز له أن يؤخر الى أيّ وقت شاء، غير أنّه لا تحلّ له النّساء. وتعجيل الطّواف للقارن والمفرد أفضل من تأخيره.

ويستحبّ لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخول المسجد والطّواف بالبيت، ويقلّم أظفاره، ويأخذ من شاربه، ثمَّ ثمَّ يزور. ولا بأس أن يغتسل الإنسان بمنى، ثمَّ يجي‌ء إلى مكّة، فيطوف بذلك الغسل بالبيت. ولا بأس أن يغتسل بالنّهار ويطوف بالليل ما لم ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم. فإن نقضه بحدث أو نوم، فليعد الغسل استحبابا، حتّى يطوف وهو على غسل. ويستحبّ للمرأة أيضا أن تغتسل قبل الطّواف.

وإذا أراد أن يدخل المسجد، فليقف على بابه، ويقول: « اللهمّ أعنّي على نسكك » إلى آخر الدّعاء الذي ذكرناه في الكتاب المقدّم ذكره. ثمَّ يدخل المسجد، ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله. فإن لم يستطع، استلمه بيده وقبّل يده. فإن لم يتمكّن من ذلك أيضا، استقبله، وكبّر، وقال ما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكّة. ثمَّ يطوف بالبيت أسبوعا كما قدّمنا وصفه

٢٦٤

ويصلّي عند المقام ركعتين. ثمَّ ليرجع الى الحجر الأسود فيقبّله، إن استطاع، ويستقبله ويكبّر. ثمَّ ليخرج إلى الصّفا، فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكّة. ثمَّ يأتي المروة، ويطوف بينهما سبعة أشواط، يبدأ بالصّفا ويختم بالمروة.

فإذا فعل ذلك، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء. ثمَّ ليرجع الى البيت، فيطوف به طواف النّساء أسبوعا، يصلّي عند المقام ركعتين، وقد حلّ له النّساء.

وأعلم أنّ طواف النّساء فريضة في الحجّ وفي العمرة المبتولة. وليس بواجب في العمرة التي يتمتّع بها الى الحج. فإن مات من وجب عليه طواف النّساء. كان على وليّه القضاء عنه. وإن تركه وهو حيّ، كان عليه قضاؤه. فإن لم يتمكّن من الرّجوع الى مكّة، جاز له أن يأمر من يتوب عنه. فإذا طاف النّائب عنه، حلّت له النّساء. وطواف النّساء فريضة على النّساء والرّجال والشّيوخ والخصيان، لا يجوز لهم تركه على حال.

فإذا فرغ الإنسان من الطّواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التّشريق إلّا بها. فإن بات في غيرها، كان عليه دم شاة. فإن بات بمكّة ليالي التّشريق، ويكون مشتغلا بالطّواف والعبادة، لم يكن عليه شي‌ء. وإن لم يكن مشتغلا بهما، كان عليه ما ذكرناه، وان خرج من منى بعد نصف اللّيل، جاز له أن يبيت بغيرها، غير أنّه لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر. وإن تمكّن ألّا يخرج

٢٦٥

منها إلّا بعد طلوع الفجر، كان أفضل. ومن بات الثّلاث ليال بغير منى متعمّدا، كان عليه ثلاثة من الغنم. والأفضل أن لا يبرح الإنسان أيّام التّشريق من منى. فإن أراد أن يأتي مكّة للطّواف بالبيت تطوّعا، جاز له ذلك، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وإذا رجع الإنسان إلى منى لرمي الجمار، كان عليه أن يرمي ثلاثة أيّام: الثّاني من النّحر والثّالث والرّابع، كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. ويكون ذلك عند الزّوال، فإنّه الأفضل. فإن رماها ما بين طلوع الشمس الى غروبها، لم يكن به بأس.

فإذا أراد أن يرمي، فليبدأ بالجمرة الأولى، فليرمها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا. ويكبّر مع كلّ حصاة، ويدعوا بالدّعاء الذي قدّمناه. ثمَّ يقوم عن يسار الطّريق ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلّي على النّبيّ وآله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ ليتقدم قليلا ويدعوا ويسأله أن يتقبّل منه. ثمَّ يتقدّم أيضا ويرمي الجمرة الثّانية، ويصنع عندها كما صنع عند الأولى، ويقف ويدعوا، ثمَّ يمضي إلى الثّالثة فيرميها كما رمى الأوليين، ولا يقف عندها.

وإذا غابت الشّمس، ولم يكن قد رمى بعد، فلا يجوز له أن يرمي إلّا في الغد. فإذا كان من الغد، رمى ليومه مرّة، ومرّة قضاء لما فاته، ويفصل بينهما بساعة. وينبغي أن يكون الذي يرمي لأمسه بكرة، والذي ليومه عند الزّوال. فإن فاته رمي يومين،

٢٦٦

رماها كلّها يوم النّفر، وليس عليه شي‌ء. وقد بينا أنّه لا يجوز الرّمي باللّيل. وقد رخّص للعليل والخائف والرّعاة والعبيد الرّمي باللّيل. ومن نسي رمي الجمار الى أن أتى مكّة، عاد إلى منى، ورماها، وليس عليه شي‌ء. وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرّجل سواء.

فإن لم يذكر الى أن يخرج من مكّة، لم يكن عليه شي‌ء. إلّا أنّه إن حجّ في العام المقبل، أعاد ما كان قد فاته من رمي الجمار. وإن لم يحجّ أمر وليّه أن يرمي عنه. فإن لم يكن له وليّ، استعان برجل من المسلمين في قضاء ذلك عنه.

والترتيب واجب في الرّمي. يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثمَّ الوسطى ثمَّ جمرة العقبة. فمن خالف شيئا منها، أو رماها منكوسة، كان عليه الإعادة. ومن بدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ الأولى، أعاد على الوسطى ثمَّ جمرة العقبة وقد أجزأه. فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات، ورمى الجمرتين الأخريين على التّمام، كان عليه ان يعيد عليها كلّها. وإن كان قد رمى من الجمرة الأولى بأربع حصيات ثمَّ رمى الجمرتين على التّمام، كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات. وكذلك إن كان قد رمى على الوسطى أقل من أربعة، أعاد عليها وعلى ما بعدها. وإن رماها بأربعة، تمّمها، وليس عليه شي‌ء من الإعادة على الثّالثة. ومن رمى جمرة بست حصيات، وضاعت عنه واحدة،

٢٦٧

أعاد عليها بحصاة، وإن كان من الغد. ولا يجوز له أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها. ومن علم أنّه قد نقص حصاة واحدة، ولم يعلم من أي الجمار هي، أعاد على كلّ واحدة منها بحصاة. فإن رمى بحصاة، فوقعت في محمله، أعاد مكانها حصاة أخرى. فإن أصابت إنسانا أو دابّة، ثمَّ وقعت على الجمرة، فقد أجزأه.

ولا بأس أن يرمي الإنسان راكبا. وإن رمى ماشيا، كان أفضل ولا بأس أن يرمى عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصّبيّ.

وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة. يبدأ بالتّكبير يوم النّحر من بعد الظّهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات، يبدأ عقيب الظّهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني من أيّام التّشريق، ويقول في التّكبير: « الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ».

باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت

لا بأس أن ينفر الإنسان من منى اليوم الثّاني من أيّام التّشريق وهو اليوم الثّالث من يوم النّحر. فإن أقام إلى النّفر الأخير، وهو اليوم الثّالث من أيّام التّشريق والرّابع من يوم النّحر، كان أفضل. فإن كان ممّن أصاب النّساء في إحرامه أو صيدا، لم يجز له أن

٢٦٨

ينفر في النّفر الأوّل. ويجب عليه المقام الى النّفر الأخير. وإذا أراد أن ينفر في النّفر الأوّل، فلا ينفر إلّا بعد الزّوال، إلّا أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره، فإنّه لا بأس أن ينفر قبل الزّوال، وله أن ينفر بعد الزّوال ما بينه وبين غروب الشّمس. فإذا غابت الشّمس، لم يجز له النّفر، وليبت بمنى الى الغد. وإذا نفر في النّفر الأخير، جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشّمس أيّ وقت شاء. فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى، جاز له ذلك، إلّا الإمام خاصّة، فإنّ عليه أن يصلّي الظّهر بمكّة.

ومن نفر من منى، وكان قد قضى مناسكه كلّها، جاز له أن لا يدخل مكّة. وإن كان قد بقي عليه شي‌ء من المناسك، فلا بدّ له من الرّجوع إليها. والأفضل على كلّ حال الرّجوع إليها لتوديع البيت وطواف الوداع.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان بمسجد منى، وهو مسجد الخيف. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها وعن يسارها مثل ذلك. فإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه، فافعل. ويستحبّ أن يصلّي الإنسان ستّ ركعات في مسجد منى. فإذا بلغ مسجد الحصباء، وهو مسجد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه.

٢٦٩

فإذا جاء إلى مكّة فليدخل الكعبة، إن تمكّن من ذلك سنّة واستحبابا. والصّرورة لا يترك دخولها على حال مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من ذلك، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنّة مؤكّدة. فإذا دخلها، فلا يمتخط فيها، ولا يبصق. ولا يجوز دخولها بحذاء. ويقول إذا دخلها: « اللهمّ إنّك قلت: ومن دخله كان آمنا، فآمنّى من عذابك عذاب النار ».

ثمَّ يصلّي بين الأسطوانتين على الرّخامة الحمراء ركعتين، يقرأ في الأولى منهما « حم السّجدة » وفي الثّانية عدد آياتها، ثمَّ ليصلّ في زوايا البيت كلّها، ثمَّ يقول: « اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ » إلى آخر الدّعاء. فإذا صلّى عند الرّخامة على ما قدّمناه، وفي زوايا البيت، قام فاستقبل الحائط بين الرّكن اليمانيّ والغربيّ، ويرفع يديه، ويلتصق به، ويدعوا. ثمَّ يتحوّل الى الرّكن اليمانيّ، فيفعل به مثل ذلك. ثمَّ يأتي الرّكن الغربيّ، ويفعل به أيضا مثل ذلك، ثمَّ ليخرج. ولا يجوز أن يصلّي الإنسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار. فإن اضطرّ الى ذلك، لم يكن عليه بأس بالصّلاة فيها. فأمّا النّوافل فالصّلاة فيها مندوب اليه.

فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة، صلّى عن يمينه ركعتين. فإذا أراد الخروج من مكّة، جاء الى البيت، فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنّة مؤكّدة. فإن استطاع أن يستلم الحجر

٢٧٠

والرّكن اليمانيّ في كل شوط، وفعل. وإن لم يتمكّن، افتتح به، وختم به، وقد أجزأه. فإن لم يتمكن من ذلك أيضا، لم يكن عليه شي‌ء. ثمَّ يأتي المستجار، فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكّة. ويتخيّر لنفسه من الدّعاء ما أراد. ثمَّ يستلم الحجر الأسود، ثمَّ يودّع البيت ويقول: « اللهمّ لا تجعله آخر العهد من بيتك » ثمَّ ليأت زمزم فيشرب منه، ثمَّ ليخرج، ويقول: « آئبون تائبون، عابدون، لربّنا حامدون، الى ربّنا راغبون، الى ربّنا راجعون ». فإذا خرج من باب المسجد، فليكن خروجه من باب الحنّاطين. فيخرّ ساجدا، ويقوم مستقبل الكعبة، فيقول: « اللهمّ إني أنقلب على لا إله إلا الله ».

ومن لم يتمكّن من طواف الوداع، أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج، لم يكن عليه شي‌ء. فإذا أراد الخروج من مكّة، فليشتر بدرهم تمرا، وليتصدّق به، ليكون كفّارة لما دخل عليه في الإحرام، إن شاء الله.

باب فرائض الحج

فرائض الحجّ: الإحرام من الميقات، والتّلبيات الأربع، والطّواف بالبيت، إن كان متمتّعا، ثلاثة أطواف: طواف للعمرة، وطواف للزيارة، وطواف للنّساء، وإن كان قارنا أو مفردا، طوافان: طواف للحجّ، وطواف للنّساء، ويلزمه مع

٢٧١

كلّ طواف ركعتان عند المقام، وهما أيضا فرضان، والسّعي بين الصّفا والمروة، والوقوف بالموقفين: عرفات والمشعر الحرام وإن كان متمتّعا، كان الهدي أيضا واجبا عليه أو ما يقوم مقامه.

فمن ترك الإحرام متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا حتّى يجوز الميقات، كان عليه أن يرجع إليه، ويحرم منه، إذا تمكّن منه. فإن لم يتمكّن لضيق الوقت أو الخوف أو ما جرى مجراهما من أسباب الضّرورات، أحرم من موضعه وقد أجزأه. فإن كان قد دخل مكّة، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم، فليخرج وليحرم منه. فإن لم يستطع ذلك، أحرم من موضعه.

ومن ترك التّلبية متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركها ناسيا، ثمَّ ذكر، فليجدّد التّلبية، وليس عليه شي‌ء.

ومن ترك طواف الزّيارة متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا، أعاد الطّواف أيّ وقت ذكره.

ومن ترك طواف النّساء متعمّدا، لم يبطل حجّة، إلّا أنّه لا تحلّ له النّساء، حتى يطوف عنه حسب ما قدّمناه. وركعتا الطّواف متى تركهما ناسيا، كان عليه قضاءهما حسب ما قدّمناه.

ومن ترك السّعي متعمّدا، فلا حجّ له. فإن تركه ناسيا،

٢٧٢

عليه قضاؤه حسب ما قدّمناه.

ومن ترك الوقوف بعرفات متعمّدا، أو بالمشعر الحرام، فلا حجّ له. فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا، كان عليه أن يعود، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النّحر. فإن لم يذكر إلّا بعد طلوع الفجر، وكان قد وقف بالمشعر، فقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

وإذا ورد الحاجّ ليلا، وعلم: أنّه مضى الى عرفات، وقف بها وإن كان قليلا، ثمَّ عاد الى المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، وجب عليه المضيّ إليها والوقوف بها، ثمَّ يجي‌ء إلى المشعر الحرام. فإن غلب على ظنّه أنّه إن مضى الى عرفات، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشّمس، اقتصر على الوقوف بالمشعر، وقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

ومن أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، فقد أدرك الحجّ. وإن أدركه بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ.

ومن وقف بعرفات، ثمَّ قصد المشعر، فعاقه في الطّريق عائق، فلم يلحق الى قرب الزّوال، فقد تمَّ حجّه، ويقف قليلا بالمشعر ويمضي إلى منى. ومن لم يكن قد وقف بعرفات، وأدرك المشعر بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ، لأنّه لم يلحق أحد الموقفين في وقته.

ومن فاته الحجّ، فليقم على إحرامه الى انقضاء أيّام

٢٧٣

التّشريق، ثمَّ يجي‌ء، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصّفا والمروة، ويجعل حجّته عمرة. وإن كان قد ساق معه هديا، فلينحره بمكّة وكان عليه الحجّ من قابل إن كانت حجته حجّة الإسلام. وإن كانت حجّة التّطوّع، كان بالخيار: إن شاء حجّ، وإن شاء لم يحجّ. ومن حضر المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها. إلّا أنّه كان سكرانا، فلا حجّ له، وكان عليه الحجّ من قابل.

باب مناسك النساء في الحج والعمرة

قد بيّنّا فيما تقدّم من أن الحجّ واجب على النّساء كوجوبه على الرّجال. فمتى كانت المرأة لها زوج، فلا تخرج إلّا معه. فإن منعها زوجها من الخروج في حجّة الإسلام، جاز لها خلافه. ولتخرج، وتحجّ حجّة الإسلام. وإن أرادت أن تحجّ تطوّعا، فمنعها زوجها، فليس لها مخالفته.

وينبغي أن لا تخرج إلّا مع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عمّ أو خال. فإن لم يكن لها أحد ممّن ذكرناه. جاز لها أن تخرج مع من تثق بدينه من المؤمنين.

وإذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق، جاز لها أن تخرج في حجّة الإسلام، سواء كان للزّوج عليها رجعة أو لم تكن. وليس لها أن تخرج إذا كانت حجّتها تطوّعا، إلّا أن تكون العدّة

٢٧٤

لزوجها عليها فيها رجعة. فأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها، فلا بأس بها أن تخرج فيها الى الحجّ فرضا كان أو نفلا.

وإذا خرجت المرأة، وبلغت ميقات أهلها، فعليها أن تحرم منه، ولا تؤخره. فإن كانت حائضا، توضّأت وضوء الصّلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت، إلّا أنها لا تصلّي ركعتي الإحرام فإن تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز لها ذلك، وجازت الميقات، كان عليها أن ترجع الى الميقات، فتحرم منه، إذا أمكنها ذلك. فإن لم يمكنها، أحرمت من موضعها. إذا لم تكن قد دخلت مكّة. فإن كانت قد دخلت مكّة، فلتخرج الى خارج الحرم، وتحرم من هناك. فإن لم يمكنها ذلك، أحرمت من موضعها، وليس عليها شي‌ء.

فإذا دخلت المرأة مكّة، وكانت متمتّعة، طافت بالبيت، وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت. وقد أحلّت من كلّ ما أحرمت منه مثل الرّجل سواء.

فإن حاضت قبل الطّواف، انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج الى عرفات. فإن طهرت، طافت وسعت. وإن لم تطهر، فقد مضت متعتها، وتكون حجّة مفردة، تقضي المناسك كلّها ثمَّ تعتمر بعد ذلك عمرة مبتولة. فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمَّ حاضت، كان حكمها حكم من لم يطف. وإذا طافت أربعة أشواط، ثمَّ حاضت، قطعت الطّواف،

٢٧٥

وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وقد تمّت متعتها.

فإذا فرغت من المناسك، وطهرت تمّمت الطّواف. وإن كانت قد طافت الطّواف كلّه، ولم تكن قد صلّت الرّكعتين عند المقام، فلتخرج من المسجد، ولتسع، وتعمل ما قدّمناه من الإحرام بالحجّ وقضاء المناسك، ثمَّ تقضي الرّكعتين إذا طهرت. وإذا طافت بالبيت بين الصّفا والمروة وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وخافت أن يلحقها الحيض فيما بعد، فلا تتمكّن من طواف الزّيارة وطواف النّساء، فجائز لها أن تقدّم الطّوافين معا، والسّعي بين الصّفا والمروة، ثمَّ تخرج فتقضي المناسك كلّها، ثمَّ ترجع الى منزلها.

فإن كانت قد طافت طواف الزّيارة، وبقي عليها طواف النّساء، فلا تخرج من مكّة إلّا بعد أن تقضيه. وإن كانت قد طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج، جاز لها أن تخرج وإن لم تتمّ الطّواف.

والمستحاضة لا بأس بها أن تطوف بالبيت، وتصلّي عند المقام، وتشهد المناسك كلّها، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. والفرق بينها وبين الحائض، أنّ الحائض لا يحلّ لها دخول المسجد، فلا تتمكّن من الطّواف، ولا يجوز لها أيضا الصّلاة، والطّواف لا بدّ فيه من الصّلاة، وليس هذا حكم المستحاضة.

٢٧٦

وإذا أرادت الحائض وداع البيت، فلا تدخل المسجد، ولتودّع من أدنى باب من أبواب المسجد، وتنصرف، إن شاء الله.

وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطّواف، طيف بها، وتستلم الأركان والحجر. فإن كان عليها زحمة، فتكفيها الإشارة. ولا تزاحم الرّجال. وإن كان بها علّة تمنع من حملها والطّواف بها، طاف عنها وليّها، وليس عليها شي‌ء. وكذلك إذا كانت عليلة لا تعقل عند الإحرام، أحرم عنها وليّها، وجنّبها ما يجتنب المحرم، وقد تمَّ إحرامها. وليس على النّساء حلق ولا دخول البيت. فإن أرادت دخول البيت، فلتدخله إذا لم يكن هناك زحام. ولا يجوز للمستحاضة دخول البيت على حال.

باب من حج عن غيره

من وجب عليه الحجّ، لا يجوز له أن يحجّ عن غيره إلّا بعد أن يقضي حجّته التي وجبت عليه. فإذا قضاها، جاز له بعد ذلك أن يحجّ عن غيره. ومن ليس له مال يجب عليه الحجّ، جاز له أن يحجّ عن غيره. فإن تمكّن بعد ذلك من المال، كان عليه أن يحجّ عن نفسه، وقد أجزأت الحجّة التي حجّها عمّن حجّ عنه.

وينبغي لمن يحجّ عن غيره أن يذكره في المواضع كلّها،

٢٧٧

فيقول عند الإحرام: اللهمّ ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان، وأجرني في نيابتي عنه. وكذلك يذكره عند التّلبية والطّواف والسّعي وعند الموقفين وعند الذّبح وعند قضاء جميع المناسك، فإن لم يذكره في هذه المواضع، وكانت نيته الحجّ عنه، كان جائزا.

ومن أمر غيره أن يحجّ عنه متمتّعا، فليس له أن يحجّ عنه مفردا ولا قارنا. فإن حجّ عنه كذلك، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. وإن أمره أن يحجّ عنه مفردا أو قارنا، جاز له أن يحجّ عنه متمتّعا، لأنه يعدل الى ما هو الأفضل. ومن أمر غيره أن يحجّ عنه على طريق بعينها، جاز له أن يعدل عن ذلك الطّريق الى طريق آخر. وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه، فليس له أن يأمر غيره بالنّيابة عنه. فإن جعل الأمر في ذلك اليه، جاز له أن يستنيب غيره فيه. وإذا أخذ حجة عن غيره، لا يجوز له أن يأخذ حجة أخرى، حتى يقضي التي أخذها.

وإذا حجّ عن غيره، فصدّ عن بعض الطّريق، كان عليه ممّا أخذه بمقدار ما بقي من الطّريق. اللهم إلّا أن يضمن الحجّ فيما يستأنف، ويتولّاه بنفسه.

فإن مات النّائب في الحجّ، وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم، فقد سقطت عنه عهدة الحجّ، وأجزأ عمّن حجّ عنه وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم، كان على ورثته، إن

٢٧٨

خلّف في أيديهم شيئا، مقدار ما بقي عليه من نفقة الطّريق. وإذا أخذ حجة، فأنفق ما أخذه في الطّريق من غير إسراف، واحتاج الى زيادة، كان على صاحب الحجّة أن يتمّمه استحبابا. فإن فضل من النّفقة شي‌ء، كان له، وليس لصاحب الحجّة الرّجوع عليه بالفضل. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكّة، إلّا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطّواف بنفسه، ولا يمكن حمله والطّواف به. وإن كان غائبا، جاز أن يطوف عنه.

وإذا حجّ الإنسان عن غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن، فإن ثواب ذلك يصل الى من حجّ عنه من غير أن ينقض من ثوابه شي‌ء. وإذا حجّ الإنسان عمّن يجب عليه الحجّ بعد موته تطوّعا منه بذلك، فإنّه يسقط عن الميّت بذلك فرض الحجّ.

ومن كان عنده وديعة، فمات صاحبها، وله ورثة، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحجّ عنه، ويردّ الباقي على ورثته، إذا غلب على ظنّه أنّ ورثته لا يقضون عنه حجّة الإسلام. فإن غلب على ظنّه أنّهم يتولّون القضاء عنه، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا إلّا بأمرهم.

ولا بأس أن تحجّ المرأة عن الرّجل إذا كانت قد حجّت

٢٧٩

حجّة الإسلام، وكانت عارفة. وإذا لم تكن حجّت حجّة الإسلام، وكانت صرورة، لم يجز لها أن تحجّ عن غيرها على حال.

ولا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، اللهمّ إلّا أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه.

باب العمرة المفردة

العمرة فريضة مثل الحجّ، لا يجوز تركها. ومن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، سقط عنه فرضها. وإن لم يتمتّع، كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحجّ، إن أراد، بعد انقضاء أيّام التّشريق، وإن شاء أخّرها إلى استقبال المحرّم. ومن دخل مكّة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحجّ، لم يجز له أن يتمتّع بها الى الحجّ. فإن أراد التّمتّع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحجّ. وإن دخل مكّة بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ، جاز له أن يقضيها، ويخرج الى بلده أو أيّ موضع شاء. والأفضل له أن يقيم حتى يحجّ، ويجعلها متعة. وإذا دخلها بنيّة التّمتّع، لم يجز له أن يجعلها مفردة، وأن يخرج من مكّة، لأنّه صار مرتبطا بالحجّ. وأفضل العمرة ما كانت في رجب، وهي تلي الحجّ في الفضل.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526