الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل14%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151410 / تحميل: 5597
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الآيات

( أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) )

التّفسير

الشفاعة أيضا بإذنه :

هذه الآيات أيضا تتناول بالبحث والتعقيب ـ موضوع عبادة الأصنام وخرافتها ، وهي تتمّة لما سبق بيانه في الآيات المتقدّمة!

فتتناول أوّلا الامنيات الجوفاء عند عبدة الأصنام وما كانوا يتوقّعون من الأصنام :( أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى ) ؟!.

ترى! هل من الممكن أن تشفع هذه الأجسام التي لا قيمة لها ولا روح فيها عند الله سبحانه؟ أو يلتجأ إليها عند المشكلات!؟ كلّا!( فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى ) .

إنّ عالم الأسباب يدور حول محور إرادته ، وكلّ ما لدى الموجودات فمن بركات وجوده ، فالشفاعة من اختياراته أيضا ، وحلّ المشاكل بيد قدرته كذلك!

ممّا يلفت النظر أنّ القرآن يتحدّث عن الآخرة أوّلا ، ثمّ عن الدنيا ، لأنّ أكثر ما

٢٤١

يشغل فكر الإنسان هو النجاة في الآخرة وحاكمية الله في الدار الآخرة تتجلّى أكثر منها في هذه الدنيا.

وهكذا فإنّ القرآن يقطع أمل المشركين تماما ـ بشفاعة الأصنام ـ ويسدّ بوجوههم هذه الذريعة بأنّها تشفع لهم «ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله».

وهناك احتمال آخر في تفسير الآيتين آنفتي الذكر : وهو أن يتوجّه الإنسان نحو الله لعدم بلوغه أمانيّه وما يرغب إليه لأنّ الآية الاولى من الآيات محلّ البحث تقول :( أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى؟ ) وهذا استفهام إنكاري ، وحيث أنّ جواب هذا الاستفهام أو السؤال بالنفي قطعا ، لأنّ الإنسان لا ينال كثيرا من أمانيه أبدا ، وهذا يدلّ على أنّ تدبير هذا العالم بيد اخرى تتحكّم في هذا العالم ، ولذلك فإنّ الآية الثانية تقول : حيث كان الأمر كذلك( فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى ) !

وهذا المعنى يشبه ما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «عرفت الله بفسخ العزائم وحلّ العقود ونقض الهمم»(١) . ولا يبعد الجمع بين هذا التّفسير والتّفسير السابق أيضا.

وفي آخر الآيات محلّ البحث يقول القرآن مضيفا ومؤكّدا على هذه المسألة :( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى ) .

فحيث لا تستطيع الملائكة على عظمتها حتّى ولو بشكل جماعي أن تشفع لأحد إلّا بإذن الله ورضاه ، فما عسى ينتظر من هذه الأصنام التي لا قيمة لها ، وهي لا تعي شيئا!؟. وحينما تتساقط النسور المحلّقة وتهوي بأجنحتها عاجزة فما تنفع البعوضة الضعيفة؟ أليس من المخجل أن تقولوا إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى ، أو هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟!

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ـ الكلمة رقم ٢٥٠.

٢٤٢

والتعبير بـ «كم» في الآية يفيد العموم ، أي ليس لأي ملك أن يشفع دون إذن الله ورضاه ، لأنّ هذه اللفظة تفيد العموم في لغة العرب ، كما أنّ لفظة «كثير» تفيد العموم أحيانا وقد جاء في الآية ٧٠ من سورة الإسراء ما يدلّ على ذلك :( وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً ) أي فضّلنا بني آدم على جميع من خلقنا.

كما نجد هذا الاستعمال في شأن الشياطين إذ نقرأ الآية ٢٢٣ من سورة الشعراء قائلة :( وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ ) مع أنّنا نعلم أنّ جميع الشياطين كاذبون(١) .

أمّا الفرق بين «الإذن» و «الرضا» فهو ـ أنّ الإذن يعبّر عنه في مقام يكشف الإنسان عن رضاه الباطني ، إلّا أنّ الرضا أعمّ من ذلك ، وقد تستعمل كلمة «الرضا» لانسجام الطبع مع ما يفعل ، وحيث أنّ الإنسان قد يأذن بشيء ما دون أن يكون راضيا في قلبه فقد جاءت كلمة «يرضى» تأكيدا على الإذن ، وإن كان الإذن والرضا عند الله لا ينفصل بعضهما عن بعض ولا مجال (للتقيّة) عند الله!

* * *

تعقيب

١ ـ سعة الأماني :

الأمل أو التمنّي إنّما ينبع من محدودية قدرة الإنسان وضعفه الإنسان إذا كانت له علاقة بالشيء ولم يستطع أن يبلغه ويحقّقه فانّه يأخذ صورة التمنّي عنده وإذا استطاع الإنسان أن يحقّق كلّ ما يريده ويرغب فيه ، لم يكن للتمنّي من معنى!

وبالطبع قد تكون أمانيّ الإنسان أحيانا نابعة من روحه العالية وباعثا على الحركة والجدّ والنشاط والجهاد وسيره التكاملي كما لو تمنّى بأن يتقدّم الناس بالعلم والتقوى والشخصيّة والكرامة!

__________________

(١) مع أنّ كلمة ملك في الآية مفردة فقد عاد الضمير عليها جمعا في «شفاعتهم» وذلك لمفهوم الكلام ورعاية للمعنى!

٢٤٣

إلّا أنّه كثيرا ما تكون هذه الأحلام «والأماني» كاذبة ، وعلى العكس من الأماني الصادقة فانّها أساس للغفلة والجهل والتخدير والتخلّف كما لو تمنّى الإنسان الخلود في الأرض والعمر الدائم ، وأن يملك أموالا طائلة ، وأن يحكم الناس جميعا وأمثال ذلك القبيل الموهوم.

ولذلك فقد رغّبت الرّوايات الإسلامية الناس في تمنّي الخير ، كما نقرأ في بعض ما وصلنا عن رسو اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من تمنّى شيئا وهو للهعزوجل رضى لم يخرج من الدنيا حتّى يعطاه»(١) .

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّه إذا لم يصل إلى ذلك في الدنيا فسينال ثوابه(٢) .

٢ ـ كلام في شأن الشفاعة

إنّ الآية الأخيرة ـ من الآيات محلّ البحث ـ تخبر بجلاء عن إمكان أن يشفع الملائكة ، فحيث أنّه للملائكة الحقّ أن يشفعوا بإذن الله ورضاه ، فمن باب الأولى أن يكون للأنبياء والمعصومين حقّ الشفاعة عند الله.

إلّا أنّه لا ينبغي أن ننسى أنّ الآية آنفة الذكر تقول بصراحة إنّ هذه الشفاعة ليست من دون قيد وشرط. بل هي مشروطة بإذن الله ورضاه ، وحيث أنّ إذن الله ورضاه لم يكونا عبثا أو اعتباطا ، فينبغي أن تكون بين الإنسان وربّه علاقة حتّى يأذن بالشفاعة للمقرّبين في شأنه ، ومن هنا فإنّ رجاء الشفاعة يكون مذهبا تربويّا للإنسان ومانعا من اليأس وقطع جميع الروابط بالله تعالى(٣) .

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٢٦١ (باب تمنّي الخيرات).

(٢) المصدر السابق.

(٣) التعبير بـ «من يشاء» الوارد في الآية المتقدّمة يمكن أن يكون إشارة إلى الناس الذين يأذن الله لهم بالشفاعة ، أو إشارة إلى الملائكة الذين يأذن الله لهم بالشفاعة ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أنسب.

٢٤٤

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) )

التّفسير

إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا :

هذه الآيات ـ محلّ البحث ـ كالآيات المتقدّمة ، تبحث موضوع نفي عقائد المشركين.

فتقول أوّلها :( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى ) !

أجل ، إنّ هذا الكلام القبيح والمخجل إنّما يصدر من أناس لا يعتقدون بيوم الحساب ولا بجزاء أعمالهم ، فلو كانوا يعتقدون بالآخرة لما تجاسروا فقالوا مثل هذا الكلام ، وأي كلام؟! كلام ليس لهم فيه أدنى دليل بل الدلائل العقليّة تبرهن على أنّه ليس لله من ولد ، وليس الملائكة إناثا ، ولا هم بنات الله كذلك!

٢٤٥

والتعبير بـ «تسمية الأنثى» إشارة إلى ما نوّهنا عنه في الآيات المتقدّمة ، وهو أنّ مثل هذا الكلام لا معنى له. وإنّ هذا الأسماء لا مسميّات لها ، وبتعبير آخر إنّها لا تعدو حدود التسمية ، ولا واقع لها أبدا.

ثمّ يتناول القرآن واحدا من الأدلّة الواضحة على بطلان هذه التسمية فيقول معقّبا :( وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) .

فالإنسان الهادف والمعتقد لا يطلق كلامه دون علم ودراية ، ولا ينسب أيّة نسبة لأحد دونما دليل فالتعويل عن الظنّ والتصوّر إنّما هو من عمل الشيطان أو من يتّصف بالشيطانيّة وقبول الخرافات والأشياء الموهومة دليل الانحراف وعدم العقل!

وواضح أنّ كلمة «الظنّ» لها معنيان مختلفان ، فتارة تطلق هذه الكلمة على الأوهام التي لا أساس لها ، وطبقا لتعبير الآيات آنفة الذكر تعني الخرافات والأوهام وما تهوي الأنفس والمراد من هذه الكلمة في الآية هو هذا المعنى ذاته.

المعنى الآخر ، الظنّ المعقول وهو ما يخطر في الذهن ، ويكون مطابقا للواقع غالبا ، وعليه يكون مبنى العمل في اليوم ـ مرة أو أكثر ـ كشهادة الشهود في المحكمة وقول أهل الخبرة وظواهر الألفاظ وأمثال ذلك ، فلو أعرضنا عن مثل هذه الأمور وعوّلنا على اليقين القطعي لاضطربت الحياة واختلّ نظامها.

ولا شكّ أنّ هذا القسم من الظنّ غير داخل في هذه الآيات ، وهناك شواهد كثيرة في الآيات ذاتها على ذلك وفي الحقيقة أنّ القسم الثاني نوع من العلم العرفي لا الظنّ ، فبناء على هذا لا يصحّ الاستدلال بالآية( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) وأمثالها على نفي حجيّة الظنّ بشكل مطلق.

وينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة والمسألة الدقيقة وهي أنّ الظنّ في اصطلاح الفقهاء والأصوليين معناه «الإعتقاد الراجح» ، إلّا أنّه في اللغة أوسع

٢٤٦

مفهوما ، فيشمل حتّى الوهم والاحتمالات الضعيفة ، ومن هذا القبيل ظنّ عبدة الأوثان ـ إذ كان خرافة تظهر في أذهانهم بشكل احتمال ضعيف. ثمّ ينهض هوى النفس فيزيّن ذلك الاحتمال ، ويهمل الاحتمال الآخر الذي هو أقوى من هذا الاحتمال ، ويصير الاحتمال الضعيف اعتقادا راسخا مع أنّه لا أساس له أبدا.

ومن أجل أن يبيّن القرآن أنّ هؤلاء الجماعة ليسوا أهلا للاستدلال والمنطق الصحيح ، وقد ألهاهم حبّ الدنيا عن ذكر الله وجرّهم إلى الوحل في خرافاتهم وأوهامهم يضيف قائلا :( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ) .

والمراد من (ذكرنا) في إعتقاد أغلب المفسّرين هو «القرآن» ، وقد يفسّر بأنّه الدلائل المنطقية والعقلية التي توصل الإنسان إلى الله ، كما احتملوا أن يكون المراد هو ذكر الله الذي يقابل الغفلة عند الإنسان.

إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا التعبير ذو مفهوم واسع بحيث يشمل كلّ توجّه نحو الله ، سواء أكان ذلك عن طريق القرآن ، أو عن طريق العقل ، أو عن طريق السنّة ، أو تذكّر القيامة وما إلى ذلك!

ويستفاد من هذه الآية ـ ضمنا ـ أنّ هناك علاقة بين الغفلة عن ذكر الله والإقبال على الماديات ، وبين زخرف الدنيا وزبرجها وأنّ بينهما تأثيرا متلازما!

فالغفلة عن ذكر الله تسوق الإنسان نحو عبادة الدنيا ، كما أنّ عبادة الدنيا تصرف الإنسان عن ذكر الله ، فيكون غافلا عنه ـ وهما جميعا يقترنان مع هوى النفس ، وبالطبع فإنّ الخرافات التي تنسجم مع هوى النفس تتزيّن في نظر الإنسان وتتبدّل تدريجا إلى إعتقاد راسخ!

وربّما لا حاجة إلى التذكير أنّ الأمر بالإعراض عن هذه الفئة (أهل الدنيا) لا ينافي تبليغ الرسالة الذي هو وظيفة النّبي الأساسيّة ، لأنّ التبليغ والإنذار والبشارة كلّها لا تكون إلّا في موارد احتمال التأثير ، فحيث يعلم ويتيقّن عدم التأثير فلا يصحّ هدر الطاقات ، وينبغي الإعراض بعد إتمام الحجّة.

٢٤٧

كما ينبغي الإشارة إلى أنّ الأمر بالإعراض عمّن تولّى عن ذكر الله ، ليس مختصّا بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هو شامل لجميع الدعاة في طريق الحقّ ، ليصرفوا طاقاتهم الكريمة في ما يحتمل تأثيرها فيه ، أمّا عبدة الدنيا وموتى القلوب الذين لا أمل في هدايتهم فينبغي ـ بعد إتمام الحجّة عليهم ـ الإعراض عنهم ليحكم الله حكمه فيهم!.

وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث يثبت القرآن انحطاط أفكار هذه الفئة فيقول مضيفا :( ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) .

أجل ، إنّ أوج أفكارهم منته إلى هذا الحدّ وهو اسطورتهم أنّ الملائكة بنات الله!! ـ وخبطهم في الخرافات وهذه آخر نقطة تبلغ إليه همّتهم ، إذ نسوا الله وأقبلوا على الدنيا واستعاضوا عن جميع شرفهم ووجودهم بالدينار والدرهم!

وهذه الجملة( ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) يمكن أن تكون إشارة إلى خرافاتهم كعبادة الأصنام وجعلهم الملائكة بنات الله : أي أنّ منتهى علمهم هو هذه الأوهام!.

أو أنّها إشارة إلى حبّ الدنيا والأسر في قبضة الماديات ، أي أن؟ منتهى إدراكهم هو قناعتهم بالأكل والشرب والنوم والمتاع الفاني في هذه الدنيا وزبرجها وزخرفها إلخ.

وقد جاء في الدعاء المعروف في أعمال شعبان المنقول عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا»(١) .

وتختتم الآية بالقول :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى ) ختام الآية يشير إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ الله يعرف الضالّين جيّدا كما يعرف المهتدين أيضا ، فيصبّ غضبه على الضالّين ويسبغ لطفه على المهتدين ، ويجازي كلّا بعمله يوم القيامة.

* * *

__________________

(١) جاء هذا الدعاء من دون الإشارة إلى أنّه من أعمال شهر شعبان في مجمع البيان وفي تفاسير اخرى ذيل الآية محلّ البحث.

٢٤٨

ملاحظة

رأس مال عبدة الدنيا :

الطريف أنّ الآيات الآنفة في الوقت الذي تنسب العلم لعبدة الدنيا ، إلّا أنّها تعدّهم ضالّين ، وهذا يدلّ على أنّ العلوم التي لا تهدف إلى شيء سوى الماديّات فمن وجهة نظر القرآن ليست علوما ، بل هي الضلالة بعينها.

ومن الغريب أنّ كلّ هذه الشقوة والحروب وسفك الدماء والظلم والتجاوز والفساد والتلوّث ناشئ من علوم الضلال هذه ـ ومن الذين منتهى ما توصّلت إليه علومهم حبّ الدنيا والحياة الفانية ، ولا يتّسع أفق متطلّباتهم لأكثر من متطلّبات الحيوان.

أجل ، إنّ علوم «التقنية» والمسائل الحديثة إذا لم تكن تسعى لأهداف أسمى من الماديّات ، فهي الجهل بعينه ، وإذا لم تؤدّ إلى نور الإيمان فهي الضلال!.

* * *

٢٤٩

الآيتان

( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢) )

التّفسير

لا تزكّوا أنفسكم :

لمّا كان الكلام في الآيات المتقدّمة عن علم الله بالضالّين والمهتدين ، فإنّ الآيات أعلاه تتمّة لما جاء آنفا ، تقول :( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) .

فالمالكية المطلقة في عالم الوجود له وحده ، والحاكمية المطلقة على هذا العالم له أيضا ، ولذلك فإنّ تدبير عالم الوجود بيده فحسب. ولمّا كان الأمر كذلك فهو وحده الجدير بالعبادة والشفاعة!

إنّ هدفه الكبير من هذا الخلق الواسع ليتألّف الإنسان في عالم الوجود وليسير في مسير التكامل في ضوء المناهج التكوينية والتشريعيّة وتعليم الأنبياء

٢٥٠

وتربيتهم ، لذلك فإنّ القرآن يذكر نتيجة هذه المالكية فيختتم الآية بالقول :( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (١) .

ثمّ يصف القرآن المحسنين في الآية التالية فيقول :( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) .

و «الكبائر» جمع كبيرة ، و «الإثم» في الأصل هو العمل الذي يبعد الإنسان عن الخير والثواب ، لذلك يطلق على الذنب عادة ، و «اللمم» على وزن القلم ـ كما يقول الراغب في المفردات معناه الاقتراب من الذنب ، وقد يعبّر عن الذنوب الصغيرة باللمم أيضا ، وهذه الكلمة في الأصل مأخوذة من الإلمام ومعناها الاقتراب من شيء دون أدائه ، وقد يطلق «اللمم» على الأشياء القليلة أيضا «وإطلاقه على الذنوب الصغيرة من هذا الباب».

وقد فسّر المفسّرون «اللمم» في هذه الحدود ، فقال بعضهم : هو الذنوب الصغيرة ، وقال آخرون هو نيّة المعصية دون أدائها ، وفسّره غيرهم بأنّ اللمم معاص لا أهميّة لها.

وربّما قالوا بأنّ اللمم يشمل الذنوب الصغيرة والكبيرة على أن لا تكون معتادة والتي تقع أحيانا فيتذكّرها الإنسان فيتوب منها.

وهناك تفاسير متعدّدة لهذه الكلمة في الرّوايات الإسلامية ، فقد جاء من الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : اللمم الرجل يلمّ به الذنب فيستغفر الله منه(٢) وورد عنه أيضا أنّه قال : هو الذنب يلمّ به الرجل فيمكث ما شاء الله ثمّ يلمّ به بعد(٣) .

كما وردت روايات اخرى في هذا المعنى أيضا.

__________________

(١) «اللام» في (ليجزي) هي لام الغاية ، فبناء على ذلك الجزاء هو غاية الخلق ، وإن كان بعضهم يعتقد بأنّ «ليجزي» متعلّق بأعلم في الآية السابقة ، وأنّ جملة (ولله ما في السماوات والأرض) معترضة ، إلّا أنّ هذا الاحتمال يبدو بعيدا

(٢) الكافي ، ج ٢ كتاب الإيمان والكفر باب اللمم ٣٢٠.

(٣) المصدر السابق.

٢٥١

والقرائن الموجودة في هذه الآية تشهد على هذا المعنى أيضا إذ قد تصدر من الإنسان بعض الذنوب ، ثمّ يلتفت إليها فيتوب منها ، لأنّ استثناء اللمم من الكبائر (مع الالتفات إلى أنّ ظاهر الاستثناء كونه استثناء متّصلا) يشهد على هذا المعنى.

أضف إلى ذلك فإنّ الجملة التالية بعد الآية في القرآن تقول :( إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) !.

وهذا يدلّ على أنّ ذنبا صدر من الإنسان وهو بحاجة إلى غفران الله ، لا أنّه قصد الاقتراب منه ونواه دون أن يرتكبه.

وعلى كلّ فالمراد من الآية أنّ الذين أحسنوا من الممكن أن ينزلقوا في منزلق ما فيذنبوا ، إلّا أنّ الذنب على خلاف سجيّتهم وطبعهم وقلوبهم الطاهرة ـ وإنّما تقع الذنوب عرضا ، ولذلك فما أن يصدر منهم الذنب إلّا ندموا وتذكّروا وطلبوا المغفرة من الله سبحانه كما نقرأ في الآية (٢٠١) من سورة الأعراف إذ تشير إلى هذا المعنى :( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) .

ونظير هذا المعنى في الآية (١٣٥) من سورة آل عمران إذ تقول في وصف المحسنين والمتّقين :( وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) !

فكلّ هذا شاهد على ما جاء من تفسير «اللّمم».

ونختتم بحثنا هنا بحديث للإمام الصادقعليه‌السلام إذ أجاب على سؤال حول تفسير الآية ـ محلّ البحث ـ فقال : «اللمام العبد الذي يلمّ بالذنب بعد الذنب ليس من سليقته أي من طبيعته»(١) .

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ باب اللمم ص ٣٢١.

٢٥٢

ويتحدّث القرآن في ذيل الآية عن علم الله المطلق مؤكّدا عدالته في مجازاة عباده حسب أعمالهم فيقول :( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ) (١) .

وقوله : «أنشأكم من الأرض» أمّا هو باعتبار الخلق الأوّل عن طريق آدمعليه‌السلام الذي خلقه من تراب ، أو باعتبار أنّ ما يتشكّل منه وجود الإنسان كلّه من الأرض ، حيث له الأثر الكبير في التغذية وتركيب النطفة ، ثمّ بعد ذلك له الأثر في مراحل نمو الإنسان أيضا.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الهدف من هذه الآية أنّ الله مطّلع على أحوالكم وعليم بكم منذ كنتم ذرّات في الأرض ومن يوم انعقدت نطفتكم في أرحام الامّهات في أسجاف من الظلمات فكيف ـ مع هذه الحال ـ لا يعلم أعمالكم؟!

وهذا التعبير مقدّمة لما يليه من قوله تعالى :( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) !

فلا حاجة لتعريفكم وتزكيتكم وبيان أعمالكم الصالحة ، فهو مطّلع على أعمالكم وعلى ميزان خلوص نيّاتكم ، وهو أعرف بكم منكم ، ويعلم صفاتكم الداخلية والخارجية.

قال بعض المفسّرين أنّ الآيتين آنفتي الذكر نزلتا في جماعة كانوا يمدحون أنفسهم بعد أداء الصوم أو الصلاة فيقولون : إنّنا صلّينا وصمنا وقمنا بكذا وكذا. فنزلت الآيتان ونهتهم عن تزكية الأنفس(٢) .

* * *

__________________

(١) الأجنّة : جمع جنين : الطفل الذي في بطن امّه

(٢) روح المعاني ، ج ٧ ، ص ٥٥.

٢٥٣

بحوث

١ ـ علم الله المطلق

مرّة اخرى يشار في هاتين الآيتين إلى علم الله المطلق وسعته ، إلّا أنّ التعبير فيهما تعبير جديد ، لأنّه يستند إلى لطيفتين(١) وهما من أشدّ حالات الإنسان خفاء والتواء حالة خلق الإنسان من التراب إذ ما تزال عقول المفكّرين حائرة فيها ، فكيف يوجد موجود حي من موجود لا روح فيه (ميّت)؟ وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الأمر حدث في السابق سواء في الإنسان أو الحيوانات الاخر ، ولكن في أيّة ظروف؟! فالمسألة في غاية الخفاء والالتواء بحيث ما تزال أسرارها مطوية ومكتومة عن علم الإنسان.

والاخرى مسألة التحوّلات المفعمة بالأسرار في وجود الإنسان في مرحلة الجنين ، فهي أيضا من الأسرار الغامضة في كيفية خلق الإنسان وإن كان شبح منها قد انكشف لعلم البشر ، إلّا أنّ الأسئلة حول أسرار الجنين التي ما زالت دون جواب كثيرة.

فالمطّلع على هاتين ، الحالتين من جميع أسرار وجود الإنسان وتحوّلاته وتغييراته وهاديه ومربّيه ، كيف يكون غير عالم بأعماله وأفعاله! ولا يجازي كلّا بحسب ما يقتضيه عمله!

إذا ، فهذا العلم المطلق أساس عدالته المطلقة!

٢ ـ ما هي كبائر الإثم

هناك كلام طويل بين المفسّرين من جهة ، والفقهاء والمحدّثين من جهة اخرى في شأن الذنوب الكبيرة المشار إليها في بعض الآيات من القرآن(٢) .

__________________

(١) اللطيفة : ما فيها من دقّة وخفاء.

(٢) كما في النساء الآية (٣١) والشورى الآية (٣٧) والآيات محلّ البحث.

٢٥٤

فبعضهم يعتقد أنّ جميع الذنوب تعدّ من الكبائر ، لأنّ كلّ ذنب ـ أمام الخالق الكبير يعدّ ذنبا كبيرا.

في حين أنّ بعضهم ينظر إلى الذنوب نظرة نسبيّة فيرى كلّ ذنب بالنسبة إلى ما هو أهمّ منه صغيرا وبالعكس.

وقال آخرون إنّ الكبائر ما جاء الوعيد من قبل الله في القرآن بارتكابها!

وربّما قيل إنّ الكبائر ما يجري عليها «الحدّ» الشرعي.

إلّا أنّ الأفضل أنّ يقال بأنّه مع ملاحظة أنّ التعبير بالذنوب الكبيرة دليل على عظمها ، فكلّ ذنب فيه أحد الشروط التالية يعدّ كبيرا :

أ ـ الذنوب التي ورد الوعيد من قبل الله في شأنها والعذاب لمرتكبها.

ب ـ الذنوب المذكورة في نظر أهل الشرع ولسان الرّوايات بأنّها عظيمة.

ج ـ الذنوب التي عدّتها المصادر الشرعيّة أكبر من الذنوب التي هي من الكبائر.

د ـ وأخيرا الذنوب المصرّح بها في الرّوايات المعتبرة بأنّها من الكبائر!.

وقد ورد ذكر الكبائر في الرّوايات الإسلامية مختلفا عددها فيه ، إذ جاء في بعضها أنّها سبع «قتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والعودة إلى دار الكفر بعد الهجرة ، ورمي المحصنات بالزنا ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من [الزحف] الجهاد»(١) .

وقد جاء في بعض الرّوايات ذكر هذا النصّ : «كلّما أوجب عليه الله النار» [مكان عقوق الوالدين].

وجاء في بعض الرّوايات أنّها «عشر» ، وأوصلتها روايات أخر إلى «تسع عشرة» كبيرة! وربّما ترقّى هذا العدد إلى أكثر ممّا ذكر في بعض الرّوايات أيضا(٢) .

__________________

(١) الوسائل ، ج ١١ ـ أبواب جهاد النفس الباب ٤٦ الحديث ١.

(٢) لمزيد الإيضاح يراجع المصدر السابق الباب ٤٦ من أبواب جهاد النفس وقد جاء في هذا الباب سبع وثلاثون رواية

٢٥٥

وهذا التفاوت في عدد الكبائر هو لأنّ الذنوب الكبيرة ليست بمرتبة واحدة ، فبعضها أهمّ من بعض ، وبتعبير آخر يعدّ أكبر الكبائر ، فبناء على هذا لا تضادّ بين الرّوايات في اختلاف العدد.

٣ ـ تزكية النفس :

«تزكية النفس» قبيح إلى درجة أنّها يضرب بها المثل! فيقال تزكية المرء نفسه قبيحة.

وأساس هذا العمل القبيح وأصله عدم معرفة النفس ، لأنّ الإنسان إذا عرف نفسه حقّا تصاغر أمام عظمة الخالق ورأى أعماله لا شيء لما عليه من مسئولية ، ولما وهبه الله من النعم العظيمة ، وإذا لما خطا أيّة خطوة نحو تزكية النفس.

والغرور والغفلة والاستعلاء والأفكار الجاهلية أيضا بواعث أخر على هذا العمل القبيح!

وحيث أنّ تزكية النفس تكشف عن إعتقاد الإنسان بكماله فهي مدعاة إلى تخلّفه! لأنّ رمز التكامل الاعتراف بالتقصير وقبول وجود النواقص والضعف!

ومن هنا نرى أولياء الله يعترفون بتقصيرهم أمام الله وما عليهم من وظائف من قبله! وينهون الناس عن تزكية النفس وتعظيم أعمالهم!.

فقد ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام في تفسير الآية الكريمة( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) أنّه قال : «لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصومه وزكاته ونسكه لأنّ اللهعزوجل أعلم بمن اتّقى»(١) .

ويقول الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في إحدى رسائله إلى معاوية مشيرا إلى هذا المضمون في ما يقول : «ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٦٥.

٢٥٦

ذاكر فضائل جمّة ، تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجّها آذان السامعين» «يعني بذلك نفسهعليه‌السلام »(١) .

«وفي هذا الصدد أوردنا بحثا مفصّلا في هذا التّفسير ذيل الآية ٤٩ من سورة النساء فراجع إن شئت».

ولا ننسى أن نقول إنّ الضرورات قد توجب على الإنسان أحيانا تزكية نفسه أمام الغير بكلّ ما لديه من امتيازات حتّى لا تسحق أهدافه المقدّسة ، وبين هذا النوع من التعريف بالنفس وتزكية النفس المذموم اختلافا كبيرا.

ومن أمثلة ذلك خطبة الإمام زين العابدين في مسجد بني اميّة في الشام لما أراد أن يعرف نفسه وأهل بيته لأهل الشام ليحبط مؤامرة الأمويين بكون الحسين والشهداء معه خوارج ويفضحهم!!

وقد ورد في بعض الرّوايات أنّه سئل الإمام الصادق عن «تزكية النفس» فقال نعم إذا اضطرّ إليه ـ أما سمعت قول يوسف أحيانا للضرورة ـ ثمّ استدلّ بموضعين من كلام الأنبياء أحدهما اقتراح يوسف على عزيز مصر أن يكون مسئولا ومشرفا على خزائن مصر وتعقيبه :( إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وقول العبد الصالح :( أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ ) .(٢)

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، من كتاب له برقم ٢٨.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٦٦.

٢٥٧

الآيات

( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) )

سبب النّزول

ذكر أغلب المفسّرين أسبابا لنزول الآيات أعلاه ، إلّا أنّها لا تنسجم كثيرا مع الآيات هذه ، وما هو معروف بكثرة شأنان للنّزول :

١ ـ إنّ هذه الآيات ناظرة إلى «عثمان بن عفّان» حيث كانت لديه أموال طائلة وكان ينفق منها ، فقال له بعض أرحامه واسمه «عبد الله بن سعد» : إذا واصلت إنفاقك فلا يبقى عندك شيء ، فقال عثمان : لدي ذنوب وأريد أن أنال بإنفاقي رضا ربّي وعفوه. فقال له عبد الله : إن أعطيتني ناقتك بما عليها من جهاز تحمّلت ذنوبك وجعلتها في رقبتي ، ففعل عثمان وأشهده على ما اتّفق عليه وامتنع من الإنفاق بعدئذ. «فنزلت الآيات وذمّت هذا العمل بشدّة ، وأوضحت أنّه لا يمكن لأحد أن

٢٥٨

يحمل وزر الآخر وكلّ ينال جزاء سعيه»(١) .

٢ ـ إنّ الآية في شأن «الوليد بن المغيرة» إذ جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصبا إلى الإسلام فلامه بعض المشركين وقال : تركت ما كان عليه كبراؤنا وعددتهم ضلّالا وظننت أنّهم من أهل النار! فقال إنّي أخاف من عذاب الله. فقال له اللائم : إن أعطيتني شيئا من مالك ورجعت إلى الشرك تحمّلت وزرك وجعلته في رقبتي! ففعل الوليد بن المغيرة ذلك إلّا أنّه لم يعط من المال المتّفق عليه إلّا قليلا. فنزلت الآية ووبّخته على ارتداده من الإيمان(٢) .

التّفسير

كلّ يتحمّل مسئولية أعماله :

كان الكلام في الآيات السابقة في أن يجزي الله تعالى من أساء بإساءته ويثيب المحسنين بإحسانهم وبما أنّه من الممكن أن يتصوّر أن يعذّب أحد بذنب غيره أو أن يتحمّل أحد وزر غيره ، فقد جاءت هذه الآيات لتنفي هذا التوهّم في المقام ، وبيّنت هذا الأصل الإسلامي المهمّ أنّ كلّا يرى نتيجة عمله ، فقالت أوّلا :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ) أي تولّى من الإسلام أو الإنفاق!؟( وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى ) (٣) بمعنى أنّه أنفق القليل ثمّ امتنع وأمسك وهو يظنّ أنّ غيره سيحمل وزره يوم القيامة.

فأيّ رجل جاءهم من الغيب و «القيامة» فأخبرهم بأنّه يمكن أخذ الرشوة وتحمّل آثام الآخرين؟ أو من جاءهم من قبل الله فأخبرهم بأنّ الله راض عن هذا

__________________

(١) ذكره الطبرسي في مجمع البيان ومفسّرون آخرون أمثال الزمخشري في الكشّاف والفخر الرازي في التّفسير الكبير ويضيف الطبرسي أنّه ذكره ابن عبّاس والسدي والكلبي وجماعة من المفسّرين!

(٢) ذكر هذا الشأن صاحب مجمع البيان والقرطبي وروح البيان وروح المعاني وبعض التفاسير الاخر.

(٣) أكدى مأخوذ من الكدية ومعناه الصلابة ، ثمّ أطلق على من يمسك والبخيل.

٢٥٩

التعامل إلّا ما تدور في أذهانهم من أوهام؟ فهم يتّبعون ما يتوهّمون فرارا من تحمّل المسؤولية.

وبعد هذا تأتي الآية الاخرى لتبيّن اعتراض القرآن الشديد على ذلك ، وبيان لأصل كلّي مطّرد في الأديان السماوية كلّها فتقول : ترى أهذا الذي امتنع عن الإنفاق أو الإيمان بالوعود الخيالية. ويريد أن يخلص نفسه من عذاب الله بإنفاقه اليسير والزهيد من أمواله ، أتغنيه هذه الخيالات والتصوّرات :( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) (١) .

«إبراهيم» : هو ذلك النّبي العظيم الذي أدّي حقّ رسالة الله ، وبلّغ ما أمره به ووفي بجميع عهوده ومواثيقه ، ولم يخش تهديد قومه وطاغوت زمانه ، ذلك الإنسان الذي امتحن بمختلف الامتحانات حتّى بلغ به أن يقدّم ولده ليذبحه بأمر الله ، وخرج منتصرا مرفوع الرأس من جميع هذه الامتحانات ونال المقام السامي لقيادة الامّة كما نقرأ هذا المعنى في الآية (١٢٤) من سورة البقرة إذ تقول :( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) .

وقال بعض المفسّرين في توضيح معنى الآية : أنّه بذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للإخوان(٢) .

ثمّ تأتي الآية الاخرى لتقول :( أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) .

«الوزر» في الأصل مأخوذ من «الوزر» ـ على زنة خطر ـ ومعناه المأوى أو الكهف أو الملجأ الجبلي ، ثمّ استعلمت هذه الكلمة في الإعباء الثقيلة! لشباهتها الصخور الجبلية العظيمة ، وأطلقت على الذنب أيضا ، لأنّه يترك عبئا ثقيلا على ظهر الإنسان.

__________________

(١) وفّى مصدره توفية معناه البذل والأداء التامّ

(٢) روح البيان ، ج ٩ ، ص ٢٤٦.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

فالأمراض الجسميّة تبرز سماتها وأعراضها على الجسم في صورٍ مِن الشحوب والهزال والانهيار.

أمّا العلل النفسيّة والروحيّة فإنّ مضاعفاتها لا يتبيّنها إلاّ العارفون مِن الناس، حيث تبدو في صورٍ مقيتة مِن جموح النفس، وتمرّدها على الحقّ، ونزوعها إلى الآثام والمنكرات، وهيامها بحبّ المادّة وتقديسها وعبادتها، ونبذها للقيم الروحيّة ومثلها العليا، ممّا يوجِب مسخها وهبوطها إلى درك الحيوان.

مِن أجل ذلك كانت العِلَل الروحيّة والنفسيّة أصعب علاجاً، وأشدّ عناءً من العلل الجسميّة، لعُسر علاج الأُولى، ويُسرّ الثانية في الغالب.

وكانت عناية الحكماء والأولياء بتهذيب النفس، وتربية الوجدان أضعاف عنايتهم بالجسَد.

وهذا ما يحتم على كلّ واعٍ مستنير أن يعني بتركيز نفسه، وتصعيد كفاءتها، وتهذيب ملكاتها، ووقايتها مِن الشذوذ والانحراف، وذلك برعاية حقوقها، وحسن سياستها وتوجيهها.

وإليك طرَفاً مِن طلائع حقوق النفس:

١ - تثقيف النفس:

وذلك: بتنويرها بالمعرفة الإلهيّة والعقيدة الحقّة، وتزويدها بالمعارف النافعة، التي تنير للإنسان سبُل الهداية وتوجّهه وجهة الخير والسداد. وهذه هي

٥٠١

أسمى غايات النفس وأشواقها.

فهي تصبو إلى العقيدة، وتهفو إلى الإيمان باللّه عزّ وجل، وتتعشّق العِلم، وتهفو إلى استجلاء الحقائق، واستكشاف أسرار الكون وألغاز الحياة. تتطلّع إلى ذلك تطلّع الظمآن إلى الماء، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سَواءً بسواء، فإنْ ظفَرَت بذلك أحسّت بالطمأنينة والارتياح، وإنْ فقدَته شعَرت بالقلق والسأم.

٢ - إصلاح السريرة:

للإنسان صورتان: صورة ظاهريّة تتمثّل في إطار جسده المادّي، وصورة باطنيّة تتمثّل فيها خصائصه النفسيّة، وسجاياه الخلقيّة.

وكما تكون الصورة الظاهريّة هدفاً للمدح أو الذمّ، ومدعاة للحبِّ أو الكره نظراً لصفاتها الجميلة أو القبيحة.

كذلك الصورة الباطنيّة يعروها المدح والذم، وتبعث على الإعجاب أو الاستنكار، تبعاً لما تتّسم به مِن طيبةٍ أو خُبث، مِن تلألؤٍ أو ظلامٍ.

وكما يهتمّ العقلاء بتجميل صورهم المادّية، وإظهارها بالمظهر اللائق الجذّاب، كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنيّة، وتزيينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق. لتغدو وضّاءة مشعّة بألوان الخير والجمال. وذلك بتطهيرها مِن أوضار الرياء والنفاق، والحسَد والمكر ونحوها من السجايا الهابطة المقتية.

٥٠٢

من أجل ذلك حرّض أهل البيتعليهم‌السلام على تهذيب النفس وإصلاح السريرة، وحسن الطوية ؛ لتكون ينبوعاً ثرّاً فيّاضاً بشرف الفضائل وحُسن الأخلاق.

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتَب بعضهم بعضاً، كتبوا بثلاثٍ ليس معهن رابعة:

مَن كانت الآخرة همّه كفاه اللّه همّه مِن الدنيا، ومَن أصلَح سريرته أصلح اللّه علانِيَته، ومَن أصلح فيما بينه وبين اللّه عزّ وجل أصلح اللّه له فيما بينه وين الناس )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( ما مِن عبدٍ يسرّ خيراً، إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له خيراً، وما مِن عبدٍ يسرّ شراً، إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له شرّاً )(٢) .

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان، تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياءً، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم )(٣).

_____________________

(١) البحار م ١٤ ج ٢ ص ٢٠٤ عن الخصال والأمالي وثواب الأعمال للصدوق (ره).

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٤٧ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٤٨ عن الكافي.

٥٠٣

٣ - ضبط النفس:

تنزع النفس بغزائرها وشهواتها إلى الشذوذ والانحراف، وتخدع أربابها بسحرها الفاتن وأهوائها المضلّة، حتّى تجمح بهم في متاهات الغواية والضلال:( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي ) ( يوسف: ٥٣ ).

وهذا ما يُحفّز كلّ واعٍ مستنير، أنْ يُعني بضبط نفسه، والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والآثام، وترويضها على طاعة اللّه تعالى، وأتباع شرعته ومنهاجه.

وقد حثّ القرآن الكريم علي ضبط النفس، والحدّ مِن جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح.

قال تعالى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ( الشمس: ٧ - ١٠ ).

وقال تعالى:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٤١).

( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٣٧).

وهكذا حرّض أهل البيتعليهم‌السلام على ضبط النفس، وقمع نزَواتها، معتبرين ذلك أفضل صور الجهاد.

فعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سريّة، فلمّا رجعوا

٥٠٤

قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر ؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : جهاد النفس.

ثمّ قال: أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جنبيه )(١).

وعن عبد اللّه بن الحسن، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّعليه‌السلام عن أبيهاعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله ): ثلاث خصال، مَن كُن فيه، استكمل خصال الإيمان: الذي إذا رضيَ لم يُدخله رضاه في إثمٍ ولا باطل، وإذا غضِب لم يُخرجه الغضَب مِن الحقّ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له )(٢).

٤ - محاسبة النفس:

والمراد منها هو: محاسبة النفس في كلّ يوم عمّا عملته مِن الطاعات والمعاصي، والموازنة بينهما، فإنْ رجُحت كفّة الطاعات، شكَر المُحاسب اللّه على توفيقه لها، وفوزه بشرف طاعته ورضاه.

وإنْ رجُحت كفّة المعاصي أدّب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على إغفال الطاعة، والنزوع للآثام.

قال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : ( ليس منا من لم يحاسب

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ١٩٧ عن معاني الأخبار للصدوق.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٥٥٠ عن الخصال للصدوق.

٥٠٥

نفسه في كلّ يوم، فإنْ عمل حسنةً استزاد اللّه تعالى، وإنْ عمل سيّئة استغفر اللّه تعالى منها وتاب إليه )(١).

وقد بحثت هذا الموضوع في القسم الأوّل مِن هذا الكتاب فراجعه هناك.

هذه لمحات خاطفة مِن حقوق النفس، تفاديت الإطناب فيها خَشية السأم والملل.

وقد وقع الفراغ مِن هذه الأبحاث على يد مؤلّفها مهدي ابن المغفور له العلاّمة الحجّة السيّد علي الصدر ابن آية اللّه العظمى السيّد حسن الصدر- أعلى اللّه مقامهما - في ليلة الأربعاء ١٧ شوّال سنة ١٣٩٠ هجريّه والحمد للّه أوّلاً وآخراً.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

٥٠٦

فهرست تفصيلی

القسم الأوّل - الأخلاق العامّة ١

مُقدمَة الكِتَابَ.. ٥

حُسن الخُلق. ١١

سُوء الخلق: ١٩

الأخلاق بين الاستقامة والانحراف: ٢٠

علاج سوء الخلق: ٢٢

الصـدق. ٢٣

مآثر الصدق: ٢٤

أقسام الصدق: ٢٦

الكذِب.. ٢٧

مساوئ الكذِب: ٢٨

دواعي الكذِب: ٢٩

أنواع الكذب: ٣٠

أضرار اليمين الكاذبة وشهادة الزور: ٣١

علاج الكذب: ٣٣

مسوّغات الكذب: ٣٤

الحِلْم وكظم الغيظ. ٣٥

الغضَب.. ٤٣

بواعِث الغضَب: ٤٤

أضرار الغضب: ٤٥

الغضب بين المدح والذم: ٤٥

علاج الغضب: ٤٦

التواضع. ٤٩

التكبّر ٥٥

مساوئ التكبّر: ٥٧

بواعث التكبّر: ٥٨

٥٠٧

درجات التكبّر: ٥٩

أنواع التكبّر: ٦٠

علاج التكبّر: ٦٠

القناعة ٦٣

محاسن القناعة: ٦٤

الحِرص.. ٦٧

مساوئ الحرص: ٦٨

علاج الحرص: ٦٩

الكـرَم ٧١

محاسن الكرَم: ٧٢

مجالات الكرَم: ٧٣

بواعِث الكرَم: ٧٥

الإيثـار ٧٧

البُخـل. ٨٠

مساوئ البُخل: ٨١

صور البُخل: ٨٢

علاج البُخل: ٨٢

العفّة ٨٨

حقيقة العفّة: ٨٩

الاعتدال المطلوب: ٨٩

محاسن العفّة: ٩٠

الشره ٩١

مساوئ الشره: ٩٢

علاج الشرَه: ٩٣

الأمانة والخيانة ٩٥

محاسن الأمانة ومساوئ الخيانة: ٩٦

صوَر الخيانة: ٩٧

٥٠٨

التآخي. ٩٩

التآخي الروحي: ٩٩

العصبيّة ١٠٤

حقيقة العصبيّة: ١٠٦

غوائل العصبية: ١٠٧

العدل. ١٠٨

أنواع العدل: ١٠٩

محاسن العدل: ١١١

الظلم. ١١٦

أنواع الظلم: ١١٩

وخامة الظلم: ١٢٣

علاج الظلم: ١٢٤

الإخلاص.. ١٢٦

فضيلة الإخلاص: ١٢٧

عوائق الإخلاص: ١٢٨

كيف نكسب الإخلاص: ١٢٩

الرياء ١٣١

أقسام الرياء ١٣٣

دواعي الرياء: ١٣٣

حقائق: ١٣٤

مساوئ الرياء: ١٣٦

علاج الرياء: ١٣٧

علاج الرياء العمَلي: ١٣٧

العُجُب.. ١٣٩

مساوئ العجُب: ١٤١

علاج العُجُب: ١٤١

٥٠٩

اليقين. ١٤٣

خصائص الموقنين: ١٤٥

درجات الايمان: ١٤٦

أنواع الايمان: ١٤٧

الصبر. ١٥٠

أقسام الصبر. ١٥٢

(١) الصبر على المكاره والنوائب: ١٥٢

(٢) الصبر على طاعة اللّه والتصبّر عن عصيانه: ١٥٦

(٣) الصبر على النِّعَم: ١٥٧

محاسن الصبر: ١٥٨

كيف تكسب الصبر: ١٥٩

الشُّكر ١٦١

أقسام الشكر: ١٦٣

فضيلة الشكر: ١٦٤

كيف نتحلّى بالشكر: ١٦٦

التوكّل. ١٦٨

حقيقة التوكّل: ١٧٠

درجات التوكّل: ١٧١

محاسن التوكّل: ١٧٢

كيف تكسب التوكّل: ١٧٣

الخوف من اللّه تعالى. ١٧٦

الخوف بين المدّ والجزر: ١٧٨

محاسن الخوف: ١٧٨

كيف نستشعر الخوف: ١٨٠

طرف مِن قَصص الخائفين: ١٨١

الرجاء من اللّه تعالى. ١٨٣

واقع الرجاء ١٨٩

٥١٠

الحكمة في الترجّي والتخويف.. ١٩٠

الغرور ١٩٢

( أ ) الاغترار بالدنيا ١٩٣

القانون الخالد: ١٩٦

مساوئ الاغترار بالدنيا: ١٩٩

علاج هذا الغرور: ٢٠٠

( ب ) غرور العلم. ٢٠٤

( ج ) غرور الجاه ٢٠٧

الجاه بين المدح والذم: ٢٠٩

(د) غرور المال. ٢١٠

المال بين المدح والذم: ٢١١

( هـ ) غرور النسب.. ٢١٣

الحسَد. ٢١٥

بواعث الحسَد: ٢١٦

مساوئ الحسَد: ٢١٨

علاج الحسَد: ٢١٩

الغيبة ٢٢١

التصامُم عن الغيبة: ٢٢٢

بواعث الغيبة: ٢٢٣

مساوئ الغيبة: ٢٢٤

مسوّغات الغيبة: ٢٢٥

علاج الغيبة: ٢٢٧

كفّارة الغيبة: ٢٢٧

البهتان. ٢٢٩

النميمة ٢٣٠

بواعث النميمة: ٢٣٢

مساوئ النميمة: ٢٣٢

٥١١

كيف تعامل النمّام: ٢٣٢

السعاية: ٢٣٤

الفُحش والسَّب والقَذف.. ٢٣٥

بواعِث البَذاء ٢٣٨

مساوئ المُهاتَرات: ٢٣٨

السُّخرية ٢٣٩

الكلِم الطيّب.. ٢٤١

غوائل الذنوب.. ٢٤٦

التوبة ٢٥٣

حقيقة التوبة: ٢٥٣

فضائل التوبة: ٢٥٤

وجوب التوبة وفوريّتها: ٢٥٧

تجديد التوبة: ٢٥٨

منهاج التوبة: ٢٦٠

قبول التوبة: ٢٦١

أشواق التوبة: ٢٦٢

محاسبة النفس ومراقبتها ٢٦٣

دستور المحاسبة: ٢٦٥

اغتنام فرصة العمر: ٢٦٧

العمل الصالح. ٢٧٢

طاعة اللّه وتقواه: ٢٧٦

حقيقة الطاعة والتقوى: ٢٧٩

الثبات على المبدأ ٢٨٣

القسم الثاني - في الحقوق والواجبات.. ٢٩٣

تمهيد. ٢٩٥

الحقوق الإلهيّة ٢٩٩

١ - العبادة: ٣٠٠

٥١٢

٢ - الطاعة: ٣٠٢

٣ - الشكر: ٣٠٣

٤ - التوكّل: ٣٠٤

حقوق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.... ٣٠٥

١ - طاعته: ٣٠٦

٢ - محبّته: ٣٠٧

٣ - الصلاة عليه: ٣١٠

٤ - مودّة أهل بيته الطاهرين: ٣١٣

حقوق الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام.... ٣٢٠

فضلهم: ٣٢٠

١ - معرفتهم: ٣٢٠

٢ - موالاتهم: ٣٢٢

٣ - طاعتهم: ٣٢٤

٤ - أداء حقّهم مِن الخُمس: ٣٢٦

٥ - الإحسان إلى ذرّيتهم: ٣٢٧

٦ - مدحهم ونشر فضلهم: ٣٢٨

٧ - زيارة مشاهدهم: ٣٣٢

حقُوق العلماء ٣٣٥

فضل العلم والعلماء: ٣٣٥

١ - توقيرهم: ٣٣٨

٢ - بِرّهم: ٣٣٩

٣ - الاهتداء بهم: ٣٤٠

حقوق الأساتذة والطلاب.. ٣٤٣

حقوق الطلاّب.. ٣٤٥

حقوق الوالدين والأولاد ٣٤٩

حقوق الوالدين. ٣٤٩

برّ الوالدين: ٣٥٠

٥١٣

عقوق الوالدين. ٣٥٥

مساوئ العقوق: ٣٥٧

حقوق الأولاد: ٣٦٠

حكمة التأديب: ٣٦٣

المدرسة الأولى للطفل: ٣٦٣

منهاج التأديب: ٣٦٤

الحقوق الزوجيّة ٣٦٦

فضل الزواج. ٣٦٦

١ - فوائد الزواج: ٣٦٧

٢ - ومِن منافع الزواج: ٣٦٨

٣ - ومِن آثار الزواج: ٣٦٨

السعادة الزوجيّة: ٣٦٩

الزوج المثالي: ٣٦٩

الزوجة المثاليّة: ٣٧١

رعاية الحقوق: ٣٧٢

حقوق الزوج. ٣٧٣

١ - الطاعة: ٣٧٣

٢ - المداراة: ٣٧٥

٣ - الصيانة: ٣٧٨

حقوق الزوجة ٣٧٩

١ - النفقة: ٣٧٩

التوسعة على العيال: ٣٨٠

٢ - حسن العشرة: ٣٨١

٣ - الحماية: ٣٨٢

الحقوق المزيّفة ٣٨٣

١ - السفور: ٣٨٤

الأضرار الخُلقيّة: ٣٨٥

٥١٤

الأضرار الصحيّة: ٣٨٨

الأضرار الاجتماعيّة: ٣٨٩

منزلة المرأة في الإسلام ٣٩٨

المرأة في التاريخ القديم. ٣٩٩

المرأة في المجتمع العربي الجاهلي: ٤٠١

المرأة في الحضارة الغربية الحديثة: ٤٠٢

تحرير المرأة في الإسلام ٤٠٣

المساواة بين الرجل والمرأة ٤١٢

التمايز بين الجنسين. ٤١٧

١ - القوامة: ٤١٨

٢ - إيثار الرجل على المرأة في الإرث: ٤١٩

٣- الشهادة: ٤٢٠

٤ - تعدّد الزوجات: ٤٢١

أ - المبرّرات: ٤٢٣

ب - الحروب: ٤٢٥

الطلاق في الإسلام ٤٢٧

حقوق الأقرباء ٤٣١

فضل الأقرباء: ٤٣١

صلة الرحم: ٤٣١

خصائص صلة الرحم: ٤٣٤

قطيعة الرحم: ٤٣٥

مساوئ قطيعة الرحم: ٤٣٨

حقوق الأصدقاء ٤٣٩

فضل الأصدقاء ٤٣٩

واقع الصداقة والأصدقاء: ٤٤٠

اختيار الصديق: ٤٤٢

خِلال الصديق المثالي: ٤٤٣

٥١٥

مقاييس الحبّ.. ٤٤٧

الصداقة بين المدّ والجزر: ٤٤٨

حقوق الأصدقاء: ٤٤٩

١ - الرعاية الماديّة: ٤٤٩

٢ - الرعاية الأدبيّة: ٤٥١

٣ - المداراة: ٤٥٢

الاعتدال في حبّ الصديق والثقة به: ٤٥٦

حقوق الجِوار ٤٥٨

التآزر والتعاطف: ٤٥٨

حقوق الجار: ٤٦٠

حقوق المجتمع الإسلامي. ٤٦٢

فضل المجتمع الإسلامي: ٤٦٢

حقوق المجتمع الإسلامي: ٤٦٤

١ - حقُّ الحياة: ٤٦٤

٢ - حقُّ الكرامة: ٤٦٥

٣ - حقُّ الحريّة: ٤٦٩

أ - الحريّة الدينيّة: ٤٦٩

ب - الحريّة المدنيّة: ٤٧٠

ج - حريّة الدعوة الإسلاميّة: ٤٧٠

٤ - حقُّ المساواة: ٤٧١

المساواة في الإسلام ٤٧٣

٥ - حقّ العِلم: ٤٧٨

٦ - حقّ الملكيّة: ٤٧٩

٧ - حق الرعاية الإسلاميّة: ٤٨١

أ - إطعامه وسقيه: ٤٨٢

ب - إكساء المؤمن: ٤٨٣

ج - قضاء حاجة المؤمن: ٤٨٤

٥١٦

د - مسرّة المؤمن: ٤٨٥

هـ - زيارة المؤمن: ٤٨٦

الحاكمون وواجباتهم. ٤٨٧

حقوق الرعيّة على الحاكم: ٤٩٠

أ - العدل: ٤٩٠

ب - الصلاح: ٤٩١

ج - الرفق: ٤٩١

مظاهر الرفق: ٤٩٢

آثار الرفق: ٤٩٣

د - اختبار الأعوان: ٤٩٣

هـ - محاسبة العمّال والموظفين: ٤٩٤

و - إسعاد الرعيّة: ٤٩٤

حقوق الحاكم على الرعيّة ٤٩٥

حاجات الجسم والنفس.. ٤٩٩

حقوق الجسَد: ٥٠٠

حقوق النفس: ٥٠٠

١ - تثقيف النفس: ٥٠١

٢ - إصلاح السريرة: ٥٠٢

٣ - ضبط النفس: ٥٠٤

٤ - محاسبة النفس: ٥٠٥

٥١٧

518

519

520

521

522

523

524

525

526