الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151382 / تحميل: 5595
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

قول الله أصدق مِن قولك

زرارة قال: دخلت أنا وحمران على أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، فقلت له: مَن وافقنا مِن علويٍّ أو غيره تولَّيناه، ومَن خالفنا مِن علويٍّ أو غيره برِئنا منه.

فقال لي: (يا زرارة، قول الله أصدق مِن قولك، فأين الذين قال الله عَزَّ وجَلَّ: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيل ) (1).

أين المُرجَون لأمر الله؟!

أين الذين خلطوا عَملاً صالحاً وآخر سيِّئاً؟!

أين أصحاب الأعراف؟!

أين المُؤلَّفة قلوبهم؟!) (2) .

____________________

(1) النساء: 98.

(2) المعاد، ج1.

١٠١

...............................

إنَّ سعد بن عبادة قال: إنَّ بَكراً أخا بني ساعدة، توفِّيت أُمَّه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إنَّ أُمِّي توفِّيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إنْ تصدَّقت بشيء عنها؟

قال: (نعم).

قال: فإنِّي أُشهِدك أنَّ حائط المَخْرَف صدقة عليها.

الولد الصالح كالصدقة الجارية، مصدر أجر وثواب للوالدين في عالم البرزخ، فالولد الصالح يستغفر أحياناً لوالديه، وهذا الأمر يجعل الوالدين يتمتَّعان بالعفوِّ الإلهي، والرحمة الإلهيَّة في عالم البرزخ، أو أنَّ الولد الصالح، ونظراً لأنَّ تربيته تربية صالحة مِن قِبَل أبويه، هي التي جعلته يقوم بهذا العمل الصالح الحسن؛ فإنَّ ثواب وأجر هذا العمل الصالح، الذي قام به الولد يعود إلى والديه في عالم البرزخ.

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

مَرَّ عيسى بن مريم (عليه السلام) بقبر يُعذَّب صاحبه، ثمَّ مَرَّ به مِن قابل، فإذا هو ليس يُعذَّب، فقال: (يا رَبِّ مررت بهذا القبر عامَ أوَّلٍ فكان صاحبه يُعذَّب؟!).

فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه: (يا روح الله، إنَّه أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً وآوى يتيماً؛ فغفرت له بما فعل ابنه) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٢

كرامة عبد المُطَّلب جَدُّ النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

قام إبراهيم الخليل، وابنه إسماعيل، بأمر مِن الله ببناء الكعبة، وإقامة ذلك البيت المَقْدس، وأقام إسماعيل في مَكَّة، وكان إبراهيم (عليه السلام) يأتي إلى مَكَّة في مواسم الحَجِّ، وكان إسماعيل يشكو لوالده شُحَّ المياه، وطلب منه أنْ يُساعده للتغلُّب على هذه المُشكلة، فأوحى الله إلى إبراهيم أنْ يقوم بحفر بئر لتأمين مِياه الشِّرب للحجيج، وتوفير سُبل الراحة لهم، وبالطبع فإنَّ عمليَّة حَفر البئر في تلك المنطقة، والوصول إلى الماء لم تكن عمليَّة سهلة، فأمر الله جبرائيل أنْ يُحدِّد نقطة مُعيَّنة، أو مكان مُعيَّن يُحفر فيه البئر، وهذا المكان هو الذي يقع فيه اليوم بِئر زمزم.

قاموا بالفعل بحفر البئر، وخلافاً للتوقُّعات، وصلوا إلى الماء على عُمقٍ قليل، وفرحوا كثيراً لهذه العناية الإلهيَّة.

بعد ذلك، طلب جبرائيل مِن إبراهيم أنْ ينزل إلى داخل البئر، وتبعه جبرائيل الذي طلب مِن إبراهيم أنْ يضرب بفأسه في كلِّ زاوية مِن الزوايا الأربع، في قعر البئر، وأنْ يذكر اسم الله في كلِّ مَرَّة يضرب فيها بمِعوله، وكان إبراهيم يفعل ذلك، فكان الماء يتدفَّق مِن كلِّ زاوية مِن زوايا البئر.

فقال جبرائيل: (يا إبراهيم، اشرب الآن مِن ماء البئر وادع لولدك بالبركة)، ثمَّ خرج إبراهيم وجبرائيل مِن البئر.

وفي فترة كانت قبيلة جُرهم تُسيطر على مدينة مَكَّة، وتتولَّى سَدانة الحرم الإلهي، حيث كان المسؤولون عن شؤون الكعبة، يستلمون الهدايا والقرابين، التي كان الناس في الجاهليَّة يهدونها ويُقدِّمونها إلى آلهتهم، التي كانت موجودة في داخل الكعبة، ويحتفظون بها في مكان خاصٍّ يخضع لإشرافهم.

كان في الكعبة غَزالان مِن ذهب، وخمسة أسياف فلمَّا غلبت خُزاعة جُرهم على

١٠٣

الحرم، ألقت جُرهم الأسياف والغزالين في بِئر زمزم، وألقوا فيها الحِجارة، وطمُّوها وعموا أثرها، فلمَّا غلب قُصي على خُزاعة، لم يعرفوا موضع زمزم وعَمِيَ عليهم، وبقي مكان بئر زمزم مجهولاً لا يعرفه أحد، حتى جاء دور السيادة لعبد المُطَّلب جَدِّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي كان يحظى بمكانةٍ عظيمة، وموقعٍ اجتماعيٍّ كبيرٍ بين القبائل العربيَّة في ذلك الوقت؛ بحيث إنَّهم كانوا يفرشون له البساط لكي يستريح عليه في ظِلِّ جِدار الكعبة، ولم يكونوا يفعلون ذلك لأحدٍ مِن قبله، وفي إحدى المَرَّات، عندما كان عبد المُطَّلب نائماً عند جدار الكعبة، رأى في المنام أنَّ شَخصاً جاء إليه، وقال له: احفر زمزم واعلم أنَّه يوجد في مكان زمزم غُراب أبيض الجناحين، ووَكر للنمل، وكان بالفعل يوجد في مكان بئر زمزم صخرة، تحتها وَكْر للنمل، وفي النهار عندما كان النمل يخرج مِن وكره، كان يأتي غراب أبيض الجناح، ويلتقط النمل بمنقاره ويأكله.

وقد عرف عبد المُطَّلب مكان بئر زمزم، استناداً إلى تلك الرُّؤيا الحقيقية؛ فقام هو وأبناؤه بحفر ذلك المكان، وأزالوا عنه الحِجارة والرِّمال، حتَّى عثروا على الماء، فكبَّروا الله.

مِن خلال هذه الرُّؤيا ظهر مكان بئر زمزم، الذي كان يجهله الناس في ذلك الوقت، ظهر بصورة حقيقيَّة كما هو، وتعرَّف عبد المُطَّلب - بموجب تلك الرُّؤيا - على مكان البئر المجهول، وأُلهِم بحقيقة كانت مَخفيَّة وغير معروفة، دون أنْ تكون هناك حاجة إلى تفسير هذه الرؤيا (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٤

عبد المُطَّلب وحُلْم الشجرة التي تنبت في ظهره

كان عبد المُطَّلب في إحدى الليالي إلى جانب الكعبة، بالقُرب مِن الحَجر الأسود، فرأى حُلْماً بَدَّاً عَجيباً بنظره، فسيطر عليه الخوف والهلع؛ فذهب إلى أحد مُفسِّري الأحلام، وأخبره بما رآه في المنام، وقال: رأيت في المنام أنَّ شجرة نبتت في ظهري، امتدَّت أغصانها إلى عِنان السماء، وغطَّت أوراقها وأغصانها الشرق والغرب، ثمَّ رأيت نوراً ينبعث مِن تلك الشجرة، وهو أكثر بريقاً مِن نور الشمس وضوئها، ورأيت الناس مِن العرب والعَجم يسجدون لهذه الشجرة، وكلُّ يوم كان يمرُّ كانت هذه الشجرة تزداد نوراً، ورأيت أنَّ جماعة مِن قريش جاءت لكي تجتثُّ تلك الشجرة، وتقتلعها مِن جذورها، ولكنْ كلَّما اقتربوا مِن تلك الشجرة بهدف الإساءة إليها، كان يظهر شابٌّ حَسَن الملبس والمظهر، فيصدُّهم عنها، ويقصم ظهورهم، ويقتلع عيونهم، وقد مدْدْت يدي لكي آخذ غِصناً مِن أغصانها؛ فصاح بي الشابُّ الوسيم قائلاً: أنْ أيضاً ليس لك نصيب مِن هذه الشجرة، فقلت له: ومَن هم الذين لهم نصيب منها؟

فقال: إنَّ هذه الشجرة هي مِلك للذين يتمسَّكون بها، ويُمسكون بأغصانها؛ فتغيَّر وجه الشخص الذي كان يستمع إلى هذه الرؤيا مِن عبد المُطَّلب واضطربت أحواله.

ثمَّ قال: لئِن صدقت، ليخرجَنَّ مِن صُلْبك وَلد يَمْلك الشرق والغرب، ويُنبِّأ في الناس... وكان أبو طالب يُحدِّث بهذا الحديث، والنبي قد خرج ويقول: كانت الشجرة - والله - أبا القاسم الأمين.

ووفقاً لما قاله الشخص، الذي فسَّر هذه الرؤيا، فإنَّ الرؤيا المذكورة تتضمَّن مجموعة مِن الأنباء الغيبيَّة، بدأت تتحقَّق بصورة تدريجيَّة بعد ذلك بعشرات السنين، ففي بداية الأمر يُرزَق عبد المُطَّلب بولدٍ.

١٠٥

وثانياً: هذا الولد يَحُكم الشرق والغرب.

وثالثاً: يقوم بنشر وترويج التعاليم الإلهيَّة بين الناس.

ورابعاً: هذا المولود يرتفع نجمه، وتزداد شُهرته، وتتعزَّز مكانته يوماً بعد يوم.

خامساً: مجموعة مِن قريش تبدأ في مُناهضته ومُعارضة رسالته، وبالتالي فهي تسعى للقضاء عليه.

سادساً: إنَّ شابَّاً ينبري للدفاع عن هذه الشجرة، ويقضي على المُعارضين، وهذا الشاب ليس سوى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

سابعاً: إنَّ يَد عبد المُطَّلب لا تصل إلى أغصان الشجرة؛ لأنَّه يُفارق الحياة قبل أنْ يُبعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٦

إيَّاكم وتعلُّم النجوم إلاَّ ما يُهتدى به في بَرٍّ أو بحر

عندما أعدَّ عليٌّ (عليه السلام) جنوده لمُحاربة الخوارج، واستعدَّ للانطلاق، تقدَّم إليه رجل، وقال له: إذا ذهبت إلى الحرب في هذا الوقت بالذات، أخاف أنْ لا تحقَّق هدفك، وتعود مُنهزماً، وقد عرفت ذلك عن طريق الحسابات الفلكيَّة، والتدقيق في أوضاع الكواكب والنجوم في السماء.

فقال (عليه السلام): (أتزعم أنَّك تهدي إلى الساعة، التي مَن سار فيها صُرِف عنه السوء، وتُخوِّف مِن الساعة، التي مَن سار فيها حاق به الضُّرُّ؟! فمَن صَدَّقك بهذا؛ فقد كَذَّب القرآن؛ واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المَحبوب، ودفع المكروه، وتبتغي في قولك للعامل بأمرك أنْ يُولْيك الحمد دون رَبِّه؛ لأنَّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فهيا النفع وأمن الضُّرَّ).

ثمَّ أقبل (عليه السلام) على الناس فقال: (أيُّها الناس، إيَّاكم وتعلُّم النجوم، إلاَّ ما يُهتدى به في بَرٍّ أو بحرٍ؛ فإنَّها تدعو إلى الكَهانة، والمُنجِّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٧

ما مؤمن يموت..

إلاَّ قيل لروحه: الحَقْي بوادي السلام

عن حبَّة العَرني قال: خرجت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الظهر، فوقف بوادي السلام، كأنَّه مُخاطب لأقوام، فقُمت بقيامه حتَّى أعييت، ثمَّ جلست حتَّى مَلَلت، ثمَّ قُمت حتَّى نالني مِثل ما نالني أوَّلاً، ثمَّ جلست حتَّى مَلَلت، ثمَّ قُمت وجمعت ردائي، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنِّي قد أشفقت عليك مِن طول القيام فراحة ساعة.

ثمَّ طرحت الرداء ليجلِس عليه، فقال لي: (يا حبَّة، إنْ هو إلاّ مُحادثة مؤمن أو مُؤانسته).

قلت: يا أمير المؤمنين، وإنَّهم لكذلك؟!

قال: (نعم، ولو كُشِف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً، مُحتَبين يتحادثون).

فقلت: أجسام أمْ أرواح؟

فقال: (أرواح، وما مؤمن يموت في بُقعة مِن بِقاع الأرض، إلاَّ قيل لروحه: الحقي بوادي السلام، وإنَّها لبُقعة مِن جَنَّة عَدْنٍ) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١٠٨

سلمان وتكليم المَيِّت له

عيَّن أمير المؤمنين (عليه السلام) سلمان الفارسي والياً على المَدائن.

ويقول أصبغ بن نُباتة: كنت مع سلمان في المدائن، وكنت أُكثِر مِن زيارته ولقائه. وفي أحد الأيَّام ذهبت لعيادته عندما كان مريضاً، وهو المرض الذي أودى بحياته في نهاية الأمر، وكنت أعوده باستمرار، وأسأل عن حاله وشيئاً فشيئاً اشتدَّ به المرض، وأيقن بالموت، فالتفت إليَّ وقال لي: يا أصبغ، عهدي برسول الله يقول: (يا سلمان، سيُكلِّمك مَيِّت إذا دنت وفاتك)، وقد اشتهيت أنْ أدري أدنت أم لا؟.

فقال أصبغ: يا سلمان، اطلب ما تُريده فسأُنجزه لك.

فقال: تذهب الآن، وتُحضِر لي تابوتاً، وتفرش في داخله نفس البساط الذي يُفرش للموتى عندما يوضعون داخل التابوت، ومِن ثمَّ تُحضر معك أربعة أشخاص، فتحملوني إلى المقبرة، فقام أصبغ على عَجَلٍ، وعاد بعد ساعة وقد أحضر كلَّ ما طلبه منه سلمان الفارسي، وفعل كلَّ ما أمره به، وحمله إلى المقبرة، وعندما وصل إلى هناك وضع التابوت على الأرض.

فقال سلمان: ضعوني أمام القبلة؛ ففعلوا ذلك، عندها نادى سلمان بأعلى صوته:

السلام عليكم يا أهل عَرصة البلاء، السلام عليكم يا مُحتجبين عن الدنيا، فلم يسمع جواباً. ثمَّ كرَّر السلام عليهم قائلاً:

أقسمتكم بالله وبرسوله الكريم، أنْ يُجيبني واحد منكم، فأنا سلمان الفارسي صاحب رسول الله، وهو الذي أخبرني: بأنَّه إذا دنا أجلي، فإنَّ مَيِّتاً سيُكلِّمني، وإنِّي أُريد أنْ أعرف هل دنا أجلي أم لا؟

عندها سمع سلمان الجواب مِن الروح الذي رَدَّ السلام، وقال لسلمان:

لقد سمعنا كلامك، فاسأل ما تُريد.

١٠٩

فسأل سلمان الروح قائلاً: هل أنت مِن أهل الجَنَّة أمْ مِن أهل النار؟

فقال الروح: بلْ أنا مِن الذين شملتهم الرَّحمة والمَغفرة الإلهيَّة وفازا بالجَنَّة.

ثمَّ سأل سلمان الروح عن كيفيَّة مُفارقته الدنيا، وعن الأوضاع بعد الموت، وكان الروح يُجيب على أسئلة سلمان الفارسي واحداً واحداً، وبعد أنْ انتهى الحديث بين سلمان والروح، أخرجوه مِن التابوت، ووضعوه على الأرض فتوجَّه سلمان إلى الله قائلاً:

يا مَن بيده ملكوت كلِّ شيء، وإليه تُرجعون، وهو يُجير ولا يُجار عليه، بك آمنت ولنبيِّك اتَّبعت، وبكتابك صدقت، وقد أتاني ما وعدتني، يا مَن لا يُخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك، وأنزلني دار كرامتك (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١١٠

صَفاء الروح وقوَّة الحُلْم

قبل سنوات عديدة، كان يعيش في إحدى مُدن إيران رجل شريف ومؤمن، وكان ولده الأكبر أيضاً رجلاً صالحاً ومؤمناً، كوالده وكان الأب والابن يعيشان في منزلٍ عاديٍّ، في وضع ماديٍّ صعب؛ حيث كانا يقتصدان كثيراً في النفقات؛ لكي يُحافظا على سُمعتهما، ولا يمدَّا يد الحاجة إلى الآخرين، وقد بلغ بهما الوضع حَدَّاً، بحيث إنَّهما صارا يستعملا ماء الحنفيَّة في المنزل للشرب والطبخ فقط. أمَّا لغسل الملابس ومَلء الحوض الموجود في باحة المنزل، وسقي حديقة المنزل، فإنَّهما كانا يستعملان ماء البئر، كما أنَّهما قاما ببناء غرفة صغيرة فوق البئر؛ لكي تقي الأشخاص الذين يُريدون إخراج الماء، مِن البئر الحَرَّ، وأشعَّة الشمس المُحرقة في فصل الصيف، والبرد والأمطار والثلوج في فصل الشتاء، كما أنَّ وجود مِثل هذه الغرفة الصغيرة، يمنع سقوط الأجسام الغريبة، والقاذورات، والأحجار، وغيرها في داخل البئر، وبالتالي تُحافظ على نظافة البئر.

لقد كان الأب وابنه يقومان - بنفسهما - بسحب الماء مِن البئر، ولم يستأجرا أحداً للقيام بهذا العمل.

وفي أحد الأيَّام، لاحظ الأب وابنه أنَّ الطبقة الطينيَّة، التي تُغطِّي سقف هذه الغرفة مِن الداخل، يُمكن أنْ تسقط على الأرض، أو في داخل البئر، أو يُمكن أنْ تسقط على رأس أحد، يُصادف وجوده في الغرفة في تلك اللحظة، ونظراً لأنَّهما لا يملكان المال اللازم لاستخدام عمَّال بناء، يقومون بصيانة السقف وترميمه، فقد قررَّا أنْ يقوما بنفسيهما بهذا العمل في يوم عطلة.

وبالفعل قاما في اليوم المُتَّفق عليه بتغطية فوهة البئر، بقطع الأخشاب، وقطعة مِن البساط، وبدءا بإزالة الطبقة الطينيَّة مِن السقف، وقاما بتجميع هذه القطع في باحة

١١١

المنزل، وصبَّا عليها الماء، حتَّى أصبحت ليِّنة طريَّة، وأخذ الأب يقوم بعمل البناء، وابنه يُناوله الطين، حتَّى انتهى الأب مِن تغطية سقف الغرفة بأكمله، بالطين المخلوط بالقَشِّ أو التبن، وبعد انتهاء العمل لاحظ الأب أنَّ خاتمه ليس موجوداً في إصبعه، فاعتقد في بادئ الأمر أنَّه نسيه إلى جانب الحوض، عندما كان يغسل يديه، ولكنَّه لم يعثر عليه هناك.

وظلَّ الأب يبحث عن خاتمه، على مدى يومين كاملين في كلِّ مكان، ولكنَّه لم يعثر على أيِّ أثرٍ، وتأثَّر كثيراً لضياع خاتمه، ويئس مِن إمكانيَّة العثور عليه، وظلَّ لفترة مِن الوقت يتحدَّث مع أهله وعياله عن الخاتم المفقود، وكان يتأسَّف كثيراً على ذلك، وبعد عِدَّة سنوات مِن هذه القضيَّة توفِّي الأب إثر نوبة قلبيَّة.

يقول الابن: بعد فترة مِن وفاة والدي، رأيته يوماً في المنام، وكنت أعلم أنَّه ميِّت، فاقترب مِنِّي، وسلَّم عليَّ، وسألني عن أحوالي، ثمَّ قال لي: يا ولدي، إنَّني مَدينٌ للشخص الفلاني بخمسمائة تومان، فأرجو أن تخلصني مِن العذاب.

استيقظ الولد مِن نومه، ولم يكترث بالحُلْم الذي رآه، ولم يعمل بما طلبه منه أبوه، وبعد فترة رأى الابن والده مَرَّة أُخرى في المنام، وكرَّر ما سبق أنْ طلبه منه، وعاتبه على عدم تلبية طلبه، فقال له الابن - وهو في المنام ويعلم أنَّ والده مَيِّت ـ: أعطني عَلامة؛ حتَّى أطمئن بأنَّك والدي.

قال له: أتذكر قبل عِدَّة سنوات، أنَّنا قُمنا - معاً - بتغطية سقف غرفة البئر بالطين، وبعدها اكتشفت أنَّ خاتمي مفقود، وبحثنا عنه في كلِّ مكان، فلم نعثر عليه.

قال الابن: نعم، أذكر ذلك.

قال الأب: إنَّ الشخص عندما يموت، تتَّضح له كثير مِن القضايا والأُمور المجهولة، فلقد عرفت بعد موتي أنَّ خاتمي أضعته داخل الطين الذي أصلحت به سقف الغرف، حيث انزلق الخَاتم مِن إصبعي عندما كنت أعِجن الطين وأقلبه. ولكي

١١٢

تطمئنَّ بأنِّي أبوك الذي أتحدَّث معك، عليك أنْ تُزيل الطين مِن السقف وتخلطه بالماء، حتَّى يُصبح طريَّاً عندها سوف تعثر على الخاتم.

في الصباح نفَّذ الولد ما قاله له أبوه، دون أنْ يُخبر أحداً بالأمر، فعثر بالفعل على خاتم والده.

يقول الابن: بعد ذلك ذهبت إلى السوق، للشخص الذي أخبرني به والدي، فسلَّمت عليه وسألته عن حاله، ثمَّ قلت له: هل أنَّ والدي مَدينٌ لك بمبلغ مِن المال؟

قال الرجل صاحب الدُّكَّان: لماذا تسأل مِثل هذا السؤال؟

قلت: أُريد أنْ أعرف حقيقة الأمر.

قال: أطلب والدك بخمسمائة تومان.

سألته: كيف كان ذلك؟

قال: جاءني أبوك يوماً إلى هنا، وطلب مِنِّي قرضاً بمبلغ خمسمائة تومان، فأعطيته المبلغ دون أنْ آخذ منه إيصالاً بذلك، وبعد فترة توفِّي والدك بالنوبة القلبيَّة.

ـ لماذا لم تُطالب بقرضك؟

قال الرجل: لأنِّي لم أكُن أملك وثيقة أو إيصالاً، ورأيت أنَّ مِن غير المُناسب أنْ أُطالب بالمبلغ، فقد لا تصدِّقونني.

سلَّم الابن المبلغ المذكور إلى الدائن صاحب الدُّكَّان، ونقل له القِصَّة مِن أوَّلها إلى آخرها (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١١٣

توقَّع الموت صباحاً ومساءً

جاء موسى العطَّار إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال له: يا ابن رسول الله، رأيت رؤيا هالتني: رأيت صِهراً لي مَيِّتاً، وقد عانقني، وقد خِفت أنْ يكون الأجل قد اقترب.

فقال: (يا موسى، توقَّع الموت صباحاً ومساءً؛ فإنَّه مُلاقينا، ومُعانقة الأموات الأحياء أطول لأعمارهم فما كان اسم صِهرك؟).

قال: حسين.

فقال: (أمَّا رؤياك تدلُّ على بقائك وزيارتك لأبي عبد الله الحسين { عليه السلام }) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج1.

١١٤

ليس هناك ليلٌ وإنَّما هو ضوء ونور

قال رجل: يا رسول الله، هل في الجَنَّة مِن ليلٍ؟

قال: (وما هيَّجك على هذا؟).

قال: سمعت الله يذكر في الكتاب: ( ... وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (مريم)، والليل مِن البُّكْرة والعَشيِّ.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس هناك ليلٌ، وإنَّما هو ضوء ونور يَرد الغُدوَّ على الرواح والرواح على الغدوِّ، وتأتيهم طرف الهدايا مِن الله لمواقيت الصلوات، التي كانوا يُصلُّون فيها في الدنيا، وتُسلِّم عليهم الملائكة) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٥

امرأة تدخل النار في هِرَّة حبستها

وأُخرى تدخل الجَنَّة في كلب سقته

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (اطَّلعت ليلة الإسراء على النار فرأيت امرأة تُعذَّب، فسألت عنها: فقيل: إنَّها ربطت هِرَّة، ولم تُطعمها، ولم تُسقها، ولم تدعها تأكل مِن خَشاش الأرض حتَّى ماتت، فعذَّبها بها بذلك.

واطَّلعت على الجَنَّة، فرأيت امرأة مومس، فسألت عنها: فقيل: إنَّها مَرَّت بكلب يلهث مِن العطش، فأرسلت إزارها في بئر، فعصرته في حلقه حتَّى روي فغفر الله لها) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٦

البئر صدقة

خَرج سعد يُرافقه عدد مِن الأشخاص يوماً مِن المدينة، مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريقهم إلى الحرب، وكانت أُمُّ سعد مريضة، حيث فارقت الحياة أثناء غياب ابنها، وكان سعد مُقاتلاً في جيش الإسلام ويُحبُّ والدته كثيراً، وعندما سمع بوفاتها لدى عودته تأثَّر كثيراً، فجاء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: أردت قبل سفري أنْ أُعطي صدقة عن والدتي، ولكنِّي لم أستطع، والآن حيث فارقت والدتي الدنيا هل ينفعها إذا قدَّمت صدقة عنها؟

فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (نعم).

فقال سعد: ما هي أفضل صدقة أُقدِّمها لها؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لقد رأيت أنَّ الجنود يُعانون أثناء الطريق مِن شَحَّة الماء، فبإمكانك أنْ تحفر بئراً في الطريق؛ لكي تستفيد منه القوافل التي تمرُّ مِن هناك، وتكون صدقة جارية لوالدتك).

فقام سعد - استجابة لأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - بحفر بئر على نيَّة والدته، وأسماه: بئر أُمَّ سعد وجعلها وقفاً للجميع (1).

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٧

غفر لك بالخوف فانظر كيف تكون فيما تستقبل

عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: (إنَّ رجلاً ركب البحر بأهله، فكُسر بهم فلم ينجُ مِمَّن كان في السفينة إلاَّ امرأة الرجل، فإنَّها نجت على لوح مِن ألواح السفينة، حتَّى لجأت إلى جزيرة مِن جُزر البحر، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق، ولم يَدَعْ لله حُرمَة إلاَّ وانتهكها، فلم يعلم إلاَّ والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه إليها، فقال: إنسيَّة أمْ جِنِّيَّة؟

قالت: إنسيَّة.

فلم يكلِّمها كلمة، حتَّى جلس منها مجلس الرجل مِن أهله، فلمَّا أنْ همَّ بها اضطربت، فقال لها: ما لك تضطربين؟

قالت: أفرق مِن هذا، وأومأت بيدها إلى السماء.

قال: وما صنعتِ مِن هذا الشيء، وإنَّما أستكرِهُك استكراهاً، فأنا - والله - أولى بهذا الفَرق والخوف أحقُّ منك.

[ قال: ] فقام ولم يُحدِث شيئاً، ورجع إلى أهله، وليست له هِمَّة إلاَّ التوبة والمُراجعة.

فبينا هو يمشي، إذ صادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس، فقال الراهب للشابِّ: ادعُ الله يُظلُّنا بغَمامة، فقد حَميت علنيا الشمس.

فقال الشابُّ: ما أعلم أنَّ لي عند رَبِّي حسنة، فأتجاسر على أنْ أسأله شيئاً.

قال: فأدعو أنا، وتؤمِّن أنت؟

قال: نعم.

فأقبل الراهب يدعو والشابُّ يؤمِّن، فما كان بأسرع مِن أنْ أظلَّتهما غَمامة، فمشيا

١١٨

تحتها مَليَّاً مِن النهار، ثمَّ تفرَّقت الجادَّة جادَّتين، فأخذ الشابُّ في واحدة، وأخذ الراهب في واحدة، فإذا السحابة مع الشابِّ، فقال الراهب: أنت خيرٌ مِنِّي، لك استُجيب، ولم يُستجَب لي، فأخبرني ما قِصَّتك، فأخبره بخبر المرأة.

فقال: غُفر لك ما مضى؛ حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج2.

١١٩

المرء مع مَن أحبَّ

عن أنس قال: جاء رجل مِن أهل البادية - وكان يُعجبنا أنْ يأتي الرجل مِن أهل البادية يسأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - فقال يا رسول الله: متى قيام الساعة؟

فحضرت الصلاة، فلمَّا قضى (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاته، قال: (أين السائل عن الساعة؟).

قال: أنا يا رسول الله.

قال: (أعددت لها؟).

قال: والله، ما أعددت لها مِن كثيرِ عملٍ، صلاة ولا صوم، إلاَّ أنِّي أُحبُّ الله ورسوله.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): (المرء مع مَن أحبَّ).

قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء أشدُّ مِن فرحهم بهذا (1) .

____________________

(1) المعاد، ج3.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الزُّبُرِ ) (١) .

فما الفرق بينكم وبين قوم فرعون وقوم نوح ولوط وثمود؟ فكما أنّ أولئك الأقوام قد عذّبوا بالطوفان تارة والزلازل والصواعق اخرى ، اقتصاصا منهم للكفر والظلم والطغيان والعصيان الذي كانوا عليه فما المانع أن يصيبكم العذاب ويكون مصيركم نفس المصير فهل أنتم أفضل منهم؟ وهل أنّ كفركم وعنادكم أخفّ حدة؟ وكيف ترون أنّكم مصونون من وقوع العذاب الإلهي؟ أألقي إليكم كتاب من السماء يعطيكم هذا الأمان؟

ومن الطبيعي أنّ مثل هذه الادّعاءات ادّعاءات كاذبة لا يقوم عليها أي دليل( أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ) (٢) .

«جمع» بمعنى مجموع ، والمقصود هنا هي الجماعة التي لها هدف وقدرة على إنجاز عمل ، والتعبير هنا بـ (منتصر) تأكيد على هذا المعنى لأنّه من مادّة (انتصار) بمعنى الانتقام والغلبة.

والجدير بالذكر هنا أنّ الآية السابقة كانت بصورة خطاب ، أمّا في الآية مورد البحث والآيات اللاحقة ، فإنّ الحديث عن الكفّار بلغة الغائب ، وهو نوع من أنواع التحقير ، أي أنّهم غير مؤهّلين للخطاب الإلهي المباشر.

وعلى كلّ حال ، فإنّ ادّعاءهم بالقوّة والقدرة ادّعاء فارغ وقول هراء ، لأنّ الأقوام السابقة من أمثال قوم عاد وثمود وآل فرعون وأضرابهم كانوا أكثر قوّة وسطوة ، ومع ذلك فلم تغن عنهم قوّتهم شيئا حينما واجهوا العذاب ، وكانوا من الضعف كالقشّة اليابسة تتقاذفها الأمواج من كلّ مكان ، فكيف بمن هو أقل عددا وأضعف حيلة وقوّة ومنعة؟

__________________

(١) الضمير في «كفّاركم» يرجع في الظاهر (المشركي العرب) بقرينة الجملة( أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) .

(٢) بالرغم من أنّ (نحن) ضمير جمع فانّ خبرها (جميع) قد جاء مفردا ، وكذلك منتصر والتي جاءت خبرا بعد خبر أو صفة لـ (جميع) ، والسبب في ذلك فإنّ لفظ (جميع) وإن كانت مفردة إلّا أنّ المعنى (جمع).

٣٤١

ويواجه القرآن الكريم هؤلاء السادرين في غيّهم بإخبار غيبي حاسم وقوي ، حيث يقول :( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) (١) .

والظريف هنا أن سيهزم من مادّة (هزم) على وزن (جزم) وفي الأصل بمعنى الضغط على الجسم اليابس لحدّ التلاشي. ولهذا السبب استعملت هذه الكلمة (هزم) في حالة تدمير الجيوش وانكسارها.

وربّما أشار هذا التعبير إلى النقطة التالية وهي : رغم حالة الاتّحاد والانسجام لهؤلاء القوم ظاهرا ، إلّا أنّهم كالموجودات اليابسة والفاقدة للروح ، فبمجرّد تعرّضها إلى ضغط قوي تتهشّم ، ونرى عكس ذلك في المؤمنين المتصّفين بالقوّة المقترنة بالمرونة ، حيث أنّهم إذا ثقلت عليهم المحن واشتدّت الأزمات وأحنتهم العاصفة فإنّهم سرعان ما يستعيدوا قواهم مرّة اخرى ليواجهوا مصاعب الحياة.

«دبر» بمعنى «خلف» في مقابل (القبل) بمعنى «أمام» ، وسبب ذكر هذه الكلمة هنا لبيان حالة الفرار من ساحة المعركة بصورة كليّة.

لقد صدق هذا التنبّؤ في معركة بدر وسائر الحروب الاخرى حيث كانت هزيمة الكفّار ساحقة ، فإنّه رغم قدرتهم وقوّتهم فقد تلاشى جمعهم.

وفي آخر الآية مورد البحث يشير سبحانه إلى أنّ الهزيمة التي مني بها المشركون سوف لن تكون في الدنيا فقط ، وإنّما هي في الآخرة أشدّ وأدهى ، حيث يقول البارئعزوجل :( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ) .

وعلى هذا التصوّر ، فما عليهم إلّا أن ينتظروا هزيمة ما حقة في الدنيا ، ومصيرا سيّئا واندحارا أمرّ وأكثر بؤسا في الآخرة.

«أدهى» من مادّة (دهو) و (دهاء) بمعنى المصيبة والكارثة العظيمة والتي لا مخرج منها ولا نجاة ، ولا علاج لها ، وتأتي أيضا بمعنى الذكاء الشديد ، إلّا أنّ

__________________

(١) مع العلم أنّ من المناسب أن يقال (يولّون الأدبار) إلّا أنّه قيل هنا : (يولّون الدبر) ، لأنّ لهذه المعنى (جنس) حيث تكون في حكم الجمع.

٣٤٢

المقصود منها في الآية الكريمة هو المعنى الأوّل.

نعم إنّهم سيبتلون يوم القيامة بعذاب محتّم وعاقبة بائسة لا مفرّ منها.

* * *

ملاحظة

تنبّؤ إعجازي صريح :

ممّا لا شكّ فيه أنّه عند ما نزلت هذه الآيات في مكّة المكرّمة كان المسلمون أقليّة ضعيفة ، وكان العدو في أوج القوّة والقدرة ، ولم يكن أحد يتوقّع انتصار المسلمين بهذه السرعة ، فهو أمر غير قابل للتصديق في تلك الظروف ، ولا مجال للتنبّؤ به.

وكانت هجرة المسلمين بعد فترة وجيزة من هذا التاريخ حيث اكتسبوا خبرة وقوّة ، ممّا جعلهم يحقّقون الإنتصار والغلبة على المشركين في أوّل مواجهة عسكرية معهم ، وذلك في معركة بدر ، حيث وجّه المسلمون صفعة قويّة مفاجئة لمعسكر الكفر ، ولم يمض وقت طويل إلّا ونلاحظ أنّ الإيمان بالرسالة المحمديّة لم يقتصر على مشركي مكّة فحسب ، بل شمل الجزيرة العربية أجمع ، حيث استسلمت للدعوة الإلهيّة.

أليس هذا النبأ الغيبي الإلهي الذي واجهنا بهذه الصراحة والجديّة معجزة؟

ومن الواضح أنّ أحد عناصر الإعجاز في القرآن الكريم هو تضمّنه للأخبار الغيبية ، وهذا ما نلاحظه في الآية مورد البحث.

* * *

٣٤٣

الآيات

( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥) )

التّفسير

المؤمنون في ضيافة الله :

في الحقيقة إنّ هذه الآيات هي استمرار لبحث الآيات السابقة حول بيان أحوال المشركين والمجرمين في يوم القيامة. وآخر آية من تلك الآيات تعكس هذه الحقيقة بوضوح ، وهو أنّ يوم القيامة هو الموعد المرتقب لهؤلاء الأشرار في الاقتصاص منهم ، حيث يحمل المرارة والصعوبة والأهوال لهم ، والتي هي أشدّ وأقسى ممّا أصيبوا به في هذه الدنيا.

٣٤٤

وتتحدّث الآية الاولى ـ مورد البحث ـ عن ذلك حيث يقول سبحانه :( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) (١) .

يقول البارئعزوجل :( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) حيث يبيّن الله سبحانه أنّ العذاب الإلهي واقع عليهم ولا ريب فيه ، وسيواجهونه عمليّا رغم استهزائهم وسخريتهم وادّعائهم أنّه من نسج الأساطير.

«سقر» على وزن (سفر) وفي الأصل بمعنى تغيّر لون الجلد وتألّمه من أشعّة الشمس وما إلى ذلك. ولأنّ إمكانية تغيير لون الجلد وألمه الشديد من خصوصيات نار جهنّم ، لذا أطلق اسم (سقر) عليها. والمراد من (مسّ) هو حالة التماس واللمس ، وبناء على هذا فيقال في أهل النار : ذوقوا لمس نار جهنّم وحرارتها اللاذعة ، ذوقوا طعمها ، هل هي أكاذيب وخرافات وأساطير ، أم أنّها الحقيقة الصارخة؟

ويعتقد البعض أنّ (سقر) ليس اسم كلّ النار ، بل هو اسم مختّص بجانب منها تكون فيه النار حامية لدرجة مذهلة وخارقة.

وفي ثواب الأعمال عن الصادقعليه‌السلام : «إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر شكا إلى الله شدّة حرّة ، وسأله أن يأذن له أن يتنفّس فأحرق جهنّم»(٢) .

ولكي لا يتصوّر أنّ هذه الشدّة في العذاب لا تتناسب مع المعاصي ، يقول سبحانه :( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) .

نعم إنّ عذابهم في هذه الدنيا كان بتقدير وحساب ، وكذلك سيكون عقابهم المؤلم في الآخرة ، وليس الجزاء فقط ، ذلك أنّ الله سبحانه خلق كلّ شيء بحساب

__________________

(١) «سعر» : كما بيّنا سابقا في آخر الآية (٢٤) من نفس السورة لها معنيان : الأوّل : انّها جمع سعير بمعنى اشتعال النار. والثّاني : بمعنى الجنون ، والهيجان الذي يلازمه اضطراب التوازن الفكري ، وفي الآية مورد البحث يمكن أن يكون بالمعنيين معا ، وإذا قصدنا المعنى الثاني فيكون مفهوم الآية كذلك : أنّهم كانوا يقولون إذا اتّبعنا إنسانا مثلنا فإذا نحن في ضلال وجنون ، وهنا يردّ القرآن الكريم عليهم بقوله : ستعلمون يوم القيامة آثاركم وتكذيبكم للأنبياء هو الضلال والجنون.

(٢) تفسير الصافي ذيل الآية مورد البحث.

٣٤٥

وتقدير ، فالأرض والسماء والكائنات الحيّة والموجودات الجامدة وأعضاء الإنسان ومستلزمات الحياة كلّها خلقت بقدر معلوم ، ولا يوجد شيء في هذا الوجود بدون حساب وتقدير ، لأنّ الخلّاق عليم حكيم ومقدّر.

ثمّ يضيف تعالى إنّه ليست أعمالنا موافقة للحكمة فحسب ، بل انّها مقترنة مع القدرة والحسم ، لأنّه :( وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) .

وتتجسّد الإرادة الربّانية والأوامر الإلهيّة من خلال كلمة «كن» فيترتّب على ذلك فورا وجود الشيء. (حتّى كلمة «كن» جاءت من باب ضيق البيان ، وإلّا فإنّ الإرادة الإلهيّة متحقّقة بمجرّد الإرادة).

ولذلك فإنّ اليوم الذي تقوم فيه الساعة يحدث بأمر الله بلمح البصر ، وكلّ شيء يكون في مسار الآخرة حينئذ ، وتبعث الحياة من جديد في الأبدان.

كما أنّ المشيئة الإلهية في مجازاة المجرمين بالصواعق والصيحات السماوية والزلازل والطوفان والرياح العاتية كلّ ذلك يحدث بمجرّد الأمر الإلهي وبدون تأخير.

إنّ هذه الإنذارات الموجّهة للعصاة والمذنبين كلّها من أجل أن يعلموا أنّ الله ، كما هو حكيم في أمره فإنّه حازم في فعله ، فهو حكيم في عين الحزم ، وحازم في عين الحكمة ، فليحذروا مخالفة تعاليمه وأوامره.

وفي الآية اللاحقة يخاطب الكفّار والمجرمين مرّة اخرى ، ويلفت انتباههم. إلى مصير الأقوام السابقة حيث يقول :( وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) .

«أشياع» جمع (شيعة) وتطلق على الأتباع الذين ينشرون ويشيعون ما يرتبط بالشخص المتّبع في كلّ الحالات ويسندونه ويناصرونه ، وإذا استعملت بمعنى (تابع) فإنّها تكون بنفس القصد.

ومن الطبيعي فإنّ الأقوام السابقة لم يكونوا أتباعا وشيعة لمشركي مكّة وأمثالهم ، بل العكس هو الصحيح ، ولكن بما أنّ المؤيّدين لشخص ما يشبّهونه في

٣٤٦

سلوكه ، لذا فإنّ هذا المصطلح يطلق على الشبيه والمماثل أيضا.

ويجدر بنا القول بأنّ هذه الطائفة من مشركي مكّة كانوا يستعينون ويستفيدون من الخطّ الفكري الذي كانت الأقوام السابقة عليه ، ولهذا السبب فإنّ كلمة (أشياع) أطلقت على الأقوام السابقة.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية الكريمة تؤكّد هذه الحقيقة مرّة اخرى ، وهي أنّ أعمال مشركي قريش وممارساتهم هي نفس أعمال وممارسات وعقائد الأقوام السابقة ، لذا فلا يوجد دليل على أنّ مصيركم سوف يكون أفضل من مصيرهم ، فاتّعظوا وعوا.

ثمّ يشير القرآن إلى هذا الأصل وهو أنّ صفحة أعمال الأقوام السابقة لم تنته بموتهم ، بل هي باقية ومسجّلة عليهم ، يقول سبحانه :( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ) فكذلك أعمالكم مثبّتة ومحفوظة ليوم الحساب.

«زبر» جمع (زبور) بمعنى الكتاب ، وهي تشير إلى صحيفة أعمال الإنسان ، ويحتمل البعض أنّ المقصود هنا هو : «اللوح المحفوظ» ، ولكن هذا المعنى لا يتناسب مع صيغة الجمع.

ثمّ يضيف سبحانه :( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) .

وبناء على هذا فحاسب الأعمال في ذلك اليوم هو حساب شامل وتامّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، حيث يستلم المرجمون صفحة أعمالهم كاملة ، فيصعقون لهولها ويصطرخون لدقّتها( وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ) .(١)

«مستطر» من مادّة (سطر) في الأصل بمعنى (صفّ) سواء ما يتعلّق بالأفراد أو الأشجار أو الكلمات التي تصف على الأوراق ، ولكون المعنى الأخير أكثر

__________________

(١) الكهف ، ٤٩.

٣٤٧

استعمالا ، لذا يتبادر إلى الذهن معناها الأخير.

وعلى كلّ حال فإنّه إنذار آخر لهؤلاء العاصين والمغفّلين والجهلة.

ولمّا كانت السنّة المتّبعة في القرآن الكريم غالبا ما تعتمد المقارنة بين جبهة الصلاح والهدى من جهة ، وجبهة الفساد والضلال من جهة اخرى ، لأنّ في المقارنة يبرز التفاوت والاختلاف بصورة أفضل ، فهنا أيضا بعد الحديث عن مصير الكفّار والمجرمين يشير سبحانه إشارة مختصرة إلى العاقبة السعيدة والحبور العظيم الذي يكون من نصيب المتّقين حيث يقول سبحانه :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ) .

(نهر) على وزن (قمر) ، وكذلك (نهر) على وزن (قهر) والاثنان يعنيان مجرى الماء الكثير ، ولهذا يطلق على الفضاء الواسع كذلك ، أو الفيض العظيم أو النور المنتشر (نهر) ـ على وزن قمر ـ.

وبغضّ النظر عن الحديث اللاحق ، يمكن أن يكون هذا المصطلح في الآية أعلاه بنفس المعنى الأصلي ، أي أنّ كلمة (نهر) بمعنى نهر الماء ، ولا إشكال في كون الكلمة بصيغة المفرد ، لكونها تدلّ على معنى الجنس والجمع ، فينسجم مع (جنّات) جمع «جنّة» ، ويمكن أن يكون المراد منها هو اتّساع الفيض الإلهي والنور العظيم في ظلال الجنّة ورحابها الواسعة ، وبذلك تشمل المعنيين.

ولكن نقرأ هنا في حديث للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نقل عن الدرّ المنثور أنّه قال : «النهر : الفضاء والسعة ، وليس بنهر جار»(١) .

وفي آخر آية مورد البحث والتي هي آخر آية في سورة القمر يوضّح البارئ بصورة أكثر (مستقر المتّقين) حيث يقول سبحانه أنّهم :( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) .

ويا له من وصف رائع وظريف! حيث أنّ هذا الوصف يتميّز بخصوصيتين

__________________

(١) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٣٩.

٣٤٨

تجمعان كلّ السماوات الرائعة :

الأولى : أنّ المكان هو (مستقرّ صدق) وليس فيه باطل ، بل كلّه حقّ يجد فيه المتّقون كلّ ما وعدوا به كاملا غير منقوص.

الثانية : أنّهم في جوار وقرب الله سبحانه ، وهذا هو المستفاد من كلمة (عند) والذي يشير إلى غاية القرب المعنوي. وهذا القرب هو من الله المالك القادر ما أروعه عن قرب من الربّ الكريم الوهّاب والذي يمنح العطايا والهبات لضيوفه المتّقين بجميل لطفه وعظيم إحسانه وواسع كرمه ، حيث جميع ما في الوجود تحت قبضته وإمرته ومالكيته ، وهو المنّان الذي لا ينقصه شيء في السماوات والأرض ، والذي وعد المتّقين بالخير العظيم وأعدّ لهم عظيم العطايا والإحسان.

والنقطة الجديرة بالذكر في هاتين الآيتين والتي تتحدّث فيها عن الهبات وجزاء أصحاب اليمين ، حيث في البداية تتحدّث عن العطايا الماديّة التي تشمل البساتين الوارفة والحدائق الغنّاء والأنهار الجارية ، ثمّ تتحدّث بعد ذلك عن الجزاء المعنوي العظيم ، والذي يتجسّد بحضورهم من المليك المقتدر. وذلك تهيئة للإنسان من مرحلة إلى اخرى ، يغمرها الشوق والحبور ، والرغبة في العمل الصالح ، خصوصا أنّ تعابير (المليك) و (المقتدر) و (مقعد صدق) تدلّ جميعها على دوام وبقاء هذا الحضور والقرب المعنوي من الذات الإلهيّة.

* * *

بحوث

١ ـ التّقدير والحساب في كلّ شيء

تشير الآية الكريمة( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) رغم إيجازها إلى حقيقة مهمّة كامنة في جميع الكون وحاكمة عليه ، وهي دقّة الخلق والتقدير في جميع الوجودات.

٣٤٩

ومهما تطوّر العلم فانّ الإنسان يطّلع على مزيد من هذه الحسابات والتقديرات الإلهيّة الدقيقة في عالم الوجود ، والتي تشمل الكائنات المجهرية والأجرام السماوية العظيمة.

فمثلا : نسمع عن روّاد الفضاء أنّهم طبقا للحسابات العلمية الدقيقة التي أنجزت بواسطة مئات الأفراد المتخصّصين المستخدمين العقول الإلكترونية ، أنّهم سيهبطون بسفنهم الفضائية بنفس النقطة المحدّدة لهم على سطح القمر ، مع العلم أنّ كلّ شيء سيتغيّر في الفترة الزمنية التي تسير فيها السفينة الفضائية بين الأرض والقمر ، حيث يدور القمر حول نفسه وكذلك حول الأرض ويتغيّر مكانه بصورة كليّة ، وتدور الأرض حول نفسها ، وكذلك حول الشمس وبسرعة فائقة. ولأنّ جميع هذه التغييرات والحركات محسوبة ، ومقدّرة بصورة مضبوطة ودقيقة بحيث لا تتخلّف عن هذه الأنظمة ، يستطيع الفضائيون الهبوط في النقطة المحدّدة لهم على سطح القمر نتيجة تلك الحسابات والتقديرات الدقيقة.

ويستطيع المنجّمون كذلك من التنبّؤ بالخسوف والكسوف الجزئي والكلّي ، وقبل عشرات السنين ، وفي مختلف نقاط العالم ، وتلك قرائن ودلائل على دقّة المقاييس في هذا الوجود العظيم.

وفي الكائنات الصغيرة والديدان الدقيقة نلاحظ دقّة المقاييس والحساب بصورة تدعو للظرافة والإعجاب والانبهار عند ما نشاهد طبيعة العروق والأعصاب والأجهزة المختلفة لهذه الكائنات.

وعند ما ندقّق في الكائنات المجهرية كالمكروبات والفيروسات والأميبيات يبلغ إعجابنا أوجه لما نلاحظه من الدقّة فيها ، حيث إنّ الواحد على الألف من المليم وأصغر من ذلك يدخل في عالم الحساب ، والأعجب من ذلك حينما ندخل عالم الذرّة حيث تصل الدقة فيها إلى حدّ لا يصدّق وخارج عن الحدود المألوفة.

إنّ هذه المقاييس ليست مختّصة بالمسائل الكميّة فقط ، بل إنّ التركيبات

٣٥٠

الكيفية أيضا تتمتّع بنفس الخصوصيات الحسابية ، فالنظام المتحكّم على روح الإنسان وميوله وغرائزه ، وكذلك المقاييس الدقيقة في مسير المتطلّبات الفردية والاجتماعية للإنسان إذا طرأ عليها أي تغيير فإنّ النظام الحياتي الفردي والاجتماعي سيتعرّض للتغيّر والانهيار.

وفي عالم الطبيعة هنالك موجودات يتغذّى بعضها على البعض الآخر ، وكلّ منها يوقف حالة النمو والتكاثر لكلّ منها ، فالطيور الجارحة تتغذّى على لحوم الطيور الصغيرة ، وتمنع تزايدها بصورة أكثر من اللازم حتّى لا تضرّ المحاصيل الزراعية ، ولذا فإنّ الطيور الجارحة معمّرة ، وهذه الطيور المعمّرة قليلة البيض والفراخ ، وعدد محدود من هذه الأفراخ يستطيع العيش ، حيث يستدعي نموّها وبقاؤها ظروفا خاصّة ، ولو قدّر لهذه الطيور أن يكون لها فراخا كثيرة وبهذا العمر الطويل لأدّى ذلك إلى انقراض الطيور الصغيرة.

إنّ لهذه الحالة أمثلة عديدة وواسعة في عالم الحيوان والنبات ، والمطالعات المختلفة في هذا المجال تزيدنا وعيا في فهم الآية الكريمة :( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) .

٢ ـ التقدير الإلهي وإرادة الإنسان

قد يتوهّم البعض من خلال ما طرحته الآية الكريمة من الإعتقاد بالتقدير والحساب الإلهي أنّ أعمالنا وممارساتنا التي قوم بها لا بدّ أن تكون واقعة ضمن هذا القانون فهي مخلوقة لله تعالى أيضا وبالتالي فلسنا مسئولين عنها ولا اختبار لنا فيها.

ولكن كما قلنا سابقا فإنّ أعمالنا هي بتقدير ومشيئة البارئعزوجل ، ولن تخرج عن دائرة قدرته وإرادته أبدا ، وقد جعلنا الله سبحانه مختارين فيها ضمن ما قدّر لنا ، ولذلك عيّن لنا مسئوليات وتكاليف فلو لم نكن مختارين فإنّ هذه

٣٥١

المسؤوليات والتكاليف ستكون بلا معنى حيث أنّ فقدان الإرادة يجعلنا مجبورين في أعمالنا ، وهذا خلاف التقدير الإلهي.

ونلاحظ في مقابل إفراط (الجبريين) تفريط جماعة (القدريين) أو المفوّضة الذين يذهبون صراحة إلى القول بأنّ الله لا يتدخّل في أعمالنا وممارساتنا ، حيث إنّهم يحدّون ويحجمون دائرة الهيمنة الإلهيّة على الإنسان ويعتقدون باستقلاليتهم تماما عن المشيئة الإلهيّة ، وبذلك سلكوا طريق الشرك من هذه الجهة.

والحقيقة أنّ الجمع بين أصلي (التوحيد والعدل) يحتاج إلى دقّة وضبط ، فلو فسّرنا التوحيد بأنّ الله خالق كلّ شيء حتّى أعمالنا بشكل لا نملك أي إختيار فيها فإنّنا نكون بذلك قد أنكرنا أصل العدل ، لأنّ مقترفي الذنوب مجبرون على ارتكاب المعاصي ثمّ ينتظرهم الجزاء المتمثّل بالعقاب ، وهذا خلاف العدالة.

وإذا فسّرنا «العدل» بأنّ الله تعالى ليس له أي لون من التدخّل في أعمالنا فإنّنا سنخرج الإرادة الإلهيّة من الهيمنة علينا ، وعندئذ نقع في وادي الشرك.

ويمثّل مفهوم «الأمر بين الأمرين» الإيمان الخالص والصراط المستقيم وخطّ الوسط بين (الجبريين والقدريين) وهو أن نعتقد بأنّنا مختارين ، واختيارنا هذا يكون ضمن الهيمنة الإلهية ، حيث تستطيع الإرادة الإلهية في أي لحظة أن تسلب منّا هذا الإختيار ، وهذا ما يذهب إليه أهل البيتعليهم‌السلام .

والنقطة الجديرة بالذكر أنّه وردت في نهاية الآيات مورد البحث روايات عديدة في ذمّ هاتين الجماعتين في كتب تفسير أهل السنّة والشيعة ، ومن جملتها نقرأ في حديث النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول : «صنفان من امّتي ليس لهم في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية ، أنزلت فيهم آية في كتاب الله :( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) »(١) .

__________________

(١) تفسير روح المعاني نقل عن البخاري والترمذي وابن ماجة وابن عدي وابن مردويه وابن عبّاس ، ج ٢٧ ، ص ٨١ ، وذكر القرطبي مثل هذا الحديث في تفسيره ، ج ٩ ، ص ٦٣٨.

٣٥٢

«المرجئة» من مادّة (إرجاء) بمعنى تأخير الشيء ، وهذا اصطلاح يستعمل للجبريين ، لأنّهم لم يلاحظوا الأوامر الإلهيّة وارتكبوا المعاصي لظنّهم أنّهم مجبورون ، أو لاعتقادهم أنّ مصير مرتكبي الذنوب الكبيرة غير معلوم لتصوّرهم أنّ البتّ فيها مؤجّل إلى يوم القيامة(١) .

كما نقرأ في حديث للإمام الباقرعليه‌السلام : «نزلت هذه الآية في القدرية :( ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا* كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) (٢) .

إشارة إلى أنّ المقصود من التقدير والحساب هنا أنّ الله سبحانه قد جعل لكلّ ذنب ما يناسبه من الحساب والجزاء الدقيق. وهذا تفسير آخر ممّا فسّرت به الآية.أو أنّ المقصود بها إلفات نظر الذين أنكروا التقدير الإلهي وظنّوا أنّ الله تعالى ليست له تدخّل في أعمالهم وأنّهم قادرون على كلّ شيء ، ويأتي إليهم التنبيه الإلهي في ضرورة ملاحظة القدرة الإلهية العظيمة ، وإلّا فعليكم أن تذوقوا جزاء انحرافكم وهو مسّ سقر).

٣ ـ الأمر الإلهي كلمة واحدة

من الواضح أن لا فاصلة زمانية بين العلّة التامّة والمعلول ، لذلك ورد في اصطلاح الفلاسفة أن تقدّم العلّة على المعلول أمر رتبي ، وبالنسبة إلى الإرادة الإلهية في أمر الإيجاد والخلق والذي هو أوضح مصداق للعلّة التامّة ، أو أنّه مصداق وحيد للعلّة التامّة يتّضح هذا المعنى أكثر.

ولذلك فإذا فسّروا الآية :( وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ ) بكلمة (كن) فإنّها من ضيق البيان. وإلّا فإنّ كلمة (كن) مركّبة من الكاف والنون ، وهي أيضا تحتاج إلى زمان ، حتّى (الفاء) في (فيكون) والتي توضّح نوعا من الزمان فإنّها من ضيق البيان كذلك ،

__________________

(١) مجمع البحرين مادّة (رجا).

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٨٦.

٣٥٣

بل حتّى تشبيه( كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) (١) (٢) .

وعند ما يتحدّث عن الأمر الإلهي في يوم القيامة ويشبهه بـ (لمح بالبصر) يضيف (أو هو أقرب).

وعلى كلّ حال فإنّ الحديث هنا عن الزمان حسب التعبيرات اليومية لنا ، وكذلك فإنّ القرآن الكريم يخاطبنا بلغتنا ، وإلّا فإنّ أوامر الله تعالى فوق الزمان.

وضمنا فإنّ التعبير بـ (واحدة) يمكن أن يكون إشارة لهذا المعنى ، وهو أنّ أمرا واحدا يكفي ولا يحتاج إلى تكرار ، أو أنّها إشارة إلى أنّ أمره تعالى حول الصغير والكبير وحتّى خلق السموات الواسعة أجمع لا يختلف عن خلقه لذرّة التراب.

وفي الأصل فإنّ الكبير والصغير والسهل الصعب يكون في مقاييسنا الفكرية المحدودة وقدرتنا الضئيلة ، أمّا عند ما يكون الحديث عن القدرة الإلهية العظيمة فإنّ هذه المفاهيم تتلاشى تماما ، ويصبح الكلّ بلون واحد وشكل واحد ، (فتدبّر).

ويطرح هنا «سؤال» : وهو إذا صحّ معنى الجملة أعلاه وهو أنّ كلّ شيء يوجد آنا (في الآن) فإنّ هذا الأمر لا يتناسب مع مشاهدة التدرّج في حوادث العالم.

ويتّضح «الجواب» عند ما نلاحظ هذه النقطة ، وهي أنّ أمره تعالى في كلّ مكان وكلّ شيء هو (كلمة واحدة) والتي تكون أسرع من لمح البصر ، ولكن محتوى الأمر الإلهي متفاوت ومختلف ، فإذا صدر الأمر الإلهي للجنين أن يكمل دورته تسعة أشهر ، فلن تزيد وتنقص لحظة واحدة. والفورية هنا هي أن يكمل الجنين الدورة في نهاية المدّة المحدّدة ، ولو اعطي أمر للكرة الأرضية أن تدور في كلّ أربع وعشرين ساعة مرّة حول نفسها؟ فإنّ هذا الأمر غير قابل للتخلّف ، وبتعبير آخر فإنّ تنفيذ أمره تعالى لا يحتاج إلى أيّ وقت زماني ، والموجود هنا هو محتوى الأمر. ومن خلال معرفة السنّة التدريجية للعالم المادّي وخاصيّته

__________________

(١) «لمح» على وزن (مسح) والأصل بمعنى لمعان البرق ثمّ جاءت بمعنى النظر السريع.

(٢) النحل ، ٧٧.

٣٥٤

وطبيعة الحركة ـ نلاحظ أنّها تتأثّر بالزمان.

٤ ـ بداية ونهاية سورة القمر

النقطة الجديرة بالذكر أنّ «سورة القمر» بدأت بإنذار وتخويف المشركين بقرب وقوع يوم القيامة ، وانتهت بهدوء يطمئن المؤمنين الحقيقيين في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وهذا هو الطريق المرسوم للتربية ، حيث يبدأ بالتحذير والتخويف وينتهي بطمأنة النفوس المضطربة وتقويم الأهواء المنحرفة ورفع الخوف والاضطراب وعندئذ تغمر الأرواح بالسكينة والهدوء بالقرب من الجوار الإلهيّ الأبدي.

والحقيقة أنّ الإيمان بأنّ الله هو المالك الذي ليس له منازع والحاكم الذي لا رادّ لحكمه في كلّ الوجود ، واليقين بأنّ الله هو المقتدر ، النافذة قدرته على كلّ شيء يبعث في الإنسان هدوءا منقطع النظير.

وقد نقل بعض المفسّرين أنّ هذين الاسمين المقدّسين مليك ومقتدر لهما تأثير عميق في استجابة الدعاء حتّى نقل بعض الرواة : إنّني داخل المسجد وكنت أتصوّر بأنّه الصبح ولكن تبيّن لي عدم انقضاء الليل وبقي قسط كبير منه ، ولم يكن أحد غيري في المسجد ، وفجأة سمعت حركة من ورائي ، فخفت ولكنّي رأيت أنّ شخصا مجهولا قد ناداني : أيّها الشخص المملوء قلبك خوفا لا تخف وقل : «اللهم إنّك مليك مقتدر ، ما تشاء من أمر يكون». ثمّ اطلب ما تريد ، فيقول : إنّي قرأت هذا الدعاء المختصر ولم أطلب شيئا إلّا وأجيب(١) .

ربّنا ، أنت المليك المقتدر فتفضّل علينا بالتوفيق في كلّ إيمان وعمل وتقوى ، كي نكون في مقعد صدق وفي جوار قربك ورحمتك.

__________________

(١) روح المعاني ، ج ٢٧ ، ص ٨٣.

٣٥٥

إلهنا ، نحن نؤمن أنّ يوم القيامة يوم رهيب وصعب ومرّ للعاصين ، أملنا في ذلك اليوم بلطفك وكرمك.

ربّاه ، امنحنا روحا يقظة وعقلا واعيا لكي نتّعظ بمصير السابقين ولا نسير في مسارهم المهلك

نهاية سورة القمر

* * *

٣٥٦
٣٥٧

سورة

الرّحمن

مكّية

وعدد آياتها ثمان وسبعون آية

٣٥٨

«سورة الرّحمن»

محتوى السورة :

توضّح هذه السورة بصورة عامّة النعم الإلهية المختلفة ، سواء كانت ماديّة أو معنوية ، والتي تفضّل بها البارئعزوجل على عباده وغمرهم بها ، ويمكن تسميتها لهذا السبب بـ (سورة الرحمة) أو (سورة النعمة) ولهذا فإنّها بدأت بالاسم المبارك (الرحمن) الذي يشير إلى صنوف الرحمة الإلهية الواسعة ، وتنهي هذه السورة آياتها بإجلال وإكرام البارئ سبحانه ، وبإقرار عباده بالنعم التي تفضّل بها عليهم (إحدى وثلاثين مرّة) وذلك من خلال تكرار آية :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

وبناء على هذا فإنّ السياق العام للسورة يتعلّق بالحديث عن المنن والنعم الإلهيّة المختلفة والعظيمة. ومن جهة اخرى فإنّنا نستطيع أن نقسّم محتويات السورة إلى عدّة أقسام :

القسم الأوّل : الذي يشمل أوّل آيات السورة حيث الحديث عن النعم الإلهية الكبيرة ، سواء تلك التي تتعلّق بخلق الإنسان أو تربيته وتعليمه ، أو الحساب والميزان ، وكذلك سائر الأمور الاخرى التي يتجسّد فيها الخير للإنسان ، إضافة إلى الغذاء الروحي والجسمي له.

القسم الثّاني : يتناول توضيح مسألة خلق الإنس والجنّ.

القسم الثّالث : يتضمّن توضيح الآيات والدلائل الإلهيّة في الأرض والسماء.

٣٥٩

القسم الرّابع : وفيه بعد تجاوز النعم الإلهية على الإنسان في الدنيا تتحدّث الآيات عن نعم الله في عالم الآخرة بدقّة وظرافة ، خاصّة عن الجنّة ، وبصورة أعمّ وأشمل عن البساتين والعيون والفاكهة وحور العين وأنواع الملابس من السندس والإستبرق

وأخيرا في القسم الخامس نلاحظ الحديث باختصار عن مصير المجرمين وجزائهم المؤلم المحسوب ولأنّ الأصل في هذه السورة أنّها مختّصة ببيان الرحمة الإلهيّة ، لذا لم نلاحظ تفاصيل كثيرة حول مصيرهم ، خلافا لما نلاحظه في موضوع الحديث عن النعم الخروية حيث التفصيل والشمول الذي يشرح قلوب المؤمنين ويغمرها بالسعادة والأمل ، ويزيل عنها غبار الحزن والهمّ ، ويغرس الشوق في نفوسهم

إنّ تكرار آية :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) وفي مقاطع قصيرة أعطت وزنا متميّزا للسورة ، وخاصّة إذا قريء بالمعنى المعبّر الذي يستوحى منها فإنّ حالة من الشوق والانبهار تحصل لدى الإنسان المؤمن.

ولذلك فلا نعجب عند ما نقرأ في حديث للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول : «لكلّ شيء عروس ، وعروس القرآن سورة الرحمن جلّ ذكره»(١) .

والجدير بالذكر أنّ مصطلح «العروس» يطلق في اللسان العربي على المرأة والرجل ما داموا في مراسيم الزواج(٢) .

وبما أنّ المرأة والرجل في تلك المراسم في أفضل وأتمّ الحالات وأكمل الاحترامات ، ومن هنا فإنّ هذا المصطلح يطلق على الموجودات اللطيفة جدّا وموضع الاحترام.

إنّ سبب إختيار اسم (الرحمن) لهذه السورة لتتناسب التسمية مع المضمون ، وهذا واضح.

__________________

(١) مجمع البيان بداية سورة الرحمن ، وجاء كذلك في الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٤٠.

(٢) لسان العراب ومجمع البحرين وصحاح اللغة و.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526