الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151407 / تحميل: 5597
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

فضيلة تلاوة سورة الرحمن :

إنّ اتّصاف هذه السورة بما يثير الإحساس بالشكر على أفضل صورة ، وكذلك توضيح وبيان النعم الإلهية (المادية والمعنوية) فيها والتي تزيد من شوق الطاعة والعبادة في قلوب المؤمنين كلّ ذلك أدّى إلى ورود روايات كثيرة في فضل تلاوة هذه السورة تلك التلاوة التي ينبغي أن تنفذ إلى أعماق النفس الإنسانية وتحركها باتّجاه الطاعات وبعيدا عن لقلقة اللسان.

ومن جملة ما نقرأ حديث الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول : «من قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه ، وأدّى شكره ، وأنعم الله عليه»(١) .

وعن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها ، فإنّها لا تقرّ في قلوب المنافقين ، ويأتي بها ربّها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة ، وأطيب ريح حتّى يقف من الله موقفا لا يكون أحد أقرب إلى الله منها فيقول لها : من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا ويدمن قراءتك؟ فيقول : يا ربّ فلان وفلان ، فتبيض وجوهم. فيقول لهم : اشفعوا فيمن أحببتم فيشفعون حتّى لا يبقى لهم غاية ولا أحد يشفعون له ، فيقول لهم : ادخلوا الجنّة واسكنوا فيها حيث شئتم»(٢) .

وفي حديث آخر عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة الرحمن فقال عند كلّ :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) : لا شيء من آلائك ربّي أكذّب ، فإنّ قرأها ليلا ثمّ مات مات شهيدا ، وإن قرأها نهارا فمات مات شهيدا»(٣) .

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٨٧.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٩٢ ، ص ٣٠٦.

(٣) المصدر السابق.

٣٦١

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) )

التّفسير

بداية النعم الإلهية :

لمّا كانت هذه السورة ـ كما قلنا ـ تبيّن أنواع النعم والهبات الإلهيّة العظيمة ، فإنّها تبدأ باسم (الرحمن) والذي يرمز إلى الرحمة الواسعة ، ولو لم تكن (الرحمانية) من صفاته لم ينعم بهذا الخير العميم على عباده الصالحين والعاصين ، لذلك يقول :( الرَّحْمنُ ) (١) .

( عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) وبهذا فإنّ أوّل وأهمّ نعمة تفضّل بها الله سبحانه ، هي نعمة «تعليم القرآن» ، وما أروعه من تعبير! حيث أنّنا إذا تأمّلنا جيّدا فإنّنا ندرك أنّ هذا الكتاب العظيم هو مصدر كلّ الخير والنعم والعطايا الإلهيّة العظيمة ، كما أنّه وسيلة

__________________

(١) الرحمن : مبتدأ وخبرها (علّم القرآن) ، و (خلق الإنسان) خبر بعد خبر ، كما توجد احتمالات اخرى أيضا لإعراب هذه الجملة لم تذكر هنا لعدم أهميّتها.

٣٦٢

للوصول إلى السعادة والخيرات المادية والمعنوية.

والظريف هنا أنّ بيان نعمة (تعليم القرآن) ذكرت قبل( خَلَقَ الْإِنْسانَ ) و( عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الإشارة أوّلا إلى مسألة خلق الإنسان ، ومن ثمّ نعمة تعليم البيان ، ثمّ نعمة تعليم القرآن ، وذلك استنادا للترتيب الطبيعي ، إلّا أنّ عظمة القرآن الكريم أوجبت أن نعمل خلافا للترتيب المفترض.

وقد جاءت هذه الآية جوابا لمشركي العرب حينما طلب منهم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السجود للرحمن ، فسألوه «وما الرحمن»؟ (ـ الفرقان ـ) فأجابهم بتوضيح ذلك حيث يقول سبحانه : «الرحمن هو الذي علّم القرآن وخلق الإنسان وعلّمه البيان».

وعلى كلّ حال فإنّ لاسم «الرحمن» أوسع المفاهيم بين أسماء البارئعزوجل بعد اسم الجلالة (الله) لأنّنا نعلم أنّ لله رحمتين : (الرحمة العامّة) و (الرحمة الخاصّة) واسم «الرحمن» يشير إلى رحمة الله العامّة التي تشمل الجميع ، كما أنّ اسم «الرحيم» يشير إلى «الرحمة الخاصّة» بأهل الإيمان والطاعة ، ولعلّه لهذا السبب لا يطلق اسم الرحمن على غير الله سبحانه (إلّا إذا كانت كلمة عبد قبله) ، أمّا وصف «الرحيم» فيقال لغير الله أيضا ، وذلك لأنّه لا أحد لديه الرحمة العامّة سوى الله تعالى ، الرحمة أمّا الرحمة الخاصّة فإنّها موجودة في المخلوقات وإن كانت بصورة محدودة.

وفي حديث للإمام الصادقعليه‌السلام نقرأ ما يلي : «الرحمن اسم خاصّ بصفة عامّة ، والرحيم اسم عام بصفة خاصّة». (يعني أنّه اسم مخصوص لله ، ورحمته تشمل جميع خلقه) ، لكن الرحيم اسم عام لصفة خاصّة (يعني أنّه وصف يستعمل لله وللخلق) ، وكما عرّف القرآن المجيد الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه (رؤوف رحيم) حيث يقول سبحانه :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) .(١)

__________________

(١) التوبة ، ١٢٨.

٣٦٣

وهنا يطرح التساؤل التالي : من الذي علّمه الله سبحانه القرآن الكريم.

ذكر المفسّرون في ذلك تفسيرات عديدة ، فبعضهم قال : إنّ الله علّم القرآن لجبرئيل والملائكة ، وقال آخرون : إنّ الله سبحانه علّمه للرسول ، وذكر ثالث : أنّه علّم للإنس والجنّ.

ولكون هذه السورة تبيّن الرحمة الإلهيّة للإنس والجنّ ولذا أكّد سبحانه إقرارهم بنعمه إحدى وثلاثين مرّة ، وذلك بقوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) لهذا فإنّ التّفسير الأخير هو الأنسب ، أي أنّ الله علّم القرآن للإنس والجنّ بواسطة نبيّه الكريم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وبعد ذكره سبحانه لنعمة القرآن التي لا مثيل لها ينتقل إلى أهمّ نعمة في الترتيب المذكور ويقول :( خَلَقَ الْإِنْسانَ ) .

من الطبيعي أنّ المقصود هنا هو نوع الإنسان وليس آدمعليه‌السلام فقط ، حيث سيتحدّث عنه سبحانه في الآيات اللاحقة بصورة مستقلّة ، كما أنّه ليس المقصود بذلك النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع العلم أنّ الرّسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو أفضل وأعلى مصداق للإنسان.

وإطلاق كلمة (البيان) التي تأتي بعد خلق الإنسان دليل آخر على عمومية كلمة الإنسان ، وبناء على هذا فإنّ التفاسير الاخرى التي ذكرت لم تكن صحيحة.

والحقيقة أنّ خلق الإنسان هذا الكائن الذي تتجمّع فيه كلّ عجائب الوجود ، هذا الموجود الذي هو خلاصة الموجودات الاخرى ، هذا العالم الصغير الذي اندرج فيه العالم الكبير ، لهو نعمة منقطعة النظير حيث إنّ كلّ بعد من أبعاد وجوده المختلفة نعمة كبيرة.

__________________

(١) اختلف المفسّرون حول أنّ المفعول الأوّل لـ (علّم) هو المحذوف ، أو أنّ المحذوف هو المفعول الثاني ، والأنسب أنّ المفعول الأوّل هو المحذوف حيث في التقدير يكون : (علّم الإنس والجنّ القرآن). كما يحتمل البعض أنّ (علّم) لم تأخذ أكثر من مفعول واحد بمعنى موضع العلاقة وهذا مستبعد جدّا.

٣٦٤

وبالرغم من أنّ بداية الإنسان ليست أكثر من نطفة لا قيمة لها ، بل الأصحّ أنّ بدايته عبارة عن موجود مجهري يسبح في نطفة لا وزن لها ، إلّا أنّه في ظلّ الرعاية الإلهيّة يسير في مراحل التكامل بصورة يرتقي فيها إلى مقام أشرف موجود في عالم الخلق.

أنّ ذكر اسم «الإنسان» بعد «القرآن» هو الآخر يستوجب التأمّل ، ذلك لأنّ القرآن الكريم يمثّل مجموعة أسرار الكون بصورة مدوّنة «الكتاب التدويني» ، والإنسان هو خلاصة هذه الأسرار بصورة تكوينية «الكتاب التكويني» ، كما أنّ كلّ واحدة منها هو صورة من هذا العالم الكبير.

وتشير الآية اللاحقة إلى أهمّ النعم بعد نعمة خلق الإنسان حيث يقول البارئعزوجل :( عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) .

كلمة (البيان) لها معنى لغوي واسع ، حيث تقال لكلّ شيء يوضّح ويبيّن شيئا معيّنا ، وبناء على هذا فإنّها لا تشمل النطق والكلام فحسب ، بل تجمع الكتابة والخطّ وأنواع الاستدلالات العقليّة والمنطقية التي تبيّن المسائل المختلفة والمعقّدة أيضا رغم أنّ معالم هذه المجموعة هي التكلّم والنطق.

ونظرا لتعوّدنا ممارسة الكلام ، فقد نتصوّر أنّه أمر بسيط وسهل ، والحقيقة أنّ التكلّم من أعقد وأظرف أعمال الإنسان ، ويمكننا القول بعدم وجود عمل على شاكلته من ناحية التعقيد والظرافة.

فمن جهة نجد أنّ الأجهزة المختّصة لإصدار الصوت تتساعد وتتعاون مع بعضها لإيجاد الأصوات المختلفة. فالرئة تجمع الهواء لتخرجه من الحنجرة تدريجيّا ، والأوتار الصوتية تهتزّ لتولّد أصواتا مختلفة تماما ، بعضها تعبّر عن حالة الرضى ، والاخرى عن الغضب ، والثالثة تعبّر عن النجدة والإستغاثة وطلب العون ، والرابعة عن المحبّة أو العداوة وهكذا. ثمّ إنّ هذه الأصوات ـ بمساعدة اللسان والشفتين والأسنان والحلق ـ تصنع الحروف الأبجدية بسرعة وظرافة خاصّة ،

٣٦٥

وبتعبير آخر : إنّ الصوت الممتدّ والمتساوي الذي يخرج من الحنجرة يقطّع إلى أشكال وقياسات مختلفة حيث تتشكّل منه الحروف.

ومن جهة اخرى فهناك مسألة اللغات ، حيث إنّ الإنسان يبتدع لغات مختلفة حسب احتياجاته الماديّة والمعنوية ، وذلك إثر تطوّره وتقدّمه الفكري ، والعجيب هنا عدم وجود أي محدودية في وضع اللغات ، حيث نلاحظ تعدّد الألسن في علامنا هذا بصورة يصعب إحصاؤها بصورة دقيقة ، كما أنّنا نلحظ أيضا نشوء لغات جديدة وألسن جديدة بصورة تدريجيّة مع مرور الزمن. ويعتقد البعض أنّ عدد اللغات الموجودة في عالمنا اليوم يصل إلى ثلاثة آلاف لغة ، ويذهب آخرون إلى أكثر من ذلك(١) .

والظاهر أنّ ذلك يتعلّق باللغات والألسن الأصليّة ، أمّا إذا أخذت اللهجات المحليّة بنظر الإعتبار فإنّها ستصبح أكثر من ذلك بكثير قطعا ، حيث لا حظ المتتبعون لأمور اللهجات أنّ قريتين متجاورتين تتحدّثان بلسانين مختلفين أحيانا.

ومن جهة ثالثة هناك مسألة ترتيب الجمل والاستدلال وبيان العواطف عن طريق العقل والفكر ، لأنّها تمثّل روح البيان والنطق ولهذا الأمر فإنّ التكلّم أمر خاصّ بالإنسان فقط.

صحيح أنّ الكثير من الحيوانات تحدث أصواتا مختلفة كي تعبّر عن احتياجاتها ، إلّا أنّ عدد هذه الأصوات محدود جدّا ومبهم وغير معلوم ، في حين أنّ البيان وضع في إختيار الإنسان بصورة واسعة وغير محدودة ، لأنّ الله تعالى قد أعطاه القدرة الفكرية اللازمة للتكلّم.

وإذا تجاوزنا كلّ ذلك وأخذنا دور البيان في تكامل وتقدّم الحياة الإنسانية ،

__________________

(١) دائرة المعارف لفريد وجدي ، ج ٨ ، ص ٣٦٤ مادّة (لغة).

٣٦٦

فمن الواضح أنّ الإنسان لم يكن بمقدوره وإمكانه أن ينقل تجاربه وعلومه من جيل إلى آخر بهذه السهولة وبالتالي أدّى إلى التقدّم والعلم والدين والأخلاق وإذا ما سلبت هذه النعمة العظيمة من الإنسان ليوم واحد فإنّ المجتمع الإنساني سوف يأخذ طريقه نحو التقهقر بسرعة ، ولو أخذنا «البيان» بمعناه الواسع الذي يشمل الخطّ والكتابة والفنون المختلفة ، فإنّه سيتّضح لدينا بصورة أكثر دوره الهامّ في الحياة الإنسانية.

ومن هنا ندرك لماذا جاءت عبارة (تعليم البيان) بعد نعمة خلق الإنسان في سورة الرحمن التي هي مجموعة من هبات الله تعالى.

ويتطرّق بعد ذلك إلى النعمة الإلهيّة الرابعة والتي هي هبة من هبات الله العظيمة أيضا ، حيث يقول تعالى :( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ) (١) .

إنّ أصل وجود الشمس من أكبر النعم الإلهيّة للإنسان ، لأنّ العيش في المنظومة الشمسية بدون نور وحرارة الشمس أمر غير ممكن ، وكما بيّنا سابقا فإنّ كلّ حركة في الكرة الأرضية مصدره حرارة الشمس ، حيث أنّ نمو ونضج النبات والمواد الغذائية أجمع ، بالإضافة إلى سقوط الأمطار وهبوب الرياح ، كلّها ببركة هذه الهبة الإلهيّة.

كما أنّ للقمر دورا هامّا في حياة الإنسان ، فبالإضافة إلى أنّه يضيء الليالي المعتمة ، فإنّ جاذبيته هي علّة المدّ والجزر في البحار والمحيطات ، وهي عامل لبقاء الحياة في البحار ، كما أنّها تقوم بدورها في إرواء كثير من المناطق القريبة للسواحل والتي تصبّ الأنهار بالقرب منها.

وبالإضافة إلى ذلك فإنّه ثبات الانتظام لهاتين الحركتين (حركة القمر حول الأرض ، وحركة الأرض حول الشمس) هو السبب في الظهور المنتظم لليل

__________________

(١) «حسبان» على وزن (غفران) وهي مصدر بمعنى الحساب والنظم والترتيب ، وللآية محذوف تقديره (والشمس والقمر تجريان بحسبان).

٣٦٧

والنهار والسنين والشهور والفصول المختلفة ، وبالتالي فإنّه سبب أساسي لانتظام الحياة الإنسانية وبرمجة الأمور التجارية والصناعية والزراعية ، وإن فقد الانتظام فيها فسوف تضطرب الحياة البشرية وتختلّ الكثير من مرتكزاتها.

وليس لحركة هذين الكوكبين نظام دقيق جدّا فحسب ، بل إنّ مقدار كثافة وجاذبية ومسافة كلّ منهما عن الأرض هي الاخرى محسوبة بدقّة وحساب (وحسبان).

ومن المؤكّد أنّ اختلال كلّ واحدة من هذه الأمور سيولّد اختلالات عظيمة في المنظومة الشمسية ، ومن ثمّ في النظام الحياتي للبشر.

والعجيب هنا أنّ هذه الأجزاء عند ما انفصلت من الشمس كانت في حالة من الاضطراب والفوضى ، إلّا أنّها ثبتت واستقرّت أخيرا بالشكل الحالي ، حيث يقول في هذا المجال أحد علماء العلوم الطبيعيّة :

«وجدت منظومتنا الشمسية ـ في الظاهر ـ من مخلوط من مواد متنوّعة وعناصر مختلفة انفصلت عن الشمس بدرجة حرارية عالية تبلغ (٠٠٠) درجة وبسرعة فائقة تناثرت في الفضاء الواسع.

وبالرغم من هذا الاضطراب الظاهري فقد لوحظ الانتظام الدقيق والترتيب المنسّق بحيث أنّنا نستطيع أن نتنبّا بالحوادث المستقبلة حتّى بالدقائق واللحظات ، ونتيجة لهذا النظام والترتيب نلاحظ أنّ الأوضاع الفلكية هذه باقية على هذا الحال مدّة ألف مليون سنة»(١) .

والجدير بالذكر أنّ الشمس بالرغم من أنّها في وسط المنظومة الشمسية وتبدو ساكنة وثابتة ، إلّا أنّها مع جميع كواكبها وأقمارها تسير في وسط المجرّة المتعلّقة بها إلى نقطة معيّنة (تسمّى هذه النقطة بنجمة فيكا) وهذه الحركة لها أيضا

__________________

(١) سرّ خلق الإنسان ، ص ٢٨.

٣٦٨

نظام وسرعة معينان.

ثمّ يتحوّل بنا الله إلى نعمة عظيمة اخرى هي الخامسة في مسلسل ما ذكره سبحانه من النعم في هذه السورة المباركة ، حيث يوجّه النظر إلى ألطافه في الأرض حيث يقول :( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ ) .

«النجم» يأتي أحيانا بمعنى كوكب ، ويأتي اخرى بمعنى النبات الذي لا ساق له ، ولمّا جاءت الكلمة هنا بقرينة «الشجر» فيكون المقصود هو المعنى الثاني ، أي النباتات بدون سيقان(١) .

وهذا المصطلح معناها في الأصل (الطلوع) وإذا أطلق على النباتات (نجم) فلأنّها تخرج من الأرض ، وإذا أطلق على النجمة فلأنّها تطلع.

ومن الواضح أنّ النبات مصدر جميع المواد الغذائية للإنسان ، حيث يستهلك قسما مباشرا منه ، والقسم الآخر تستهلكه الحيوانات الاخرى التي هي جزء أساسي من غذاء الإنسان ، ومن هنا فإنّ النبات هو مصدر غذاء الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وهذا المعنى يصدق أيضا في عالم الحيوانات البحرية ، لأنّها تتغذّى على نباتات صغيرة جدّا تنبت في البحر وتوجد بكثرة هائلة تقدّر بملايين البليارات ، وهي المصدر الغذائي لهذه الحيوانات البحرية. وتنمو هذه النباتات الصغيرة في البحر بتأثير الضوء (أشعّة الشمس) التي تتحرّك بين الأمواج.

وبهذا فإنّ «النجم» أنواع من النباتات الصغيرة الزاحفة (مثل اليقطين والخيار وأمثاله). أمّا (الشجر) فإنّه النوع الآخر من النباتات التي لها سيقان وتشمل أشجار الفاكهة ونباتات الغلّات وغير ذلك.

وتعبير (يسجدان) إشارة إلى التسليم والخضوع أمام القدرة الإلهيّة وقوانين

__________________

(١) الراغب في مفرداته حيث يقول : النجم ما لا ساق له من النبات.

٣٦٩

الخلقة والإبداع الإلهي لأجل نفع الإنسان ، هذا المسير الذي عيّنه الله لهم يسيرون فيه بدون أي تخلّف ، وذلك بموجب الإرادة الإلهية.

وهنا إشارة إلى الأسرار التوحيدية أيضا حيث توجد في كلّ ورقة وكلّ بذرة آيات عجيبة من عظمة وقدرة الله سبحانه(١) .

كما يحتمل أن يكون المقصود من «النجم» في الآية المذكورة هي «النجوم» ، ولكن المعنى الأوّل طبقا للقرائن الموجودة في الآية الكريمة هو الأنسب.

* * *

ملاحظة

تأمّلات في الرّوايات

نقلت المصادر الإسلامية في هامش الآيات أعلاه روايات من قبيل التّفسير بالمصداق واضح ، حيث أنّ كلّ واحدة منها تلقي الضوء على قسم من الآيات الكريمة.

ففي حديث للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير( عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) يقول : «البيان الاسم الأعظم الذي به علم كلّ شيء»(٢) .

وحول «الاسم الأعظم» وتفسيره فقد أوردنا بحثا في هامش الآية ١٨٠ من سورة الأعراف.

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ذكر أنّ المقصود من «الرحمن علّم القرآن» أنّ الله تعالى قد علّم القرآن للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والمقصود

__________________

(١) بحثنا تفصيلا حول معنى (سجود الموجودات المختلفة في عالم الوجود) في هامش الآية رقم ١٨ سورة الحجّ. وكذلك في هامش الآية ٤٤ من سورة الإسراء.

(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٩٧.

٣٧٠

من «خلق الإنسان» هو خلق أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و «علّمه البيان» هو بيان كلّ الأمور التي يحتاجها الناس.

ومن الواضح أنّ الرّوايات أعلاه لا تحدّد عمومية مفهوم هذه الآيات ، بل توضّح مصاديقها.

* * *

٣٧١

الآيات

( وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) )

التّفسير

السماء رفعها ووضع الميزان :

هذه الآيات هي استمرار لبيان النعم الإلهيّة التي جاء ذكر خمس منها في الآيات السابقة ، حيث تحدّث عن أهمّ الهبات التي منحها الله سبحانه.

وفي الآية مورد البحث يتحدّث سبحانه عن النعمة السادسة ، ألا وهي نعمة خلق السماء حيث يقول :( وَالسَّماءَ رَفَعَها ) .

(السماء) في هذه الآية سواء كانت بمعنى جهة العلو ، أو الكواكب السماوية ، أو جو الأرض (والذي يعني الطبقة العظيمة من الهواء والتي تحيط بالأرض كدرع يقيها من الأشعّة الضارّة والصخور السماوية وحرارة الشمس ، والرطوبة

٣٧٢

المتصاعدة من مياه البحار لتتكوّن الغيوم وتنزل الأمطار) إنّ كلّ واحدة من هذه المعاني هبة عظيمة ونعمة لا مثيل لها ، وبدونها تستحيل الحياة أو تصبح ناقصة.

نعم إنّ النور الذي يمنحنا الدفء والحرارة والهداية والحياة والحركة يأتينا من السماء وكذلك الأمطار ، والوحي أيضا ، وبذلك فإنّ للسماء مفهوما عامّا ، مادّيا ومعنويا).

وإذا تجاوزنا كلّ هذه الأمور ، فإنّ هذه السماء الواسعة مع كلّ عوالمها هي آية عظيمة من آيات الله ، وهي أفضل وسيلة لمعرفة الله سبحانه ، وعند ما يتفكّر أولو الألباب في عظمتها فسوف يقولون دون إختيار( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) .(١)

ثمّ يستعرض سبحانه النعمة السابعة حيث يقول تعالى :( وَوَضَعَ الْمِيزانَ ) .

«الميزان» كلّ وسيلة تستعمل للقياس ، سواء كان قياس الحقّ من الباطل ، أو العدل من الظلم والجور ، أو قياس القيم وقياس حقوق الإنسان في المراحل الاجتماعية المختلفة.

و (الميزان) يشمل كذلك كلّ نظام تكويني ودستور اجتماعي ، لأنّه وسيلة لقياس جميع الأشياء.

و «الميزان» لغة : (المقياس) وهو وسيلة لوزن الأجسام الماديّة المختلفة ، إلّا أنّ المقصود في هذه الآية ، ـ والذي ذكر بعد خلق السماء ـ أنّ لها مفهوما واسعا يشمل كلّ وسيلة للقياس بما في ذلك القوانين التشريعيّة والتكوينية ، وليس وسيلة منحصرة بقياس الأوزان الماديّة فقط.

ومن هنا فلا يمكن أن تكون الأنظمة الدقيقة لهذا العالم ، والتي تحكم ملايين الأجرام السماوية بدون ميزان وقوانين محسوبة.

وعند ما نرى في بعض العبارات أنّ المقصود بالميزان هو «القرآن الكريم» ، أو

__________________

(١) آل عمران ، ١٩١.

٣٧٣

«العدل» ، أو «الشريعة» ، أو «المقياس». ففي الحقيقة إنّ كلّ واحدة من هذه المعاني مصداق لهذا المفهوم الواسع الشامل.

ونستنتج من الآية اللاحقة استنتاجا رائعا حول هذا الموضوع حيث يضيف بقوله تعالى :( أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ) .

حيث يوجّه الخطاب لبني الإنسان الذين يشكّلون جزءا من هذا العالم العظيم ويلفت انتباههم إلى أنّهم لا يستطيعون العيش بشكل طبيعي في هذا العالم إلّا إذا كان له نظم وموازين ، ولذلك فلا بدّ أن تكون للبشر نظم وموازين أيضا حتى يتلاءموا في العيش مع هذا الوجود الكبير الذي تحكمه النواميس والقوانين الإلهيّة ، خاصّة أنّ هذا العالم لو زالت عنه القوانين التي تسيّره فإنّه سوف يفنى ، ولذا فإنّ حياتكم إذا فقدت النظم والموازين فإنّكم ستتجهون إلى طريق الفناء لا محالة.

يا له من تعبير رائع حيث يعتبر القوانين الحاكمة في هذا العالم الكبير منسجمة مع القوانين الحاكمة على حياة الإنسان (العالم الصغير) وبالتالي ينقلنا إلى حقيقة التوحيد ، حيث مصدر جميع القوانين والموازين الحاكمة على العالم هي واحدة في جميع المفردات وفي كلّ مكان.

ويؤكّد مرّة اخرى على مسألة العدالة والوزن حيث يقول سبحانه :( وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ ) .

والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ كلمة «الميزان» ذكرت ثلاث مرّات في هذه الآيات ، وكان بالإمكان الاستفادة من الضمير في المرحلة الثانية والثالثة ، وهذا ما يدلّل ، على أنّ كلمة (الميزان) هنا قد جاءت بمعان متعدّدة في الآيات الثلاث السابقة ، لذا فإنّ الاستفادة من الضمير لا تفي بالغرض المطلوب ، وضرورة التناسب للآيات يوجب تكرار كلمة «الميزان» ثلاث مرّات ، لأنّ الحديث في المرحلة الاولى ، كان عن الموازين والمعايير والقوانين التي وضعها الله تعالى لكلّ

٣٧٤

عالم الوجود.

وفي المرحلة الثانية يتحدّث سبحانه عن ضرورة عدم طغيان البشر في كلّ موازين الحياة ، سواء كانت الفردية أو الاجتماعية.

وفي المرحلة الثالثة يؤكّد على مسألة الوزن بمعناها الخاصّ ، ويأمر البشر أنّ يدقّقوا في قياس ووزن الأشياء في التعامل ، وهذه أضيق الدوائر.

وبهذا الترتيب نلاحظ الروعة العظيمة للانسجام في الآيات المباركة ، حيث تسلسل المراتب وحسب الأهمية في مسألة الميزان والمقياس ، والانتقال بها من الدائرة الأوسع إلى الأقل فالأقل(١) .

إنّ أهميّة الميزان في أي معنى كان عظيمة في حياة الإنسان بحيث إنّنا إذا حذفنا حتّى مصداق الميزان المحدود والصغير والذي يعني (المقياس) فإنّ الفوضى والارتباك سوف تسود المجتمع البشري ، فكيف بنا إذا ألغينا المفهوم الأوسع لهذه الكلمة ، حيث ممّا لا شكّ فيه أنّ الاضطراب والفوضى ستكون بصورة أوسع وأشمل.

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ (الميزان) : قد فسّر بوجود (الإمام) ، وذلك لكون الوجود المبارك للإمام المعصوم هو وسيلة لقياس الحقّ من الباطل ، ومعيار لتشخيص الحقائق وعامل مؤثّر في الهداية(٢) . وهكذا في تفسير «الميزان» بالقرآن الكريم ناظر إلى هذا المعنى.

ونظرا إلى أنّ هذه الآيات تتحدّث عن النعم الإلهية ، فإنّ وجود الميزان سواء في نظم العالم أجمع أو المجتمع الإنساني أو الروابط الاجتماعية أو مجال العمل

__________________

(١) يقول الفخر الرازي في تفسير لكلمة (الميزان) في الآية الاولى : إنّها اسم (آلة) بمعنى وسيلة للقياس ، وفي الآية الثانية جاء مصدرا (يعني الوزن) ، وفي الآية الثالثة أتى مفعولا بمعنى (جنس الموزون).

(٢) روي هذا الحديث في تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام والحديث مفصّل وقد ذكر مضمونه هنا فقط (تفسير علي بن إبراهيم ، ج ٢ ، ص ٣٤٣).

٣٧٥

التجاري فإنّها جميعا نعم من قبل الله سبحانه.

ثمّ ينتقل سبحانه من السماء إلى الأرض فيقولعزوجل :( وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ ) «الأنام» فسّرها البعض بمعنى (الناس) ، وفسّرها آخرون بمعنى (الإنس والجنّ) ، وفسّروها أيضا بأنّها تشمل كلّ موجود (ذي روح).

إلّا أنّ قسما من أئمّة اللغة فسّرها بمطلق (الخلق) ولكن القرائن الموجودة في السورة وطبيعة النداءات الموجّهة للإنس والجنّ تدلّل على أنّها المقصود هنا (الجنّ والإنس).

نعم ، إنّ الكرة الأرضية التي ذكرت هنا بعنوان هبة إلهيّة مهمّة ، وفي آيات اخرى ذكرت بعنوان (مهاد) مأوى ومستقرّ للإنسان الذي لا يدرك قدرها غالبا في الحالات الاعتيادية ، إلّا أنّه في حالة حدوث تغيّر بسيط كزلزلة مدمّرة أو بركان بإمكانه أن يدفن مدينة بأكملها تحت المواد المذابة وعتمة الدخان ولهيب النار ، هنا ندرك كم أنّ هدوء الأرض نعمة عظيمة ، خصوصا إذا وضعنا الأرقام التي توصّل إليها العلماء أمامنا فيما يتعلّق بسرعة حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس(١) ، عند ذلك يتبيّن لنا أهميّة هذا الهدوء الكامن في أعماق هذه الحركة السريعة جدّا والتي هي ليست نوعا واحدا ، بل أنواع مختلفة.

التعبير بـ (وضع) عن الأرض في مقابل (رفع) عن السماء ، إضافة إلى الروعة البلاغية في هذا التقابل فهو إشارة إلى تسخير الأرض ومنابعها للإنسان حيث يقول سبحانه :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) .(٢)

__________________

(١) سرعة الأرض حول الشمس (الحركة الانتقالية) ٣٥ كم في الثانية ، وسرعة سيرها حول نفسها بحدود (١٦٠٠) كم في الساعة (في المناطق الاستوانية).

(٢) الملك ، ١٥.

٣٧٦

وبهذا الترتيب فقد ذكر لنا سبحانه النعمة العظيمة الثامنة في هذه السلسلة.

وفي الآية اللاحقة يستعرض ذكر النعمتين التاسعة والعاشرة من النعم الإلهية ، والتي تتضمّن قسما من المواد الغذائية التي وهبها الله سبحانه للإنسان حيث يقول تعالى :( فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ ) .

«الفاكهة» تشمل كلّ نوع من الفاكهة كما يقول الراغب في المفردات ، وفسّرها البعض بأنّها تشمل جميع أنواع الفاكهة باستثناء التمر ، حيث ذكر «النخيل» في هذه السورة بصورة مستقلّة ، ويمكن أن يكون ذكر النخيل بسبب أهميّة النخل والتمر لا استثناء من عموم لفظ الفاكهة.

«وقد أوردنا بحثا مفصّلا حول فوائد التمر من الناحية الغذائية والمواد الحياتية المختلفة لدي تفسير الآية ١١ من سورة النحل ، والآية ٢٥ من سورة مريم».

«أكمام» جمع (كم) على وزن (جن) تطلق على الغلاف الذي يغطّي الفاكهة. و (كم) على وزن (قم) القسم الخاصّ باليدين من الثوب ، و (كمة) على وزن (قبة) بمعنى القبعة التي تغطّي الرأس(١) .

إنّ إختيار هذا الوصف لفاكهة شجرة النخل ـ والتي تكون في البداية مختفية في غلاف ثمّ ينشقّ الغلاف عن ثمر منظود وبشكل جميل وجذّاب ـ يمكن أن يكون لهذا الجمال الأخّاد ، أو للمنافع الجمّة الكامنة في هذا الغلاف ، فهو بالإضافة إلى كونه يقوم بمهمّة حفظ الثمرة من الآفات لحين النمو المناسب والقدرة الملائمة ويكون دوره كرحم الامّ الذي يحافظ على الجنين فترة زمنية مناسبة قبل خروجه إلى عالم الدنيا فإنّه كذلك يحوي عصارة (الأسانس) الخاصّة والتي تتميّز بالمنافع الطبيّة والغذائية.

__________________

(١) لنا بحث مفصّل في هذا الموضوع في تفسيرنا هذا ، ذيل الآية (٤٧) من سورة فصّلت.

٣٧٧

كما أنّ الروعة تكمن في الوضع الخاصّة لفاكهة هذه الشجرة أيضا ، حيث تتجمّع في كميّات كبيرة منها بصورة عنا قيد لتسهّل عملية قطف ثمارها ، ولو افترضنا أنّ ثمار هذه الشجرة متناثرة كما في شجرة التفاح فإنّ عملية قطف الثمار ستكون صعبة للغاية قياسا لطول شجرة النخل.

ثمّ يتحدّث سبحانه عن النعمة الحادية عشرة والثانية عشرة حيث يقول سبحانه :( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ ) .

الحبوب مصدر أساسي لغذاء الإنسان ، وأوراقها الطازجة واليابسة هي غذاء للحيوانات التي هي لخدمة الإنسان ، حيث يستفيد من حليبها ولحومها وجلودها وأصوافها ، وبهذا الترتيب فلا يوجد شيء فيها غير ذي فائدة.

ومن جهة اخرى ، فإنّ الله تعالى خلق الأزاهير المعطّرة والورود التي تعطّر مشام الجسم والروح وتبعث الاطمئنان والنشاط ، ولذا فإنّ الله سبحانه قد أتمّ نعمه على الإنسان.

(الحبّ) يقال لكلّ نوع من أنواع الحبوب.

(عصف) على وزن «حرب» بمعنى الأوراق والأجزاء التي تنفصل عن النبات وينشرها الهواء في جهات مختلفة ، ويقال لها التبن أيضا.

وذكروا أنّ «للريحان» معاني عديدة من جملتها النباتات المعطّرة ، وكذلك كلّ رزق ، والمعنى الأوّل هو الأنسب هنا.

وبعد ذكر هذه النعم العظيمة (المادية والمعنوية) ينقلنا في آخر آية من البحث مخاطبا الجنّ والإنس بقوله تعالى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) حيث يلفت نظرهم إلى كلّ هذه النعم الكبيرة التي شملت كلّ مجالات الحياة وكلّ واحدة منها أثمن وأعظم من الاخرى ألا يدلّ كلّ هذا على لطف وحنان الخالق فكيف يمكن التكذيب بها إذا؟

إنّ هذا الاستفهام استفهام تقريري جيء به في مقام أخذ الإقرار ، وقد قرأنا

٣٧٨

في بداية السورة رواية تؤكّد على ضرورة تعقيبنا بهذه العبارة (لا شيء من آلائك ربّي أكذّب) بعد كلّ مرّة نتلو فيها الآية الكريمة :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

وبالرغم من أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن الإنسان فقط ، ولم يأت حديث عن طائفة (الجنّ) إلّا أنّ الآيات اللاحقة تبيّن أنّ المخاطب في ضمير التثنية هم (الجنّ) كما سنرى ذلك.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الله تعالى يضع (الإنس والجنّ) في هذه الآية مقابل الحقيقة التالية : وهي ضرورة التفكّر في النعم الإلهيّة السابقة التي منحها الله لكم وتسألون أنفسكم وعقولكم هذا السؤال :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) فإنّ لم تكذّبوا بهذه النعم ، فلما ذا تتنكّرون لوليّ نعمتكم؟ ولماذا لا تجعلون شكره وسيلة لمعرفته؟ ولماذا لا تعظّمون شأنه؟

إنّ التعبير بـ (أي) إشارة إلى أنّ كلّ واحدة من هذه النعم دليل على مقام ربوبية الله ولطفه وإحسانه ، فكيف بها إذا كانت هذه النعم مجتمعة؟

* * *

تعقيب

١ ـ معرفة النعم طريق لمعرفة الله :

إذا تأمّلنا قليلا النعم التي سبق وأن تناولتها الآيات الكريمة : (نعمة القرآن ، وخلق الإنسان ، وتعليم البيان ، والحساب المنظّم للزمان ، خلق النباتات ومختلف الأشجار ، وحاكمية السماء والسنن والقوانين ، وخلق الأرض بخصوصياتها المتعدّدة ، وخلق الفاكهة والنخل والحبوب والورود والنباتات المعطّرة ...) مع جميع جزئياتها والأسرار الخفيّة في كلّ واحدة منها لكانت كافية لأنّ تبعث الإحساس بالشكر في الإنسان وتدفعه إلى معرفة مبدئ هذه النعم وهو الله سبحانه.

٣٧٩

ولهذا السبب فإنّ الله تعالى يأخذ الإقرار من عباده بعد ذكر كلّ واحدة من هذه النعم ، وتتكرّر الآية في الآيات اللاحقة أيضا ، وبعد ذكر نعم اخرى ، بحيث يصبح عددها ٣١ مرّة.

إنّ هذا التكرار ليس فقط لا يتنافى مع الفصاحة ، بل إنّه فنّ من فنونها ، ويشبه هذا الأمر التكرار الذي يؤكّده الأب لابنه الذي يغفل عن وصاياه بصورة مستمرّة ، فيخاطبه بصيغ مختلفة تأكيدا لعدم الغفلة والنسيان حيث يقول له : أنسيت يا ولدي ضعفك وطفولتك؟ أتعرف كم من الجهد بذلت من أجل تنميتك وتربيتك.

أنسيت يا ولدي كم أحضرت من الأطباء الأخصائيين يوم مرضك ، وكم بذلت سعيا وجهدا في ذلك.

أنسيت يا ولدي حينما بلغت سنّ الشباب ما بذلته من جهد في زواجك حيث انتخبت لك زوجة من أكثر النساء عفّة وطهرا؟

أنسيت يا ولدي جهدي في مسألة إعداد بيتك ومستلزماته؟ فإذا لم تنس كلّ هذا فلما ذا العناد والطغيان والقسوة وعدم الوفاء إذا؟

إنّ الله تعالى يذكّر عباده الغافلين بصورة مستمرّة بنعمه المختلفة ، وهكذا يسألهم بعد كلّ نعمة من هذه النعم( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) ، فلما ذا هذا العصيان والطغيان في حين أنّ طاعتي هي رمز لتكاملكم وتقدّمكم ، وإنّ هذا ينفعكم ولن ينفع الله شيئا؟!

٢ ـ مسألة النظم والحساب في الحياة :

يوجد في جسم الإنسان أكثر من عشرين عنصرا معدنيا ، وكلّ واحد منها بكيفية خاصّة وكمية معيّنة ، وإذا ما حصل أقل تغيّر في مقاديرها ونسبها فإنّ حياتنا تكون في خطر ، فمثلا في فصل الصيف إذا تعرّق الإنسان أكثر من اللازم عندئذ يصاب بالصدمة التي قد تؤدّي إلى الموت والسبب في ذلك بسيط جدّا ،

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧

عنده في أقل من طرفة عين( هذا من فضل رَبّي ليبلوَني ءأشكُر أَم أكفُر و مَن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ) ( و مَن كَفَر فإن ربِّي غَنيٌ كريم ) (١) .

٤٢ الحكمة ( ٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ مَا كُنْتَ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية(٥) « فلا تبل كيف كنت » و « تبل » بضم التاء و الأصل فيه تبال ، حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم « لا أدر » قال زهير :

لقد باليت مظعن امّ أوفى

و لكن ام أوفى لا تبالي(٦)

قالوا : كان لامرأة ابن واحد ، فمات فقالت أردت أن لا يموت هذا ، فمن شاء بعده عاش و من شاء مات .

٤٣ الحكمة ( ٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ

____________________

( ١ ) النمل : ٤٠ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٧١ رقم ٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٥ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٣ كما ما ذكره ( محمّد عبده ) في النسخة المصرية المنقحة .

( ٥ ) راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٢ .

( ٦ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ٥٧ .

٥١٨

أقول : روي عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، فعنهعليه‌السلام قال « العجب لمن يهلك و النجاة معه » قيل : ما هي ؟ قالعليه‌السلام : الاستغفار(١) .

و ورد أنّ الزهري لمّا حصل له القنوط من عقوبته رجلا فمات قال له عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك .

و أمره ببعث ديته ثم الاستغفار ، فقال له فرّجت عني يا سيدي اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاستغفار و قول لا إله إلاّ اللَّه خير العبادة ، قال تعالى( فَاعلَم أَنّه لا إله إلاّ اللَّه و استَغفر لِذَنبك ) .(٣) و قد قال تعالى .( وَ ما كانَ اللَّه مُعذِّبَهُم وَ هُم يَستَغفِرُون ) (٤) .

٤٤ الحكمة ( ٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ حَافِظٌ الحكمة ( ٤٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اَللَّهُ عَلاَنِيَتَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اَللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَحْسَنَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ

____________________

( ١ ) ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦٦ .

( ٢ ) تنقيح المقال للمامقاني ٣ : ١٨٧ .

( ٣ ) محمد : ١٩ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٥ ح ٦ عن حسين بن زيد ، و الآية ١٩ من سورة محمد .

٥١٩

أقول : روى ( روضة الكافي ) في حديثه ( ٤٧٧ ) عن الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء و العلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهنّ رابعة : من كانت همّته آخرته كفاه اللَّه همّه من الدنيا ، و من أصلح سريرته أصلح اللَّه علانيته ، و من أصلح فيما بينه و بينه تعالى أصلح اللَّه فيما بينه و بين الناس(١) .

قولهعليه‌السلام في الأول : « من أصلح ما بينه و بين اللَّه تعالى أصلح اللَّه ما بينه و بين الناس » و في الثاني : « و من أحسن في ما بينه و بين اللَّه أحسن اللَّه ما بينه و بين الناس » على ما في ( الطبعة المصرية(٢) و ابن أبي الحديد )(٣) ، و لكن في ( ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية ) : « كفاه اللَّه ما بينه و بين الناس »(٥) .

قال الصادقعليه‌السلام : ما نقل اللَّه عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال و أعزّه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر(٦) .

و في الأول « و من أصلح أمر آخرته أصلح اللَّه له أمر دنياه » و في الثاني « و من عمل لدينه كفاه اللَّه أمر دنياه » قال تعالى : و من يَتّق اللَّه يَجعَل لهُ مخرجا .

( و يَرزُقُه من حيثُ لا يَحتَسبُ ) (٧) .

و عن عيسىعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى الدّنيا : من خدمني فاخدميه ، و من خدمك فاستخدميه(٨) .

____________________

( ١ ) الكافي الروضة للكليني : ٣٠٧ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية المنقحة : ٧٥٥ رقم ٤٠٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٨ رقم ٤٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٧ رقم ٤٩٨ .

( ٥ ) النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٧٦ ح ٨ .

( ٧ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٨ ) ورد ما يشابهه في بحار الأنوار ٧٧ : ٥٤ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526