الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل7%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151385 / تحميل: 5596
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

للآية ، بأن أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل ـ قد منع أجيره أجره ـ والظاهر أنّه كان مسلما ـ وقال متهكما : إن كان ما يقوله محمّد حقا فنحن أولى من غيرنا بنعم الجنّة ، وسندفع أجر هذا العامل بالكامل هناك! فنزلت هذه الآية وقالت : إنّ الجنّة مختصة بمن كان تقيا.

* * *

٤٨١

الآيتان

( وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) )

سبب النّزول

ذكر جماعة من المفسّرين في سبب نزول هاتين الآيتين ، أنّ الوحي انقطع أيّاما ، ولم يأت جبرئيل رسول الوحي الإلهي إلى النّبي ، فلمّا انقضت هذه المدّة قال له : قال عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما منعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا» ، فنزلت الآية :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) (1) .

التّفسير

الطاعة التّامة :

بالرّغم من أن لهذه الآية سبب نزول ذكر أعلاه ، إلّا أنّ هذا لا يكون مانعا من

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، ص 352 ، عن مجمع البيان ، وتفسير القرطبي ، الجزء 11 ، ص 416 ، وذيل الآية مورد البحث باختلاف يسير.

٤٨٢

أن يكون لها ارتباطا منطقيا بالآيات السابقة ، لأنّها تأكيد على أنّ كل ما أتى به جبرئيل من الآيات السابقة قد بلغه عن الله بدون زيادة أو نقصان ، ولا شيء من عنده ، فتتحدث الآية الأولى على لسان رسول الوحي فتقول :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) فكل شيء منه، ونحن عباد وضعنا أرواحنا وقلوبنا على الأكف( لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ) والخلاصة : فإنّ الماضي والحاضر والمستقبل ، وهنا وهناك وكل مكان ، والدنيا والآخرة والبرزخ ، كل ذلك متعلق بذات الله المقدسة.

وقد ذكر بعض المفسّرين لجملة( لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ) آراء عديدة بلغت أحيانا أحد عشر قولا ما ذكرنا أعلاه هو أنسبها جميعا كما يبدو

ثمّ تضيف الآية : إن كل ذلك بأمر ربّك( رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ) فإذا كان الأمر كذلك ، وكل الخطوط تنتهي إليه( فَاعْبُدْهُ ) عبادة مقترنة بالتوحيد والإخلاص. ولما كان هذا الطريق ـ طريق العبودية والطاعة وعبادة الله الخالصة ـ مليء بالمشاكل والمصاعب ، فقد أضافت( وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ ) ، وتقول في آخر جملة :( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) .

وهذه الجملة في الواقع ، دليل على ما جاء في الجملة السابقة ، يعني : هل لذاته المقدسة شريك ومثيل حتى تمد يدك اليه وتعبده؟

إنّ كلمة (سمي) وإن كانت تعني «المشترك في الاسم» ، إلّا أن من الواضح أنّ المراد هنا ليس الاسم فقط ، بل محتوى الاسم ، أي : هل تعلم أحدا غير الله خالقا رازقا ، محييا مميتا ، قادرا على كل شيء ، وظاهرا على كل شيء؟

* * *

٤٨٣

الآيات

( وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) )

سبب النّزول

الآيات الأولى ـ على رأي جماعة من المفسّرين ـ نزلت في شأن «أبي بن خلف» ، أو «الوليد بن المغيرة» ، حيث أخذوا قطعة من عظم منخور ، ففتوه بأيديهم ونثروه في الهواء حتى تطايرت كل ذرة منه إلى جهة ، وقالوا انظروا إلى محمّد الذي يظن أن الله يحيينا بعد موتنا وتلاشي عظامنا مثل هذا العظم! إن هذا شيء غير ممكن أبدا. فنزلت هذه الآيات وأجابتهم ، جوابا قاطعا ، جوابا مفيدا ومعلما لكل البشر ، وفي جميع القرون والأعصار.

٤٨٤

التّفسير

حال أهل النّار :

مرّت في الآيات السابقة بحوث عديدة حول القيامة والجنّة والجحيم ، وتتحدث هذه الآيات التي نبحثها حول نفس الموضوع ، فتعيد الآية الأولى أقوال منكري المعاد ، فتقول:( وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) .

هذا الاستفهام استفهام إنكاري طبعا ، أي إنّ هذا الشيء غير ممكن. أمّا التعبير بالإنسان (وخاصّة مع ألف ولام الجنس) ، مع أنّه كان من المناسب أن يذكر الكافر محله ـ فربّما كان من جهة أن هذا السؤال مخفي في طبع كل إنسان في البداية بزيادة ونقيصة ، وبسماع مسألة الحياة بعد الموت سترتسم في ذهنه علامة الاستفهام فورا.

ثمّ يجيبهم مباشرة بنفس التعبير( أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) . ويمكن أن يكون التعبير بـ «الإنسان» هنا أيضا إشارة إلى أن الإنسان مع ذلك الاستعداد والذكاء الذي منحه الله إيّاه ، يجب أن لا يجلس ساكتا أمام هذا السؤال ، بل يجب أن يجيب عليه بتذكر الخلق الأوّل ، وإلّا فإنّه لم يستعمل حقيقة إنسانيته.

إنّ هذه الآيات ـ ككثير من الآيات المرتبطة بالمعاد ـ تؤكّد على المعنى الجسماني ، وإلّا فإذا كان القرار أن تبقى الروح فقط ، ولا وجود لرجوع الجسم إلى الحياة ، فلا مكان ولا معنى لذلك السؤال ، ولا لهذا الجواب.

على كل حال ، فقد استعمل القرآن هذا المنطق لإثبات المعاد هنا ، وقد جاء في مواضع أخرى من القرآن أيضا ، ومن جملتها في أواخر سورة يس ، حيث طرح الأمر بنفس تعبير الإنسان :( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ

٤٨٥

يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (1) (2) .

بعض المفسّرين طرح هنا سؤالا ، وهو أن هذا الدليل إذا كان صحيحا ، بأنّ كل شخص إذا ما عمل عملا فإنّه قادر على إعادته ، فلما ذا نقوم بأعمال ثمّ نعجز عن تكرارها أحيانا؟ فمثلا قد ننشد قطعة شعرية رائعة جدّا ، أو نكتب بخط جميل جدّا ، غير أنّنا بعد ذلك نجتهد في الإتيان بمثله ولكن دون جدوى.

الجواب هو : صحيح أنّنا نقوم بأعمالنا بإرادة واختيار ، إلّا أن هناك سلسلة من الأمور غير الإرادية تؤثر في أفعالنا الخاصّة أحيانا ، فإنّ حركة واهتزاز يدنا غير المحسوس يؤثر أحيانا في دقة شكل الحروف. إضافة إلى أن قدرتنا واستعدادنا ليسا متساويين دائما ، فقد تعرض أحيانا عوامل تعبئ كل قوانا الداخلية ، ونستطيع أن نبدع في الأعمال ونأتي بأعلاها، إلّا أنّ هذه الدوافع تكون ضعيفة أحيانا ، فلا تستجمع كل الطاقات ، ولذلك فإن العمل الثّاني لا ينفذ بدقة وجودة العمل الأوّل.

إلّا أنّ الله الذي لا تنتهي قدرته ، لا تثار حوله هذه المسائل ، ولا تقاس قدرته على أعمالنا وقدراتنا ، فإنّه إذا عمل عملا فإنّه يستطيع إعادته بعينه بدون زيادة أو نقصان.

ثمّ تهدد الآية التالية منكري المعاد ، والمجرمين الكافرين :( فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) .

إنّ هذه الآية توحي بأنّ محكمة الأفراد الكافرين والمجرمين قريبة من جهنم! والتعبير بـ «جثيا» ـ مع العلم أن جثي جمع جاثي ، وهو الذي يجثو على ركبتيه ـ ربّما كان إشارة إلى ضعف وعجز وذلة هؤلاء ، حتى أنّهم لا قدرة لهم على الوقوف أحيانا.

__________________

(1) يس ، 77 ـ 79.

(2) لقد بحثنا حول هذا الدليل في ذيل الآية (29) من الأعراف تحت عنوان (أقصر دليل لإثبات المعاد).

٤٨٦

ولهذه الكلمة معاني أخرى أيضا ، فمن جملتها أنّهم فسروا «جثيا» بمعنى جماعة جماعة ، وبعضهم فسّرها بمعنى الكثرة وازدحام بعضهم على بعض كتراكم التراب والحجارة ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب والأشهر.

ولما كانت الأولويات تلاحظ في تلك المحكمة العادلة ، فإنّ الآية التالية تقول :( ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ) (1) ونبدأ بحسابهم أوّلا ، فإنّهم عتوا عتوا نسوا معه كل مواهب الله الرحمان ، وجنحوا إلى التمرد والعصيان وإظهار الوقاحة أمام ولي نعمتهم! أجل ، إن هؤلاء أحق من الجميع بالجحيم.

ثمّ تؤكّد على هذا المعنى مرّة أخرى فتقول :( ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا ) فسنختار هؤلاء بدقة ، وسوف لا يقع أي اشتباه في هذا الإختيار.

(صلي) مصدر يعطي معنى إشعال النار وإيقادها ، كما يعني حرق الشيء بالنّار.

* * *

__________________

(1) «الشيعة» في الأصل بمعنى الجماعة التي يتعاون أفرادها للقيام بعمل ما ، وانتخاب هذا التعبير في الآية يمكن أن يكون إشارة إلى أن العتاة المردة والضالين الكافرين كانوا يتعاونون في طريق الطغيان ، ونحن سنحاسب هؤلاء أوّلا ، لأنّهم أكثر تمردا وعصيانا من الجميع.

٤٨٧

الآيتان

( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) )

التّفسير

الجميع يردون جهنم!

تستمر الآيات في بحث خصائص القيامة والثواب والعقاب ، وأشارت في البداية إلى مسألة يثير سماعها الحيرة والعجب لدى أغلب الناس ، فتقول :( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ) فجميع الناس سيدخلون جهنم بدون استثناء لأنّه أمر حتمي.

( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ) فنتركهم فيها جالسين على الركب من الضعف والذّل.

وهناك بحث مفصل بين المفسّرين في تفسير هاتين الآيتين حول المراد من «الورود» في جملة( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ) .

فيرى بعض المفسّرين أنّ «الورود» هنا بمعنى الاقتراب والإشراف ، أي إن جميع الناس بدون استثناء ـ المحسن منهم والمسيء ـ يأتون إلى جانب جهنم للحساب ، أو لمشاهدة مصير المسيئين النهائي ، ثمّ ينجي الله المتقين ، ويدع

٤٨٨

الظالمين فيها. وقد استدل هؤلاء لدعم هذا التّفسير بالآية (23) من سورة القصص :( وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ) حيث أن للورود هنا نفس المعنى.

والتّفسير الثّاني الذي اختاره أكثر المفسّرين ، هو أن الورود هنا بمعنى الدخول ، وعلى هذا الأساس فإنّ كل الناس بدون استثناء ـ محسنهم ومسيئهم ـ يدخلون جهنم ، إلّا أنّها ستكون بردا وسلاما على المحسنين ، كحال نار نمرود على إبراهيم( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) ، لأنّ النّار ليست من سنخ هؤلاء الصالحين ، فقد تفر منهم وتبتعد عنهم ، إلّا أنّها تناسب الجهنميين فهم بالنسبة للجحيم كالمادة القابلة للاشتعال ، فما أن تمسهم النار حتى يشتعلوا.

وبغض النظر عن فلسفة هذا العمل ، والتي سنشرحها فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ فإنّ ممّا لا شك في أنّ ظاهر الآية يلائم وينسجم مع التّفسير الثاني ، لأنّ المعنى الأصلي للورود هو الدخول ، وغيره يحتاج إلى قرينة. إضافة إلى أن جملة( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ) وكذلك جملة( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها ) كلتاهما شاهدتان على هذا المعنى. علاوة على الرّوايات المتعددة الواصلة إلينا في تفسير الآية التي تؤيد هذا المعنى ، ومن جملتها :

روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ رجلا سأله عن هذه الآية ، فأشار جابر بإصبعيه إلى أذنيه وقال : صمتا إن لم أكن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الورود الدّخول ، لا يبقى بر ولا فاجر إلّا يدخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى أن للنّار ـ أو قال لجهنم ـ ضجيجا من بردها ، ثمّ ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا»(1) .

وفي حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تقول النّار للمؤمن يوم القيامة : جز يا مؤمن ، فقد أطفأ نورك لهبي»(2) !

__________________

(1) نور الثقلين ، الجزء 3 ، ص 353.

(2) المصدر السّابق.

٤٨٩

ويستفاد هذا المعنى أيضا من بعض الرّوايات الأخرى. وكذلك التعبير العميق المعنى للصراط ، والذي ورد في روايات متعددة بأنّه جسر على جهنم ، وأنّه أدق من الشعرة وأحد من السيف ، هذا التعبير شاهد آخر على هذا التّفسير(1) .

أمّا ما يقوله البعض من أن الآية (101) من سورة الأنبياء :( أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) دليل على التّفسير الأوّل ، فلا يبدو صحيحا ، لأن هذه الآية مرتبطة بمحل إقامة ومقر المؤمنين الدائمي ، حتى أنّنا نقرأ في الآية التالية لهذه الآية :( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ) فإذا كان الورود في آية البحث بمعنى الاقتراب ، فهي غير مناسبة لكلمة( مُبْعَدُونَ ) ولا لجملة( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ) .

جواب عن سؤال :

السؤال الوحيد الذي يبقى هنا ، هو : ما هي الحكمة هذا العمل؟ وهل أن المؤمنين لا يرون أذى ولا عذابا من هذا العمل؟

إنّ الإجابة على هذا السؤال ـ التي وردت في الرّوايات حول كلا الشقين ـ ستتضح بقليل من الدقة.

إنّ مشاهدة جهنم وعذابها في الحقيقة ، ستكون مقدمة لكي يلتذ المؤمنون بنعم الجنة بأعلى مراتب اللذة ، لأن أحدا لا يعرف قدر العافية حتى يبتلى بمصيبة (وبضدها تتمايز الأشياء) فهناك لا يبتلى المؤمنون بمصيبة ، بل يشاهدون المصيبة على المسرح فقط ، وكما قرأنا في الرّوايات السابقة ، فإنّ النّار تصبح بردا وسلاما على هؤلاء ، ويطغى نورهم على نورها ويخمده.

إضافة إلى أنّ هؤلاء يمرون على النار بكل سرعة بحيث لا يرى عليهم أدنى أثر ، كما

روي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال في حديث : «يرد الناس ثمّ يصدون بأعمالهم ،

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 5 ، ص 572 ذيل آية( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) الفجر ، 14.

٤٩٠

فأوّلهم كلمع البرق ، ثمّ كمر الريح ، ثمّ كحضر الفرس ، ثمّ كالراكب ، ثمّ كشد الرجل ، ثمّ كمشيه»(1) .

وإذا تجاوزنا ذلك ، فإنّ أهل النّار أيضا سيلقون عذابا أشد من رؤية هذا المشهد ، وأن أهل الجنّة يمرون بتلك السرعة وهم يبقون في النّار ، وبهذا سيتّضح جواب كلا السؤالين.

* * *

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 353.

٤٩١

الآيات

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) )

التّفسير

هذه الآيات تتابع ما مر في الآيات السابقة في الحديث عن الظالمين الذين لا إيمان لهم ، وتتعرض لجانب آخر من منطق هؤلاء الظالمين ومصيرهم.

ومن المعلوم أنّ أوّل جماعة آمنت بالرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا من المستضعفين الطاهري القلوب ، والذين خلت أيديهم من مال الدنيا ومغرياتها هؤلاء المحرومون هم الذين جاءت الأديان الإلهية من أجل إنقاذهم من قبضة

٤٩٢

الظالمين الجائرين بلال وسلمان ، وعمار ، وخباب ، وسمية ، وأمثالهم مصاديق بارزة لهؤلاء المؤمنين المظلومين.

ولما كان المعيار في المجتمع الجاهلي في ذلك الزمان ـ وكذا في كل مجتمع جاهلي آخر ـ هو الذهب والزينة والمال والمقام والمنصب والهيئة الظاهرية ، فكان الأثرياء الظالمون ، كالنضر بن الحارث وأمثاله يفتخرون على المؤمنين الفقراء بذلك ويقولون : إنّ علامة شخصيتنا معنا ، وعلامة عدم شخصيتكم فقركم ومحروميتكم ، وهذا بنفسه دليل على أحقيتنا وباطلكم! كما يقول القرآن الكريم في أول آيه من الآيات مورد البحث :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) .

خاصّة وأنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أن هؤلاء الأشراف المترفين كانوا يلبسون أجمل ملابسهم ، ويتزينون بأبهى زينة ، ويتبخترون أمام أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا ينظرون إليهم نظرة تحقير واستهزاء نعم ، هذه طريقة هذه الطبقة في كل عصر وزمان.

«النديّ» أخذت في الأصل من (الندى) أي الرطوبة ، ثمّ جاءت بمعنى الأفراد الفصحاء والخطباء ، لأن أحد شروط القدرة على التكلم امتلاك القدر الكافي من اللعاب ، ولذلك فإن (نديّ) تعني المجالسة والتحدث ، بل يقال للمجلس الذي يجتمعون فيه للأنس والسمر ، أو يجلسون فيه للتشاور : نادي ، ومن هذا أخذت (دار الندوة) وهي المحل الذي كان في مكّة ، وكان يجتمع فيه زعماؤها للتشاور.

وقد يعبر عن السخاء والبذل والعطاء ب (الندى)(1) وهذه الآية يمكن أن تكون إشارة إلى كل هذه المعاني ، أي : إنّ مجلس أنسنا أجمل من مجلسكم ، وإن مالنا وثروتنا وزينتنا ولباسنا أبهى وأروع ، وإن كلامنا وأشعارنا الفصيحة والبليغة

__________________

(1) مفردات الراغب ، مادة (ندى).

٤٩٣

أبلغ وأحسن!

إلّا أنّ القرآن الكريم يجيب هؤلاء بجواب منطقي ومستدل تماما ، وفي الوقت نفسه قاطع ومفحم ، فيقول : كأن هؤلاء قد نسوا تاريخ البشر ، ولم ينظروا كم دمرنا من الأقوام السابقين عند تمردهم وعصيانهم :( وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً ) (1) فهل استطاعت أموالهم وثروتهم ، ومجالسهم الفاسقة ، وملابسهم الفاخرة ، وصورهم الجميلة أن تمنع العذاب الإلهي وتقف أمامه؟ وإذا كانت هذه الأمور دليلا على شخصيتهم ومنزلتهم عند الله ، فلما ذا ابتلوا بهذا المصير المشؤوم؟

إنّ زخارف الدنيا وبهارجها متزلزلة إلى حدّ أنّها تتلاشى وتزول بمجرّد أن يهب عليها أدنى نسيم هادئ.

«القرن» ـ كما قلنا سابقا في ما مرّ في ذيل الآية (6) من سورة الأنعام ـ تعني عادة الزمان الطويل ، لكن لما كانت قد أخذت من مادة الاقتران ، أي الاقتراب ، فإنّها تقال أيضا للقوم والأناس المجتمعين في زمان واحد.

ثمّ تحذرهم تحذيرا آخر ، بأن لا تظنوا أيّها الظالمون الكافرون أنّ مالكم وثروتكم هذه رحمة ، بل كثيرا ما تكون دليلا على العذاب الإلهي :( قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ ) إي إمّا العذاب في هذه الدنيا ، وإمّا عذاب الآخرة( فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً ) .

في الحقيقة ، إنّ مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يمكن هدايتهم (والملاحظ أن القرآن يقول :( مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ ) وهو إشارة إلى الاستمرار في الضلال) من

__________________

(1) (الأثاث) بمعنى المتاع وزينة الدنيا ، و (رئي) بمعنى الهيئة والمنظر.

٤٩٤

أجل أن يروا العقاب الإلهي الشديد ، فإنّ الله سبحانه يجعلهم أحيانا يغوصون ويغرقون في النعم لتصبح سببا لغرورهم ، كما تكون سببا لنزول العذاب عليهم ، فإنّ سلب النعم عنهم حينئذ سيجعل لوعة العذاب أشد. وهذا هو ما ذكر في بعض آيات القرآن بعنوان عقاب «الاستدراج»(1) .

جملة( فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ) وإن كانت بصيغة الأمر ، إلّا أنّها بمعنى الخبر ، فمعناها : إنّ الله يمهل هؤلاء ويديهم عليهم النعم.

وقد فسرها بعض المفسّرين بنفس معنى الأمر أيضا ، وأنّه يعني هنا اللعنة ، أو وجوب مثل هذا العمل والمعاملة على الله. إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأقرب.

وكلمة (العذاب) بقرينة وقوعها في مقابل (الساعة) فإنّها إشارة إلى العقوبات الإلهية في عالم الدنيا ، عقوبات كطوفان نوح ، والزلزلة ، والحجارة السماوية التي نزلت على قوم لوط. أو العقوبات التي أصيبوا بها على يد المؤمنين والمقاتلين في جبهات الحق ، كما نقرأ في الآية (14) من سورة التوبة :( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) .

«الساعة» هنا إمّا بمعنى نهاية الدنيا ، أو العذاب الإلهي في القيامة. ويبدو لنا أن المعنى الثّاني هو الأنسب.

هذه عاقبة ومصير الظالمين المخدوعين بزخرف الدنيا وزبرجها ، أمّا أولئك الذين آمنوا واهتدوا ، فإنّ الله يزيدهم هدى وإيمانا( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ) .

من البديهي أن للهداية درجات ، فإذا طوى الإنسان درجاتها الأولى فإنّ الله يأخذه بيده ويرفعه إلى درجات أعلى ، وكما أنّ الشجرة المثمرة تقطع كل يوم

__________________

(1) راجع ذيل الآيات 182 ، 183 من سورة الأعراف.

٤٩٥

مرحلة جديدة إلى التكامل والإيناع ، فكذلك المهتدون يرتقون كل يوم مراق أعلى في ظل الإيمان والأعمال الصالحة التي يعملونها.

وفي النهاية تجيب الآية هؤلاء الذين اعتمدوا على زينة الدنيا السريعة الزوال ، وجعلوها وسيلة للتفاخر على الآخرين ، فتقول :( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) (1) .

* * *

__________________

(1) «مردّ» ـ على وزن نمدّ بتشديد الدال ـ إمّا مصدر بمعنى الرّد والإرجاع ، أو اسم مكان بمعنى محل الرجوع، والمراد منه هنا الجنّة ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أوفق لمعنى الآية.

٤٩٦

الآيات

( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) )

التّفسير

تفكير خرافي ومنحرف :

يعتقد بعض الناس أنّ الإيمان والطهارة والتقوى لا تناسبهم ، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم ، أمّا إذا خرجوا من دائرة الإيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم ، وتزيد ثروتهم وأموالهم!

إنّ هذا النوع من التفكير ، سواء كان نابعا من البساطة واتباع الخرافات ، أو أنّه غطاء وتستّر للفرار من تحمل المسؤوليات والتعهدات الإلهية ، فهو تفكير خاطئ وخطير.

لقد رأينا عبدة الأوهام هؤلاء يجعلون أحيانا من كثرة أموال وثروات

٤٩٧

الأفراد غير المؤمنين ، وفقر وحرمان جماعة من المؤمنين ، دليلا لإثبات هذه الخرفة ، في حين أنّه لا الأموال التي تصل إلى الإنسان عن طريق الظلم والكفر وترك أسس التقوى تبعث على الفخر ، ولا الإيمان والتقوى يكونان سدا ومانعا في طريق النشاطات المشروعة والمباحة مطلقا.

على كل حال ، فقد كان في عصر النّبي ـ وكذلك في عصرنا ـ أفراد جاهلون يظنون هذه الظنون والأوهام ، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل ، فيتحدث القرآن ـ كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقا حول مصير الكفار والظالمين ـ في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها ، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً ) (1) .

ثمّ يجيبهم القرآن الكريم :( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ) فإنّ الذي يستطيع أن يتكهن بمثل هذا التكهن ، ويقول بوجود علاقة بين الكفر والغنى وامتلاك الأموال والأولاد ، مطلّع على الغيب ، لأنا لا نرى أيّ علاقة بين هاتين المسألتين ، أو يكون قد أخذ عهدا من الله سبحانه ، وهذا الكلام أيضا لا معنى له.

ثمّ يضيف بلهجة حادة : إنّ الأمر ليس كذلك ، ولا يمكن أن يكون الكفر أساسا لزيادة مال وولد أحد مطلقا :( كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ ) .

أجل ، فإنّ هذا الكلام الذي لا أساس له قد يكون سببا في انحراف بعض البسطاء ، وسيثبت كل ذلك في صحيفة أعمال هؤلاء( وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا ) .

هذه الجملة قد تكون إشارة إلى العذاب المستمر الخالد ، كما يحتمل أيضا أن

__________________

(1) نقل بعض المفسّرين سببا لنزول الآية وهو : إنّ أحد المؤمنين ـ واسمه خباب ـ كان يطلب أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل ، فقال المدين مستهزئا : إذا وجدت مالا وولدا في عالم الآخرة فسأؤدي دينك.

إلّا أنّ سبب النّزول هذا لا يناسب الآية التي نبحثها ظاهرا ، خاصّة وأنّ الكلام عن الولد هنا ، ونحن نعلم أنّ الولد في عالم الآخرة غير مطروح للبحث. إضافة إلى أن الآيات التالية تقول بصراحة :( نَرِثُهُ ما يَقُولُ ) ويتّضح من هذا التعبير أنّ المقصود أموال الدنيا لا الأموال في الآخرة.

وعلى كل حال ، فإنّ جماعة من المفسّرين اعتبروا هذه الآية ـ بناء على سبب النّزول هذا ـ إشارة إلى الآخرة ، إلّا أنّ الحق ما قيل.

٤٩٨

تكون إشارة إلى العقوبات التي تحيط بهم في هذه الدنيا نتيجة للكفر وعدم الإيمان. ويحتمل أيضا أنّ هذه الأموال والأولاد التي هي أساس الغرور والضلال هي بنفسها عذاب مستمر لهؤلاء!

( وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ ) من الأموال والأولاد( وَيَأْتِينا فَرْداً ) .

نعم ، إنّه سيترك في النهاية كل هذه الإمكانيات والأملاك المادية ويرحل ، ويحضر في محكمة العدل الإلهية بأيد خالية ، وفي الوقت الذي اسودت فيه صحيفة أعماله من الذنوب والمعاصي ، وخلت من الحسنات هناك ، حيث يرى نتيجة أقواله الجوفاء في دار الدنيا.

وتشير الآية التالية إلى علّة أخرى في عبادة هؤلاء الأفراد للأصنام ، فتقول :( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) وليشفعوا لهم عند الله ، ويعينوهم في حل مشاكلهم ، لكن ، أي ظن خاطئ وخيال ساذج هذا؟!

ليس الأمر كما يظن هؤلاء أبدا ، فليست الأصنام سوف لا تكون لهم عزّا وحسب، بل ستكون منبعا لذلتهم وعذابهم ، ولهذا فإنّهم سوف ينكرون عبادتهم لها في يوم القيامة:( كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) .

إن هذه الجملة إشارة إلى نفس ذلك المطلب الذي نقرؤه في الآية (14) من سورة فاطر :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) . وكذلك ما نلاحظه في الآية (6) من سورة الأحقاف :( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً ) .

وقد احتمل بعض كبار المفسّرين أن المراد من الآية : إنّ عبدة الأصنام عند ما ترفع الحجب في القيامة ، وتتضح كل الحقائق ، ويرون أنفسهم قد فضحوا وخزوا ، فإنّهم ينكرون عبادة الأصنام ، وسيقفون ضدها ، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الأنعام :( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .

إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية ، لأن عبّاد الأصنام كانوا يريدون

٤٩٩

أن تكون آلهتهم ومعبوداتهم عزّا لهم ، إلّا أنّهم يصبحون ضدها في النهاية.

ومن الطبيعي أن تكلم المعبودات التي لها عقل وإدراك كالملائكة والشياطين والجن واضح ومعلوم ، إلّا أنّ الآلهة الميتة التي لا روح لها ، من الممكن أن تتكلم بإذن الله وتعلن تنفرها واشمئزازها من عبدتها ومن الممكن أن يستفاد هذا التّفسير من حديث مروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال في تفسير هذه الآية : يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضدا يوم القيامة ويتبرءون منهم ومن عبادتهم إلى يوم القيامة.

والجميل في الأمر أننا نقرأ في ذيل الحديث جملة قصيرة عميقة المحتوى حول العبادة:ليس العبادة هي السجود ولا الركوع ، وإنّما هي طاعة الرجال ، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده»(1) .

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 357.

٥٠٠

ثانيا : القرآن والطهارة

نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى :( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) وقلنا : إنّ المسّ يفسّر بالمسّ الظاهري وبالمعنوي كذلك ، ولا تضادّ بينهما ، وهما مجموعان في المفهوم الكلّي للآية.

وفي القسم الأوّل نقلت روايات لأهل البيتعليهم‌السلام عن أبي الحسن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أنّه قال : (المصحف لا تمسّه على غير طهر ، ولا جنب ولا تمسّ خطّه ولا تعلّقه ، إنّ الله تعالى يقول :( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (١) .

ونقل نفس المعنى في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام مع اختلاف مختصر(٢) .

وجاء في مصادر أهل البيتعليهم‌السلام من طرق مختلفة أنّ الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يمسّ القرآن إلّا الطاهر»(٣) .

وحول اللمس المعنوي نقل عن ابن عبّاس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّه لقرآن كريم في كتاب مكنون» قال : «عند الله في صحف مطهّرة»( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) قال : «المقرّبون»(٤) .

وهذا المعنى يمكن الاستدلال عليه بواسطة العقل أيضا ، لأنّه رغم ، أنّ القرآن الكريم هو كتاب هداية لعموم الناس ، ولكنّنا نعلم أنّ الكثير ممّن سمعوا القرآن من فم النّبي الأكرم ، ورأوا هذا الماء الزلال في عين الوحي الصافية ، إلّا أنّهم بسبب تلوّثهم بالعصبية والعناد والغرور لم يؤثّر فيهم أي تأثير ولم ينتفعوا به أقلّ انتفاع ، وهناك أشخاص اهتدوا به لمجرّد أنّهم سعوا ولو قليلا لتطهير أنفسهم وتهذيبها

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٢٦٩ ، الحديث (٣) وطبقا لهذا الحديث فإنّ النفي في الآية أعلاه كناية عن النهي.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٢٧٠ ، الحديث ٥.

(٣) نقل هذا الحديث في الدرّ المنثور عن عبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل وابن حزم الأنصاري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ج ٩ ، ص ١٦٢.

(٤) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٦٢.

٥٠١

وجاءوا إلى القرآن بروح باحثة عن الحقّ والحقيقة ، فعلى هذا كلّما ازدادت طهارة وتقوى الإنسان فإنّه مرشّح لاستيعاب المفاهيم القرآنية بصورة أعمق ، ومن هنا فإنّ الآية تصدق في البعدين (المادّي والمعنوي) و (الجسمي والروحي).

وممّا لا شكّ فيه أنّ شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام والملائكة المقرّبين هم أوضح مصداق للمقرّبين الذين أدركوا حقائق القرآن الكريم بصورة متميّزة عن الجميع.

* * *

٥٠٢

الآيات

( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧) )

التّفسير

عند ما تصل الروح إلى الحلقوم :

من اللحظات الحسّاسة التي تقلق الإنسان دائما هي لحظة الاحتضار ونهاية العمر ، في تلك اللحظة يكون كلّ شيء قد انتهى ، وقد جلس أهله وأحبّاؤه ينظرون إليه بيأس كشمعة قد انتهى أمدها وستنطفئ رويدا رويدا ، حيث يودّع الحياة دون أن يستطيع أحد أن يمدّ إليه يد العون.

نعم ، إنّ الضعف التامّ للإنسان يتجسّد في تلك اللحظات الحسّاسة ليس في العصور القديمة فحسب بل حتّى في عالمنا المعاصر ، فمع توفّر جميع الإمكانات الطبيّة والفنيّة والوسائل العلاجية فإنّ الضعف يتجلّي في ساعة الاحتضار.

وتكملة لأبحاث المعاد والردّ على المنكرين والمكذّبين فإنّ القرآن الكريم يرسم لنا صورة معبّرة ومجسّدة لهذه اللحظات حيث يقول سبحانه :( فَلَوْ لا إِذا

٥٠٣

بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ) ولا تستطيعون عمل شيء من أجله(١) .

والمخاطبون هنا هم أقارب المحتضر الذين ينظرون إلى حالته في ساعة الاحتضار من جهة ، ويلاحظون ضعفه وعجزه من جهة ثانية ، وتتجلّى لهم قدرة الله تعالى على كلّ شيء ، حيث أنّ الموت والحياة بيده ، وأنّهم ـ أي أقاربه ـ سيلاقون نفس المصير(٢) .

ثمّ يضيف سبحانه( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) .

نعم ، نحن الذين نعلم بصورة جيّدة ما الذي يجول في خواطر المحتضر؟ وما هي الإزعاجات التي تعتريه؟ نحن الذين أصدرنا أمرنا بقبض روحه في وقت معيّن ، إنّكم تلاحظون ظاهر حاله فقط ، ولا تعلمون كيفية انتقال روحه من هذه الدار إلى الدار الآخرة ، وطبيعة المخاضات الصعبة التي يعيشها في هذه اللحظة.

وبناء على هذا فالمقصود من الآية هو : قرب اللهعزوجل من الشخص المحتضر ، بالرغم من أنّ البعض احتمل المقصود بالقرب (ملائكة قبض الروح) إلّا أنّ التّفسير الأوّل منسجم مع ظاهر الآية أكثر.

وعلى كلّ حال فإنّ الله سبحانه ليس في هذه اللحظات أقرب إلينا من كلّ أحد ، بل هو في كلّ وقت كذلك ، بل هو أقرب إلينا حتّى من أنفسنا ، بالرغم من أنّنا بعيدون عنه نتيجة غفلتنا وعدم وعينا ، ولكن هذا المعنى في لحظة الاحتضار يتجلّى أكثر من أي وقت آخر.

ثمّ للتأكيد الأشدّ في توضيح هذه الحقيقة يضيف تعالى :( فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

__________________

(١) للآية محذوف تقديره (فلو لا إذا بلغت الحلقوم لا ترجعونها ولا تملكون شيئا) وهذا ما يستفاد من الآيات اللاحقة وقد لحقت تاء التأنيث بالفعل لأنّها متعلّقة بالنفس.

(٢) احتمل البعض أنّ المخاطب هنا هو الشخص المحتضر ، وهذا بعيد جدّا حسب الظاهر ، لأنّ الآية اللاحقة توضّح بصورة جيّدة أنّ المخاطب هم متعلّقوا المحتضر.

٥٠٤

إنّ ضعفكم هذا دليل أيضا على أنّ مالك الموت والحياة واحد ، وأنّ الجزاء بيده ، وهو الذي يحي ويميت.

«مدينين» : جمع (مدين) من مادّة (دين) بمعنى الجزاء ، وفسّرها البعض بمعنى المربوبين. والمعنى هو : يا أيّها العباد ، إن كنتم تحت ربوبية موجود آخر ، ومالكي نواصي أموركم ، فارجعوا أرواحكم التي قبضناها ، وهيهات تقدرون! وهذا دليل آخر على أنّكم في قبضة الحكومة الإلهية.

* * *

تعقيب

١ ـ لحظة ضعف الجبّارين

إنّ الهدف من هذه الآيات ـ في الحقيقة ـ هو بيان قدرة اللهعزوجل على مسألة الموت والحياة ، كي ينتقل منها إلى مسألة المعاد وإختيار لحظات الاحتضار والموت هنا لظهور غاية الضعف الإنساني بالرغم من كلّ القوّة التي يتصوّرها لنفسه.

ومن المفيد أن نستعرض بعض حالات الجبّارين لحظة احتضارهم بالرغم من أنّهم كانوا في أوج القدرة حتّى يتّضح المعنى العميق لهذه الآية بصورة أفضل.

حكى المسعودي في مروج الذهب في أخبار المأمون وغزاته أرض الروم ما هذا ملخّصه : وانصرف من غزاته إلى منزل على (عين البديدون) المعروفة بالقشيرة فأقام هنالك ، فوقف على العين فأعجبه برد مائها وصفاؤه وبياضه وطيب حسن الموضع ، وكثرة الخضرة فأمر بقطع خشب طويل منبسط على العين كالجسر ، وجعل فوقه كالأزج من الخشب وورق الشجر ، وجلس تحت الكنسية التي عقدت له ، والماء تحته ، وطرح في الماء درهم صحيح ، فقرأ كتابته وهو في قرار الماء لصفاء الماء ، ولم يقدر أحد أن يدخل يده من شدّة برده.

٥٠٥

فبينما هو كذلك إذ لاحت سمكة نحو الذراع كأنّها سبيكة فضّة ، فجعل لمن يخرجها سيفا فبدر بعض الفراشين فأخذها وصعد فلمّا صارت على حرف العين أو على الخشب الذي عليه المأمون اضطربت وانفلتت من يد الفراش فوقعت في الماء كالحجر ، فنضح من الماء على صدر المأمون ونحره وترقوته فبلّت ثوبه ، ثمّ انحدر الفرّاش ثانية فأخذها ووضعها بين يدي المأمون في منديل تضطرب ، فقال المأمون : تقلى الساعة ثمّ أخذته رعدة من ساعته ، فلم يقدر يتحرّك من مكانه ، فغطّي باللحف والدواويج وهو يرتعد كالسعفة ويصيح : البرد البرد ، ثمّ حوّل إلى المغرب ودثّر وأوقدت النيران حوله وهو يصيح : البرد البرد ، ثمّ أتي بالسمكة وقد فرغ من قليها فلم يقدر على الذوق منها وشغله ما هو فيه عن تناول شيء منها.

ولمّا اشتدّ به الأمر سأل المعتصم بختيشوع وابن ماسوية في ذلك الوقت عن المأمون وهو في سكرات الموت ، وما الذي يدلّ عليه علم الطبّ من أمره ، وهل يمكن برؤه وشفاؤه ، فتقدّم ابن ماسوية وأخذ إحدى يديه وبختيشوع الاخرى ، وأخذا يجسّان كلتا يديه فوجدا نبضه خارجا عن الاعتدال منذرا بالفناء والانحلال ، والتزقت أيديهما ببشرته لعرق كان يظهر منه من سائر جسده كالزيت أو كلعاب بعض الأفاعي ، فأخبر المعتصم بذلك ، فسألهما عن ذلك فأنكرا معرفته ، وأنّهما لم يجداه في شيء من الكتب وأنّه دالّ على انحلال الجسد ، فأحضر المعتصم الأطباء حوله وهو يأمل خلاصة ممّا هو فيه ، فلمّا ثقل قال : أخرجوني أشرف على عسكري وأنظر إلى رحالي وأتبيّن ملكي ، وذلك في الليل ، فاخرج فأشرف على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته وما قد وقد من النيران ، فقال : يا من لا يزول ملكه ، ارحم من زال ملكه ، ثمّ ردّ إلى مرقده وأجلس المعتصم رجلا يشهده.

ولمّا ثقل رفع الرجل صوته ليقولها (أي الشهادة) فقال له ابن ماسوية : لا تصحّ فو الله ما يفرّق بين ربّه وبين ما ني في هذا الوقت ، ففتح عينيه من ساعته

٥٠٦

وبهما من العظمة والكبر والاحمرار ما لم ير مثله قطّ. وأقبل يحاول البطش بيديه بابن ماسويه ، ورام مخاطبته فعجز عن ذلك ، وقضى عن ساعته وذلك لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وحمل إلى طرطوس فدفن بها(١) .

ويحتمل أن يكون لمرضه سابقة ، ويقول بعض المؤرخّين : إنّ كلّ شخص شرب من ماء تلك العين مرض ، أو أنّ السمكة كانت تحتوي على رشح سامّ ، وكيفما كان فإنّ الحكومة بتلك العظمة قد انهارت في بعض لحظات ، وانحنى بطل ميادين الحرب أمام شراع الموت ، ولم تكن القدرة لأي شخص أن يصنع شيئا للمأمون ، أو على الأقل ليوصله إلى مقرّه ومسكنه.

وللتاريخ خواطر وقصص كثيرة فيها دروس وعبر من هذا القبيل.

ثانيا : هل أنّ قبض الروح يكون تدريجيّا؟

إنّ التعبير بوصول الروح إلى الحلقوم كما في قوله تعالى :( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) كناية عن آخر لحظات الحياة ، كما أنّه من المحتمل أن يكون منشؤها هو أنّ غالبية أعضاء جسم الإنسان كالأيدي والأرجل تتعطّل عند الموت قبل بعض الأعضاء الاخرى ، والحلقوم هو العضو الأخير الذي يتوقّف عن العمل. قال تعالى :( كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ ) .(٢) (والترقوة) هي العظام التي تحيط بأطراف الحلق.

* * *

__________________

(١) مروج الذهب ، طبق لنقل سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤٤.

(٢) القيامة ، ٢٦.

٥٠٧

الآيات

( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦) )

التّفسير

مصير الصالحين والطالحين :

هذه الآيات في الحقيقة نوع من الخلاصة للآيات الاولى والأخيرة من هذه السورة ، كما أنّها تجسّد حالة التفاوت بين البشر في حالة الاحتضار ، وكيف أنّ قسما منهم يلفظون أنفسهم بهدوء وراحة في تلك اللحظات الصعبة ، وآخرين تلوح لهم من بعيد النار الحامية ، ويسيطر عليهم الخوف والاضطراب والهلع فيلفظون أنفاسهم بصعوبة بالغة.

يقول سبحانه في البداية :( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) .

٥٠٨

«روح» : على وزن (قول) ـ كما ذكر ذلك أئمّة اللغة ـ في الأصل بمعنى التنفّس.

«الريحان» : بمعنى النبات أو الشيء ذي العطر ، ثمّ اصطلح على كلّ شيء باعث للحياة والراحة ، كما أنّ الريحان يطلق على كلّ نعمة ورزق كريم.

وبناء على هذا فإنّ الروح والريحان الإلهيين يشملان كلّ وسائل الراحة والطمأنينة للإنسان ، وكلّ نعمة وبركة إلهيّة.

وبتعبير آخر : يمكن القول أنّ الروح إشارة إلى كلّ الأمور التي تخلّص الإنسان من الصعوبات ليتنفّس براحة ، وأمّا الريحان فإنّه إشارة إلى الهبات والنعم التي تعود إلى الإنسان بعد إزالة العوائق.

وقد ذكر المفسّرون الإسلاميون تفاسير متعدّدة لهذين المصطلحين قد تصل إلى عشرة تفاسير :

فقالوا : «الروح» بمعنى الرحمة ، و «الريحان» يشمل كلّ فضيلة وشرف.

وقالوا : إنّ الروح هي النجاة من نار جهنّم ، والريحان دخول الجنّة.

وذكروا أيضا أنّ الروح بمعنى الهدوء في القبر ، والريحان دخول الجنّة.

وفسّر آخرون الروح بمعنى كشف الكروب ، والريحان بمعنى غفران الذنوب.

وقال آخرون : الروح بمعنى النظر إلى وجه الله سبحانه ، والريحان الاستماع إلى كلام الله. وما إلى ذلك.

ويمكن القول أنّ جميع هذه التفاسير مصاديق لهذا المفهوم الكلّي والجامع ، والذي ذكر في تفسير الآية أعلاه.

والجدير بالملاحظة أنّ الحديث عن «جنّة النعيم» جاء بعد ذكر الروح والريحان وقد يستفاد من هذا أنّ الروح والريحان يكون من نصيب المؤمنين في الاحتضار والقبر والبرزخ ، وأمّا الجنّة ففي الآخرة ، كما نقرأ في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسيره لهذه الآية حيث قال :( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ

٥٠٩

وَرَيْحانٌ ) يعني في قبره (وجنّة نعيم) يعني في الآخرة(١) (٢) .

ثمّ يضيف سبحانه :( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ) وهم تلك الثلّة الصالحة من الرجال والنساء الذين يستلمون صحيفة أعمالهم بيدهم اليمنى كعلامة للفوز والنصر والنجاح( فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ) .

وبهذا الترتيب فإنّ ملائكة الله المختصّين بقبض الروح في لحظات الانتقال من هذه الدنيا يوصلون سلام أصحاب اليمين إلى المحتضر. كما قال تعالى في وصف أهل الجنّة وكلامهم :( إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً ) (٣) .

ويوجد احتمال آخر أيضا في تفسير هذه الآية وهو أنّ السلام يكون من قبل الملائكة حين يقولون له : سلام عليك أيّها العبد الصالح ، يا من هو من أصحاب اليمين ، أي يكفيك من الافتخار والوصف أن تكون في صفّ هؤلاء(٤) .

وتبيّن بعض الآيات القرآنية الاخرى أيضا أنّ المؤمنين وهم في حالة الاحتضار يتلقّون سلاما من الملائكة كما في قوله تعالى :( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٥) .

وعلى كلّ حال فإنّ تعبير (سلام) تعبير ذو معنى ، سواء كان من الملائكة أو من أصحاب اليمين ، فالسلام يعبّر عن الروح والريحان وكلّ أنواع الهدوء والنعمة

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٢٨ ، حديث ١٠٣ ، ١٠٤.

(٢) «روح» من الممكن أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره (فجزاؤه روح) ، أو مبتدأ لخبر محذوف تقديره (فله روح) ، وجملة (فروح وريحان وجنّة نعيم) تكون جزاء (أمّا) وانّ الشرطية مع وجود هذا الجزاء مستغنية من الجزاء الآخر (يرجى الانتباه).

(٣) الواقعة ، ٢٦.

(٤) وبناء على هذا فللآية تقديران ، الأوّل بلحاظ أنّ (من) بيانية ، وعندئذ تكون الصورة كما يلي : يقال له : سلام لك من أصحاب اليمين. أمّا الصورة الثانية فبلحاظ أنّ (من) ابتدائية فتكون بالشكل التالي : سلام لك انّك كنت من أصحاب اليمين. إلّا أنّه بملاحظة التّفسير الأوّل فإنّ له تقديرا واحدا وهو : (يقال له ...).

(٥) النمل ، ٣٢.

٥١٠

والسلامة(١) .

وينبغي الانتباه إلى أنّ التعبير بـ «أصحاب اليمين» سببه أنّ الإنسان في الغالب يتصدّى لإنجاز أعماله الأساسية والمهمّة بيده اليمنى ، لذلك فإنّ اليد اليمنى دلالة القدرة ، والمهارة والقابلية والنجاح.

ونقرأ في حديث للإمام الباقرعليه‌السلام في تعقيبه على نهاية هذه الآية أنّه قال : «هم شيعتنا ومحبّونا»(٢) .

ثمّ تستعرض الآيات الكريمة القسم الثالث الذين مرّ ذكرهم في أوائل هذه السورة عبر التصنيف الذي ذكر واصطلح عليهم بـ (أصحاب الشمال) حيث يقول تعالى :( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) (٣) .

نعم ، إنّهم على مشارف الموت حيث يذوقون أوّل عذاب إلهي ، ويتجرّعون مرارة عقاب يوم القيامة في القبر والبرزخ ، ولأنّ الحديث عن حال المحتضر فإنّ جملة( فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ) من الأنسب أن يكون المراد منها هو عذاب البرزخ ،( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) إشارة إلى عذاب يوم القيامة.

ونقل في هذا المعنى روايات عديدة لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام (٤) .

والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ كلمة (المكذّبين الضالّين) ذكرت الواحدة تلو الاخرى ، حيث أنّ الاولى تشير إلى تكذيب القيامة ووحدانية الله سبحانه ونبوّة الرّسول ، والثانية تشير إلى الأشخاص الذين انحرفوا عن طريق الحقّ.

وهذا التعبير بالإضافة إلى أنّه يؤدّي معنى التأكيد ، فإنّه يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ قسما من الأشخاص الضالّين من فصيلة الأفراد المستضعفين أو الجهلة

__________________

(١) حول التحيّات التي تقدّم لأصحاب الجنّة ، جاء بحث مفصّل عنها في نهاية الآية (٥٨) من سورة يونس.

(٢) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٢٨٥.

(٣) نزل خبر لمبتدأ محذوف تقديره فجزاؤه نزل من حميم ، أو مبدأ لخبر محذوف تقديره ، فله نزل من حميم.

(٤) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٢٩.

٥١١

القاصرين الذين ليس لديهم إصرار وعناد على الباطل ، يمكن أن تشملهم الألطاف الإلهيّة. أمّا المكذّبون المعاندون فإنّهم سيبتلون بالمصير البائس والعاقبة السيّئة التي تقدّم ذكرها.

«حميم» : بمعنى الماء الحارق أو الرياح الحارة والسموم. و (تصلية) مأخوذة من مادّة (صلى) على وزن (سعى) بمعنى الاحتراق والدخول في النار.

أمّا (تصلية) المتعدية فتأتي بمعنى الإحراق فقط.

وفي نهاية هذا الحديث يضيف سبحانه :( إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) .

والمعروف بين المفسّرين أنّ «حقّ اليقين» من قبيل الإضافة البيانية ، يعني أنّ الذي تقدّم ذكره حول الأقسام الثلاثة وهم (المقرّبون وأصحاب اليمين والمكذّبون) فهو عين الحقيقة والحقّ واليقين.

وهنا يوجد احتمال أيضا وهو : بما أنّ لليقين درجات متعدّدة ، فإنّ أعلى مرحلة له هي (حقّ اليقين) أي يقين واقعي كامل وخال من كلّ شكّ وشبهة وريب(١) .

وممّا قلنا يتّضح أنّ (هذا) في هذه الآية إشارة إلى أحوال الأقسام الثلاثة الآنفة الذكر ، كما احتمل البعض أيضا أنّها إشارة إلى كلّ محتويات سورة الواقعة أو القرآن أجمع ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.

وهنا نقطة جديرة بالذكر أيضا وهي أنّ التعبير بـ (فسبّح) ـ الفاء تفريعيّة ـ هو إشارة إلى أنّ ما قيل حول الأقسام الثلاثة هو عين العدالة ، وبناء على هذا اعتبر (ربّك) منزّها من كلّ ظلم ، وإذا ما أريد الابتعاد عن مصير أصحاب الشمال فعلينا أن نتنزّه من كلّ شرك وظلم المتلازمان مع إنكار القيامة.

__________________

(١) طبقا لهذا التّفسير فإنّ إضافه حقّ إلى كلمة (يقين) جاءت للاختصاص والتقييد ، واعتبرها البعض ـ أيضا ـ من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة وقالوا بمعنى (اليقين) الحقّ.

٥١٢

ونقل كثير من المفسّرين حول نهاية آخر الآية بعد ما نزلت على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «اجعلوها في ركوعكم» (أي قولوا : سبحان ربّي العظيم) وعند ما نزلت : سبّح( اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اجعلوها في سجودكم» ، أي قولوا : سبحان ربّي الأعلى(١) .

وفي تفسير الآية ٧٤ من نفس السورة نقلنا ما هو شبيه بهذه الرّواية عن بعض المفسّرين.

* * *

تعقيب

عالم البرزخ :

أشارت الآيات أعلاه إلى عالم البرزخ ، وقد بيّنا عند تفسيرها أنّ الإنسان ـ في حالة احتضاره وهو على مشارف الموت يتهيّأ للانتقال من دار الدنيا إلى عالم الآخرة ـ سيواجه واحدة من هذه الحالات ، أمّا النعم والهبات الإلهيّة والجزاء الربّاني بالروح والريحان ، أو العقاب والجزاء المؤلم ، والعاقبة البائسة.

كما أنّ القرائن الموجودة في الآيات ترينا أنّ قسما ممّا يثاب به أو يعاقب عليه مرتبط بيوم القيامة ، والقسم الآخر مرتبط بالقبر والبرزخ ، ويعدّ هذا دليلا على وجود عالم البرزخ.

وفي حديث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقرأ ما يلي : «إنّ أوّل ما يبشّر به المؤمن عند الوفاة بروح وريحان وجنّة نعيم ، وإنّ أوّل ما يبشّر به المؤمن في قبره أن يقال له :

أبشر برضا الله تعالى والجنّة قدمت خير مقدم ، وقد غفر الله لمن يشيّعك إلى قبرك ،

__________________

(١) تفسير أبو الفتوح الرازي ، وروح المعاني ، وروح البيان ، القرطبي ، والدرّ المنثور ، وتفسير المراغي ، في نهاية الآيات مصدر البحث.

٥١٣

وصدّق من شهد لك ، واستجاب لمن استغفر لك»(١) .

وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين أنّه قال : «إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة ، مثل له ماله وولده وعمله فيلتفت إلى عمله فيقول : والله إنّي كنت فيك لزاهد ، وإن كنت عليّ لثقيلا ، فما ذا عندك؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ، ويوم نشرك حتّى أعرض أنا وأنت على ربّك ، قال : فإنّ كان لله وليّا أتاه أطيب الناس ريحا ، وأحسنهم منظرا ، وأحسنهم رياشا ، فيقول : أبشر بروح وريحان ، وجنّة نعيم ، ومقدمك خير مقدم ، فيقول له : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، ارتحل من الدنيا إلى الجنّة»(٢) .

وقد سبق لنا بحث مفصّل حول عالم البرزخ في نهاية الآية (١٠٠) من سورة (المؤمنون).

اللهمّ ، اجعلنا في صفّ المقرّبين وأصحاب اليمين ، وخاصّة أوليائك وأحبّتك ، واشملنا بروح وريحان وجنّة نعيم عند مشارف الموت.

اللهمّ ، إنّ عذاب الحشر عذاب أليم لا يطيقه أحد ، وثوابك الاخروي عظيم لا يستوجبه أي شخص بأعماله ، وإنّ رأسمالنا في ذلك اليوم هو لطفك وكرمك يا كريم.

إلهي ، أيقظنا قبل وصول القيامة الكبرى والقيامة الصغرى ـ والذي هو الموت ـ لنعدّ أنفسنا للسفر العظيم الذي يواجهنا

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة الواقعة

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ، ج ٦ ص ١٦٦.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٢٨ ، حديث ١٠٦.

٥١٤

الفهرس

سورة ق

محتوى السورة ٧

فضيلة تلاوة سورة «ق» ٨

تفسير الآيات : ١ ـ ٥ ٩

المنكرون المعاندون في أمر مريج ٩

تفسير الآيات : ٦ ـ ١١ ١٤

انظروا إلى السماء لحظة ١٤

تفسير الآيات : ١٢ ـ ١٥ ١٨

لست وحدك المبتلى بالعدو ١٨

تفسير الآيات : ١٦ ـ ١٨ ٢٢

كتابه جميع الأقوال ٢٢

ملاحظة ٢٨

الحبيب أقرب إلى الإنسان من نفسه ٢٨

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٢ ٣٠

القيامة ـ والبصر الحديد ٣٠

بحوث

١ ـ حقيقة الموت ٣٦

٢ ـ سكرات الموت ٣٧

٥١٥

٣ ـ الموت حقّ ٣٨

تفسير الآيات : ٢٣ ـ ٣٠ ٤٠

قرناء الإنسان من الملائكة والشياطين ٤٠

تفسير الآيات : ٣١ ـ ٣٧ ٤٨

ادخلوا الجنّة أيّها المتّقون ٤٨

تفسير الآيات : ٣٨ ـ ٤٠ ٥٥

خالق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى ٥٥

ملاحظة ٥٩

الصبر مفتاح لكلّ فلاح ٥٩

تفسير الآيات : ٤١ ـ ٤٥ ٦١

يخرج الجميع أحياء عند صيحة القيامة ٦١

انتهاء سورة ق ٦٤

«سورة الذّاريات»

محتوى السورة ٦٧

فضيلة تلاوة هذه السورة ٦٨

تفسير الآيات : ١ـ ٦ ٦٩

قسما بالأعاصير والسحب الذاريات ٦٩

تفسير الآيات : ٧ ـ ١٤ ٧٣

والسّماء ذات الحبك ٧٣

تفسير الآيات : ١٥ ـ ١٩ ٧٩

ثواب المستغفرين بالأسحار ٧٩

بحوث

١ ـ التوجّه نحو الله وخلق الله ٨٤

٢ ـ السهر ديدن العشّاق ٨٤

٥١٦

٣ ـ حقّ السائل والمحروم ٨٦

تفسير الآيات : ٢٠ ـ ٢٣ ٨٧

آيات الله وآثاره في أنفسكم ٨٧

بحوث

١ ـ قصّة الأصمعي المثيرة ٩٣

٢ ـ أين الجنّة ٩٤

٣ ـ الاستفادة من آيات الله تحتاج إلى قابلية ٩٥

٤ ـ الرزق حقّ ٩٥

تفسير الآيات : ٢٤ ـ ٣٠ ٩٧

ضيوف إبراهيمعليه‌السلام ٩٧

ملاحظة ١٠٢

كرم الأنبياء ١٠٢

بداية الجزء السابع والعشرون من القرآن الكريم

تفسير الآيات : ٣١ ـ ٣٧ ١٠٧

مدن قوم لوط المدمرة آية وعبرة ١٠٧

بحث

أين تقع مدن قوم لوط ١١١

تفسير الآيات : ٣٨ ـ ٤٦ ١١٣

دروس العبرة من الأقوام السالفة ١١٣

تعقيب ١١٨

١ ـ أوجه عذاب الله ١١٨

٢ ـ الرياح اللواقح والرياح العقيم ١١٩

تفسير الآيات : ٤٧ ـ ٥١ ١٢٠

٥١٧

والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ١٢٠

تفسير الآيات : ٥٢ ـ ٥٥ ١٢٧

إنّ الذكرى تنفع المؤمنين ١٢٧

ملاحظة ١٢٩

لا بدّ من قلوب مهيّأة لقبول الحقّ ١٢٩

تفسير الآيات : ٥٦ ـ ٥٨ ١٣١

هدف خلق الإنسان من وجهة نظر القرآن ١٣١

توضيح ذلك ١٣١

بحوث

١ ـ الله غني على الإطلاق ١٣٤

٢ ـ الله ذو القوّة المتين ١٣٥

٣ ـ لم قدّم ذكر الجنّ ١٣٥

٤ ـ الحكمة من الخلق في نظر الفلسفة ١٣٦

٥ ـ الرّوايات الإسلامية وفلسفة خلق الإنسان ١٤١

٦ ـ الإجابة على سؤال ٤١٢

تفسير الآيتان : ٥٩ ـ ٦٠ ١٤٤

هؤلاء يشاركون أصحابهم في عذاب الله ١٤٤

«سورة الطور»

محتوى السورة ١٥١

فضيلة تلاوة هذه السورة ١٥٢

تفسير الآيات : ١ ـ ٨ ١٥٣

تفسير الآيات : ٩ ـ ١٦ ١٥٩

١ ـ كيف يساق المجرمون إلى جهنّم ١٦٢

٥١٨

٢ ـ الخائضون في الأباطيل ١٦٣

تفسير الآيات : ١٧ ـ ٢١ ١٦٤

مواهب الله للمتّقين ١٦٤

تفسير الآيات : ٢٢ ـ ٢٨ ١٧١

مواهب اخرى لأهل الجنّة ١٧١

ملاحظات ١٧٥

٦ ـ ارتباط الآيات ومضامينها ١٧٦

تفسير الآيات : ٢٩ ـ ٣٤ ١٧٨

سبب النّزول ١٧٨

أمنيات المشركين وتحدّي القرآن ١٧٩

تفسير الآيات : ٣٥ ـ ٤٣ ١٨٦

ما هو كلامكم الحقّ ١٨٦

تفسير الآيات : ٤٤ ـ ٤٩ ١٩٤

إنّك بأعيننا ١٩٤

سورة النّجم

محتوى السّورة ٢٠٣

فضيلة تلاوة هذه السورة ٢٠٤

تفسير الآيات : ١ ـ ٤ ٢٠٦

تفسير الآيات : ٥ ـ ١٢ ٢١١

أوّل لقاء مع الحبيب ٢١١

تفسير الآيات : ١٣ ـ ١٨ ٢٢٠

الرّؤية الثّانية ٢٢٠

بحوث

١ ـ المعراج حقيقة مقطوع بها ٢٢٠

٥١٩

٢ ـ ما هو الهدف من المعراج ٢٢٥

٣ ـ المعراج والجنّة ٢٢٥

٤ـالمعراج في الرّوايات الإسلامية ٢٢٦

٥ ـ جانب من إيحاءات الله وكلماته لرسوله في ليلة المعراج ٢٢٩

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٣ ٢٣٣

هذه الأصنام وليدة أهوائكم ٢٣٣

بحوث

١ ـ أصنام العرب الثلاثة المشهورة ٢٣٥

٢ ـ أسماء دون مسميّات ٢٣٧

٣ ـ الدافع النفسي لعبادة الأصنام ٢٣٨

٤ ـ اسطورة الغرانيق مرّة اخرى ٢٣٨

تفسير الآيات : ٢٤ ـ ٢٦ ٢٤١

الشفاعة أيضا بإذنه ٢٤١

تعقيب ٢٤٣

١ ـ سعة الأماني ٢٤٣

٢ ـ كلام في شأن الشفاعة ٢٤٤

تفسير الآيات : ٢٧ ـ ٣٠ ٢٤٥

إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا ٢٤٥

ملاحظة ٢٤٩

رأس مال عبدة الدنيا ٢٤٩

تفسير الآيتان : ٣١ ـ ٣٢ ٢٥٠

لا تزكّوا أنفسكم ٢٥٠

بحوث

١ ـ علم الله المطلق ٢٥٤

٥٢٠

521

522

523

524

525

526