الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل3%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151297 / تحميل: 5585
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الآيات

( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥) )

التّفسير

يخرج الجميع أحياء عند صيحة القيامة :

هذه الآيات محلّ البحث التي تختتم بها سورة ـ «ق» كسائر آياتها تتحدّث على المعاد والقيامة كما أنّها تعرض جانبا منهما أيضا وهو موضوع النفخة في الصور ، وخروج الأموات من القبور في يوم النشور فتقول :( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) .

والمخاطب بالفعل «استمع» هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه إلّا أنّه من المسلّم به أنّ المقصود جميع الناس.

والمراد من «استمع» إمّا هو الانتظار والترقّب ، لأنّ من ينتظر حادثة تبدأ

٦١

بصوت مهول يرى في حالة ترقّب دائما ، فهو منتظر لأن يسمع الصوت ، أو هو الإصغاء إلى كلام الله فيكون المعنى «استمع كلام الله» إذ يقول : يوم يسمعون الصيحة إلخ(١) .

لكن من هو هذا المنادي؟ يحتمل أن يكون الذات المقدّسة جلّ وعلا ، ولكن الاحتمال الأقوى هو «إسرافيل» الذي ينفخ في الصور وقد وردت الإشارة في آيات القرآن إليه لا بالاسم بل بتعبيرات خاصّة.

عبارة( مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) إشارة إلى أنّ هذه الصيحة ينتشر صداها في الفضاء بدرجة أنّها كما لو كانت في أذن كلّ أحد ، وجميعهم يسمعونها بدرجة واحدة من القرب.

نحن اليوم نستطيع أن نسمع كلام أي إنسان وفي أيّة نقطة كان بوسائل مختلفة فكأنّ المتكلّم على مقربة منّا ، ويتحدّث معنا ، إلّا أنّ يوم القيامة يسمع الناس كلّهم الصحية دون حاجة إلى مثل هذه الوسائل وهي قريبة منهم(٢) .

وعلى كلّ حال ، فليست هذه الصيحة هي الصيحة الاولى التي تقع مؤذنة بنهاية العالم ، بل هي الصيحة الثانية ، أي الصيحة للنشور والحشر ، وفي الحقيقة أنّ الآية الثانية توضيح للآية السابقة وتفسير لها إذ تقول :( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) من القبور والبعث والنشور.

ولكي يعرف من الحاكم في هذه المحكمة الكبرى ، فإنّ القرآن يضيف قائلا :( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ) .

__________________

(١) بناء على التّفسير الأوّل فإنّ «يوم» مفعول استمع وبناء على التّفسير الثّاني فإنّ مفعول استمع محذوف وتقديره استمع حديث ربّك فيكون نصب كلمة يوم على فعل مقدّر من الخروج وتقديره يخرجون يوم ينادي المنادي من مكان قريب.

(٢) يرى جماعة من المفسّرين أنّ المكان القريب يحتمل أن تكون صخرة بيت المقدس ـ تلك الصخرة الخاصّة التي عرج منها الرّسول الأكرمعليه‌السلام نحو السماء فيقف المنادي على طرفها ويصيح أيّتها العظام البالية والأوصال المتقطّعة واللحوم المتمزّقة قومي لفصل القضاء وما أعدّ الله لكم من الجزاء لكن لا دليل بيّن على ذلك.

٦٢

والمراد من «نحيي» هو الحياة الاولى في الدنيا ، والمراد من «نميت» هو في نهاية العمر ، وجملة «إلينا المصير» إشارة إلى الأحياء في يوم القيامة.

وفي الحقيقة أنّ الآية تشير إلى هذه الحقيقة وهي كما أنّ الحياة والموت في الدنيا بأيدينا ، فكذلك المعاد ، وقيام الساعة بأيدينا أيضا.

ثمّ يضيف القرآن فيخبر عن ميقات النشور فيقول :( يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ) أي يخرجون مسرعين من القبور(١) ويضيف مختتما :( ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ ) .

و «الحشر» معناه الجمع من كلّ جهة ومكان.

وواضح أنّ خالق السماوات والأرض وما بينهما من اليسير عليه أن ينشر الموتى ويحشرهم للحساب والثواب أو العقاب.

وأساسا ، فإنّ موضوع الصعوبة واليسر يقال في من يتمتع بقدرة محدودة ، إلّا أنّ القادر على كلّ شيء ولا حدّ لقدرته فكلّ شيء عليه سهل ويسير.

الطريف هنا أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات : أنّ أوّل من يبعث ويخرج من قبره ويرد المحشر هو النّبي الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي معه(٢) .

أمّا آخر آية من الآيات محلّ البحث وهي آخر آية من سورة ق ذاتها فهي تخاطب النّبي وتسرّي عنه وتسلّي قلبه لما يلاقيه من المعاندين والكفرة فتقول :( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) .

فمسؤوليتك البلاغ والدعوة نحو الحقّ والبشارة والنذارة :( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ) (٣) .

__________________

(١) «سراعا» منصوب على أنّه حال للفاعل في «يخرجون» المحذوف والتقدير «يخرجون سراعا» وهو مجمع لكلمة «سريع» كما في «كرام» جمع «كريم» والبعض يرى أنّ «سراع» مصدر في موضع الحال.

(٢) كتاب الخصال : طبقا لما نقل في تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٩.

(٣) كلمة وعيد أصلها وعيدي ، وحذفت ياؤها وأبقيت الكسرة لتدلّ عليها وهي مفعول للفعل يخاف.

٦٣

وقد ورد في تفسير القرطبي عن ابن عبّاس أنّه قال جاء جماعة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا أنذرنا يا رسول الله وبشّرنا ، فنزلت الآية محلّ البحث وقالت :( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ) (١) .

وذلك إشارة إلى أنّ القرآن كاف للإنذار وإيقاظ المؤمنين ، فكلّ صفحة منه تذكر بيوم القيامة وآياته المختلفة التي تتحدّث عن قصص الماضين وعاقبتهم وتصف أهل النار وأهل الجنّة وما يقع عند قيام الساعة في محكمة عدل الله هي خير موعظة ونصيحة لجميع الناس.

والحقّ أن تذكر مشهد تشقّق الأرض وولوج الأرواح في الموتى وخروجهم من القبر واكتسائهم ثوب الحياة وتحركهم في حال من الوحشة والاضطراب من القرن حتّى القدم وهم يساقون إلى محكمة عدل الله هذا المشهد مثير جدّا.

ولا سيّما أنّ بعض القبور يضمّ في لحده على تقادم الزمان ومرور الأعوام أجسادا متعدّدة من الناس بعضهم صالح وبعضهم طالح وبعضهم مؤمن وبعضهم كافر وكما يقول المعرّي :

ربّ قبر قد صار قبرا مرارا

ضاحك من تزاحم الأضداد

ودفين على بقايا دفين

في طويل الآجال والآماد!

ربّنا اجعلنا من الذي يخافون وعيدك ويتّعظون بالقرآن.

اللهمّ ارحمنا يوم يستوحش الناس ويضطربون فيه وألق في نفوسنا السكينة والطمأنينة.

إلهنا إنّ أيّام العمر مهما طالت فهي تمضي سراعا وما هو خالد فذاك اليوم الآخر والدار الآخرة ، فارزقنا حسن العاقبة والنجاة في الآخرة!

آمّين يا رب العالمين

انتهاء سورة ق

* * *

__________________

(١) القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦١٩٨.

٦٤
٦٥

سورة

الذّاريات

مكّية

وعدد آياتها ستّون آية

٦٦

«سورة الذّاريات»

محتوى السورة :

يدور محور هذه السورة في الدرجة الاولى حول المسائل المتعلّقة بالمعاد ويوم القيامة والثواب والعقاب لكلّ من المؤمنين والكافرين ، ولكنّها ليست كسورة (ق) محورها المعاد ، بل فيها محاور أخر كما يلاحظها القارئ.

ويمكن أن يقال بشكل إجمالي أنّ مباحث هذه السورة تدور حول خمسة محاور وهي :

١ ـ كما قلنا آنفا إنّ القسم المهمّ منها يتكلّم عن المعاد وبداية السورة ونهايتها أيضا هما حول المعاد.

٢ ـ القسم الآخر من هذه السورة ناظر إلى مسألة توحيد الله وآياته في نظام الخلق والوجود ، وهي تكمل مبحث المعاد طبعا.

٣ ـ وفي قسم آخر يقع الكلام على ضيف إبراهيم من الملائكة وما أمروا به من تدمير مدن قوم لوط!

٤ ـ والآيات الاخر من هذه السورة فيها إشارات قصيرة إلى قصّة موسىعليه‌السلام وبعض الأمم كعاد وثمود وقوم نوح ، وبهذا فهي تنذر الكفّار الآخرين بما آل إليه السابقون.

٥ ـ وأخيرا فإنّ قسما من هذه السورة ـ يتحدّث عن مواجهة الأمم المعاندين لأنبيائهم وتأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر والاستقامة بوجه المشاكل والشدائد وتسرّي عنه وتسلّي قلبه.

٦٧

فضيلة تلاوة هذه السورة :

ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة الذاريات في يومه أو ليلته أصلح الله له معيشته وأتاه برزق واسع ونور له قبره بسراج يزهر إلى يوم القيامة»(١) .

وقد قلنا مرارا أنّ مجرّد التلاوة باللسان غير كافية لبلوغ هذا الثواب العظيم ، بل الهدف هو التلاوة بتفكّر التفكّر الباعث على العمل.

وتسمية «الذاريات» ـ ضمنا ـ تعود إلى ورود الآية الاولى من هذه السورة( وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ـ بداية سورة الذاريات ـ وثواب الأعمال طبقا لما ورد في تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٢٠.

٦٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) )

التّفسير

قسما بالأعاصير والسحب الذاريات :

هذه السورة هي الثانية بعد سورة «الصافات» التي تبدأ بالقسم المتكرّر ، القسم العميق والباعث على التفكّر ، القسم الذي يوقظ الإنسان ويمنحه الوعي والاطّلاع!

وكثير من سورة القرآن التي سنواجهها ـ في المستقبل إن شاء الله ـ بالبحث والتّفسير ـ هي على هذه الشاكلة والطريف في الأمر أنّ هذا القسم غالبا ما يوطّئ للمعاد ، سوى بعض المواطن التي يمهّد فيها للتوحيد والمسائل المتعلّقة به.

كما أنّ ممّا يلفت النظر أنّ هذا القسم يرتبط محتواه بمحتوى يوم القيامة والنشور وهو يتابع بظرافة ورونق خاصّ هذا البحث المهمّ من جوانب متعدّدة :

٦٩

والحقيقة أنّ كلّ قسم في القرآن هو بنفسه ـ وإن كثرت الأقسام ـ أو الأيمان ـ وجه من وجوه إعجاز القرآن هذا الكتاب السماوي ، وهو من أجمل جوانبه وأبهاها وسيأتي تفصيل كلّ ذلك في موقعه.

وفي مستهلّ السورة يقسم الله سبحانه بخمسة أشياء مختلفة ، وقد جاء القسم بأربعة أشياء متوالية سردا وجاء القسم بخامسها فردا.

فيقول الله في البداية :( وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ) (١) أي قسما بالرياح التي تحمل السحب في السماء وتذروا البذور على الأرض في كلّ مكان

ثمّ يضيف :( فَالْحامِلاتِ وِقْراً ) (٢) قسما بالسحب التي تحمل أمطارا ثقيلة معها

( فَالْجارِياتِ يُسْراً ) (٣) «والجاريات هنا هي السفن» أي قسما بالسفن التي تجري في الأنهار العظيمة والبحار الشاسعة بيسر وسهولة

( فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً ) «والمقسمات «هنا» معناها الملائكة الذين يقسّمون الأمور.

ونقرأ حديثا نقله كثير من المفسّرين ذيل هذه الآية أنّ «ابن الكوا»(٤) سأل مرّة علياعليه‌السلام وهو على المنبر خطيبا : ما( الذَّارِياتِ ذَرْواً ) ؟ فقالعليه‌السلام : هي الرياح.

فقال :( فَالْحامِلاتِ وِقْراً ) فأجابعليه‌السلام : هي السحاب.

فقال :( فَالْجارِياتِ يُسْراً ) فقالعليه‌السلام : هي السفن.

__________________

(١) الذاريات : جمع الذارية ومعناها الريح التي تحمل معها الأشياء وتنشرها في الفضاء.

(٢) الوقر ـ على زنة الفكر ـ معناه ذو الوزن الثقيل كما يأتي معنى ثقل السمع والوقار ثقل الحركات والحلم والهدوء أيضا.

(٣) الجاريات جمع جارية ، ومعناها هنا السفن كما تأتي بمعنى الأنهار لجريانها وقد ورد قوله تعالى :( فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) في الآية (١٢) من سورة الغاشية كما تطلق الجارية على الشمس لجريها في السماء ، وتطلق الجارية أيضا على الفتاة لأنّ نشاط الشباب يجري في كيانها.

(٤) كان يدعى بعبد الله ، وكان من المنافقين في زمان الإمام علي ، وأشدّ أعدائه وكان يزعم أنّه من أصحابه إلّا أنّه كان يتآمر عليه.

٧٠

فقال :( فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً ) فقال : الملائكة.

ومع هذه الحال فهناك تفاسير أخر يمكن ضمّها إلى هذا التّفسير ، منها أنّ المراد بـ «الجاريات» هي الأنهار التي تجري بماء المزن و «المقسمات أمرا» هي الأرزاق التي تقسّم بواسطة الملائكة عن طريق الزراعة.

وعلى هذا فإنّ الكلام عن الرياح ثمّ الغيوم وبعدها الأنهار وأخيرا نمو النباتات في الأرض يتناسب تناسبا قريبا مع مسألة المعاد ، لأنّنا نعرف أنّ واحدا من أدلّة إمكان المعاد هو إحياء الأرض الميتة بنزول الغيث وقد ذكر ذلك عدّة مرّات في القرآن بأساليب مختلفة.

كما يردّ هذا الاحتمال أيضا : وهو أنّ هذه الأوصاف الأربعة جميعها للرياح ـ الرياح المولّدة للسحب ، والرياح التي تحملها على متونها ، والرياح التي تجري بها إلى كلّ جانب ، والرياح التي تنثر وتقسّم قطرات الغيث لكلّ جهة(١) !.

ومع ملاحظة أنّ هذه التعبيرات الواردة في الآيات جميعها جامعة وكليّة فيمكن أن تحمل المعاني آنفة الذكر كلّها ، إلّا أنّ التّفسير الأساس هو التّفسير الأوّل.

وهنا ينقدح هذا السؤال وهو :

إذا كان المراد من «المقسمات» هو الملائكة فما ذا تقسم الملائكة؟!

نجيب على هذا السؤال أنّ تقسيم العمل هنا لعلّه راجع إلىّ كلّ التدبير في العالم بحيث أنّ جماعات من الملائكة مأمورة بتدبير أموره ، كما يحتمل أنّها مأمورة بتدبير الأرزاق ، أو تقسيم قطرات الغيث على المناطق المتعدّدة في الأرض(٢) .

__________________

(١) أشار إلى هذا المعنى تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٨ ، ص ١٩٥.

(٢) ينبغي الالتفات إلى أنّ الواو في (والذاريات) هي للقسم ، إلّا أنّ الفاء في الآيات التي تليها عاطفة وهي تحمل مفهوم القسم كما أنّها في الوقت ذاته بمثابة علاقة ورباط بين الأقسام الأربعة هنا.

٧١

وبعد ذكر هذه الأقسام الأربعة التي تبيّن أهميّة الموضوع الذي يليها يقول القرآن :( إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ ) (١) .

ومرّة اخرى لمزيد التأكيد يضيف قائلا :( وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ ) الدين : هنا معناه الجزاء كما جاء بهذا المعنى في قوله تعالى :( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) : أي يوم الجزاء.

وأساسا فإنّ واحدا من أسماء يوم القيامة هو «يوم الدين» و «يوم الجزاء» ويتّضح من ذلك أنّ المراد من الوعود الواقعة «هنا» هي ما يوعدون عن يوم القيامة وما يتعلّق بها من حساب وثواب وعقاب وجنّة ونار وسائر الأمور المتعلّقة بالمعاد ، فعلى هذا تكون الجملة الاولى شاملة لجميع الوعود ، والجملة الثانية تأكيد آخر على مسألة الجزاء.

وبعد عدّة جمل أخر سيأتي الكلام على يوم الدين ، وكما أشرنا آنفا فإنّ الأقسام الواردة في بداية السورة لها علاقة وتناسب بيّن مع نتيجة هذه الأقسام! لأنّ حركة الرياح ونزول الغيث ونتيجة لكلّ ذلك فإنّ حياة الأرض بعد موتها بنفسها مشهد من مشاهد القيامة والمعاد يبدو في هذه الدنيا.

قال بعض المفسّرين( إِنَّما تُوعَدُونَ ) يحمل معنى واسعا يشمل جميع الوعود الإلهيّة المتعلّقة بيوم القيامة والدنيا وتقسيم الأرزاق ومجازاة المجرمين في هذه الدنيا والدار الآخرة وانتصار المؤمنين الصالحين ، فالآية (٢٢) من هذه السورة ذاتها التي تقول :( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) يمكن أن تكون تأكيدا أو تأييدا لهذا المعنى ، وحيث أنّ لفظ الآية مطلق فلا تبعد هذه العمومية.

وعلى كلّ حال فإنّ الوعود الإلهية جميعها صادقة لأنّ خلف الوعد إمّا ناشئ عن الجهل أو العجز! الجهل الباعث على تغيير فكر الواعد ، والعجز المانع من الوفاء به ، إلّا أنّ الله العالم والقادر لا تتخلّف وعوده أبدا تعالى الله عن ذلك!

* * *

__________________

(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ «ما» هنا اسم موصول ، وهو اسم لأنّ وخبرها لصادق.

٧٢

الآيات

( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤) )

التّفسير

والسّماء ذات الحبك :

تبدأ هذه الآيات كالآيات المتقدّمة بالقسم وتتحدّث عن اختلاف الكفّار وجد لهم حول يوم الجزاء والقيامة ومسائل أخر متعدّدة من بينها شخصية النّبي (محمّد) ومسألة التوحيد.

فتقول الآيات في البداية : قسما بالسماء ذات الخطوط والتعرّجات الجميلة :( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) .

وفي اللغة معان كثيرة لكلمة «الحبك» على زنة «كتب» وهي جمع «حباك» على وزن ـ كتاب ـ.

من ضمن هذه المعاني الطرق والتعاريج التي تبدو على الرمل نتيجة للرياح

٧٣

أو التي تبدو على صفحة الماء أو على السحب في السماء! كما تطلق الحبك على الشعر المجعّد.

وقد تفسّر الحبك على الشعر المجعّد.

وقد تفسّر الحبك بالزينة والجمال!

كذلك تأتي بمعنى الشكل الموزون والرتيب.

والجذر الأصلي لها «حبك» ومعناه هو الشدّ والإحكام(١) !

ويبدو أنّ جميع هذه المعاني تعود إلى معنى واحد وهي التجاعيد والتعاريج الجميلة التي تظهر على صفحات الرمل في الصحراء أو صفحات الماء أو التجاعيد في الشعر أو السحب في السماء.

وأمّا تطبيق هذا المعنى على السماء ووصفها بها( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) هو إمّا لنجومها ذات المجاميع المختلفة وصورها الفلكية «تطلق على مجموعات النجوم الثابتة التي لها شكل خاصّ بالصورة الفلكية»!

وإمّا للأمواج الجميلة التي ترتسم في السحب وقد تكون جميلة إلى درجة بحيث تحدق العين فيها لفترة طويلة!

أو لمجرّاتها العظيمة التي تبدو وكأنّها تجاعيد الشعر على صفحة السماء ، وخاصّة صورها التي التقطت «بالتلسكوب» إذ تشبه هذه الصور التجاعيد في الشعر تماما.

فعلى هذا يكون معنى( وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) أنّ القرآن يقسم بالسماء ومجراتها العظيمة التي لم تكتشفها يومئذ العيون الحادّة ببصرها ولا علم الإنسان يومئذ أيضا.

ومع ملاحظة أنّ الجمع بين المعاني المتقدّمة ممكن ولا منافاة فيه فيحتمل أن تكون هذه المعاني كلّها مجتمعة في القسم ، ونقرأ في الآية (١٧) من سورة

__________________

(١) يراجع «لسان العرب» والمفردات للراغب مادّة الحبك.

٧٤

«المؤمنون» أيضا قوله تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ ) (١) .

كما يجدر الالتفات إلى أنّ الجذر الأصلي للحبك يمكن أن يكون إشارة إلى استحكام السماء وارتباط الكرات بعضها ببعض كالكواكب السيارة والمجموعة أو المنظومة الشمسية التي ترتبط بقرص الشمس.

أمّا الآية التالية فهي جواب للقسم وبيان لما وقع عليه القسم إذ تقول مؤكّدة :( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ) .

فدائما أنتم تتناقضون في الكلام ، وكأنّ هذا التناقض في كلامكم دليل على أنّه لا أساس لكلامكم أبدا.

ففي مسألة المعاد تقولون أحيانا : لا نصدّق أبدا أن نعود أحياء بعد أن تصير عظامنا رميما.

وتارة تقولون نحن نشكّ في هذه القضيّة ونتردّد!

وتارة تضيفون أن هاتوا آباءنا وأسلافنا من قبورهم ليشهدوا أنّ بعد الموت قيامة ونشورا لنقبل بما تقولون!

وتقولون في شأن النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم تارة بأنّه شاعر ، أو بأنّه ساحر ، وتارة تقولون أنّه لمجنون ، وتارة تقولون إنّما يعلمه بشر فهو معلّم!!

كما تقولون في شأن القرآن بأنّه : أساطير الأوّلين تارة ، أو تقولون بأنّه شعر ، وتارة تسمّونه سحرا ، وحينا آخر تقولون أنّه كذب افتراه وأعانه عليه قوم آخرون! إلخ.

فقسما بحبك السماء وتجاعيدها إنّ كلامكم مختلف ومليء بالتناقض ، ولو كان لكلامكم أساس لكنتم على الأقل تقفون عند موضوع خاصّ ومطلب معيّن ولما تحوّلتم منه كلّ يوم إلى موضوع آخر!

__________________

(١) هناك شرح مفصّل في تفسير هذه الآية فراجعه في سورة «المؤمنون».

٧٥

وهذا التعبير في الحقيقة إنّما هو استدلال على بطلان ادّعاء المخالفين في شأن التوحيد والمعاد والنّبي والقرآن «وإن كان اعتماد هذه الآيات في الأساس على مسألة المعاد كما تدلّ عليه القرينة في الآيات التالية»!.

ونعرف أنّه يستند دائما لكشف كذب المدّعين الكذبة سواء في المسائل القضائية أو المسائل الاخرى على تناقض كلامهم وتضادّه ، فكذلك القرآن يعوّل على هذا الموضوع تماما!

وفي الآية التالية يبيّن القرآن علّة الانحراف عن الحقّ فيقول :( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) أي يؤفك عن الإيمان بالقيامة والبعث كلّ مخالف للحقّ! وإلّا فإنّ دلائل الحياة بعد الموت واضحة وجليّة!

وينبغي الالتفات إلى أنّ تعبير الآية عامّ ومغلق ، وترجمتها الحرفية هي «ليصرف عنه من هو مصروف».

لأنّ «الإفك» في الأصل يطلق على صرف الشيء ، فلذا يطلق على الكذب الذي فيه تأثير انحرافي بأنّه إفك ، كما يطلق على الرياح المختلفة بأنّها «المؤتفكات».

ولكن مع ملاحظة أنّ الكلام كان في الآيات المتقدّمة على المعاد والقيامة ، فمن المعلوم أنّ المراد الأصلي من الانحراف والإفك هنا هو الانحراف عن هذه العقيدة كما أنّه حيث كان الكلام في الآية المتقدّمة عن اختلاف كلام الكفّار وتناقضهم فيعلم أنّ المراد هنا من الآية هم أولئك المنحرفون عن الإيمان بالمعاد الذين انحرفوا عن مسير الدليل العقلي والمنطق السليم الباحث عن الحقّ!

وبالطبع لا مانع أن يكون المراد من «الإفك» هنا هو الانحراف عن قبول الحقّ أيّا كان نوعه ، سواء كان هذا الانحراف عن القرآن أم التوحيد أو النبوّة أو المعاد «ومن هذا القبيل مسألة ولاية الأئمّة المعصومين الواردة في بعض الرّوايات» ولكن مسألة القيامة والمعاد على كلّ حال التي هي الموضوع الأصلي

٧٦

داخلة فيه قطعا.

وفي الآية التالية ذمّ شديد للكاذبين وتهديد لتخرّصاتهم إذ تقول :( قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ) .

و «الخرّاص» من مادّة «خرص» ـ على زنة درس ـ ومعناه في الأصل كلّ كلام يقال تخمينا أو ظنّا ، وحيث أنّ مثل هذا الكلام غالبا ما يكون كذبا فقد استعملت هذه الكلمة في الكذب أيضا فيكون المعنى من «الخراصون» هو : أولئك الذين يطلقون كلمات عارية من الصحّة ولا أساس لها ، والمراد منها هنا ـ بقرينة الآيات التالية ـ هو : أولئك الذين يحكمون أو يقضون في شأن القيامة والمعاد بكلام لا أساس له بعيد عن المنطق.

على كلّ حال ، فإنّ هذا التعبير هو في شكل دعاء عليهم دعاء يدلّ على أنّهم «موجودات» تستحقّ الفناء والقتل ، فعدمهم خير من وجودهم!

ما فسّر بعضهم «القتل» هنا بالطرد واللعن والمحروميّة عن رحمة الله.

ومن هنا يمكن أن يستفاد من هذا الحكم الكلّي أيضا أنّ القضاء بلا دليل ولا مدرك أو مستند بيّن بل على الظنّ والحدس هو عمل يسوق إلى الضلال ويستحقّ اللعن والعذاب.

ثمّ يعرّف القرآن هؤلاء الخراصين الكذبة فيقول :( الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ ) .

«الغمرة» في الأصل معناها الماء الغزير الذي يغطّي محلا ما ثمّ استعملت على الجهل السحيق الذي يغطيّ عقل الشخص!

وكلمة «ساهون» جمع لـ «ساه» وهي مشتقّة من «السهو» والمراد بها هنا الغفلة.

وقال بعضهم إنّ الجهل على مراحل. فالاولى هي «السهو والاشتباه» ، ثمّ «الغفلة» وبعدها «الغمرة».

٧٧

فيكون المعنى بناء على هذا أنّهم ابتدوا من مرحلة السهو ، ثمّ انساقوا إلى مرحلة الغفلة ، ولما استمرّوا وواصلوا في هذا الطريق غرقوا في الجهل تماما ، والجمع بين هذين التعبيرين «السهو» و «الغمرة» في هذه الآية لعلّه إشارة إلى بداية هذه الحركة ونهايتها.

فعلى هذا يكون المراد من كلمة «الخراصون» هم الغارقون في جهلهم وكلّ يوم يتذرّعون بحجّة واهية فرارا من الحقّ.

ولذلك فهم دائما :( يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ) .

جملة «يسألون» والفعل للمضارع يدلّ على أنّهم يثيرون هذا السؤال أيّان يوم الدين؟! باستمرار على أنّه ينبغي أن يكون يوم القيامة وموعده مخفيا.

ليحتمل كلّ أحد أنّه محتمل الوقوع في كلّ أيّ زمان ، ويحصل منه الأثر التربوي للإيمان بيوم القيامة الذي هو بناء الشخصية والاستعداد الدائم.

وهذا الكلام يشبه تماما كلام المريض إذ يسأل طبيبه مثلا : متى يكون آخر عمري ويكرّر عليه السؤال باستمرار ، فكلّ أحد يعدّ هذا السؤال هذرا ويقول : المهمّ أن تعرف أنّ الموت حقّ لتعالج نفسك ولئلّا تبتلى بالموت السريع.

إلّا أنّهم لم يكن لهم من هدف سوى الاستهزاء أو التذرّع بالحجج الواهية ولم يكن سؤالهم عن تاريخ يوم القيامة وزمانه بحقّ!

إلّا أنّه ومع هذه الحال فإنّ القرآن يردّ عليهم مجيبا بلغة شديدة ويعنّفهم( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) .

وعندئذ يقال لهم هنالك :( ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) والفتنة في الأصل اختبار الذهب في موقد النار ليمتاز الخالص من غيره ، ومن هنا فقد استعملت «الفتنة» على أيّ نوع كان من أنواع الامتحان أو الاختبار ، كما استعملت على دخول الإنسان النار ، كما تستعمل في البلاء والعذاب وعدم الراحة كما تشير إليه الآية محل البحث هنا.

* * *

٧٨

الآيات

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) )

التّفسير

ثواب المستغفرين بالأسحار

تعقيبا على الكلام المذكور في الآيات آنفة الذكر الذي كان يدور حول الكذبة والجهلة ومنكري القيامة وعذابهم ، في الآيات محلّ البحث يقع الكلام عن المؤمنين المتّقين وأوصافهم وثوابهم لتتجلّى بمقارنة الفريقين ـ كما هو عليه أسلوب القرآن ـ الحقائق أكثر فأكثر.

تقول الآيات هنا :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) وصحيح أنّ البستان بطبيعته يكون ذا سواق وروافد ، لكن ما ألطف أن تتدفّق مياه العيون في داخل البستان نفسه وتسقي أشجاره فهذا هو ما تمتاز به بساتين الجنّة فهي ليست ذات عين

٧٩

واحدة بل فيها عيون ماء متعدّدة تجري متدفّقه هناك(١) .

ثمّ يضيف القرآن مشيرا إلى نعم الجنّات الاخر فيتحدّث عنها بتعبير مغلق فيقول :( آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ ) .

أي أنّهم يتلقّون هذه المواهب الإلهيّة بمنتهى الرضا والرغبة والشوق ويعقّب القرآن في ختام الآية بأنّ هذه المواهب وهذا الثواب كلّ ذلك ليس اعتباطا بل( إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ ) (٢) و «الإحسان» هنا يحمل معنى وسيعا بحيث يشمل طاعة الله والأعمال الصالحة الاخر أيضا.

والآيات التالية تبيّن كيفية إحسانهم ، فتعرض ثلاثة أوصاف من أوصافهم فتقول : أوّلا :( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) .

كلمة «يهجعون» مشتقّة من الهجوع : ومعناه النوم ليلا. قال بعضهم المراد من هذا التعبير أنّهم كانوا يقظين يحيون أكثر الليل أو يحيون الليل وينامون قليلا منه.

ولكن حيث أنّ هذا الحكم والدستور الشرعي بصورته العامّة والكليّة للمحسنين والمتّقين يبدو بعيدا ، فلا يناسب هذا التّفسير المقام ، بل المراد أنّهم قلّ أن يناموا تمام الليل ، وبتعبير آخر إنّ الليل هنا المراد منه العموم والجنس.

فعلى هذا فهم كلّ ليلة يحبّون قسما منها بالعبادة وصلاة الليل. أمّا الليالي التي يرقدون فيها حتّى مطلع الفجر وتفوت عليهم العبادة فيها كليّا فهي قليلة جدّا.

وهذا التّفسير منقول عن الإمام الصادق في بعض أحاديثه أيضا(٣) وهناك

__________________

(١) كلمة «في» بدخولها على الجنّات واضحة المعنى ، لأنّ المتّقين داخل الجنان إلّا أنّ دخولها على العيون بالعطف ليس معناه أنّ المتّقين داخل العيون بل تعني أنّهم في جنّات تتخلّلها العيون.

(٢) المراد من «قبل ذلك» كما قلنا سابقا يعني قبل يوم القيامة والدخول إلى الجنّة أي في عالم الدنيا ، إلّا أنّ بعض المفسّرين قال بأنّ قبل ذلك يعني قبل ورود الشرع ، وهو إشارة إلى تمسكّهم بالمستقلّات العقلية حتّى قبل نزول الوحي إلّا أنّ هذا المعنى يبدو بعيدا

(٣) أشار العلّامة الطبرسي في مجمع البيان إلى هذا الحديث ج ٩ ص ١٥٥ ، كما أنّ هذا الحديث منقول في تفسير الصافي عن الكافي بهذه الصورة : كانوا أقلّ الليالي تفوتهم لا يقومون فيها (تفسير الصافي : ذيل الآية محلّ البحث).

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526