الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 526

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 526 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151350 / تحميل: 5592
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

تفاسير أخر لهذه الآية أعرضنا عن ذكرها لأنّها(١) بعيدة.

والوصف الثاني من أوصافهم يذكره القرآن بهذا البيان :( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .

فحيث أنّ عيون الغافلين هاجعة آخر الليل والمحيط هادئ تماما ، فلا صخب ولا ضجيج ولا شيء يشغل فكر الإنسان ويقلق باله ينهضون ويقفون بين يدي الله ويعربون له عن حاجتهم وفاقتهم ، ويصفّون أقدامهم ، ويصلّون ويستغفرون عن ذنوبهم خاصّة.

ويرى الكثير من المفسّرين أنّ المراد من «الاستغفار» هنا هو «صلاة الليل» لأنّ «الوتر» منها مشتمل على الاستغفار.

و «الأسحار» جمع سحر على زنة «بشر» ومعناه في الأصل الخفي أو المغطّى ، وحيث أنّه في الساعات الأخيرة من الليل يغطّي كلّ شيء خفاء خاصّ ، فقد سمّى آخر الليل سحرا.

وكلمة «سحر» ـ بكسر السين ـ تطلق أيضا على ما يغطّي وجه الحقائق أو يخفي أسرارها عن الآخرين!.

وقد جاء في رواية في تفسير «الدرّ المنثور» أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ آخر الليل في التهجّد أحبّ إليّ من أوّله ، لأنّ الله يقول : وبالأسحار هم يستغفرون»(٢) .

ونقرأ حديثا آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : «كانوا يستغفرون الله في الوتر سبعين مرّة في السحر»(٣) .

ثمّ يذكر القرآن الوصف الثالث لأهل الجنّة المتّقين فيقول :( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ

__________________

(١) كلمة «ما» في قوله ما يهجعون يمكن أن تكون زائدة وللتأكيد أو موصولة أو مصدرية كما ورد ذلك في تفسير الفخر الرازي والميزان ، وقال بعضهم بأنها زائدة أو مصدرية فحسب كما جاء في تفسير القرطبي وروح البيان ، وما احتمله بعضهم بأنها نافية فهو بعيد.

(٢) الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ١١٣.

(٣) مجمع البيان ذيل الآيات محل البحث.

٨١

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .

كلمة «حقّ» هنا هو إمّا لأنّ الله أوجب ذلك عليهم : كالزكاة والخمس وسائر الحقوق الشرعية الواجبة ، أو لأنّهم التزموه وعاهدوا أنفسهم على ذلك ، وفي هذه الصورة يدخل في هذا المفهوم الواسع حتّى غير الحقوق الشرعية الواجبة.

ويعتقد بعض المفسّرين أنّ هذه الآية ناظرة إلى القسم الثاني فحسب ، فهي لا تشمل الحقوق الواجبة لأنّ الحقوق الواجبة واردة في أموال الناس جميعا ، المتّقين وغير المتّقين حتّى الكفّار.

فعلى هذا حين يقول القرآن :( وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ ) فإنّما يعني أنّه إضافة إلى واجباتهم وحقوقهم أوجبوا على أنفسهم حقّا ينفقونه من مالهم في سبيل الله للسائل والمحروم.

إلّا أنّه يمكن أن يقال أنّ الفرق بين المحسنين وغيرهم هو أنّ المحسنين يؤدّون هذه الحقوق ، في حين أنّ غيرهم ليسوا مقيدين بذلك.

كما يمكن أن يقال في تفسير الآية أنّ المراد بالسائل في ما يخصّ الحقوق الواجبة ، لأنّه يحقّ له السؤال والمطالبة بها والمراد بالمحروم في ما يخصّ الحقوق المستحبّة إذ ليس له حقّ المطالبة بها.

ويصرّح «الفاضل المقداد» في كتابه «كنز العرفان» أنّ المراد من قوله :( حَقٌّ مَعْلُومٌ ) هو الحقّ الذي ألزموه أنفسهم في أموالهم ويرون أنفسهم مسئولين عنه(١) .

وجاء نظير هذا المعنى في سورة المعارج الآيتين ٢٤ و٢٥ إذ يقول سبحانه :( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .

ومع ملاحظة أنّ حكم وجوب الزكاة نزل في المدينة وآيات هذه السورة جميعها مكيّة ، فيتأيّد الرأي الأخير.

__________________

(١) مؤدّى ما ورد في كنز العرفان ، ج ١ ، ص ٢٢٦.

٨٢

وما وصلنا من روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام يؤكّد أيضا أنّ المراد من «حقّ معلوم» شيء غير الزكاة الواجبة. إذ نقرأ حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام يقول(١) : «لكنّ اللهعزوجل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقالعزوجل ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ ) ، فالحقّ المعلوم غير الزكاة وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله إن شاء في كلّ يوم وإن شاء في كلّ جمعة وإن شاء في كلّ شهر».

وفي هذا المجال أحاديث متعدّدة أخر منقولة عن الإمام علي بن الحسين والإمام الباقر والإمام الصادق أيضا(٢) .

وهكذا فإنّ تفسير الآية واضح بيّن.

وهناك كلام في الفرق بين «السائل» و «المحروم» ، فقال بعضهم «السائل» هو من يطلب العون من الناس ، أمّا «المحروم» فمن يحافظ على ماء وجهه ويبذل قصارى جهده ليعيش دون أن يمدّ يده إلى أحد ، أو يطلب العون من أحد ، بل يصبّر نفسه.

وهذا هو ما يعبّر عنه بالمحارف ، لأنّه قيل في كتب اللغة في معنى «المحارف» بأنّه الشخص الذي لا ينال شيئا مهمّا سعى وجدّ فكأنّ سبل الحياة مغلقة بوجهه!

وعلى كلّ حال ، فهذا التعبير يشير إلى هذه الحقيقة وهي لا تنتظروا أن يأتيكم المحتاجون ويمدّوا أيديهم إليكم ، بل عليكم أن تبحثوا عنهم وتجدوا الأفراد المحرومين الذين يعبّر عنهم القرآن بأنّهم( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) (٣)

لتساعدوهم وتحفظوا ماء أوجههم ، وهذا دستور مهم لحفظ حيثية المسلمين المحرومين وينبغي الاهتمام به.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٧٢ باب ما تجب فيه الزكاة الباب السابع الحديث الثاني.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٢٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة الباب السابع الحديث ٣.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٧٣.

٨٣

وهؤلاء الأشخاص يمكن معرفتهم ـ كما صرّح بذلك القرآن «تعرفهم بسيماهم».

أجل فبرغم سكوتهم إلّا أنّ في عمق وجوههم آثار الهموم وما تحمله أنفسهم من آلام يعرفها المطّلعون ، ويخبر لون وجههم عن كربتهم.

* * *

بحوث

١ ـ التوجّه نحو الله وخلق الله

ما ورد في هذه الآيات عن المتّقين وأوصافهم يتلخّص ـ في الحقيقة ـ في قسمين «التوجّه نحو الله» «الخالق» وذلك في ساعات يتوفّر فيها من جميع الجهات الاستعداد لبيان الحاجة عنده مع حضور القلب ، وتبلغ أسباب انشغال الفكر وانصراف الذهن إلى أدنى حدّ أي في أواخر الليل!

والآخر «التوجّه نحو الخلق» ومعرفة احتياج المحتاجين سواء أظهروا حاجتهم أم كتموها.

وهذا المطلب هو ما أشار إليه القرآن في آياته مرارا وأوصى به ، والآيات التي يرد فيها ذكر الصلاة ، ثمّ يتلوها ذكر الزكاة ، وتعول على الإثنين معا ، تشير إلى هذه المسألة ، لأنّ الصلاة أبرز مظهر لعلاقة الإنسان بالخالق ، والزكاة أجلى مظهر لعلاقته بخلق الله.

٢ ـ السهر ديدن العشّاق

مع أنّ صلاة الليل من الصلوات المستحبّة والنافلة إلّا أنّ القرآن المجيد أشار إليها مرارا ، وهذا دليل على أهميّتها القصوى حتّى أنّ القرآن عدّها وسيلة لبلوغ «المقام المحمود» وأساسا لقرّة العين «كما هو في الآية ٧٩ من سورة الإسراء

٨٤

والآية ١٧ من سورة ألم السجدة».

وفي الرّوايات الإسلامية أيضا اهتمام بالغ على هذه القضيّة وبيان الحاجة «في صلاة الليل» والسهر في السحر : ففي مكان يعدّها النّبي بأنّها كفّارة عن الذنوب فيقول : «يا علي ثلاث كفّارات : منها : التهجّد بالليل والناس نيام»(١) .

وفي حديث آخر ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أشراف امّتي حملة القرآن وأصحاب الليل»(٢) .

وأيضا في حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوصي علياعليه‌السلام إذ قال أربع مرّات : عليك بصلاة الليل(٣) .

وينقل عن الإمام الصادق في تفسير الآية محلّ البحث :( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) : أنّه قال : كانوا أقلّ الليالي تفوتهم لا يقومون فيها(٤) .

كما ورد في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : الركعتان في جوف الليل أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها(٥) .

كما نقرأ حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال لسليمان الديلمي «أحد أصحابه» : لا تدع قيام الليل فإنّ المغبون من حرم قيام الليل(٦) .

وبالطبع فإنّ الرّوايات في هذا الصدد كثيرة ويلاحظ فيها تعابير مثيرة وطريفة جدّا ولا سيّما التعبير بأنّ صلاة الليل وسيلة «لمحو الذنوب» و «تيقّظ الفكر» و «إشراق القلب» و «جلب الرزق» و «سعة العيش» و «الصحّة» ، ولو جمعنا

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٢٧٣.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٢٧٥.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٢٧٧.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٢٧٩.

(٥) بحار الأنوار ، ج ٨٧ ، ص ١٤٨.

(٦) بحار الأنوار ، ج ٨٧ ، ص ١٤٦.

٨٥

هذه الرّوايات لحصلنا على كتاب مستقل(١) .

وقد كان لنا بحوث أخر في هذا المجال ذيل الآية (٧٩) من سورة الإسراء وذيل الآية (١٧) من سورة الم السجدة فلا بأس بمراجعتها.

٣ ـ حقّ السائل والمحروم!

ممّا ينبغي ذكره أنّنا قرأنا في الآيات المتقدّمة أنّ في أموال الصالحين والمحسنين حقّا للسائل والمحروم ، وهذا التعبير يدلّ بوضوح أنّهم يعدّون أنفسهم مدينين للمحتاجين والمحرومين ، ويعدّون السائل أو المحروم ذا حقّ عليهم ، حقّ ينبغي دفعه إليه دون امتنان ولا أذى ، فكأنّه دين من سائر الديون.

وكما قلنا آنفا فإنّ هذا التعبير كما تدلّ عليه القرائن المتعدّدة لا علاقة له بالزكاة الواجبة وأمثالها ، بل هو ناظر إلى النفقة المستحبّة التي يعدّها المتّقون دينا عليهم(٢) .

* * *

__________________

(١) للاطلاع على هذه الرّوايات يراجع الجزء الخامس من وسائل الشيعة والجزء الأوّل من مستدرك الوسائل ، والجزء ٨٧ من بحار الأنوار.

(٢) نزول هذه الآيات بمكّة وورود هذا الحكم في خصوص أهل الجنّة الصالحين وروايات أهل البيت كلّها قرائن على أنّ الحقّ في الآية غير الزكاة

٨٦

الآيات

( وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣) )

التّفسير

آيات الله وآثاره في أنفسكم :

تعقيبا على الآيات المتقدّمة التي كانت تتحدّث عن مسألة المعاد وصفات أهل النار وأهل الجنّة ، تأتي هذه الآيات ـ محلّ البحث ـ لتتحدّث عن آيات الله ودلائله في الأرض وفي وجود الإنسان نفسه ليطّلع على مسألة التوحيد ومعرفة الله وصفاته التي هي مبدأ الحركة نحو الخيرات كلّها من جهة ، وعلى قدرته على مسألة المعاد والحياة بعد الموت من جهة اخرى ، لأنّ خالق الحياة على هذه الأرض وما فيها من عجائب قادر على تجديد الحياة بعد الموت كذلك! تقول هذه الآية أوّلا :( وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ ) .

والحقّ أنّ دلائل الله وقدرته غير المتناهية وعلمه وحكمته التي لا حدّ لها في هذه الأرض كثيرة وفيرة إلى درجة أنّ عمر أيّ إنسان مهما كان لا يكفي لمعرفتها

٨٧

جميعا.

فحجم الأرض وبعدها عن الشمس وحركتها حول نفسها وحركتها حول الشمس والقوى الجاذبة والدافعة التي تنتج عن حجمها وحركتها وهي متعادلة فيما بينها تماما ومتناسقة فجميع هذه الأمور مجتمعة توفّر الحياة على سطح الأرض وكلّ ذلك من آيات الله الكبرى.

في حين أن لو تغيّرت حركة من هذه الحركات واختلفت الخصائص أقل اختلاف ، لاضطربت الموازين وتبدلّت ظروف الحياة على سطح الأرض.

فالمواد التي تتشكّل منها الأرض والمنابع التي هي فوق سطح الأرض وداخلها ـ المعدّة للحياة ـ كلّ منها آية من آيات الله ودلائله.

الجبال والسهول والهضاب والأنهار والعيون التي كلّ منها له أثره في استمرار الحياة واتّساق ظروفها دلائل اخرى من دلائله وآياته.

مئات الآلاف من أنواع النباتات والحشرات والحيوانات أجل ، مئات الآلاف كلّ منها بخصائصه وعجائبه عند مطالعة كتب الأحياء و «البايلوجيا» وكتب الجيولوجيا والتربة وعلم النبات وعلم الحيوان تدع الإنسان يستغرق في حيرة مذهلة!.

وفي كلّ زاوية أو جانب من هذه الكرة الأرضية أسرار مثيرة قلّ أن يلتفت إليها أحد ، إلّا أنّ الباحثين والعلماء كشفوا النقاب عن جزء منها وأظهروا عظمة الخالق وقدرته.

ولا بأس أن ننقل هنا جانبا من كلمات بعض العلماء المعروفين في العالم الذين لهم دراسات كثيرة في هذا الصدد : إنّه «كرسي موريسين» فلنصغ إليه قائلا : «لقد روعي منتهى الدقّة في تنظيم العوامل الطبيعية فلو تضخّمت القشرة الخارجية للكرة الأرضية أكثر ممّا كانت عليه عشر مرّات لانعدم الأوكسجين الذي هو المادّة الأصلية للحياة ، ولو أنّ أعماق البحار كانت أكثر عمقا ممّا هي

٨٨

عليه قليلا أو كثيرا ، لأنجذب جميع الأوكسجين والكربون من سطح الأرض ولم يعد أي إمكان لحياة النبات أو الحيوان على سطح الأرض»!

ويقول في مكان آخر في الغلاف الجوّي الذي يحيط بالأرض : لو أنّ هذا الغلاف الذي يحيط بالأرض من الهواء كان رقيقا لخرقته الشهب الثواقب التي تأتي كلّ يوم بنحو عدّة ملايين فتصيب الأرض حيث ما وقعت ، إلّا أنّ هذا الغلاف الجوّي يمنعها لكثافته فتتلاشى وتحترق عنده فلا تصل إلى الأرض.

ولو أنّ الشهب الثواقب خفّت سرعتها لما احترقت عند اصطدامها بالهواء ولوقعت على الأرض ودمّرت الكثير.

ويقول في مكان آخر أنّ نسبة الأوكسجين في الهواء هي إحدى وعشرين بالمائة فحسب ، فلو كانت هذه النسبة خمسين بالمائة لاحترق به كلّ ما من شأنه الاشتعال في هذا العالم ولو وصلت شظية صغرى من النار إلى شجرة في غابة لاحترقت الغابة جمعاء»!

إنّ نسبة كثافة الهواء المحيط بالأرض إلى درجة بحيث يوصل الأشعّة المناسبة لرشد النباتات ونموّها وتعدم المكروبات الضارّة في الفضاء نفسه وتنتج الفيتامينات النافعة.

ومع وجود الأبخرة المختلفة التي خرجت من باطن الأرض خلال القرون المتمادية وانتشرت في الهواء وأغلبها أبخرة سامّة فمع ذلك فإنّ الهواء المحيط بالأرض لم يتلوّث وما يزال باقيا على حالته الطبيعية المناسبة للحياة الإنسانية.

والجهاز الذي يوجد هذه الموازنة ويحفظ هذا التعادل هو البحر والمحيط الذي منه تستمدّ المواد الحياتية والغذاء والأمطار واعتدال الهواء والنباتات وأخيرا فإنّ وجود الإنسان نفسه يستمدّ منه أيضا.

فكلّ من يدرك هذه المعاني فعليه أن يطأطئ رأسه للبحر تعظيما وأن يشكر

٨٩

مواهبه وخالق البحر»(١) .

ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) أي أفلا تبصرون هذه الآيات في أنفسكم أيضا؟!

ولا شكّ أنّ الإنسان أعجوبة عالم الوجود وما هو في العالم الأكبر موجود في عالم الإنسان الأصغر أيضا ، بل في الإنسان عجائب لا توجد في أي مكان من العالم!

والعجب أنّ هذا الإنسان على عظمته وعقله وعلمه وهذا الابتداع والابتكار والصنع العجيب كان أوّل يومه على صورة نطفة صغرى لا قيمة لها!! لكن ما أن استقرّت في الرحم حتّى تكاملت بسرعة وتبدلّت يوما بعد يوم ولحظة بعد اخرى فإذا هذه النطفة التي لا قيمة لها تغدو إنسانا كاملا سويّا!

خليّة واحدة التي هي أصغر جزء في بدن الإنسان تشكّل بناية ضخمة متداخلة عجيبة فهي على حدّ تعبير بعض العلماء تعادل «مدينة صناعية».

يقول أحد علماء «علم الأحياء» إنّ هذه المدنية العظمى مع آلاف الأبواب أو البوابات المثيرة وآلاف المعامل والمخازن وشبكات المجاري والتأسيسات الكثيرة والارتباطات والأعمال الحياتية المختلفة كلّ ذلك في مساحة صغيرة جدّا بمقدار خلية من أكثر الأمور تعقيدا وإثارة ، إذ لو أردنا أن نهيّئ تأسيسات مثلها ولن نستطيع أبدا ـ لكان علينا أن نشغل مساحة آلاف الهكتارات من الأرض وعليها البنايات والماكنات المختلفة المعقّدة لنصل إلى مثل هذه الخطّة!!

إلّا أنّ الطريف أنّ جهاز الخلقة جعل كلّ ذلك في مساحة تعدل خمسة عشر ميلونيم الميليمتر فحسب(٢) .

إنّ الأجهزة الموجودة في بدن الإنسان كالقلب والكلية والرئة وخاصّة

__________________

(١) الكاتب كرسي موريسين في كتابه (أسرار خلق الإنسان) من ص ٣٣ إلى ٣٦.

(٢) سفرة في أعماق وجود الإنسان قسم الخلايا.

٩٠

عشرات آلاف الكيلومترات من الأعصاب الرقيقة أو الكبيرة والأعصاب الدقيقة التي لا ترى بالعين المجرّدة وجميعها مسئولة عن إيصال الغذاء والماء والتهوية إلى عشرة مليون مليارد خلية ، والحواس المختلفة كالسمع والبصر والحواس الاخر كلّ منها آية عظمى من آيات الله.

وأهمّ من كلّ ذلك لغز الحياة التي لم تعرف أسرارها وبناء الروح أو العقل الإنساني الذي يعجز عن إدراكه عقول جميع الناس وهنا ـ ينحني الإنسان ويتمتم بالتسبيح والحمد والثناء لله دون إختياره ويترنّم بهذه الأشعار :

فيك يا أعجوبة الكو

ن غدا الفكر كليلا

أنت حيّرت ذوي الل

لبّ وبلبلت العقولا

كلّما قدّم فكري فيك شبرا فرّ ميلا

ناكصا يخبط في عمياء لا يهدى سبيلا

وقد ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»(١) .

أجل إنّ معرفة النفس في جميع المراحل طريق لمعرفة الله والتعبير : «أفلا تبصرون» تعبير لطيف : أي إنّ هذه الآيات حولكم وفي داخلكم وفي تمام وجودكم بحيث لو فتحتم أعينكم ولو قليلا لأبصرتم آيات الله ولا رتوت أرواحكم من إدراك عظمته!.

وفي الآية الثالثة من الآيات ـ محلّ البحث ـ إشارة إلى القسم الثالث من دلائل عظمة الخالق وقدرته على المعاد إذ تقول :( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) .

وبالرغم من أنّ بعض الرّوايات الإسلامية تفسّر «الرزق» في هذه الآية ب

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٦٠٣ مادّة نفس.

٩١

«المطر» الذي يمنح الحياة وهو مصدر الخير والبركة في الأرض جميعا ، والآية (٥) من سورة الجاثية أيضا توافق هذا التّفسير إذ تقول :( وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) إلّا أنّ هذا المعنى يمكن أن يكون مصداقا جليّا من مصاديق الآية ، في حين أنّ سعة مفهوم الرزق تشمل حبّات المطر وغيرها كنور الشمس الذي يأتي من السماء وله أثره الفاعل في الحياة ، والهواء الذي هو أساس حياة الموجودات.

كلّ هذا لو أخذنا مفهوم السماء بالمعنى اللغوي أي السماء التي فوقنا ، إلّا أنّ بعضهم فسّرها بعالم الغيب وما وراء الطبيعة أو اللوح المحفوظ الذي تقدّر منه أرزاق العباد!

وبالطبع فإنّ الجمع بين التّفسيرين ممكن ، وأن كان التّفسير الأوّل أنسب وأوضح!.

وأمّا جملة و( ما تُوعَدُونَ ) فيمكن أن تكون تأكيدا على مسألة الرزق ووعد الله في هذا المجال ، أو أنّ المراد منها الجنّة الموعودة ، لأنّنا نقرأ الآية ١٥ من سورة النجم( عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) أو أنّها إشارة إلى كلّ خير وبركة أو عذاب ينزل من السماء! أو أنّ «ما توعدون» ناظر إلى جميع هذه المعاني ، لأنّ مفهوم «ما توعدون» واسع جدّا.

وعلى كلّ حال ، فهذه الآيات الثلاث فيها ترتيب لطيف ، فالآية الاولى تتحدّث عن أسباب وجود الإنسان وحياته ، والآية الثانية تتحدّث عن الإنسان نفسه ، والآية الثالثة تتحدّث عن أسباب بقائه ودوامه!.

وجدير بالالتفات أيضا أنّ ما يمنع البصيرة ويصدّها عن مطالعة أسرار الخلق وأسرار الأرض وعجائب وجود الإنسان هو «الحرص على الرزق» ، فالله سبحانه يطمئن الإنسان في الآية الأخيرة بأنّ رزقه مضمون ، ليستطيع أن ينظر إلى عجائب العالم ويتحقّق فيه قوله :( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ؟!

٩٢

لذلك فإنّ الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث تقسم فتقول :( فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) .

وقد بلغ الأمر حدّا أن يقسم الله على ما لديه من عظمة وقدرة ليطمئن عباده الشاكّين ضعاف الأنفس الحريصين إنّ ما توعدون في مجال الرزق والثواب والعقاب والقيامة جميعه حقّ ولا ريب في كلّ ذلك(١) .

والتعبير بـ( مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) تعبير لطيف ودقيق إذ يتحدّث عن أكثر الأشياء لمسا ، لأنّه قد يخطئ الإنسان في الباصرة أو السمع بأن يتوهّم أنّه سمع أو رأى ، إلّا أنّه لا يمكن أن يتوهّم أنّه قال شيئا مع أنّه لم يقله لذلك فإنّ القرآن يقول : كما أنّ ما تنطقون محسوس عندكم وله واقع ، فإنّ الرزق والوعد الإلهي عنده كذلك!

ثمّ بعد هذا كلّه فإنّ النطق بنفسه واحد من أكبر الأرزاق والمواهب الإلهيّة التي لم يتمتّع بها أي موجود حيّ سوى الإنسان ، وليس بخاف أثر الكلام والنطق في الحياة الاجتماعية وتعليم الناس وتربيتهم وانتقال العلوم وحلّ مشاكل الحياة على أحد.

* * *

بحوث

١ ـ قصّة الأصمعي المثيرة

ينقل الزمخشري في كشّافه عن الأصمعي(٢) أنّه قال خرجت من مسجد البصرة فبصرت بأعرابي من أهل البادية راكبا على دابته فواجهني وسألني : من أي

__________________

(١) هناك كلام بين المفسّرين في أنّ مرجع الضمير في «أنّه» على أي شيء يعود؟ قال بعضهم يعود على الرزق ، وقال بعضهم يعود على ما توعدون وقال بعضهم يعود على النّبي والقرآن إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

(٢) كان يدعى «عبد الملك بن قريب» وكان يعيش في عهد هارون الرشيد وله حافظة عجيبة واطّلاعات واسعة عن تاريخ العرب وأشعارها وتوفّي في البصرة سنة ٢١٦ الكنى والألقاب ، ج ٢ ، ص ٢٧.

٩٣

القبائل أنت؟! فقلت من بني الأصمع فقال من أين تأتي؟ فقلت : من مكان يقرأ فيه كلام الله فقال لي : اقرأ لي منه ، فقرأت له آيات من سورة الذاريات حتّى بلغت( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ ) فقال كفى. ثمّ نهض وعمد إلى بعير عنده فنحره وقسّم لحمه على المحتاجين من الذاهبين والآئبين ثمّ عمد إلى سيفه وقوسه فكسّرهما أيضا وألقاهما جانبا واستدار إلى الوراء ومضى وانتهت هذه القصّة!.

وحين مضيت إلى حجّ بيت الله الحرام بمعيّة هارون الرشيد وكنت مشغولا في الطواف إذا أنا برجل يناديني بصوت ضعيف فنظرت فإذا هو ذلك الأعرابي وكان نحيلا مصفّر الوجه «وكان يظهر عليه العشق الملتهب الذي لم يدع له قرارا» فسلّم عليّ وطلب منّي أن أعيد عليه سورة الذاريات فلمّا بلغت الآية آنفة الذكر صرخ : وقال وجدنا وعد ربّنا حقّا ثمّ أضاف هل هناك آية بعدها؟! فقرأت فورب السماء والأرض أنّه لحقّ : فصرخ ثانية وقال يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتّى حلف ليصدّقوه بقوله حتّى ألجأوه إلى اليمين(١) .

٢ ـ أين الجنّة؟!

كما ذكرنا في الآيات آنفة الذكر فإنّ بعض المفسّرين يرى أنّ جملة( وَما تُوعَدُونَ ) معناها الجنّة. وقالوا : يستفاد من هذه الآية أنّ الجنّة في السماء ، إلّا أنّ هذا الكلام لا ينسجم مع الآية التي تتحدّث عن الجنّة فتقول :( عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ) (٢)

وكما قلنا ـ إنّ هذا التّفسير لجملة( وَما تُوعَدُونَ ) لا دليل عليه ، بل يمكن أن يكون إشارة إلى وعد الله برزقه أو عذاب السماء.

وإذا كان في الآية (١٥) من سورة النجم قد ورد أنّ جنّة المأوى في السماء عند سدرة المنتهى فليس ذلك دليلا على هذا المعنى ، لأنّ «جنّة المأوى» قسم من

__________________

(١) تفسير الكشّاف ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٢) آل عمران ، الآية ١٣٣.

٩٤

بساتين الجنّة لا جميع الجنّة (فلاحظوا بدقّة).

٣ ـ الاستفادة من آيات الله تحتاج إلى قابلية!

حين تتحدّث آيات القرآن عن أسرار الخلق ودلائل الله في عالم الوجود تقول تارة أنّ في ذلك( لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) يونس الآية ٦٧.

وتارة تقول :( لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الرعد الآية ٣.

واخرى تقول :( لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) الرعد الآية ٤.

أو تقول :( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) النحل الآية ٧٩.

وفي مكان آخر تقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ) سورة طه الآية ٥٤.

وتارة تقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) الحجر الآية ٧٥.

وأخيرا تقول :( لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) الروم الآية ٢٢.

والآيات محلّ البحث تقول :( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ؟!

أي إنّ آيات الله في الأرض وفي أنفسكم واضحة جليّة لأولئك الذين لهم بصر ثاقب.

وهذه التعبيرات تدلّ دلالة واضحة على أنّ الاستفادة من الآيات التي لا تحصى ـ الدالّة على وجود ذاته المقدّسة في الأرض تحتاج إلى استعداد كاف ، عين باصرة ، اذن سميعة ، فكر يقظ ، قلب ذكي وروح مهيّأة لقبول الحقائق متعطّشة لها وإلّا فمن الممكن أن يعيش الإنسان سنين بين هذه الآيات إلّا أنّ مثله كمثل الحيوانات التي همّها علفها.

٤ ـ الرزق حقّ

من جملة الأمور التي يحكمها نظام دقيق هي «مسألة الرزق» التي أشير إليها في الآيات محلّ البحث إشارات واضحة.

٩٥

صحيح أنّ الاستفادة من مواهب الحياة مشروطة بالجدّ والسعي والمثابرة وأنّ الكسل والخنوع مدعاة للتأخّر والحرمان من الحياة إلّا أنّه من الخطأ البيّن أن نتصوّر أنّ رزق الإنسان يزداد بالحرص والولع والأعمال الكثيرة وأنّ رزقه يقلّ بالتعفّف والتجلّد وما إلى ذلك.

ونلاحظ في الأحاديث الإسلامية تعابير طريفة في هذا المجال : ففي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ الرزق لا يجرّه حرص حريص ولا يصرفه كره كاره»(١) .

وفي حديث آخر عن الصادقعليه‌السلام جوابا على بعض أصحابه وقد طلب منه أن يعظه وينصحه فقالعليه‌السلام «... وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا»(٢) ؟!

والهدف من بيان هذه الأحاديث ليس هو الوقوف بوجه الجدّ والسعي بل هو تنبيه الحريصين أن يلتفتوا إلى أنّ رزقهم مقدّر ليرتدعوا عن حرصهم!.

وهنا لطيفة جديرة بالالتفات وهي أنّ الرّوايات الإسلامية ذكرت أمورا كثيرة على أنّها مدعاة للرزق أو مانعة له ، وكلّ منها مهمّ في نفسه!

نقرأ عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «والذي بعث جدّي بالحقّ نبيّا انّ الله تبارك وتعالى يرزق العبد على قدر المروءة وأنّ المعونة تنزل على قدر شدّة البلاء»(٣) .

وعنهعليه‌السلام أنّه قال : «كفّ الأذى وقلّة الصخب يزيدان في الرزق»(٤) . كما نقل عن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «التوحيد نصف الدين واستنزل الرّزق بالصدقة»(٥) .

وهناك امور أخر ذكرت على أنّها مدعاة لزيادة للرزق كتنظيف نواحي البيت وغسل الأواني وتنظيفها.

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٢٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٢٥ الحديث ٣١.

(٤) المصدر السابق ، ص ١٢٦ (الحديثان ٣٥ و٣٧).

(٥) المصدر السابق.

٩٦

الآيات

( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) )

التّفسير

ضيوف إبراهيمعليه‌السلام

من هذا المقطع ـ فما بعد ـ يتحدّث القرآن في هذه السورة عن قصص الأنبياء الماضين والأمم المتقدّمة تأكيدا وتأييدا للموضوع آنف الذكر وما حواه من مسائل ، وأوّل جانب يثيره هذا المقطع هو قصّة الملائكة الذين جاءوا لعذاب قوم لوط ، ومرّوا على إبراهيمعليه‌السلام على صورة بشر ، ليبشّروه بالولد ، مع أنّ إبراهيم بلغ سنّا كبيرا فهو في مرحلة المشيب وامرأته كانت عقيما كذلك!

٩٧

فمن جهة يعدّ إعطاء هذا الولد لإبراهيم وزوجه وهما في مرحلة الكبر واليأس من الإنجاب تأكيدا على كون الأرزاق مقدّرة كما أشير إلى ذلك في الآيات المتقدّمة.

ومن جهة اخرى يعدّ دليلا آخر على قدرة الحقّ وآية من آيات معرفة الله التي ورد البحث عنها في الآيات آنفا.

ومن جهة ثالثة يعدّ بشرى للأمم المؤمنة بأنّها في رعاية الحقّ ـ كما أنّ الآيات التالية تتحدّث عن عذاب قوم لوط وهي في الوقت ذاته تهديد للمجرمين.

ففي البدء يوجّه الله سبحانه الخطاب لنبيّه فيقول :( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ) (١) .

والتعبير بـ «المكرمين» إمّا لأنّ هؤلاء الملائكة كانوا مأمورين من قبل الحقّ ، وقد ورد التعبير عنهم في الآية (٢٦) من سورة الأنبياء أيضا بمثل هذا ـ( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ) أو لأنّ إبراهيمعليه‌السلام أكرمهم ، أو للوجهين معا.

ثمّ يبيّن القرآن حالهم فيقول :( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ) (٢) .

قال بعضهم : جملة أنّهم «قوم منكرون» لم يصرّح بها إبراهيم ، بل حدّث بها نفسه لأنّ هذا الكلام لا ينسجم مع وافر الاحترام للضيف الكرام.

إلّا أنّه كما هو المعتاد قد يقول المضيّف للضيف في حال الاحترام والترحيب : «لا أدري أين التقيت بك من قبل ـ أو يبدو انّك غريب ..»

__________________

(١) «الضيف» له معنى وصفي ، ويطلق على المفرد كما يطلق على الجمع أيضا ولذلك فقد وصف بالمكرمين ، وما قاله بعضهم إنّه مصدر ولا يثنّى ولا يجمع فلا يبدو صحيحا. ولكن كما يقول الزمخشري في الكشّاف حيث إنّه كان في الأصل مصدرا وبعد أن أصبح ذا معنى وصفي فإنّه استعمل في المفرد والجمع معا ، فلاحظوا بدقّة.

(٢) سلاما منصوب بفعل محذوف وتقديره : نسلّم عليكم سلاما : أمّا سلام فهو مبتدا وخبره محذوف وأصله عليكم سلام أو سلام عليكم فكأنّ إبراهيم أراد أن يحيّهم بأحسن من تحيّتهم ، لأنّ الجملة الاسمية تدلّ على الثبات والدوام تفسير الكشّاف ، ج ٤ ، ص ٤٠١.

٩٨

فبناء على هذا يمكن التمسّك بظاهر الآية وأنّ إبراهيم قال هذا الكلام صراحة وإن كان الاحتمال الأوّل غير بعيد. خاصّة أنّ «الضيف» لم يردّوا على هذا الكلام ، ولو كان إبراهيم قال مثل هذا الكلام صراحة ، فلا بدّ أن يجيبوه.

وعلى كلّ حال فإنّ إبراهيم أدّى ما عليه من حقّ الضيافة( فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ) .

والفعل «راغ» كما يقول الراغب في مفرداته مشتقّ من «روغ» ـ على وزن «شوق» ـ ومعناه التحرّك مقرونا بخطّه خفيّة ، لأنّ إبراهيم فعل «كذلك» وقام بذلك خفاء لئلّا يلتفت الضيف فلا يقبلوا بضيافته التي تستلزم نفقة كثيرة! إلّا أنّه لم هيّأ إبراهيم طعاما كثيرا؟ مع أنّ ضيفه كانوا كما يقول بعض المفسّرين «ثلاثة» وقال بعضهم : كانوا اثني عشر ـ وهذا أقصى ما قاله بعض المفسّرين(١) ـ.

فذلك لأنّ الكرماء لا يهيّؤون الطعام بمقدار الضيف فحسب ، بل يهيّؤون طعاما يستوعب حتّى العمّال ليشاركوهم في الأكل ، وربّما أخذوا بنظر الإعتبار حتّى الجار والأقارب فعلى هذا لا يعدّ مثل هذا الطعام الذي هيّأه إبراهيم إسرافا ، ويلاحظ هذا المعنى في يومنا هذا عند بعض العشائر التي تعيش على طريقتها القديمة.

و «العجل» على وزن «طفل» معناه ولد البقر «وما يراه بعضهم أنّه الخروف فلا ينسجم مع متون اللغة»! وهذه الكلمة مأخوذة في الأصل من العجلة ، لأنّ هذا الحيوان في هذه السنّ وفي هذه المرحلة يتحرّك حركة عجلى ، وحين يكبر تزول عنه هذه الصفة تماما.

و «السمين» معناه المكتنز لحمه ، وانتخاب مثل هذا العجل إنّما هو لإكرام الضيف وليسع المتعلّقين والأكلة الآخرين!

__________________

(١) اقتباس عن روح البيان وحاشية تفسير الصافي ذيل الآيات محلّ البحث.

٩٩

وفي الآية التاسعة والستّين من سورة هود جاء وصف هذا العجل بأنّه «حنيذ» أي مشويّ ، وبالرغم من أنّ الآية محلّ البحث لم تذكر شيئا عن هذا العجل ، إلّا أنّه لا منافاة بين التعبيرين.

ثمّ تضيف الآية بالقول عن إبراهيم وضيفه( فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ) إلّا أنّه لاحظ أنّ أيديهم لا تصل إلى الطعام فتعجّب و( قالَ أَلا تَأْكُلُونَ ) .

وكان إبراهيم يتصوّر أنّهم من الآدميين( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ) لأنّه كان معروفا في ذلك العصر وفي زماننا أيضا بين كثير من الناس الملتزمين بالتقاليد العرفية ، أنّه متى ما أكل شخص من طعام صاحبه فلن يناله أذى منه ولا يخونه ولذلك فإنّ الضيف إذا لم يأكل من طعام صاحبه ، يثير الظنّ السيء بأنّه جاء لأمر محذور ، وقد قيل على سبيل المثل في لغة العرب : من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك»!

و «الإيجاس» مشتقّ من وجس ـ على وزن مكث ـ ومعناه في الأصل الصوت الخفي ومن هنا فقد أطلق الإيجاس على الإحساس الداخلي والخفي ، فكأنّ الإنسان يسمع صوتا داخله وحين يقترن الإيجاس بالخيفة يكون معناه الإحساس بالخوف.

وهنا قال له الضيف كما ورد في الآية (٧٠) من سورة هود طمأنة له فـ( قالُوا لا تَخَفْ ) .

ويضيف القرآن :( وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) .

وبديهي أنّ الغلام عند ولادته لا يكون عليما ، إلا أنّه من الممكن أن يكون له استعداد بحيث يكون في المستقبل عالما كبيرا والمراد به هنا هو ذلك المعنى!.

وهذا الغلام من هو؟ هل هو إسحاق أم إسماعيل؟! هناك أقوال بين المفسّرين وإن كان المشهور أنّه إسحاق واحتمال كونه إسماعيل ـ مع ملاحظة الآية (٧١) من سورة هود التي تقول فبشّرناها بإسحاق ـ يبدو غير صحيح ، فبناء على ذلك ليس

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

س: ما هي التغيّرات الإيجابية التي لمستها في حياتك منذ اعتناقك الإِسلام؟

ج: لقد وجدتُ السلام الداخلي.. لقد عشتُ السلام في قلبي وروحي وفي علاقاتي بالآخرين، حتى باتت حياتي مستقرة، وانعكس ذلك على حياة ابنتيّ أيضاً، واندفعت إلى الحياة بقوة وإرادة أكبر، فعدت لمتابعة دراستي في الجامعة.

س: يعني أنك تشعرين الآن براحة أكبر من ذي قبل؟

ج: طبعاً، والحمد لله، أشعر بلذة كبرى أثناء الصلاة وصوم شهر رمضان المبارك، وأعلم أن عليّ أن أتعلم الكثير الكثير عن الإِسلام، فكلما وقعت على معرفة معينة تبيّن لي أن الذي أعرفه لا يوازي ذرة في كتاب هذا الوجود، فعليّ البحث أكثر، علماً أن حياة الفرد قصيرة، قياساً بما يجب أن يتعلّمه الإنسان في هذه الحياة.

س: على ضوء تجربتك، هل تقترحين أساليب معينة لدعوة غير المسلمين للإِسلام؟

ج: أتمنى أن تطابق أقوالنا أفعالنا، فنمارس قولاً وعملاً ما تدعو إليه العقيدة الإِسلامية، وأن نستحضر الله تعالى في كل ما نقوم به، ونسير على هدي النبي محمد (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأن نحدّث الناس عن الإِسلام باللين والكلمة الحسنى، وألا تزعزع الأزمات والمصاعب إيماننا بالله تعالى.

س: ما هو الدور الذي تقومين به أو تنوين القيام به لخدمة الدعوة الإِسلامية؟

ج: أبذل قصارى جهدي لأتمتع بصفات المرأة المسلمة المتديّنة، وهذا بحد ذاته دعوة إلى الله من خلال أفعالي وسلوكي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنه تعالى.

س: ما مدى إمكانية الدعوة إلى الدين الحنيف في بلادك؟

ج: يحتاج الإِسلام في بلادي إلى القدوة الحسنة، فبقدر ما يلتزم المسلمون بتعاليم الإِسلام هنا، يسهل تغلغل الإِسلام إلى القلوب والعقول، فالإِسلام يحمل بداخله مقومات قادرة على إنقاذ الناس من التيه والضياع ولجوئهم إلى المخدرات، وبإمكان هذا الدين إنقاذنا من الغرائز المنحطة التي سجن الإنسان نفسه خلف قضبانها.

لقد وضع الإِسلام في أيدينا المفتاح إلى الجنة، وكل ما علينا هو إدارة هذا المفتاح للولوج إلى عالم الآخرة، ولا يكون ذلك إلا باتباع أوامر الله تعالى وسُنَّة نبيه (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) برضىً وطمأنينة.

١٤١

س: كيف ترين أوضاع المسلمين الحالية؟

ج: في الواقع أجد الكثيرين منهم منغمسين في أمور دنياهم دون الالتفات إلى أمر الآخرة، وهؤلاء كسالى عن الدعوة إلى الله، وعن تطبيق الإِسلام في حياتهم الفردية والاجتماعية، همّهم الاستمتاع بهذه الدنيا الفانية التي تعمي بصائرهم عن سعادة الإيمان والتقوى والعمل بما أنزله الله تعالى.

س: كيف ترين أوضاع المرأة المسلمة؟

ج: أعلّم ابنتيّ أنهما غاليتان، وعليهما ألا تفرطا بنفسيهما بثمن بخس، فالفتاة أم المستقبل وعلى الجميع من حولها احترامها. وعلى جميع الرجال المسلمين حماية النساء، وعلى هؤلاء أيضاً حماية أنفسهن.

لقد وُهبنا والحمد لله هذا الإيمان، ولكن هذا الإيمان يجب أن يتسع ويقوى، ويتغلب على جميع الشرور التي تتجه إلى تشويه دور المرأة كواهبة للحياة، ومنارة للحب والراحة والسرور.

١٤٢

الأخت المسلمة السويدية

الدكتورة سمية «بارنيللا» تقول لـ «نور الإِسلام»

· العناية الإلهية شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية إلى دين الله تعالى.

· الإِسلام دين المنطق والعدل، يقبل النقاش العقلي الحر. ويضفي التوازن على كل جوانب الحياة الإنسانية.

· أدعو المرأة المسلمة وخاصة في البلاد الإِسلامية. لتعتبر أن حصنها هو حجابها، وأن التزامها بدينها هو طريق تقدّمها ومستقبلها. لا تقليد الحضارة الغربية الزائفة.

السويد كغيرها من الدول الغربية التي نجح الإِسلام، بما يمتلكه من قوة الإقناع، أن يستقطب إلى صفوفه أعداداً متزايدة من أبنائها الذين أتيح لهم أن يطلعوا على أفكاره ونظمه.. فلا أسوار التعصب والجهل التاريخية، ولا حواجز الحضارة المادية بكل بهارجها ومغرياتها، ولا الدعايات المضادة للإِسلام بكل لؤمها وخبثها.. ليس كل هذا بقادر على أن يمنع أنوار الهداية الإلهية، من أن تضيء العقول والنفوس التي تهفو إلى الحق وتبحث عن الحقيقة.

هذه الحقيقة تؤكدّها وتبيّنها بوضوح حكاية الأخت المسلمة السويدية الدكتورة سمية - بارنيللا سابقاً - مع الإِسلام الذي شدّها إليه وضوح عقيدته وعقلانيته وشمولية رسالته، فاستنقذها كما تقول مما كانت تعانيه من فراغ عقائدي وروحي، ومنحها الطمأنينة والدافع لكي تنخرط في نشاطات فكرية واجتماعية عديدة من أجل رعاية المسلمين في منطقتها، وحمل مهمة تبليغ الإِسلام في أنحاء دولة السويد كافة.

في منزلها الزوجي في بلدة «شاملينغ» التابعة لمدينة لوند السويدية، التقتها «نور الإِسلام» بحضور زوجها الأخ جميل الجزائري الجنسية، وأطفالها الأربعة، ومنهم ابنتها التي ذكرت لنا أنها الوحيدة المحجبة في صفها، وهي معتزة بذلك.. وبعد الترحيب كان السؤال الأول:

س: كيف تصفين لنا رحلتك نحو اعتناق الإِسلام؟

ج: في الحقيقة أنا أعتبر أن العناية الإلهية هي التي شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية لدين الله تعالى، الذي اختاره وارتضاه ليقود خطى البشرية نحو شاطىء الأمان، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان.

١٤٣

وكانت رحلتي نحو الإِسلام قد بدأت منذ أوائل الثمانينيات، وهي لم تكن سهلة أو سريعة، حيث أخذتُ متسعاً من الوقت للاطلاع والتأمل، قبل أن أتخذ القرار السعيد باعتناق الإِسلام والالتزام بتعاليمه والجهر بذلك، بعدما حصل لديّ الاقتناع واليقين بصحة هذه الخطوة المصيرية بالنسبة إليّ.. وإذا شئتم ذكر بعض التفاصيل حول الكيفية التي تعرّفت فيها إلى الإِسلام والتي قادتني إليه، فإن الفضل في ذلك بعد التوفيق الإلهي يعود إلى أختي مريم، التي نشأتُ معها في قريتنا «سفل - Siffle »، وكانت قد اختارت الدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الصينية، وهناك رغبت في الاطلاع على البوذية بحكم الفراغ العقائدي الذي كانت تعيشه، ولكن بحمد الله، فإن الطريق بدلاً من أن يقودها إلى البوذية أوصلها إلى الإِسلام، حيث تعرّفت هناك إلى مجموعة من الطلاب المسلمين الذين كانوا يدرسون في الجامعة نفسها، وبواسطتهم اطلعت على الإِسلام فاقتنعت به وأعلنت إسلامها، وتزوّجت من أحد الطلبة المصريين. وعندما عادت إلى السويد جرى بيني وبينها نقاشات مطوّلة حول الإِسلام، جعلت صدري ينشرح لهذا الدين، وأعادتني إلى التفكير بالحياة الدينية والروحية بعد أن كنت غير مبالية، وهذا ما دفعني إلى مزيد من الاطلاع على الإِسلام، فكان لي لقاءات مع بعض الطلبة المسلمين المثقفين الذين أجلوا لي بعض الغوامض وزودوني بالعديد من الكتب التي استفدت منها كثيراً، حيث بدأتُ أحصل على أجوبة مقنعة على الأسئلة التي كان تحيّرني وتبعث في نفسي الشك، وهكذا وجدت الإِسلام دين العقل والمنطق والعدل، ووجدته يؤمّن التوازن بين العقل والعاطفة، وفي كل جوانب الحياة الإنسانية، ويضع للإنسان منهجاً يؤمّن له السعادة في الحياتين.. الدنيا والآخرة، كما يطرح حلولاً متميزة لكل المشاكل التي تعترض حياة الإنسان، وهذا ما دفعني للتحول نحوه.

س: كيف كان صدى التزامك بالإِسلام بين أهلك وفي محيطك؟

ج: قبل ارتدائي الحجاب والالتزام باللباس الشرعي، اقتصر رد فعل أهلي وأصدقائي على بعض التعجّب والتساؤل عمّا إذا كنت سأثبت على قناعاتي الجديدة، وعمّا إذا كنت سأتعدّى مجرد القناعة إلى الالتزام الظاهري، ولكن بعد زواجي ذهبتُ مع زوجي جميل إلى الجزائر، وهناك التزمتُ بالحجاب واللباس الشرعي، وبعد عودتي إلى السويد واجهتُ الكثير من الاستغراب والأسئلة المعترضة على وضعي الجديد سواءً من الأهل أو الأصدقاء حيث لم يكن أحد يتصوّر أنني سألتزم إلى هذا الحد، وقد عرفوني سابقاً غير مبالية بالدين، ولم يدر في خلدهم أن الإِسلام أمر مختلف وأنه ليس مجرد ديانة تعنى بباطن الفرد فقط، بل هو أسلوب للحياة والتعامل.

١٤٤

وبارتدائي الحجاب في ذلك الوقت، أصبحت في نظرهم أنتمي إلى الأقليات المسلمة التي يتجنبها الإنسان السويدي، الذي هو بطبيعته يعيش العزلة والخوف من الجديد والمختلف، غير أن هذا لم يمنعني من أن أشق طريقي بكل ثقة وصبر، وأن أفرض احترامي واحترام ما التزمت به على الكثيرين ممن تبرموا في البداية.

س: كيف ترين أهمية الحجاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة وخصوصاً في الغرب؟

ج: الحجاب بنظري هو حصن تعيش المرأة في داخله بكل طمأنينة، واثقة بالنفس، وهو يفسح المجال أمام المرأة للتفكير بما هو أهم من الملابس والزينة، ويعطيها الفرصة لتصبّ جهودها أكثر على ما يدفعها ويدفع محيطها للتقدّم، لأنها تحرّر نفسها من الاستغلال الرخيص لأنوثتها فتتحرّر من سطوة جشع تجار الأزياء وتفاهاتهم، ومن عبث وفساد وسائل الإعلام والإعلان التي تسيّر النساء الفارغات في عالمنا المعاصر.

س: هل يمكن أن تعطينا صورة عن المستوى العلمي الذي توصّلت إليه وعن مجال عملك؟

ج: لقد تابعتُ دراستي بعد إسلامي حتى نلتُ شهادة الدكتوراه من جامعة لوند، وذلك في قسم البيئة البشرية، وكان موضوع أطروحتي هو «المسلمون في الشرق الأوسط»، الذي هو محل اهتمامي الشخصي، وهذا ما اقتضي مني زيارة عدة دول إسلامية في الشرق الأوسط لاستكمال المعلومات حول هذا الموضوع، وأنا الآن أعمل باحثة في جامعة لوند نفسها.

س: علمنا أن لديك نشاطات إسلامية متعددة، فما هي؟

ج: لقد انتخبتُ عضواً في الأكاديمية الإِسلامية، وهي جمعية تضم الجامعيين المسلمين في جميع أنحاء السويد، وتهتم بالتعريف بالإِسلام، وإجلاء صورته في المجتمع السويدي، والدعوة إليه عن طريق المحاضرات والندوات والكتب والمنشورات، وأنا أساهم قدر طاقتي في نشاطات هذه الجمعية.

١٤٥

أمّا نشاطي الإِسلامي الأساسي فيتم من خلال النادي النسائي في مدينة لوند وجمعية الإرشاد الإِسلامية الخاصة بالنساء المسلمات السويديات والمهاجرات، وتهتم الجمعية بالتوعية الثقافية الإِسلامية عن طريق تدريس التربية الدينية والعلوم الإِسلامية واللغة العربية. وتقيم الجمعية الندوات واللقاءات العامة، كما تنظم زيارات للمدارس والجامعات بهدف التبليغ الإِسلامي. إلى جانب ذلك، لدينا اهتمام خاص بالأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية سليمة، وإبعادهم عن المحيط المنحرف.

س: ما رأيك بمستقبل النشء المسلم الجديد في السويد والمجتمعات الغربية؟

ج: برأيي أن الأطفال المسلمين سيواجهون صعوبة أقل لدى انخراطهم بالمجتمعات الغربية، لأنه من الأسهل عليهم فهم تركيبة المجتمع الذي نشأوا فيه والتكيّف معه بمرونة أكثر من كبار السن المهاجرين، سواء في السويد أم في غيرها.

س: ما هي المشكلات التي يعاني منها المسلمون في السويد؟

ج: يعاني المسلمون في السويد من مشاكل عدة، تنعكس سلباً على تحسين أوضاعهم، منها:

- انخفاض المستوى التعليمي، حيث أن الأكثرية منهم جاءوا إلى السويد للاستفادة من الرفاهية المادية الموجودة هنا، وهذا ما يعيقهم عن الحصول على وظائف عالية.

- المشاكل القائمة بين المجموعات المسلمة ذاتها، حيث يختلف بعضهم على المرجعية التي تبتّ في القضايا المهمة التي تهم جميع المسلمين.

س: كيف ينظر السويديون والغربيون عامة إلى المسلمين الموجودين بينهم؟

ج: يصنّف المسلمون في الغرب عادة إلى قسمين: قسم يسمّونهم متطرفين، وهم الذين يتمسّكون بدينهم ويطبقون شعائره ولا يجاملون في ذلك. وقسم آخر يسمّونهم معتدلين، وهم عادة الذين لا يبالون بأمور الدين ويهملون واجباتهم الشرعية، لأنهم متأثرين بالحياة الغربية المادية. ولكن على العموم فإن نظرة الغربيين إلى الإِسلام والمسلمين هي عموماً سلبية، وهي ناشئة عن رؤيتهم الحضارية والدينية المختلفة والاحتكاكات التاريخية، كما أن الإعلام المعادي الموجّه يغذي هذه النظرة السلبية، ويعمل على تضخيم وهم الخطر الإِسلامي على الغرب. كما لا ننسى هنا أخطاء المهاجرين المسلمين وأفعال الكثيرين منهم التي تعطي صورة سيئة عنهم، وعمّا يمثلون.

١٤٦

ولا يعني هذا أن ليس هناك تفهّم للإِسلام وتعاطف مع المسلمين وقضاياهم لدى جهات وأشخاص كثيرين في الغرب، وهنا تأتي مسؤولية المسلمين لكي يبذلوا الجهود المضاعفة كي تتسع هذه النظرة الإيجابية للإِسلام في الغرب.

س: هل من كلمة أخيرة؟

ج: أريد أن أوجّه عبر مجلتكم الموقرة نداءً مختصراً إلى المرأة المسلمة عموماً وإلى النساء في البلاد الإِسلامية بشكل مباشر لأدعوهن إلى مزيد من الوعي والتعقل والتمسك بالإِسلام، هذه الرسالة العظيمة، كي يساهمن بشكل أفضل في تماسك وتطوير وسلامة مجتمعاتهن لإبعادها عن الموبقات والمفاسد التي تعصف بالمجتمعات الغربية، والتي تحطّ من قدر الإنسان، وألا ينخدعن بمظاهر الحياة الغربية ومغرياتها وحرياتها الزائفة، التي تزيّنها لهن وسائل الإعلام المفسدة، فهذه لا تؤدي إلّا إلى سقوطهن وتدمير كل مقومات القوة التي يوفرها لهن الإِسلام في أنفسهن ومجتمعاتهن، وأني آمل من كل اللواتي انبهرن بهذه القشور وتخلين عن مزايا شخصيتهن الإِسلامية الكريمة أن يراجعن أنفسهن ويواجهن الحقيقة بإرادة وصدق.

١٤٧

الأخ المسلم البريطاني جان هانز (محمد علي)

يقول:

· السلوك النظيف والقويم لبعض العمّال المسلمين الملتزمين جعلني أُكبِر الإِسلام وأرغب في اعتناقه.

· في الغرب نحلم بالسعادة ولا نجدها، بل نعيش الحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننالها.

· تفرّغت لطلب العلوم الدينية الإِسلامية من أجل خلاص نفسي وهداية أهلي ومجتمعي.

· النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) هم معلمو البشر وقادتهم، ويجب أن نتخذهم قدوة لنا.

في الوقت الذي تنتشر فيه الفلسفات المادية والتيارات الإلحادية وهي تغزو وسائل الإعلام في كل قطر وبلد، مدعومة بأحدث وسائل الاتصال والنشر. تجد ثلّة من الناس طريقها الواضح المستقيم، وسط الغبار والزحام المتراكم من الأيديولوجيات والأفكار، مهتدية بنور الإِسلام الذي يجذب إلى ساحته كثيراً ممن أنعم الله عليهم بنعمة الدين الحنيف، ومن قلب الغرب الذي أدار ظهره للدين منذ أن أعرض عن النهج الإلهي، في مطلع النهضة العلمية التي حققت له رفاهية مادية ولكنها فشلت في أن توصله إلى رحاب الطمأنينة وواحة السعادة في هذه الدنيا فضلاً عن الآخرة. من بين هؤلاء النخبة المهتدية، نبدأ حديثنا عن إسلام الشاب البريطاني جان هانز «محمد علي» بهذه اللمحة الدالة التي توجز حوار مجلة «نور الإِسلام» مع هذا الشاب المهتدي.

التقيناه في رحاب المقام الشريف للسيدة زينب (عليها السلام) في ضاحية دمشق الشام، هناك ذات مساء، بعد أداء شعائر الزيارة المباركة، وبعد الفراغ من الصلاة، من بين تلك الوجوه الطيبة التي أمّت المقام الشريف، طالعنا بوجهه المشرق وثغره المبتسم، والطريف في هذا الأمر، أن هذا الشاب كان يرتدي الزي الخاص بطلاب العلم الديني، وكان مظهره يحمل أكثر من دلالة.. بعد أن رحبنا به دار بيننا الحوار التالي:

١٤٨

س: هل لك أن تعطينا لمحة عن نشأتك؟

ج: نعم بكل ترحيب، وُلدت في بريطانيا، وعشتُ طفولتي كأي فرد مسيحي، يذهب مع عائلته إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد، ولم أكن أشعر بأن شيئاً يمكن أن يطرأ على حياتي فيبدلها، ولكني كنت أشعر كأكثر الناس بأن الحياة تمضي بنا حثيثية دون أن تحمل إلينا معنى أو هدفاً نبيلاً، فالناس تعيش دون مُثُل أو قيم، مكتفية بالاستغراق في الحياة المادية العابثة التي تجعل منّا أناساً أشبه بالأنعام التي تعيش ليومها ولا تفكر بغد.

كانت حياتنا رتيبة، نحلم بالسعادة ولا نجدها، فتشنا عنها كثيراً فلم نجدها في حدود متع الدنيا ولذاتها، بل كنا نصاب بالحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننال منها نصيباً، لهذا كنا نعيش حياة ينتهي وجودنا بانتهائها؛ ولهذا كان الكثير من الشباب يفكرون بالتخلص من هذه الحياة الفارغة، إما بالهروب إلى المخدرات، هروباً آنياً وإمّا بالانتحار. وقد حصل أن أقدم شبان كثر على قتل أنفسهم عندما قرأوا كتاب «آلام فرتر» للكاتب الألماني «غوته» في الحقبة الماضية. في تلك الفترة لم أكن أختلف بشيءٍ عن أقراني، لقد درستُ وتعلمتُ في إنكلترا وتخرجت من الجامعة مهندساً، ثم سافرت للعمل في الخارج.

س: هل لك أن تحدثنا عن تجربتك الجديدة في ظل الإِسلام؟

ج: كانت بداية التحوّل في حياتي الشخصية حينما سافرت إلى الباكستان للعمل هناك، وبعد انقضاء فترة على وجودي في تلك البلاد، كنت خلالها أراقب العمّال البسطاء الذين كانوا يشتغلون تحت إشرافي. وقد لفت نظري إخلاصهم في العمل فضلاً عن صدقهم في المعاملة، وتفانيهم في أداء ما يُطلب منهم بكل أدب واحترام، ولاحظتُ أن السبب في ذلك يعود إلى روح النظام وجو الطهارة الذي اكتسبوه من عادة حسنة، فقد كانوا يقفون بانتظام صفاً للصلاة بضع مرات في اليوم، بعد أن يقوموا بتنظيف أجسامهم في أحواض الماء، ويغسلون بعض أعضائهم أو يمسحونها، وهي دلالة ظاهرة على طهارة الأبدان، ودلالة باطنة على نظافة الروح وتطهير النفس، وقد تعلمت منهم قول الرسول (ص) :

١٤٩

«أفضل الطيب الماء» .. أما عندنا فما نفع العطور التي يضعها الإنسان على جسم تتنازعه الأقذار والنجاسات، من الخمرة إلى الميتة ولحم الخنزير وما أشبه ذلك. ثم تعلمتُ من هؤلاء العمّال، كيف أملأ وقتي بما يفيد، وكيف أنظِّم ساعات يومي، بعد أن أقف مثلهم لحظات بخشوع وأتلفظ بالكلمات ذاتها، التي تشيع الأمن والطمأنينة في نفسي.

وعرفتُ من هنا أن الفرد المسلم يمثّل الطهارة المادية المتجسّدة في نظافة جسمه من الأدران ونظافة روحه من الآثام.

س: هل من سبب آخر دفعك إلى اعتناق الإِسلام؟

ج: لقد كان في حياتنا نحن الغربيين، كما أشرتُ إليك، فراغ هائل، نابع من انتفاء القِيم في واقع الإنسان الغربي، وهذا ما يبعث على القلق المؤدي إلى عذاب الروح، فعندنا كلمة شائعة يتداولها الناس تدلّ على اللامبالاة وعدم الاكتراث مثل «لا يهمني» أو أن يقول قائلنا لكل أمر جديد أو مدهش «حسناً».

والجدة عندنا معيار وقيمة توزن بها الأشياء، فكل شيء إذا مضى عليه وقت يفقد قيمته ويتطلع الإنسان إلى الجديد الذي يبهر ثم سرعان ما يفقد هذا الجديد سحره وتأثيره، وهكذا يظل الإنسان يلهث وراء كل جديد، حتى يتبلد إحساسه فلا يشعر بقيمة الأشياء، فتفقد الأشياء معناها وجوهرها، فيصبح الإنسان عديم الإحساس، من هنا يفكر في الخلاص بأي طريق كان.

بينما يعطي الإِسلام منهجاً وسطاً في المنع والعطاء، في التمنع والحرمان، هذا المنهج الوسط يبقي للأشياء معناها، لأن الحرية المطلقة التي تبلغ الإباحية والإسراف، تستهلك جوهر الأشياء وتبطل معناها، وهنا تكمن الكارثة في الحياة الغربية القائمة على البراغماتية والمتعة الآنيّة.

لقد وهبني الإِسلام منهجاً في الحياة قرّت به عيني واطمأنت إليه نفسي، بعد سنوات من الضياع والقلق الذي يغرق فيه مجتمعنا المتردي في دوامة الانحلال على الصعيدين المادي والروحي.

ولم أصدق أن هناك عقيدة تحمل إلى الإنسان السكينة والاستقرار إلّا بعد أن رأت عيناي وسمعت أذناي ولمستُ الحقيقة التي لا ريب فيها أن الإِسلام بصفاته وسماحته هو المنتجع الآمن والواحة التي تستظل بها النفوس التواقة إلى رحاب السعادة. كان ذلك التحوّل الكبير في حياتي حين تعرفت إلى خاتم الديانات وجوهر الرسالات، الإِسلام الحنيف، وكان ذلك بفضل العناية الإلهية.

١٥٠

س: ما هي الأسباب التي دفعتك لتكون طالباً في مدرسة العلوم الدينية؟

ج: عندما اهتديتُ إلى الإِسلام، فكرت بأهلي ومجتمعي، وعرفت أني سأواجه اعتراضاتهم، لذلك شئت أن أتسلح بالحجة والبرهان، وسبيلها العلم والمعرفة، لذا عقدتُ العزم على تلقي العلوم والمعارف الإِسلامية.

س: ألا يسبب لك حرجاً ارتداؤك الزي الخاص برجال الدين؟

ج: في الأساس لم أفكر في خلاص نفسي فحسب، بل فكرت في خلاص الآخرين من أهل وطني، لهذا وطّنت النفس على تجاوز الصعاب، إنني فخور بارتداء العمامة والزي الديني، وهذا يمنحني الحرية في الحركة، بهذه الثياب الفضفاضة، كي يحررني من الزي الغربي الملاصق للجسد، فذاك يضغط عليّ ويرهقني، وهذا يتيح لي التحرك بسهولة، وهو رمز للتجرد عن زيف الحضارة في الزينة والتجمل.

ثم إن المجتمع الغربي يدّعي الحرية والديمقراطية، فأنا من هذا المنطلق يحق لي أن أرتدي ما أشاء.

س: ماذا تنوي أن تفعل عندما تعود إلى وطنك؟

ج: انطلاقاً من قول الإمام علي (ع) : «أحب لغيرك ما تحب لنفسك»، لهذا فإنني أبغي الخير لإخواني في الإنسانية من أبناء وطني كما قال الإمام (ع) : «واعلم أن الناس إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». فسوف أقوم بواجبي في التبليغ الإِسلامي، وإنني آمل منهم أن يستجيبوا.

س: ما هو مدى اطلاعك على الثقافة الإِسلامية؟

ج: إني سعيت للاطلاع على المعارف والعلوم الإِسلامية بشغف ومحبة، وإنني ملم بحياة النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ، ومطّلع على الكثير مما قالوه وفعلوه، وإنني أؤمن بعصمتهم وأنهم معلمو البشر وقادتهم، وأتخذهم قدوة وأجعل من أقوالهم شعاراً ومن أفعالهم أمثولة في الحياة.

١٥١

س: هل من كلمة أخيرة تتوجه بها إلى القرّاء؟

ج: إنني أؤكد إنني وجدتُ للحياة قيمة بعد اعتناقي الإِسلام، فنحن لم نخلق عبثاً، بل لغاية سامية، والجدة التي هي معيار كاذب وزائف لم تعد تعني لي شيئاً.

وإنني أردد ما قاله المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «بلّغوا الإِسلام إلى الغرب، فإذا نجحتم في رسالتكم هناك، حققتم أهدافكم في التبليغ هنا»، لأن الشرق مولع بتقليد الغرب، وهو مرض العصر، ولقد كان الغرب الإسباني في عصر الإِسلام، يتوجه بأنظاره قِبَل المشرق، وإنني أدعو جميع الناس إلى قراءة الإِسلام ومعرفته عن كثب ليتسنى لهم الاهتداء ثم هداية الآخرين، لأن الناس أعداء ما جهلوا، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

١٥٢

الأخت الروسية المهتدية، يلينا كوشيليوفا

تقول «لنور الإِسلام»:

- على الرغم من الدعاية الإلحادية التي كان يفرضها النظام التعليمي الشيوعي السابق، كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد.

- من خلال كتاب «حياة محمد» لأحد الكتّاب الروس، أعجبت بشخصية الرسول (ص) ثم صرت أبحث عن الكتب الإِسلامية.

- الأسف يعتصر قلبي، كيف لم تهتدِ النسوة السافرات إلى نعمة الحجاب، وما يمثّله من قيم النقاء والطهر.

- إنني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على طريق المدنية القادمة من الغرب.

يلينا يورينيفا كوشيليوفا

لم تكن تدري يلينا وهي الفتاة الروسية التي تعيش في مجتمع شيوعي يؤمن بالقيم الماركسية، أنها على موعد مثير، مع صدفة رائعة حملها إليها عيد الأضحى، حينما التقت بمن هيَّأته العناية الإلهية لينقلها من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى الدين الحنيف، لقد وُلدت من جديد، كما تقول يلينا، وكنت أشعر بإرهاصات تنبئ عن استعداد وتوجه في عمق وجداني. كالظافر بالماء وسط الصحراء، لأجد الحوض الطاهر النقي، الذي ألقيت بنفسي في لجته، لأتطهر من أدران هذا العالم الذي أضاع قيم الروح والإنسانية.

تجربتي مع الإِسلام مثيرة وغنية بالعبر إذا ولجتم إلى أعماقي ستجدون أنني جد سعيدة بهذه المصادفة الرائعة. وكأن القطار الذي كان ينقلني من إحدى المدارس في ضواحي «لاتيا» كان يحملني إلى شاطئ السعادة والأمان وواحة الهداية واليقين.

في مسكنها الزوجي في بيروت وبين عائلتها السعيدة التقت نور الإِسلام السيدة يلينا وكان لنا معها هذه المقابلة:

١٥٣

س: هل لك أن تعطينا لمحة موجزة عن نشأتك وتربيتك الأولى:

ج: وُلدت سنة 1973 في طاجكستان التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أصل روسي، وكان والدي ضابطاً برتبة كولونيل، إلى جانب كونه محامياً، وكانت أمي طبيبة، وقد تعرضت عائلتي للتنقل إلى أكثر من بلد، إذ هاجر أهلي إلى سيبيريا، إلا أنني بقيتُ أعيش مع جدتي في طاجكستان حيث دخلت إلى المدرسة، وعندما سافر أهلي إلى جمهورية لاتيا اصطحبوني معهم إلى مدينة ريفا ثم استقرت بنا السكنى أخيراً في أوكرانيا.

لقد فرضت علينا ظروف عمل والديَّ أن نتنقل بين بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً، مما أتاح لي فرص التعرف إلى هذه البلدان المختلفة، والخروج إلى العالم الأوسع؛ ما أكسبني مرونة في التصرف، ومزيداً من الوعي، وهذا ما أدى إلى أن لا تترسخ في نفسي عادات بلد معين، بل كنت أبحث دائماً عن الأفضل في العادات والسلوك. لقد ترعرعت وسط عائلة مثقفة. فالبيئة التي عرفتها في لاتيا تشبه البيئة الأوروبية من حيث توفر الحرية والمناخ الثقافي والفكري، قياساً على بقية البلدان الروسية.

كانت طفولتي موزعة بين البيت والمدرسة، فلم أكن أهتم بما يوليه أترابي من اهتمام.

ولست أعلم بالتأكيد لماذا كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد مع أن التعاليم الإلحادية التي يفرضها النظام التعليمي، كانت لا تعترف بذلك، وربما كان لجدتي أثر في هذا الاستعداد لديَّ.

وكان والدي يشتري لي كتباً علمية حول نشوء العالم، حسب ما يقرره الإنجيل، وكنت أميل كثيراً إلى التأمل. وعندما بلغت السادسة أو السابعة عشرة جربتُ أن أصوم على الطريقة الأرثوذكسية، حيث كنت أمتنع عن تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية لمدة أربعين يوماً.

١٥٤

س: هل لك أن توضحي لنا الأسباب التي حملتك على اعتناق الإِسلام:

ج: أجل. حينما كنت في الرابعة عشرة من عمري، كنت أتعلم في مدرسة تضم أولاداً من الطاجيك الذين يعتنقون الإِسلام، ولاحظتُ كيف أن العائلة المسلمة تضم عدداً كبيراً من الأولاد، وفي أثناء ذلك كان يسترعي انتباهي منظر الأولاد المؤثر، وهم يصومون طوال النهار عن الطعام والشراب، وكان بعضهم يصاب بالإعياء آخر النهار، حيث كان شهر حزيران القائظ بنهاره الطويل. وكان ذلك يحملني على التساؤل، لماذا يتحمل هؤلاء هذا العناء كله ومن أجل أي شيء يضحون بالتمتع بما يشتهون من الطعام. كان ذلك بداية التجربة مع الإِسلام بالنسبة إليّ.

وعندما بلغتُ الثامنة عشرة، كنت أدرس الكيمياء في إحدى الكليات، التي تبعد عن منزلنا ثلاثة أرباع الساعة تقريباً، وكان عليّ أن أتنقل بالقطار، وهنا حدثت الصدفة الرائعة، حيث تعرّفت إلى زوجي المهندس اللبناني فهد سويدان، وتجدَّد اللقاء وعرّفني أنه مسلم ملتزم وكان آنذاك لا يحسن اللغة تماماً.

وشاءت الصدف أن ننتقل جميعاً إلى كييف في أوكرانيا للدراسة، فتوثقت علاقتنا، من ذلك الحين بدأ اهتمامي بالإِسلام يتزايد وأخذتُ أتردد على المكتبة، وكان أن اطلّعتُ على كتاب «حياة محمد» وهو لأحد الكتّاب الروس المستشرقين فأعجبتُ بشخصية الرسول (ص) ، ثم صرتُ أبحث عن الكتب الإِسلامية لأطالعها، وتلقيتُ كثيراً من العون. وفي الوسط الطلابي في كييف لمست أن هناك إسلاماً حقيقياً حيث الصفاء الروحي والصدق الذي يتحلى به الطلاب المسلمون القادمون من بلدان المختلفة.

س: ما هو موقف أُسرتك وأصحابك من هذا التحول:

ج: بالنسبة إلى والدتي لم يشكل هذا التحول حرجاً، وأما والدي فقال لي: إنك ستبقين مسيحية، ولو حاولت أن تكوني غير ذلك، أما أنا فقد أصبحتُ مسلمة، في الواقع، ولكنني لن أتنكر للقيم الصحيحة في المسيحية.

والذي سهَّل عليّ هذا التحول هو ما كانت تشهده بلادنا من تحول كبير في بنية النظام في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فكل شيء كان من حولنا يتغير ويتبدل.

١٥٥

س: ما هي التغيرات الإيجابية التي تمَّت بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: شعرتُ بأنني بلغتُ هدفي، وأنني أدركتُ ما كنت أصبو إليه، من يقين وطمأنينة! فقد كنت متعطشة للوصول إلى الحقيقة، التي كانت ترد بشكل تساؤلات حول العقيدة والسلوك في الحياة، تبحث عن جواب شافٍ.

وما يجدر ذكره أنني لم أجرِّب المحرمات قبل زواجي واعتناقي الإِسلام. إذ كان كلٌّ من روحي وجسدي طاهرين، وبقيا طاهرين، وبكلمة أقول: «كأنني وقعْت في حوض الماء الذي كنت أتوق للسباحة فيه»، كرمز للطهارة التي يمنحها الإِسلام لأتباعه. ولقد استفدتُ في لبنان كثيراً من إحدى المدرِّسات، وأنا مدينة لها بتعلم بعض العربية وقراءة القرآن الكريم وتفسير بعض الأدعية.

س: كيف تنظرين إلى ظاهرة السفور المنتشرة في المجتمع الإِسلامي؛ كونك فتاة روسية قادمة من خارج البلاد الإِسلامية؟

ج: إن هؤلاء النسوة يعانين من ضياع، وإنني لأشعر بالأسف يعتصر قلبي كيف لم يهتدين إلى نعمة الحجاب وما يمثِّله من قيم النقاء والطهر. ولكن المرأة المسلمة، وهي ترتدي الحجاب لا بدّ لها من أن تراعي مستلزمات هذا الحجاب، في حديثها وتصرفاتها ومعاملاتها.

وإني أنظر إلى ظاهرة السفور في مجتمعاتنا الحديثة، كظاهرة غير طبيعية، طرأت على المجتمع الإِسلامي والمسيحيي في الشرق والغرب، وكان من أهم الدواعي إليها، نزول المرأة إلى ميدان العمل وما أحدثته الثورة الصناعية من تبدل في القيم الاجتماعية والخلقية.

إذ العودة إلى الحجاب، هي بنظري رجوع إلى الفطرة والأصل.

س: ما هي رؤيتك لواقع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: على المرأة المسلمة المحجبة أن تثبت للآخرين أنها ليست متقوقعة في حياتها ومنعزلة عن المجتمع، بل إنها تختزن طاقة يمكن أن تستثمرها في هداية الفتيات الأخريات، مع المحافظة على واجباتها البيتية التي هي أهم من أي نشاط اجتماعي خارج المنزل، وطبعاً مع المحافظة على طبيعتها الأنثوية.

١٥٦

س: ماذا تقترحين لهداية الجيل المعاصر:

ج: في نظري إن الجيل من الأحداث والشباب منجذب بشكلٍ ملفتٍ للنظر، إلى مشاهدة وسائل الإعلام المضرة وخاصة التلفاز، وهذا ما يشكل ظاهرة ذات آثار سلبية كبيرة بالنسبة إلى الأطفال بشكل خاص، فعلى الآباء أن ينتبهوا لتربية أولادهم، فلا يتركوهم فريسة للمسلسلات العبثية الفارغة.

س: هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى القرّاء؟

ج: إني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على خطى المدنية القادمة من الشرق والغرب، بل تعود إلى أصالتها وأن لا تستورد إلا ما هو الأحسن والأفضل،، ولتستفد من تجربة الغرب الذي نظر في حضارتنا فأخذ بأحسنها، بينما نرى العكس في بلاد المسلمين، حيث ينبهرون بالأمور الخدّاعة والبرَّاقة التي تعبر عن أسوأ ما عند مجتمعات الغرب من خلاعة وسفور وابتعاد عن الدين والفضيلة.

١٥٧

الأخت المهتدية كارمن سركسيان «هدى»

هكذا تعرفت إلى الإِسلام وهكذا اهتديت

تلك الفتاة الأرمنية التي اهتدت إلى نور الإِسلام واعتنقت الدين الضيف بعد رحلة مثيرة، وتجربة غنية في البحث والاستكشاف، هذه الهداية التي كان مفتاحها التعرف على شريك لها في الحياة، ولكن الرحلة الإيمانية لم تقف عند حد، بل إن الفتاة المهتدية سارت يحفِّزها حب المعرفة، إلى أن تنهل من معين الثقافة الإِسلامية لتغترف من المكتبات ما جعلها جديرة بأن تكتب تجربتها في كتاب يمتع القارئ ويفيد في آنٍ معاً، بعنوان «قصة إسلامي» وإليك أيها القارئ مقتطفات مما أوردته في هذا الكتاب.

عن ولادتها ونشأتها تقول:

وُلدت في الكويت عام 1965، نشأتُ وترعرعتُ وقضيتُ أجمل أيام عمري في رحابها، ولا أزال أحلم بالعودة لأعيش على أرضها الطيبة مرة أخرى، حيث ولادتي ونشأتي ودراستي وعملي وزواجي وإنجابي طفلي علي، والأهم من ذلك كله، أن الله هداني للإِسلام على أرضها، فكيف أنساها، إنها نبضة في القلب، وبدون نبضات القلب لا يحيا الإنسان.

كيف تعرفت إلى الإِسلام؟

في صيف «سبتمبر/أيلول» 1985، كنت أعمل كموظفة في شركة كويتية للمشاريع الهندسية، وكنت أنظم الملفات وأقوم بأعمال أمانة السر لذلك الإنسان الذي أصبح زوجي فيما بعد. ومع أنني وافقت على الزواج منه، إلّا أن تلك الموافقة كانت مصحوبة بشيء من الخوف لأنني مسيحية وأرمنية وهو مسلم.

ولا بدّ أن أوضح معنى كلمة أرمنية، إن الكثير من الناس حين يسمع كلمة أرمني أو أرمنية، تتبادر إلى أذهانهم كلمة مرادفة هي مسيحي، وفي الحقيقة هذا خطأ، فكلمة أرمني تعني أن جذور الشخص تعود إلى أرمينيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي الآن جمهورية مستقلة، ثم إن أرمينيا فيها عدد كبير من المسلمين الأرمن، لذا إن كلمة أرمني هي مثل سوري ولبناني ومصري.

١٥٨

أما سبب مخاوفي فهو أني أعرف بعض المسيحيات اللواتي اقترنَّ بمسلمين، وكان الفشل حليف هذا الزواج فطُلِّقن فيما بعد، أما أنا فكنت واثقة من نجاح زواجنا، فقد تيقنت من صدق زوجي، كما أنه استطاع أن يجذبني إلى اعتناق الإِسلام، إذ كان يمثل لي القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في سلوكه وتصرفه معي. وبعد أن أصبحت مسلمة، اخترت لنفسي اسم هدى بدلاً من اسمي السابق «كارمن».

كيف كان تأثير إسلامها وزواجها من مسلم على أقربائها؟

كان زواجنا في البداية غير مُعْلَن، تحاشياً لردود الفعل من قِبَل الأهل والأصحاب، ولكن فوجئت بأن أختي تتصل بي عبر الهاتف وتخبرني بمعرفتها بهذا الزواج وكان ذلك مفاجأة لي، وتذكرت الآية الكريمة﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَیْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا ﴿19﴾ ﴾ [النساء: 19]، فأخبرتها الحقيقة، وكان أهلي يسكنون في المدينة نفسها، فطلبوا من زوجي الحضور لمناقشة الموضوع.

وتمَّ الاتفاق أن أغادر منزل أهلي لأعيش مع زوجي بعد أن يئس الأهل من التأثير عليّ، وكانت دموع والدتي تنطق بأبلغ الكلام. قاطعني أهلي مدة أسبوعين فقط، بعدها قاموا بزيارتي دون أن يسمحوا لي بأن أزورهم.

ولم تعلم والدة زوجي بأمر زواجنا إلّا حين أُدخل زوجي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، وكان قد أخبر أهله حفاظاً عليّ وعلى حصتي في الميراث، إذا حصل القضاء. وقد اصطحبتني والدة زوجي إلى منزلهم للمرة الأولى، فإذا بي أرى مكتبة كبيرة تضم كتباً في مختلف العلوم والآداب والتاريخ الإِسلامي، ومع أننا تأخرنا في السهر ليلاً فقد استيقظ الجميع في ساعة مبكرة من الصباح لأداء صلاة الصبح.

١٥٩

ولكن كيف اعتنقت الإِسلام؟

كانت لقاءاتي بأهله تثير عندي تساؤلات عن الصلاة، وعن الحجاب، وعن الفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء، وهنا بدأت رحلة المعرفة، والاستكشاف حين بدأت بالانصراف إلى مطالعة الكتب، وكانت والدته تدفعني إلى ذلك. قبل ذلك كنت أعيش في صراع، والآن بدأت رحلتي السعيدة مع الدين الحنيف. لم يكن زوجي يحدِّثني كثيراً عن الإِسلام، لأنه لا يريد أن يرغمني على اعتناقه، كما هو الشرط بيننا سابقاً، فكان يجيب باختصار على كل سؤال أطرحه عليه، ويصمت إذا لم أوجه إليه سؤالاً، كان يتألم لكوني غير مسلمة، لا أصلي، ولا أرتدي الحجاب.

كنت غير راغبة في ذلك، كنت أعلم مدى الحرج الذي أسببه لزوجي، بالرغم من ذلك كان له الدور غير المباشر في تقريبي إلى الإِسلام، ومن أجل ذلك كان يكثر من الاستماع إلى برامج القرآن الكريم، والإذاعات التي تبث برامج ثقافية حول الدين الحنيف.

انطباعاتها وشهادتها على أسلوب الحوار

إنني أعترف وأشهد بأن الطريقة التي كان يتم فيها النقاش لم تكن تؤذي مشاعري حول المسيحية - ديني السابق - فلم أتذكر أن المسلمين الذين تحاورت معهم أساءوا إلى المسيح (ع) وأمه أبدأ، بل إنهم يكنون من المحبة والتقديس لهما ما يثير الإعجاب ويؤمنون برسالته، وعندهم أن مَن لا يؤمن برسالة عيسى (ع) فليس بمسلم، وإن آمن برسالة محمد (ص) ، والغريب أنهم يستشهدون لعظمة النبي محمد (ص) بآراء كتّاب ومفكرين مسيحيين أمثال برنارد شو وغوته وكارلايل ولامارتين وجرداق وجبران ونعيمة، وحتى من غير أهل الكتاب أمثال نهرو، كنت ألتزم الصمت خلال مناقشاتهم، لأنهم يعرفون عن المسيحية أكثر مما أعرف.

كيف تم التزامها بالدين الحنيف فكرةً وسلوكاً؟

ولما كنت أتابع القراءة والمطالعة كان زوجي يقوم بشرح ما يصعب عليّ فهمه، واستمر الحال هكذا حتى أواخر عام 1987، وكنت أستمع إلى إحدى الإذاعات التي تنشر رسائل دكتوراه وماجستير يتقدم بها طلاب يرغبون بالتخصص في العلوم الإِسلامية، وقد كانت مناقشات تلك الرسائل ذات فائدة عظيمة بالنسبة إليّ.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526