الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 624

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 624 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196924 / تحميل: 5659
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المحتسب كالمجاهد مع الإمام منقذ العالم(1) ، وأنَّ المنتظر المخلص في ولائه من أهل الجنَّة(2) ، وأنَّ الإيمان في دولة الباطل أفضل منهُ في دولة الحقّ.(3)

د : وفي قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُ‌وا وَصَابِرُ‌وا وَرَ‌ابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (4) . وجوب الثبات على الاعتقاد بإمامة المهدي عليه السلام وانتظاره وتوقّع ظهوره، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام:(اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوكم، ورابطوا إمامكم المنتظر) (5) .

2: في العهدين

«أشعيا» يبشّر الجميع بالقائم المنقذ:

في جانب آخر من (سفر اشعيا -ع -) نجد اشارات صريحة بظهور مُنقذ العالم وكيفية حكمه وارتباطه بالله تعالى، التي لها دلالات لما ورد عن الرسول(ص) والائمة (ع) وعموم المسلمين بخصوص الامام المهدي (عج )، وقد جاءت الاشارة الى الامام (عج ) بأحد القابه المهمّة وهو «القائم »:

(10 وفي ذلك اليوم سَيرفَعُ « القائمُ » رايةً للشعوب والامم التي تَطلبُهُ وتَنتظرُهُ ويكونُ محلُّهُ مَجداً).(6)

____________________

(1) انظر: مجمع البيان ج 9 ص 238. الكافي، ج 2ص 21. المحاسن، ص 173.

(2) انظر: الكافي ج 8 ص 76. البحا ج46 ص 361.

(3) انظر: الكافي، ج1 ص 333. الإختصاص، ص20. كمال الدين، ج2 ص 645.

(4) سورة آل عمران: آية 200.

(5) انظر: معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج 5، ص 66-67. الزام الناصب: ج 1 ص53.

(6) سفر أشعيا 11: 10:ألأصل العبرى،العهد القديم، ص625. وسنقف على ترك كلمة (يسَّى) دون ترجمة على التوالي.(أهل البيت فى الكتاب المقدس)، ص 123 - 127.

١٦١

وكما هو واضح فانّ هذه الفقرة باطلاقها تؤكّدعلى: أنّ كلّ الشعوب والامم تطلبه وتنتظره قبل مجيئه،وليس قسماً من هذه الشعوب والأمم، وهذا يدلّ على معرفة هذه الشعوب والامم بهذا الرجل الالهيّ المقدس، فهي تعرفه بكلّ أبعاد المعرفة: معرفة فطريّة ومعرفة عقلية ومعرفة سماويّة.

حيث زرع الله عزّ وجلّ في فطرتهم معرفة خليفته الأعظم المدّخر، وأوحى اليهم ذلك عبرَ مختلف العصور، وأدركوا ذلك أيضاً بعقولهم من خلال الأدلّة الهائلة التي لاتحدّ ولاتحصى:

ومنها انّ الخالق القادر الحكيم الذي أتقن صنع كلّ شيء في الوجود بدءً بالفيروس الصغير الذي لايُرى بالعين المجرّدة وانتهاءً بأعظم مجرّةٍٍ تمّ أكتشافها لحدّ الآن؛ فمن دواعي حكمته وربوبيّته أن يُمضي حكمَهُ في الأرض، ويُرينا عدلَهُ وقسطَهُ بواسطة ممثّله الشرعي الدّال عليه والحاكم بأسمه، ولايترك الدنيا هكذا على علاّتها، والشعوبَ لقمةً سائغةً لازال يمضغها بفكّيه فرعون وهامان وجنودهما وبقوانين وضعيّة قد تبرّأَ منها كلّ شريف.

فهذه الشعوب والأمم: تطلبُهُ ناصراً ومعيناً ومغيثاً ومنقذاً لما أصابها من حيفٍٍ وظلم على مدى تعاقب العصور!.

وهي تنتظرُهُ: إنتظارَ الحبيب لحبيبه، انتظاراً فيه الأملُ والرجاءُ، كشوق الأرض الجدباء لقطر السماء؛ وتحنّ اليه حنيناً منقطع النظير.

وبعدما بيّنت الفقرة العاشرة انتظار الشعوب والأمم وطلبهم للقائم، ذكرت نتيجة هذا الطلب والانتظار المقدّس عندما يحلّ بينهم حيث قالت: ( ويكونُ محلهُ مجداً): أي يكون وجودُهُ بين شعوب الأرض وأممها مفخرةً

١٦٢

كبرى، وبركةً ونعمةً، وأرتقاءً بمستوى الانسانيّة الى أعلى ذُرى المجد والعزّة والكرامة ومباركة الربّ جلّ وعلا.

وبسبب أهميّة هذا النصّ وهذه الفقرة منه خاصّة فقد عمد (أعداء الحقّ والصّدق) الى طمس الحقيقة الالهية الدامغة وتشويشها لقلب معناها أو لصرفه عن الأذهان قدَرَ الامكان وقد نجحوا في ذلك الى أمد غير بعيد. ولإماطَة اللّثام عن هذه المحاولة البائسة وكشفها، نشير الى أمرين:

الأول: إنّ اللفظة المخصوصة (يسّسي) (1) التي وردت في الفقرة(10) من النصّ العبري، تعني: (سيرفع)، وقد جاءت بصيغة الاستقبال لدخول حرف (الياء) عليها(2) . والماضي منه (ناسا) بمعنى: (رفع)(3) ، ومترجم (العهد القديم) في النسخة العربيّة(4) لم يترجم لفظة (يسّسي) العبريّة والتي تعني: (سيرفع)، بل أبقاها على حالها من غير ترجمة الى اللّغة العربيّة محاولةً منه لبس المعنى واثارة الغموض حول مفهوم - القائم - (عج).

____________________

(1) (اهل البيت (ع ) في الكتاب المقدس ) ص 127-128، عن سفر أشعيا 11: 10، ص 1005، النسخة العربية. وجاءت في المصادر كلمة (يسَّي) بسينٍ واحدةٍ مشدَّدةٍ ومفتوحةٍ، ولعلّ صاحب (أهل البيت في الكتاب المقدس) أثبتها بسينيين للتوضيح فأُضيفت الشدَّة إشتباهاً.

(2) قواعد اللغة العربية، ص98.

(3) المعجم الحديث، عبري - عربي، ص 315.

(4) العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 11، الفقرة، 10، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر: فقد أردف كلمة (يسّي) بالقائم، فقال: يسّي القائم...الخ.

١٦٣

وأمّا الأمر الثاني: انّ لفظة (عوميد) جاءت (كاسم فاعل)(1) وتعني (القائم)(2) ...الخ.(3)

وأما ما جاء في الكتاب المقدس، طبعة أُولى، بيروت،دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995، في سفر إشعيا 11: (1 و 10) فهو من الروعة بمكان، ويستحقُّ التأمُّل، وهو كالآتي:

(1 يخرُجُ فرعٌ من جذع يَسَّى(4) وينمو غُصنٌ من أُصوله).ثمّ يبيّن عبر ثمانية فقرات صفات ومؤهلات وخيرات هذا الموعود المبارك، ويخلص في القول الى:

____________________

(1) قواعد اللغة العربية، ص38.

(2) (اهل البيت (ع ) في الكتاب المقدس ) ص 127-128 بتصرّف.

(3) المعجم الحديث: 349.

(4) يسّي: هو والدُ داود (ع)، وقد بشّرت التوراة بأن المنقذ ومخلص العالم هو من نسل داود(ع) حيناً، وحينأً آخر من نسل يوسف (ع)... الخ، غير ان مفسري التوراة يصرون على القول أنَّ هذه الشخصيات تمثّلُ المسيح (ع)...، فهل الحقّ كذلك؟ لكن لو رجعنا على سبيل التمثيل لا الحصر: الى المزمور 72، في الكتاب المقدّس، مصر: حيث جاء فيه:

(1 اللهم اعط احكامك للملك و برك لابن الملك* 2 يدين شعبك بالعدل و مساكينك بالحق* 3 تحمل الجبال سلاما للشعب و الاكام بالبر* 4 يقضي لمساكين الشعب يخلص بني البائسين و يسحق الظالم* 5 يخشونك ما دامت الشمس و قدام القمر الى دور فدور* 6 ينزل مثل المطر على الجزاز و مثل الغيوث الذارفة على الارض* 7 يشرق في ايامه الصديق و كثرة السلام الى ان يضمحل القمر* 8 و يملك من البحر الى البحر و من النهر الى اقاصي الارض* =

١٦٤

(في ذلك اليوم يرتفعُ أصلُ يسَّى رايةً للشعوب. تطلُبُهُ الأُمم ويكونُ موطنهُ مجيداً، 11 وفي ذلك اليوم يعودُ الربُّ فيمُدُّ يدَهُ لافتداء بَقيَّة شعبه في أشُّورَ ومصرَ وفتروسَ وكوشَ وعيلامَ وشنعارَ وحماةَ وفي جُزُر البحر، 12 ويرفعُ الربُّ رايةً في الأُمم...).(1)

وهنا سؤالٌ يطرحُ نفسهُ وهو:

____________________

= 9 امامه تجثو اهل البرية و اعداؤه يلحسون التراب* 10 ملوك ترشيش و الجزائر يرسلون تقدمة ملوك شبا و سبا يقدمون هدية* 11 و يسجد له كل الملوك كل الامم تتعبد له* 12 لانه ينجي الفقير المستغيث و المسكين اذ لا معين له* 13 يشفق على المسكين و البائس و يخلص انفس الفقراء* 14 من الظلم و الخطف يفدي انفسهم و يكرم دمهم في عينيه* 15 و يعيش و يعطيه من ذهب شبا و يصلي لاجله دائما اليوم كله يباركه* 16 تكون حفنة بر في الارض في رؤوس الجبال تتمايل مثل لبنان ثمرتها و يزهرون من المدينة مثل عشب الارض* 17 يكون اسمه الى الدهر قدام الشمس يمتد اسمه و يتباركون به كل امم الارض يطوبونه* 18 مبارك الرب الله اله اسرائيل الصانع العجائب وحده* 19 و مبارك اسم مجده الى الدهر و لتمتلئ الارض كلها من مجده امين ثم امين تمت صلوات داود بن يسى*).مع ملاحظة الإختلاف في ألفاظ الترجمة (وكلا المعنيين واحد) في: الكتاب المقدس، طبعة أُولى، بيروت،دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995م،ص 787، المزمور 72. ونضيرُ هذا كثير.

فهل يمكن أن يكون هذا المسيح (ع) وهو لم يقم بشيءٍ من هذا؟ انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 57 وما بعدها، تحت عنوان: المخلّص في التوراة.

(1) الكتاب المقدس، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، ص 924، سفر إشعيا 11: (1،10، 11، 12).

١٦٥

من هو القضيب المبارك الذي يخرجُ في آخر الزمان كمنقذٍ لكلّ الشعوب والأُمم وهو من ذريّة الأنبياء (عليهم السلام)، ومن جذع (يَسَّى) كما في هذا النصّ وغيره في الكتاب المقدّس، وتارةً في نصوص أُخر قال إنَّه من نسل يوسف (ع)(1) ، و(يَسَّى) هذا، هل هُوَ (يس) في قوله تعالى:

( يس ﴿1﴾ وَالْقُرْ‌آنِ الْحَكِيمِ ﴿2﴾ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْ‌سَلِينَ ) (2) ؟

و(ياسين) (3) في قوله تعالى:( سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (4) ؟

وفي إنجيل برنابا سُمّيَ بـ (مسّيا)؟.(5)

ولو أنا تمعنّا في سفر إشعياء النبيّ (ع)(6) ، الإصحاح 65: 11 - 25، وقارنّاها مع:

____________________

(1) وفي نصوص أُخرى، أنه من نسل يوسف (ع)، انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 57.

(2) سورةُ يس: 1- 3.

(3) أحدُ أسماء النبيّ محمد (ص) وقد وردَ في القرآن.

(4) انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص48، وما بعدها.

(5) وشرحُهُ في انجيل برنابا، في الفصل الثامن والثمانون: 15-18، برنابا: من تلاميذ المسيح (ع)، ونسخة الإنجيل المنسوبة اليه، ترجمها العلامة المسيحي اللبناني الدكتور خليل سعادة من الإنكليزية الى العربية، وهي من خزائن الفاتيكان باللغة الإيطالية.

(6) انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 65، الفقرة: 11-25، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. فقد جاءت كما يلي:(11 اما انتم الذين تركوا الرب و نسوا جبل قدسي و رتبوا للسعد الاكبر مائدة و ملاوا للسعد الاصغر خمرا ممزوجة* 12 فاني اعينكم للسيف و تجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم =

١٦٦

الآيات المباركة 4 - 8 من سورة الإسراء(1) ، لخلصنا الى نتيجةٍ مهمّةٍ كما أثبتها العلاّمة محمد الصادقي في كتابه (الإسلام في الكتب السماوية)

____________________

= الشر في عيني و اخترتم ما لم اسر به* 13 لذلك هكذا قال السيد الرب هوذا عبيدي ياكلون و انتم تجوعون هوذا عبيدي يشربون و انتم تعطشون هوذا عبيدي يفرحون و انتم تخزون* 14 هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب و انتم تصرخون من كابة القلب و من انكسار الروح تولولون* 15 و تخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب و يسمي عبيده اسما اخر* 16 فالذي يتبرك في الارض يتبرك باله الحق و الذي يحلف في الارض يحلف باله الحق لان الضيقات الاولى قد نسيت و لانها استترت عن عيني* 17 لاني هانذا خالق سماوات جديدة و ارضا جديدة فلا تذكر الاولى و لا تخطر على بال* 18 بل افرحوا و ابتهجوا الى الابد في ما انا خالق لاني هانذا خالق اورشليم بهجة و شعبها فرحا* 19 فابتهج باورشليم و افرح بشعبي و لا يسمع بعد فيها صوت بكاء و لا صوت صراخ* 20 لا يكون بعد هناك طفل ايام و لا شيخ لم يكمل ايامه لان الصبي يموت ابن مئة سنة و الخاطئ يلعن ابن مئة سنة* 21 و يبنون بيوتا و يسكنون فيها و يغرسون كروما و ياكلون اثمارها* 22 لا يبنون و اخر يسكن و لا يغرسون و اخر ياكل لانه كايام شجرة ايام شعبي و يستعمل مختاري عمل ايديهم* 23 لا يتعبون باطلا و لا يلدون للرعب لانهم نسل مباركي الرب و ذريتهم معهم* 24 و يكون اني قبلما يدعون انا اجيب و فيما هم يتكلمون بعد انا اسمع* 25 الذئب و الحمل يرعيان معا و الاسد ياكل التبن كالبقر اما الحية فالتراب طعامها لا يؤذون و لا يهلكون في كل جبل قدسي قال الرب). وللوقوف على النص بجماله وروعته، انظر: سفر أشعيا 65: 11-25،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 990. والفرقُ في الترجمة واضحٌ!

(1) سورة الإسراء: الآيات، 4-10:( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْ‌ضِ مَرَّ‌تَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرً‌ا ﴿4﴾ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ‌ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴿5﴾ ثُمَّ رَ‌دَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّ‌ةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ‌ نَفِيرً‌ا ﴿6﴾ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ =

١٦٧

مفسّراً أقوال إشعياء اللنبيّ (ع) الآنفة الذكر على الشكل التالي: هذه الآياتُ البيّناتُ تُبشّرُ عن زمنٍ منيرٍ تبدَّلت شريعة إسرائيل الى أُخرى، وكذلك خيرةُ الله عن إسرائيل لمختارين آخرين، فلا اسمَ إلاّ اسم القائد الديني ألأخير.(1)

مضافاً الى ذلكَ أنَّ العهد الجديد يذكرُ الى جانب المسيح شخصيةً أُخرى وهي شخصية الأمين الصادق، فقد ورد في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي:

(ثم رأيتُ السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يُدعى أميناً وصادقاً بالعدل يحكم ويحار، وعيناهُ كليب نارٍ، وعلى رأسه تيجانٌ كثيرةٌ ولهُ اسمٌ مكتوبُ ليسَ أحدٌ يعرفهُ إلاّ هو(2) ، وهو متسربلٌ بثوبٍ مغموس بدمٍ ويدعى أسمهُ كلمةُ الله، والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونهُ على خيلٍ بيضٍ لابسينَ بزاً أبيض ونقيّاً).(3)

____________________

=أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَ‌ةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ وَلِيُتَبِّرُ‌وا مَا عَلَوْا تَتْبِيرً‌ا ﴿7﴾ عَسَىٰ رَ‌بُّكُمْ أَن يَرْ‌حَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِ‌ينَ حَصِيرً‌ا ﴿8﴾ إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْ‌آنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ‌ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرً‌ا كَبِيرً‌ا ﴿9﴾ وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) . ومفاد هذه الآيات المباركة في: الصحيح من سيرة النبى الأعظم (ص): ج3 ص35-36.

(1) انظر: الإسلام في الكتب السماوية، ص 237-238.المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص53 وما بعدها.

(2) هذا الاسم: هل هو اسمُ الله الأعظم؟، والذي يحمله هل هو صاحبُ الخلافة ألأسمائية (الخلافة والإمامة التي قال بها القرآن الكريم) عند أهل الله... الخ، للمزيد: دروس السيد كمال الحيدري، شرح فصوص الحكم للقيصري، ص56 وما قبلها وما بعدها.

(3) العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 19، الفقرة 11، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر.

١٦٨

فمن هو الصادقُ الأمين الراكب على الفرس الأبيض؟، هل هو يسوع المسيح؟، إنّ الكلامَ عن المسيح يسبقُ هذا المقطع، ثم إنَّ يسوع (ع) يُسمّى أحياناً باسمه وأحياناً بابن الإنسان، فيبقى أن يكون النبيُّ محمد (ص) أو المهدي(ع).

ولما كانت الآثار الإسلامية لاتتحدَّث عن قدوم للرسول (ص) وبهذا الشكل، لاعندما جاء أولاً ولا في آخر الزمان، فيبقى أنهُ المهدي (ع) لتطابق هذه الأوصاف مع بعض مايرد في المصادر الإسلامية.(1)

ثانياً: الضيقُ والحرجُ والعسرُ وتضرُّر المؤمنين

1: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

ويكون كلُّ ذلك قبيل الظهور المبارك ويعمُّ جميعَ الموحدين في العالم(2) ، بسبب تسلّط مؤسسات الكفر والجور والظلم العالمية، وطول مدّة الإنتظار المؤلم لمنقذ العالم التي يملُّهاُ الكثيرون بسبب ضعف إيمانهم ووهن عقيدتهم. ولكنَّ الله سبحانه وتعالى تكفَّلَ بلطفهِ وكرمه بتسديد المؤمنين وتثبيتهم على على طريق الحقّ الذي رسمهُ لهم، وذلك في قوله تبارك وتعالى:( يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَ‌ةِ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ ) (3) .

____________________

(1) المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 61-62، بإيجاز وتصرّثف.

(2) انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 141-143.

(3) سورة ابراهيم: آية 27.

١٦٩

فقد جاء في كمال الدين وتمام النعمة: قال حمّاد بن زياد: سألت موسى بن جعفر: يابن رسول الله! أويكون في الائمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن ابصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر، يسهّل الله له كل عسير... الى ان يقول (عليه السلام):«وله غيبةٌ يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدُّ فيها أقوام ويثبت آخرون،فطوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبرائة من اعدائنا، أولئك منا و نحن منهم، فقد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا» (1) .

أقول: ومن اكبر الامتحانات غبيبة الحجة، ليميز الخببيث من الطيّب، والمؤمن من المنافق، والمخلص من المرتاب، فعلى هذا لا يظهر حتى يتميّزوا كما في الخبر:(لا والله لا يأتيكم إلاّ بعد اليأس، ولا والله لا يأتيكم حتى تتميّزوا ولا والله لا يأتيكم حتى تمحّصوا، ولا والله لا يأتيكم حتى يشقى من شقي ويسعد من سعد.) (2) وقوله:(لايأتيكم إلاّ بعد اليأس ) ، يعني بعد أن ينتظره المنتظر حتى ييأس...(3) .

وفي هذه الايام، فان الامتحان يعسرُ شيئاً فشيئاً، وتضيق الحلقة على المؤمنين والموحدين في كل الدنيا، جرّاءَ الهجمة الشرسة لاقطاب الاستكبار والكفر العالمي، وما زالوا يحشّدونَ العُدَّةِ والعدد، ويرصّونَ

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة، ص 368. كفاية الأثر، ص27. بحار الأنوار، ج 51 ص 150.

(2) غيبة النعماني، ص208-209. الكافي، ج 1، ص 330 و 331.

(3) نور الأبصار: ص350ـ 354.

١٧٠

الصفوفَ، ويبذلون الأموال الطائلة، ويخطِّطونَ ليلَ نهار، لإحكام القبضةِ على العالم كما يزعمون، لذا فانّ الاختبارات القادمة والفتن الآتية ستكون أشدّ وطئةً واقوى من سابقتها، وستكون النجاة لمن إتّقى، وتمسّك بالعروة الوثقى وحبلَ الله المتين، وسيكون المدُّ والتسديد الإلهي بأروع صوره.

2: في العهدين

في سفر إشعياء (ع): أنَّ المؤمنين يتضرَّرون قبل مجيء يوم الله الأعظم، ويكونون جرّاء الضيق والشدَّة كالمرأة الحامل التي تتلوّى من ألم المخاض:

(16 يا رب في الضيق طلبوك سكبوا مخافتة عند تاديبك اياهم* 17 كما ان الحبلى التي تقارب الولادة تتلوى و تصرخ في مخاضها هكذا كنا قدامك يا رب* 18 حبلنا تلوينا كاننا ولدنا ريحا لم نصنع خلاصاً في الارض...

20 هلم يا شعبي ادخل مخادعك و اغلق ابوابك خلفك اختبئ نحو لحيظة حتى يعبر الغضب* 21 لانه هُوَ ذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب إثمَسُكان الارض فيهم فتكشف الارض دماءها و لا تغطي قتلاها في ما بعد*).(1)

____________________

(1) العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 26، الفقرات 2-18 و 20-21، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. سفر أشعيا 26: 2-18 و 20-21،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 938-939.

١٧١

١٧٢

المبحث الثاني: أوصافُ القائم المنقذ

لقد أثنى الله تباركَ وتعالى على وليِّهِ وخليفتهِ (منقذ العالم) وذكرهُ بأسماءٍ وصفاتٍ ونعوتٍ تبيِّنُ مقامَهُ ومَنزلتهُ عندَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وتحكي تلكَ المهمَّة العظمى الملقات على عاتقهِ (عليه الصلاةُ والسلام) والمدَّخر أساساً لأجلها، وجاء ذلكَ في الكتب السماوية المقدَّسة وصحف الأنبياء والروايات الشريفة المباركة على حدٍّ سواء، وبلغَ ذلكَ من الكثرة والسعةِ مالا نستطيع الوقوف عليهِ هنا ولكن نذكرُ شيئاً منها على نحو الإختصارِ والإجمال، حيث نبدأُ اولاً: بأوصافهِ في القرآن والروايات، وثانياً: بأوصافهِ في العهدين.

اولاً: أوصاف القائم المقذ في القرآن والروايات

1: أنه الكوكب الدري:

في قوله تعالى:( اللَّـهُ نُورُ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ مَثَلُ نُورِ‌هِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّ‌يٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَ‌ةٍ مُّبَارَ‌كَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْ‌قِيَّةٍ وَلَا غَرْ‌بِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ‌ نُّورٌ‌ عَلَىٰ نُورٍ‌ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِ‌هِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِ‌بُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (1) .

أن المهدي عليه السلام هو الكوكب الدري في الآية. فعن (أمير المؤمنين عليه السلام):

____________________

(1) سورة النور: آية 35.

١٧٣

النور: القرآن، والنور اسم من أسماء الله تعالى، والنور النورية، والنور ضوء القمر، والنور ضوء المؤمن وهو الموالاة التي يلبس لها نورا يوم القيامة والنور في مواضع من التوراة والإنجيل والقرآن حجة الله على عباده، وهو المعصوم... فقال تعالى:( وَاتَّبَعُوا النُّورَ‌ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فالنور في هذا الموضع هو القرآن، ومثله في سورة التغابن قوله تعالى:( فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ وَالنُّورِ‌ الَّذِي أَنزَلْنَا ) يعني سبحانه القرآن وجميع الأوصياء المعصومين، من حملة كتاب الله تعالى، وخزانه، وتراجمته، الذين نعتهم الله في كتابه فقال:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّ‌اسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَ‌بِّنَا ) فهم المنعوتون الذين أنار الله بهم البلاد، وهدى بهم العباد، قال الله تعالى في سورة النور:( اللَّـهُ نُورُ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ مَثَلُ نُورِ‌هِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّ‌يٌّ ) إلى آخر الآية، فالمشكاة رسول الله صلى الله عليه وآله والمصباح الوصي، والأوصياء عليهم السلام والزجاجة فاطمة، والشجرة المباركة رسول الله صلى الله عليه وآله والكوكب الدري القائم المنتظر عليه السلام الذي يملأ الأرض عدلا).(1)

____________________

(1) المحكم والمتشابه، ص 112، عن تفسير النعماني.وعنه البحار، ج 93 ص 3. معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج 5، ص 274-275. بحار الأنوار، ج90 ص 21.

١٧٤

2: أنَّهُ القوَّة وأصحابهُ الركن الشديد:

في قوله تعالى:( قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُ‌كْنٍ شَدِيدٍ ) (1) .

- (عن الإمام الصادق (ع) في قوله الله: قالَ لو أنَّ لي بكم قوَّةً أو آوي الى ركنٍ شديد: قال قوَّة القائم والركن الشديد: الثلاث مئة وثلاثة عشر أصحابه).(2)

3: أنَّهُ بقيَّةُ الله:

في قوله تعالى:( بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (3) .

روى محمد بن يحيى، عن جعفر بن محمد قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الدينوري عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين عليه السلام، لم يسم به أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر، قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله، ثم قرأ:( بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (4) .

____________________

(1) سورة هود: آية 80.

(2) تفسير العياشي، ج2 ص 156. تفسير القمي، ج1ص 335. البحار، ج 12ص158 وص170. اثبات الهداة، ج3 ص 551.

(3) سورة هود: آية 86.

(4) الكافي، ج1 ص 411. تفسير فرات الكوفي، ص 193.

١٧٥

4: أنَّهُ السراط السوي:

في قوله تعالى:( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَ‌اطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ ) (1) .

روى (محمد بن العباس عن محمد بن همام عن محمد بن إسماعيل العلوي عن عيسى بن داود عن موسى بن جعفر عن أبيه عليه السلام في قول الله عز وجل:( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَ‌اطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ ) قال: الصراط السوي هو القائم عليه السلام، والهدى من اهتدى إلى طاعته، ومثلها في كتاب الله عز وجل:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ‌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) (2) قال: إلى ولايتنا)(3) .

5: وأنَّهُ يُسلِمُ لهُ من في السماوات والأرض:

في قولهِ تعالى:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ طَوْعًا وَكَرْ‌هًا ) (4) .

عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ طَوْعًا وَكَرْ‌هًا ) قال: (أنزلت في القائم عليه السلام إذا خرج (أمرَ) باليهود و النصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الاسلام فمن أسلم

____________________

(1) سورة طه:آية 135.

(2) سورة طه: آية 82.

(3) كنز الفوائد: 162. بحار الأنوار، ج 24، ص 150.

(4) سورة آل عمران:آية 83.

١٧٦

طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب ‹ صفحة 184 › أحد الا وحد الله، قلت له: جعلت فداك ان الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: ان الله إذا أراد امرا قلل الكثير وكثر القليل)(1) .

6: وأنهُ هو (الغيب والآية)(2) :

في قوله تعالى:( الم ﴿1﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَ‌يْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) .(3)

في كمال الدين: (حدثنا علي بن أحمد بن موسي - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله عزو جل:( الم ﴿1﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَ‌يْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) فقال: المتقون شيعة علي عليه السلام والغيب فهو الحجة الغائب. وشاهد ذلك قول الله عزو جل:( وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّ‌بِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّـهِ فَانتَظِرُ‌وا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِ‌ينَ ) (4) فأخبر (عزّو جلّ)

____________________

(1) تفسير العياشي، ج 1، ص 183-184. البحار ج 13 ص188. اثبات الهداة ج 7 ص 96. البرهان ج 1 ص 296. الصافي ج1 ص276.

(2) أي هو المصداق الأكمل للغيب، وآية من آيات الله الكبرى.

(3) سورة البقرة: 1-3

(4) سورة يونس: آية 20.

١٧٧

أن الآية هي الغيب، والغيب هو الحجة، وتصديق ذلك قول الله (عزو جل):( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْ‌يَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (1) يعني حجة)(2) .

وفي كمال الدين وتمام النعمة أيضاً: (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن غير واحد، عن داود ابن كثير الرقي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:( هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) قال: من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق)(3) .

7: ومن بقيَّةِ أسمائهِ وأوصافه ونعوتهِ الشريفة:

أ: في جمالهِ وعدلهِ والرِّضى بخلافته:

- (عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدري اللون لون عربي الجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماوات وأهل الأرض والطير في الجو يملك عشرين سنة)(4) .

ب: في عددٍ من أوصافهِ وأسمائهِ وكراماتهِ:

- (عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام - وهو على المنبر -: يخرج رجل من ولدي في

____________________

(1) سورة المؤمنون: آية 50.

(2) كمال الدين وتمام النعمة، ص 17-18.

(3) كمال الدين وتمام النعمة، ص 17.

(4) بحار الأنوار، ج 51، ص 91.

١٧٨

آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن(1) عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين(2) بظهره شامتان: شامة على لون جلده(3) وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه وآله، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، و وضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، و أعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه)(4) .

ج: في إشياق الجنَّة وحبِّ الله ورسولهُ للقائم المنقذ:

- (عن جابر بن عبد الله، عن النبيِّ (ص): الجنَّةُ تشتاقُ الى أربعةٍ من أهلي، قد أحبَّهم اللهُ وأمرني بحبّهم:عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي الذي يصلّي خلفهُ عيسى بن مريم)(5) .

____________________

(1) مبدح البطن أي واسعه وعريضه-والبداح: المتسع من الأرض. والبدح-بالكسر -: الفضاء الواسع وامرأة بيدح أي بادن. والأبدح: الرجل الطويل (السمين والعريض الجنين من الدواب (القاموس).

(2) مشاش: جمع المشاشة-بالضم-وهي رأس العظم الممكن المضغ.

(3) الشامة علامة تخالف البدن الذي هي فيه اما باللون أو التورم، وهي الخال.

(4) كمال الدين وتمام النعمة، ص 653.

(5) كشف اليقين، ص117. كشف الغمة، ج1ص52. المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي، ص274.

١٧٩

د: في شجاعتهِ الإلهية وكرمهِ وعلمهِ وخُلُقِهِ:

- (عن سليمان بن هلال قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا؟ فقال: إذا درج الدارجون، وقل المؤمنون، وذهب المجلبون، فهناك، فقال: يا أمير المؤمنين عليك السلام ممن الرجل؟ فقال: من بني هاشم من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت، ومجفو أهلها إذا أتت، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت لا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يحور إذا المؤمنون اكتنفت ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت مشمر مغلولب طفر ضرغامة حصد مخدش ذكر سيف من سيوف الله رأس قثم نشق رأسه في باذخ السؤدد، وغارز مجده في أكرم المحتد، فلا يصرفنك عن تبعته صارف عارض ينوص إلى الفتنة كل مناص إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دعاير.

ثم رجع إلى صفة المهدي عليه السلام فقال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً اللهم فاجعل بيعته خروجاً من الغمة واجمع به شمل الأمة فأنى جاز لك فاعزم ولا تنثن عنه إن وفقت له ولا تجيزن عنه إن هديت إليه هاه وأومأ بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته)(1) .

هـ: أنَّه محبوب في عموم الخلائق:

- (عن الإمام الصادق (ع) قال: المهدي محبوبٌ في الخلائق يُطفيء الله بهِ الفتنة الصمّاء)(2) .

____________________

(1) الغيبة، النعماني، ص 212. اثبات الهداة، ج3 ص 537. بحار الأنوار، ج 51، ص 115.

(2) بشارة الإسلام، ص185.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

العدل حتّى مع الأعداء :

من خلال استعراضنا الآيات الكريمة أعلاه نلاحظ عمق الدقّة وروعة الظرافة واللطف في طبيعة الأحكام التي وردت فيها ، موضّحة إلى أي حدّ يهتمّ الإسلام بأصل العدالة والقسط في تشريع أحكامه حتّى في أحرج الظروف وأصعبها ، لأنّه يسعى لتعميم الخير وإبعاد الأذى والضرر حتّى عن الكفّار.

في الوقت الذي نلاحظ أنّ العرف العامّ في حياتنا العملية يتعامل في الظروف والأوقات العصيبة بخصوصية معيّنة واستثناء خاصّ ويتخلّى عن الكثير من قيم الحقّ والعدل ويدّعي أن لا مكان لإحقاق الحقّ فيها في حين تؤكّد التشريعات الإلهية على تحمّل كلّ صعوبة حتّى في أدقّ الظروف وأشدّها ضيقا منعا لهدر أيّ حقّ ، لا للقريبين فقط. بل حتّى للأعداء ، إذ يجب أن يحافظ على حقوقهم وترعى حرماتهم.

إنّ مثل هذه الأحكام الإسلامية هي في الحقيقة نوع من الإعجاز ، ودليل على حقّانية دعوة الرّسول الأعظم حيث السعي بمنتهى الجهد لإقامة العدل حتّى في أسوأ حالات الانتهاك للحرمات الإسلامية في مجال النفس والمال كما كان عليه فعل المجتمع الجاهلي.

* * *

٢٦١

الآية

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) )

التّفسير

شروط بيعة النساء :

استمرارا للبحث الذي تقدّم في الآيات السابقة والذي استعرضت فيه أحكام النساء المهاجرات ، تتحدّث هذه الآية عن تفاصيل وأحكام بيعة النساء المؤمنات مع الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لقد ذكر المفسّرون أنّ هذه الآية نزلت يوم فتح مكّة عند ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جبل (الصفا) يأخذ البيعة من الرجال ، وكانت نساء مكّة قد أتين إلى رسول الله من أجل البيعة فنزلت الآية أعلاه ، وبيّنت كيفية البيعة معهنّ ،

٢٦٢

ويختّص خطاب الآية برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول تعالى :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ ) إلى قوله :( ... إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وبعد هذه الآية أخذ رسول الله البيعة من النساء المؤمنات.

وكتب البعض حول كيفية البيعة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر بإناء فيه ماء ، ووضع يده المباركة فيه ، ووضع النسوة أيديهنّ في الجهة الاخرى من الإناء. وقيل إنّ رسول الله بايع النساء من فوق الملابس.

وممّا يجدر ملاحظته أنّ الآية الكريمة ذكرت ستّة شروط في بيعة النساء ، يجب مراعاتها وقبولها جميعا عند البيعة وهي :

١ ـ ترك كلّ شرك وعبادة للأوثان ، وهذا شرط أساسي في الإسلام والإيمان.

٢ ـ اجتناب السرقة ، ويحتمل أن يكون المقصود بذلك هو سرقة أموال الزوج ، لأنّ الوضع المالي السيء آنذاك ، وقسوة الرجل على المرأة ، وانخفاض مستوى الوعي كان سببا في سرقة النساء لأموال أزواجهنّ ، واحتمال إعطاء هذه الأموال للمتعلّقين بهنّ.

وما قصّة (هند) في بيعتها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا شاهد على هذا المعنى ، ولكن على كلّ حال فإنّ مفهوم الآية واسع.

٣ ـ ترك التلوّث بالزنا ، إذ المعروف تأريخيا أنّ الانحراف عن جادّة العفّة كان كثيرا في عصر الجاهلية.

٤ ـ عدم قتل الأولاد ، وكان القتل يقع بطريقتين ، إذ يكون بإسقاط الجنين تارة ، وبصورة الوأد تارة اخرى (وهي عملية دفن البنات والأولاد أحياء).

٥ ـ اجتناب البهتان والافتراء ، وقد فسّر البعض ذلك بأنّ نساء الجاهلية كنّ يأخذن الأطفال المشكوكين من المعابر والطرق ويدّعين أنّ هذا الطفل من أزواجهنّ (وهذا الأمر محتمل في حالة الغياب الطويل للزوج).

وقد اعتبر البعض ذلك إشارة إلى عمل قبيح هو من بقايا عصر الجاهلية ،

٢٦٣

حيث كانت المرأة تتزوّج من رجال عدّة ، وعند ما يولد لها طفل تنسبه إلى أيّ كان منهم ، إذا ضمنت رغبته بالطفل.

ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ مسألة الزنا قد ذكرت سابقا ، ولم يكن استمرار مثل هذا الأمر في الإسلام ممكنا ، لذا فإنّ هذا التّفسير مستبعد ، والتّفسير الأوّل أنسب بالرغم من سعة مفهوم الآية الشريفة الذي يشمل كلّ افتراء وبهتان.

كما أنّ التعبير بـ( بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ ) يمكن أن يكون إشارة إلى أطفال أبناء السبيل ، حيث تكون وضعية الطفل الرضيع عند رضاعته في حضن امّه بين يديها ورجليها.

٦ ـ الطاعة لأوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تبني الشخصية المسلمة وتهذّبها وتربّيها على الحقّ والخير والهدى ، وهذا الحكم واسع أيضا يشمل جميع أوامر الرّسول ، بالرغم من أنّ البعض اعتبره إشارة إلى قسم من أعمال النساء في عصر الجاهلية كالنوح بصوت عال على الموتى ، وتمزيق الجيوب وخمش الخدود وما شابه ، إلّا أنّ مفهوم الطاعة لا ينحصر بذلك.

ويمكن أن يطرح هنا هذا السؤال وهو : لماذا كانت البيعة مع النساء مشروطة بهذه الشروط ، في حين أنّ بيعة الرجال لم تكن مشروطة إلّا بالإيمان والجهاد؟ وللإجابة على ذلك نقول : إنّ الأمور الأساسية المتعلّقة بالرجال في ذلك المحيط هو الإيمان والجهاد ، ولأنّ الجهاد لم يكن مشروعا بالنسبة للنساء لذا ذكرت شروط اخرى أهمّها ما أكّدت عليه الآية الشريفة والتي تؤكّد على صيانة المرأة من الانحراف في ذلك المجتمع.

* * *

بحوث

١ ـ ارتباط بيعة النساء ببناء شخصيتهنّ الإسلامية

لقد ذكرنا في تفسير سورة الفتح ـ في نهاية الآية (١٨) ـ بحثا مفصّلا حول

٢٦٤

البيعة وشروطها وخصوصياتها في الإسلام ، لذا لا ضرورة لتكرار ذلك(١) .

وممّا يجدر التذكير به هنا أنّ مسألة بيعة النساء للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت بشروط بنّاءة ومربّية كما نصّت عليها الآية أعلاه.

إنّ هذه النقطة على خلاف ما يقوله الجهلة والمغرضون في أنّ الإسلام حرم المرأة من الاحترام والقيمة والمكانة التي تستحقّها ، فإنّ هذه الآية أكّدت على الاهتمام بالمرأة في أهمّ المسائل ومن ضمنها موضوع البيعة سواء كانت في الحديبية في العام السادس للهجرة أو في فتح مكّة ، وبذلك دخلن العهد الإلهي مع الرجال وتقبّلن شروطا إضافية تعبّر عن الهوية الإنسانية للمرأة الملتزمة تنقذها من شرور الجاهلية ، سواء القديمة منها أو الجديدة ، حيث تتعامل معها كمتاع بخس رخيص ، ووسيلة لإشباع شهوة الرجال ليس إلّا.

٢ ـ قصّة بيعة (هند) زوجة أبي سفيان

عند ما منّ الله على المسلمين بفتح مكّة ، وجاءت النساء لبيعة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت «هند» زوجة أبي سفيان من ضمن النساء اللواتي جئن لبيعة الرّسول أيضا. هذه المرأة التي ينقل عنها التاريخ قصصا مثيرة في ممارساتها الإجرامية ، وما قصّة فعلها بحمزة سيّد الشهداء في غزوة أحد ، ذلك العمل الإجرامي القبيح ، إلّا مفردة واحدة من الصور السوداء لهذه المرأة المشينة.

وبالرغم من أنّ الظروف قد اضطرّتها إلى الانحناء أمام عظمة الإسلام فأعلنت إسلامها ظاهريا ، إلّا أنّ قصّة بيعتها تعكس أنّها في الواقع كانت وفّية لما ارتبطت به من عقائد جاهلية سابقة ، لذا فليس عجبا ما ارتكبه آل اميّة وأبناؤهم بحقّ آل الرّسول ، بصورة لم يكن لها مثيل.

__________________

(١) يراجع في هذا الصدد التّفسير الأمثل الآية (١٨) سورة الفتح.

٢٦٥

وعلى كلّ حال ، فقد كتب المفسّرون في قصّة بيعة هند :

«روي أنّ النبي بايعهنّ وكان على الصفا ، وهند بنت عتبة متنقّبة متنكّرة خوفا من أن يعرفها رسول الله ، فقال أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ، فقالت هند : انّك لتأخذ علينا أمرا ما أخذته على الرجال.

وذلك انّه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط ، فقال رسول الله : ولا تسرقن. فقالت هند : إنّ أبا سفيان ممسك وانّي أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحلّ لي أمّ لا؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله وعرفها فقال لها : وانّك هند بنت عتبة ، فقالت : نعم فاعف عمّا سلف يا نبي الله عفا الله عنك. فقال : ولا تزنين. فقالت هند : أو تزني الحرّة ، فتبسّم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولا تقتلن أولادكن ، فقالت هند : ربّيناهم صغارا وقتلوهم كبارا وأنتم وهم أعلم. وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالبعليه‌السلام يوم بدر. وقال النبي : ولا تأتين ببهتان قالت هند : والله إنّ البهتان قبيح وما تأمرنا إلّا بالرشد ومكارم الأخلاق ، ولمّا قال : ولا يعصينك في معروف قالت هند : ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء»(١) .

٣ ـ الطاعة بالمعروف

إنّ من جملة النقاط الرائعة المستفادة من الآية أعلاه هو تقييد طاعة الرّسول بالمعروف ، مع أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم ، ولا يأمر بالمنكر أبدا ، وهذا التعبير الرائع يدلّل على أمر في غاية السمو ، وهو أنّ الأوامر التي تصدر من القادة الإسلاميين ـ مع كونهم يمثّلون القدوة والنموذج ـ لن تكون قابلة للتنفيذ ومحترمة إلّا إذا كانت

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٧٦ ، وجاء القرطبي في تفسيره بهذه القصّة باختلاف يسير ، وكذلك السيوطي في الدرّ المنثور ، وأبو الفتوح في تفسير روح الجنان (في نهاية الآيات مورد البحث).

٢٦٦

منسجمة مع التعاليم القرآنية واصول الشريعة وعندئذ تكون مصداقا (لا يعصينك في معروف).

وكم هي الفاصلة بعيدة بين الأشخاص الذين يعتبرون أوامر القادة واجبة الطاعة ، مهما كانت ومن أي شخص صدرت ، ممّا لا ينسجم مع العقل ولا مع حكم الشرع والقرآن ، وبين التأكيد على إطاعة المعصوم وعدم المعصية في معروف؟!

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في رسالته المشهورة التي أرسلها لأهل مصر حول والولاية مالك الأشتر ، ومع كلّ تلك الصفات المتميّزة فيه : «فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ فإنّه سيف من سيوف الله»(١) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، رسالة رقم (٣٨) وهي رسالة قصيرة كتبها الإمامعليه‌السلام لأهل مصر هي غير ما كتبه الإمامعليه‌السلام من العهد المعروف لمالك الأشتر.

٢٦٧

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣) )

التّفسير

بدأت هذه السورة بآية تؤكّد على قطع كلّ علاقة بأعداء الله ، وتختتم هذه السورة بآية تؤكّد هي الاخرى على نفس المفهوم والموقف من أعداء الله :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) وبتعبير آخر فإنّ ختام السورة رجوع إلى مطلعها.

ويحذّر القرآن الكريم من أن يتّخذ أمثال هؤلاء أولياء وأن تفشى لهم الأسرار فيحيطون علما بخصوصيات الوضع الإسلامي.

ويرى البعض أنّ الآية صريحة في أنّ المراد بالمغضوب عليهم فيها هم (اليهود) إذن أنّهم ذكروا في آيات قرآنية اخرى بهذا العنوان ، قال تعالى :( فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ) (١) .

__________________

(١) البقرة ، الآية ٩٠.

٢٦٨

وهذا التّفسير يتناسب أيضا مع سبب النزول الذي ذكر لهذه الآية ، حيث تحدّثنا بعض الرّوايات أنّ قسما من فقراء المسلمين كانوا يذهبون بأخبار المسلمين إلى اليهود مقابل إعطائهم شيئا من فواكه أشجارهم ، فنزلت الآية أعلاه ونهتهم عن ذلك(١) .

ومع ذلك فإنّ للآية مفهوما واسعا حيث يشمل جميع الكفّار والمشركين ، والتعبير بـ «الغضب» في القرآن الكريم لا ينحصر باليهود فقط ، إذ ورد بشأن المنافقين أيضا كما في الآية (٦) من سورة الفتح ، بالإضافة إلى أنّ سبب النزول لا يحدّد مفهوم الآية.

وبناء على هذا فإنّ ما جاء في الآية الشريفة يتناسب مع أمر واسع جاء في أوّل آية من هذه السورة تحت عنوان (موالاة أعداء الله).

ثمّ تتناول الآية أمرا يعتبر دليلا على هذا النهي حيث يقول تعالى :( قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ) (٢) .

ذلك أنّ موتى الكفّار سيرون نتيجة أعمالهم في البرزخ حيث لا رجعة لهم لجبران ما مضى من أعمالهم السيّئة ، لذلك فإنّهم يئسوا تماما من النجاة ، وهؤلاء المجرمون في هذه الدنيا قد غرقوا في آثامهم وذنوبهم إلى حدّ فقدوا معه كلّ أمل في نجاتهم ، كما هو الحال بالنسبة للموتى من الكفّار.

إنّ مثل هؤلاء الأفراد من الطبيعي أن يكونوا أشخاصا غير أمناء ولا يعتد بكلامهم وعهدهم ، ولا اعتبار لودّهم وصداقتهم ، لأنّهم يائسون تماما من رحمة

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٧٦.

(٢) ذهب بعض المفسّرين إلى احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية من جملتها : أنّهم ينسوا من ثواب الآخرة كما يئس المشركون من إحياء أصحاب القبور ، إلّا أنّ التّفسير الذي ذكرناه أعلاه أنسب (وممّا يجدر الانتباه إليه أنّه طبقا للتفسير الأوّل فإنّ (من أصحاب القبور) وصف للكفّار وطبقا للتفسير الأخير فإنّها متعلّقة بـ (يئس).

٢٦٩

الله ، ولهذا السبب فإنّهم يرتكبون أقبح الجرائم وأرذل الأعمال ، وجماعة هذه صفاتها كيف تثقون بها وتعتمدون عليها وتتّخذونها أولياء؟!

اللهمّ ، لا تحرمنا أبدا من لطفك ورحمتك الواسعة

ربّنا ، وفّقنا لنكون أولياء لأوليائك وأعداء لأعدائك ، وثبّت أقدامنا في هذا السبيل

إلهنا ، وفّقنا للتأسّي بأنبيائك وأوليائك

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة الممتحنة

* * *

٢٧٠
٢٧١

سورة

الصّفّ

مدنيّة

وعدد آياتها أربع عشرة آية

٢٧٢

«سورة الصّف»

محتوى سورة الصّف :

تدور أبحاث هذه السورة إجمالا حول محورين أساسيين.

الأوّل : فضيلة الإسلام على جميع الأديان السماوية ، وضمان خلوده وبقائه.

والثاني : وجوب الجهاد في طريق حفظ المبدأ وترسيخ أركانه وتطوير العمل لتقدّمه والالتزام به.

إلّا أنّنا حينما نتأمّل في الآيات الكريمة نلاحظ إمكانية تقسيمها إلى سبعة أقسام من خلال نظرة تفصيلية ، وتشمل ما يلي :

١ ـ تتحدّث بداية السورة عن تنزيه وتسبيح البارئ العزيز الحكيم ، وتمهّد الأرضية لتلقّي وقبول الحقائق والموضوعات التي تليها.

٢ ـ الدعوة إلى الانسجام بين القول والعمل ، والابتعاد عن الدعاوى الفارغة البعيدة عن المسار العملي.

٣ ـ الدعوة إلى الجهاد بيقين ثابت وعزم راسخ.

٤ ـ الإشارة إلى موقف اليهود من العهود ونقضهم لها ، بالإضافة إلى بشارة السيّد المسيحعليه‌السلام بظهور الإسلام العظيم.

٥ ـ الضمان الإلهي لانتصار الإسلام على كافّة الأديان.

٦ ـ الحثّ والتأكيد على الجهاد واستعراض المثوبات الدنيوية والاخروية للمجاهدين في سبيل الحقّ.

٢٧٣

٧ ـ استعراض مختصر لحياة حواري السيّد المسيحعليه‌السلام والدعوة لاستلهام الدروس من سيرتهم.

ومن خلال نظرة شاملة لموضوعات هذه السورة الشريفة نلاحظ أنّ المحور الأساس لها هو (الإسلام والجهاد).

إنّ إختيار اسم «الصّف» لهذه السورة كان بلحاظ العبارة التي وردت في الآية الرابعة منها ، وتسمّى أحيانا بسورة «عيسى»عليه‌السلام ، أو سورة «الحواريين».

والمعروف أنّ هذه السورة نزلت في المدينة ، ويؤيّد هذا المعنى ما ورد فيها من آيات الجهاد الذي لم يشرع في مكّة كما هو معلوم.

فضيلة تلاوة سورة الصّف :

في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول فضيلة تلاوة سورة الصفّ أنّه قال : «من قرأ سورة عيسى كان عيسى مصلّيا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه»(١) .

نقرأ في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة الصفّ وأدمن قراءتها في فرائضه ونوافله ، صفّه الله مع ملائكته وأنبيائه المرسلين»(٢) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٧٨ ، كما ذكر بقيّة المفسّرين أيضا أسباب النزول هذه باختلافات.

(٢) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٧٧ ، نور الثقلين ، ج ٩ ، ص ٣٠٩.

٢٧٤

الآيات

( سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) )

سبب النّزول

ذكر المفسّرون أسبابا عديدة لنزول الآية الشريفة :( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) بتفاوت يسير فيما ذكروه ، وممّا جاء في أقوالهم ما يلي :

١ ـ أنّ الآية الكريمة نزلت في جماعة من المؤمنين كانوا يقولون : إذا لقينا العدوّ لن نفرّ ولن نرجع عنهم ، إلّا أنّهم لم يفوا بما قالوا يوم «احد» حتّى شجّ وجه الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكسرت رباعيته المباركة.

٢ ـ بعد بيان البارئعزوجل الثواب العظيم لشهداء بدر ، قال بعض الصحابة : ما دام الأجر هكذا فإنّنا سوف لن نفرّ في الغزوات المقبلة ، إلّا أنّهم فرّوا في غزوة أحد ، فنزلت الآية أعلاه موبّخة لهم.

٢٧٥

٣ ـ دعا بعض المؤمنين قبل نزول حكم الجهاد أن يرشدهم الله إلى أفضل الأعمال ليعملوا بها ولم يمض وقت طويل حتّى أخبرهم الله سبحانه بأنّ (أفضل الأعمال الإيمان الخالص والجهاد في سبيله) إلّا أنّهم لم يتفاعلوا مع هذا التوجيه ، وتعلّلوا فنزلت الآية تلومهم وتوبّخهم على موقفهم هذا(١) .

التّفسير

المقاتلون المؤمنون صفّ حديدي منيع :

اعتبرت هذه السورة من السور المسبّحات ، ذلك لأنّها تبدأ بتسبيح الله في بدايتها :( سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

ولم لا يسبّحونه ولا ينزّهونه من كلّ عيب ونقص :( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) القدير الذي لا يقهر والحكيم المحيط بكلّ شيء علما.

إنّ الالتفات إلى مسألة التسبيح العامّ للكائنات ، الذي يتمّ بلسان الحال والقال ، وكذلك النظام المدهش العجيب الحاكم فيها والذي هو أفضل دليل على وجود خالق عزيز حكيم من شأنه تمكين أسس الإيمان في القلوب ، ومن شأنه أيضا تمهيد الطريق لأمر الجهاد.

ثمّ يضيف البارئعزوجل في معرض لوم وتوبيخ للأشخاص الذين لم يلتزموا بأقوالهم :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (٣) .

وعلى الرغم من أنّ سبب نزول الآية كما مرّ بنا كان متعلّقا بالجهاد في سبيل الله ، وما حدث من فرار في غزوة احد ، ولكن يستفاد من الآية سعة المفهوم الذي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٧٧ ، نور الثقلين ، ج ٩ ، ص ٣٠٩.

(٢) تحدّثنا مرارا في هذا التّفسير حول كيفية التسبيح العام لكائنات العالم ومن ضمن ذلك ما ورد في نهاية الآية (٤٤) من سورة الإسراء ونهاية الآية (٤١) من سورة النور.

(٣) (لم) في الأصل كانت (لما) (مركبة من لام جارّة ، وما استفهامية) ثمّ سقطت الفها بسبب كثرة الاستعمال.

٢٧٦

تعرّضت له ، وبهذا تستوعب كلّ قول لا يقترن بعمل ويستحقّ اللوم والتوبيخ ، سواء يتعلّق بالثبات في ميدان الجهاد أو أي عمل إيجابي آخر.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المخاطب في هذه الآيات هم المتظاهرون بالإيمان والمنافقون ، مع أنّ الخطاب في هذه الآية موجّه إلى الذين آمنوا ، كما أنّ تعبيرات الآيات اللاحقة تبيّن لنا أنّ المخاطب بذلك هم المؤمنون ، ولكنّهم لم يصلوا بعد إلى الإيمان الكامل وأعمالهم غير منسجمة مع أقوالهم.

ثمّ يضيف سبحانه مواصلا القول :( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) (١) حيث التصريحات العلنية في مجالس السمر والادّعاء بالشجاعة ، ولكن ما أن تحين ساعة الجدّ إلّا ونلاحظ الهروب والنكوص والابتعاد عن تجسيد الأقوال المدّعاة.

إنّ من السمات الأساسية للمؤمن الصادق هو الانسجام التامّ بين أقواله وأعماله وكلّما ابتعد الإنسان عن هذا الأصل ، فإنّه يبتعد عن حقيقة الإيمان.

«المقت» في الأصل : (البغض الشديد لمن ارتكب عملا قبيحا) وكان عرب الجاهلية يطلقون عبارة (نكاح المقت) لمن يتزوّج زوجة أبيه. وفي الجملة السابقة نلاحظ اقتران مصطلح «المقت» مع «الكبر» ، والذي هو دليل أيضا على الشدّة والعظمة ، كما هو دليل على الغضب الإلهي الشديد على من يطلقون أقوالا ولا يقرنونها بالأعمال.

يقول المرحوم العلّامة الطباطبائي في الميزان : فرق بين أن يقول الإنسان شيئا لا يريد أن يفعله ، وبين الإنسان الذي لا ينجز عملا يقوله.

فالأوّل دليل النفاق ، والثاني دليل ضعف الإرادة(٢) .

__________________

(١) اعتبر بعض المفسّرين (كبر) من أفعال (المدح والذمّ) ، (تفسير روح البيان نهاية الآيات مورد البحث) ، كما فهم البعض منها معنى التعجّب (تفسير الكشّاف).

(٢) الميزان ، ج ١٩ ، ص ٢٨٧.

٢٧٧

وتوضيح ذلك أنّ الإنسان أنّ الإنسان الذي يقول شيئا لم يقرّر إنجازه منذ البداية هو على شعبة من النفاق ، أمّا إذا قرّر القيام بعمل ما ، ولكنّه ندم فيما بعد فهذا دليل ضعف الإرادة.

وعلى كلّ حال ، مفهوم الآية يشمل كلّ تخلّف عن عمد ، سواء تعلّق بنقض العهود والوعود أو غير ذلك من الشؤون ، حتّى أنّ البعض قال : إنّها تشمل حتّى النذور.

ونقرأ في رسالة الإمام عليعليه‌السلام لمالك الأشتر أنّه قال : «إيّاك أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك والخلف يوجب المقت عند الله والناس ، قال الله تعالى :( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) »(١) .

كما نقرأ في حديث عن الإمام الصادق أنّهعليه‌السلام قال : «عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة فيه ، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ، ولمقته تعرّض ، وذلك قوله :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) (٢) .

ثمّ تطرح الآية اللاحقة مسألة مهمّة للغاية في التشريع الإسلامي ، وهي موضوع الجهاد في سبيل الله ، حيث يقول تعالى :( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (٣) .

ونلاحظ هنا أنّ التأكيد ليس على القتال فحسب ، بل على أن يكون «في سبيله» تعالى وحده ، ويتجسّد فيه ـ كذلك ـ الاتّحاد والانسجام التامّ والتجانس والوحدة ، كالبنيان المرصوص.

«صف» في الأصل لها معنى مصدري بمعنى (جعل شيء ما في خطّ مستو) إلّا أنّها هنا لها معنى (اسم فاعل).

__________________

(١) نهج البلاغة الرسالة رقم ٥٣ ص ٤٤٤ صبحي الصالح.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب خلف الوعد.

(٣) (صفّا) منصوبة على أنّها حال.

٢٧٨

«مرصوص» من مادّة (رصاص) بمعنى معدن الرصاص ، ولأنّ هذه المادّة توضع بعد تذويبها بين طبقات البناء من أجل استحكامه وجعله قويّا ومتينا للغاية ، لذا أطلقت هذه الكلمة هنا على كلّ أمر قوي ومحكم.

والمقصود هنا أن يكون وقوف وثبات المجاهدين أمام العدو قويّا راسخا تتجسّد فيه وحدة القلوب والأرواح والعزائم الحديدة والتصميم القوي ، بصورة تعكس أنّهم صفّ متراصّ ليس فيه تصدّع أو تخلخل

يقول علي بن إبراهيم في تفسيره موضّحا مقصود هذه الآية : «يصطفّون كالبنيان الذي لا يزول»(١) .

وجاء في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه عند ما كان يهيء أصحابه للقتال بصفّين ، قال : «إنّ الله تعالى قد أرشدكم إلى هذه المسؤولية حيث قال سبحانه :( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) وعلى هذا فاحكموا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، وقدموا الدّارع ، وأخّروا الحاسر ، وعضّوا على الأضراس فإنّه أنبى للسيوف عن إلهام ، والتووا في أطراف الرماح ، فإنّه أمور للأسنّة ، وغضّوا الأبصار فإنّه أربط للجأش ، وأسكن للقلوب ، وأميتوا الأصوات ، فإنّه أطرد للفشل ، ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها ، ولا تجعلوها إلّا بأيدي شجعانكم ...»(٢) .

* * *

بحثان

١ ـ ضرورة وحدة الصفوف

إنّ من العوامل المهمّة والمؤثّرة في تحقيق النصر عامل الانسجام ووحدة

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣١١.

(٢) نهج البلاغة ، خطبة (١٢٤) ، صبحي الصالح.

٢٧٩

الصفوف أمام الأعداء في ميادين القتال ، وهذا المبدأ لا يجدر بنا الالتزام به في الحرب العسكرية فحسب ، بل علينا تجسيده في الحروب الاقتصادية والسياسية وإلّا فسوف لن نحقّق شيئا.

إنّ التشبيه القرآني للعدو بأنّه سيل عارم ومدمّر لا يسيطر عليه إلّا من خلال سدّ حديدي محكم ، تشبيه في غاية الروعة والجمال ، والتعبير بأن يكون المؤمنون كـ (البنيان المرصوص) أروع تعبير جاء في هذا الصدد ، وممّا لا شكّ فيه أنّ لكلّ جزء في السدّ أو البناء العظيم ، دور معيّن في مواجهة السيل ، وهذا الدور مهمّ ومؤثّر على جميع الأجزاء ، وفي حالة قوّته وتماسكه وعدم وجود تخلخل أو تشقّق أو ثغرات فيه ، يصعب عندئذ نفوذ العدوّ منه ، وإذا ما حاول ذلك فإنّ الجميع يوجّهون إليه صفعة مدمّرة.

وممّا يؤسف له أنّ أمثال هذه التعاليم الإسلامية قد نسيت اليوم ، واستبدلت حالة الوحدة والتراصّ في مجتمعنا الإسلامي بحالة من التشتّت والتمزّق ، وأصبحت صفوفنا شتّى ، وكلّ منها ينهش الآخر حتّى أدّى إلى تآكل قوانا وتفرّق جمعنا.

إنّ وحدة الصفّ ليست شعارا إعلاميا ، إنّها تحتاج إلى وحدة العقيدة والتصورات والأهداف وهذا ما يحتاج بالضرورة إلى خلوص النوايا والالتزام بالمفاهيم القرآنية العظيمة ، واعتماد التربية الإلهية في السلوك والمنهج العلمي السليم.

وإذا كان البارئعزوجل يعلن حبّه للمجاهدين المتراصّين الذين يشكّلون وحدة متماسكة ، فإنّه سبحانه في نفس الوقت يعلن سخطه وغضبه على الجموع المسلمة إذا كانت متمزّقة ومشتّتة ونتيجته هو ما نراه الآن متجسّدا في تسلّط مجموعة صغيرة من الصهاينة على أرضنا الإسلامية وعددنا يربو على المليار

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624