الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 624

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 624 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196941 / تحميل: 5659
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

بأس أن تيمّم منه »(1) .

ولأنه مركب من العنصرين المطهرين فيبقى لوازمهما بعد التركيب لبقاء حقيقتهما.

وقال الشافعي : لا يتيمم ويكون كفاقد المطهر لأنه لا يسمى صعيدا(2) ، وهو ممنوع.

فروع :

أ ـ في كيفية التيمم بالوحل قولان ، قال الشيخ : يضع يديه على الوحل ثم يفركهما ويتيمم به(3) .

وقال آخرون : يضعهما على الوحل ويصبر حتى يجف ويتيمم به(4) ، وهو مروي عن ابن عباس(5) ، وهو وجه عندي إن لم يخف فوت الوقت ، فإن خاف عمل بقول الشيخ.

ب ـ لا يجوز التيمم بالوحل مع القدرة على الغبار ، ولا بالغبار مع القدرة على التراب والحجر.

ج ـ ليس من شرط التراب اليبوسة ، فلو كان نديا لا يعلق باليد منه غبار جاز التيمم به عند علمائنا ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة(6) لقوله عليه‌

__________________

(1) التهذيب 1 : 189 ـ 190 ـ 546 ، الإستبصار 1 : 156 ـ 539.

(2) الام 1 : 51 ، المهذب للشيرازي 1 : 40.

(3) النهاية : 49 ، المبسوط للطوسي 1 : 32.

(4) منهم : المفيد في المقنعة : 8 ، وابن البراج في المهذب 1 : 31 ـ 32.

(5) المغني 1 : 284 ، تفسير القرطبي 5 : 238.

(6) المغني 1 : 283 ، المجموع 2 : 216 ، اللباب 1 : 31 ـ 32.

١٨١

السلام : ( إنما يكفيك أن تصنع هكذا ) وضرب بيده الأرض ثم نفخها(1) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم منه ، فإن ذلك توسيع من الله عزّ وجلّ »(2) .

وعند الشافعي لا يجوز لقوله تعالى( مِنْهُ ) (3) وهي للتبعيض فيجب المسح بجزء منه ، والمسح منه لا يوجب المسح به.

إذا ثبت هذا فإنه يجوز التيمم به اختيارا ، ومنع الشافعي اضطرارا أيضا وجعل حكمه حكم الفاقد(4) .

د ـ لو لم يجد إلاّ الثلج ، قال المرتضى : تيمم بنداوته(5) . وأوجب الشيخان الوضوء به مسحا كالدهن(6) .

والتحقيق : أنه إن سمي غسلا وجب الوضوء أو الغسل به قطعا وإلا فالأقوى الدهن به لأنه أشبه بالوضوء ، وتجب الملاقاة والجريان ، فتعذر الثاني لا يسقط الأول.

ولو وجده مع التراب فإن قدر على الغسل به وجب وإلا فالتراب لأنه بدل عن الغسل.

ولقول الكاظمعليه‌السلام وقد سأله أخوه عن الرجل الجنب ، أو على‌

__________________

(1) صحيح البخاري 1 : 96 ، صحيح مسلم 1 : 280 ـ 368 ، سنن أبي داود 1 : 87 ـ 88 ـ 321 ، سنن النسائي 1 : 170 ـ 171 ، سنن البيهقي 1 : 209 و 214.

(2) التهذيب 1 : 189 ـ 190 ـ 546 ، الإستبصار 1 : 156 ـ 539.

(3) المائدة : 6.

(4) الام 1 : 51 ، المجموع 2 : 216 ، المهذب لأبي إسحاق الشيرازي 1 : 40.

(5) حكاه المحقق في المعتبر : 104.

(6) المقنعة : 8 ، النهاية : 47.

١٨٢

غير وضوء ولا يكون معه ماء ويصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل يتيمم أو يتمسح بالثلج؟ قال : « الثلج إذا بل رأسه وجسده ، فإن لم يقدر أن يغتسل به تيمم »(1) .

إذا عرفت هذا فالدهن إن صدق معه الغسل بأن يجري جزء من الماء على جزءين من البدن أجزأ في حال الاختيار وإلاّ فلا.

لقول الباقرعليه‌السلام : « إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، إن المؤمن لا ينجّسه شي‌ء ، إنما يكفيه مثل الدهن »(2) .

مسألة 303 : اختلف علماؤنا في فاقد المطهّرين‌ ، فقال بعضهم : يصلي ويعيد اختاره الشيخ في المبسوط(3) ـ وبه قال الليث بن سعد والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وأبو يوسف ، ومحمد(4) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أسيد بن حضير وأناسا معه لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلّوا بغير وضوء فأتوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فذكروا له ذلك ، فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فعلهم(5) فكان صحيحا ، وإنما لم يأمرهم بالإعادة لأنها على التراخي ، أو لأنهم عالمين بها ، ولأن الصلاة لا تسقط بتعذر شرط من شرائطها كالسترة وإزالة النجاسة.

__________________

(1) التهذيب 1 : 192 ـ 554 ، الإستبصار 1 : 158 ـ 159 ـ 547.

(2) الكافي 3 : 21 ـ 2 ، الفقيه 1 : 25 ـ 78 ، التهذيب 1 : 138 ـ 387 ، علل الشرائع 1 : 279 باب 189 حديث 1.

(3) المبسوط للطوسي 1 : 31.

(4) المجموع 2 : 278 و 280 ، المبسوط للسرخسي 1 : 123 ، بدائع الصنائع 1 : 50 ، رحمة الأمة 1 : 25 ، حلية العلماء 1 : 200.

(5) صحيح البخاري 1 : 92 ، صحيح مسلم 1 : 279 ـ 367 ، سنن البيهقي 1 : 214.

١٨٣

وقال آخرون : لا يصلي ويقضي إذا قدر على الطهارة(1) ـ وبه قال أبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي(2) ـ لأن المحدث لا يجوز له الصلاة وإن تعذرت عليه الطهارة كالحائض.

وقال آخرون : تسقط أداء ، وقضاء(3) ـ وبه قال مالك ، وداود(4) ـ وهو المعتمد.

لنا : أن الأداء ساقط فكذا القضاء والملازمة للتبعية ، وصدق المقدم لقولهعليه‌السلام : ( لا صلاة إلا بطهور )(5) ولأنها صلاة غير مأمور بها مع الحدث في وقتها فيسقط قضاؤها كالحائض.

وللشافعي قول آخر باستحباب الأداء ووجوب القضاء(6) ، وعن أحمد رواية بعكس هذا(7) .

فروع :

أ ـ الممنوع عن الركوع والسجود برباط في الموضع النجس يصلي بالإيماء ، ولا إعادة.

__________________

(1) منهم : المفيد في المقنعة : 8 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 31.

(2) المبسوط للسرخسي 1 : 123 ، المجموع 2 : 280 ، رحمة الأمة 1 : 25 ، المغني 1 : 284 ، الشرح الكبير 1 : 286.

(3) منهم : المفيد في أحد قوليه كما في المعتبر : 104 و 105 ، والمحقق في شرائع الإسلام 1 : 49 والمعتبر : 104 و 105 ، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع : 47.

(4) المنتقى للباجي 1 : 116 ، المجموع 2 : 280 ، المغني 1 : 284 ، الشرح الكبير 1 : 287.

(5) دعائم الإسلام 1 : 100 ، صحيح مسلم 1 : 204 ـ 224 ، سنن الترمذي 1 : 5 ـ 1 ، سنن أبي داود 1 : 16 ـ 59 ، سنن النسائي 1 : 87 ـ 88 ، وفي غير الأول نحوه.

(6) المجموع 2 : 278.

(7) المغني 1 : 284 ، الشرح الكبير 1 : 286.

١٨٤

ب ـ لو جامع المسافر ومعه ما يغسل به الفرج غسله وتيمم ولا إعادة إجماعا ، ولو فقده تيمم وصلّى ، وفي الإعادة قولان.

ج ـ لو كان على بدنه نجاسة يعجز عن إزالتها تيمم وصلّى ولا إعادة على رأي‌.

١٨٥
١٨٦

الفصل الثالث : في كيفيته‌

مسألة 304 : ويجب فيه النية‌ بإجماع علماء الإسلام إلاّ الأوزاعي ، والحسن بن صالح بن حي فإنهما قالا : يجوز بغير نيّة(1) ، وهو خطأ لانعقاد الإجماع من دونهما وقد سبق ، وكيفيتها القصد بالقلب إلى التيمم لاستباحة الصلاة ، أو ما شرطه الطهارة لوجوبه أو ندبه قربة إلى الله ، ويجب استدامتها حكما حتى يفرغ ، والمقارنة فلا يجوز أن يتقدم على الضرب ، ويجوز أن يقارن ابتداء المسح ، والضرب.

ولا يجوز أن ينوي رفع الحدث لامتناعه به ، فلو نواه احتمل الإجزاء لاستلزامه الاستباحة فيدخل تحت النيّة ، وعدمه ، وهو أصح وجهي الشافعية(2) ، لأنه لا يرفعه وإلا لما بطل إلا به.

فروع :

أ ـ لا يشترط تعيين الفريضة ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أصح‌

__________________

(1) المجموع 1 : 313 ، فتح الباري 1 : 344 ، المغني 1 : 286 ، الشرح الكبير 1 : 292 ـ 293 ، احكام القرآن لابن العربي 2 : 559 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 334 ، تفسير القرطبي 5 : 213 ، بداية المجتهد 1 : 67 ، المحلى 2 : 146.

(2) المجموع 2 : 220 ، الوجيز 1 : 21 ، كفاية الأخيار 1 : 35 ، السراج الوهاج : 28 ، المغني 1 : 286.

١٨٧

الوجهين(1) ـ كما لا يشترط في الوضوء تعيين الحدث ، ولو عيّنها لم تتعين عندنا ، وجاز أن يصلي غيرها ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في أحد الوجهين(2) .

ب ـ لو نوى استباحة الصلاة مطلقا استباح الفريضة ـ وبه قال أبو حنيفة(3) ـ لأن كل طهارة صحت للنفل صحت للفرض ، كالطهارة بالماء.

وقال الشافعي ، ومالك ، وأحمد : لا يستبيح الفرض لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنما الأعمال بالنيات )(4) ولم ينو الفرض(5) . ويندفع بأنه نوى الاستباحة فيعم كرفع الحدث.

ج ـ لو نوى استباحة الفرض والنفل معا أبيحا له ، وفي وجه للشافعي : ليس له النفل بعد خروج وقت الفريضة إن كان قد عينها(6) .

ولو نوى استباحة الفرض جاز أن يتنفل به ـ وبه قال أبو حنيفة ،

__________________

(1) المجموع 2 : 221 و 224 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، مغني المحتاج 1 : 98 ، بدائع الصنائع 1 : 52 ، المغني 1 : 288.

(2) السراج الوهاج : 28 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، بدائع الصنائع 1 : 52 ، المغني 1 : 287.

(3) بدائع الصنائع 1 : 52 ، المغني 1 : 287.

(4) صحيح البخاري 1 : 2 ، صحيح مسلم 3 : 1515 ـ 1907 ، سنن أبي داود 2 : 262 ـ 2201 ، مسند أحمد 1 : 25 ، سنن الترمذي 4 : 179 ـ 1647 ، سنن ابن ماجة 2 : 1413 ـ 4227 ، مسند الطيالسي : 9 ، الجامع الصغير 1 : 5 ـ 1 ، إحكام الأحكام 1 : 7 ـ 1 ، متن عمدة الأحكام : 20 ، المحرر في الحديث 2 : 651 ـ 1199 ، الايمان لابن مندة 1 : 363 ـ 201 ، سنن البيهقي 7 : 341 ، الأذكار : 13.

(5) المجموع 2 : 222 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، مغني المحتاج 1 98 ، بلغة السالك 1 : 73 ، المغني 1 : 287 ، الشرح الكبير 1 : 294.

(6) المجموع 2 : 224 ، الوجيز 1 : 21.

١٨٨

والشافعي في أحد الوجهين(1) ـ لأن النوافل أتباع الفرائض ، وفي الآخر : لا يصح ـ وبه قال مالك ـ لأنها طهارة ضرورة فلا يؤدى بها ما لا ضرورة إليه ولم يقصده(2) .

ولو نوى النفل ولم يخطر له الفرض جاز أن يصلي به الفرض عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في وجه(3) ـ لأنه نوى ما يحتاج إلى الطهارة ، وقال مالك ، وأحمد ، وأصح وجهي الشافعي : بالمنع(4) لأن الفرض أصل فلا يجعل تابعا ، وهو ممنوع كالوضوء ، وبعض الشافعية منع من النفل وإن نواه لأنه جعل التابع أصلا(5) .

د ـ لو تيمم لفرضين أو فائتتين أو منذورين(6) صح عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة(7) ـ وللشافعي وجهان(8) .

هـ ـ إذا نوى الفريضة استباح النافلة إجماعا ، وكذا يستبيح مس المصحف ، وقراءة القرآن ، ووطء الحائض(9) ، ولو نوى استباحة أحد هذه الأشياء استباح الباقي ، والفريضة عندنا ، خلافا للشافعي في الفريضة وفي النافلة وجهان(10) .

__________________

(1) الام 1 : 47 ، المجموع 2 : 224 ، الوجيز 1 : 21 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، المغني 1 : 288.

(2) المجموع 2 : 224 ، مغني المحتاج 1 : 98 ، المدونة الكبرى 1 : 47.

(3) المجموع 2 : 222 و 224 ، و 242 ، المبسوط للسرخسي 1 : 117.

(4) الام 1 : 47 ، المجموع 2 : 222 ، المغني 1 : 287 ، المنتقى للباجي 1 : 111 ، الوجيز 1 : 21 ، المبسوط للسرخسي 1 : 117 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، الانصاف 1 : 291 ، السراج الوهاج : 28.

(5) المجموع 2 : 223.

(6) في الطبع الحجري و« ش » : المندوبين.

(7) شرح فتح القدير 1 : 121 ، الهداية للمرغيناني 1 : 27 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 382 و 395.

(8) المجموع 2 : 225 ، الوجيز 1 : 21.

(9) أي : الحائض لو انقطع دمها وتعذّر الغسل وأراد الزوج أن يطأها جاز لها التيمّم ثم يستبيح الوطء.

(10) الام 1 : 47 ، المجموع 2 : 223 ، مغني المحتاج 1 : 99 ، كفاية الأخيار 1 : 36.

١٨٩

و ـ لو نوى إباحة فرض التيمم ، صح ، وهو أحد وجهي الشافعي كما لو توضأ بهذه النيّة ، والآخر : يبطل لأنه عن ضرورة فلا يجعل مقصدا ولهذا لا يستحب تجديده بخلاف الوضوء(1) .

ز ـ ليست التسمية شرطا في التيمم خلافا للظاهرية(2) .

ح ـ لو تيمم الصبي للنافلة ، أو للفريضة ثم بلغ جاز أن يستبيح الفريضة لأن طهارته شرعية ، والنافلة لا تصح إلا مع رفع المنع بالطهارة ، وعندي فيه نظر.

مسألة 305 : ثم يمسح وجهه بكفيه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى‌ بعد الضرب بالكفين.

ولا يجب استيعاب الوجه عند أكثر علمائنا(3) لقوله تعالى( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) (4) والباء للتبعيض إذ دخولها على المتعدي بنفسه يفيده ، وإلا كانت زائدة ، والأصل عدمها ، وإنكار ورودها له غير مسموع لشهادة البعض به ، وتنصيص الباقرعليه‌السلام (5) .

ولأن زرارة سأل الصادقعليه‌السلام عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ومسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة(6) .

__________________

(1) المجموع 2 : 225 ، كفاية الأخيار 1 : 35 ، السراج الوهاج : 28 ، مغني المحتاج 1 : 98.

(2) نسبه إليهم المحقق في المعتبر : 108.

(3) منهم المفيد في المقنعة : 8 ، والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل 3 : 25 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 33 ، وسلاّر في المراسم : 54 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 136 ، وابن حمزة في الوسيلة : 72 ، والمحقق في شرائع الإسلام 1 : 48.

(4) المائدة : 6.

(5) الكافي 3 : 30 ـ 4 ، التهذيب 1 : 61 ـ 168 ، الاستبصار 1 : 62 ـ 63 ـ 186 ، علل الشرائع : 279 الباب 190.

(6) الكافي 3 : 61 ـ 1 ، التهذيب 1 : 207 ـ 601 ، الاستبصار 1 : 170 ـ 590 ، وفيها عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وأورده عن الإمام الصادقعليه‌السلام المحقق في المعتبر : 106.

١٩٠

وقال سليمان بن داود : يجزيه أن يصيب بالمسح بعض وجهه وبعض كفيه(1) .

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يترك من ظاهر الوجه دون الربع ، وفي رواية عنه : إذا مسح أكثر الوجه أجزأه(2) .

وقال ابن بابويه من علمائنا : يجب استيعاب الوجه بالمسح(3) ، وهو قول الجمهور(4) لأنه تعالى أحال فيه على الوضوء وإلا لبيّنه. ونمنع بطلان التالي ، والباقرعليه‌السلام قد بيّنه(5) .

مسألة 306 : ثم يمسح ظهر كفيه من الزند إلى أطراف الأصابع بباطنهما‌ على الأشهر ـ وبه قال أحمد ، ومالك ، والشافعي في القديم ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وداود ، وابن جرير الطبري(6) ـ لأنه المتعارف من اليد ، ولأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إنما يكفيك ـ إلى قوله ـ وظاهر كفيه )(7) .

__________________

(1) المغني 1 : 290 ، الشرح الكبير 1 : 291.

(2) المبسوط للسرخسي 1 : 107 ، الكفاية 1 : 111 ، شرح العناية 1 : 111 ، بدائع الصنائع 1 : 46 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 391 ، المجموع 2 : 239 ، فتح العزيز 2 : 326 ، البحر الرائق 1 : 144 ، التفسير الكبير 11 : 172.

(3) حكاه عنه المحقق في المعتبر : 106 ، والفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 99 و 100.

(4) المجموع 2 : 239 ، الوجيز 1 : 21 ، المغني 1 : 290 ، الانصاف 1 : 287 ، المبسوط للسرخسي 1 : 107 ، شرح فتح القدير 1 : 111 ، بلغة السالك 1 : 73.

(5) الكافي 3 : 30 ـ 4 ، علل الشرائع : 279 باب 190.

(6) المجموع 2 : 211 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، فتح الباري 1 : 353 ، مغني المحتاج 1 : 99 ، المغني 1 : 291 ، الشرح الكبير 1 : 290 ، بداية المجتهد 1 : 69 ، الشرح الصغير 1 : 73 ، تفسير القرطبي 5 : 240 ، عمدة القارئ 4 : 19 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 387 ، نيل الأوطار 1 : 333 ، المحلى 2 : 156.

(7) مسند أحمد 4 : 263 ، سنن أبي داود 1 : 87 ـ 88 ـ 321.

١٩١

وروى عمار بن ياسر أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( التيمم ضربة للوجه والكفين )(1) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ومسح بهما جبهته وكفيه »(2) ولأنه أحد عضوي الوضوء فيجب مسح بعضه كالوجه.

وقال علي بن بابويه : يمسح من المرفقين إلى أطراف الأصابع(3) ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، ورووه عن عليعليه‌السلام ، وابن عمر ، وجابر ، وبه قال الشعبي ، والحسن البصري ، والثوري ، ومالك ، والليث(4) ـ للحوالة في الوضوء. وهو ممنوع.

ولقولهعليه‌السلام : ( التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين )(5) وهي ضعيفة السند ، طعن فيه أحمد بن حنبل(6) .

وقال الزهري : يمسح إلى المنكبين والآباط(7) لأن عمار بن ياسر مسح‌

__________________

(1) سنن الدارمي 1 : 190 ، سنن الترمذي 1 : 269 ـ 144 ، مسند أحمد 4 : 263 ، سنن أبي داود 1 : 89 ـ 327 ، سنن الدار قطني 1 : 182 ـ 183 ـ 28.

(2) الكافي 3 : 61 ـ 1 ، التهذيب 1 : 207 ـ 601 ، الاستبصار 1 : 170 ـ 590.

(3) حكاه المحقق في المعتبر : 107.

(4) بداية المجتهد 1 : 68 ، المنتقى للباجي 1 : 114 ، المجموع 2 : 211 ، مختصر المزني : 6 ، السراج الوهاج : 28 ، الوجيز 1 : 21 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، الشرح الكبير 1 : 292 ، المبسوط للسرخسي 1 : 107 ، عمدة القارئ 4 : 19 ، التفسير الكبير 11 : 171 ، نيل الأوطار 1 : 333 ـ 334 ، المحلى 2 : 152 ، احكام القرآن للجصاص 2 : 387.

(5) سنن الترمذي 1 : 270 ـ 144 ، سنن الدار قطني 1 : 180 و 181 ـ 16 و 21 ، سنن البيهقي 1 : 207.

(6) المغني 1 : 279 ، الشرح الكبير 1 : 309.

(7) المجموع 2 : 211 ، بداية المجتهد 1 : 69 ، تفسير القرطبي 5 : 240 ، احكام القرآن للجصاص 2 : 387 ، عمدة القارئ 4 : 19 ، التفسير الكبير 11 : 171 ، المحلى 2 : 153 ، نيل الأوطار 1 : 334.

١٩٢

إلى المناكب(1) .

فروع :

أ ـ يجب أن يبدأ في مسح الوجه من أعلاه إلى أن ينتهي محل الفرض.

فلو نكس فالوجه البطلان كالوضوء ، ويجب أن يبدأ في مسح اليدين من الزند إلى أطراف الأصابع ، وقال مالك ، وأحمد : يمسح إلى الكوعين(2) .

وقال الشافعي : يضع أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ويمرها على ظهر كفه اليمنى ، فإذا بلغت الكوع ضم أطراف أصابعه وأمرّها على حرف الذراع إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه وإبهامه منصوبة ، فإذا بلغ الكوع مسح ببطنها ظهر إبهامه اليمنى وكذا اليسرى(3) .

ب ـ لو أخل بجزء من محل الفرض لم يجزئ ووجب مسحه ـ وبه قال الشافعي(4) ـ إذ لا مشقة في استيعاب الكل بالمسح ، وأكثر العضو لا يقوم مقامه ، وقال أبو حنيفة : يجزي الأكثر(5) .

ج ـ لو أهمل جزءا من الجبهة ومسح يديه لم يجزئه مسحهما فيمسح‌

__________________

(1) سنن الترمذي 1 : 270 ذيل الحديث 144 ، سنن ابن ماجة 1 : 187 ـ 566 ، سنن النسائي 1 : 168.

(2) الشرح الصغير 1 : 73 ، المنتقى للباجي 1 : 114 ، المغني 1 : 291 ـ 292 ، الشرح الكبير 1 : 290 ، عمدة القارئ 4 : 19 ، التفسير الكبير 11 : 171.

(3) مختصر المزني : 6 ، المجموع 2 : 227 ، فتح العزيز 2 : 330 ، مغني المحتاج 1 : 100.

(4) الام 1 : 49 ، المجموع 2 : 239 ، فتح العزيز 2 : 326.

(5) المبسوط للسرخسي 1 : 107 ، شرح العناية 1 : 111 ، بدائع الصنائع 1 : 46 ، فتح العزيز 2 : 326.

١٩٣

الجزء ويعيد الكفين لوجوب الترتيب ، وبه قال الشافعي(1) .

د ـ لا يجب المسح على المسترسل من اللحية ، أما عندنا فظاهر ، وأما من أوجب الاستيعاب فكذلك لأنه ليس محل الفرض ، وللشافعي وجهان(2) .

هـ ـ لو كان عليه خاتم ، وشبهه نزعه ليباشر المسح جميع محل الفرض.

و ـ يستحب تفريج الأصابع في الضرب للوجه والكفين ، وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، واستحبابه في الثانية خاصة ، وله ثالث : منعه في الأولى(3) .

ز ـ لا يستحب تخليل الأصابع لأن المسح على الظاهر ، وقال الشافعي : يستحب إن فرج أصابعه في الضربة الثانية وإلاّ وجب(4) .

ح ـ الأظهر من عبارة الأصحاب وجوب مسح الوجه بالكفين معا ، فلو مسح بأحدهما لم يجزئ ، ويحتمل الجواز.

ط ـ لو قطع بعض محل الفرض وجب مسح الباقي ، ولو استوعب سقط ذلك العضو.

ي ـ لو خلقت له إصبع زائدة ، أو كف ، أو يد فكالوضوء.

مسألة 307 : اختلف علماؤنا في عدد الضربات ‌، وأجودها قول الشيخين : ضربة واحدة للأعضاء الثلاثة في الوضوء ، وضربتان إحداهما للوجه في‌

__________________

(1) المجموع 2 : 238 ، فتح العزيز 2 : 326.

(2) المجموع 2 : 231 ، فتح العزيز 2 : 327.

(3) مختصر المزني : 6 ، المجموع 2 : 229 ، فتح العزيز 2 : 330 ، مغني المحتاج 1 : 100 ، الوجيز 1 : 22.

(4) فتح العزيز 2 : 331 ، مغني المحتاج 1 : 100.

١٩٤

الغسل(1) لقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل كيف التيمم؟ : « ضربة واحدة للوضوء ، وللغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ، ثم تنفضهما مرة للوجه ، ومرة لليدين »(2) .

وقال المرتضى : ضربة واحدة فيهما(3) ـ وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وابن جرير الطبري ، والشافعي في القديم(4) ـ للامتثال.

وقال علي بن بابويه : ضربتان في الجميع(5) ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والليث بن سعد ، والثوري ، ورووه عن عليعليه‌السلام (6) ـ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( التيمم ضربة للوجه ، وضربة لليدين )(7) والتفصيل قول فيهما على تقديرين فيصار إليه.

وقال ابن سيرين : يضرب ثلاث ضربات : ضربة للوجه واخرى للكفين والثالثة للذراعين(8) .

فروع :

أ ـ وضع اليدين على الأرض شرط ، فلو تعرض لمهب العواصف حتى‌

__________________

(1) المقنعة : 8 ، المبسوط للطوسي 1 : 33 ، النهاية : 49 ـ 50.

(2) التهذيب 1 : 210 ـ 611 ، الاستبصار 1 : 172 ـ 599.

(3) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) 3 : 25 ـ 26.

(4) المجموع 2 : 211 ، المغني 1 : 278 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 387 ، تفسير القرطبي 5 : 240 ، نيل الأوطار 1 : 332.

(5) حكاه المحقق في المعتبر : 107.

(6) المجموع 2 : 210 ، بداية المجتهد 1 : 70 ، المدونة الكبرى 1 : 42 ، تفسير القرطبي 5 : 240 ، المنتقى للباجي 1 : 114 ، شرح العناية 1 : 109 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 387 ، اللباب 1 : 31 ، بدائع الصنائع 1 : 46 ، المغني 1 : 278 ، المحلى 2 : 152.

(7) سنن الدار قطني 1 : 180 و 181 ـ 16 و 21 ، سنن البيهقي 1 : 207.

(8) المجموع 2 : 211 ، نيل الأوطار 1 : 332.

١٩٥

لصق صعيدها بوجهه ، أو كفيه ، أو ردد الغبار على وجهه منه لم يجزئ لقوله تعالى( فَتَيَمَّمُوا ) (1) اي اقصدوا.

وقال بعض الشافعية : إذا صمد للريح ونوى التيمم أجزأه كالوضوء إذا جلس تحت الميزاب ونواه(2) .

ب ـ لو يمّمه غيره بغير إذنه فهو كما لو نسفت الريح التراب عليه ، وإن كان بإذنه فإن كان عاجزا عن المباشرة صح وإلا فلا ـ وهو أحد وجهي الشافعية ـ لأنه لم يقصد التراب ، وأظهرهما : الجواز(3) إقامة لفعل نائبه مقام فعله.

ج ـ يستحب بعد الضرب نفض اليدين من التراب لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فعله(4) ، وليس واجبا إجماعا.

د ـ لا يشترط أن يعلق على يده شي‌ء من الغبار لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نفض يديه(5) ، وفي رواية عمار بن ياسر أنه نفخ فيهما(6) ولو كان شرطا لما عرضه للزوال ، ولأن الصعيد هو وجه الأرض لا التراب.

مسألة 308 : الترتيب واجب في التيمم‌ يبدأ بمسح الوجه ثم بالكف اليمنى ثم اليسرى فلو غيّره وجب أن يعيد على ما يحصل معه الترتيب ، ذهب إليه علماء أهل البيتعليهم‌السلام لقوله تعالى( فَامْسَحُوا

__________________

(1) المائدة : 6.

(2) المجموع 2 : 235 ، فتح العزيز 2 : 317 ، السراج الوهاج : 27 ، التفسير الكبير 11 : 172.

(3) المجموع 2 : 235 ، السراج الوهاج : 27 ، التفسير الكبير 11 : 172.

(4) صحيح البخاري 1 : 96 ، صحيح مسلم 1 : 280 ـ 368 ، سنن ابن ماجة 1 : 189 ـ 570 ، سنن أبي داود 1 : 87 ـ 88 ـ 321 ، سنن النسائي 1 : 170.

(5) صحيح مسلم 1 : 280 ـ 368 ، سنن الدار قطني 1 : 179 ـ 14.

(6) صحيح مسلم 1 : 280 ذيل الحديث 368 ، سنن النسائي 1 : 170 ، سنن ابن ماجة 1 : 188 ـ 569 ، سنن الدار قطني 1 : 183 ـ 31 ، سنن البيهقي 1 : 209.

١٩٦

 بِوُجُوهِكُمْ ) (1) والواو للترتيب عند الفراء(2) ، ولأن التقديم لفظا يستدعي سببا لاستحالة الترجيح من غير مرجح ولا سبب إلا التقديم وجوبا ، ولأنهعليه‌السلام رتب في مقابلة الامتثال(3) فيكون واجبا.

وأوجب الشافعي ، وأحمد تقديم الوجه ولم يرتبا في الكفين(4) ، وأبو حنيفة أسقط الترتيب مطلقا عملا بالأصل(5) ، ويعارضه البيان.

مسألة 309 : الموالاة واجبة هنا‌ ، أما على تقدير وجوب التأخير فظاهر ، وأما على العدم فلأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تابع(6) ، ولأنه تعالى عقّب بمسح الوجه اليدين وهو يستلزم المتابعة لامتناع الجمع.

وللشافعية وجوه أحدها : القطع باشتراطها كالوضوء ، والثاني : المنع ، والثالث : تجويز الأمرين(7) .

مسألة 310 : نقل التراب إلى الأعضاء الممسوحة ليس بواجب‌ ـ وبه قال أبو حنيفة(8) ـ لقوله تعالى( صَعِيداً طَيِّباً ) (9) وهو وجه الأرض ، ولم يشترط النقل ، ولأنهعليه‌السلام نفض التراب بعد الضرب(10) ، فلو كان النقل شرطا‌

__________________

(1) المائدة : 6.

(2) مغني اللبيب 1 : 464 الباب الأول.

(3) صحيح مسلم 1 : 280 ـ 368 ، سنن ابن ماجة 1 : 188 ـ 569 ، سنن النسائي 1 : 170 ، سنن البيهقي 1 : 209 ، سنن الدار قطني 1 : 183 ـ 31.

(4) الام 1 : 49 ، المجموع 2 : 233 ، كفاية الأخيار 1 : 37 ، السراج الوهاج : 28 ، مغني المحتاج 1 : 100 ، والمغني 1 : 290 ـ 291 ، المحلى 2 : 161.

(5) المبسوط للسرخسي 1 : 121 ، احكام القرآن للجصاص 2 : 396.

(6) سنن الدار قطني 1 : 183 ـ 31 ، سنن البيهقي 1 : 209.

(7) المجموع 2 : 233 ، السراج الوهاج : 29 ، مغني المحتاج 1 : 100.

(8) شرح فتح القدير 1 : 113 ، بدائع الصنائع 1 : 53 ، المجموع 2 : 239 ، بداية المجتهد 1 : 70.

(9) المائدة : 6.

(10) صحيح مسلم 1 : 280 ـ 368 ، سنن الدار قطني 1 : 79 ـ 14.

١٩٧

لما أزاله.

وقال الشافعي : إنه شرط(1) ، لقوله تعالى( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) (2) أي من الصعيد ، ولأنه ممسوح في الطهارة فافتقر إلى ممسوح به كمسح الرأس في الوضوء ، والآية تقول بموجبها ، والصعيد وجه الأرض ، والقياس ضعيف ، لأن المائية تزيل الحدث بخلاف التيمم.

فروع :

أ ـ لو نوى عند النقل وعزبت قبل المسح احتمل الإجزاء لأن الضرب من أعمال التيمم ، وعدمه لأنه ليس مقصودا في نفسه ، وهو أصح وجهي الشافعي(3) .

ب ـ لو أحدث بعد الضرب وأخذ التراب بطل أخذه وعليه الإعادة على إشكال ينشأ من عدم وجوب أخذ الماء ثانيا فكذا هنا ، ومن الفرق بأن القصد إلى الماء ونقله لا يجب ، وللشافعي الوجهان(4) .

ج ـ لو كان على العضو الممسوح تراب ونوى التيمم وردّه من طرف إلى آخر لم يجزئ لأنه لم ينقل عند الشافعي(5) ، ولا ضرب عندنا ، ولو أخذه منه وردّه إليه جاز عند الشافعي على أظهر الوجهين(6) ، ولو نقله من عضو غير‌

__________________

(1) الام 1 : 49 ، المجموع 2 : 231 و 238 و 239 ، فتح العزيز 2 : 318 ، كفاية الأخيار 1 : 36 ، السراج الوهاج : 27 ، بداية المجتهد 1 : 70.

(2) المائدة : 6.

(3) المجموع 2 : 228 ، كفاية الأخيار 1 : 36.

(4) المجموع 2 : 236.

(5) المجموع 2 : 236 ، فتح العزيز 2 : 318 ، السراج الوهاج : 27 ، الوجيز 1 : 21.

(6) المجموع 2 : 236 ، فتح العزيز 2 : 318 ، الوجيز 1 : 21.

١٩٨

ممسوح أجزأ عنده ، ولو كان من ممسوح كما لو نقله من الوجه إلى الكفين أو بالعكس فوجهان(1) ، والكل عندنا باطل.

د ـ لو تمعك في التراب حتى وصل إلى وجهه ويديه لم يجزئ لأنه لم يمسح ، إلا مع العذر ، وللشافعي في الاختيار وجهان(2) .

هـ ـ لو مسح بآلة كخشبة لم يصح تبعا للكيفية المنقولة ، وقال الشافعي : يجوز(3) .

و ـ لا يجب إيصال الغبار إلى باطن الشعر خفيفا كان أو كثيفا إجماعا.

ز ـ لا يستحب التكرار ، ولا التثليث في التيمم إجماعا لإفضائه إلى تشويه الخلقة وتقبيح الصورة ، وكذا لا يستحب تجديده.

مسألة 311 : دخول الوقت شرط في صحة التيمم‌ ، فلا يصح قبله إجماعا من علماء أهل البيتعليهم‌السلام ـ وبه قال الزهري ، والشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وداود(4) ـ لأنها طهارة اضطرارية لا يصح إلاّ عند العجز ولا يتحقق قبل الوقت ، ولأنها طهارة ضرورية قدمت على وقت الفريضة فلا يجوز كالمستحاضة.

وقال أبو حنيفة : يجوز قبل دخول الوقت لأنها طهارة تستباح بها‌

__________________

(1) المجموع 2 : 236 ، فتح العزيز 2 : 318 ، الوجيز 1 : 21 ، السراج الوهاج : 27 ـ 28.

(2) فتح العزيز 2 : 319 ، الوجيز 1 : 21.

(3) الام 1 : 49 ، المجموع 2 : 228 و 232 ، كفاية الأخيار 1 : 37.

(4) الام 1 : 46 ، المجموع 2 : 243 ، كفاية الأخيار 1 : 33 ، السراج الوهاج : 30 ، القوانين الفقهية : 42 ، تفسير القرطبي 5 : 233 ، المنتقى للباجي 1 : 111 ، المغني 1 : 268 ، الشرح الكبير 1 : 267 ، بدائع الصنائع 1 : 54 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 381 ، التفسير الكبير 11 : 173.

١٩٩

الصلاة فجاز تقديمها كالوضوء(1) والفرق أنه ليس للضرورة.

فروع :

أ ـ ذهب الصدوق إلى صحته حال السعة(2) ـ وهو قول الجمهور(3) ـ لقوله تعالى( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (4) وقولهعليه‌السلام : ( أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت )(5) .

وقال أكثر علمائنا بوجوب التأخير إلى آخر الوقت(6) ـ وبه قال الزهري(7) ـ لما رووه عن عليعليه‌السلام في الجنب : « يتلوّم ما بينه وبين آخر الوقت ، فإن وجد الماء وإلا تيمم »(8) والتلوّم : الانتظار(9) .

ومن طريق الخاصة قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه »(10) . ولأنها طهارة ضرورية بدل من الماء عند العجز ، ولا يتحقق العجز إلا عند خوف الفوت ، فإن توقع‌

__________________

(1) بدائع الصنائع 1 : 54 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 381 ، المجموع 2 : 243 ، المغني 1 : 268 ، الشرح الكبير 1 : 267 ، بداية المجتهد 1 : 67 ، تفسير القرطبي 5 : 233 ، المنتقى للباجي 1 : 111 ، التفسير الكبير 11 : 173.

(2) حكاه عنه نقلا عن المقنع ، المحقق في المعتبر : 105.

(3) الام 1 : 46 ، المغني 1 : 276 ، المدونة الكبرى 1 : 42 ، اللباب 1 : 33.

(4) المائدة : 6.

(5) سنن البيهقي 1 : 222.

(6) منهم : المفيد في المقنعة : 8 ، والشيخ الطوسي في النهاية : 47 ، وابن حمزة في الوسيلة : 70 ، والمحقق في المعتبر : 105.

(7) المغني 1 : 276.

(8) سنن البيهقي 1 : 232 ـ 233 ، سنن الدار قطني 1 : 186 ـ 5.

(9) انظر الصحاح للجوهري 5 : 2034 « لوم ».

(10) الكافي 3 : 63 ـ 2 ، التهذيب 1 : 192 ـ 555 و 203 ـ 589 ، الاستبصار 1 : 159 ـ 548.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

في سبيل طريق الحقّ وباعوا مهجهم في سبيل الدين العظيم ، هي مغفرة الذنوب جميعا ولكن هل أنّ المقصود من غفران الذنوب الذي ورد في الآية الكريمة هي الذنوب التي تختّص بحقّ الله فقط ، أم تشمل ما يتعلّق بحقوق الناس أيضا؟

ويتبيّن لنا في هذا الشأن أنّ الآية مطلقة والدليل هو عموميتها ، ونظرا إلى أنّ الله سبحانه قد أوكل حقّ الناس إليهم لذا تردّد البعض في القول بعمومية الآية الكريمة ، وشكّكوا في شمولها الحقّين.

وبهذه الصورة نلاحظ أنّ الآيات أعلاه قد تحدّثت عن مرتكزين أساسين من مرتكزات الإيمان وهما : (الإيمان بالله والرّسول) وعن مرتكزين أساسين أيضا من مرتكزات الجهاد وهما : (الجهاد بالمال والنفس) وكذلك عن مرتكزين من الجزاء الاخروي وهما : (غفران الذنوب والدخول في جنّة الخلد).

كما أنّنا نقرأ في الآية اللاحقة عن شعبتين من الهبات الإلهية التي تفضل بها البارئ على عباده المؤمنين في هذه الدنيا حيث يقول :( وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) (١) .

يا لها من تجارة مباركة مربحة حيث تشتمل على الفتح والنصر والنعمة والرحمة ، ولذلك عبّر عنها البارئ سبحانه بقوله :( الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ونصر كبير. ولهذا فإنّه سبحانه يبارك للمؤمنين تجارتهم العظيمة هذه ، ويزفّ لهم البشرى بقوله تعالى :( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) .

وجاء في الحديث أنّه في «ليلة العقبة» ـ الليلة التي التقي بها رسول الله سرّا بأهل المدينة قرب مكّة وأخذ منهم البيعة ـ قال «عبد الله بن رواحة» لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اشترط لربّك ونفسك ما شئت.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن

__________________

(١) «اخرى» صفة لموصوف محذوف مثل نعمة أو خصلة ، وقال البعض أيضا : إنّ الموصوف هو (التجارة) إلّا أنّ هذا مستبعد.

٣٠١

تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم.

قال : فما لنا إذا فعلنا ذلك؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الجنّة).

قال عبد الله : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل ، أي لا نفسخ ولا نقبل الفسخ(١) .

* * *

بحوث

١ ـ أي فتح هو «الفتح القريب»!؟

من المعروف أنّ النصر الموعود في هذه الآيات قد تحقّق مرّات عدّة ، ليس في الجوانب العقائدية والمنطقية فحسب. بل في الميادين الحربية أيضا.

وقد ذكر المفسّرون احتمالات عديدة حول المقصود من (الفتح القريب) ، فقال البعض : إنّ المراد من الفتح القريب في الآية هو (فتح مكّة). وقال آخرون : إنّ المقصود بها هو (فتح بلاد إيران والروم). وقال البعض الآخر : إنّها تشمل جميع الفتوحات الإسلامية التي منّ الله بها على المسلمين بعد الإيمان بالإسلام والجهاد من أجله بفترة وجيزة.

ولأنّ المخاطب في هذه الآية لا ينحصر بصحابة رسول الله. بل يشمل جميع المؤمنين وعلى مدى التاريخ ، لذا فإنّ جملة :( نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) لها معنى واسع ، وتمثّل بشارة للمؤمنين جميعا ، بالرغم من أنّ المصداق الواضح لهذه الآية كان في عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي وقت نزول هذه الآيات إبان فتح مكّة.

__________________

(١) (ظلال القرآن) ، ج ٨ ، ص ٨٧.

٣٠٢

٢ ـ ما هي خصائص المساكين الطيّبة؟

أكّدت الآيات الكريمة على أنّ من ضمن أنواع النعم الإلهية في الجنّة مسألة المسكن الهاديء ، موضع استقرار النفس ، الذي تحيط به الحدائق من كلّ جانب في جنّات الخلد ، وسبب التأكيد هنا على المسكن لأنّه يشكّل أحد العوامل الأساسية لراحة الإنسان وهدوئه ، خصوصا إذا تميّز بالطهر والنظافة من كلّ أنواع التلوّث المادّي والمعنوي ، حيث يستطيع الإنسان أن يستقرّ به وينعم بطمأنينة الروح وراحة البال.

يقول (الراغب) في المفردات : معنى (الطيب) في الأصل هو الشيء الذي تلتذّ به الحواس الظاهرية والباطنية ، وهذا المعنى جامع شامل لكلّ الشروط المناسبة لسكن ما.

والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا أنّ القرآن الكريم يرى أنّ ثلاثة امور أساسية توجب السكينة والطمأنينة للإنسان وهي :

ظلام الليل :( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً ) (١) .

الزوجة الصالحة :( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ) (٢) .

البيوت السكنية قال تعالى :( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ) (٣) .

٣ ـ الدنيا موضع تجارة أولياء الله

جاء في نهج البلاغة أنّ الإمام عليعليه‌السلام قال لرجل كثير الادّعاء والتملّق كان يذمّ الدنيا كثيرا : «أيّها الذامّ للدنيا المغترّ بغرورها المخدوع بأباطيلها أتغترّ بالدنيا

__________________

(١) الأنعام ، الآية ٩٦.

(٢) الروم ، الآية ٢١.

(٣) النحل ، الآية ٨٠.

٣٠٣

ثمّ تذمّها إنّ الدنيا دار صدق لمن صدّقها ودار موعظة لمن اتّعظ بها إلى أن قال : ومتجر أولياء الله اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنّة ..»(١) .

وإذا شبّهت الدنيا بأنّها مزرعة الآخرة ، فقد شبّهت أيضا هنا بأنّها تجارة ، حيث أنّ الإنسان يبيع البضاعة (رأس المال) التي أخذها من الله سبحانه يبيعها عليه تعالى شأنه بأغلى الأثمان ويستلم منه سبحانه أعظم الأرباح المتمثّلة بالنعم والهبات الإلهية المختلفة مقابل متاع حقير.

إنّ جانب الإغراء في هذه الصفقة التجارية النافعة كان من أجل تحريك وإثارة المحفّزات الإنسانية في طريق الخير وجلب النفع للإنسان ودفع الضرر ، لأنّ هذه التجارة الإلهية لا تنحصر أرباحها في جلب النفع والخير فحسب ، بل إنّها تدفع العذاب الأليم أيضا.

ونظير هذا المعنى قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) (٢) .

وتقدّم شرح آخر في تفسير الآية الآنفة من سورة التوبة(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، كلمات قصار ، الجملة رقم ١٣١ بتلخيص.

(٢) التوبة ، الآية ١١١.

(٣) راجع تفسير الآية ١١١ من سورة التوبة.

٣٠٤

الآية

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤) )

التّفسير

كونوا كالحواريين :

في الآية الأخيرة من سورة الصفّ يدور الحديث مرّة اخرى حول محور (الجهاد) الذي مرّ ذكره سابقا في هذه السورة ، إلّا أنّ الحديث عنه يستمرّ هنا في هذه الآية ـ أيضا بأسلوب جديد.

لقد طرحت الآية الكريمة مسألة مهمّة غير الجنّة والنّار وذلك بقوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ ) .

نعم ، أنصار الله ، الله الذي هو منشأ جميع القدرات ، ومرجعها ، صاحب القدرة التي لا تقهر واللامتناهية ، هذا الربّ العظيم والإله الجبّار يطلب من عباده النصرة

٣٠٥

والعون ، وهذا فخر لا مثيل له ، فالبرغم من أنّ معناه ومفهومه هو إعانة ونصرة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومبدئه وعقيدته ، إلّا أنّه ينطوي على طلب العون والنصرة لله سبحانه ، وهذا غاية اللطف ومنتهى الرحمة والعظمة.

ثمّ يستشهد بنموذج تاريخي رائد كي يوضّح سبحانه أنّ هذا الطريق لن يخلو من السالكين والعشّاق الإلهيين حيث يضيف تعالى :( كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ ) .

ويكون الجواب على لسان الحواريين بمنتهى الفخر والاعتزاز :( قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ ) وساروا في هذا الدرب حاملين لواء الخير والهداية ، ومتصدّين لحرب أعداء الحقّ والرسالة ، حيث يقول سبحانه :( فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ ) .

وهنا يأتي العون والنصر والإغاثة والمدد الإلهي للطائفة المؤمنة حيث يقول سبحانه :( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ ) .

وأنتم أيضا يا حواريي محمّد ، يشملكم هذا الفخر وتحيطكم هذه العناية واللطف الإلهي ، لأنّكم أنصار الله ، وإنّ النصر على أعداء الله سيكون حليفكم أيضا ، كما انتصر الحواريون عليهم ، وسوف تكون العزّة والسمو من نصيبكم في هذه الدنيا وفي عالم الآخرة.

وهذا الأمر غير منحصر أو مختّص بأصحاب وأعوان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحسب ، بل جميع أتباع الحقّ الذين هم في صراع دائم ضدّ الباطل وأهله ، إنّ هؤلاء جميعا هم أنصار الله ، وممّا لا شكّ فيه فإنّ النصر سيكون نصيبهم وحليفهم لا محالة.

* * *

٣٠٦

تعقيب

من هم الحواريون؟

جاء ذكر الحواريين في القرآن الكريم خمس مرّات ، مرتين منها في هذه السورة المباركة.

«الحواريون» : تعبير يراد به الإشارة إلى اثني عشر شخصا من الأنصار الخواص لعيسىعليه‌السلام وقد ذكرت أسماؤهم في الأناجيل المتداولة حاليا كـ (إنجيل متّى ، ولوقا باب ٦).

وهذا المصطلح من مادّة (حور) بمعنى الغسل والتبييض ـ جعل الشيء أبيض ـ كما مرّ بنا سابقا ، لأنّهم يتمتّعون بقلوب طاهرة وأرواح نقيّة ، وكانوا يسعون دائما لغسل نفوسهم والآخرين من دنس الذنوب وتطهيرها من الآثام ، لذا اطلق عليهم هذا المصطلح.

وجاء في بعض الرّوايات أنّ المسيحعليه‌السلام أرسلهم جميعا ممثّلين عنه إلى مناطق مختلفة من العالم ، وذلك لإخلاصهم ، وتضحيتهم وجهادهم وحربهم ضدّ الباطل ، وكانوا أيضا ممّن يكنّون أعمق الحبّ والولاء للمسيحعليه‌السلام .

وتحدّثنا الرّوايات أنّ جميعهم قد بقي على العهد إلّا واحدا منهم فإنّه قد خان ونكص واسمه (يهوداي أسخر يوطي) ممّا حدا المسيحعليه‌السلام في نهاية المطاف إلى طرده.

ولقد تناولنا توضيحات عديدة حول هذا في تفسير الآية (٥٢) من سورة آل عمران.

جاء في حديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للنفر الذين لاقوه بالعقبة : «أخرجوا إليّ اثني عشر رجلا منكم يكونوا كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون لعيسى

٣٠٧

بن مريم»(١) ممّا يعكس أهميّة هؤلاء العظام.

اللهمّ ، وفّقنا للمشاركة مع أوليائك في هذه التجارة الرابحة والاستفادة من بركاتها العظيمة

ربّنا : إنّ الاختلاف والتفرقة في صفوف المسلمين قد أضعفت مكانة المسلمين صفّا واحدا كالبنيان المرصوص في مواجهة أعدائهم.

إلهنا ، إنّ دينك القويم لم يبق يوما دون ناصر ، فاكتبنا من أنصاره وحماته وأعوانه

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة الصفّ

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ٢١٤.

٣٠٨
٣٠٩

سورة

الجمعة

مدنيّة

وعدد آياتها إحدى عشرة آية

٣١٠

«سورة الجمعة»

محتوى السورة :

تدور هذه السورة حول محورين أساسيين :

الأوّل : هو التوحيد وصفات الله والهدف من بعثة الرّسول ومسألة المعاد.

والمحور الثّاني : هو الأثر التربوي لصلاة الجمعة وبعض الخصوصيات المتعلّقة بهذه العبادة العظيمة.

ولكن يمكن أن نجمل الأبحاث التي وردت في هذه السورة المباركة بالنقاط التالية :

١ ـ تسبيح كافّة المخلوقات.

٢ ـ الهدف التعليمي والتربوي من بعثة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ ـ تحذير المؤمنين وتنبيههم من مغبّة الوقوع في الانحراف الذي وقع فيه اليهود فابتعدوا عن جادّة الصواب والحقّ.

٤ ـ إشارة إلى قانون الموت العامّ والشامل الذي يمثّل المعبر إلى عالم البقاء والخلود.

٥ ـ التأكيد على أداء فريضة صلاة الجمعة ، وحثّ المؤمنين على تعطيل العمل والكسب من أجل المشاركة فيها.

فضيلة تلاوة سورة الجمعة :

وردت روايات كثيرة في فضيلة تلاوة هذه السورة سواء كانت هذه التلاوة

٣١١

مستقلّة أو ضمن الصلوات اليومية.

نقرأ في حديث عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ومن قرأ سورة الجمعة أعطي عشر حسنات بعدد من أتى الجمعة ، وبعدد من لم يأتها في أمصار المسلمين».

وورد في حديث آخر عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «الواجب على كلّ مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلى ، وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين ، فإذا فعل ذلك فكإنّما يعمل بعمل رسول الله وكان جزائه وثوابه على الله الجنّة»(١) .

وقد ورد في الروايات التأكيد الكثير على قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة ، وقد ورد في بعض الروايات أن لا تترك قراءتها ما أمكن(٢) ، ومع أنّ العدول في القراءة عن سورة «التوحيد» و «قل يا أيّها الكافرون» إلى سور اخرى غير جائز ، إلّا أنّ هذه المسألة مستثناة في صلاة الجمعة ، فيجوز العدول عنهما إلى سورة «الجمعة» و «المنافقون» بل عدّ ذلك مستحبّا.

وكلّ ذلك دليل على الأهميّة العالية لهذه السورة القرآنية.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٢٠ ، ح ١.

(٢) نفس المصدر ، ص ٣٢١.

٣١٢

الآيات

( يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) )

التّفسير

الهدف من بعثة الرّسول :

تبدأ هذه السورة كذلك بالتسبيح للهعزوجل ، وتشير إلى بعض صفات الجمال والجلال والأسماء الحسنى لله. ويعتبر ذلك في الحقيقة مقدّمة للأبحاث القادمة ، حيث يقول تعالى :( يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) حيث يسبّحونه بلسان الحال والقال وينزّهونه عن جميع العيوب والنقائض( الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) .

٣١٣

وبناء على ذلك تشير الآية أوّلا إلى «المالكية والحاكمية المطلقة» ، ثمّ «تنزّهه من أي نوع من الظلم والنقص» وذلك لارتباط اسم الملوك بأنواع المظالم والمآسي ، فجاءت كلمة «قدّوس» لتنفي كلّ ذلك عنه جلّ شأنه.

ومن جانب آخر فالآية تركّز على ركنين أساسيين من أركان الحكومة هما «القدرة» و «العلم» وسنرى أنّ هذه الصفات ترتبط بشكل مباشر بالأبحاث القادمة لهذه السورة.

ونشير هنا إلى أنّ ذكر صفات الحقّ تعالى في الآيات القرآنية المختلفة جاءت ضمن نظام وترتيب وحساب خاصّ.

وكنّا قد تعرّضنا سابقا لتسبيح كافّة المخلوقات.

وبعد هذه الإشارة الخاطفة ذات المعنى العظيم لمسألة التوحيد وصفات الله ، يتحدّث القرآن عن بعثة الرّسول والهدف من هذه الرسالة العظيمة المرتبطة بالعزيز الحكيم القدّوس. حيث يقول :( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ) .

وذلك من أجل أن يطهّرهم من كلّ أشكال الشرك والكفر والانحراف والفساد( وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

ومن الملفت للنظر أنّ بعثة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الخصوصيات التي لا يمكن تفسيرها إلّا عن طريق الإعجاز ، تعتبر هي الاخرى إشارة إلى عظمتهعزوجل ودليل على وجوده إذ يقول :( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً ) وأبدع هذا الموجود العظيم بين أولئك الامّيين

«الامّيين» جمع (امّي) وهو الذي لا يعرف القراءة والكتابة (ونسبته إلى الامّ باعتبار أنّه لم يتلقّ تعليما في معهد أو مدرسة غير مدرسة الامّ).

وقال البعض : إنّ المقصود بها أهل مكّة ، لأنّ مكّة كانت تسمّى (بامّ القرى) ، ولكنّه بعيد.

٣١٤

قال بعض المفسّرين : إنّ المقصود بها «امّة العرب» مقابل اليهود وغيرهم ، واعتبروا الآية (٧٥) من سورة آل عمران شاهدة على هذا المعنى حيث يقول :( قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) وذلك باعتبار أنّ اليهود كانوا يعتبرون أنفسهم أهل الكتاب وهم أهل القراءة والكتابة ، بينما كان العرب على العكس من ذلك. ولكن التّفسير الأوّل أنسب.

والجدير بالذكر أنّ الآية تؤكّد على أنّ نبي الإسلام بعث من بين هؤلاء الامّيين الذين لم يتلقّوا ثقافة وتعليما وذلك لبيان عظمة الرسالة وذكر الدليل على حقّانيتها ، لأنّ من المحال أن يكون هذا القرآن العظيم وبذلك المحتوى العميق وليد فكر بشري وفي ذلك المحيط الجاهلي ومن شخص امّي أيضا ، بل هو نور أشرق في الظلمات ، ودوحة خضراء في قلب الصحراء ، وهي بحدّ ذاتها معجزة باهرة وسندا قاطعا على حقّانيته

ولخّصت الآية الهدف من بعثة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثلاثة امور ، جاء أحدها كمقدّمة وهو تلاوة الآيات عليهم ، بينما شكّل الأمران الآخران أي (تهذيب وتزكية النفس) و (تعليمهم الكتاب والحكمة) الهدف النهائي الكبير.

نعم ، جاء الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعطي الإنسانية ويعلّمها العلم والأخلاق ، لتستطيع بهذين الجناحين (جناح العلم وجناح الأخلاق) أن تحلّق في عالم السعادة وتطوي مسيرها إلى الله لتنال القرب منه.

والجدير بالملاحظة انّنا نجد بعض الآيات القرآنية تذكر «التزكية» قبل «التعليم» بينما تقدّم آيات اخرى «التعليم» على «التزكية». ففي ثلاثة من الموارد الأربعة التي ذكر فيها «التزكية» و «التعليم» تقدّمت التزكية على التعليم بينما تقدّم التعليم في المورد الرابع.

وفي الوقت الذي يشار في هذا التعبير إلى التأثير المتبادل لهذين العنصرين (الأخلاق وليدة العلم ، كما أنّ العلم وليد الأخلاق) تظهر أيضا أصالة التربية ومدى

٣١٥

الاهتمام بها. علما أنّ المقصود بالعلم العلوم الحقيقية لا العلوم التي اصطلح عليها بأنّها علم وألبست ثوب العلم.

ويمكن أن يكون الفرق بين «الكتاب» و «الحكمة» هو أنّ الأوّل إشارة إلى القرآن والثاني إشارة إلى سنّة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويمكن أيضا أن يكون «الكتاب» إشارة إلى أصل العقائد والأحكام الإسلامية ، والثانية إشارة إلى فلسفتها وأسرارها.

ومن النقاط الجديرة بالملاحظة ـ كذلك ـ أنّ الحكمة تعني المنع بقصد الإصلاح ، ولهذا يقال للجام الفرس «حكمة» لأنّه يمنعها ويجعلها تسير في مسارها الصحيح ، وبناء على ذلك فإنّ مفهوم هذه الدلائل عقلي ، ومن هنا يتّضح أنّ ذكر الكتاب والحكمة بشكل مترادف يراد منه التنبيه إلى مصدرين مهمّين من مصادر المعرفة (الوحي) و (العقل).

بعبارة اخرى : إنّ الأحكام السماوية وتعاليم الإسلام رغم أنّها نابعة من الوحي الإلهي غير أنّها يمكن تعقّلها وإدراكها بالعقل «المقصود كلّيات الأحكام».

وتعبير «الضلال المبين» إشارة مختصرة معبّرة إلى سابقة العرب وماضيهم الجاهلي في عبادة الأصنام. وأي ضلال أوضح وأسوأ من هذا الضلال الذي يعبد فيه الناس أحجارا وأخشابا يصنعونها بأنفسهم ويلجؤون إليها لحلّ مشاكلهم وإنقاذهم من المعضلات.

يدفنون بناتهم وهنّ أحياء ثمّ يتفاخرون بكلّ بساطة بهذا العمل قائلين : إنّنا لم ندع ناموسنا وعرضنا يقع بيد الأجانب.

كانت صلاتهم ودعاؤهم عبارة عن تصفيق وصياح إلى جانب الكعبة ، وحتّى النساء كن يطفن حول الكعبة وهنّ عراة تماما ، ويحسبون ذلك عبادة.

كانت تسيطر على أفكارهم مجموعة من الخرافات والأوهام ، وكانوا يفتخرون ويتباهون بالحرب ونزف الدماء والإغارة على بعضهم البعض. المرأة

٣١٦

كانت تعدّ بضاعة لا قيمة لها عندهم ، يلعبون عليها القمار ، ويحرمونها من أبسط الحقوق الإنسانية. كانوا يتوارثون العداوة والبغضاء ، ولهذا أصبحت الحروب وإراقة الدماء أمرا عاديا لديهم.

نعم لقد جاء الرّسول وأنقذهم ـ ببركة الكتاب والحكمة من هذا الضلال والتخبّط وزكّاهم وعلّمهم. وحقّا إنّ تربية وتغيير مثل هذا المجتمع الضالّ يعتبر أحد الأدلّة على عظمة الإسلام ومعاجز نبيّنا العظيمة.

ولكن لم يكن الرّسول مبعوثا لهذا المجتمع الامّي فقط ، بل كانت دعوته عامّة لجميع الناس ، فقد جاء في الآية التالية( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) (١) .

نعم ، إنّ الأقوام الآخرين الذين جاؤوا بعد أصحاب الرّسول ليتربّوا في مدرسة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويغترفوا من معين القرآن الصافي والسنّة المحمّدية ، كانوا ـ أيضا ـ مشمولين بهذه الدعوة العظيمة.

بناء على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرّسول من العرب والعجم. جاء في الحديث أنّ الرّسول بعد أن تلا هذه الآية سئل من هؤلاء؟ فأشار الرّسول إلى سلمان وقال : «لو كان الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء»(٢) .

وجاء في آخر الآية :( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة ـ أي نعمة بعث نبي الإسلام الأكرم وبرنامجه التعليمي والتربوي ـ يضيف قائلا :( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .

__________________

(١) «آخرين» عطف على (امّيين) وضمير منهم متعلّق بـ «المؤمنين» كما يفهم من سياق الآيات. واحتمل بعضهم أنّه معطوف على ضمير «يعلّمهم». ولكن المعنى الأوّل أنسب.

(٢) أورده الطبرسي في (مجمع البيان) والطباطبائي في (الميزان) والسيوطي في (الدرّ المنثور) والزمخشري في الكشّاف ، والقرطبي ، والمراغي في تفسيرهما ، وسيّد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) في ذيل الآية مورد البحث ، وهو في الأصل من (صحيح البخاري).

٣١٧

وهذه الآية في الحقيقة كالآية ـ ١٦٤ ـ في سورة آل عمران التي تقول :( لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

وقد احتمل بعضهم جملة( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ ) إشارة إلى أصل مقام النبوّة الذي يعطيه الله لمن يكون لائقا به ، غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب ، مع أنّه يمكن الجمع بين التّفسيرين بأن يقال : إنّ قيادة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت نعمة للامّة كما أنّ مقام النبوّة نعمة عظيمة لشخص الرّسول الكريم.

ولا نجد حاجة إلى القول بأنّ تعبير( مَنْ يَشاءُ ) لا يعني أنّ الله ينزل رحمته وبركاته بدون حساب وبلا سبب ، بل إنّ المشيئة هنا مرادفة للحكمة كما وصف الباري نفسه في بداية السورة بأنّه العزيز الحكيم.

يقول الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في معنى هذا الفضل الإلهي : «فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حيث بعث إليهم رسولا ، فعقد بملّته طاعتهم وجمع على دعوته ألفتهم ، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها ، وأسالت لهم جداول نعيمها ، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها ، فأصبحوا في نعمتها غرقين. وفي خضرة عيشها فكهين».

* * *

ملاحظة

الفضل الإلهي له حساب :

جاء في الحديث أنّ جمعا من الفقراء ذهبوا إلى رسول الله وقالوا : «يا رسول الله ، إنّ للأغنياء ما يتصدّقون وليس لنا ما نتصدّق ولهم ما يحجّون وليس لنا ما نحجّ ولهم ما يعتقون وليس لنا ما نعتق. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كبّر مائة مرّة كان أفضل من عتق رقبة ، ومن سبّح الله مائة مرّة كان أفضل من مائة فرس في سبيل الله يسرجها

٣١٨

ويلجمها. ومن هلّل الله مائة مرّة كان أفضل الناس عملا في ذلك اليوم إلّا من زاد.

فبلغ ذلك الأغنياء فقالوه. فرجع الفقراء إلى النبي فقالوا : يا رسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) ، (وهذه إشارة إلى أنّ ذلك لأمثالكم فإنّكم مشتاقون إلى الإنفاق ولا تملكون ما تنفقون).

أمّا الأغنياء فسبيل بلوغهم ثواب الله هو إنفاق أموالهم في سبيله(١) .

هذا الحديث شاهد على ما ذكرنا سابقا من أنّ ثواب الله وفضله لا يعطى بدون حساب.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٨٤.

٣١٩

الآيات

( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) )

التّفسير

الحمار الذي يحمل الأسفار :

جاء في بعض الرّوايات أنّ اليهود قالوا : (إذا كان محمّد قد بعث برسالة فإنّ رسالته لا تشملنا) فردّت عليهم الآية مورد البحث في أوّل بيان لها بأنّ رسالته قد

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624