الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل3%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 624

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 624 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196925 / تحميل: 5659
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) .

١٠ ـ يتصوّرون ويتخيّلون دائما أنّهم أعزّاء ، بينما الآخرون أذلّة( لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ ) .

هذا علما بأنّ علامات المنافقين لا تنحصر بهذه العلامات ، فقد وردت علامات اخرى في القرآن الكريم ونهج البلاغة ويمكن اكتشاف علامات اخرى من خلال معاشرتهم. ويمكن اعتبار العلامات العشر المذكورة أهمّ تلك العلامات. وصفهم أمير المؤمنين في إحدى خطب نهج البلاغة بقوله : «أوصيكم عباد الله بتقوى الله واحذّركم أهل النفاق ، فإنّهم الضالّون المضلّون ، والزالّون المزلّون ، يتلوّنون ألوانا ويفتنون افتنانا ويعمدونكم بكلّ عماد ، ويرصدونكم بكلّ مرصاد. قلوبهم دويّة وصفاحهم نقيّة ، يمشون الخفاء ويدبّون الضراء ، وصفهم دواء وقولهم شفاء وفعلهم الداء العياء ، حسدة الرخاء ومؤكّدو البلاء ومقنطو الرجاء ، لهم بكلّ طريق صريع وإلى كلّ قلب شفيع ولكلّ شجو دموع ، يتقارضون الثناء ويتراقبون الجزاء ، وإن سألوا ألحفوا ، وإن عذلوا كشفوا ، وإن حكموا أسرفوا ، قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلا ، ولكلّ قائم مائلا ، ولكلّ حي قاتلا ، ولكلّ باب مفتاحا ، ولكلّ ليل مصباحا ، يتوصّلون إلى الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم ، وينفقوا به أعلاقهم ، يقولون فيشبهون ويصفون فيموهون ، قد هونوا الطريق وأضلعوا المضيق ، فهم لمّة الشيطان وحمة النيران :

( أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) ».

٢ ـ خطر المنافقين

١ ـ يمثّل المنافقون ـ كما ورد في مقدّمة البحث ـ الخطر الأعظم الذي يواجه المجتمع ، وذلك لكونهم يعيشون داخل المجتمعات ، وعلى اطّلاع بكافّة الأسرار.

٢ ـ لا يمكن التعرّف عليهم بسهولة ، ويظهرون من الحبّ والصداقة بحيث لا

٣٦١

يستطيع الإنسان أن يرى ما خلفها من البغض والأحقاد.

٣ ـ عدم افتضاح وجوههم الحقيقة للناس ، الأمر الذي يجعل مواجهتهم بشكل مباشر عملا صعبا.

٤ ـ امتلاكهم ارتباطات عديدة بالمؤمنين (ارتباطات سببية ونسبية وغيرها).

٥ ـ يطعنون المجتمع بشكل مباغت ومن الخلف.

كلّ ذلك وغيره يجعل الخسائر التي تلحق بالمجتمع الإسلامي بسببهم كثيرة إلى الحدّ الذي لا يمكن تلافيها أحيانا. لهذا ينبغي وضع خطط حكيمة ودقيقة لدفع شرّهم ، وإنقاذ الامّة من أحقادهم.

جاء في حديث عن الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي لا أخاف على امّتي مؤمنا ولا مشركا ، أمّا المؤمن فيمنعه الله بإيمانه ، وأمّا المشرك فيخزيه الله بشركه ، ولكنّي أخاف عليكم كلّ منافق عالم اللسان ، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون»(١) .

مرّت بحوث مفصّلة حول المنافقين في التّفسير الأمثل ذيل الآيات ٨ ـ ١٦ ـ سورة البقرة.

وذيل الآيات ٦٠ إلى ٨٥ سورة التوبة.

وذيل الآيات ١٢ ـ ١٧ سورة الأحزاب.

وذيل الآية ٤٣ ـ ٤٥ سورة التوبة.

والخلاصة أنّ القرآن الكريم اهتمّ بهذه المجموعة اهتماما خاصّا أكثر من اهتمامه بأيّة فئة اخرى.

٣ ـ المنافق فارغ ومنخور

تهبّ العواصف على مدى الحياة وتتلاطم الأمواج العاتية ، ويتمسّك

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٦٠٦.

٣٦٢

المؤمنون بإيمانهم ، ويضعون الخطط الحكيمة للنجاة من ذلك ، فمرّة بالكرّ والفرّ واخرى بالهجمات المتتالية ، ويبقى المنافق معرّضا للعواصف لا يقوى على مصارعتها فينكسر ويتلاشى.

جاء في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز ، لا تهتزّ حتّى تستحصد»(١) .

وتعني «العزّة» في اللغة العربية القدرة والسلطان غير القابل للتصدّع والتدهور ، وقد جعل القرآن الكريم العزّة من الأمور التي يختصّ بها الله تعالى ، كما في الآية العاشرة من سورة فاطر حيث يقول :( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) .

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) .

فأولياء الله وأحبّاؤه يقتبسون نورا من نور الله فيأخذون عزّا من عزّته ، ولهذا فإنّ روايات إسلامية عديدة حذّرت المؤمنين من التنازل عن عزّتهم ونهتهم عن تهيأة أسباب الذلّة في أنفسهم ، ودعتهم بإلحاح إلى الحفاظ على هذه العزّة.

فقد ورد في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) .

قالعليه‌السلام «المؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا المؤمن أعزّ من الجبل ، إنّ الجبل يستفلّ منه بالمعاول والمؤمن لا يستفلّ من دينه شيء»(٢) .

وفي حديث آخر لهعليه‌السلام قال فيه : «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه. قيل له : وكيف يذلّ نفسه؟ قالعليه‌السلام : يتعرّض لما لا يطيق»(٣) .

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٦٣.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٣٦ ، عن الكافي.

(٣) المصدر السابق.

٣٦٣

وفي حديث ثالث عن الإمام الصادقعليه‌السلام جاء فيه : «إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن أموره كلّها ، ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه ، ألم تر قول الله سبحانه وتعالى هاهنا :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) . والمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا»(١) .

كنّا قد تطرّقنا إلى بحث هذا الموضوع في ذيل الآية (١٠) سورة فاطر ، في هذا التّفسير.

* * *

__________________

(١) المصدر السابق.

٣٦٤

الآيات

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١) )

التّفسير

لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم!

إنّ حبّ الدنيا والتكالب على الأموال والانشداد إلى الأرض ، من الأسباب المهمّة التي تدفع باتّجاه النفاق ، وهذا ما جعل القرآن يحذّر المؤمنين من مغبّة الوقوع في هذه المصيدة الخطيرة( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) .

ورغم أنّ الأموال والأولاد من النعم الإلهية التي يستعان بها على طاعة الله

٣٦٥

وتحصيل رضوانه ، لكنّها يمكن أن تتحوّل إلى سدّ يحول بين الإنسان وخالقه إذا ما تعلّق به الإنسان بشكل مفرط.

جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام يجسّد هذا المعنى بأوضح وجه «ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع ، هذا في أوّلها وهذا في آخرها ، بأسرع فيها من حبّ المال والشرف في دين المؤمن»(١) .

اختلف المفسّرون في معنى «ذكر الله» ففسّرها البعض بأنّه الصلوات الخمس ، وقال آخرون : إنّه شكر النعمة والصبر على البلاء والرضى بالقضاء ، وقيل : إنّه الحجّ والزكاة وتلاوة القرآن ، وقيل أنّه كلّ الفرائض.

ويبدو أنّ لـ (ذكر الله) معنى واسعا يشمل كلّ تلك المصاديق.

ولهذا وصف القرآن الكريم أولئك الذين يرحلون عن الدنيا دون أن يستثمروا نعم الله في بناء الحياة الخالدة وتعمير الآخرة بأنّهم «الخاسرون» فقد خرجوا من هذه الدنيا وهم منشغلون بالأموال والأمور الزائلة التي لا بقاء ولا دوام لها.

بعد هذا التحذير الشديد يأمر الله تعالى بالإنفاق في سبيله حيث يقول :( وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) .

والأمر بالإنفاق هنا يشمل كافّة أنواع الإنفاق الواجبة والمستحبّة ، رغم قول البعض بأنّها تعني التعجيل في دفع الزكاة.

والطريف أنّه جاء في ذيل الآية( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) لبيان تأثير

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب حبّ الدنيا ، حديث ٣.

(٢) يلاحظ في الآية أعلاه : أنّ «أصّدّق» منصوب و «أكن» مجزوم ، وكلاهما معطوف على الآخر ، لأنّ «أكن» عطف على محلّ «أصدّق» وفي التقدير هكذا : «إن أخّرتني أصدّق وأكن من الصالحين».

٣٦٦

الإنفاق في صلاح الإنسان ، وإن فسّره البعض بأنّه أداء «مراسم الحجّ» كما عبّرت بعض الروايات عن نفس هذا المعنى فهو من قبيل ذكر المصداق البارز.

وأراد القرآن أن يلفت الأنظار إلى أنّ الإنسان لا يقول هذا الكلام بعد الموت ، بل عند الموت والاحتضار ، إذ قال :( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) .

وقال( مِمَّا رَزَقْناكُمْ ) ليؤكّد أنّ جميع النعم ـ وليس الأموال فقط ـ هي من عند الله ، وأنّها ستعود إليه عمّا قريب ، فلا معنى للبخل والحرص والتقتير.

على أي حال فإنّ هناك عددا كبيرا من الناس يضطربون كثيرا حينما يجدون أنفسهم على وشك الانتقال إلى عالم البرزخ ، والرحيل عن هذه الدنيا ، وترك كلّ ما بنوا فيها من أموال طائلة وملاذ واسعة ، دون أن يستثمروها في تعمير الآخرة.

عندئذ يتذكّر هؤلاء ويطلبون العودة إلى الحياة الدنيا مهما كان الرجوع قصيرا وعابرا ، ليعوّضوا ما فات ، ويأتيهم الجواب( وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ) .

وفي الآية ٣٤ من سورة الأعراف( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) .

ثمّ تنتهي الآية بهذه العبارة( وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) فقد سجل كلّ شيء عنكم وستجدونه محضرا من ثواب وعقاب.

* * *

تعقيب

١ ـ طريقة التغلّب على الاضطرابات والقلق

جاء في أحوال الشيخ والعالم الكبير «عبد الله الشوشتري» وهو من معاصري العلّامة «المجلسي» أنّه كان يحبّ ولده كثيرا ، فاتّفق أنّه مرض مرضا شديدا ، فلمّا حضر أبوه المرحوم الشيخ عبد الله إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة كان مشدوه

٣٦٧

البال مشتّت الشعور ـ وحينما بلغ قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ) في سورة المنافقون أخذ يكرّرها مرّات عديدة ، وحينما سئل بعد الفراغ عن سبب ذلك قال : لقد تذكّرت ولدي حينما بلغت هذا المقطع من السورة ، فجاهدت نفسي وروّضتها بتكرار هذه الآية إلى الحدّ الذي اعتبرته ميّتا وكأنّ جثمانه أمامي فانصرفت من الآية(١) .

٢ ـ النفاق العقائدي والنفاق العملي

للنفاق معنى واسع يشمل كلّ أنواع اختلاف الظاهر عن الباطن ، ومصداقه البارز هو النفاق العقائدي الذي تتحدّث عنه سورة المنافقون.

أمّا النفاق العملي فهو وصف لحالة بعض الناس المؤمنين بالإسلام حقّا ، ولكنّهم يرتكبون أعمالا تناقض اعتقادهم ، كالكذب ونقض العهد وخيانة الأمانة.

جاء في رواية عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ثلاث من كنّ فيه كان منافقا ، وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف»(٢) .

وفي حديث آخر عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق»(٣) .

وفي حديث آخر عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام «إنّ المنافق ينهى ولا ينتهى ، ويأمر بما لا يأتي»(٤) .

اللهمّ ، إنّ دائرة النفاق واسعة ، ولا نجاة لنا منه دون لطفك ورحمتك فأعنّا

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ١٧١.

(٢) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٦٠٥.

(٣) اصول الكافي ج ٢ (باب صفة النفاق حديث ٦).

(٤) نفس المصدر ، حديث ٣.

٣٦٨

على ذلك.

ربّنا ، اجعلنا من الذين لا تأكلهم الحسرة عند توديعهم لهذه الدنيا.

اللهمّ ، إنّ العزّة لك ولأوليائك ، وخزائن السموات والأرض لك لا لغيرك.

فأنزل علينا من بركاتك ، ولا تحرمنا من فيض خزائنك.

أمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة المنافقين

* * *

٣٦٩
٣٧٠

سورة

التّغابن

مدنيّة

وعدد آياتها ثماني عشرة آية

٣٧١
٣٧٢

«سورة التغابن»

محتوى السورة :

هناك خلاف شديد بين المفسّرين في مكان نزول هذه السورة ، هل هو المدينة أو مكّة؟ علما بأنّ الرأي المشهور هو أنّ السورة مدنية. وقال آخرون : إنّ الآيات الثلاث الأخيرة مدنيّة والباقي مكيّة.

ومن الواضح أنّ سياق الآيات الأخيرة في هذه السورة ينسجم مع السور المدنية ، وصدرها أكثر انسجاما مع السور المكيّة ، ولكنّنا نرى أنّها مدنية طبقا للمشهور.

نقل «عبد الله الزنجاني» في كتابه القيّم (تأريخ القرآن) عن فهرس «ابن النديم» أنّ سورة التغابن هي السورة المدنية الثالثة والعشرون. ونظرا لأنّ مجموع السور المدنية يبلغ ٢٨ سورة فستكون هذه السورة من أواخر السور المدنية.

ويمكن تقسيم هذه السورة من حيث المواضيع التي احتوتها إلى عدّة أقسام :

١ ـ بداية السورة التي تبحث في التوحيد وصفات وأفعال الله تعالى.

٢ ـ حثّ الناس على ملاحظة أعمالهم ظاهرا وباطنا ، وأن لا يغفلوا عن مصير الأقوام السابقين.

٣ ـ في قسم آخر من السورة يجري الحديث عن المعاد ، وأنّ يوم القيامة «يوم تغابن» ، تغبن فيه جماعة وتفوز فيه جماعة ، واسم السورة مشتقّ من هذا المفهوم.

٣٧٣

٤ ـ الأمر بطاعة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحكيم قواعد النبوّة.

٥ ـ ويأمر الله تبارك وتعالى في القسم الأخير من السورة بالإنفاق في سبيله ، ويحذّر من الانخداع بالأموال والأولاد والزوجات. وتختم السورة بذكر صفات الله تبارك وتعالى.

فضيلة تلاوة السورة :

في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من قرأ سورة التغابن رفع عنه موت الفجأة»(١) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام «من قرأ سورة التغابن في فريضة كانت شفيعة له يوم القيامة ، وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها ، ثمّ لا تفارقه حتّى يدخل الجنّة»(٢) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٢٩٦.

(٢) المصدر السابق.

٣٧٤

الآيات

( يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) )

التّفسير

يعلم ما تخفي الصدور :

تبدأ هذه السورة بتسبيح الله ، الله المالك المهيمن على العالمين القادر على كلّ شيء( يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) ويضيف( لَهُ الْمُلْكُ ) والحاكمية

٣٧٥

على عالم الوجود كافّة ، ولهذا السبب :( وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

ولا حاجة للحديث عن تسبيح المخلوقات جميعا لله الواحد الأحد بعد أن تطرّقنا إلى ذلك في مواضع عديدة ، وهذا التسبيح ملازم لقدرته على كلّ شيء وتملّكه لكلّ الأشياء ، ذلك لأنّ كلّ أسرار جماله وجلاله مطوية في هذين الأمرين.

ثمّ يشير تعالى إلى أمر الخلقة الملازم لقدرته ، إذ يقول تعالى :( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) وأعطاكم نعمة الحرية والإختيار( فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) .

وبناء على هذا فإنّ الامتحان الإلهي يجد له في هذا الجو مبرّرا كافيا ومعنى عميقا( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .

ثمّ يوضّح مسألة الخلقة أكثر بالإشارة إلى الهدف منها ، إذ يقول في الآية اللاحقة :( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ ) .

فإنّ هذا الخلق الحقّ الدقيق ينطوي على غايات عظيمة وحكمة بالغة ، حيث يقول تعالى في الآية (٢٧) من سورة ص :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .

ثمّ يتحدّث القرآن الكريم عن خلق الإنسان ، ويدعونا بعد آيات الآفاق إلى السير في آفاق الأنفس ، يقول تعالى :( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) . لقد صوّر الإنسان بأحسن الصور وأجملها ، وجعل له من المواهب الباطنية الفكرية والعقلية ما جعل العالم كلّه ينطوي فيه. وأخيرا تنتهي الأمور إليه تعالى( وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) .

نعم ، إنّ هذا الإنسان الذي هو جزء من عالم الوجود ، ينسجم من ناحية الخلقة والفطرة مع سير هذا العالم أجمع وغاية الوجود ، حيث يبدأ من أدنى المراتب ويرتقي إلى اللامحدود حيث القرب من الحقّ تبارك وتعالى.

جملة :( فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) يراد بها الإشارة إلى المظهر الخارجي والمحتوى الداخلي على حدّ سواء. وأنّ التأمّل في خلق الإنسان وصورته ، يظهر مدى القدرة

٣٧٦

التي خلق بها البارئ هذا المخلوق الرائع ، الذي امتاز على كلّ ما سواه من المخلوقات.

ولأنّ الإنسان خلق لهدف سام عظيم ، فعليه أن يكون دائما تحت إرادة البارئ وضمن طاعته ، فإنّه( يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

تجسّد هذه الآية علم الله اللامتناهي في ثلاثة مستويات : علمه بكلّ المخلوقات ، وما في السموات والأرض.

ثمّ علمه بأعمال الإنسان كافّة ، سواء أضمرها أو أظهرها.

والثالث علمه بنيّة الإنسان وعقائده الداخلية التي تحكم قلب الإنسان وروحه.

ولا شكّ أنّ معرفة الإنسان بهذا العلم الإلهي ستترك عليه آثارا تربوية كثيرة ، وتحذّره بأنّ جميع تحرّكاته وسكناته وكلّ تصرّفاته ونيّاته ، وفي أي مكان كانت ، إنّما هي في علم الله وتحت نظره تبارك وتعالى. وممّا لا شكّ فيه أنّ ذلك سيهيئ الإنسان للحركة نحو الرقي والتكامل.

ثمّ يلفت القرآن الكريم الانتباه إلى أهمّ عامل في تربية الإنسان وتعليمه ، وهو الاتّعاظ بمصارع القرون وما جرى على الأقوام السالفة حيث يقول :( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

ألم تمرّوا على مدنهم المهدّمة وآثارهم المدمّرة في طريقكم إلى الشام والأماكن الاخرى ، فتروا بامّ أعينكم نتيجة كفرهم وظلمهم. اقرأوا أخبارهم في التاريخ ، بعضهم أخذته العواصف ، وآخرون أتى عليهم الطوفان ، وكان هذا عذابهم في الدنيا وفي الآخرة لهم عذاب أشدّ.

ثمّ تشير الآية اللاحقة إلى سبب هذه العاقبة المؤلمة وهو الغرور والتكبّر على الأنبياء :( ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ

٣٧٧

يَهْدُونَنا ) وبهذا المنطق عصوا وكفروا( فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا ) والله في غنى عن طاعتهم( وَاسْتَغْنَى اللهُ ) فطاعتهم لأنفسهم وعصيانهم عليها( وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) .

ولو كفرت كلّ الكائنات لما نقص من كبريائه تعالى شيء ، كما أنّ طاعتهم لا تزيده شيئا. نحن الذين نحتاج إلى كلّ هذه التعليمات والمناهج التربوية.

عبارة( وَاسْتَغْنَى اللهُ ) مطلقة تبيّن استغناء البارئ عن الوجود كلّه ، وعدم حاجته إلى شيء أبدا ، بما في ذلك إيمان الناس وطاعتهم ، كي لا يتصوّروا ـ خطأ ـ أنّ الله عند ما يؤكّد على الطاعة والإيمان فبسبب حاجة أو نفع يصيبه سبحانه.

وقال آخرون في معنى عبارة( اسْتَغْنَى اللهُ ) بأنّها إشارة إلى الحكم والآيات والمواعظ التي أعطاها الله تعالى إيّاهم ، إذ لا يحتاجون بعدها إلى شيء.

* * *

٣٧٨

الآيات

( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) )

التّفسير

يوم التغابن وظهور الغبن :

في أعقاب تلك الآيات التي بحثت مسألة الخلقة والهدف من الخلق ، جاءت هذه الآيات لتكمّل البحث الذي يطرح قضيّة المعاد والقيامة ، حيث يقول تعالى :

٣٧٩

( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ) .

«زعم» من مادة (زعم) ـ على وزن طعم ـ تطلق على الكلام الذي يحتمل أو يتيقن من كذبه ، وتارة تطلق على التصور الباطل وفي الآية المراد هو الأوّل.

ويستفاد من بعض كلمات اللغويين أنّ كلمة «زعم» جاءت بمعنى الإخبار المطلق ، بالرغم من أنّ الاستعمالات اللغوية وكلمات المفسّرين تفيد أنّ هذا المصطلح قد ارتبط بالكذب ارتباطا وثيقا ، ولذلك قالوا «لكلّ شيء كنية وكنية الكذب ، الزعم».

على أي حال فإنّ القرآن الكريم يأمر الرّسول الأكرم في أعقاب هذا الكلام بقوله :( قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) .

إنّ أهمّ شبهة يتمسّك بها منكرو المعاد هي كيفية إرجاع العظام النخرة التي صارت ترابا إلى الحياة مرّة اخرى ، فتجيب الآية الكريمة :( ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) لأنّهم في البداية كانوا عدما وخلقهم الله ، فإعادتهم إلى الوجود مرّة أخرى أيسر

بل احتمل بعضهم أنّ القسم بـ (وربّي) هو بحدّ ذاته إشارة لطيفة إلى الدليل على المعاد ، لأنّ ربوبية الله تعالى لا بدّ أن تجعل حركة الإنسان التكاملية حركة لها غاية لا تنحصر في حدود الحياة الدنيا التافهة.

بتعبير آخر إنّنا لو لم نقبل بمسألة المعاد ، فإنّ مسألة ربوبية الله للإنسان ورعايته له لا يبقى لها مفهوما البتة.

ويعتقد البعض أنّ عبارة( وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) ترتبط بإخبار الله تعالى عن أعمال البشر يوم القيامة ، التي جاءت في العبارة السابقة ، ولكن يبدو أنّها ترجع إلى المضمون الكلّي للآية. (أصل البعث وفرعه) الذي هو الإخبار عن الأعمال التي تكون مقدّمة للحساب والجزاء.

ولا بدّ أن تكون النتيجة كما قرّرتها الآية اللاحقة وأنّه بعد أن ثبت أنّ المعاد حقّ :( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) .

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624