الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 624

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 624
المشاهدات: 185277
تحميل: 4716


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 624 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185277 / تحميل: 4716
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 18

مؤلف:
العربية

ولكن من الواضح أنّ ذلك لا يشمل كلّ بادرة للخلاف وعدم الانسجام ، فإنّ التعبير بـ «الفاحشة» يكشف عن كون ذلك العمل على قدر كبير من القبح ، وخاصّة حينما وصفها بأنّها «مبيّنة».

وربّما كان المقصود «بالفاحشة» عملا يتنافى مع العفّة ، فقد جاء في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام ما يشابه ذلك المعنى ، وأنّ الغرض من «الإخراج» هنا هو الإخراج لإجراء الحدّ ، ومن ثمّ الرجوع والعودة إلى البيت.

ويمكن الجمع بين هذين المعنيين.

بعد بيان هذه الأحكام يؤكّد القرآن الكريم ـ مرّة اخرى ـ بقوله :( وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) . لأنّ الغرض من هذه الأحكام هو إسعاد الناس أنفسهم ، والتجاوز على هذه الأحكام ـ سواء من قبل الرجل أو المرأة ـ يؤدّي إلى توجيه ضربة قويّة إلى سعادتهم.

ويقول تعالى في لفتة لطيفة إلى فلسفة العدّة ، والحكمة من تشريعا ، وعدم السماح للنساء المعتقدات بالخروج من مقرّهن الأصلي البيت ، يقول :( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) .

ومع مرور الزمن يهدأ طوفان الغضب والعصبية الذي قد يسبّب الطلاق ، غير أنّ مرور الزمن وحضور الزوجة إلى جانب زوجها خلال هذه الفترة في البيت ، وإظهار ندم ومحبّة كلّ واحد منهما إلى الآخر ، وكذلك التفكير مليّا في عواقب هذا العمل القبيح ، خاصّة مع وجود الأطفال ، كلّ هذه الأمور قد تهيئ أرضية صالحة للرجوع عن هذا القرار المشؤوم ، وتساهم في تبديد الغيوم التي تكدّر سماء العلاقة الزوجية.

وفي إشارة لطيفة إلى هذا المعنى جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام «المطلّقة تكتحل وتختضب وتطيّب وتلبس ما شاءت من الثياب ، لأنّ اللهعزوجل

٤٠١

يقول :( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) لعلّها تقع في نفسه فيراجعها»(١) .

نعود إلى القول بأنّ التصميم على الانفصال والطلاق يحدث في الغالب تحت تأثير الهيجان والانفعالات العابر ، التي قد تنتهي وتتبدّد بمرور الزمن (أي أثناء فترة العدّة) فإنّ التفكير جيّدا في هذا الأمر قد يؤدّي إلى رجوع أحدهما إلى الآخر ، وتجاوز حالات عديدة من الخلاف أثناء هذه الفترة ، ولكن بشرط أن تراعى الأحكام الإسلامية أثناء فترة العدّة بشكل دقيق.

وسيتّضح فيما بعد ـ إن شاء الله ـ أنّ ذلك كلّه يرتبط بحالة «الطلاق الرجعي».

* * *

ملاحظات

١ ـ أبغض الحلال إلى الله الطلاق

ممّا لا شكّ فيه أنّ عقد الزوجية من جملة العقود والمواثيق القابلة للفسخ ، فهناك حالات من الخلاف لا يمكن معها استمرار العلاقة الزوجية ، وإلّا فإنّها ستؤدّي إلى مشاكل ومفاسد خطيرة وعديدة. ولهذا نجد الإسلام قد شرّع أمر الطلاق من الناحية المبدأية.

بينما نلاحظ المجتمعات المسيحية التي منعت الطلاق ـ بأي شكل من الأشكال ـ تعيش مشاكل متعدّدة نتيجة لذلك ، فغالبا بما يعيش الزوجان المختلفان حالة انفصال وتباعد ، أو حالة طلاقة من الناحية العملية ، رغم عدم الاعتراف بذلك من الناحية الرسمية. وكثيرا يلجأ الزوجان إلى إختيار زوج آخر غير رسمي.

وبناء على ذلك فإنّ أصل الطلاق من الضروريات التي لا يمكن إلغاؤها بأي وجه من الوجوه ، ولكن ينبغي أن لا يصار إليها إلّا في الحالات التي يتعذّر فيها

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٥٢ ، حديث ٣٤.

٤٠٢

مواصلة العلاقة الزوجية والحياة المشتركة.

ولهذا نجد أنّ الطلاق قد ذمّ في روايات إسلامية عديدة ، وذكر على أنّه (أبغض الحلال إلى الله).

ففي رواية عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «ما من شيء أبغض إلى اللهعزوجل من بيت يخرّب في الإسلام بالفرقة ، يعني الطلاق»(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق»(٢) .

وفي آخر عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش»(٣) .

وكيف لا يكون كذلك؟! والطلاق هو السبب وراء مآس عديدة تحلّ بالعوائل والرجال والنساء ، وأكثر منهم بالأطفال والأولاد ، ويمكن تقسيم تلك المآسي إلى ثلاثة أقسام :

١ ـ المشاكل العاطفية :

ممّا لا شكّ فيه أنّ انتهاء العلاقة الزوجية بالطلاق والفراق ، بعد حياة مشتركة عاشها الزوج والزوجة معا ، ستترك آثارا سيّئة على الصعيد العاطفي على كلا الطرفين. وإذا أقدم أحدهما على الزواج مرّة اخرى فسيبقى ينظر بشيء من القلق والارتياب إلى الطرف الآخر ، وربّما أعرض بعضهم عن الزواج نهائيا تحت تأثير التجربة الاولى الفاشلة.

٢ ـ المشاكل الاجتماعية :

غالبا ما تحرم النساء المطلّقات من الحصول على الزوج المؤهّل والكفوء مرّة اخرى ، كما قد يواجه الرجال نفس المسألة حينما يبدأون يفكّرون بالزواج مرّة اخرى ، وقد يضطرّ هؤلاء إلى الزواج رغم عدم

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٢٦٦ ، حديث ١.

(٢) نفس المصدر ، حديث ٥.

(٣) نفس المصدر ، حديث ٧.

٤٠٣

قناعاتهم ، الأمر الذي يؤدّي إلى فقدان السعادة والراحة إلى الأبد. خصوصا مع وجود أطفال من الزواج الأوّل.

٣ ـ مشاكل الأطفال :

وهذه أهمّ المشاكل حيث يحرم الأطفال من حنان ورعاية الامّ ، ويعيشون في كنف زوجة أبيهم التي لا تنظر إلى هؤلاء الأطفال أو تعاملهم كما تعامل أطفالها الحقيقيين. وبهذا سيعيش الأبناء فراغا عاطفيا من هذا الجانب لا يعوّضه شيء.

وتتكرّر نفس الصورة فيما إذا حملت المرأة أطفالها معها إلى الزوج الجديد ، فإنّ هذا الزوج الجديد لا يحلّ غالبا محلّ الأب الحقيقي.

وهذا لا يعني أنّه لا يوجد نساء أو رجال يمتلكون المحبّة والشفقة التي تمتلكها الأمّهات أو الآباء تجاه أطفالهم ، ولكن مثل هؤلاء الناس قليلون في المجتمع ويندر الحصول عليهم.

وبناء على ذلك سيعيش هؤلاء الأطفال المحرومون من حبّ الامّ والأب عقدا معيّنة على الصعيد الروحي والعاطفي ، وربّما يؤدّي إلى فقدانهم السلامة الروحية. ولهذا سيعاني المجتمع بأجمعه ـ وليس العائلة فقط ـ من هؤلاء الأطفال الذين قد يشكّلون في بعض الأحيان ظاهرة خطيرة عند ما يعيشون حالة النقص وحبّ الانتقام من المجتمع.

وعند ما وضع الإسلام كلّ تلك الموانع والصعوبات بوجه الطلاق ، فإنّما أراد أن يجنّب المجتمع الإسلامي الوقوع بتلك المشاكل. ولهذا السبب أيضا نلاحظ القرآن الكريم قد حثّ بشكل صريح كلا من الرجل والمرأة على أن يتّجها إلى العائلة والأقرباء لحلّ الاختلاف والمشاكل التي قد تنشأ بينهما ، عن طريق تشكيل محكمة صلح عائلية تعرض عليها الاختلافات والنزاعات بدل عرضها على المحاكم الشرعية وحصول الطلاق والانفصال. (وضّحنا هذا الأمر ـ أي محكمة الصلح العائلية في ذيل الآية ٣٥ سورة النساء).

٤٠٤

وفي نفس الوقت نجد أنّ الإسلام شجّع كلّ ما من شأنه تقوية الأواصر العائلية وتقويتها ، وشجب كلّ محاولة لإضعافها وتفكيكها.

٢ ـ أسباب الطلاق :

لا يختلف الطلاق عن الظواهر الاجتماعية الاخرى التي تمدّ جذورها في المجتمع وتشارك في تكوينها أسباب وامور عديدة متشابكة. وعمليّة منعها والوقوف بوجهها تبقى بدون جدوى ما لم يتمّ النظر إليها بشكل دقيق يتناول جميع العوامل التي تقف وراءها ، وهي كثيرة جدّا منها :

أـ التوقّعات والآمال المفرّطة التي يبنيها كلّ واحد منهما على الطرف الثاني ، فلو أنّهما جعلا توقّعهما في دائرة محدودة ومعقولة وتجنّبا التوغّل في عالم الخيال ، وأدرك كلّ واحد منهما الطرف الآخر جيّدا ، وحصر التوقّع في المجالات الممكنة ، فحينئذ يمكن الحيلولة دون وقوع الكثير من حالات الطلاق.

ب ـ استحكام روح طلب الماديّات ووسائل الرفاه المختلفة يجعل الإنسان ـ وخاصّة النساء ـ في حالة عدم قناعة مستمرّة ، ممّا يسهّل حصول عملية الطلاق والانفصال عند مواجهة أبسط الحوادث تحت ذرائع وحجج متنوّعة.

ج ـ تدخّلات الأقرباء في الشؤون الخاصّة للزوجين ، وخاصّة تلك التدخلات في موارد الاختلافات بين الزوجين. ويعدّ ذلك من العوامل المهمّة التي تساعد على الطلاق.

ونلاحظ من خلال التجربة أنّ خلافات الزوجين إذا ما تركت لشأنها دون تدخّل من الأقارب فسوف تتلاشى وتنطفئ شيئا فشيئا. أمّا إذا تمّ دخول طرف من الأقارب والمتعلّقين دخولا متحيّزا متعصّبا ، فإنّه سيؤدّي إلى إشعال هذه الخلافات وتعقيدها أكثر.

ولكن هذا لا يعني أن يبعد الأقرباء أنفسهم عن هذه الاختلافات دائما ودون

٤٠٥

استثناء ، فإنّ دخولهم حينما تكبر المشكلة وتخرج عن كونها خلافا جزئيّا جانبيّا يكون لصالح العلاقة الزوجية ودوامها ، خصوصا إذا كان تدخّلا خاليا من التعصّب والانحياز.

د ـ عدم التفات كلّ من الزوجة والزوج إلى رغبات وطلبات أحدهما من الآخر ، ففي الوقت الذي يحبّ الزوج أن تكون زوجته دائما جذّابة نظيفة ، كذلك تحبّ الزوجة لزوجها أن يكون كذلك. ولكن هذه الرغبات غالبا ما تكون مكبوتة لا يحاول كلّ منهما إبرازها والإعلان عنها.

وهكذا فإنّ عدم اهتمام الأزواج بهندامهم وترك التزيين والترتيب ، وعدم الاهتمام بالنظافة ، كلّ تلك الأمور تمنع الزوج أو الزوجة من الاستمرار بمشروع الزواج ، خاصّة إذا كان هناك من يهتمّ بهذه المسائل في المحيط الذي يعيش فيه هؤلاء الزوجان.

لهذا نجد الروايات الإسلامية أعطت أهميّة خاصّة لهذا الجانب ، فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها»(١) .

وجاء في حديث آخر عنه أيضاعليه‌السلام : «ولقد خرجن نساء من العفاف إلى الفجور ما أخرجهنّ إلّا قلّة تهيئة أزواجهنّ»(٢) .

ه ـ عدم تناسب المستوى الثقافي للعوائل ، وكون الزوج يعيش نوعا من الثقافة العائلية لا تنسجم مع ثقافة الزوجة العائلية. ولهذا ينبغي التدقيق في هذا الأمر قبل الإقدام على الزواج ، فالمطلوب ليس فقط «الكفاءة الشرعية» أي الالتزامات الإسلامية ، وإنما يجب أن تتوفّر ـ أيضا ـ «الكفاءة الفرعية» أي التماثل والتشابه في الأمور الاخرى بين الطرفين. وإلّا فحدوث تصدع في العائلة غير مستبعد.

__________________

(١) مكارم الأخلاق ، ص ٩١ ـ ١٠٧.

(٢) المصدر السابق.

٤٠٦

٣ ـ فلسفة ضبط وإحصاء العدّة

ممّا لا شكّ فيه أنّ للعدّة حكمتين أساسيتين أشير إليهما في القرآن الكريم والروايات الإسلامية.

الاولى : مسألة حفظ النسل واتّضاح وضع المرأة من حيث الحمل وعدمه.

والاخرى : توفير فرصة جيّدة للرجوع عن الطلاق والعودة إلى الحياة الاولى ، والقضاء على عوامل الانفصال التي تمّت الإشارة إليها في الآية أعلاه ، علما أنّ الإسلام يؤكّد على بقاء النساء في بيوت الأزواج أثناء العدّة ، ممّا يسمح بالبحث مرّة اخرى عن وسائل للعودة ، وترك الانفصال عن بعضهما.

وخصوصا في حالة الطلاق الرجعي(١) حيث لا يحتاج الرجوع إلى الزوجة إلى أيّة مراسيم أو أمور رسمية. وكلّ عمل يعتبر عودة عن هذا الطريق ولو بمجرّد وضع الرجل يده على جسم المرأة ، حتّى لو كان بدون شهوة ، فإنّه يعتبر رجوعا عن الطلاق.

وإذا ما مرّت هذه الفترة (أي فترة العدّة) دون أن تظهر أي بادرة للصلح والتوافق ، فهذا يعني أنّهما غير مستعدّين للاستمرار في الحياة الزوجية.

أوردنا شرحا لهذا الموضوع في ذيل الآية (٢٢٨) سورة البقرة.

* * *

__________________

(١) المقصود من «الطلاق الرجعي» ـ هو الطلاق الذي يحدث بإصرار ومبادرة من الرجل أوّل وثاني مرّة ـ.

٤٠٧

الآيات

( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣) )

التّفسير

فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف :

يشير في الآية مورد البحث ، وكاستمرار للأبحاث المرتبطة بالطلاق التي وردت في الآيات السابقة ، إلى عدّة أحكام اخرى ، إذ يقول تعالى في البداية :( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) .

المراد ببلوغ الأجل «الوصول إلى نهاية المدّة» وليس المقصود أن تنتهي العدّة تماما ، بل تشرف على الانتهاء ، فإنّ الرجوع بعد نهاية العدّة غير جائز ، إلّا أن

٤٠٨

يكون إبقاؤهنّ عن طريق صيغة عقد جديدة ، ولكن هذا المعنى بعيد جدّا عن سياق ومفهوم الآية.

على أي حال فإنّ هذه الآية تطرح أهمّ الأواصر المرتبطة بالحياة الزوجية وأكثرها نضجا ، وهي : إمّا أن يعيش الرجل مع المرأة بإحسان ومعروف وتوافق ، أو أن ينفصلا بإحسان.

فالانفصال ينبغي أن يتمّ بعيدا عن الهياج والعربدة ، وعلى اصول صحيحة ، ويجب أن تحفظ فيه الحقوق واللياقات لكي تكون أرضية صالحة ومهيّأة للعودة والرجوع إذا ما قرّرا الرجوع إلى الحياة المشتركة فيما بعد ، فإنّ العودة إذا تمّت في جو مظلم ملبّد بالخلافات والتعدّيات ، فسوف لا تكون عودة موفّقة تستطيع الاستمرار مدّة طويلة. هذا إضافة إلى أنّ الانفصال بالطريقة غير اللائقة قد يترك آثارا ، ليس فقط على الزوج والزوجة ، وإنّما قد تتعدّى إلى عشيرة وأقرباء كلّ منهما ، وتقطع طريق المساعدة لهما في المستقبل.

ومن اللطيف حقّا أن تحاط كلّ الصداقات والعلاقات المشتركة بين الناس بجوّ من الإحسان والاحترام المتبادل للحقوق والشعور بالمسؤولية ، وحتّى لو وقع الطلاق فيجب أن يتمّ أيضا بإحسان ودون مشاكل ، فإنّ ذلك يعتبر بحدّ ذاته نوعا من الإنتصار والموفّقية لكلا الطرفين.

ويتّضح ممّا سبق أنّ (الإمساك بالمعروف والطلاق بالمعروف) له معنى واسع يشمل جميع الواجبات والمستحبّات والآداب والأخلاق التي تقتضيها تلك العلاقة.

ثمّ يذكر القرآن الكريم الحكم الثاني حيث يقول :( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) .

وذلك لكي لا يستطيع أحد أن ينكر في المستقبل ما جرى.

وبعض المفسّرين احتمل الإشهاد لكلا الأمرين : الطلاق والرجوع ، غير أنّ

٤٠٩

الإشهاد ليس واجبا قطعا في التزويج فضلا عن الرجوع. وعلى فرض أنّ المورد يشمل الرجوع فيكون من باب الاستحباب.

وفي الحكم الثالث يبيّن القرآن الكريم وظيفة الشهود ، حيث يقول :( وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ) حذار أن يكون ميلكم وحبّكم لأحد الطرفين مانعا عن إظهار الحقّ ، وينبغي أن تتمّ الشهادة لله ولإظهار الحقّ ، وينبغي أن يكون الشهود عدولا ، ولما كانت عدالة الشاهد لا تعني انّه معصوم من الذنب ، ولهذا يحذّرهم الله تعالى لكي يراقبوا أنفسهم لئلّا ينحرفوا عن جادّة الحقّ بعلم أو بغير علم.

وينبغي أن يشار إلى أنّ تعبير( ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) دليل على أنّ الشاهدين يجب أن يكونا مسلمين عادلين ومن الذكور.

ولتأكيد الأحكام السابقة جميعا تقول الآية الكريمة :( ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) .

ربّما اعتبر البعض «ذلكم» إشارة ـ فقط ـ إلى مسألة التوجّه إلى الله ومراعاة العدالة من جانب الشهود ، غير أنّ الظاهر أنّ هذا التعبير يشمل كلّ الأحكام السابقة حول الطلاق.

وعلى أيّة حال فإنّ هذا التعبير دليل على الأهمية القصوى التي يولّيها القرآن الكريم لأحكام الطلاق ، التي إذا تجاوزها أحد ولم يتّعظ بها فكأنّه أنكر الإيمان بالله واليوم الآخر.

وبسبب المشاكل المعيشية والحياة المستقبلية فإنّ الزوجين قد ينحرفان عن جادّة الصواب عند الطلاق والرجوع ، وقد تضغط هذه الظروف على الشاهدين فتمنعانهما عن أداء الشهادة الصحيحة والعادلة ، لهذا تؤكّد الآية في نهايتها قائلة :( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) ويساعده حتما على إيجاد الحلّ لمشكلاته.

( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ولا يتصوّر تحصيله.

( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) وسيكفيه ما يهمّه من أموره.

٤١٠

( إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) لأنّ اللهعزوجل قادر مطلق ، وأمره نافذ في كلّ شيء وتخضع جميع الكائنات لمشيئته وإرادته

ولهذا يحذّر النساء والرجال والشهود أن لا يخافوا قول الحقّ ، ويحثّهم على الاعتماد عليه واللجوء إليه في تيسير الصعوبات ، لأنّه قد تعهّد بأن ييسّر للمتّقين أمرهم ، ويجعل لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.

لقد تعهّد الله أن لا يترك من توكّل عليه يتخبّط في حيرته ، وإنّه لقادر على الوفاء بهذا التعهّد.

ورغم أنّ هذه الآيات نزلت بشأن الطلاق والأحكام المتعلّقة به ، لكنّها تحتوي مفاهيم واسعة ومعاني عظيمة تشمل جميع المجالات التي يعاهد الله بها المتّقين ، ويبعث في نفوسهم الأمل بأنّه سيشملهم بلطفه ورعايته ، فينجيهم من المآزق ، ويرشدهم إلى الصواب ، ويفتح أمامهم الآفاق الرحبة ، ويرفع عنهم مشاكل الحياة وصعوباتها ، ويبدّد الغيوم السوداء التي تلبّد سماء سعادتهم.

وفي إشارة لطيفة إلى النظام العامّ الذي يحكم التكوين والتشريع ، يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) فكلّ هذه الأحكام والأوامر التي فرضها الله في شأن الطلاق ، إنّما كانت ضمن حساب دقيق ومقاييس عامّة شاملة لا يغيب عنها شيء.

وهكذا يجب أن يلتزم الناس في جميع المشاكل التي تنتاب حياتهم ـ وليس فقط في مسألة الطلاق ـ بالموازين والأحكام الشرعية ، وأن يواجهوا تلك الأمور بالتقوى والصبر وطلب التوفيق من الله ، لا أن يطلقوا ألسنتهم بالشكوى وارتكاب الذنوب ، وما إلى ذلك ويتوسّلون بالطرق غير المشروعة لحلّ مشاكلهم.

* * *

٤١١

بحثان

١ ـ التقوى والنجاة من المشاكل

إنّ تلاوة الآيات السابقة تبعث ـ أكثر من غيرها ـ الأمل في النفوس ، وتمنح القلب صفاء خاصّا ، وتمزّق حجب اليأس والقنوط ، وتنير الأرواح بنور الأمل ، إذ تعدّ كلّ المتّقين بحلّ مشاكلهم وتسهيل أمورهم.

جاء في حديث عن أبي ذرّ الغفاري أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّي لأعلم آية لو أخذها بها الناس لكفتهم( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) فما زال يقولها ويعيدها»(١) .

وفي حديث آخر عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير هذه الآية أنّه قال : «من شبهات الدنيا ، ومن غمرات الموت ، وشدائد يوم القيامة».

وهذا التعبير دليل على أنّ تيسير امور المتّقين ليس في الدنيا فقط وإنّما يشمل القيامة أيضا.

وفي حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من أكثر الاستغفار جعله الله له من كلّ هم فرجا ومن كلّ ضيق مخرجا»(٢) .

قال بعض المفسّرين : إنّ أوّل الآية السابقة نزلت بحقّ (عوف بن مالك) وهو أحد أصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أسر ابنه فجاء يشكو هذا الحادث وفقر حاله وضيق ذات يده إلى الرّسول فنصحه رسول الله بقوله : «اتّق الله واصبر ، وأكثر من قول «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ففعل ذلك وفجأة بينما هو جالس في بيته دخل عليه ولده ، فتبيّن أنّه قد استغفل الأعداء وفرّ من قبضتهم وجاء بجمل معه منهم.

لذا نزلت هذه الآية التي تخبر عن تيسير معضلة هذا الرجل المتّقي من حيث

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٥٦ ، حديث ٤٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٥٧ ، حديث ٤٥.

٤١٢

لا يحتسب(١) .

ولا يعني هذا إطلاقا أنّ الآية تحثّ على ترك السعي وبذل الجهد والجلوس في البيت والركون إلى الله وأن يردّد الإنسان قول «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» لينزل عليه الرزق من حيث لا يحتسب. إنّ ما تريد الآية الكريمة أن تركّز عليه هو أنّ السعي لا بدّ أن يكون معه وإلى جانبه تقوى ، وإذا ما أغلقت الأبواب مع كلّ هذا حينئذ يتدخّل البارئ لفتح هذه الأبواب.

لهذا نجد في الحديث أنّ أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام (عمر بن مسلم) انقطع فترة عن الإمام ، قال الإمامعليه‌السلام ما فعل عمر بن مسلمعليه‌السلام قلت : جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة فقال : ويحه! أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له ، إنّ قوما من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزلت :( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليهم قال : «ما حملكم على ما صنعتم به» فقالوا : يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب»(٢) .

٢ ـ روح التوكّل

المقصود من التوكّل على الله هو أن يسعى الإنسان لأن يجعل عاقبة عمله وكدحه على الله ويوكّلها إليه ، ويدعوه لتسهيل أمره ، فإنّه لطيف بعباده رحيم بهم وعلى كلّ شيء قدير.

والشخص الذي يعيش حقيقة «التوكّل على الله» لا يجد اليأس إليه منفذا ، ولا

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٠٦ ، وبهذا المعنى جاء في تفسير «الفخر الرازي» و «روح البيان». مع اختلاف بسيط بعضهم قال أنّه جلب مائة بعير.

(٢) الكافي طبقا لنقل نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٥٤ ، ح ٣٥.

٤١٣

يدبّ في عزمه الضعف ، ولا يشعر بالنقص والصغر أمام المشاكل مهما كبرت ، ويبقى يقاوم ويواجه الأحداث بقوّة وإيمان راسخين. ويعطيه هذا الإيمان والتوكّل قدرة نفسية عظيمة يستطيع معها تجاوز الصعاب.

ومن جانب آخر تنهمر عليه الإمدادات الغيبية والمساعدات التي وعده الله.

ففي حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سألت من جبرائيل : ما التوكّل؟ قال «العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمال اليأس من الخلق ، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله ، ولم يرج ولم يخف سوى الله ، ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكّل»(١) .

فالتوكّل بهذا المضمون العميق يمنح الإنسان شخصية جديدة ويكون له تأثير على جميع أعماله. لذا نقرأ في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه سأل اللهعزوجل في ليلة المعراج : إلهي أي الأعمال أفضل؟ قال تعالى : «ليس شيء عندي أفضل من التوكّل عليّ والرضا بما قسمت»(٢) .

ومن الطبيعي أنّ التوكّل بهذا المعنى سيكون توأما مع الجهاد والسعي وليس مع الكسل والفرار من المسؤوليات.

وقد أوردنا بحثا آخر في هذا المجال في ذيل الآية ١٢ سورة إبراهيم.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٦٩ ، ص ٣٧٣ ، حديث ١٩.

(٢) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٦٨٣ ، مادّة التوكّل.

٤١٤

الآيات

( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧) )

٤١٥

التّفسير

أحكام النساء المطلّقات وحقوقهنّ :

من بين الأحكام المستفادة من الآيات السابقة لزوم إحصاء العدّة بعد الطلاق ، ولمّا كانت الآية (٢٢٨) من سورة البقرة قد بيّنت حكم العدّة للنساء اللاتي يرين العادة الشهرية وذلك بأن تعد ثلاث دورات شهرية متتالية وبمشاهدة الثالثة تكون المرأة قد أنهت عدّتها. فقد ذكرت الآيات محلّ البحث حكم النسوة اللواتي لا حيض لديهم لأسباب معيّنة ، أو الحوامل لتكمل بحث العدّة.

يقول تعالى في بداية الأمر :( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) فإذا شككتم في وجود الحمل فمدّة العدّة حينئذ ثلاثة أشهر ، وكذلك النسوة اللائي لم يرين الحيض ولم تحدث لهنّ العادة الشهرية بعد( وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) .

ثمّ يشير تعالى إلى ثالث مجموعة حيث يضيف قائلا :( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ ) .

وبهذا اتّضح حكم المجاميع الثلاثة ، مجموعتان يجب أن يحصين عدتهنّ ثلاثة أشهر ، والمجموعة الثالثة ـ أي النساء الحوامل ـ تنتهي عدتهنّ بوضع الحمل ، سواء كان بعد ساعة من الطلاق ، أو بعد ثماني أشهر مثلا.

وقد ذكرت ثلاثة احتمالات في معنى عبارة( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) :

١ ـ الشكّ في وجود «الحمل» بمعنى أنّه هناك احتمال حمل بعد سنّ اليأس (خمسون سنة للنساء العاديات ، وستّون سنة للنساء القرشيات) فمن أجل هذا الاحتمال الضعيف الذي نادرا ما يقع ، يجب أن تحتاط النساء فتحصي عدّتها ثلاثة أشهر(١) .

__________________

(١) الجواهر ، ج ٣٢ ، ص ٢٤٩ ، وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، باب ٤ ، حديث ٧.

٤١٦

٢ ـ النساء اللائي لا يعلم بأنّهنّ وصلن إلى مرحلة اليأس أم لا.

٣ ـ المراد هو الشكّ في حكم هذه المسألة ، فحكمها كما ورد في هذه الآية.

ويبدو أنّ الأنسب والأقرب هو التّفسير الأوّل فإنّ التعبير بـ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ ) يوحي أنّ هؤلاء النساء قد بلغن سنّ اليأس.

ويشار إلى أنّ حكم النساء اللائي غابت عنهنّ العادة الشهرية لمرض أو غيره هو نفس حكم اليائسات ، أي يعدّدن ثلاثة أشهر (يمكن أن يستفاد هذا الحكم عن طريق قاعدة الأولوية أو مشمولا بلفظ الآية)(١) .

جملة( وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) يمكن أن تكون إشارة إلى النساء اللائي بلغن سنّ البلوغ ، دون أن يشاهدن العادة الشهرية. وفي هذه الصورة يجب أن يحسبن عدّتهنّ ثلاثة أشهر.

واحتملوا أن تكون الآية ناظرة لجميع النساء اللائي لم يشاهدن العادة الشهرية ، سواء بلغن سنّ اليأس أم لا. غير أنّ المشهور بين فقهائنا أن لا عدّة للنساء اللائي يطلقن قبل بلوغهنّ سنّ البلوغ. ويوجد من خالف هذا الرأي واستدلّوا على ذلك ببعض الروايات ، كما أنّ ظاهر الآية يوافقهم. (للتوسّع في ذلك يجب الرجوع إلى الكتب الفقهية)(٢) .

وذكر كسبب لنزول الجملة الأخيرة في الآية أنّ «أبي بن كعب» سأل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أنّ القرآن لم يذكر عدّة النساء الصغيرات والنساء الكبيرات «اليائسات» والحوامل فنزلت السابقة تبيّن أحكامهنّ(٣) .

ويذكر أنّ العدّة في هذا المورد إنّما تكون في حقّ النساء اللائي يحتمل في

__________________

(١) طبعا المشهور بين الفقهاء أنّ المرأة عند ما تصل إلى سنّ اليأس سوف لا تكون لها عدّة مطلقا ، ولكن في مقابل ذلك كان عدد من الأصحاب المتقدّمين يقولون بوجوب العدّة ، وتساعدهم بعض الروايات رغم معارضة روايات اخرى. وما يتطابق مع ظاهر الآية هو أنّه في حالة الشكّ في الحمل فهناك عدّة.

(٢) (للتوسّع أكثر راجع جواهر الكلام ، ج ٣٢ ، ص ٢٣٢ وكتب فقهية اخرى).

(٣) كنز العرفان ، ج ٢ ، ص ٢٦٠.

٤١٧

حقّهنّ الحمل ، لأنّهنّ ذكرن في الآية معطوفات على النساء اليائسات ، ومعنى ذلك أنّ حكمهنّ واحد(١) .

وأخيرا يؤكّد مرّة اخرى في نهاية الآية على التقوى حيث يقول تعالى :( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) .

ييسّر أموره ويسهّلها في هذا العالم ، وكذلك في العالم الآخر ، بألطافه سواء في هذه القضيّة أي قضيّة الطلاق أو في قضايا اخرى.

وللتأكيد على أحكام الطلاق والعدّة فقد أضاف تعالى في الآية اللاحقة قائلا :( ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ) .

( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) .

قال بعض المفسّرين : إنّ المقصود من «السيّئات» هنا «الذنوب الصغيرة» والمقصود من «التقوى» اجتناب الذنوب الكبيرة.

وبناء على ذلك فإنّ تجنّب الكبائر يؤدّي إلى غفران الصغائر ، كما جاء في الآية ٣١ من سورة النساء. ولازم هذا أنّ مخالفة الأحكام في هذا المجال ـ أي في الطلاق والعدّة ـ يعدّ من الذنوب الكبيرة(٢) .

ورغم أنّ السيّئات تطلق أحيانا على الذنوب الصغيرة ، كما ورد في آيات عديدة من القرآن الكريم ، ولكنّها تطلق في آيات اخرى على كلّ الذنوب أعمّ من الصغيرة والكبيرة ، نقرأ في الآية ٦٥ من سورة المائدة :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ) «وجاء ما يشابه هذا المعنى في آيات أخر».

ومن المسلّم أنّ الإيمان والإسلام يؤدّيان إلى غفران الذنوب السابقة.

وتعطي الآية اللاحقة توضيحا أوسع وأشمل لحقوق المرأة بعد الطلاق ، من حيث «السكن» و «النفقة» وامور اخرى.

__________________

(١) قال الطبرسي في مجمع البيان : إنّ التقدير «واللائي لم يحضن إذا ارتبتم فعدتهنّ أيضا ثلاثة أشهر».

(٢) الميزان ، ج ١٩ ، ص ٣٦٧.

٤١٨

يقول تعالى في سكن النساء المطلّقات :( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) .

«وجد» على وزن (حكم) ، بمعنى القدرة والتمكّن ، وذكر المفسّرون تفاسير اخرى ترجع في النتيجة إلى نفس المعنى ، إذ يقول الراغب في المفردات : إنّ التعبير بـ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) يعني بما تستطيعون وبما تقدرون عليه ، وبمعنى اختاروا مسكنا مناسبا قدر الإمكان للنساء المطلّقات.

ومن الطبيعي أنّه حينما يكون الإسكان على نفقة الزوج وفي عهدته ، فإنّ الأمور الاخرى من الإنفاق ستقع هي الاخرى على عاتق الزوج ، والشاهد على هذا المدّعى ذيل الآية الذي يتحدّث عن نفقة النساء الحوامل.

ثمّ يتطرّق تعالى لذكر حكم آخر( وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ ) .

حذار أن يغرّكم البعض ويزرع بينكم البغض والعداوة والنفور ، ممّا يؤدّي إلى إخراجكم عن جادّة الحقّ ، فتحرمونهنّ حقوقهنّ الطبيعية في السكن والنفقة ، وتجعلوهنّ تحت ضغوط لا يستطعن معها إلّا الهرب وترك كلّ شيء.

يقول تعالى في ثالث حكم حول النساء الحوامل( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ ) .

فما دمن حاملات فهنّ في حالة عدّة يستحقّنّ النفقة والسكن على الزوج.

ويقول تعالى في الحكم الرابع حول حقوق النساء المرضعات( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) .

اجرة تتناسب مع مقدار وزمان الإرضاع ، وطبقا لما هو معروف وشائع عرفا ونظرا لأنّ الأطفال كثيرا ما يصبحون نقطة للنزاع والخلاف بين الزوج والزوجة بعد الطلاق ، فقد أوضح القرآن في الحكم الخامس هذا الأمر بشكل قاطع ولائق حيث قال :( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) وتشاوروا بينكم في مصير الأولاد ومستقبلهم.

٤١٩

ويحذّر القرآن الكريم من مغبّة أن يكون الأطفال ضحيّة الخلاف الواقع بين الزوج والزوجة ، ممّا يترك عليهم آثارا واضحة على تكوينهم الجسمي والنفسي ، إذ يحرمون من حنان الامّ والأب وشفقتهما فينبغي أن يتّقي الأبوان الله تعالى ويحفظا حقوق الأطفال فإنّهم لا يستطيعون الدفاع عنها.

وجملة «وأتمروا» من مادّة «ايتمار» وتأتي أحيانا بمعنى «قبول الأمر» وأحيانا اخرى بمعنى «التشاور» والمعنى الثاني أقرب إلى معنى الآية.

والتعبير «بمعروف» تعبير جامع يشمل كلّ مشاورة فيها خير وصلاح.

وفي حالة عدم حصول التوافق والتفاهم بين الزوجين حول مصير الأطفال وقضيّة إرضاعهم ، يقول القرآن في سادس حكم في هذا المجال( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) .

إشارة إلى أنّ الخلافات إذا طالت وتعقّدت فأعطوا الأطفال إلى مرضعة اخرى ، ورغم أنّ الامّ هي الأولى بذلك ، لكن إذا بقي الأطفال ينتظرون ، وظلّ النزاع على حاله ، فلا ينبغي أن ينسى الأطفال في خضم هذا النزاع.

وتبيّن الآية اللاحقة سابع ـ وآخر حكم ـ في هذا المجال حيث يقول تعالى :( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ) .

فهل أنّ هذا الأمر يرتبط بالنساء اللائي يتعهدنّ رضاعة أطفالهنّ بعد الفرقة والطلاق ، أو أثناء العدّة التي أشير إليها بصورة إجمالية في الآيات السابقة ، أو أنّه يرتبط بكليهما معا.

ويبدو أنّ المعنى الأخير أنسب وأقرب ، رغم أنّ بعض المفسّرين اعتبرها خاصّة بالنساء المرضعات فقط في الوقت الذي أطلقت الآيات السابقة على هذا الأمر تعبير «أجر» وليس «نفقة وإنفاق».

على كلّ حال لا ينبغي للذين ليس لهم القدرة أن يتشدّدوا ويعقدوا الأمور ،

٤٢٠