الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 624

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 624 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195843 / تحميل: 5597
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الباب (12)

التوجه إلى مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام

1 ـ فإذا أردت الخروج من الكوفة والتوجه إلى أمير المؤمنينصلوات الله عليه فاحرز رحلك وتوجه وأنت على طهرك وغسلك ،وعليك السكينة والوقار وتقول :

اللهم إني توجهت(1) من منزلي ابغي فضلك ، وأزور وصي نبيكصلوات الله عليهما ، اللهم فيسر لي ذلك وسبب المزار له ، واخلفنيفي عاقبتي(2) وحزانتي(3) بأحسن الخلافة يا ارحم الراحمين.

فإذا وردت الخندق فقل :

الله أكبر ، أهل الكبرياء والعظمة ، الله أكبر أهل التكبير والتقديسوالتسبيح والمجد والآلاء ، الله أكبر مما أخاف واحذر ، الله أكبر عماديوعليه أتوكل ، الله أكبر رجائي واليه أنيب.

اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي ، تعلم حاجتي وماتضمره هواجس الصدور(4) ، فأسألك بحق نبيك المرضي ، الذي قطعتبه حجج المحتجين ، وعذر المعتذرين ، فاخترته حجة على العالمين ،

__________________

(1) خرجت ( خ ل ).

(2) العاقبة : الولد.

(3) حزانة الرجل : عياله الذين تتحزن لأمرهم.

(4) هواجس الصدور اي ما يخطر فيها ويدور فيها من الأحاديث والأفكار.

١٨١

ان لا تحرمنا زيارة أمير المؤمنين وثواب مزاره ، وان تجعلني من وفدهالصالحين وشيعته ومنتجبيه المباركين.

وإذا تراءت لك القبة فقل :

الحمد لله على ما اختصني من طيب المولد ، واستخلصني اكرامابه من(1) موالاة الأبرار ، السفرة الأطهار ، والخيرة الاعلام ، اللهم فتقبلسعيي إليك ، وتضرعي بين يديك ، واغفر لي الذنوب [ التي لا تخفىعليك ](2) ، انك أنت الله الملك الغفار.

فإذا وصلت إلى العلم فقل :

اللهم انك ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، ولا يخفى عليك شئ منأمري ، وكيف يخفى عليك ما أنت مكونه وبارؤه ، وقد جئتك مستشفعابنبيك نبي الرحمة ، ومتوسلا بوصي رسولك ، وأسألك بهما اثباتا فيالهدى ، ونورك في الآخرة والأولى ، وقربة إليك ، وزلفة لديك ، انكأنت الملك القديم.

فإذا وصلت إلى باب الحائر كبرت ثلاثين تكبيرة ، وهللت ثلاثينتهليلة ، وحمدت الله ثلاثين تحميدة ، وصليت على محمد وآله ثلاثينمرة ، ثم دنوت من حيث تدخل ، فقدمت رجلك اليمنى وقلت :

__________________

(1) استخلصني اكراما به اي استخلصني به اكراما لي ، ومن بيانية ، يقال : استخلصه لنفسه :استخصه.

(2) من المصادر.

١٨٢

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى اللهعليه وآله.

وصل ركعتين تحية المشهد مندوبا وقل :

السلام على رسول الله خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، السلامعلى وصيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، السلام على جميع ملائكة هذاالحرم الذي هم به محفون ، وبمشهده محدقون ، ولزواره مستغفرون ،الحمد لله الذي أكرمنا بمعرفته ومعرفة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنفرض علينا طاعته صلى الله عليه ، رحمة وتطولا.

الحمد لله الذي سيرني في بلاده ، وحملني على دوابه ، وطوى ليالبعيد ، ودفع عني المكاره ، وبلغني حرم أخي نبيه ووصي رسولهصلى الله عليهما ، وادخلني البقعة التي قدسها ، وبارك عليه ، واختارهالوصي نبيه صلى الله عليهما.

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، اشهدان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشهد ان علياعليه‌السلام عبده وأخو رسوله.

اللهم إني عبدك وزائرك ، الوافد إليك ، المتقرب إليك بزيارة أخينبيك ومستحفظ رسولك صلى الله عليهما وسلم ، وعلى كل مأتي حقلمن زاره ، وأنت خير مأتي وأكرم مزور.

فأسألك اللهم بمعاقد العز من عرشك ، ومنتهى الرحمة من كتابك ،

١٨٣

وبموجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، ان تصلي على محمد واله وانتجعل حظي من زيارتي في موضعي فكاك رقبتي من النار ، وتجعلنيممن يسارع في الخيرات ويدعوك رغبا ورهبا ، واجعلني منالخاشعين.

اللهم انك بشرتني على لسان نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت :( وبشر الذين امنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) (1) .

فاني مؤمن بك وبجميع أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم ،وبكلماتك وأنبيائك ، فلا توقفني بعد معرفتهم موقفا تفضحني فيه علىرؤوس الاشهاد ، وأوقفني مع محمد وآله صلواتك عليهم ، وتوفنيعلى التصديق بهم والتسليم لهم ، فإنهم عبيدك ، وأنت خصصتهمبكرامتك ، وأمرتني باتيانهم ، وفرضت علي طاعتهم ، فلك الحمد يارب العالمين.

فإذا وقفت على باب السلام فقل :

السلام على أبي الأئمة ، ومعدن النبوة ، والمخصوص بالاخوة ،السلام على يعسوب(2) الايمان ، وكلمة الرحمن(3) ، وكهف الأنام ، وسلام

__________________

(1) يونس : 2.

(2) اليعسوب : السيد والرئيس والمقدم ، واصله أمير النحل.

(3) كلمة الرحمن : اي يبين للخلق ما أراد الله اظهاره ، كما أن الكلمة تبين ما في ضميرصاحبها ، أو المراد انه صاحب كلمات الله وعلومه.

١٨٤

على ميزان الأعمال(1) ومقلب الأحوال(2) وسف ذي الجلال ، وسلامعلى صالح المؤمنين ، ووارث علم النبيين ، والحاكم في يوم الدين.

سلام على شجرة التقوى ، وسامع السر والنجوى ، ومنزل المنوالسلوى ، سلام على حجة الله البالغة ، ونعمته السابغة ، ونقمتهالدامغة.

سلام على إسرائيل الأمة ، وباب الرحمة ، وأبي الأئمة ، سلام علىصراط الله الواضح ، والنجم اللائح ، والامام الناصح ، سلام على وجهالله الذي من آمن به امن ، سلام على نفسه القائمة فيه بالسنن ، وعينهالتي من رعته اطمأن ، سلام على اذن الله الواعية في الأمم ، ويدهالباسطة بالنعم ، وجنبه الذي من فرط فيه ندم.

اشهد انك مجازي الخلق ، ومالك الرزق ، والحاكم بالحق ، بعثكالله علما لعباده ، فوفيت بمراده ، وجاهدت فيه حق جهاده ، صلى اللهعليك ، وجعل أفئدة من المؤمنين تهوي إليك ، والخير منك وفييديك.

عبدك الزائر بحرمك ، اللائذ بكرمك ، الشاكر لنعمك ، قد هربإليك من ذنوبه ، ورجاك لكشف كروبه ، فأنت ساتر عيوبه ، فكن لي إلى

__________________

(1) لأنهم ـ على ما ورد في الروايات الكثيرة ـ موازين يوم القيامة وهم يحاسبون الخلق.

(2) اي يقلب أحوالهم من الضلالة إلى الهداية ، ومن الجهل إلى العلم و ، أو انه محنةالورى به يتميز المؤمن من الكافر ، وبه انتقل جماعة من الكفر إلى الايمان ، وبه ظهر كفرالمنافقين ، وله معنى آخر دقيق ليس هنا موضع ذكرها.

١٨٥

الله سبيلا ، ومن الله مقيلا ، ولما آمل فيك كفيلا ، نجني نجاة من وصلحبله بحبلك ، وسلك إلى الله بسبلك ، وأنت سامع الدعاء ، ولي الجزاء ،عليك منا التسليم ، وأنت السيد الكريم ، وأنت بنا رحيم ، منك النوال ،وعليك بعد الله التكلان ، والحمد لله وحده.

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكيا ولي الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا حبيب الله ،السلام عليك يا وصي رسول رب العالمين وخاتم النبيين ، السلام عليكيا سيد الوصيين ، السلام عليك يا حجة الله على الخلق أجمعين.

السلام عليك أيها النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، وعنهمسؤولون ، السلام عليك أيها الفاروق الأعظم ، السلام عليك ياأمير المؤمنين ، السلام عليك يا امين الله ، السلام عليك يا حبل اللهوموضع سره ، وعيبة علمه وخازن وحيه.

بابي أنت وأمي يا مولاي يا حجة الخصام ، بابي أنت وأمي يا بابالمقام(1) ، اشهد انك حبيب الله وخاصة الله وخالصته.

واشهد انك عمود الدين ، ووارث علم الأولين والآخرين ،

__________________

(1) باب المقام اي مقام إبراهيم لحج البيت واعتماره لا يقبل الا بولايتك فمن لم يأتهبولايتك فكأنما اتى البيت من غير بابه ، أو باب القيام عند رب العالمين للحساب ، كناية عن أنإياب الخلق إليه وحسابهم عليه ، فكما انه لا يدخل البيت الا بعد المرور على الباب كذلكلا يأتي أحد ليقوم للحساب الا بعد أن يلقاهعليه‌السلام بما هو أهله من البشارة أو الاكتياب ـ البحار.

١٨٦

وصاحب الميسم(1) والصراط المستقيم ، اشهد انك قد بلغت عن اللهوعن رسوله ، ورعيت ما استحفظت ، وحفظت ما استودعت ، وحللتحلال الله ، وحرمت حرام الله ، وأقمت احكام الله ، ولم تتعد حدودالله ، وعبدت الله مخلصا حتى اتاك اليقين.

اشهد انك أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،ونهيت عن المنكر ، واتبعت الرسول ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ،وجاهدت في الله حق جهاده ، ونصحت لله ولرسوله ، وجدت بنفسكصابرا محتسبا ، وعن دين الله مجاهدا ، ولرسول الله موفيا ، ولما عندالله طالبا ، وفيما وعد راغبا ، ومضيت للذي أنت عليه شاهدا وشهيداومشهودا ، فجزاك الله عن رسول الله وعن الاسلام وأهله أفضلالجزاء.

لعن الله من افترى عليك وغضبك ، ولعن الله من قتلك ، ولعنمن بايع على قتلك ، ولعن من بلغه ذلك فرضي به ، أنا إلى الله منهمبرئ ، ولعن الله أمة خالفتك ، وأمة جحدت ولايتك ، وأمة تظاهرتعليك ، وأمة قاتلتك ، وأمة جارت عليك وحادت عنك(2) وخذلتك(3) ،الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس الورد المورود.

__________________

(1) إشارة إلى ما ورد في الاخبار انهعليه‌السلام الدابة التي يخرج في آخر الزمان ، ومعه العصاوالميسم ، يسم بهما وجوه المؤمنين والكافرين.

(2) الحيد : الميل.

(3) خذله : ترك نصرته.

١٨٧

اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتكوأصلهم(1) حر نارك ، اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة ،واللات والعزى ، وكل ند يدعى من دون الله ، وكل ملحد مفتر.

اللهم العنهم وأشياعهم وأتباعهم ، وأولياءهم وأعوانهمومحبيهم لعنا كثيرا ، لا انقطاع له ولا اجل.

اللهم إني أبرأ إليك من جميع أعدائك ، وأسألك اللهم ان تصليعلى محمد وآله وان تجعل لي لسان صدق في أوليائك ، وتحبب إليمشاهدهم ، حتى تلحقني بهم ، وتجعلني لهم تبعا في الدنيا والآخرة ، ياارحم الراحمين.

ثم تحول إلى عند رأسه صلوات الله عليه وتقول :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، والمسلمين لك بقلوبهم ،والناطقين بفضلك ، والشاهدين على أنك صادق صديق ، عليك يامولاي ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ،اشهد أنك طاهر مطهر ، من طهر طاهر مطهر.

اشهد لك يا ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء ، واشهد أنكحبيب الله ، وأنك باب الله(2) الذي يؤتى منه ، وأنك سبيل الله ، وانك

__________________

(1) صلى اللحم : شواه أو ألقاه في النار للاحراق.

(2) المراد بالباب الذي لا يؤتي الا منه ، اي لا يوصل إلى الله والى معرفته وعبادته الابمتابعتك.

١٨٨

عبد الله وأخو رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

اتيتك متقربا إلى الله بزيارتك ، في خلاص نفسي ، متعوذا بك مننار استحقها مثلي بما جنيت على نفسي ، اتيتك انقطاعا إليك وإلىولدك(1) الخلف من بعدك على بركة الحق ، فقلبي لكم مسلم ، وأمري لكممتبع ، ونصرتي لكم معدة.

أنا عبد الله ومولاك وفي طاعتك ، الوافد إليك ، ألتمس كمالالمنزلة عند الله تعالى ، وأنت يا مولاي ممن أمرني الله بصلته ، وحثنيعلى بره ، ودلني على فضله ، وهداني لحبه ، ورغبني في الوفادة إليه ،وألهمني طلب الحوائج عنده.

أنتم أهل بيت يسعد من تولاكم ، ولا يخيب من أتاكم ، ولا يخسرمن يهواكم ، ولا يسعد من عاداكم ، لا أجد أحدا أفزع إليه خيرا ليمنكم ، أنتم أهل بيت الرحمة ، ودعائم الدين ، وأركان الأرض ، والشجرةالطيبة.

اللهم لا تخيب توجهي إليك برسولك وال رسولك ، واستشفاعيبهم ، اللهم أنت مننت علي بزيارة مولاي أمير المؤمنين وولايتهومعرفته ، فاجعلني ممن ينصره وينتصر به ، ومن علي بنصرك لدينكفي الدنيا والآخرة ، اللهم إني أحيى على ما حيي عليه علي بن أبي طالبوذريته الطاهرون.

__________________

(1) المراد بالولد الحسينعليه‌السلام ، أو جميع الأئمةعليهم‌السلام ، فان الولد يكون واحدا وجمعا.

١٨٩

ثم انكب على القبر فقبله وضع خديك عليه ، ثم انفتل إلى القبلةوأنت مقامك عند الرأس ، فصل ركعتين ، تقرأ في الأولى فاتحة الكتابوسورة الرحمن ، وفي الثانية فاتحة الكتاب وسورة يس ، ثم تتشهدوتسلم.

فإذا سلمت فسبح تسبيح الزهراء فاطمةعليها‌السلام واستغفر وادع ، ثماسجد وقل في سجودك :

اللهم إني إليك توجهت ، وبك اعتصمت ، وعليك توكلت ، اللهمأنت ثقتي ورجائي ، فاكفني ما أهمني وما لا يهمني وما أنت اعلم بهمني ، عز جارك وجل ثناؤك ولا اله غيرك ، صل على محمد وآل محمدوقرب فرجهم.

ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل :

اللهم ارحم ذلي بين يديك ، وتضرعي إليك ، ووحشتي منالناس ، وانسي بك يا كريم.

ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل :

لا إله إلا أنت حقا حقا ، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا ، اللهم انعملي ضعيف ، فضاعفه لي يا كريم.

تقول ذلك ثلاثا ، ثم عد إلى السجود وقل : شكرا شكرا ـ مائة مرة.

وتقوم فصل أربع ركعات كما صليت ، ويجزيك ان عدلت عن ذلكإلى ما تيسر من القرآن ، تكمل بالأربع ست ركعات الأوليان ، منها لزيارة

١٩٠

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والأربع لزيارة ادم ونوحعليهما‌السلام ، وتسبح تسبيحالزهراءعليها‌السلام وتستغفر لذنبك وتدعوا بما شئت.

ثم تحول إلى عند الرجلين وقل :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أنت أولمظلوم ، وأول مغصوب حقه ، صبرت واحتسبت حتى اتاك اليقين ،اشهد انك لقيت الله وأنت شهيد ، عذب الله قاتلكم بأنواع العذاب.

جئتك زائرا عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك ، معاديا لأعدائك ،مواليا لأوليائك ، القى على ذلك ربي إن شاء الله تعالى ، ولي ذنوبكثيرة ، فاشفع لي عند ربك ، فان لك عند الله مقاما معلوما وجاهاوشفاعة ، وقد قال الله تعالى :( ولا يشفعون الا لمن ارتضى (1) وهم منخشيته مشفقون ) (2) .

صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلى الأئمة من ذريتك ،صلاة لا يحصيها الا هو ، وعليكم أفضل السلام ورحمة الله وبركاته.

واجتهد في الدعاء فإنه موضع مسألة ، وأكثر من الاستغفار فإنه

__________________

(1) لعل المراد بالشفاعة أولا في قوله :( فاشفع لي إلى ربك ) الاستغفار في هذه الحالة ،وبالشفاعة ثانيا في قوله :( ولا يشفعون الا لمن ارتضى ) في القيامة ، اي ادع لي الان بالغفرانلأصير قابلا لشفاعتك في القيامة ، ويحتمل أن يكون المعنى اشفع لي فان كل من شفعتم له فهوالمرتضى ، ويحتمل أن يكون المقصود الاستشهاد بالقران لمجرد وقوع الشفاعة لا لخصوصالمشفوع له ، والله العالم ـ البحار.

(2) الأنبياء : 28.

١٩١

موطن مغفرة ، اساله الحوائج فإنه مقام إجابة ، وأكثر من الصلاة والدعاءوالزيارة والتحميد والتسبيح والتهليل وذكر الله تعالى وتلاوة القرآنوالاستغفار ما استطعت.

زيارة أبي البشر آدم صلى الله عليه :

تقف على ضريح أمير المؤمنينعليه‌السلام وتقول :

السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلامعليك يا نبي الله ، السلام عليك يا امين الله ، السلام عليك يا خليفة اللهفي ارضه.

السلام عليك يا أبا البشر ، سلام الله عليك وعلى روحك وبدنك ،وعلى الطاهرين من ولدك وذريتك ، صلاة لا يحصيها الا هو ورحمة اللهوبركاته.

باب الوداع :

فإذا قضيت نسكك واردت الانصراف فقف على القبر كوقوفكعليه في ابتداء زيارتك ، وتستقبله بوجهك وتجعل القبلة بين كتفيك ،تقول :

السلام عليك يا أمير المؤمنين وعلى ضجيعيك ادم ونوحورحمة الله وبركاته ، أستودعكم الله وأسترعيكم واقرأ عليكم

١٩٢

السلام ، امنا بالله وبالرسل ، وبما جاءت به ودلت عليه ، اللهم اكتبنا معالشاهدين.

اللهم إني أشهدك في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي ، اشهدانكم الأئمة ـ وتسميهم واحدا بعد واحد.

واشهد ان من قتلكم وحاربكم مشركون ، ومن رد عليكم فيأسفل درك من الجحيم ، واشهد ان من حاربكم لنا أعداء ، وانهم حزبالشيطان ، وعلى من قتلكم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ومنشرك فيه ومن سره قتلكم.

اللهم إني أسألك بعد الصلاة والتسليم ان تصلي على محمد النبي وآله ـ وتسميهم ـ ولا تجعل هذا اخر العهد من زيارتي إياهم ، فان جعلتهفاحشرني معهم.

اللهم وذلل قلوبنا لهم بالطاعة والمناصحة ، وحسن المؤازرةوالتسليم(1) .

__________________

(1) رواه السيد ابن طاووس في مصباح الزائر : 60 والشهيد في مزاره : 29 والمفيد فيمزاره ، عنهم البحار 100 : 281

ذكره عبد الكريم بن طاووس في فرحة الغري : 93 عن صفي الدين بن معدان ، عن الحسينابن الفضل ، عن الحسين بن محمد بن مصعب ، وعن زيد بن علي بن محمد بن يعقوب ، عنالحسين بن محمد بن مصعب ، عن محمد بن حسين بن أبي الخطاب ، عن صفوان بن علي البزازعن صفوان الجمال ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار 100 : 235

١٩٣

الباب (13)

فأما العمل والصلاة ليلة المبعث ، وهي ليلة سبع وعشرين من رجب

الف ـ فإنه روى صالح بن عقبة عن أبي الحسنعليه‌السلام أنه قال : صلليلة سبع وعشرين من رجب أي وقت شئت من الليل اثنتي عشرة ركعة ،تقرأ في كل ركعة الحمد ، والمعوذتين ، و( قل هو الله أحد ) أربعا يعنيسورة منها أربع ركعات ، وينوي انه يصلي صلاة ليلة المبعث مندوبا قربةإلى الله تعالى.

فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك أربع مرات :

لا إله إلا الله والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، ولا حولولا قوة الا بالله.

ثم ادع ما شئت(1) .

ب ـ رواية أخرى : روي عن أبي جعفر محمد بن علي الرضاعليهما‌السلام أنه قال : ان في رجب ليلة خير مما طلعت عليه الشمس ، وهي ليلة سبعوعشرين من رجب ، فيها نبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحتها ، وان للعاملفيها من شيعتنا أجر عمل ستين سنة ، قيل له : وما العمل فيها أصلحكالله؟ قال :

__________________

(1) رواه الشيخ في مصباحه : 813 ، عنه السيد في الاقبال 3 : 267 ، عنه الوسائل 8 : 111.

١٩٤

إذا صليت العشاء الآخرة واخذت مضجعك ، ثم استيقظت ايساعة شئت من الليل قبل الزوال ، صليت اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ في كلركعة الحمد وسورة من خفاف المفصل.

فإذا سلمت في كل شفع جلست بعد التسليم ، وقرأت الحمدسبعا ، و( قل هو الله أحد ) ، و( قل يا أيها الكافرون ) سبعا سبعا(1) ،وقلت بعقب ذلك هذا الدعاء :

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملكولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.

اللهم إني أسألك بمعاقد عزك على أركان عرشك ، ومنتهى الرحمةمن كتابك ، وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم ، وذكرك الاعلى الاعلىالاعلى ، وبكلماتك التامات ان تصلي على محمد واله وان تفعل بي ماأنت أهله(2) .

ويستحب الغسل في هذه الليلة.

__________________

(1) كذا ، وفي بعض المصادر زيادة : المعوذتين وانا أنزلناه وآية الكرسي.

(2) رواه الشيخ في مصباحه : 813.

رواه السيد ابن طاووس في الاقبال 3 : 266 ، باسناده عن الطرازي في كتابه ، عن عدة منأصحابنا ، عن عبد الباقي بن قانع بن مروان ، عن محمد بن زكريا الغلابي ، عن محمد بن عفيرالضبي.

وأيضا عن محمد بن عبد الله ، عن جعفر بن فروخ ، عن الغلابي ، عن العباس بن بكار ، عنالضبي ، عنه مستدرك الوسائل 6 : 289.

١٩٥

ويوم السابع والعشرين منه :

فيه بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويستحب صومه ، وهو أحد الأيامالأربعة في السنة ، ويستحب الغسل فيه ندبا والصلاة المخصوصة.

الف ـ وروى الريان بن الصلت قال : صام أبو جعفر الثانيعليه‌السلام لماكان ببغداد يوم النصف من رجب ويوم سبع وعشرين منه ، وصام معهجميع حشمه ، وأمرنا ان نصلي الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة ، تقرأفي كل ركعة الحمد وسورة.

فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا ، و( قل هو الله أحد ) أربعا ،والمعوذتين أربعا ، وقلت :

لا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله والحمد لله ، ولا حولولا قوة الا بالله العلي العظيم ـ أربعا.

الله الله ربي لا أشرك به شيئا ـ أربعا(1) .

ب ـ ويستحب ان يدعي في هذا اليوم بهذا الدعاء :

يا من أمر بالعفو والتجاوز ، وضمن على نفسه العفو والتجاوز ، يامن عفى وتجاوز ، اعف عني وتجاوز يا كريم.

__________________

(1) رواه السيد ابن طاووس في الاقبال 3 : 274 ، عن الشيخ في مصباحه : 814 ، عنهالوسائل 8 : 112.

١٩٦

اللهم وقد أكدى(1) الطلب ، وأعيت الحيلة والمذهب ، ودرستالآمال ، وانقطع الرجاء الا منك وحدك لا شريك لك.

اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة(2) ، ومناهل(3) الرجاءلديك مترعة(4) ، وأبواب الدعاء لمن دعاك مفتحة ، والاستعانة لمناستعان بك مباحة ، واعلم انك لداعيك بموضع إجابة ، وللصارخ إليكبمرصد إغاثة ، وان في اللهف إلى جودك والضمان بعدتك عوضا منمنع الباخلين ، ومندوحة(5) عما في أيدي المستأثرين ، وانك لا تحتجب(6) عن خلقك الا ان تحجبهم الأعمال دونك.

وقد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة ، وقد ناجاك بعزمالإرادة قلبي ، فأسالك بكل دعوة دعاك بها راج بلغته امله ، أو صارخ إليكأغثت صرخته ، أو ملهوف مكروب فرجت عن قلبه(7) ، أو مذنب خاطئغفرت له ، أو معافى أتممت نعمتك عليه ، أو فقير أهديت غناك إليه ،ولتلك الدعوة عليك حق ، وعندك منزلة ، الا صليت على محمد

__________________

(1) أكدى : بخل أو قل خيره.

(2) مشرعة : مفتوحة.

(3) المناهل : المشارب.

(4) مترعة : مملوة.

(5) المندوحة : السعة.

(6) تحجب ( خ ل ).

(7) فرجت كربه ( خ ل ).

١٩٧

وال محمد وقضيت حوائجي وحوائج الدنيا والآخرة.

وهذا رجب المرجب المكرم ، الذي أكرمتنا به أول أشهر الحرم ،أكرمتنا به من بين الأمم يا ذا الجود والكرم ، فنسألك به وباسمك الأعظمالأعظم الأعظم ، الاجل الأكرم الذي خلقته فاستقر في ظلك فلا يخرجمنك إلى غيرك ، ان تصلي على محمد وأهل بيته الطاهرين ، وتجعلنا منالعاملين فيه بطاعتك ، والآملين فيه لشفاعتك.

اللهم واهدنا إلى سواء السبيل ، واجعل مقيلنا(1) عندك خير مقيل ،في ظل ظليل ، فإنك حسبنا ونعم الوكيل ، والسلام على عبادهالمصطفين وصلواته عليهم أجمعين.

اللهم بارك لنا في يومنا هذا الذي فضلته ، وبكرامتك جللته ،وبالمنزل العظيم منك أنزلته ، وصل على من فيه إلى عبادك أرسلته ،وبالمحل الكريم أحللته.

اللهم صل عليه صلاة دائمة ، تكون لك شكرا ولنا ذخرا ، واجعللنا من أمرنا يسرا ، واختم لنا بالسعادة إلى منتهى اجالنا ، وقد قبلتاليسير من أعمالنا ، وبلغنا برحمتك أفضل امالنا ، انك على كل شئقدير ، وصلى الله على محمد وآله وسلم(2) .

__________________

(1) المقيل : موضع الاستراحة.

(2) رواه الشيخ في مصباحه : 814.

ذكره السيد في الاقبال 3 : 276 باسناده إلى محمد بن علي الطرازي ، عن علي بن إسماعيلابن يسار.

١٩٨

ج ـ رواية أخرى : رواية أبو القاسم الحسين بن روح رحمة الله عليهقال : تصلي في هذا اليوم اثنتا عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة فاتحةالكتاب وما تيسر من السور ، وتتشهد وتسلم وتقول بين كل ركعتين :

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ،ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.

يا عدتي في مدتي ، ويا صاحبي في شدتي ، ويا وليي في نعمتي ، ياغياثي في رغبتي ، يا مجيبي في حاجتي ، يا حافظي في غيبتي ، يا كالئيفي وحدتي ، يا أنسي في وحشتي.

أنت الساتر عورتي فلك الحمد ، وأنت المقيل عثرتي فلك الحمد ،و أنت المنفس صرعتي فلك الحمد ، صل على محمد وال محمد واسترعورتي ، وآمن روعتي ، وأقلني عثرتي ، واصفح عن جرمي ، وتجاوز عنسيئاتي في أصحاب الجنة ، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

فإذا فرغت من الصلاة والدعاء قرأت الحمد والاخلاصوالمعوذتين و( قل يا أيها الكافرون ) و( انا أنزلناه ) وآية الكرسي سبعمرات ، ثم تقول :

لا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله والحمد لله ولا حولولا قوة الا بالله ـ سبع مرات.

ثم تقول :

١٩٩

الله الله ربي لا أشرك به شيئا ـ سبع مرات.

فاسأل ما أحببت(1) .

فاما الزيادات في عمل رجب :

الف ـ فإنه روي أبو سعيد الخدري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الا انرجبا شهر الله الأصم ـ وذكر فضل صيامه وما لصائم أيامه من الثواب ،ثم قال في آخره ـ : قيل : يا رسول الله فمن لم يقدر على هذه الصفة يصنعماذا لينال ما وصفت ، قال : يسبح الله تعالى في كل يوم من رجب إلى تمامثلاثين بهذا التسبيح مائة مرة :

سبحان الاله الجليل ، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له ، سبحانالأعز الأكرم ، سبحان من لبس العز وهو له أهل(2) .

__________________

(1) رواه السيد في الاقبال 3 : 273 ، باسناده عن الطرازي في كتابه ، عن أبي العباس احمدابن علي بن نوح ، عن أصل كتاب أبي احمد المحسن بن عبد الحكم الشجري ، عن كتابأبي نصر جعفر بن محمد بن الحسن بن الهيثم ، عن الحسين بن روح ، عنه المستدرك 6 : 291.

ذكره مع اختلاف السيد في الاقبال 3 : 275 عن الشيخ الطوسي في المصباح : 750 باسنادهعن أبي القاسم بن روح.

(2) رواه السيد في الاقبال 3 : 197 عن جده الشيخ الطوسي ، عن أبي سعيد الخدري.

ذكره الصدوق في أماليه : 429 ، باسناده عن محمد بن أبي إسحاق بن أحمد الليثي ، عن محمدابن الحسين الرازي ، عن علي بن محمد بن علي المفتي ، عن الحسن بن محمد بن المروزي ، عنأبيه ، عن يحيى بن عياش ، عن علي بن عاصم ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ،عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ذكره في الاقبال 3 : 284 عن أمالي الصدوق وثواب الأعمال.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

الخطّ وما ثبّته القلم على صحائف الأوراق والأحجار ، إذ أنّ هذا الحدث أدّى إلى فصل (عصر التاريخ) عن (عصر ما قبل التاريخ).

إنّ ما يثبته القلم على صفحات الورق هو الذي يحدّد طبيعة الإنتصار أو الانتكاسة لمجتمع ما من المجتمعات الإنسانية ، وبالتالي فإنّ ما يسطّره القلم يحدّد مصير البشر في مرحلة ما أو مكان ما فـ (القلم) هو الحافظ للعلوم ، المدوّن للأفكار ، الحارس لها ، وحلقة الاتّصال الفكري بين العلماء ، والقناة الرابطة بين الماضي والحاضر ، والحاضر والمستقبل. بل حتّى موضوع ارتباط الأرض بالسماء قد حصل هو الآخر عن طريق اللوح والقلم أيضا.

فالقلم يربط بين بني البشر المتباعدين من الناحية الزمانية والمكانية ، وهو مرآة تعكس صور المفكّرين على طول التاريخ في كلّ الدنيا وتجمعها في مكتبة كبيرة.

والقلم : حافظ للأسرار ، مؤتمن على ما يستودع ، وخازن للعلم ، وجامع للتجارب عبر القرون والأعصار المختلفة. وإذا كان القرآن قد أقسم به فلهذا السبب ، لأنّ القسم غالبا لا يكون إلّا بأمر عظيم وذي قيمة وشأن.

ومن الطبيعي عندئذ أن يكون (القلم) وسيلة لـ (ما يسطرون) من الكتابة ، ونلاحظ القسم بكليهما لقد أقسم القرآن الكريم بـ (الوسيلة) وكذلك (بحصاد) تلك الوسيلة (وما يسطرون).

وجاء في بعض الروايات «إنّ أوّل ما خلق الله القلم».

نقل هذا الحديث محدّثوا الشيعة عن الإمام الصادقعليه‌السلام (١) .

وجاء هذا المعنى أيضا في كتب أهل السنّة في خبر معروف(٢) .

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٩ ، حديث ٣.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣ ، ص ٧٨.

٥٢١

وجاء في رواية اخرى : (أوّل ما خلق الله تعالى جوهرة)(١) .

وورد في بعض الأخبار أيضا : (إنّ أوّل ما خلق الله العقل)(٢) .

ويمكن ملاحظة طبيعة الارتباط الخاصّ بين كلّ من (الجوهرة) و (القلم) و (العقل) الذي يوضّح مفهوم كونهم أوّل ما خلق الله سبحانه من الوجود.

جاء في نهاية الحديث الذي نقلناه عن الإمام الصادقعليه‌السلام إنّ الله تعالى قال للقلم بعد خلقه إيّاه : أكتب ، وأنّه كتب ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة.

وبالرغم من أنّ المقصود من القلم في هذه الرواية هو قلم التقدير والقضاء ، إلّا أنّ جميع ما هو موجود من أفكار وعلوم وتراث ، وما توصّل إليه العقل البشري على طول التأريخ ، وما هو مثبت من مبادئ ورسالات وتعاليم وأحكام يؤكّد على دور القلم في الحياة الإنسانية ومصير البشرية.

إنّ قادة الإسلام العظام لم يكتفوا بحفظ الأحاديث والروايات والعلوم والمعارف الإلهية في ذاكرتهم بل كانوا يؤكّدون على كتابتها ، لتبقى محفوظة لأجيال المستقبل(٣) .

وقال بعض العلماء : (البيان بيانان : بيان اللسان ، وبيان البنان ، وبيان اللسان تدرسه الأعوام ، وبيان الأقلام باق على مرّ الأيّام)(٤) .

وقالوا أيضا : (إنّ قوام امور الدين والدنيا بشيئين : القلم والسيف ، والسيف تحت القلم)(٥) .

وقد نظّم بعض شعراء العرب هذا المعنى بقولهم :

كذا قضى الله للأقلام مذ بريت

أنّ السيوف لها مذ أرهفت خدم

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٥٦ (حديث ١٤ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠).

(٤) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٢.

(٥) المصدر السابق.

٥٢٢

(إنّ هذا التعبير إشارة بديعة إلى بري القلم بواسطة السكين ، وجعل الشفرة الحادّة بخدمة القلم من البداية)(١) .

ويقول شاعر آخر ، في هذا الصدد ومن وحي الآيات مورد البحث :

إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم

وعدوّه ممّا يجلب المجد والكرم

كفى قلم الكتاب فخرا ورفعة

مدى الدهر إنّ الله أقسم بالقلم(٢)

وإنّه لحقّ ، وذلك أنّه حتّى الانتصارات العسكرية إذا لم تستند وترتكز على ثقافة قويّة فإنّها لن تستقيم طويلا. لقد سجلّ المغول أكبر الانتصارات العسكرية في البلدان الإسلامية ، ولأنّهم كانوا شعبا سطحيا في مجال المعرفة والثقافة فلم يؤثّروا شيئا ، وأخيرا اندمجوا في حضارة الإسلام وثقافة المسلمين وغيّروا مسارهم.

ومجال البحث في هذا الباب واسع جدّا ، إلّا أنّنا ـ التزاما بمنهج التّفسير وعدم الخروج عنه ـ ننهي كلامنا هنا بحديث معبّر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الموضوع حيث يقول : «ثلاثة تخرق الحجب ، وتنتهي إلى ما بين يدي الله : صرير أقلام العلماء ، ووطئ أقدام المجاهدين ، وصوت مغازل المحصنات»(٣) .

ومن الطبيعي أنّ كلّ ما قيل في هذا الشأن ، يتعلّق بالأقلام التي تلتزم جانب الحقّ والعدل ، وتهدي إلى صراط مستقيم ، أمّا الأقلام المأجورة والمسمومة والمضلّة ، فإنّها تعتبر أعظم بلاء وأكبر خطر على المجتمعات الإنسانية.

٢ ـ نموذج من أخلاق الرّسول

بالرغم من أنّ الانتصارات التي تمّت على يد الرّسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) روح البيان ، ج ١٠ ، ص ١٠٢.

(٣) (الشهاب في الحكم والآداب) ، ص ٢٢.

٥٢٣

برعاية الله سبحانه وإمداده ، إلّا أنّ ذلك كان اقترانا بعوامل عديدة أيضا ، ولعلّ أحد أهمّ هذه العوامل هو : سمو الأخلاق عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاذبيته الشخصية ، إنّ أخلاقيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت من العلو والصفات الإنسانية السامية لدرجة أنّ ألدّ أعدائه كان يقع تحت تأثيرها كما أنّ مكارم الأخلاق التي أودعت فيه كانت تجذب وتشدّ المحبّين والمريدين إليه بصورة عجيبة.

وإذا ما ذهبنا إلى القول بأنّ السمو الأخلاقي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان معجزة أخلاقية ، فإنّنا لا نبالغ في ذلك ، كما سنوضّح لذلك نموذجا من هذا الإعجاز الأخلاقي ففي فتح مكّة وعند ما استسلم المشركون أمام الإرادة الإسلامية ، ورغم كلّ حربهم للإسلام والمسلمين وشخص الرّسول الكريم بالذات ، وبعد تماديهم اللئيم وكلّ ممارساتهم الإجرامية ضدّ الدعوة الإلهية بعد كلّ هذا الذي فعلوه ، فإنّ رسول الإنسانية أصدر أمرا بالعفو العامّ عنهم جميعا ، وغضّ الطرف عن جميع الجرائم التي صدرت منهم ، وكان هذا مفاجأة للمقرّبين والبعيدين ، الأصدقاء والأعداء ، وكان سببا في دخولهم في دين الله أفواجا ، بمصداق قوله تعالى :( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً ) .

لقد وردت في كتب التّفسير والتاريخ قصص كثيرة حول حسن خلق الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عفوه وتجاوزه وعطفه ورأفته ، وتضحيته وإيثاره وتقواه بحيث أنّ ذكرها جميعا يخرجنا عن البحث التّفسيري إلّا أنّنا سنكتفي بما يلي :

وجاء في حديث عن الحسين بن عليعليه‌السلام أنّه قال : سألت أبي أمير المؤمنين عن رسول الله كيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظّ ، ولا غليظ ولا صخّاب ، ولا فحّاش ، ولا عيّاب ، ولا مدّاح ، يتغافل عمّا لا يشتهي ، فلا يؤيّس منه ولا يخيب فيه مؤمّليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث كان لا يذمّ أحدا ولا يعيّره ، ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلّم إلّا في ما رجا ثوابه ، إذا تكلّم أطرق

٥٢٤

جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ...»(١) .

نعم لو لم تكن هذه الأخلاق الكريمة وهذه الملكات الفاضلة ، لما أمكن تطويع تلك الطباع الخشنة والقلوب القاسية ، ولما أمكن تليين أولئك القوم الذين كان يلفّهم الجهل والتخلّف والعناد ، ويحدث فيهم انعطافا هائلا لقبول الإسلام

ولتفرّق الجميع من حوله بمصداق قوله تعالى :( لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) .

وكم كان رائعا لو أحيينا والتزمنا بهذه الأخلاق الإسلامية القدوة ، وكان كلّ منّا يحمل قبسا من إشعاع خلق وأخلاق رسولنا الكريم وخاصّة في عصرنا هذا حيث ضاعت فيه القيم ، وتنكبّ الناس عن الخلق القويم.

والروايات في هذا الصدد كثيرة ، سواء ما يتعلّق منها حول شخص الرّسول الكريم أو ما يتعلّق بواجب المسلمين في هذا المجال ، ونستعرض الآن بعضا من الروايات في هذا الموضوع.

١ ـ جاء في حديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»(٢) .

ولذا فإنّ أحد الأهداف الأساسية لبعثة الرّسول السعي لتكامل الأخلاق الفاضلة وتركيز الخلق السامي.

٢ ـ وجاء في حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار»(٣) .

٣ ـ وورد عنه أيضاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن»(٤) .

__________________

(١) معاني الأخبار ، ص ٨٣ (بتلخيص قليل).

(٢) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٣٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٥٢٥

٤ ـ ونقل عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أحبّكم إلى الله أحسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلّفون. وأبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة ، المفرّقون بين الإخوان ، الملتمسون للبراء العثرات»(١) .

٥ ـ ونقرأ في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أكثر ما يدخل الناس الجنّة تقوى الله وحسن الخلق»(٢) .

٦ ـ وجاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام : (إنّ أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا»(٣) .

٧ ـ وورد حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «عليكم بحسن الخلق ، فإنّ حسن الخلق في الجنّة لا محالة ، وإيّاكم وسوء الخلق ، فإنّ سوء الخلق في النار لا محالة»(٤) .

إنّ ما يستفاد من مجموع الأخبار ـ أعلاه ـ بشكل واضح وجليّ ، أنّ حسن الخلق مفتاح الجنّة ، ووسيلة لتحقيق مرضاة اللهعزوجل ، ومؤشّر على عمق الإيمان ، ومرآة للتقوى والعبادة والحديث في هذا المجال كثير جدّا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٣٣.

(٢) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤١٠ ، وجاء هذا المضمون في وسائل الشيعة ، ج ٨ ، في ٥٠٤ ، وكذلك في تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٧٠٧.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ٥٠٦ ، حديث ٢١.

(٤) روح البيان ، ج ١ ، ص ١٠٨.

٥٢٦

الآيات

( فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) )

التّفسير

اجتنب أصحاب هذه الصفات :

بعد أن تعرّضت الآيات السابقة إلى الأخلاق السامية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تلتها الآيات أعلاه مستعرضة أخلاق أعدائه ليتّضح لنا الفرق بين الأخلاقيتين ، وذلك من خلال المقارنة بينهما.

يقول تعالى في البداية :( فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ) .

إنّهم أناس ضالّون ، ويدفعون الآخرين للتكبّر على الله ورسوله ، وينهونهم عن قبول مبدأ الهداية ، وقد استهانوا ، واستخفّوا بقيم الحقّ ، وإنّ الطاعة والاستجابة

٥٢٧

لهؤلاء سوف لن تكون نتيجتها إلّا الضلال والخسران.

ثمّ يشير تعالى إلى جهد هؤلاء المتواصل في إقناع الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمصالحتهم والإعراض عن آلهتهم وضلالهم فيقول :( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) .

إنّ من أمانيهم ورغبتهم أن تلين وتنعطف باتّجاههم ، وتغضّ الطرف عن تكليفك الرسالي من أجلهم.

ونقل المفسّرون أنّ هذه الآيات نزلت حينما دعا رؤساء مكّة وساداتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسير على نهج أجدادهم في الشرك بالله وعبادة الأوثان ، وقد نهى الله تعالى رسوله الكريم عن الاستجابة لهم وإطاعتهم(١) .

ونقل البعض الآخر أنّ (الوليد بن المغيرة) وكان أحد زعماء الشرك قد عرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أموالا طائلة ، وحلف أنّه سيعطيها لـ (محمّد) إذا تخلّى عن مبدئه ودينه(٢) .

والذي يستفاد من لحن الآيات ـ بصورة واضحة ـ وممّا جاء في التواريخ ، أنّ المشركين الذين أعمى الله بصيرتهم ، عند ما شاهدوا التقدّم السريع للإسلام وانتشاره ، حاولوا إعطاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعض المكاسب في مقابل تقديم تنازلات مماثلة ، في محاولة لترتيب نوع من الصلح معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهذا هو منهج أهل الباطل ـ دائما ـ في الظروف والأحوال التي يشعرون فيها أنّهم سيخسرون كلّ شيء ويفقدون مواقفهم ، لذا فإنّهم اقترحوا عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعطاءه أموالا طائلة ، كما اقترحوا تزويجه بأجمل بناتهم ، كما عرضوا عليه جاها ومقاما وملكا بارزا ، وما إلى ذلك من امور كانوا متعلّقين بها ومتفاعلين معها ومتهالكين عليها ، ويقيسون الرّسول بقياسها».

إلّا أنّ القرآن الكريم حذّر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرارا من مغبّة إبداء أي تعاطف مع

__________________

(١) الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ٨٥ ، والمراغي ، ج ٢٩ ، ص ٣١.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ١ ، ص ٦٧١٠.

٥٢٨

عروضهم واقتراحاتهم الماكرة وأكّد على عدم مداهنة أهل الباطل أبدا.

كما جاء في قوله تعالى :( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ ) .

«يدهنون» من مادّة (مداهنة) مأخوذة في الأصل (الدهن) وتستعمل الكلمة في مثل هذه الموارد بمعنى إظهار اللين والمرونة ، وفي الغالب يستعمل هذا التعبير في مجال إظهار اللين والميل المذموم كما في حالة النفاق.

ثمّ ينهى سبحانه مرّة اخرى عن اتّباعهم وطاعتهم ، حيث يسرد الصفات الذميمة لهم ، والتي كلّ واحدة منها يمكن أن تكون وحدها سببا للابتعاد عنه والصدود عن الاستجابة لهم.

يقول تعالى :( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ) .

تقال كلمة «حلّاف» على الشخص الكثير الحلف ، والذي يحلف على كلّ صغيرة وكبيرة ، وهذا النموذج في الغالب لا يتسّم بالصدق ، ولذا يحاول أن يطمئن الآخرين بصدقه من خلال الحلف والقسم.

«مهين» من (المهانة) بمعنى الحقارة والضّعة ، وفسّرها البعض بأنّها تعني الأشرار أو الجهلة أو الكاذبين.

ثمّ يضيفعزوجل :( هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ) .

«همّاز» من مادّة (همز) ، (على وزن رمز) ويعني : الغيبة واستقصاء عيوب الآخرين.

«مشّاء بنميم» تطلق على الشخص الذي يمشي بين الناس بإيجاد الإفساد والفرقة ، وإيجاد الخصومة والعداء فيما بينهم (وممّا يجدر الالتفات إليه أنّ هذين الوصفين وردا بصيغة المبالغة ، والتي تحكي غاية الإصرار في العمل والاستمرار بهذه الممارسات القبيحة).

ثمّ يسرد تعالى أوصافا اخرى لهم ، حيث يقول في خامس وسادس وسابع

٥٢٩

صفة ذميمة لأخلاقهم :( مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ) .

ومن صفاتهم أيضا أنّهم ليسوا فقط مجانبين لعمل الخير ، ولا يسعون في سبيله ، ولا يساهمون في إشاعته والعون عليه بل إنّهم يقفون سدّا أمام أي ممارسة تدعو إليه ، ويمنعون كلّ جهد في الخير للآخرين ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّهم متجاوزون لكلّ السنن والحقوق التي منحها اللهعزوجل لكلّ إنسان ممّا تلطف به من خيرات وبركات عليه.

وفوق هذا فهم مدنسون بالذنوب ، محتطبون للآثام ، بحيث أصبح الذنب والإثم جزءا من شخصياتهم وطباعهم التي هي منّاعة للخير ، معتدية وآثمة.

وأخيرا يشير إلى ثامن وتاسع صفة لهم حيث يقول تعالى :( عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) .

«عتل» كما يقول الراغب في المفردات : تطلق على الشخص الذي يأكل كثيرا ويحاول أن يستحوذ على كلّ شيء ، ويمنع الآخرين منه.

وفسّر البعض الآخر كلمة (عتلّ) بمعنى الإنسان السيء الطبع والخلق ، الذي تتمثّل فيه الخشونة والحقد ، أو الإنسان سيء الخلق عديم الحياء.

«زنيم» تطلق على الشخص المجهول النسب ، والذي ينتسب لقوم لا نسبة له معهم ، وهي في الأصل من (زنمة) ، (على وزن عظمة) وتقال للجزء المتدلّي من اذن الغنم ، فكأنّها ليست من الاذن مع أنّها متصلة بها.

والتعبير بشكل عام إشارة إلى أنّ هاتين الصفتين هما أشدّ قبحا وضعة من الصفات السابقة كما استفاد ذلك بعض المفسّرين.

وخلاصة البحث أنّ الله تعالى قد أوضح السمات الأساسية للمكذّبين ، وبيّن صفاتهم القبيحة وأخلاقهم الذميمة بشكل لا نظير له في القرآن بأجمعه ، وبهذه الصورة يوضّح لنا أنّ الأشخاص الذين وقفوا بوجه الإسلام والقرآن ، وعارضوا الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا من أخسّ الناس وأكثرهم كذبا وانحطاطا وخسّة ، فهم

٥٣٠

يتتبعون عيوب الآخرين ، نمّامون ، معتدون ، آثمون ، ليس لهم أصل ونسب ، وفي الحقيقة أنّنا لا نتوقّع أن يقف بوجه النور الرسالي إلّا أمثال هؤلاء الأشرار.

ويحذّر سبحانه في الآية اللاحقة من الاستجابة لهم والتعامل معهم بسبب كثرة أموالهم وأولادهم : بقوله :( أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ ) .

وممّا لا شكّ فيه أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن ليستسلم لهؤلاء أبدا ، وهذه الآيات ما هي إلّا تأكيد على هذا المعنى ، كي يكون خطّه الرسالي وطريقته العملية واضحة للجميع ، ولن تنفع جميع الإغراءات الماديّة في عدوله عن مهمّته الرسالية.

وبناء على هذا فإنّ الجملة أعلاه تأتي تكملة للآية الكريمة :( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ) .

إلّا أنّ البعض اعتبر ذلك بيانا وعلّة لظهور هذه الصفات السلبية ، حيث الغرور الناشئ من الثروة وكثرة الأولاد جرّهم ودفعهم إلى مثل هذه الرذائل الأخلاقية.

ولهذا يمكن ملاحظة هذه الصفات في الكثير من الأغنياء والمقتدرين غير المؤمنين. إلّا أنّ لحن الآيات يتناسب مع التّفسير الأوّل أكثر ، ولهذا اختاره أغلب المفسّرين.

وتوضّح الآية اللاحقة ردود فعل هؤلاء الأشخاص ذوي الصفات الأخلاقية المريضة إزاء الآيات الإلهية ، حيث يقول تعالى :( إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

وبهذا المنطق السقيم والحجج الواهية يعرض عن آيات اللهعزوجل ، فيضلّ ويغوى ويدعو الآخرين للغي والضلال ، ولهذا يجب عدم الاستجابة لهؤلاء وعدم السماع لهم في مثل هذه الأمور ، والإعراض عنهم وعدم طاعتهم ، وهذا تأكيد للنهي عن طاعتهم الذي تعرّضت إليه الآيات السابقة.

وتوضّح لنا آخر آية ـ من هذه الآيات ـ مفردة من مفردات الجزاء الذي سيلاقيه أمثال هؤلاء فيضيف سبحانه :( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) .

وهذا التعبير كاشف ومعبّر عن سوء النهاية المذلّة لهؤلاء ، إذ جاء التعبير أوّلا

٥٣١

بالخرطوم الذي يستعمل للفيل وللخنزير فقط ، وهو دلالة واضحة في تحقيرهم.

وثانيا : أنّ الأنف في لغة العرب غالبا ما يستعمل كناية عن العزّة والعظمة ، كما يقال للفارس حين إذلاله : مرّغوا أنفه بالتراب ، كناية عن زوال عزّته.

وثالثا : أنّ وضع العلّامة تكون عادة للحيوانات فقط ، بل حتّى بالنسبة إلى الحيوانات فإنّها لا تعلّم في وجوهها ـ خصوصا أنوفها ـ أضف إلى ذلك أنّ الإسلام قد نهى عن مثل هذا العمل.

ومع كلّ ما تقدّم تأتي الآية الكريمة ببيان معبّر واف وواضح أنّ الله تعالى سيذلّ هؤلاء الطغاة الذين امتلؤا عجبا بذواتهم ، المتمادين في عنادهم وإصرارهم على الباطل ، وتجاوزهم على الرّسول والرسالة سيذلّهم بتلك الصورة التي تحدّثت عنها الآية ويفضحهم على رؤوس الأشهاد ليكونوا موضع عبرة للجميع.

إنّ التاريخ الإسلامي ينقل لنا كثيرا من صور الإذلال والامتهان لأمثال هذه المجموعة المخالفة للحقّ المعاندة في ضلالها ، المكابرة في تمسّكها بالباطل ، بالرغم من تقدّم الرسالة الإسلامية وقوّتها وانتصاراتها ، كما أنّ فضيحتهم في الآخرة ستكون أدهى وأمرّ.

قال بعض المفسّرين : إنّ أكثر آيات هذه السورة كان يقصد بها (الوليد بن المغيرة) أحد رموز الشرك الذي واجه الإسلام وتعرّض لرسوله الأمين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا أنّ من المسلّم به أنّ هذا القصد ، لا يمنع من تصميم وتوسعة مفهوم الآيات الكريمة وشموليته(١) .

* * *

__________________

(١) قال البعض : إنّ وضع العلامة على الأنف قد تحقّق عمليّا في غزوة بدر ، حيث وجّهت ضربات إلى انوف بعض سادات الكفر وكبرائهم ، وقد بقيت آثارها على أنوفهم ، وإذا كان المقصود في ذلك (الوليد بن المغيرة) فقد توفّي بذلّ قبل غزوة بدر. وجاء في الخطبة المعروفة للإمام علي بن الحسينعليه‌السلام في مسجد الشام قوله : «أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا : لا إله إلّا الله» يقصد الإمام علي عليه‌السلام بحار الأنوار ، ج ٤٥ ، ص ١٣٨. إنّ لهذا التعبير وبلحاظ ما جاء في الآية مورد البحث ، حيث يقول تعالى : (سنسمه على الخرطوم) دلالة في غاية اللطف والروعة ، حيث يرينا أنّ الإرادة الإلهية قد تحقّقت على يد عبده المخلص علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٥٣٢

بحثان

١ ـ الرذائل الأخلاقية

بالرغم من أنّ الآيات أعلاه تحدّثت عن الصفات الأخلاقية الرذيلة للمخالفين والمعاندين لرسول الإسلام محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا أنّها في الوقت نفسه تعكس لنا نماذج ومفردات للصفات السلبية التي تبعد الإنسان عن اللهعزوجل ، وتسقطه في وحل الشقاء والبؤس ، ممّا يستدعي من المؤمنين الملتزمين أن يكونوا على حذر منها ويراقبوا أنفسهم بدقّة من التلوّث بها ، ولذا فقد أكّدت الروايات الإسلامية كثيرا على هذا المعنى. ومن جملة ذلك ما يلي :

١ ـ نقرأ في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «ألا أنبئّكم بشراركم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : المشّاءون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبّة ، الباعثون للبرءاء المعايب»(١) .

لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد كثيرا على البناء الأخلاقي للشخصية الإسلامية ، حتّى أنّه قال : «لا يبلّغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا ، فإنّي أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر»(٢) .

٢ ـ وأخيرا نقرأ في حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لا يدخل الجنّة جواظ ، ولا جعظري ، ولا عتل زنيم».

يقول الراوي : قلت : فما الجواظ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ جمّاع منّاع ، قلت : فما الجعظري؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الفضّ الغيظ؟ قلت : فما العتل الزنيم؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحب الجوف سيء الخلق أكول شروب غشوم ظلوم»(٣) .

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، باب النميمة / حديث رقم ١.

(٢) (سنن أبي داود) أو (صحيح الترمذي) مطابقا لما نقل في ظلال القرآن ، ج ٨ ، ص ٢٣٠.

(٣) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩٤.

٥٣٣

٢ ـ المداهنة والصلح

إنّ من جملة الخصائص التي يتميّز بها تجّار السياسة ، والأشخاص والمجاميع غير الرسالية ، أنّهم يتلوّنون ويتصرّفون بالشكل الذي يتماشى مع مصالحهم ، فلا ضوابط ولا ثوابت تحكمهم ، بل هم على استعداد دائم للتنازل عن كثير من الشعارات المدعاة من جانبهم ، مقابل تحقيق بعض المكاسب أو الحصول على بعض الامتيازات. أمّا متبنّياتهم المدعاة فلا تشكّل شيئا مقدسا بالنسبة إليهم ، ويحوّرونها بما تقتضيه مصالحهم ، وهذا المفهوم هو ما تشير إليه الآية الكريمة حيث يقول تعالى :( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) .

أمّا أهل المبادئ والالتزام فإنّهم لا يضحّون بأهدافهم المقدّسة مطلقا ولا يساومون عليها أو يداهنون أبدا ، ولن يتخلّوا عن متبنّياتهم ويقوموا بعمل أو صلح على خلاف ما تمليه عليهم مبادئهم العقائدية ، خلافا لما عليه تجّار السياسة

إنّ هذا المقياس من أفضل الدلائل لتشخيص السياسيين المنحرفين عن غيرهم من المبدئيين ، والأشخاص الذين يسايرون هؤلاء المنحرفين لا شكّ أنّهم بعيدون عن طريق الله وأوليائه.

* * *

٥٣٤

الآيات

( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) )

التّفسير

قصّة (أصحاب الجنّة):

في الآيات أعلاه يستعرض لنا القرآن الكريم ـ بما يتناسب مع البحث الذي ورد في الآيات السابقة ـ قصّة أصحاب الجنّة كنموذج لذوي المال الذين غرقوا في أنانيتهم ، فأصابهم الغرور ، وتخلّوا عن القيم الإنسانية الخيّرة ، وأعماهم حبّ المال عن كثير من الفضائل فالآيات الكريمة تذكر لنا قصّة مجموعة من الأغنياء كانت لهم جنّة (بستان مثمر) إلّا أنّهم فقدوها فجأة ، وذلك لعتوّهم وغرورهم

٥٣٥

وكبرهم على فقراء زمانهم.

ويبدو أنّها قصّة معروفة في ذلك الزمان بين الناس ، ولهذا السبب استشهد بها القرآن الكريم.

يقول في البداية :( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) .

لقد تعدّدت الرّوايات في مكان هذه الجنّة ، فقيل : إنّها في أرض اليمن بالقرب من صنعاء ، وقيل : هي في الحبشة ، وهناك قول بأنّها في أرض الشام ، وذهب آخرون إلى أنّها في الطائف إلّا أنّ المشهور أنّها كانت في أرض اليمن.

وموضوع القصّة هو : أنّ شيخا مؤمنا طاعنا في السنّ كان له بستان عامر ، يأخذ من ثمره كفايته ويوزّع ما فضل من ثمرته للفقراء والمعوزين ، وقد ورثه أولاده بعد وفاته ، وقالوا : نحن أحقّ بحصاد ثمار هذا البستان ، لأنّ لنا عيالا وأولادا كثيرين ، ولا طاقة لنا باتّباع نفس الأسلوب الذي كان أبونا عليه ولهذا فقد صمّموا على أن يستأثروا بثمار البستان جميعا ، ويحرموا المحتاجين من أي عطاء منها ، فكانت عاقبتهم كما تحدّثنا الآيات الكريمة عنه

يقول تعالى :( إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ ) (١) .

( وَلا يَسْتَثْنُونَ ) أي لا يتركون منها شيئا للمحتاجين.

وعند التدقيق في قرارهم هذا يتّضح لنا أنّ تصميمهم هذا لم يكن بلحاظ الحاجة أو الفاقة ، بل إنّه ناشئ عن البخل وضعف الإيمان ، واهتزاز الثقة بالله سبحانه ، لأنّ الإنسان مهما اشتدّت حاجته ، فإنّه يستطيع أن يترك للفقراء شيئا ممّا أعطاه الله.

وقيل : إنّ المقصود من عدم الاستثناء هو عدم قولهم (إن يشاء الله) حيث كان الغرور مسيطرا عليهم ، ممّا حدا بهم إلى أن يقولوا : غدا سنذهب ونفعل ذلك ،

__________________

(١) «يصرمن» من مادّة (صرم) ، (على وزن ضرب) بمعنى حصد الفاكهة ، وبمعنى القطع المطلق ، وجاءت أيضا بمعنى تقوية عمل ما وإحكامه.

٥٣٦

معتبرين الأمر مختصّا بهم ، وغافلين عن مشيئة الله ، ولذا لم يقولوا : (إن شاء الله).

إلّا أنّ الرأي الأوّل أصحّ(١) .

ثمّ يضيف تعالى استمرارا لهذا الحديث :( فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ ) .

لقد سلّط الله عليها نارا حارقة ، وصاعقة مهلكة ، بحيث أنّ جنّتهم صارت متفحّمة سوداء( فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) ، ولم يبق منها شيء سوى الرماد.

«طائف» من مادّة (طواف) ، وهي في الأصل بمعنى الشخص الذي يدور حول شيء معيّن ، كما تستعمل أحيانا كناية عن البلاء والمصيبة التي تحلّ في الليل ، وهذا المعنى هو المقصود هنا.

«صريم» من مادّة (صرم) بمعنى (القطع) وهنا بمعنى (الليل المظلم) أو (الشجر بدون الثمار) أو (الرماد الأسود) لأنّ الليل يقطع عند مجيء النهار ، كما أنّ النهار يقطع عند مجيء الليل ، ولذا يقال أحيانا لليل والنهار (صريمان) ، والمقصود بذلك هو : البلاء السماوي الذي تمثّل بصاعقة عظيمة ـ فيما يبدو ـ أحالت البستان إلى فحم ورماد أسود ، وهكذا فعل الصواعق غالبا.

وعلى كلّ حال فإنّ أصحاب البستان بقوا على تصوّرهم لأشجار جنّتهم المملوءة بالثمر ، جاهزة للقطف :( فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ ) (٢) .

وقالوا :( أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ ) .

«(أغدوا» من مادّة (غدوة) بمعنى بداية اليوم ، ولذا يقال للغذاء الذي يؤكل في أوّل اليوم ـ وجبة الإفطار ـ غداء ، بالرغم من أنّ (غداء) تقال في التعابير

__________________

(١) بالإضافة إلى التناسب الخاص الموجود بين المعنى الأوّل مع أصل القصّة ، فإنّنا إذا اعتبرنا المعنى الثاني هو المقصود ، كان يجب أن يقال (ولم يستثنوا) بدلا عن (ولا يستثنون).

(٢) يقول الراغب في المفردات : إن (تنادوا). أصلها من (نداء) مشتقّة من (ندى) ، بمعنى الرطوبة المأخوذة ، لأنّ المعروف أنّ الأشخاص الذين تكون في أفواههم رطوبة كافية يتكلّمون براحة ، ويتّصف كلامهم بالفصاحة.

٥٣٧

المستعملة حاليا لوجبة الأكل المتناولة في وقت الظهر.

وعلى ضوء المقدّمات السابقة :( فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ ) .

لقد كانوا يتكلّمون بهدوء حتّى لا يصل صوتهم إلى الآخرين ، ولا يسمعهم مسكين ، ويأتي لمشاركتهم في عملية جني الثمر أو تناول شيء من الفاكهة.

ويرتقب الفقراء يوم الحصاد بفارغ الصبر في مثل هذه الأيّام ، لأنّهم تعوّدوا في كلّ سنة أن ينالهم شيء من الفاكهة كما كان يفعل ذلك الشيخ المؤمن ، إلّا أنّ تصميم الأبناء البخلاء على حرمان الفقراء من العطاء ، والسريّة التي غلفوا بها تحرّكاتهم ، لم تدع أحدا يتوقّع أنّ وقت الحصاد قد حان حيث يطّلع الفقراء على الأمر بعد انتهائه ، وبهذا تكون النتيجة :( وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ ) .

«حرد» على وزن «فرد» بمعنى الممانعة التي تكون توأما مع الشدّة والغضب ، نعم إنّهم كانوا في حالة عصبية وانفعالية من حاجة الفقراء لهم وانتظار عطاياهم ، ولذا كان القرار بتصميم أكيد على منعهم من ذلك.

وتطلق كلمة (حرد) أيضا على السنوات التي ينقطع فيها المطر ، وعلى الناقة التي ينقطع حليبها.

* * *

٥٣٨

الآيات

( فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) )

التّفسير

أصحاب البستان والمصير المؤلم :

الآيات الشريفة ـ أعلاه ـ استمرار لقصّة أصحاب الجنّة ، التي مرّت علينا في الآيات السابقة فلقد تحرّكوا في الصباح الباكر على أمل أن يقطفوا محصولهم الكثير ، ويستأثروا به بعيدا عن أنظار الفقراء والمحتاجين ، ولا يسمحوا لأي أحد من الفقراء بمشاركتهم في هذه النعمة الإلهية الوافرة ، غافلين عن تقدير الله فإذا بصاعقة مهلكة تصيب جنّتهم في ظلمة الليل فتحوّلها إلى رماد ، في وقت كان

٥٣٩

أصحاب الجنّة يغطّون في نوم عميق.

يقول القرآن الكريم :( فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ) .

المقصود من (ضالّون) يمكن أن يكون عدم الاهتداء إلى طريق البستان أو الجنّة ، أو تضييع طريق الحقّ كما احتمل البعض ، إلّا أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر.

ثمّ أضافوا :( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) أي أردنا أن نحرم الفقراء والمحتاجين من العطاء إلّا أنّنا حرمنا أكثر من الجميع ، حرمنا من الرزق المادّي ، ومن البركات المعنوية التي تحصل عن طريق الإنفاق في سبيل الله للفقراء والمحتاجين.

( قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) .

ألم أقل لكم اذكروا الله بالتعظيم وتجنّبوا مخالفته واشكروا نعمته وامنحوا المحتاجين شيئا ممّا تفضّل الله به عليكم؟! لكنّكم لم تصغوا لما قلته لكم ، وأخيرا وصلتم إلى هذه النتيجة البائسة في هذا اليوم الأسود.

ويستفاد ممّا تقدّم أنّ أحدهم كان شخصا مؤمنا ينهاهم عن البخل والحرص ، إلّا أنّهم كانوا لا يسمعون كلامه ، ولقد أفصح عن رأيه بقوّة بعد هذه الحادثة ، وأصبح منطقه أكثر حدّة وقاطعية. وقد وبّخهم كثيرا على موقفهم من الفقراء ، ووجّه لهم ملامة عنفية.

وتستيقظ ضمائرهم في تلك اللحظة ويعترفون بخطئهم وذنوبهم و( قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) .

إنّ التعبير بـ (أوسطهم) في الآية السابقة يمكن أن يكون بلحاظ حدّ الاعتدال في العقل والفكر والعلم وقيل : إنّه الوسط في السنّ والعمر. إلّا أنّه مستبعد جدّا ، وذلك لعدم وجود ارتباط بين العمر وهذه المقالة الوافية المعبّرة. والارتباط يكون عادة ـ بمثل هذا الكلام بين العقل والفكر.

والتعبير بـ( لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ) مأخوذ بلحاظ أنّ أصل وجذر كلّ الأعمال

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624