الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل15%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135903 / تحميل: 5385
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

سورة

المزّمّل

مكيّة

وعدد آياتها عشرون آية

١٢١
١٢٢

«سورة المزّمّل»

محتوى السورة :

يدل سياق السورة على وجود تشابه بينها وبين المكية الأخرى ، ولهذا يستبعد ما قاله البعض من أنّها مدنية ، واختلاف سياق الآيات الأولى والأخيرة منها يشير إلى نزوله في فترات متعددة وطويلة ، فقد ذكر البعض : إنّه نزلت في ثمانية أشهر وقيل : سنة ، وقيل : عشر سنوات.(١)

إنّ الكثير من آيات هذه السورة تشير إلى أنّها نزلت عند بدء الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدعوته العلنية ، واعتراض المخالفين وتكذيبهم له ، ولكن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بالمسالمة والمجازاة لهم ، ولذا يبعد احتمال نزولها جميعا في أوّل دعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويمكن احتمال ذلك في شأن الآيات الأولى لها ، وأمّا البقية فليست كذلك ، لأنّ آياتها تشير إلى سعة الإسلام والدعوة ، وذلك على نطاق مكّة على الأقل ، وبروز مخالفة المخالفين وصراعهم مع الحق ، وهذا ما لم يحصل في السنوات الثلاث الأولى للدعوة.

ووردت روايات مختلفة ومتفاوتة في سبب نزول السورة أو بعض الآيات منها ، ففي بعض الرّوايات أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما استلم البلاغ الإلهي الأوّل رجع إلى خديجة وفؤاده يرتجف فقال : «زملوني» فنزل جبرائيلعليه‌السلام بـ( أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) .

__________________

(١) راجع تفسير الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٢٧٦ ، ومجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٧.

١٢٣

في حين أنّه جاء في بعض الرّوايات أن شأن نزول هذه السورة يتعلق بإعلان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوته ، فكان أن اجتمع مشركو قريش في دار الندوة ليفكروا في أمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليختاروا لمواجهته شعارا أو عنوانا خاصّا ، فقال بعضهم : إنّه (كاهن) لكن بعضهم لم يوافق على هذه التسمية ، فقال آخرون : إنّه (مجنون) إلّا جمعا آخر منهم لم يوافق عليه أيضا ، ورجّح بعضهم أن يسمّى بـ (الساحر) فلم يوافق الآخرون على ذلك أيضا.

أخيرا قالوا : إنّه يفرق بين الأحباب ، فبناء على ذلك فهو ساحر ثمّ تفرق المشركون ، فبلغ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله المشركون ، فدثّر نفسه تزّمل بأثوابه وركن إلى الرّاحة فجاءه الوحي في ذلك الحين بسورتي ، يا أيّها المزّمل ، ويا أيّها المدثر.(١)

والحاصل هو ما أشرنا إليه في أنّ ظاهر السورة مكّية ، ونزول قسم منها بعد الدعوة العلنية ونفوذ الإسلام النسبي في مكّة أمر حتمي ، وإن كان يحتمل نزول آيات من أوّل السورة في أوّل البعثة.

ويتلخص محتوى السورة في خمسة أقسام :

القسم الأوّل : الآيات الأولى للسورة والتي تأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقيام الليل والصلاة فيه ، ليستعد بذلك لنقل ما سيلقى عليه من القول الثقيل.

القسم الثّاني : يأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر والمقاومة ومداراة المخالفين.

القسم الثّالث : بحوث حول المعاد ، وإرسال موسى بن عمران إلى فرعون وذكر عذابه الأليم.

القسم الرّابع : فيه تخفيف لما ورد في الآيات الأولى من الأوامر الشديدة عن قيام الليل ، وذلك بسبب محنة المسلمين والشدائد المحيطة بهم.

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٦ ، ص ٢٧٦.

١٢٤

القسم الخامس : هو القسم الأخير من السورة يعود ليدعو إلى تلاوة القرآن وإقامة الصلاة وإيتاء الزّكاة ، والإنفاق في سبيل الله والاستغفار.

فضيلة السّورة :

ورد في حديث عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ سورة المزمل رفع عنه العسر في الدنيا والآخرة»(١) .

وفي حديث آخر ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «من قرأ سورة المزّمل في العشاء الآخرة ، أو في آخر الليل كان له الليل والنهار شاهدين مع السورة ، وأحياه الله حياة طيبة وأماته ميتة طيبة»(٢) .

ومن الطبيعي أنّ هذه الفضائل لا بدّ أن تكون ملازمة مع قيام الليل وقراءة القرآن والصبر والاستقامة والإيثار والإنفاق والعملي ، وليس بالتلاوة الخالية من العمل.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٥.

(٢) المصدر السّابق.

١٢٥

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) )

التّفسير

يشير سياق الآيات كما بيّنا إلى دعوة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للاستقامة والاستعداد لقبول مهمّة كبيرة وثقيلة ، وهذا لا يتمّ إلّا بالبناء المسبق للذات ، فيقول :( يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) (١) ( ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) .

الطريف في هذه الآيات أنّ المخاطب هو الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن لا بعنوان يا أيّها الرّسول ، أو يا أيّها النّبي ، بل بعنوان يا أيّها المزمل ، إشارة إلى إنّ هذا ليس زمان التزمل والانزواء ، بل زمان القيام والبناء الذاتي والاستعداد لأداء الرسالة العظيمة ، واختيار الليل لهذا العمل أوّلا : لأنّ أعين الأعداء نائمة ، وثانيا : تتعطل الأعمال المكاسب ، ولهذا فإنّ الإنسان يستعد للتفكر ولتربية النفس.

__________________

(١) «مزّمل» : أصلها متزمل ، وهي من التزمل ، وتعني لف الثوب على نفسه ، ولهذا جاء لفظ الزميل ، أي المصاحب والرفيق.

١٢٦

وكذلك إختيار القرآن لأنّ يكون المادة الأولى في البرنامج العبادي في الليل إنّما هو لاقتباس الدروس اللازمة في هذا الباب ، وهو يعدّ من أفضل الوسائل لتقوية الإيمان والاستقامة والتقوى وتربية النفوس ، والتعبير بالترتيل الذي يراد به التنظيم والترتيب الموزون هنا هو القراءة بالتأني والانتظام اللازم ، والأداء الصحيح للحروف ، وتبيّن الحروف ، والدقّة والتأمل في مفاهيم الآيات ، والتفكر في نتائجها.

وبديهي أنّ مثل هذه القراءة تعطي الإنسان الرّشد والنمو المعنوي السريع والشهامة الخلقية وتهب التقوى ، وإذا فسّره البعض بالصلاة فذلك لأنّ أحد أجزاء الصلاة المهمّة هي قراءة القرآن.

عبارة «قم الليل» تعني النهوض في مقابل النوم ، وليس الوقوف فحسب ، وأمّا ما جاء من العبارات المختلفة في هذه الآيات حول مقدار إحياء الليل فهو في الحقيقة لتبيان التخيير ، وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخيّر في الاستيقاظ في نصف الليل أو أقل من ذلك أو أكثر لقراءة القرآن ، ففي المرحلة الأولى يذكر الليل كلّه إلّا قليلا منه ، ثمّ يخففه ليوصله إلى النصف ، وبعدئذ إلى أقل من النصف.

وقيل : المراد هو التخيير بين الثلث الثّاني والنصف والثلث الأوّل ، بقرينة الآية التي في آخر السورة :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ) ويستفاد من هذه الآية أيضا أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن وحده الذي يقوم الليل ، بل معه عدّة من المؤمنين كانوا ملتزمين أيضا بهذا النظام للبناء الذاتي والتربية والاستعداد متخذين النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة لهم.

وقال البعض : إنّ المراد من «قم الليل إلّا قليلا» ، هو القيام في الليالي كلّها إلّا بعض الليالي ، وليس الاستثناء في أجزاء الليل ، ولكن هذا القول بعيد عن الصواب حيث أنّ الليل جاء بصيغة مفرد «ليل» ، وجاء التعبير بالنصف أو أقل النصف.

ثمّ يبيّن الهدف النهائي لهذا الأمر المهم والشاق فيقول :( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ

١٢٧

قَوْلاً ثَقِيلاً ) .

ذكر المفسّرين في القول الثقيل أقوالا مختلفة ، لكن الملاحظ أن ثقل القول يراد به القرآن المجيد بأبعاده المختلفة ثقيل بلحاظ المحتوى ومفاهيم الآيات.

ثقيل بلحاظ حمل على القلوب له لما يقوله القرآن :( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) (١) . ثقيل بلحاظ الوعد والوعيد وبيان المسؤوليات.

ثقيل بلحاظ التبليغ ومشاكل طريق الدعوة.

وثقيل في ميزان العمل وفي عرصة القيامة ، وبالتالي ثقيل بلحاظ تخطيطه وتنفيذه بشكل تام.

نعم ، وإن قراءة القرآن وأن كانت سهلة وجميلة ومؤثرة ، ولكن تحقق مفاده ليس بأسهل اليسير بالخصوص في أوائل الدعوة النّبوية في مكّة حيث الظلام والجهل وعبادة الأصنام والخرافات ، إذ أنّ الأعداء المتعصبين القساة كانوا قد تكاتفوا ضد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه القلائل استطاعوا أن يتغلبوا على كل تلك هذه المشاكل باستمدادهم من تربية القرآن ، والاستعانة بصلاة الليل ، وبالاستفادة من قربهم من ذات الله المقدسة ، واستطاعوا بذلك حمل هذا القول الثقيل والوصول إلى مرادهم.

* * *

بحوث

١ ـ قيام الليل بتلاوة القرآن والدعاء

قلنا إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان هو المخاطب في هذه الآيات ، ولكن آخر السورة يشير إلى وجود مؤمنين كانوا معه في هذا العمل ، والسؤال هو هل أنّ

__________________

(١) سورة الحشر ، ٢١.

١٢٨

إحياء الليل كان واجبا على الجميع في أوائل دعوته أم لا؟ قال البعض : إنّ هذا الأمر كان واجبا في البدء ثمّ نسخ بالآية الأخيرة للسورة ومدّة ذلك حوالي السنة ، حتى وأنّ البعض ذهب إلى أنّ هذا الحكم كان قبل تشريع الصلوات الخمس ، ثمّ نسخ هذا الحكم بعد تشريعها ، ولكن المرحوم الطبرسيرحمه‌الله كما ذكر في تفسيره «مجمع البيان» أنّ ظاهر آيات هذه السورة لا يشير إلى النسخ ، الأفضل هو القول بأنّ هذه العبادة مستحبة وسنّة مؤكّدة ، ولم يكن لها طابع الوجوب إلّا لشخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في بعض الآيات الأخرى للقرآن ، ولا مانع ذلك من وجوبها على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحبابها على المؤمنين ، ومضافا إلى أنّ الآيات المذكورة لا تنحصر بصلاة الليل ، لأنّها لم تشغل نصف ممن الليل أو ثلثي الليل بل وحتى ثلثه ، وما ذكر في الآية هو النهوض لترتيل القرآن.

فعلى هذا كان الحكم في البدء مستحبّا مؤكّدا ثمّ خفف ، وبما أنّ بداية كلّ عمل بالخصوص بداية الثورة العظيمة ، يحتاج إلى قدره وقوّة أكثر من أي وقت ، فلا عجب في أن يصدر مثل الأمر العظيم للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، وذلك أن يقوموا لقسط وافر من الليل ليتعرفوا ويتفهموا محتوى هذا العمل الجديد وعلى تعاليمه الثورية ، ولتطبيق ذلك لا بدّ أن يروضوا أرواحهم بالعلم والمعرفة.

٢ ـ معنى التّرتيل

إنّ ما أكّدت على الآيات المذكورة هو الترتيل وليس قراءة القرآن ، ووردت روايات عن الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام في معنى الترتيل كلّ منها يشير إلى بعد من أبعاد هذه الكلمة الواسعة.

فقد ورد في حديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : «بينه بيانا ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرع به القلوب القاسية ، ولا يكوننّ همّ أحدكم آخر

١٢٩

السورة»(١) .

ونقرأ في حديث آخر ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «إذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فأسأل الله الجنّة ، وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار فتعوذ بالله من النار»(٢) .

وفي رواية اخرى عنهعليه‌السلام : «هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك»(٣) ، وعنه أيضا : «أنّ القرآن لا يقرأ هذرمة ، ولكن يرتل ترتيلا وإذا مررت بآية فيها ذكر النّار وقفت عندها وتعوذت بالله من النّار»(٤) .

وقد نقل عن حالات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يقطع قراءته آية آية ، ويمد صوته مدّا(٥) ، هذه الرّوايات والرّوايات الأخرى المنقولة بنفس المضمون في كتاب الكافي ونور الثقلين والدر المنثور وبقية الكتب الأخرى من كتب الحديث والتّفسير تشير إلى ضرورة التمعن في كلمات القرآن ، والتدبّر فيها وتذكر بأنّ القرآن هو خطاب الله تعالى للإنسان.

ولكن وللأسف إنّ الكثير من المسلمين ابتعدوا عن هذا الواقع ، واكتفوا بالتلفظ وغدا همّهم ختمه ، من دون الاهتمام بمعرفة سبب نزوله ومحتواه! صحيح أنّ ألفاظ القرآن عظيمة ولقراءتها فضيلة ، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه الألفاظ وتلاوتها هي مقدمة لبيان المحتوى.

٣ ـ فضيلة صلاة الليل

هذه الآيات تبيّن أهمّية إحياء الليل بالعبادة وقراءة القرآن عند ما يكون

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٨ ، ذكر ذلك في كتاب الكافي ، ج ٢ ، باب (ترتيل القرآن بالصوت الحسن) وكذا في كتب اخرى مع الاختصار.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السّابق.

(٤) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٤٧.

(٥) مجمع البيان ، ذيل الآيات التي بصدد البحث.

١٣٠

الغافلون نياما ، وكما أشرنا من قبل فإنّ العبادة في الليل وبالخصوص عند السحر لها الأثر البالغ في تصفية الروح وتهذيب النفوس والتربية المعنوية للإنسان وطهارة القلب وإيقاظه ، وكذا في تقوية الإيمان والإرادة ، وتوكيد اركان التقوى في الروح والقلب ، ويمكن لمس ذلك بمجرّد الإختيار مرّة واحدة ، وقد أكّدت الرّوايات على ذلك بالإضافة إلى ما ذكرته الآيات القرآنية.

منها ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «إنّ من روح الله تعالى ثلاثة ، التهجد بالليل ، وإفطار الصّائم ، ولقاء الإخوان»(١) .

وعنه أيضاعليه‌السلام في تفسير :( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) قال : «صلاة الليل تذهب بذنوب النهار»(٢) .

ولنا بحث مفصل في هذا الباب في ذيل الآية (٧٩) من سورة الإسراء ، وقد نقلنا بهذا الشأن عشرة أحاديث رائعة في أهمية صلاة الليل.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٨٧ ، ص ١٤٣.

(٢) المصدر السّابق.

١٣١

الآيات

( إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠) )

التّفسير

تأثير الدعاء والمناجاة في أعماق الليل :

تستمر هذه الآيات في البحث حول عبادة الليل والتعاليم المعنوية الموجودة قراءة القرآن في الليل ، وهي بمنزلة بيان الدليل على ما جاء في الآيات السالفة ، فيقول تعالى :( إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ) (١) .

«الناشئة» : من مادة (نشأ) ، على وزن نثر ، وتعني الحادثة ، وقد ذكر هنا ثلاثة تفاسير لما يراد منها.

الأوّل : المراد به ساعات الليل الحادثة بالتوالي ، أو أنّها تخصّ الساعات

__________________

(١) «الناشئة» : اسم فاعل واحتمل كونها مصدرا كالعاقبة.

١٣٢

الأخيرة لليل والسحر.

والآخر : إنّ المراد هو إحياء الليل بالصلاة والعبادة وقراءة القرآن كما ورد في حديث عن الإمامين الصادق والباقرعليهما‌السلام حيث قالا : «هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل»(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية ، قال : «قيامه عن فراشه لا يريد إلّا الله».(٢)

والثّالث : الحالات المعنوية والروحية والنشاط والجذوة الملكوتية التي تحصل في القلب الإنسان وروحه في هذه الساعات الخاصّة بالليل ، والتي تكون آثارها في روح الإنسان أعمق واستمرارها أكثر ، والتّفسيران الثّاني والثّالث متلازمان ، ويمكن جمعها في ما يراد بمعنى الآية.

«وطأ» : تعني في الأصل وضع القدم ، وتعني كذلك الموافقة.

والتعبير بـ( أَشَدُّ وَطْئاً ) : العناء والمشقّة الحاصلة في عبادة الليل ، أو أنّه يعني التأثيرات الثابتة والراسخة الحاصلة من شعاع هذه العبادات في روح الإنسان ، والمعنى الثّاني أوجه.

ويحتمل أن يراد له التوافق الحاصل بين قلب الإنسان وعينه وأذنه وبالتالي تعبئتها في طريق العبادة.

«أقوم» : من القيام ، ويراد بكونها أثبت للقول وأصوب لحضور القلب.

«قيلا» : تعني القول ، وتشير هنا إلى ذكر الله وقراءة القرآن.

ومحصلة ذلك أنّ هذه الآية من الآيات التي تحتوي على أبلغ الأحاديث حول العبادة الليلة ، ورمز إظهار المحبّة مع المحبوب في ساعات يختلي فيها الحبيب بحبيبه وأكثر من غيرها.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٨.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٤٨ ، الحديث ، ١٦.

١٣٣

ويضيف في الآية الأخرى :( إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً ) .

أي إنّك مشغول بهداية الخلق وإبلاغ الرسالة وحلّ المشاكل المتنوعة ، ولا مجال لك بالتوجه التام إلى ربّك والانقطاع إليه بالذكر ، فعليك بالليل والعبادة فيه.

وهناك معنى أدق وتفسير يناسب الآيات السابقة أيضا هو : أنّك تتحمل في النهار مشاغل ثقيلة ومساعي كثيرة ، فعليك بعبادة الليل لتقوى بها روحك وتستعد للفعاليات والنشاطات الكثيرة في النهار.

«سبح» : على وزن مدح ، وتعني في الأصل الحركة والذهاب والإيّاب ، ويطلق على السباحة لما فيها من الحركة المستمرة ، وكأنّه يشبه المجتمع الإنساني بالمحيط اللامتناهي الذي يغرق فيه الكثير من الناس ، وأمواجه المتلاطمة تتحرك في كل الجهات ، وفيها من السفن المضطربة التي تبحث عن الملجأ الأمين ، والرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المنجي الوحيد للغريق ، وقرآنه سفينة النجاة الوحيدة في هذا المحيط ، فعلى هذا السباح العظيم أن يهيء نفسه يوميا بالعبادة الليلة لإتمام هذه المهمّة والرسالة العظيمة.

وبعد الإشارة إلى العبادة الليلية ، والإشارة الإجمالية إلى آثارها العميقة يذكّر القرآن بخمسة أوامر اخرى مكملة لتلك فيقول :( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ) .

والطبيعي أنّ المراد ليس ذكر الاسم فحسب ، بل التوجه إلى المعنى ، لأنّ الذكر اللفظي مقدمة للذكر القلبي ، والذكر القلبي يبعث على صفاء القلب والروح ويروي منهل المعرفة والتقوى في القلب.

المراد بـ «الربّ» هو الإشارة إلى التوجه إلى النعم اللامتناهية وذلك عند الإتيان بذكره المقدس ، وأن يكون ذكره ملازما مع التوجه إلى تربيته تعالى شأنه لنا ، ويبيّن بعض المفسّرين مراحل لذكر الربّ تعالى.

المرحلة الاولى : ذكره تعالى كما أشير إلى ذلك.

المرحلة الثّانية : الذكر القلبي لذاته المقدسة ، كما هو في الآية (٢٠٥) من

١٣٤

سورة الأعراف :( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً ) .

ثمّ تبدأ المرحلة الثّالثة ، وفيها يتعدى الذكر مقام الرّبوبية ليصل إلى مقام مجموعة الصفات الجمالية والجلالية المجتمعة في الله تعالى ، كما هو في الآية (٤١) من سورة الأحزاب حيث يقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) وعلى هذا الأساس يستمر هذا الذكر ليتكامل في مراحلة ليوصل الذاكر نفسه إلى أوج الكمال.(١)

ويقول في الأمر الثّاني :( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) .(٢)

«التبتل» : من (البتل) على وزن (حتم) ، وتعني في الأصل الانقطاع ، ولهذا سمّيت «مريم العذراء»عليها‌السلام بالبتول ، لأنّها لم تتخذ لنفسها زوجا وسمّيت الزّهراءعليها‌السلام بالبتول لأنّها كانت أفضل نساء عصرها في السيرة والسلوك ، وكانت بالغة درجة الانقطاع إلى الله تعالى.

فالتبتل هو التوجه القلبي التام إلى الله تعالى ، والانقطاع عن غيره إليه تعالى ، والإتيان بالأعمال الخالصة لله ، وكذا الخلوص له تعالى.

وما روي عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «لا رهبانية ، ولا تبتل في الإسلام»(٣) ، فهو اشارة لما هو حاصل في أوساط المسيحيين في تركهم للدنيا ، إذ أنّهم اعتزلوا الزواج لاعتزالهم الدنيا ، واعتزلوا بذلك الوظائف الاجتماعية ، وهذا ما لم يكن حاصلا عند المسلمين ، إذ أن أحدهم يعيش في أوساط المجتمع الإنساني وهو في نفس الوقت متوجّه إلى الله تعالى.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٧٧ (مع الاقتباس).

(٢) «التبتل» : يجب أن يكون التبتل هنا حسب القاعدة مفعول مطلق وهو مصدر من باب (تفعل) ولكنّه جاء على وزن تفعيل ، لحفظ توافق أواخر الآيات ، ويمكن أن يكون مصدر إشارة إلى أن الانقطاع إلى الله لا يكون كلّه اكتسابيا ، ولا يكون هبة بتمامه أيضا ، بل يكون ذلك بشروط السعي والعمل الجاد للعبد المتقي من جهة ، وبلطف الله وعنايته من جهة اخرى.

(٣) المفردات ، ومجمع البحرين باب البتل.

١٣٥

وممّا روي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام «التبتل رفع اليد إلى الله حال الصّلاة»(١)

والواضح أنّ هذا هو مظهر من مظاهر الإخلاص والانقطاع إلى الله.

على أيّ حال فإنّ ذلك الذكر لله تعالى وهذا الإخلاص هما الثّروة العظيمة لأهل الله في مهامهم الثقيلة لهداية الخلق.

ثمّ ينتهي إلى الأمر الثّالث فيقول :( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ) وهنا تأتي مسألة إيداع الأمور إلى الله ، وذلك بعد مرحلة ذكر الله والإخلاص ، إيداع الأمور للربّ الذي بيده الحاكمية والرّبوبية على المشرق والمغرب والمعبود الوحيد المستحق للعبادة ، وهذا التعبير في الحقيقة هو بمنزلة الدليل على موضوع التوكل على الله ، فكيف لا يتوكل الإنسان عليه ، ولا يودعه أعماله ، وليس في العالم الواسع من حاكم وآمر ومنعم ومولى ومعبود غيره؟

وبالتالي يقول في الأمر الرّابع والخمس :( وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ) .

ويأتي هنا مقام الصبر والهجران ، لكثرة اتهامات الأعداء وإيذاءهم له في طريق الدعوة إلى الله ، فالفلاح إذا أراد قطف الورود ، عليه أن يصبر ويتحمل أذى الأشواك ، مضافا إلى ذلك يلزم الابتعاد عنهم وهجرانهم أحيانا ، وليبقى في مأمن من شرّهم ، ويعطيهم بذلك درسا بالغا ، ولا يعني ذلك قطع سبل التربية والتبليغ والدعوة إلى الله.

وعلى هذا فإنّ الآيات المذكورة آنفا تعتبر وثيقة من الأوامر تعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمن يحذو حذوه هذا المفهوم ، وهو أن يستمد العون من عبادة الليل والدعاء والتضرع إلى الله تعالى ويسقي هذه الشجرة بماء الذكر الله تعالى ، والإخلاص والتوكل والصبر والهجران الجميل ، يا لها من صحيفة جامعة وجميلة!

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٠ ، ح ٢٧.

١٣٦

التعبير بـ «ربّ المشرق والمغرب» إشارة إلى الحاكمية والرّبوبية على العالم المشهور كلّه.

«الهجر الجميل» : كما أشرنا من قبل ، يعني الهجران الملازم للشفقة والاستمرار بالدعوة إلى الله الذي يعتبر أحد طرق التربية في مراحل خاصّة ، ولا يتنافى ذلك مع الجهاد في المراحل الاخرى ، فلكل أمر مقام.

وبعبارة اخرى أنّ ذلك لا يعتبر من الابتعاد عنهم وعدم الاكتراث بهم ، بل هو اكتراث بحدّ ذاته ، وما قيل من أنّ الجهاد نسخ هذه الآيات فليس صحيحا.

يقول المرحوم الطّبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية : وفي هذا دلالة على وجوب الصبر على الأذى لمن يدعو إلى الدين والمعاشرة بأحس الأخلاق ، واستعمال الرفق ليكونوا أقرب إلى الإجابة(١) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٩.

١٣٧

الآيات

( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩) )

التّفسير

ذرني والمكذبين المستكبرين :

أشارت في الآية الأخيرة من الآيات السابقة إلى أقوال المشركين البذيئة ، وعدائهم وإيذائهم للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا في هذه الآيات فإنّ الله تعالى يهددهم بالعذاب الأليم ، ويدعوهم إلى ترك ما هم عليه ، ويواسي المؤمنين الأوائل ، فيقول تعالى

١٣٨

شأنه :( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ) .

أي دعني وايّاهم ، واترك عقابهم لي ومهلهم قليلا. لتتمّ الحجّة عليهم ولتظهر ماهيتهم الحقيقية ، ويثقلوا ظهورهم بالخطايا فعندها يحلّ عليهم غضبي.

ولم يمض كثير حتى ازدادت شوكة المسلمين ، ووجهوا ضرباتهم القوية لأعداء الرسالة ، وذلك في معارك بدر وحنين والأحزاب ، وبالتالي كان العذاب الإلهي ينتظرهم في البرزخ ، حتى يخلدوا بعد ذلك في النّار في يوم القيامة.

والتعبير بـ «أولي النعمة» إشارة الغرور والغفلة الناجمة من كثرة الأموال والثروة المادية ، ولهذا يذكرهم القران في النصف الأوّل من المخالفين على طول تاريخ الأنبياء ، وفي الحقيقة أنّ هذه الآية مشابهة للآية (٣٤) من سورة سبأ حيث يقول تعالى :( وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) في حين أنّ هؤلاء لا بدّ أن يلبوا دعوة الحق قبل غيرهم ليشكروا الله على ما أنعم عليهم بهذا الوسيلة.

ثمّ يقول مصرّحا :( إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً ) .

«الأنكال» : جمع (نكل) ، على وزن (فكر) وهي السلاسل الثقال ، وأصلها من نكول الضعف والعجز ، أي أنّ الإنسان يفقد الحركة بتقييد أعضائه بالسلاسل.

نعم ، لقد تنعموا في الدنيا وأخذوا حريتهم المطلقة ، ولهذا لا بدّ لهم من القيود والنّار.

وكذا يضيف :( وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً ) .

هذا مصير من كان يتلذذ بالطعام بعكس ما كان طعامهم في الدنيا الحرام ، حيث العذاب الأليم ، ولمّا تمتع به المغرورون والمستكبرون من الراحة غير المشروعة في هذه الدنيا ، والطعام الموصوف بالغصّة هو بحدّ ذاته عذاب أليم ، ثمّ يتبع ذلك بذكر العذاب الأليم على انفراد ، وهذا يشير إلى أنّ أبعاد العذاب الاخروي الذي لا يعلم شدّته وعظمته إلّا الله تعالى ، ولهذا ورد في حديث أنّ

١٣٩

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع قارئا يقرأ هذه فصعق.(١)

وجاء في حديث آخر أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي كان يتلو الآية فصعق(٢) ، وكيف لا يكون هذا الطعام ذا غصّة في حين الآية (٦) من سورة الغاشية تقول :( لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ) .

وكذا نقرأ في الآية (٤٣) و (٤٤) من سورة الدخان :( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ ) .

ثمّ يشرح ما يجري في ذلك اليوم الذي يظهر فيه هذا العذاب فيقول :( يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً ) .

«الكثيب» : يراد به الرمل المتراكم ، و «المهيل» من هيل ـ على وزن كيل ـ هو صبّ شيء ناعم كالرمل على شيء ، ويراد بالمعنى هنا الرمل الناعم وما لا يستقر ، والمعنى أنّ الجبال تتلاشى بحيث تظهر بهيئة الرمل الناعم ، وإذا ما ديست بالأقدام فإنّها تطمس فيها.

وللقرآن المجيد تعابير مختلفة عن مصير الجبال في يوم القيامة ، وتحكي عن انعدامها وتبديلها بالأتربة الناعمة (أوردنا شرحا مفصلا حول المراحل المختلفة لانعدام الجبال والتعابير المختلفة للقرآن في هذا الباب في ذيل الآية ١٠٥ من سورة طه).

ثمّ يقارن بين بعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفة الأشداء العرب ، وبين نهوض موسى بن عمران بوجه الفراعنة فيقول تعالى :( إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ) .

إنّ هدف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدايتكم والإشراف على أعمالكم كما كان هدف موسىعليه‌السلام هداية فرعون وأتباعه والإشراف على أعمالهم.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٠.

(٢) روح المعاني ، ج ٢٩ ، ص ١٠٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[٢٠٣] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ وليّ كل مؤمن من بعدي.

[٢٠٤] وبآخر عن البراء بن عازب ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخذ بعضد عليعليه‌السلام فأقامه ، ثم قال : هذا وليكم من بعدي والى الله من والاه وعادى من يعاديه. قال : فقام عمر بن الخطاب إليه. فقال : يهنيك يا ابن أبي طالب ، أصبحت ، أو قال : أمسيت(١) ولي كل مسلم.

[٢٠٥] وبآخر عن بريدة ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي وليكم من بعدي.

[٢٠٦] وبآخر عن عمار بن ياسر رحمة الله عليه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل.

[٢٠٧] وبآخر ، الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري ، باسناده عن سلمان الفارسي ( رضوان الله عليه ) ، انه قال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده جماعة من أصحابه إذ وقف أعرابي [ من بني عامر وسلم ] فقال : والله يا محمد لقد آمنت بك من قبل أن أراك ، وصدقتك من قبل أن ألقاك ، وقد بلغني عنك أمر ، فأردت سماعه منك. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما الذي بلغك عني يا أعرابي؟ قال : دعوتنا الى أن نشهد أن لا إله إلا الله والى. الإقرار بأنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجبناك ، وإلى الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ، فأجبناك ، ثم لم ترض حتى دعوت الناس إلى حبّ ابن عمّك علي وولايته ، فذلك فرض علينا من الأرض أم الله فرضه من السماء؟

__________________

(١) وفي غاية المرام ص ٨٤ : أصبحت وأمسيت.

٢٢١

قال : فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل الله عز وجل فرضه من السماء(١) .

قال الأعرابي : فان كان الله عز وجل فرضه ، فحدّثني به يا رسول الله.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أعرابي أني اعطيت في علي خمس خصال الواحدة منها خير من الدنيا بحذافيرها ، يا أعرابي ألا انبئك بهن؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم بدر جالسا وقد انقضت الغزاة فهبط عليّ جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : إني آليت على نفسي بنفسي ألا الهم حب علي ، إلا من أحببته ، فمن أحببته ألهمته ذلك ، ومن أبغضته ألهمته بغضه وعداوته.

يا أعرابي ألا انبئك بالثانية؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم أحد جالسا ، وقد فرغت من جهاز عمي حمزة فاذا أنا بجبرائيلعليه‌السلام وقد هبط عليّ ، فقال : يا محمد ، الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : اني فرضت الصلاة ووضعتها عن العليل(٢) ، والزكاة ووضعتها عن المقسر ، والصوم فوضعته عن المسافر ، والحج ووضعته عن المقتر(٣) ، والجهاد فوضعته عمّن له عذر وفرضت ولاية علي ومحبته على جميع الخلق ، فلم أعط أحدا فيها رخصة

__________________

(١) وفي الفضائل لابن شاذان : ص ١٤٧ بل فرضه الله تعالى في السماوات على أهل السماوات والأرض.

(٢) وهو المريض ، ووضعناها بمعنى خففت من أحكامها لعلّة مرضه بأحكام مرنة ملائمة لحاله.

(٣) الفقير.

٢٢٢

طرفة عين.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالثالثة؟

قال : بلى.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : ما خلق الله عز وجل شيئا إلا جعل له سيدا ، فالنسر سيد الطيور(٢) والثور سيد البهائم والأسد سيد السباع وإسرافيل سيد الملائكة ويوم الجمعة سيد الأيام وشهر رمضان سيد الشهور(٣) وأنا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ، إلا انبئك بالرابعة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : يا أعرابي : إن الله عز وجل خلق حبّ علي شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده الجنة ، وبغض علي شجرة أصلها في النار وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده في النار.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالخامسة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بمنبري فينصب عن يمين العرش ويؤتى بمنبر إبراهيمعليه‌السلام فينصب عن يمين العرش. يا أعرابي والعرش له يمينان ، فمنبري عن يمين ، ومنبر إبراهيم عن يمين ثم يؤتى بكرسي عال مشرف فينصب بين المنبرين المعروف بكرسيّ الكرامة

__________________

(١) وفي بحار الأنوار ٢٧ / ١٢٩ : إنه ما أنزل الله كتابا ولا خلق الله ...

(٢) وفي الأصل : الطير.

(٣) وفي الفضائل ص ١٤٧ أضاف : وآدم سيد البشر.

٢٢٣

لعلي ، وأنا عن يمين العرش على منبري وإبراهيم على منبره وعلي على كرسيّ الكرامة وأصحابي حولي ، وشيعة علي حوله فما رأيت أحسن من حبيب بين خليلين.

يا أعرابي : أحبب عليا حق حبّه ، فما هبط عليّ جبرائيل إلا سألني عن علي وشيعته ، ولا عرج من عندي إلا قال أقرئ مني عليا أمير المؤمنينعليه‌السلام السّلام.

[ فعند ذلك قال الأعرابي : سمعا وطاعة لله ولرسوله ولابن عمه علي بن أبي طالب ](١) .

[٢٠٨] وبآخر ، أبو بصير ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : إذا مات العبد المؤمن من أهل ولايتنا وصار الى قبره دخل معه قبره ست حور منهن حورة أحسنهن وجها وأطيبهن ريحا وأنظفهن هيئة ، حورة تكون عند رأسه ، وتكون الاخرى منهن عن يمينه ، والاخرى عن يساره ، والاخرى من خلفه ، والاخرى عن قدامه ، والاخرى عند رجليه ، فيمنعنه من حيث ما أتى من الجهات ويؤنسنه في قبره ، فيقول الميت من أنتنّ ، جزاكنّ الله خيرا. فتقول التي عن يمينه : أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي من خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا الجهاد وأنا من وصلته من إخوانك ، وتقول التي عند رأسه وهي أحسنهن : أنا الولاية لعليعليه‌السلام والائمة من ذرّيته.

[٢٠٩] وبآخر ، معاذ بن مسلم ، قال : دخلت مع أخي عمرو ، على أبي عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) ، فقلت له : جعلت فداك هذا

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في الفضائل لابن شاذان ص ١٤٧.

٢٢٤

أخي يريد أن يسمع منك. فقال له : سل عمّا شئت.

فقال : أسألك عن الذي لا يقبل الله عز وجل من العباد غيره ، ولا يعذرهم على جهله؟

قالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله والطهارة والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد لمن قدر عليه والائتمار(١) مع ذلك بأئمة الحق من آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة.

قال له عمرو : سمّهم لي جعلت فداك.

قالعليه‌السلام : علي أمير المؤمنين ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، ويعطي الله الخير من يشاء.

قال له : فأنت جعلت فداك؟ قال : يجري لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، ومحمد وعلي أفضلنا.

[٢١٠] أبو صالح ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال في قول الله عز وجل «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (٢) . قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط من أهل الكتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند صلاة الظهر ، فقالوا : يا رسول الله ، إن بيوتنا قاصية ولا نجد محدثا دون أهل المسجد ، وإن قومنا لما رأونا قد آمنا بالله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا لنا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يجالسونا ولا يكلّمونا وتبرّءوا منا ومن ولايتنا و[ قاطعونا ] ، فشقّ ذلك علينا.

فبيناهم يشكون ذلك الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ انزل عليه : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ». فقرأها رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الافتداء.

(٢) المائدة : ٥٥

٢٢٥

عليه وآله. فقالوا : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين ، وأذّن بلال لصلاة الظهر.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المسجد والناس يصلّون ، ومسكين يسأل ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل أعطاك أحد شيئا؟

قال : نعم. قال : ما ذا؟ قال : خاتم فضة. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك؟ قال : ذلك الرجل القائم ـ وأومى الى علي ـ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعلى أيّ حال أعطاك؟ قال : وهو راكع مررت به ، وأنا أسأل ، فاستلّه(١) من إصبعه وناولني إياه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر(٢) .

[٢١١] وفي إسناد آخر ، إنه لما فرغ من الصلاة دعا علياعليه‌السلام فبشره بما أنزل الله فيه وما أوجب من ولايته.

[٢١٢] وبآخر عن علي بن عامر ، يرفعه الى أبي معشر ، قال : دخلت الرحبة ، فاذا عليعليه‌السلام بين يديه مال مصبوب وهو يقول : والذي فلق الحبة وبرىء النسمة لا يموت عبدا وهو يحبني إلا جئت أنا وهو كهاتين يوم القيامة ـ وجمع المسبحتين من يديه جمعا ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين

__________________

(١) استلّه أي : استخرجه من إصبعه.

(٢) روى عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنينعليه‌السلام وزن أربعة مثاقيل حلقته من فضة ـ وفضته خمسة مثاقيل ـ وهو من ياقوتة حمراء ، وثمنه خراج الشام ، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة وأربعة أحمال من ذهب ، وكان الخاتم لمران بن طوق ، قتله أمير المؤمنين ـ في الجهاد ـ وأخذ الخاتم من إصبعه ، وأتى به الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة الغنائم وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأخذ الخاتم.

قال الغزالي في كتاب سرّ العالمين : إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين كان خاتم سليمان بن داود.

قال الشيخ الطوسي : إن التصدق بالخاتم كان في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.

٢٢٦

المسبحة والوسطى من يده اليمنى ـ وقال : أنا يعسوب المؤمنين ووليهم ، وهذا ـ وأشار الى المال ـ يعسوب المنافقين ومقصدهم ، فبي يلوذ المؤمنون ، وبهذا يلوذ المنافقون.

[٢١٣] وعن جعفر بن سليمان الهاشمي ، يرفعه الى عمر بن الخطاب ، إنه قال : أحبّوا الأشراف وتودّدوهم ، واتقوا على أعراضكم السفلة ، ولا يتم إسلام مسلم حتى يتولّى علي بن أبي طالب.

[٢١٤] الحسين بن الحكم الحبري ، يرفعه الى أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه ، إنه قال : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشي وعليعليه‌السلام معه في بعض طرق الجبانة ، إذ عرضت لهما جنازة رثة الهيئة قليلة التبع ، فوقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهوا بها إليه ، فقال : قفوا ، من هذا الميت؟ فقالوا : يا رسول الله هذا عبد لنبي الرياح(١) كان كثير الاسراف على نفسه فجفاه الناس ، فلما مات قلّ تبعه. قال : أصلّيتم عليه؟ قالوا : لا. فقال : امضوا. ومضى معهم حتى انتهوا إلى موضع فيه سعة. فقال : أنزلوه. فأنزلوه ، فصلّى عليه ، ثم مشى معهم الى قبره ، فدفنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوّى عليه التراب ، فلما تفرقوا ، قال لعليعليه‌السلام : أما سمعت ما قال هؤلاء القوم في هذا الميت؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولكني أخبرك عنه إنه والله ما استقبلني قط إلا قال لي : يا مولاي أنا والله أحبك وأتولاّك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبها والله أدرك ما أدرك لقد رأيت معه قبيلا من الملائكة(٢) يشيّعون جنازته.

__________________

(١) وفي البحار ٣٩ / ٢٨٩ : هذا رياح غلام آل النجار.

(٢) وفي البحار أيضا : شيّعه سبعون ألف قبيل من الملائكة كل قبيل سبعون الف ملك.

٢٢٧

[٢١٥] وعن [ الحسين ](١) أيضا ، باسناده ، عن أبي هارون العبدي ، قال : كنت أرى رأي الخوارج الى أن جلست يوما الى أبي سعيد الخدري ، قال : ألا إن الاسلام بني على خمس ، فأخذ الناس بأربع وتركوا واحدة ، فقلت : وما هي يا أبا سعيد؟ قال : أما الأربع التي عمل بها الناس فالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، فأما التي تركوها فولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قلت : ما تقول ، هي مفروضة؟ قال : إي والله مفروضة.

[٢١٦] وبآخر عنه ، يرفعه الى زيد بن أرقم والبراء بن عازب ، إنهما قالا : سمعنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، لعن الله من ادعى الى غير أبيه ، ولعن الله من انتمى الى غير مواليه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ليس لوارث وصيه إلا وقد سمعتم مني ورأيتموني ، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ألا وأني فرطكم على الحوض ومكاثر بكم الامم يوم القيامة ، ولأستنقذن من النار رجل ، وليستنقذن من يدي آخرون ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه.

[٢١٧] وبآخر ، سعد بن ظريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : بينا عليعليه‌السلام يصلّي إذ مرّ به سائل ، فرمى إليه بخاتمه وهو راكع ، فلما فرغ من صلاته أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا علي ، ما صنعت في صلاتك؟ فأخبره. فقال : إن الله تعالى أنزل فيك آيتين وتلا عليه قوله : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » الى قوله : «هُمُ

__________________

(١) وفي الأصل : الحسن. وفي نسخة ـ ب ـ الحسين بن الحكم.

٢٢٨

الْغالِبُونَ » (١) .

[٢١٨] وبآخر ، محمد بن جرير الطبري ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، إنه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد عليعليه‌السلام وهو يقول : هذا ولي من أنا وليه ، عاديت من عاداه وسالمت من سالمه(٢) .

[٢١٩] وبآخر ، أبو نعيم ( الفضل بن دكين ) عن سفيان بن عيينة ، قال : سألت أبا عبد الله ( جعفر بن محمد )عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ » (٣) .

فنظر أبي كالمتعجب ، فقال لي : يا سفيان ، كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني عنها أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي محمد بن عليعليه‌السلام فقال لي : بابني كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي علي بن الحسينعليه‌السلام فقال لي مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه الحسين بن عليعليه‌السلام فقال له مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال له مثل

__________________

(١) الآيتين في سورة المائدة الآية ٥٥ و ٥٦( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) .

(٢) ولقد أجاد المؤلف حيث أشار في ارجوزته الى هذا المعنى :

ثم دعاه بينهم إليه

وقال وهو رافع يديه

يا ربّ وال اليوم من والاه

وعاد يا ذا العرش من عاداه

(٣) الشعراء : ٢٠٤. ( الارجوزة المختارة ص ١٠٧ ).

٢٢٩

ذلك ، وانه قال لأبيه عليعليه‌السلام ، إذ قال ذلك له : أردت أن تخبرني عنها فيمن انزلت؟

قال : نعم ، لما رجعنا من حجة الوداع نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ، فقال : معاشر الناس ، اني مسئول عنكم وانتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون؟

قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، بلّغت رسالة ربك ونصحت لامّتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله عنا من نبي خيرا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنتم ، فجزاكم الله عني خيرا ، فلقد صدقتموني وأعنتموني على تبليغ وحي الله عز وجل ورسالته ، وجاهدتم معي فجزاكم الله عني خيرا.

ثم أخذ بيدي فرفعها كأنها مروحة ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنا وليّ جميعهم؟

قالوا : نعم.

قال : من كنت مولاه فهذا مولاه. هل سمعتم وأطعتم.

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد.

فقام نعمان بن الحارث الفهري(١) فقال : يا رسول الله أتيتنا فذكرت لنا إنك رسول الله إلينا ، فقلنا لك : أعن الله ذلك؟ قلت :

نعم ، فصدّقناك.

ثم أتيتنا بالفرائض ـ وذكرت كل فريضة منها ـ فقلنا لك : أعن الله هذا؟ قلت : نعم ، فصدّقناك.

__________________

(١) وفي البحار ذكر أنه الحارث بن النعمان الفهري راجع تخريج الاحاديث.

٢٣٠

ثم أخذت الآن بيد ابن عمك هذا ، فأمرتنا بولايته ، فالله أمرك بهذا؟ قال : نعم والله عز وجل أمرني أن أقول ذلك لكم.

فقال كلمة يعنى بها التكذيب ، ثم ولّى مغضبا ، وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. ثم أتى ناقته ، فحلّ عقالها ، وركبها ، فانطلق يريد أهله ، فأصابته حجارة من السماء [ فسقطت في رأسه وخرجت من دبره وسقط ميتا ](١) .

وفي رواية اخرى : نار فقتلته قبل أن يصل الى أهله ، فأنزل الله عز وجل :( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) (٢) .

[٢٢٠] وبآخر عيسى بن عبد الله بن عمر ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فسمع الرعد ، فقال : سبحان من سبّحت له.

ثم قال : يا أبا محمد أخبرني أبي عن أبيه عن جده ، عن الصدّيق الأكبر عليعليه‌السلام إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أوصي من آمن بي وصدقني ، بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإن ولاءه ولائي ، وولائي ولاءه ، أمر أمرني به ربي عز وجل ، وعهد عهده إليّ ، وأمرني أن أبلغكموه وإن منكم من ينقصه حقّه ويركب عقّه.

قالوا : يا رسول الله أولا تعرّفنا بهم؟

قال : أما إني قد عرفتهم ، ولكن امرت بالإعراض عنهم لأمر هو كائن ، وكفى بالمرء منكم ما في قلبه لعليعليه‌السلام .

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في بحار الأنوار ٣٧ / ١٧٦.

(٢) الشعراء : ٢٠٤.

٢٣١

[٢٢١] وبآخر ، مسعر عن طلحة بن عميرة ، قال : شهدت علياعليه‌السلام على المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلا من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اناشدكم الله من كانت لي عنده شهادة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قام فأداها.

فقام القوم فذكروا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وكان فيهم أنس بن مالك ، فلم يقم ، ولم يقل شيئا.

فقال له عليعليه‌السلام : يا أنس بن مالك ، ما منعك أن تقوم فتشهد بما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت.

فقال عليعليه‌السلام : اللهمّ إن كان كاذبا فابتله ببياض لا تواريه العمامة.

قال طلحة : فو الله ما متّ حتى رأيتها نكتة(١) بين عينيه من برص أصابه.

[٢٢٢] وبآخر في حديث آخر عن زيد بن أرقم(٢) ، قد ذكرناه فيما تقدم إنه قال : أنشد عليعليه‌السلام الناس [ في المسجد ] : من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، إلا قام فشهد.

فقام جماعة ، فشهدوا ، وكنت فيمن كتم ، فعمي بصري ، وكان يحدث بذلك بعد أن عمي.

[٢٢٣] وبآخر ، محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبي عبيدة عن عمار بن ياسر ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن

__________________

(١) النكتة ونكت ونكات : النقطة البيضاء في الأسود.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ عن بريدة.

٢٣٢

بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني ، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله يوشك أن يأخذه عقاب.

[٢٢٤] وبآخر ، عن عباس ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيد الناس(١) ولا فخر ، وعليّ سيد المؤمنين ولا فخر ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

[٢٢٥] وبآخر سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قوله الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » (٢) .

قال : [ ناكبون ] عن ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٦] وقالعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » (٣) .

قال : في ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٧] وبآخر ، أبو حمزة ، عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله عز وجل : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » (٤) .

قال : الدخول في الولاية.

«وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً » قال : الجنة.

[٢٢٨] وبآخر ، الشعبي عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله تعالى :

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ سيد البشر.

(٢) المؤمنون : ٧٤.

( ٣ ـ ٤ ) البقرة : ٢٠٨ و ٢٠١.

٢٣٣

  «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ » (١) .

قال : يوقف الناس على الصراط فيسألون عن ولاية عليعليه‌السلام .

[٢٢٩] وبآخر ، يزيد بن عبد الملك ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً » (٢) .

قال : من ولاية علي أمير المؤمنين والأوصياء من ولدهعليهم‌السلام أجمعين.

[٢٣٠] وبآخر ، زيد بن المنذر عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين إنه قال ـ في قوله تعالى ـ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما ) ( يُحْيِيكُمْ » (٣) .

قال : ولاية عليعليه‌السلام .

[٢٣١] وبآخر ، داود بن سرحان ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ » (٤) .

قال : ذلك علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذا رأوا ما أزلفه(٥) الله عز وجل به لديه ، ومنزلة ومكانه من الله جلّ ثناؤه أكلوا اكفهم على ما فرطوا فيه من ولايتهعليه‌السلام .

[٢٣٢] وبآخر ، أبو حذيفة عن هلقام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال

__________________

(١) الصافات : ٢٤.

(٢) البقرة : ٩٠.

(٣) الأنفال : ٢٤.

(٤) الملك : ٢٧.

(٥) أزلفه : قربه ، والزلفى : القربة والمنزلة ( مختار الصحاح ص ٢٧٣ ).

٢٣٤

في قول الله تعالى : «فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ »(١) .

قال : من دفعهم لولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٣٣] وبآخر ، أبان بن عثمان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى :( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ » (٢) .

قال : هو وعد تواعد الله به من كذب بولاية علي أمير المؤمنين.

[٢٣٤] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : لما أنزل الله تعالى على رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله : «إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » (٣) .

قال لعليعليه‌السلام : المجرمون ، ـ يا علي ـ المكذبون بولايتك.

[٢٣٥] وبآخر ، عن عمر بن اذينه ، عن جعفر بن محمد عن أبيه صلوات الله عليهم إنه قال في قول الله عز وجل : «أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ » (٤) .

قال : يقول : أفتطمعون أن يقرّوا لكم بالولاية ، وهم يحرّفون الكلم عن مواضعه.

[٢٣٦] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنه قال في قول الله [ تعالى ] : «أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » (٥) .

قال : قد كذبوا والله فريقا من آل محمد وفتلوا فريقا.

[٢٣٧] وبآخر ، ثابت الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قوله الله تعالى : «أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ » (٦) .

__________________

(١) ص : ١٧.

(٢) المزمل : ١١.

(٣) المدثر : ٤٢.

(٤) البقرة : ٧٥.

(٥) البقرة : ٨٧.

(٦) البقرة : ١١٤.

٢٣٥

قال : يعني الولاية لا يقولوا بها إلا وهم يخافون على أنفسهم إظهار القول بها.

[٢٣٨] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله عز وجل «وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » (١) .

قال : مسلمون بولاية عليعليه‌السلام .

[٢٣٩] وبآخر ، محمد بن سلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله عز وجل : «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » (٢) قال : إن الله عز وجل أوحى الى نبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمره بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد فلما فعلوا ذلك وأقاموه ، وكان آخر ما فعلوه منه الحج معه حجة الوداع وقام فيهم بولاية عليعليه‌السلام .

قال قوم : الى متى يلزمنا محمد هذه الفرائض شيئا بعد شيء؟

فأنزل الله تعالى قل : «إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » يعني الولاية لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٤٠] وبآخر ، عبد الصمد بن بشير ، عن عطيّة عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : لما كان يوم غدير خم ، وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في عليعليه‌السلام ـ ما قال ، اجتمع جنود إبليس إليه ، فقالوا : ما هذا الأمر الذي حدث كنّا نظن أن محمّدا إذا مضى تفرق هؤلاء ، فنراه قد عقد هذا الأمر لآخر من بعده. فقال لهم : إن أصحابه لا يفوا له بما عقد عليهم.

قال عطية : ثم قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : أتدري أين هو من كتاب الله تعالى؟

__________________

(١) البقرة : ١٣٢

(٢) السبأ : ٤٦.

٢٣٦

قلت : لا.

قال : هو قوله تعالى : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (١) .

[٢٤١] وبآخر ، يعقوب بن المطلب ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله عز وجل : «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (٢) .

قال : لا تعدلوا عن ولايتنا فتهلكوا في الدنيا والآخرة

[٢٤٢] وبآخر ، إبراهيم بن عمر الصنعاني ، عن أبي جعفر ( محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ) ، إنه قال : في قول الله عز وجل : «سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى » (٣) .

قال : لا يقول بولايتنا إلا من يخشى الله تعالى.

[٢٤٣] فضيل بن الرسان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى » (٤) .

قال : نعينك على تبليغ الرسالة بمعرفة حق الأوصياءعليهم‌السلام .

[٢٤٤] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنه قال في قول الله [ عز وجل ] : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ».

قال : يعني بولاية عليعليه‌السلام .

«وَإِنْ تَكْفُرُوا ) ـ يعني بولايته ـ( فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً » (٥)

__________________

(١) السبأ : ٢٠.

(٢) البقرة : ١٩٥.

(٣) الأعلى : ١٠.

(٤) الأعلى : ٨.

(٥) النساء : ١٧٠.

٢٣٧

[٢٤٥] وبآخر ، الفضل بن بشار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » (١) .

يعني الائمةعليهم‌السلام .

[٢٤٦] وعنهعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » (٢) .

قال : يعني الولاية.

[٢٤٧] وبآخر ، حميد بن جابر بن العبدي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها » (٣) قال : يعني الولاية «لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ ».

قال : لأرواحهم «وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ » يوم القيامة.

[٢٤٨] وبآخر ، أبو الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » (٤) .

يقول : الى ولاية عليعليه‌السلام ، فإنّ استجابتكم له في ولاية عليعليه‌السلام أجمع لأمركم.

[٢٤٩] وبآخر ، عن ابن عمر عن أبي جعفر عن أبيه ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها » (٥) .

قال : بالإقرار بالولاية ، فلتعبدوا ، أتعستم فيها بالجحود.

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) المائدة : ٦٨.

(٣) الأعراف : ٤٠.

(٤) الأنفال : ٢٤.

(٥) آل عمران : ١٠٣.

٢٣٨

[٢٥٠] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام [ إنه ] قال : نزل جبرائيلعليه‌السلام علي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية : «فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً »(١) .

قال : بولاية عليعليه‌السلام .

[٢٥١] وبآخر ، عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى » (٢) ، قال : هو التارك لحقنا ، المضيع لما افترضه الله تعالى عليه من ولايتنا.

«وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى » ، قال : يقول ليس عليك يا محمد ألا يصلي ويزكي ويصوم ، فانه إن عمل أعمال الخير كلها وأتى بالفرائض بأسرها ثم لم يقبل بولاية الأوصياء لم يزن ما عمل عند الله سبحانه جناح بعوضة.

[٢٥٢] وبآخر ، أبو الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا » (٣) .

قال : علم الله عز وجل إنهم سيفترقون بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويختلفون ، فنهاهم الله عن التفرق كما نهى من كان قبله وأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمدعليهم‌السلام ولا يتفرقوا.

[٢٥٣] وبآخر ، محمد بن زيد ، عن أبيه ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (٤) ، أهي للمسلمين عامة؟.

قال : الحسنة : ولاية علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٥٤] وبآخر ، خيثمة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله

__________________

(١) الإسراء : ٨٩.

(٢) عبس : ٥.

(٣) آل عمران : ١٠٣.

(٤) الأنعام : ١٦٠.

٢٣٩

تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » (١) .

قال : العروة الوثقى هي : ولاية عليعليه‌السلام والقول بإمامته والبراءة من أعدائه ، والطاغوت أعداء آل محمّدعليهم‌السلام .

[٢٥٥] وبآخر ، جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله عز وجل : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » (٢) ، قال : الذين كفروا بولاية عليعليه‌السلام وأوصياء رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.

[٢٥٦] وبآخر ، أبو حمزة ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ » (٣) ، قال : ولاية عليعليه‌السلام وولايتنا من بعده.

[٢٥٧] وبآخر ، خالد بن يزيد ، عنهعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » (٤) ، قال : في القول بالولاية.

[٢٥٨] وبآخر ، حسّان الجمّال ، قال : حملت أبا عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) من المدينة الى مكة ، فلما انتهى إلى غدير خم ، نظر الى المسجد ، فقال : ترى عن يسار المسجد ذاك؟

قلت : نعم.

قال : كان موضع قدمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أخذ بيد عليعليه‌السلام ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

ونظر الى الجانب الأيمن ، فقال : هاهنا كان فسطاط أربعة من

__________________

(١) البقرة : ٢٥٦.

(٢) البقرة : ٦.

(٣) الكهف : ٤٤.

(٤) التغابن : ١٦.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511