الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135846 / تحميل: 5380
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

( أحكام الصلاة )

الصلوات الواجبة في زمان غيبة امام العصر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ خمسة انواع :

(1) الصلوات اليومية وتندرج فيها صلاة الجمعة كما سيأتي.

(2) صلاة الآيات.

(3) صلاة الطواف الواجب.

(4) الصلاة الواجبة بالاجارة والنذر ، والعهد واليمين ونحو ذلك.

(5) الصلاة على الميت ، وتضاف إلى هذه : الصلاة الفائتة عن الوالد فان ـ الأحوط وجوباً ـ ان يقضيها عنه ولده الأكبر على تفصيل يأتي في محله.

١٠١

( صلاة الجمعة )

وهي ركعتان كصلاة الصبح ، وتجب قبلها خطبتان يلقيهما الإمام ففي الأولى : منهما يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويوصي بتقوى الله ، ويقرأ سورة قصيرة من الكتاب العزيز ثم يجلس قليلاً ، وفي الثانية يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ـ والأحوط استحباباً ـ أن يضم إلى ذلك الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات.

( مسألة 176 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ إتيان الحمد والصلاة من الخطبة باللغة العربية ، وأما غيرهما من أجزائها كالثناء على الله والوصية بالتقوى فيجوز إتيانها بغير العربية أيضاً ، بل ـ الأحوط لزوماً ـ فيما إذا كان أكثر الحضور غير عارفين باللغة العربية أن تكون الوصية بتقوى الله تعالى باللغة التي يفهمونها.

( مسألة 177 ) : صلاة الجمعة واجبة تخييراً ، ومعنى ذلك ان المكلف يوم الجمعة مخير بين الاتيان بصلاة الجمعة على النحو الذي تتوفر فيه شروطها الآتية ، وبين الاتيان بصلاة الظهر ولكن الإتيان بالجمعة أفضل ، فإذا أتى بها بشروطها أجزأت عن الظهر.

( مسألة 178 ) : تعتبر في صحة صلاة الجمعة الجماعة ، فلا تصح فرادى.

( مسألة 179 ) : يشترط في جماعة الجمعة عدد خاص وهو خمسة نفر

١٠٢

أحدهم الامام ، فلا تصح الجمعة ما لم يكن المجتمعون خمسة نفر من المسلمين أحدهم الإمام.

( مسألة 180 ) : يشترط في صحة صلاة الجمعة استجماعها للأمور الآتية المعتبرة في صلاة الجماعة ، ومنها ان يكون الإمام جامعاً لشروط الإمامة من العدالة وغيرها ، فلا تصح الجمعة إذا لم يكن الامام جامعاً للشروط.

( مسألة 181 ) : تعتبر في صحة الجمعة في بلد أن لا تكون المسافة بينها وبين جمعة اخرى اقل من فرسخ ( ½5 كم تقريباً ) ، فلو اقيمت جمعة اخرى فيما دون فرسخ بطلتا جميعاً إن كانتا مقترنتين زماناً ، وأما إذا كانت أحداهما سابقة على الاُخرى ولو بتكبيرة الاحرام صحت السابقة دون اللاحقة.

( مسألة 182 ) : اقامة الجمعة إنما تكون مانعة عن جمعة اخرى في تلك المسافة إذا كانت صحيحة وواجدة للشرائط ، وأما إذا لم تكن واجدة لها فلا تمنع عن ذلك.

( مسألة 183 ) : إذا اقيمت الجمعة في بلد واجدة للشرائط فإن كان من اقامها الامامعليه‌السلام أو من يمثله وجب الحضور فيها تعييناً ، وان كان غيره لم يجب الحضور ، بل يجوز الاتيان بصلاة الظهر ولو في اول وقتها.

( مسألة 184 ) : لا يجب الحضور على المرأة ولا على المسافر ـ وإن كانت وظيفته الاتمام ـ ولا على المريض ، ولا على الأعمى ، ولا على الشيخ الكبير ، ولا على من كان بينه وبين الجمعة اكثر من فرسخين ( 11 كم تقريباً ) ولا على من كان الحضور عليه حرجياً لمطر ، أو برد شديد ، أو نحوهما ، فهؤلاء جميعاً لا يجب عليهم الحضور في صلاة الجمعة حتى في فرض وجوبها تعييناً الذي تقدم بيانه في المسألة السابقة.

١٠٣

( النوافل اليومية )

يستحب التنفل في اليوم والليلة بأربع وثلاثين ركعة : ثمان ركعات لصلاة الظهر قبلها ، وثمان ركعات لصلاة العصر كذلك ، وأربع ركعات بعد صلاة المغرب ، وركعتان بعد صلاة العشاء من جلوس وتحسبان بركعة ، وثمان ركعات نافلة الليل ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بها بعد منتصف الليل والأفضل اداؤها قريباً من الفجر الصادق ، وركعتا الشفع بعد صلاة الليل ، وركعة الوتر بعد الشفع ، وركعتان نافلة الفجر قبل فريضته ، ولا يبعد ان يكون مبدأ وقتها مبدأ وقت صلاة الليل ـ بعد مضي مقدار يتمكن المكلف من الاتيان بها ـ ويمتد إلى قبيل طلوع الشمس.

( مسألة 185 ) : النوافل ركعتان ركعتان ـ إلاّ صلاة الوتر فإنها ركعة واحدة ويجوز الاتيان بها متصلة بالشفع أيضاً ـ ويستحب فيها القنوت ولكن يؤتى به في صلاة الشفع رجاءً ، ويجوز الاكتفاء فيها بقراءة الحمد من دون سورة ، كما يجوز الاكتفاء ببعض انواعها دون بعض ، بل يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشفع والوتر بل على الوتر خاصة ، وفي نافلة العصر على أربع ركعات بل ركعتين ، وإذا اريد التبعيض في غير هذه الموارد ـ فالأحوط لزوماً ـ الاتيان به بقصد القربة المطلقة حتى في الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين.

والأولى أن يقنت في صلاة الوتر بالدعاء الآتي : « لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ

١٠٤

الكَريم ، لا إله إلاّ اللهُ العَليّ العَظيم ، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ السمواتِ السَبْع ، وَربّ الأرضينَ السبع ، وَما فيهن وما بَيْنَهُنّ ، وَرَبُّ العَرش العَظيم ، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين » ، وان يدعو لأربعين مؤمناً ، وان يقول : « أَسْتَغْفِرُ اللهَ رَبّي وَأَتوبُ إليه » سبعين مرة ، وأن يقول : « هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النّار » سبع مرات ، وأن يقول : « العفو » ثلاثمائة مرة.

( مسألة 186 ) : تسقط ـ في السفر ـ نوافل الظهر والعصر بل والعشاء أيضاً ، ولا تسقط بقية النوافل ، ويجوز أن يأتي بنافلة العشاء رجاءً.

( مسألة 187 ) : صلاة الغفيلة ركعتان ما بين فرضي المغرب والعشاء ، يقرأ في الركعة الأولى بعد سورة الحمد( وَذَا النّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَليه ، فَنَادى في الظُّـلُماتِ اَنْ لا إلهَ إلاّ أنت سُبْحانَك إنّي كُنْتُ من الظّالِمين ،فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجّيْناهُ مِنَ الغَمّ وَكَذَلِكَ نُنْجي المُؤمِنين ) ويقرأ في الركعة الثانية بعد سورة الحمد( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعْلَمُها إلاّ هو ،وَيَعْلَمُ مَا في البَرِّ والبَحرِ ،وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُها ،ولا حَبّةٍ في ظُلُماتِ الأرضِ ،ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلاّ في كِتَابٍ مُبِين ) ثم يقنت فيقول : « اللّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ بِمَفاتِحِ الغَيبِ التي لا يَعْلَمُها إلاّ أَنْتَ أنْ تُصلي عَلى مُحمد وَآل مُحمد » ويطلب حاجته ويقول : « اللّهم أنت وَليّ نِعْمَتي والقادِرُ على طَلِبَتي تَعْلَمُ حاجَتي فَاسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي » ويجوز أن يأتي بهاتين الركعتين بقصد نافلة المغرب أيضاً فتجزى عنهما جميعاً.

١٠٥

( مقدمات الصلاة )

مقدمات الصلاة خمس :

1 ـ الوقت

( مسألة 188 ) : وقت صلاة الظهرين من زوال الشمس إلى الغروب ، وتختص صلاة الظهر من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص صلاة العصر من آخره بمقدار ادائها ، ولا تزاحم كل منهما الاُخرى وقت اختصاصها ، ولو صلى الظهر قبل الزوال معتقداً دخول الوقت ثم علم بدخوله وهو في الصلاة صحت صلاته ، وجاز له الاتيان بصلاة العصر بعدها وإن كان ـ الأحوط استحباباً ـ إتمامها وإعادتها.

( مسألة 189 ) : يعتبر الترتيب بين الصلاتين ، فلا يجوز تقديم العصر على الظهر عمداً ، نعم إذا صلى العصر قبل ان يأتي بالظهر لنسيان ونحوه صحت صلاته ، فإن التفت في اثناء الصلاة عدل بها إلى الظهر وأتم صلاته وإن التفت بعد الفراغ صحت عصراً وأتى بالظهر بعدها.

( مسألة 190 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تأخير صلاة الظهرين إلى سقوط قرص الشمس ، نعم مع الشك في سقوط القرص واحتمال اختفائه بالأبنية ونحوها يجوز التأخير والاتيان بهما قبل زوال الحمرة المشرقية.

( مسألة 191 ) : وقت صلاة العشاءين للمختار من أول المغرب إلى نصف الليل ( منتصف ما بين غروب الشمس والفجر ) وتختص صلاة

١٠٦

المغرب من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص العشاء من آخره بمقدار أدائها نظير ما تقدم في الظهرين ، وأما المضطر لنوم أو نسيان ، أو حيض أو غيرها فيمتد وقتهما له إلى الفجر ، وتختص العشاء من آخره بمقدار أدائها ، ويعتبر الترتيب بينهما ، ولكنه لو صلى العشاء قبل أن يصلي المغرب لنسيان ونحوه ولم يتذكر حتى فرغ منها صحت صلاته ، وأتى بصلاة المغرب بعدها ولو كان في الوقت المختص بالعشاء.

( مسألة 192 ) : لا يجوز تقديم صلاة المغرب على زوال الحمرة المشرقية عند الشك في سقوط قرص الشمس واحتمال استتاره بحاجب كالجبال ، والأبنية والأشجار بل ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقديمها عليه حتى مع العلم بسقوط القرص ، والأولى عدم تأخيرها عن ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية.

( مسألة 193 ) : إذا دخل في صلاة العشاء ، ثم تذكر انه لم يصلّ المغرب عدل بها إلى صلاة المغرب إذا كان تذكره قبل ان يدخل في ركوع الركعة الرابعة ، وإذا كان تذكره بعده صحت صلاته عشاءً ويأتي بعدها بصلاة المغرب ، وقد مرّ آنفاً حكم التذكر بعد الصلاة.

( مسألة 194 ) : إذا لم يصل صلاة المغرب أو العشاء إختياراً حتى انتصف الليل ـ فالأحوط وجوباً ـ ان يصليها قبل أن يطلع الفجر بقصد ما في الذمة ، من دون نية الأداء أو القضاء ، ومع ضيق الوقت يأتي بالعشاء ثم يقضيها بعد قضاء المغرب ـ احتياطاً وجوبياً ـ.

( مسألة 195 ) : وقت صلاة الفجر من الفجر إلى طلوع الشمس ، ويعرف الفجر باعتراض البياض في الاُفق المتزايد وضوحاً وجلاءً ويسمى بالفجر الصادق.

١٠٧

( مسألة 196 ) : وقت صلاة الجمعة أول الزوال عرفاً من يوم الجمعة ، ولو لم يصلها في هذا الوقت لزمه الاتيان بصلاة الظهر.

( مسألة 197 ) : يعتبر في جواز الدخول في الصلاة ان يستيقن بدخول الوقت ، أو تقوم به البينة ، ويجتزأ بالاطمينان الحاصل من اذان الثقة العارف بالوقت ، أو من اخباره أو من سائر المناشىء العقلائية ، ولا يكتفى بالظن وان كان للمكلف مانع شخصي عن معرفة الوقت ، كالعمى والحبس ، بل وان كان المانع نوعياً ـ كالغيم ـ على ـ الأحوط لزوماً ـ فلا بد في الحالتين من تأخير الصلاة إلى حين الاطمينان لدخول الوقت.

( مسألة 198 ) : إذا صلى معتقداً دخول الوقت بأحد الأمور المذكورة ثم انكشف له أنّ الصلاة وقعت بتمامها خارج الوقت بطلت صلاته ، نعم إذا علم أنّ الوقت قد دخل وهو في الصلاة صحت صلاته ، وإذا صلى غافلاً وتبين دخول الوقت في الأثناء لم تصح ولزمه اعادتها.

( مسألة 199 ) : لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها اختياراً ، ولا بد من الاتيان بجميعها في الوقت ، ولكنه لو أخرها عصياناً أو نسياناً حتى ضاق الوقت وتمكن من الاتيان بها فيه ولو بركعة وجبت المبادرة إليها وكانت الصلاة اداءً.

( مسألة 200 ) : يجوز التنفّل في وقت الفريضة ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بالفريضة أوّلاً في غير النوافل اليومية السابقة على الفريضة.

2 ـ القبلة وأحكامها

( مسألة 201 ) : يجب استقبال القبلة مع الإمكان في جميع الفرائض

١٠٨

وتوابعها من الأجزاء المنسية ، وصلاة الاحتياط ، دون سجدتي السهو ، وأما النوافل فلا يعتبر فيها الاستقبال حال المشي أو الركوب ـ والأحوط وجوباً ـ اعتباره فيها حال الاستقرار ، والقبلة هي المكان الواقع فيه البيت الشريف ويتحقق استقباله بمحاذاة عينه مع التمكن من تمييزها ، والمحاذاة العرفية عند عدم التمكن من ذلك.

( مسألة 202 ) : ما كان من الصلوات واجبة زمان حضور الامامعليه‌السلام كصلاة العيدين يعتبر فيها استقبال القبلة وان كانت مستحبة فعلاً ، وأما ما عرض عليه الوجوب بنذر وشبهه فلا يعتبر فيه الاستقبال حال المشي والركوب.

( مسألة 203 ) : يجب العلم باستقبال القبلة ، وتقوم البينة مقامه إذا كانت مستندة إلى المبادىء الحسية أو ما بحكمها ، كالاعتماد على الآلات المستحدثة لتعيين القبلة ، والظاهر حجيّة قول الثقة من أهل الخبرة في تعيين القبلة ، وان لم يفد الظن حتى مع التمكن من تحصيل العلم بها ، ومع عدم التمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه يجب ان يبذل المكلف جهده في معرفتها ويعمل على ما يحصل له من الظن ، ومع عدم التمكن منه أيضاً يجزئ التوجه إلى ما يحتمل وجود القبلة فيه ـ والأحوط استحباباً ـ ان يصلي إلى أربع جهات.

( مسألة 204 ) : إذا ثبت له بوجه شرعي ان القبلة في جهة فصلى إليها ، ثم إنكشف له الخلاف فان كان انحرافه عنها لم يبلغ حد اليمين أو اليسار توجه إلى القبلة وأتم صلاته فيما إذا كان الانكشاف اثناء الصلاة ، وإذا كان بعد الفراغ منها لم تجب الاعادة ، وأما إذا بلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار أو كانت صلاته إلى دبر القبلة ، فان كان الانكشاف قبل مضي الوقت أعادها ،

١٠٩

ولا يجب القضاء إذا انكشف الحال بعد مضي الوقت وان كان ـ أحوط استحباباً ـ.

3 ـ الطهارة في الصلاة

( مسألة 205 ) : تعتبر في الصلاة طهارة ظاهر البدن حتى الظفر والشعر وطهارة اللباس ، نعم لا بأس بنجاسة ما لا تتم فيه الصلاة من اللباس كالقلنسوة ، والتكة ، والجورب ، بشرط أن لا يكون متخذاً من الميتة النجسة ، ولا نجس العين ، كالكلب على ـ الأحوط وجوباً ـ ولا بأس بحمل النجس والمتنجس في الصلاة كان يضع منديله المتنجس في جيبه.

( مسألة 206 ) : لا بأس بنجاسة البدن أو اللباس من دم القروح أو الجروح قبل البرء ، ولا سيما إذا كان التطهير أو التبديل حرجياً نوعاً ، نعم يعتبر في الجرح أن يكون مما يعتد به وله ثبات واستقرار ، وأما الجروح الجزئية فيجب تطهيرها إلاّ فيما سيأتي.

( مسألة 207 ) : لا بأس بالصلاة في الدم إذا كان اقل من الدرهم ـ أي ما يساوي عقد الابهام ـ بلا فرق بين اللباس والبدن ، ولا بين اقسام الدم ، ويستثنى من ذلك دم الحيض ، ويلحق به ـ على الأحوط لزوماً ـ دم نجس العين والميتة والسباع ، بل مطلق غير مأكول اللحم ، ودم النفاس والاستحاضة فلا يعفى عن قليلها أيضاً ، وإذا شك في دم انه أقل من الدرهم أم لا بنى على العفو عنه ، إلاّ إذا كان مسبوقاً بالأكثرية عن المقدار المعفو عنه ، وإذا علم انه اقل من الدرهم وشك في كونه من الدماء المذكورة المستثناة فلا بأس بالصلاة فيه.

١١٠

( مسألة 208 ) : إذا صلى جاهلاً بنجاسة البدن أو اللباس ، ثم علم بها بعد الفراغ منها صحت صلاته إذا لم يكن شاكاً فيها قبل الصلاة ، أو شك وفحص ولم يحصل له العلم بها ، وأما الشاك غير المتفحص ـ فالأحوط لزوماً ـ فيما إذا وجد النجاسة بعد الصلاة ان يعيدها في الوقت ويقضيها في خارجه ، وإذا علم بالنجاسة في الأثناء فان احتمل حدوثها بعد الدخول في الصلاة وتمكن من التجنب عنها بالتبديل أو التطهير ، أو النزع على نحو لا ينافي الصلاة فعل ذلك وأتم صلاته ولا شيء عليه ، وان لم يتمكن منه فان كان الوقت واسعاً استأنف الصلاة على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان ضيقاً اتمها مع النجاسة ولا شيء عليه ، وإن علم ان النجاسة كانت قبل الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ استينافها مع سعة الوقت ، وأما مع ضيقه حتى عن ادراك ركعة فإن أمكن التجنب عن النجاسة بالتبديل أو التطهير أو النزع ، من غير لزوم المنافي فعل ذلك واتم الصلاة ، وإلاّ صلى معها وتصح صلاته.

( مسألة 209 ) : إذا علم بنجاسة البدن أو اللباس فنسيها وصلى ، فان كان نسيانه ناشئاً عن الاهمال وعدم التحفظ ـ فالأحوط لزوماً ـ أن يعيد الصلاة ، سواءً تذكر في اثنائها أم بعد الفراغ منها ، وهكذا لو تذكر بعد مضي الوقت ، وأما إذا لم يكن منشأ نسيانه الاهمال فحكمه حكم الجاهل بالموضوع وقد تقدم في المسألة السابقة.

( مسألة 210 ) : تجب في الصلاة الطهارة من الحدث بالوضوء أو الغسل أو التيمم ، وقد مرّ تفصيل ذلك في مسائل الوضوء والغسل والتيمم.

4 ـ مكان المصلي

( مسألة 211 ) : يعتبر في مكان المصلي اباحته ، فلا تصح الصلاة في

١١١

المكان المغصوب على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان الركوع والسجود بالإيماء ، ويختص هذا الحكم بالعالم العامد ، فلو صلى من المغصوب غافلاً أو جاهلاً بغصبيته ، أو ناسياً لها ولم يكن هو الغاصب صحت صلاته.

( مسألة 212 ) : إذا أوصى الميت بصرف الثلث من تركته في مصرف ما وعيّن الثلث من دار أو بستان أو دكان ونحوها لم يجز التصرف فيه قبل اخراج الثلث ، فلا يجوز الوضوء أو الغسل ، أو الصلاة في ذلك المكان.

( مسألة 213 ) : إذا كان الميت مشغول الذمة بدين أو زكاة أو نحوهما من الحقوق المالية ـ عدا الخمس ـ لم يجز التصرف في تركته بما ينافي أداء الحق منها ، سواء أكان مستوعباً لها أم لا ، وأما التصرف بمثل الصلاة في داره فالظاهر جوازه باذن الورثة. وإذا كان مشغول الذمة بالخمس فان كان ممن يدفع الخمس جرى عليه ما تقدم ، وان كان ممن لا يدفعه ـ عصياناً أو اعتقاداً منه بعدم وجوبه ـ لم يجب على وارثه المؤمن ابراء ذمته وجاز له التصرف في التركة.

( مسألة 214 ) : لا تجوز الصلاة ولا سائر التصرفات في مال الغير إلاّ برضاه وطيب نفسه ، وهو يستكشف بوجوه :

(1) الإذن الصريح من المالك.

(2) الإذن بالفحوى ، فلو أذن له بالتصرف في داره ـ مثلاً ـ بالجلوس والأكل والشرب والنوم فيها ، وقطع بكونه ملازماً للاذن بالصلاة جاز له أن يصلي فيها ، وان لم يأذن للصلاة صريحاً.

(3) شاهد الحال ، وذلك بأن تدل القرائن على رضا المالك بالتصرف في ماله ولو لم يكن ملتفتاً إليه فعلاً لنوم أو غفلة بحيث يعلم او يطمأن بانّه

١١٢

لو التفت لأذن.

( مسألة 215 ) : لا بأس بالصلاة في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً ، كما لا بأس بالوضوء من مائها وان لم يعلم رضا المالك به ، بل وان علم كراهته ـ سواء أكان كاملاً أم قاصراً ، صغيراً أم مجنوناً ـ وبحكمها أيضاً الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب فيجوز الدخول إليها والصلاة فيها وإن لم يعلم رضا المالك ، نعم إذا علم كراهته أو كان قاصراً ـ فالأحوط لزوماً ـ الاجتناب عنها ، ولا بأس أيضاً بالصلاة في البيوت المذكورة في القرآن والأكل منها ما لم يحرز كراهة المالك ، وتلك البيوت بيوت الأب والأم ، والأخ والاخت ، والعم والعمة ، والخال والخالة والصديق ، والبيت الذي يكون مفتاحه بيد الانسان.

( مسألة 216 ) : الأرض المفروشة لا تجوز الصلاة عليها إذا كان الفرش أو الأرض مغصوباً ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 217 ) : الأرض المشتركة لا تجوز فيها الصلاة ولا سائر التصرفات ، إذا لم يأذن جميع الشركاء ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 218 ) : العبرة في الأرض المستأجرة باجازة المستأجر دون المؤجر.

( مسألة 219 ) : إذا كانت الأرض المملوكة متعلقة لحق الغير وكان الحق مما ينافيه مطلق التصرف في متعلقه حتى بمثل الصلاة فيه ـ كحق السكنى ـ فلا بد في جواز التصرف فيها من اجازة المالك وذي الحق معاً.

( مسألة 220 ) : المحبوس في الأرض المغصوبة ـ إذا لم يتمكن من

١١٣

التخلص من دون ضرر أو حرج ـ تصح صلاته فيها ، ويصلي صلاة المختار إذا لم تستلزم تصرفاً زائداً على الكون فيها على الوجه المتعارف ، وإلاّ صلى بما يمكنه من دون تصرف زائد.

( مسألة 221 ) : يعتبر في مكان المصلي ان لا يكون نجساً على نحو تسري النجاسة منه إلى اللباس أو البدن نجاسة غير معفو عنها ، ومع عدم السراية كذلك لا بأس بالصلاة عليها ، نعم تعتبر الطهارة في مسجد الجبهة كما سيأتي.

( مسألة 222 ) : لا يجوز استدبار قبور المعصومين : في حال الصلاة وغيرها إذا عدّ هتكاً لحرمتهم واساءة للأدب معهم.

( مسألة 223 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقدم المرأة على الرجل ولا محاذاتهما في الصلاة في مكان واحد فيلزم ، تأخرها عنه ـ ولو بمقدار يكون مسجد جبهتها محاذياً لركبتيه في حال السجود ـ أو يكون بينهما حائل ، أو مسافة أكثر من عشرة اذرع بذراع اليد ( ½4 متراً تقريباً ).

( مسألة 224 ) : تستحب الصلاة في المساجد للرجال والنساء ، وان كان الأفضل للمرأة ان تختار الصلاة في المكان الأستر حتى في بيتها.

5 ـ لباس المصلي

( مسألة 225 ) : يعتبر في الصلاة ستر العورة ، وهي في الرجل القبل ( القضيب والبيضتان ) والدبر ، وفي المرأة جميع بدنها غير الوجه ـ بالمقدار الذي لا يستره الخمار عادة مع ضربه على الجيب ـ واليدين إلى الزند ، والرجلين إلى أول جزء من الساق ، ولا يعتبر ستر الرأس وشعره والرقبة في

١١٤

صلاة غير البالغة.

( مسألة 226 ) : يكفي في الساتر الصلاتي في حال الإختيار مطلق ما يخرج المصلي عن كونه عارياً ، كالورق والحشيش ، والقطن والصوف غير المنسوجين ، بل الطين إذا كان من الكثرة بحيث لا يصدق معه كون المصلي عارياً ، وأما في حال الاضطرار فيجزي التلطخ بالطين ونحوه.

( مسألة 227 ) : إذا انكشف له اثناء الصلاة ان عورته لم تستر فعلاً وجبت المبادرة إلى سترها ـ مع عدم الاشتغال بشيء من الصلاة في حال الانكشاف على ـ الأحوط لزوماً ـ وتصح صلاته ، كما تصح أيضاً إذا كان الانكشاف بعد الفراغ من الصلاة.

( مسألة 228 ) : إذا لم يتمكن المصلي من الساتر بوجه فإن تمكن من الصلاة قائماً مع الركوع والسجود بحيث لا تبدو سوأته للغير المميِّز ـ إما لعدم وجوده أو لظلمة ـ أو نحوها ـ اتى بها كذلك ، ولو اقتضى التحفظ على عدم بدوّ سوءته ترك القيام والركوع والسجود صلى جالساً مومياً ، ولو اقتضى ترك واحد من الثلاثة تركه واتى ببدله فيومي بالرأس بدلاً عن الركوع والسجود ، ويجلس بدلاً عن القيام ، ـ والأحوط لزوماً ـ للعاري ستر السوأتين ببعض اعضائه كاليد في حال القيام ، والفخذين في حال الجلوس.

١١٥

( شروط لباس المصلي )

يشترط في لباس المصلي أمور :

( الأوّل ) : الطهارة وقد مرّ تفصيله في المسألة (205) وما بعدها.

( الثاني ) : اباحته على ـ الأحوط لزوماً ـ فيما كان ساتراً للعورة فعلاً واستحباباً في غيره.

( مسألة 229 ) : إذا صلى في ثوب جاهلاً بغصبيته ثم انكشف له ذلك صحت صلاته ، وكذلك إذا كان ناسياً وتذكر بعد الصلاة إذا لم يكن هو الغاصب وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ إعادتها.

( مسألة 230 ) : إذا اشترى ثوباً بما فيه الخمس كان حكمه حكم المغصوب ، وأما إذا اشترى بما فيه حق الزكاة فلا يلحقه حكمه كما سيأتي في المسألة (551).

( الثالث ) : أن لا يكون من اجزاء الميتة التي تحلها الحياة من دون فرق بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم فيه الصلاة على الأحوط وجوباً ، ويختص هذا الحكم بالميتة النجسة وان كان ـ الأحوط الأولى ـ الاجتناب عن الميتة الطاهرة أيضاً ، وأما ما لا تحله الحياة من ميتة حيوان يحل أكل لحمه ـ كالشعر والصوف ـ فلا بأس بالصلاة فيه.

( مسألة 231 ) : يجوز حمل ما تحله الحياة من اجزاء الميتة النجسة في الصلاة وان كان ملبوساً ، كأن يضع الثوب المتخذ من جلد الميتة في جيبه.

١١٦

( مسألة 232 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد المسلم يحكم عليه بالتذكية ويجوز اكله بشرط اقترانها بما يقتضي تصرفه فيه تصرفاً يناسب التذكية ، وفي حكم المأخوذ من يد المسلم ما صنع في أرض غلب فيها المسلمون ، وما يوجد في سوق المسلمين إذا لم يعلم ان المأخوذ منه غير مسلم ، وأما ما يوجد مطروحاً في أرضهم فيحكم بطهارته ولا يحكم بحليته على ـ الأحوط لزوماً ـ إلاّ مع الاطمينان بسبق احد الأمور الثلاثة.

( مسألة 233 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد الكافر أو المجهول إسلامه ، وما وجد في بلاد الكفر ، وما اخذ من يد المسلم مما علم انه قد أخذه من يد الكافر ولم يحرز تذكيته لا يجوز أكله ، ولكن يجوز بيعه ويحكم بطهارته وبجواز الصلاة فيه إذا احتمل ان يكون مأخوذاً من الحيوان المذكى.

( مسألة 234 ) : تجوز الصلاة في ما لم يحرز انه جلد حيوان ، وان اخذ من يد الكافر.

( مسألة 235 ) : إذا صلى في ثوب ثم علم بعد الصلاة أنه كان متخذاً من الميتة النجسة صحت صلاته ، إلاّ اذا كان شاكاً ولم يفحص قبل الدخول في الصلاة حسبما تقدم في المسألة (208) ، واما إذا نسي ذلك وتذكره بعد الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ إعادتها ـ سواء أكان الثوب مما تتم فيه الصلاة أم لا ـ إذا كان نسيانه ناشئاً من اهماله وعدم تحفظه وإلاّ فلا شيء عليه.

( الرابع ) : ان لا يكون من اجزاء السباع ، بل مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على ـ الأحوط وجوباً ـ ويختص المنع بما تتم الصلاة فيه وان كان الاجتناب عن غيره أيضاً ـ أحوط استحباباً ـ وتجوز الصلاة في جلد

١١٧

الخز والسنجاب ووبرهما وإن كانا من غير مأكول اللحم.

( مسألة 236 ) : لا بأس بالصلاة في شعر الانسان ، سواء أكان من نفس المصلي أو من غيره.

( مسألة 237 ) : لا بأس بالصلاة في الشمع والعسل ، والحرير غير الخالص ودم البق والبرغوث والقمل ونحوها من الحيوانات التي لا لحم لها.

( مسألة 238 ) : لا بأس بالصلاة في ما يحتمل انه من غير مأكول اللحم ، وكذلك ما لا يعلم انه من أجزاء الحيوان. وما لا يعلم كون الحيوان المتخذ منه ذا لحم عرفاً.

( مسألة 239 ) : إذا صلى في ما لا يؤكل لحمه جهلاً أو نسياناً حتى فرغ من الصلاة صحت صلاته إلاّ إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير فانه تجب عليه الاعادة.

( الخامس ) : ان لا يكون لباس الرجل من الذهب الخالص ، أو المغشوش دون الممّوه والمطّلي الذي يعد الذهب فيه لوناً محضاً ، والمراد باللباس هنا كل ما يطلق على استعماله عنوان ( اللبس ) عرفاً وان لم يكن من الثياب كالخاتم والزناجير المعلقة ، والساعة اليدوية ، نعم لا بأس بحمل الذهب في الصلاة ، ومن هذا القبيل حمل الساعة الذهبية الجيبية.

( مسألة 240 ) : يحرم لبس الذهب للرجال في غير حال الصلاة أيضاً ، والأحوط لزوماً ترك التزيُّن به مطلقاً حتى فيما لا يطلق عليه اللبس عرفاً كجعل ازرار اللباس من الذهب ، أو جعل مقدم الاسنان منه ، نعم لا بأس بشدها به أو جعل الأسنان الداخلية منه.

١١٨

( مسألة 241 ) : إذا شك في فلزّ ولم يعلم انه من الذهب جاز لبسه في نفسه ولا يضر بالصلاة.

( مسألة 242 ) : لا فرق في حرمة لبس الذهب وابطاله الصلاة بين أن يكون ظاهراً أو لا.

( مسألة 243 ) : إذا صلى في فلزّ لم يعلم انه من الذهب أو نسيه ثم التفت إليه بعد الصلاة صحت صلاته.

( السادس ) : ان لا يكون لباس الرجل الذي تتم فيه الصلاة من الحرير الخالص ، وأما إذا امتزج بغيره ولم يصدق عليه الحرير الخالص جاز لبسه والصلاة فيه.

( مسألة 244 ) : لا بأس بأن يكون سجاف الثوب ونحوه من الحرير الخالص ـ والأحوط استحباباً ـ ان لا يزيد عرضه على أربعة اصابع مضمومة.

( مسألة 245 ) : لا بأس بحمل الحرير في الصلاة ، وان كان مما تتم الصلاة فيه.

( مسألة 246 ) : لا يجوز للرجال لبس الحرير الخالص في غير حال الصلاة أيضاً ، نعم لا بأس به في الحرب والضرورة والحرج كالبرد والمرض ونحوهما ، وفي هذه الموارد تجوز الصلاة فيه أيضاً.

( مسألة 247 ) : إذا صلى في الحرير جهلاً أو نسياناً ، ثم انكشف له الحال بعد الصلاة صحت صلاته.

( مسألة 248 ) : إذا شك في لباس ولم يعلم انه من الحرير ، جاز لبسه والصلاة فيه.

١١٩

( مسألة 249 ) : تختص حرمة لبس الذهب والحرير بالرجال ـ كما تقدم ـ ولا بأس به للنساء في الصلاة وفي غيرها ، وكذلك الأطفال الذكور فيجوز للولي ان يلبسهم الذهب والحرير وتصح صلاتهم فيهما.

( مسألة 250 ) : يحرم لبس لباس الشهرة ، وهو اللباس الذي يظهر المؤمن في شنعة وقباحة وفظاعة عند الناس ، لحرمة هتك المؤمن نفسه واذلاله اياها.

( مسألة 251 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ ان لا يتزيّ اي من الرجل والمرأة بزيّ الآخر في اللباس ، وأما لبس الرجل بعض ملابس المرأة لغرض آخر ـ وكذا العكس ـ فلا بأس به ، وفيما إذا حرم اللبس لم يضر بصحة الصلاة مطلقاً وإن كان ساتراً له حالها.

( مسألة 252 ) : إذا انحصر لباس المصلي بالمغصوب أو الحرير ، أو الذهب أو السباع صلى عارياً ، وإذا انحصر بما عدا السباع من غير مأكول اللحم من الحيوان ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الصلاة فيه والصلاة عارياً ، وإذا انحصر في النجس جاز الصلاة فيه.

( مسألة 253 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل حصوله عليه في آخر الوقت ، أما لو يئس عن حصوله عليه فله ان يصلي عارياً ولا تلزمه اعادتها لو صادف فحصل على الساتر في الوقت.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

كرارا ، ولهذا نقرأ في حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام : «اصبر من الإيمان كالرأس من الجسد»(١) ، ولقد كان الصبر والاعتدال أحد الأصول المهمّة لمناهج الأنبياء والمؤمنين. وكلما ازدادت عليهم المحن ازداد صبرهم.

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال حول أجر الصابرين : «قال الله تعالى : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ، ثمّ استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا».

ثمّ أنّ الآيات الشريفة وفي تعقيب لأمر ورد في الآيات السابقة في إطار القيام وإنذار المشركين ، توكّد مرّة اخرى على الإنذار والتحذير ، فيقول تعالى :( فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) .

وردت احتمالات متعددة في تركيب هذه الجملة ، أفضلها ما جاء في كتاب (البيان في غريب إعراب القرآن) والذي يقول : (ذلك مبتدأ ويومئذ بدل ويوم عسير خبره) ، والملاحظ أنّ (ناقور) هي في الأصل من نقر ، ويعني الدق المؤدي إلى الإثقاب ومنها سمّي المنقار ، وهو ما تمتلكه الطيور لدق الأشياء وثقبها ، ولذلك يطلق اسم النّاقور على مزمار الذي يخرق صوته اذن الإنسان وينفذ إلى دماغه.

ويستفاد من الآيات القرآنية أنّ في نهاية الدنيا وبدء المعاد بنفخ في الصور مرّتين ، أي أن له صوتين موحشين ومرعبين يملآن مسامع العالم بأسره ، أوّلهما صوت الموت ، والثّاني صوت اليقظة والحياة ، ويعبر عنهما (نفخة الصور الاولى) و (نفخة الصور الثّانية) وهذا الآية تشير إلى نفخة الصور الثّانية ، والتي يكون معها

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، ٨٢.

١٦١

يوم البعث وهو يوم صعب وثقيل على الكفّار ، ولقد كان لنا بحث مفصل حول الصور ونفخة الصور في ذيل الآية (٦٨) من سورة الزمر.

على كل حال فإنّ الآيات المذكورة أعلاه تشير إلى حقيقة أنّ مشاكل الكفّار تظهر الواحدة بعد الأخرى في يوم نفخة البعث ، وهو يوم أليم ومفجع ، ويركّع أقوى الناس.

* * *

١٦٢

الآيات

( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) )

سبب النّزول

ذكر سببان هذه الآيات ، هما :

١ ـ اجتمعت قريش في دار الندوة فالتفت الوليد بن المغيرة إليهم ، وكان الوليد شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب ، وقال : وحدوا قولكم ، فإنّ العرب يأتونكم من كل صوب ويسألونكم عمّا خفي عنهم لما عندكم من المنزلة السامية ، ثمّ قال : ماذا تقولون في الرجل ـ وكان يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قالوا : شاعر. فقبض الوليد وجهه ، وقال إنّنا سمعنا الشعر وما هو شعر ، قالوا : كاهن ، قال : هل يصدر منه كلام الكهنة عند استماعكم إليه؟ هل يتحدث عن الغيب؟ قالوا : مجنون. قال : لا يظهر عليه أثر الجنون. قالوا : ساحر : قال : كيف؟ قالوا : يفرق بين الحبيب وحبيبه ، فقال : بلى ـ لافتراق من كان يسلّم عن جماعته ، فتفرّقوا وصاروا يمرون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينادونه يا ساحر يا ساحر ، فسمع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك

١٦٣

واغتم لهذا الأمر ، فنزلت بالآيات المذكورة في صدر السورة حتى الآية (٢٥) لمواساة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقيل : لما نزلت عليه :( حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ) قام إلى المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته ، فلما فطن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية ، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه مخزوم ، فقال : والله ، لقد سمعت من محمّد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ، وإنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر وأنّ أسفله لمغدق ، وإنّه ليعلو وما يعلى ، ثمّ انصرف إلى منزله.

فقالت قريش : صبا ـ والله ـ الوليد ، والله لتصبأنّ قريش كلّها ، وكان يقال للوليد ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فانطلق فقعد إلى جانب الوليد حزينا ، فقال له الوليد : ما أراك حزينا يا ابن أخي ، قال : هذه قريش يعيبونك على كبر سنّك ، ويزعمون أنّك مدحت كلام محمّد فقام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه ، فقال : أتزعمون أنّ محمّدا مجنون ، فهل رأيتموه يخنق قط؟ فقالوا : اللهمّ لا.

قال : أتزعمون أنّه كاهن ، فهل رأيتم عليه شيئا من ذلك؟ قالوا : اللهم لا.

قال : أتزعمون أنّه شاعر ، فهل رأيتموه أنّه ينطق بشعر قط؟ قالوا : اللهمّ لا.

قال : أتزعمون أنّه كذّاب ، فهل جربتم على شيئا من الكذب؟ قالوا : اللهمّ لا ، وكان يسمى الصادق الأمين قبل النبوّة من صدقه ، فقالت قريش للوليد : فما هو؟! فتفكر في نفسه ، ثمّ نظر وعبس ، فقال : ما هو إلّا ساحر ، ما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر(١) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٦ ؛ نقل المفسّرون سبب النزول هذا مع الاختلاف البسيط كالقرطبي والمراغي والفخر الرازي في ظلال القرآن والميزان وغير ذلك.

١٦٤

التّفسير

الوليد بن المغيرة الثري المغرور :

تواصل هذه الآيات إنذار الكفّار والمشركين كما في الآيات السابقة مع فارق ، وهو أنّ الآيات السابقة كانت تنذر الكافرين بشكل عام ، وهذه تنذر أفرادا معينين بتعابير قوية وبليغة بأشدّ الإنذارات ، فيقول تعالى :( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ) والآيات الآتية نزلت في الوليد بن المغيرة كما قلنا ، وهو من أقطاب قريش المشهورين و (وحيدا) يمكن أن يكون وصفا للخالق جلّ شأنه ، ويمكن أن يكون للمخلوق ، وهناك احتمالان للمعنى الأوّل للوحيد.

الأوّل : ذرني وحيدا مع هذا الكافر لاعذّبه عذابا شديدا.

والآخر : دعني ومن خلقته حال كوني وحيدا لا يشاركني في خلقه أحد ، ثمّ دبّرت أمره أحسن التدبير ، ولا تحلّ بيني وبينه لكونه منكرا لنعمائي.

وأمّا المعنى الثّاني فهناك احتمالات أيضا ، فقد يكون المعنى : دعني ومن خلقته حال كونه وحيدا في بطن امّه وعند ولادته لا أموال عنده ولا أولاد ، ثمّ وهبته من نعمائي.

أو أنّه سمّي نفسه بذلك كما في المقولة المشهورة : «أنا الوحيد ابن الوحيد ، ليس لي في العرب نظير ، ولا لأبي نظير(١) »! وذكر المعنى في الآية استهزاء بقوله وأحسن الوجوه الأربعة أوّلها.

ثمّ يضيف تعالى :( وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً ) .

«الممدود» : يعني في الأصل المبسوط ، ويشير إلى كثرة أمواله وحجمها.

وقيل : إنّ أمواله بلغت حدّا من الكثرة بحيث ملك الإبل والخيول والأراضي الشاسعة ما بين مكّة والطائف ، وقيل إنّه يملك ضياع ومزارع دائمة الحصاد ، وله

__________________

(١) تفسير ذيل الآيات المذكورة للفخر الرازي ، والكشاف والمراغي والقرطبي ، ويستفاد من بين الرّوايات الواردة في معنى الوحيد أنّه ولد الزنا الذي ليس له أب ، ولا قرينة للرّواية في تفسير الآية وليس لمعنى الرواية تناسب مع الآية.

١٦٥

مائة ألف دينار ذهب ، وكل هذه المعاني تجتمع في كلمة «الممدود».

ثمّ أشار تعالى إلى قوته في قوله :( وَبَنِينَ شُهُوداً ) .

إذا كانوا يعينونه على حياته ، وحضورهم إنس وراحة له ، وما كانوا مضطرين لأن يضربوا في الأرض طلبا للعيش ، ويتركوا أباهم وحيدا ، إذ كان له عشرة بنين كما في الرّوايات.

ثمّ يستطرد بذكر النعم التي وهبها له ، يقول تعالى :( وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ) ولم يهبه ما ينفع من المال والأولاد فحسب ، بل أغدق عليه ما يريد من جاء وقوّة.

«التمهيد» : من (المهد) وهو ما يستخدم لنوم الطفل ، ويطلق على ما يتهيأ من وسائل الراحة والمقام وانتظام الأمور. وفي المجموع له معان واسعة تشمل المواهب الحياتية والوسائل الحديثة والتوفيق.

ولكنّه كفر بما أنعم الله عليه وهو بذلك يريد المزيد :( ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ) ، وليس هذا منحصرا بالوليد ، بل إنّ عبيد الدنيا على هذه الشاكلة أيضا ، فلن يروى عطشهم مطلقا ، ولو أعطوا الأقاليم السبعة لما اكتفوا بذلك.

والآية الأخرى تردع الوليد بشدّة ، يقول تعالى :( كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً ) ومع أنّه كان يعلم أنّ هذا القرآن ليس من كلام الجن أو الإنس ، بل متجذر في الفطرة ، وله جاذبية خاصّة وأغصان مثمرة. فكان يعاند ويعتبر ذلك سحرا ومظهره ساحرا.

«العنيد» : من (العناد) وقيل هو المخالفة والعناد مع المعرفة ، أي أنّه يعلم بأحقّية الشيء ثمّ يخالفه عنادا ، والوليد مصداق واضح لهذا المعنى.

والتعبير بـ (كان) يشير إلى مخالفته المستمرة والدائمة.

وأشار في آخر آية إلى مصيره المؤلم بعبارات قصيرة وغنية في المعنى ، فيقول تعالى :( سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ) .

«سأرهقه» : من (الإرهاف) وهو غشيان الشيء بالعنف ، وتعني أيضا فرض

١٦٦

العقوبات الصعبة ، جاء بمعنى الابتلاء بأنواع العذاب ، والصعود ، إشارة إلى ما سيناله من سوء العذاب ، ويستعمل في العمل الشاق ، إذا يشق صعود الجبل ، ولذا فسّر البعض ذلك بالعذاب الإلهي ، وقيل هو جبل في النار يصعد فيه الكافر عنفا ثمّ يهوي ، وهو كذلك فيه أبدا.

ويحتمل أن يراد به العذاب الدنيوي للوليد بن المغيرة ، فقد ذكر التاريخ عنه أنّه بلغ ذروة الجاه والرفاه في حياته ، ثمّ عاقبه الله تعالى بنقصان ماله وولده حتى هلك(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير المراغي ، ج ٢٩ ، ص ١٣١.

١٦٧

الآيات

( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) )

التّفسير

( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) في هذه الآيات توضيحات كثيرة عمّن أعطاه الله المال والبنين وخالف بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي الوليد بن المغيرة ، يقول تعالى :( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ) .

لا بأس بالتفكير ، وهو حسن ، ولكن يشترط أن يكون في طريق الحق ، وتفكر ساعة أفضل من عبادة أو عمر بكامله ، لما يمكن أن يتغير مصير الإنسان فيها ، وأمّا إذا كان التفكر في طريق الكفر والفساد فهو مذموم ، وتفكر «الوليد» كان من هذه النوع.

«قدّر» : من التقدير ، وهو التهيؤ لنظم أمر في الذهن والتصميم على تطبيقه ، ثمّ يضيف في مذمته :( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) بعدئذ يؤكّد ذلك فيضيف :( ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) وهذا إشارة لما قيل في سبب النّزول حيث كان يرى توحيد الأقوال فيما

١٦٨

يقذف به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعند ما سمّوه بالشاعر لم يقبل بذلك ، فقالوا : كاهن فلم يقبل ، قالوا : مجنون فرفض ، فقالوا : ساحر ، قال : بلى ، وذلك لمخالفتهم فكرة السحر الذي كان يفرق بين المرء وأهله ، أو يجمع الواحد والآخر ، وإنّما ظهر ذلك في عصر الإسلام ، قد عبّر القرآن عن هذه الحالة التي حدثت عند الوليد بتعبير مختصر وبليغ لمطالعته للأمر وتفكره ، ثمّ تقديره لذلك وإن كان أصل الاقتراح من قريش ، وعلى كل حال فإنّ تكرار المعنى في الآيتين دليل على دهاء الوليد في تفكره الشيطاني ، ولذا كانت شدّة تفكره سببا للتعجب.

بعدئذ يضيف الله تعالى :( ثُمَّ نَظَرَ ) ، أي نظر بعد التفكر والتقدير نظرة من يريد أن يقضي في أمر مهمّ ليطمئن من استحكامه وانسجامه :( ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ، فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ) ، بهذه الأقوال يظهره عداءه للقرآن المجيد ، وذلك بعد تفكره الشيطاني ، وبقوله هذا صار يمدح القرآن من حيث لا يدري ، وإذا أشار إلى جاذبية القرآن الخارقة وتسخيره للقلوب ، وسحر القرآن الذي يسحر القلوب كما في قولته ، وما كان للقرآن من شبه بسحر الساحرين ، بل إنّه كلام منطقي وموزون ، وهذا هو دليل على نزول الوحي به ، وليس هو بكلام البشر ، بل صدر من عالم ما وراء الطبيعة من علم الله اللامتناهي ، الذي جمع في انسجامه واستحكامه كلّ المحاسن.

«عبس» : يعبس عبوسا ، والعبوس الذي يقبض وجهه.

«بسر» : من (البسور) وتعني أحيانا العجلة في إتمام العمل الذي لو يحن حان وقته ، وأحيانا بمعنى قبض الوجه وتغيره ، والمعنى الثّاني يناسب العبس ، وعلى المعنى الأوّل يكون إشارة إلى اتّخاذ القرار العاجل في الصاق ما لا يليق بالقرآن المجيد.

«يؤثر» : من (الأثر) ، وهو ما يروى عن الماضين ممّا بقي من الآثار ، وقيل من «الإيثار» بمعنى الترجيح والتقديم.

١٦٩

وممّا يؤيد المعنى الأوّل أنّ الوليد يقول : إنّه سحر يروى ويتعلم من السحرة.

وعلى المعنى الثّاني فإنّه يقول : سحر تؤثر حلاوته في قلوب الناس وبالتالي فإنّ الناس يرجحونه على غيره.

على كلّ حال هو إقرار ضمني بإعجاز القرآن. وليس للقرآن أي علاقة وتشبيه بأعمال السحرة ، فهو كلام رصين عميق المعاني وجذاب لا نظير له كما يقول الوليد ، فإنّه ليس من كلام البشر ، وإن كان كذلك لكانوا قد أتوا بمثله ، وهذا ما دعا إليه القرآن كرارا ، فلم يستطع أحد من بلغاء العرب أن يأتي بمثله ، بل سورة من مثله ، وهذه هي معجزة.

* * *

١٧٠

الآيات

( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) )

التّفسير

المصير المشؤوم :

في هذه الآيات بيان للعقوبات المؤلمة لمن أنكر القرآن والرسالة ، وكذب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ما أشارت إليه الآيات السابقة فيقول الله تعالى :( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ) .

«سقر» : في الأصل من «سقر» على وزن فقر ، بمعنى التغير والذوبان من أثر حرارة الشمس ، هو من أحد أسماء جهنم ، كثير ما ذكر في القرآن ، واختيار هذا الاسم يشير إلى العذاب المهول لجهنّم الذي يلتهم أهلها ، وقيل هي درك من دركاتها المهولة ، ثمّ يبيّن عظمة وشدّة عذاب النّار فيقول :( وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ ) .

أي إنّ العذاب يكون شديدا إلى حدّ يخرج عن دائرة التصور ، ولا يخطر على بال أحد ، كما هو الحال في عدم إدراك عظمة النعم الإلهية في الجنان.

( لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ) .

قد تكون هذه الآية إشارة إلى أنّ نار جهنّم بخلاف نار الدنيا التي ربّما تركت

١٧١

بعض ما ألقي فيها ولم تحرقه ، وإذا نالت إنسانا مثلا نالت جسمه وصفاته الجسمية وتبقى روحه وصفاته الروحية في أمان منها ، وأمّا «سقر» فلا تدع أحدا ممن ألقي فيها إلّا نالته واحتوته بجميع وجوده ، فهي نار شاملة تستوعب جميع من القي فيها ، وقيل : إنّ المعنى لا يموتون فيها ولا يحيون ، أي يبقون بين الموت والحياة ، كما جاء في الآية (١٣) من سورة الأعلى :( لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى ) .

أو أنّها لا تبقي على جسد شيئا من العظام أو اللحم ، فيتّضح أنّ مفهوم الآية أنّها لا تحرقهم تماما ، لأنّ هذا المعنى لا يتفق والآية (٥٦) من سورة النساء حيث يقول تعالى :( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ )

ثمّ ينتقل إلى بيان وصف آخر للنّار المحرقة فيضيف :( لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ) (١) .

إنّها تجعل الوجه مظلما أسود أشدّ سوادا من الليل.

«بشر» : جمع بشرة ، وتعني الجلد الظاهر للجسد.

«لوّاحة» : من مادة (لوح) وتعني أحيانا الظاهر ، وأحيانا بمعنى التغيير ، ويكون المعنى بمقتضى التّفسير الأوّل : (أنّ جهنم ظاهرة للعيان).

كما جاء في الآية (٣٦) من سورة النّازعات :( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى ) وبمقتضى التّفسير الثّاني يكون المعنى : أنّها تغير لون الجلود.

وفي آخر آية من آيات مورد البحث يقول تعالى :( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) .(٢)

إنّهم ليسوا مأمورين بالرحم والشفقة ، بل إنّهم مأمورين بالعذاب والغلظة ، وأمّا الآية الأخرى التي تليها فإنّها تشير إلى أنّ هذا العدد هم ملائكة العذاب ، وقيل إنّها تشير إلى تسع عشرة مجموعة من الملائكة ، وليس تسعة عشر نفرا ، ودليل ذلك قوله تعالى :( وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) .

__________________

(١) لواحة : خبر مبتدأ محذوفة تقديره (هي لواحة).

(٢) (عليها) خبر مقدم ، وتسعة عشر مبتدأ مؤخر ، وهي مبنية على الفتح ، ولذا لم ترفع في الظاهر ، وقيل إنّ سببه يتضمّن معنى واو العاطفة.

١٧٢

وأمّا عن سبب اختيار هذا العدد من ملائكة العذاب ، فلا يدري أحد عن ذلك شيئا ، ولكن احتمل البعض أنّ المراد من ذلك هو لكون أكبر عدد للأحاد وأقل عدد للعشرات ، وقيل لكون اصول الأخلاق الرذيلة ترجع إلى ١٩ أصل ظاهرة وباطنة ،

فلذا تكون كلّ رذيلة من الرّذائل عاملا للعذاب الإلهي ، وإنّ طبقات جهنّم هي تسع عشرة طبقة أي بعددها ، ولكل طبقة ملك أو مجموعة من الملائكة مأمورين بالعذاب.

ومن المؤكّد أنّ الأمور المرابطة بالقيامة والجنان والجحيم ، وجزئياتها وخصوصياتها غير واضحة لدنيا تمام الوضوح ، ونحن نعيش في هذا المحيط المحدود ، والذي نعرفه إنّما يتعلق بكلياتها ، لذا نجد في الرّوايات أنّ لهذه الملائكة قدرات عظيمة بحيث يمكن لكل ملك أت يقذف قبيلة كبيرة في جهنّم بسهولة ، ومن هنا يتّضح ضعف وعجز أفكار أناس من قبيل أبي جهل ، إذ أنّه لما سمع بالآية جاء مستهزئا إلى قريش ، وقال : ثكلتكم أمهاتكم ألم تسمعوا ما يقوله ابن أبي كبشة (بعني بذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) يقول إنّ خزنة النّار تسعة عشر وأنتم الدّهم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم؟!

فقال أبو الأسد الجمحي وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة شعر فاكفوني أنتم اثنين(٢) لقد أراد السفهاء أن يطفئوا بهذه السخرية نور الحق ، وأن يتخلصوا بذلك من الفناء المحتم.

* * *

__________________

(١) قال البعض في علّة تسمية قريش النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الاسم ، فقد قيل لوجود رجل يدعي أبو كبشة ، وهو من خزاعة قد تنحى عن عبادة الأصنام في عصر الجاهلية ، وكان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينئذ يعارض عبادة الأصنام بشدّة فنسبوا الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي كبشة ، وقيل إنّ أبي كبشة أحد أجداد امّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن على كلّ حال لا شك في أنّهم أرادوا بذلك السخرية لأنّ الكبش في لغة العرب تستخدم في المدح ويسمّى بذلك الأبطال والقواد.

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٨ ، وتفاسير اخرى.

١٧٣

ملاحظة

ملائكة العذاب تسعة عشر :

هذه الآية تشير بوضوح إلى عدد خزنة جهنم بأنّهم تسعة عشر نفرا أو تسعة عشرة مجموعة ، والآيات التي تليها تعتمد على هذا المعنى ، ولكن العجب من أنّ بعض الفرق المنحرفة تصر على قدسية هذا العدد ، وتسعى إلى أن تجعل من عدد شهور السنة وأيّام نظاما يدور حول محور هذا العدد ، بخلاف جميع الموازين الطبيعية والفلكية! وجعلوا أحكامهم العملية مطابقا لذلك النظام ، والأعجب من ذلك أنّ كاتبا من الكتاب يمكن أن تكون له علاقة بتنظيماتهم يصرّ إصرارا عجيبا ومضحكا على أن يجعل كل ما في القرآن موجّه على أساس هذا العدد ، وفي الموارد الكثيرة في القرآن التي لا تتفق مع هذا العدد المرغوب عنده يعمد إلى إضافة أو حذف ما يرغب فيه ليتفق مع ذلك العدد أو مع مضاربه ، وإيراد مطاليبها والإجابة عليها يمكن أن تعتبر إتلافا للوقت.

نعم فالمذهب الجهنمي يجب أن يدور حول عدد جهنمي ، وجماعة جهنميون يجب أن يتوافقوا مع عدد ملائكة العذاب.

* * *

١٧٤

الآية

( وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) )

التّفسير

لم هذا العدد من أصحاب النّار؟

ذكر الله سبحانه وتعالى كما قرأنا في الآيات السابقة عدد خزنة جهنم ومأموريها وهم تسعة عشر نفرا (أو مجموعة) ، وكذا قرأنا أنّ ذكر هذا العدد صار سببا للحديث بين أوساط المشركين والكفّار ، واتّخذ بعضهم ذلك سخرية ، وظنّ القليل منهم أنّ الغلبة على أولئك ليس أمرا صعبا ، الآية أعلاه والتي هي أطول آيات هذه السورة تجيب عليهم وتوضح حقائق كثيرة في هذا الصدد.

١٧٥

فيقول تعالى أوّلا :( وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ) (١) .

ملائكة أقوياء مقتدرون وكما يعبّر القرآن غلاظ شداد قساة ، في مقابل المذنبين بجمعهم الغفير وهم ضعفاء عاجزون.

ثمّ يضيف تعالى :( وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) .

وهذا الاختبار من وجهين :

أوّلا : لأنّهم كانوا يستهزئون بالعدد تسعة عشر ، ويتساءلون عن سبب اختيار هذا العدد ، في حين لو وضع عدد آخر لكانوا قد سألوا السؤال نفسه.

والوجه الثّاني : أنّهم كانوا يستقلون هذا العدد ويسخرون من ذلك بقولهم : لكل واحد منهم عشرة منّا ، لتكسر شوكتهم.

في حين أنّ ملائكة الله وصفوا في القرآن بأنّ نفرا منهم يؤمرون بإهلاك قوم لوطعليه‌السلام ويقلبون عليهم مدينتهم ، مضافا إلى ما أشير إليه سابقا حول اختيار عدد تسعة عشر لأصحاب النّار.

ثمّ يضيف تعالى أيضا :( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) .

ورد في رواية أنّ جماعة من اليهود سألوا أحد أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عدد خزنة النّار فقال : «الله ورسوله أعلم» فهبط جبرائيلعليه‌السلام على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) .(٢)

وسكوت هؤلاء اليهود وعدم اعتراضهم على هذا الجواب يدلّ على أنّه موافقا لما هو مذكور في كتبهم ، وهذا مدعاة لازدياد يقينهم بنبوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصار قبولهم هذا سببا في تمسك المؤمنين بإيمانهم وعقائدهم.

لذا تضيف الآية في الفقرة الأخرى :( وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ) .

__________________

(١) أصحاب النّار : ذكرت هذه العبارة في كثير من آيات القرآن وكلّها تعني الجهنميين ، إلّا في هذا الموضع فإنّها بمعنى خزنة جهنم ، وذكر هذه العبارة يشير إلى أنّ كلمة «سقر» في الآيات السابقة تعني جهنّم بكاملها وليس قسما خاصّا منها.

(٢) نقل هذا الحديث البيهقي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تفسير المراغي ، ج ٢٩ ، ص ١٣٤).

١٧٦

ثمّ تعود مباشرة بعد ذكر هذه الآية إلى التأكيد على تلك الأهداف الثلاثة ، إذ يعتمد مجددا على إيمان أهل الكتاب ، ثمّ المؤمنين ، ثمّ على اختبار الكفّار والمشركين ، فيقول :( وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً ) (١) .

وأمّا من يقصد به في قوله :( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) فقيل المراد منهم المنافقون ، لأنّ هذا التعبير كثيرا ما ورد فيهم في آيات القرآن كما هو في الآية (١٠) من سورة البقرة التي تتحدث حول المنافقين بقرينة الآيات السابقة لها واللاحقة حيث نقرأ :( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ) وبهذا الدليل تمسكوا بمدنية الآية السابقة ، لأنّ المنافقين نشؤوا في المدينة عند اقتدار الإسلام وليس بمكة ، ولكن تحقيق موارد ذكر هذه العبارة في القرآن الكريم يشير إلى أنّ هذه العبارة غير منحصرة بالمنافقين ، بل أطلقت على جميع الكفّار والمعاندين والمحاربين لآيات الحقّ ، وعطفت أحيانا على المنافقين حيث يمكن أن يكون دليلا على ثنائيتهم ، فمثلا نقرأ في الآية (٤٩) من سورة الأنفال :( إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ) وكذا في الآيات الأخرى ، لذا ليس هناك دليل على نفي مكية الآية ، خصوصا لما من توافق وارتباط كامل من الآيات السابقة لها والتي تشير بوضوح إلى مكيّتها.

ثمّ يضيف حول كيفية استفادة المؤمنين والكفّار الذين في قلوبهم مرض من كلام الله تعالى : فيقول تعالى :( كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) .

إنّ الجمل السابقة تشير بوضوح إلى أنّ المشيئة والإرادة الإلهية لهداية البعض وإضلال البعض الأخر ليس اعتباطا ، فإنّ المعاندين والذين في قلوبهم

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ اللام في (ليستيقن) هي لام التعليل وفي (ليقول) لام العاقبة ويمكن أن يكون قد تكرر لهذا الدليل في حين لو كان بمعنى واحد لما كان هناك ضرورة للتكرار ، وبعبارة اخرى أن تيقن المؤمنين هو لإرادة وأمره ، وأمّا حديث الكفّار فليس من إرادته وأمره تعالى شأنه ، بل هو عاقبة هذا الأمر.

١٧٧

مرض لا يستحقون إلّا الضلال ، والمؤمنون والمسلّمون لأمر الله هم المستحقون للهدى.

ويقول في نهاية الآية :( وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ ) .

فالحديث عن التسعة عشر من خزنة النّار ، ليس لتحديد ملائكة الله تعالى ، بل إنّهم كثيرون جدّا أنّ الرّوايات تصفهم أنّهم يملؤون السموات والأرض ، وليس هناك موضع قدم في العالم إلّا وفيه ملك يسبح لله!

واحتمل المفسّرون احتمالات عديدة في من يعود الضمير «هي» ، فقيل : يعود على الجنود ومنهم خزنة النّار ، وقيل : على سقر ، وقيل : على آيات القرآن (السورة) ، والقول الأوّل أنسب وأوجه ، وإن كانت بقية الأقوال مدعاة للتذكر والإيقاظ والمعرفة ، ولأنّ الأوّل يبيّن حقيقة أنّ الله تعالى إنّما اختار لنفسه ملائكة وأخبر عن عددهم ليكون ذكرى لمن يتعظ بها ، لا لكونه غير قادر على معاقبة كل المذنبين والمعاندين.

* * *

ملاحظة :

عدد جنود الرّب!

حضور الله تعالى في كلّ مكان واتساع قدرته في العالم يفهمنا أنّ ذاته المقدّسة غير محتاجة لأي ناصر أو معين ، لكنّه ، لإظهار عظمته للخلائق ولتكون ذكرى لمن يتعظ اختار ملائكة وجنودا كثيرين مطيعين لأمره تعالى.

وقد ذكرت الرّوايات عبارات عجيبة حول كثرة وعظمة وقدرة جنود الله والسماع لهذه الأخبار يثير العجب والدهشة ولا تتفق مع مقاييسنا المتعارفة ، ولذا نقنع بقراءة أوّل.

١٧٨

خطبة في نهج البلاغة للإمام عليعليه‌السلام حول هذا الموضوع حيث يقولعليه‌السلام : «ثمّ فتق ما بين السموات العلا ، فملأهن أطوارا من ملائكته ، فهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، صافون لا يتزايلون ، ومسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان ، ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره ، ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لأبواب جنانه ، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة ، وأستار القدرة ، لا يتوهمون ربّهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر»

وكما قلنا سابقا إنّ لكلمة (ملك) مفهوما واسعا حيث يشمل الملائكة الذين يملكون العقل والشعور والطاعة والتسليم ، وكذلك كثير من عناصر وقوى عالم الوجود.

ولنا شرح مفصل حول هذا الموضوع في تفسير الآيات الأولى لسورة فاطر وما يليها.

* * *

١٧٩

الآيات

( كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) )

التّفسير

استمرارا للبحث مع المنكرين لنبوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واليوم الآخر تؤكّد الآيات التالية في أقسام عديدة على مسألة القيامة والجحيم وعذابها ، فيقول تعالى :( كَلَّا وَالْقَمَرِ ) .

«كلّا» : حرف ردع وإنكار لما تقدم أو ردع لما سيأتي ، ويعني هنا نفي تصور المشركين والمنكرين بجهنّم وعذابها ، والساخرين بخزنة جهنّم بقرينة الآيات السابقة.

وأقسم بالقمر لأنّه إحدى الآيات الإلهية الكبرى ، لما فيه من الخلقة والدوران المعظم والنور والجمال والتغييرات التدريجية الحاصلة فيه لتعيين الأيّام باعتباره تقويما حيّا كذلك.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511