الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 511

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 511 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135953 / تحميل: 5389
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بَين أيديهم ومن خَلفِهِم ، وعَن أيمانِهِم وعن شَمائِلهِم ، ومن حَيثُ شِئتَ ، وَمِن أينَ شِئتَ ، وكَيفَ شِئتَ ، وأنّى شِئتَ ، حَتى لا يَصلَ إليَّ واحِدٌ مِنهُم بِسوءٍ.

اللّهُمَّ واجعلني في حِفظكَ وسِترِكَ وجوارِكَ ، عَزَّ جارُكَ ، وجَلَّ ثَناؤُكَ ، ولا إلهَ غَيرُكَ. اللّهُمَّ أنتَ السُّلامُ ، ومنكَ السُّلامُ ، أسألُكَ يا ذَا الجَلالِ والإكرام فكاكَ رَقَبتَي من النَّار ، وأن تُسكنني دارَ السُّلامِ.

اللّهُمّ إنّي أسألكَ من الخير كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنه وما لم أعلم. اللّهُمّ وإنّي أسألًكَ خير ما أرجو ، وأعُوذُ بِكَ من شَرِّ ما أحذر ، ومن شَرَّ ما لا أحذرُ ، وأسألكَ أن تَرزُقني من حَيثُ أحَتسبُ وَمن حَيثُ لا أحتسَبُ.

اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ ( و )(١) ابن عَبدِكَ وابنُ أمتِكَ ، وفي قَبضَتِكَ ، ناصيتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكمكَ ، عَدلٌ فيَّ قضاؤكَ ، وأسألُكَ بكُلِّ اسمٍ هُوَ لَكَ سَميَّتَ بهِ نَفسَكَ ، أو أنزلتهُ في شَيءٍ من كُتُبكَ ، أو عَلَّمتَهُ أحَداً من خَلقِكَ ، أو أستَأثرتَ بهِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، أن تُصلَّي على مُحمّدٍ النَّبيّ الأمي عَبدِكَ ورَسوُلِكَ وخِيرتِكَ من خَلقِكَ ، وعلى آل مُحمّدٍ الطّبيينَ الأخيارِ ، وأن تَرحَمَ مُحمّداً وآلَ مُحمّدٍ ، وتُبارِكَ على مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ كما صَلَّيتَ ( وباركت )(٢) على إبراهِيمَ وآلِ إبراهِيمَ أنّكَ حَميدٌ مَجيدٌ ، وأن تَجعَلَ القرآنَ

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) اثبتناه من الرواية الأولى في نسخة « ن ».

٢٤١

نُورَ صَدري ، ورَبيعَ قَلبي ، وجَلاءَ حُزني ، وذهابَ هَمي ، واشرح به صَدري ويسِّر به أمري ، واجَعلهُ نُوراً في بَصري ، ونُوراً في سَمعي ، ونُوراً في مُخي ، ونُوراً في عِظامي ، ونُوراً في عَصبي ، ونُوراً في شَعري ، ونُوراً في بَشري ، ونُوراً من فوقي ، ونُوراً من تَحتي ، ونُوراً عَن يَميني ، ونُوراً عن شمالي ، ونُوراً في مَطعمي ، ونُوراً في مَشربي ، ونُوراً في مَحشَري ، ونُوراً في قَبري ، ونُوراً في حَياتي ، ونُوراً في مماتي ، ونُوراً في كُلِّ شيءٍ مِني ، حَتى تُبَلّغني بِه إلى الجَنَّةِ ، يا نُورَ السّماواتِ والأرضِ ، أنتَ كَما وصَفتَ نَفسَكَ في كِتابِكَ على لِسانِ نَبيكَ ، وقَولكَ الحَقُّ ، تَباركَتَ وتَعاليتَ قُلتَ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١) .

اللّهُمَّ فَاهدِني بنُورك ، وأيّدني لِنورِكَ ، واجعَل لي في القيامَةِ نُورَاً بين يَدَيَّ ومن خَلفي ، وعَن يَميني وعَن شِمالي ، تهديني بِهِ إلى دارِكَ دار السُّلام يا ذَا الجَلالِ والإكرام. اللّهُمَّ إني أسألُكَ العَفو والعافِية في الدّنيا والآخِرَةِ ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ العَفوَ والعافِيةَ في كُلّ شَيءٍ أعطَيتني ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ العَفو والعَافية في أهلي ومالي ووُلدي وكُلّ شَيءٍ أحبَبتَ

__________________

(١) النور ٢٤ : ٣٥.

٢٤٢

أن تُلبسَني في العافيِةَ.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّد وآلِ مُحمّدٍ وأقلِني عَثرتي ، وآمِن رَوعَتي ، واحفَظني من بَينَ يَدَيَّ ومن خَلفي ، وعَن يَميني وعن شِمالي ، ومن فَوقي ومن تَحتي ،( اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .

يا رَحمانَ الدُّنيا والآخِرة ورَحيَمهُما صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِهِ ، واغفر لي ذَنبي ، واقضِ عَني دَيني ، واقض لي جَميعَ حَوائجي ، أسألُكَ ذلِكَ بأنّكَ مالِكٌ ، وأنّكَ عَلى كُلّ شَيء قَديرٌ وأنّكَ ما تشاءُ من أمرٍ يَكُن. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ إيماناً صادِقاً وَيقيناً لَيسَ بَعَدهُ ( شك )(٢) ، وتَواضعاً لَيسَ بَعدَهُ كبر ، وَرحمةً أنالُ بِها شَرَفَ الدُّنيا والآخِرَةِ(٣) .

اليوم السابع والعشرون :

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ رحمةً من عِندِكَ تَهدي بها قَلبي ، وتَجمعُ بها أمري ، وَتَلُمُّ بها شَعثي ، وتُصلحُ بها ديني ، وتَحفَظُ بها عيالي ، وتَرفَع بها

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) من نسخة « ك » شكر ، واثبتنا ما في الرواية الأولى من نسخة « ن ».

(٣) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٢٣ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٣

شَهادَتي ، وتُكثرُ بِها مالي ، وتُزيدُ بها في رِزقي وَعُمري ، وتُعطيني بها كُلّما أُحبّ ، وتَصرِفَ عني ما أكرَهُ ، وتُبَيِّض بها وجهي ، وَتَعصِمني بها من كُلّ سوءٍ.

اللّهُمَّ أنت الأوَّلُ فَلا شَيءَ قَبلَكَ ، وأنت الآخرُ فَلا شَيءَ بَعدَكَ ، ظَهرتَ فَبطَنت ، وبَطنتَ فَظَهرتَ ، عَلَوتَ في ذُنوّكَ ، ودَنوتَ في عُلُوكَ ، أسالُكَ أن تُصَلي على مُحمّدٍ وآلِهِ ، وأن تَصلحَ لي ديني الَّذي هُوَ عصمة أمري ، وتُصلحَ دنياي التي فيها مَعيشتي ، وأن تُصلحَ لي آخرتي التي إليها مُنقلبي ، وأن تَجعَلَ الحَياةَ زِيادَةً لي في كُلِّ خَيرٍ ، وأن تَجعلَ المَوت راحةً لي من كُلِّ سوءٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمد قَبل كُلّ شيء ، ولك الحمد بعد كُلّ شيء ، يا صَريخ المَكروُبين ، يا مُجيبَ دَعوة المُضطرينَ ، يا كاشِفَ الكربِ العَظيم ، يا أرحَمَ الراحِمينَ ، إكشف غَمّي وكربي ، فَانَّهُ لا يَكشفُهُ غَيرُكَ ، تَعلَم حالي وحاجَتي.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمد كُلّهُ ، ولَكَ المُلكُ كُلّه ، وَبِيدكَ الخَير كُلّه ، وإليكَ يَرجَعُ الأمر كُلّهُ ، عَلانيتُهُ وسِرُّهُ ، لا هادِي لَمِن اضلَلت ، ولا مُضِلِّ لَمِن هديتَ ، ولا مانَعَ لِما أعطَيتَ ، ولا مُعطي لما مَنعَتَ ، ولا مُؤَخّرَ لِما قَدّمتَ ، ولا مُقَدِّم لما أخَّرت ، ولا باسِطَ لِما قَبضت ، ولا قابِضَ لِما بَسطتَ.

اللّهُمَّ ابسط عَلَينا بَرَكاتكَ ورَحمتكَ وفَضلكَ ورِزقكَ ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ الغنى يَومَ الفَقر ، وأسألُكَ الأمنَ يَومَ الخَوفِ. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ

٢٤٤

النَّعيم المُقيم الَّذي لا يَزولُ ولا يَحولُ. اللّهُمَّ رَبِّ السّماواتِ السَّبعِ وما فيهنَّ وما بَيَنهُنَّ ورَبِّ العَرش العظيم ، رَبَّنا ورَبِّ كُلّ شيءٍ ، مُنزِل التَّوراة والإنجيلِ والفُرقانِ العظيمِ ، فالِق الحَبِّ والنَّوى ، أعُوذُ بِك من شَرِّ كُلّ دابةٍ أنتَ آخِذٌ بناصِيتها ، أنّكَ على صِراطٍ مُستقيمٍ.

اللّهُمَّ أنتَ الأولُ فَلا شَيءَ قَبلَكَ ، وأنتَ الآخِرُ فَليسَ بَعدكَ شيءٌ ، وأنتَ الظاهِر فُليسَ فَوقكَ شيءٌ ، وأنتَ الباطنُ تُخبِرُ كُلَّ شَيء ، وأنتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعدَكَ شَيءٌ ، صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ وافعَل بي ما أنتَ أهَلُهُ.

بسمِ اللهِ وبِاللهِ ، بِاللهِ أؤمِنُ ، وبِاللهِ أعُوذُ ، وباللهِ ألوذُ ، وباللهِ أعَتصِمُ ، وبِعِزَِّته ومنعَتِهِ أمتنعُ من الشَّيطانِ الرَّجيم وَعَملِهِ وخَيلِهِ ورَجلِهِ ، وَشركُلّ دابةٍ تزحفُ معهُ. وأعُوذُ بِكُلِماتِ اللهِ التّامّاتِ التي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فاجِر ، وبِأسماءِ اللهِ الحُسنى كُلّها ، ما عَلِمتُ مِنها وما لَم أعلَم به ، من شَرَّ ما خَلَقَ وذَرَأ وبَرَأ ، ومن شَرِّ كُلّ طارِقٍ إلاّ طارِقاً يَطرقُ بِخَيرٍ ، يا رَحمانُ.

اللّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ من شَرِّ نَفسي ، ومن شَرِّ كُلِّ عَينٍ ناظِرةٍ ، ومن شَرِّ كُلّ أُذنٍ سامِعَةٍ ، ولِسانٍ ناطِقٍ ، وَيَدٍ باسطَةٍ ، وَقَدمٍ ماشِيةٍ ، وما أخفَيتُهُ في نَفسي ، في لَيلي ونَهارِي ، اللّهُمَّ من أرادَني بِبغي أو عَيب ، أو مَساءةٍ أو سوءٍ ، أو مكروهٍ ، أو خِلافٍ ، من جِنٍّ أو إنسٍ ، قَريبٍ أو بَعيدٍ ، صَغيرٍ أو كبيرٍ ، فَأسألُكَ أن تخرجَ صَدرَهُ ، وتمسكَ يَدَهُ ، وتَقصرَ

٢٤٥

قَدَمَهُ ، وتَفحَمَ لِسانَهُ ، وتَعمي بَصَرَهُ ، وتَقمَعَ رَأسَهُ ، وَترُدَّهُ بِغَيظهِ ، وتَحول بَيني وبَينَهُ ، وتَجعَلَ لَهُ شاغِلاً من نَفسِهِ ، وتُميتَهُ بِغَيظِهِ ، وتكفينيهِ ، بِحولِكَ وقُوّتِكَ أنّكَ على كُلّ شيءٍ قَديرٌ(١) .

اليوم الثامن والعشرون :

اللّهُمَّ إنّي أعُوذُ بكَ من كُلّ شيءٍ هُو دونكَ. اللّهُمَّ لا تَحرِمني ما أعطَيتَني ، ولا تَفتني بما مَنَعتنَي. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ خَيرَ ما تُعطي عِبادَكَ مِنَ الأمانَةِ والمالِ والأهلِ وَالوَلدَ النّافعِ غَير الضّارِ ولاَ المُضِرِّ. اللّهُمَّ إني إليكَ فقيرٌ ، وإني مِنكَ خائِفٌ مُستَجيرٌ بِكَ.

اللّهُمَّ لا تُبدِل اسمي ، ولا تُغَيّر جِسمي ، ولا تُجهِد بَلائي ، اللّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ من غنىً يُطغي ، أو هوىً يُردي ، أو عَملٍ يُخزي. اللّهُمَّ اغفِر لي جُرمي ، واقبَل تَوبتي ، واظهر حُجّتي ، واستُر عَورَتي ، واجَعَل مُحمّداً وآلِهِ والأنبياءِ المُصطَفينَ يَستَغفِرونَ لي.

اللّهُمَّ إنّي أعوَذُ بِكَ أن أقولَ قَولاً هُوَ من طاعَتِكَ أريدُ بِه سِوى وَجهكَ ، وأعَوذُ بِكَ أن يَكون غَيري أسَعَدَ بما آتَيتَني منّي. اللّهُمَّ وإنّي أعَوذُ بِكَ من شَرّ الشَّيطانِ ، وشَرِّ السُّلطانِ ، وما تَجري بِه أقلامُهُم. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ عَمَلاً بارّاً ، وعَيشاً قارّاً ، ورِزقاً دارّاً.

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٣٥ ، ونقل المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٦

اللّهُمَّ كَتَبتَ الآثامَ واطّلَعتَ على الأسرارِ ، وَحُلْتَ بَيَننا وَبَينَ القُلُوب. والقُلوبُ إليكَ مفضيةٌ ، والسِّرُّ عِندَكَ عَلانِيةٌ ، وإنِّما أمرُكَ إذا أرَدتَ شَيئاً أن تَقُولَ لَهُ : كُن ، فَيَكونُ.

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِرَحمتِكَ أن تدخلَ طاعَتَكَ في كُلّ عُضوٍ من أعضائي ثمَّ لا تُخرِجُها مِنّي أبداً. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِرحمتكَ أن تخرجَ مَعصيتَكَ من كُلّ عُضوٍ من أعضائي ثُمَّ لا تُعيدُها في أبَداً. اللّهُمَّ أنّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عَنّي. اللّهُمَّ كُنتَ وَتكَون وأنتَ حَيٌّ قَيوّمٌ لا تَنامُ ، تَنامُ العُيونُ وتَغورُ النُّجوم وأنتَ الحَيُّ القَيوُّمُ ، لا تأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، فَرِّج عَنّي هَمِّي ، اللّهُمَّ واجعَل لي من أمري فَرَجاً ومَخرَجاً ، وثَبتَ رَجاءَكَ في قَلبي حتى تُغنيني بِه عَن رَجاءِ مَن سِواكَ ، وحَتى لا يَكوُنَ ثِقتي إلاّ أنتَ.

اللّهُمَّ لا تَكتبني من الغافلين. اللّهُمَّ لا تَستَدرِجني بِخطيئتي ، ولا تَفضحني بِسريرتي. اللّهُمَّ إنّي أعَوذُ بِكَ أن أضِلَ عِبادكَ ، واستريب إجابَتكَ. اللّهُمَّ إنّ لي ذُنُوباً قد أحصَتها كُتُبكَ ، وأحاطَ بها عِلمُكَ ، ونَفَذَها بَصَرُكَ ، ولَطُفَ بها خَبركَ ، وكتبَتها مَلائِكتُكَ. اللّهُمَّ فلا تُسَلّطُ عَلَيّ في الدّنيا ولا في ما بَعدها مَن لم يَخلُقني ولَم يَرحَمني ، ومَن أنتَ أولى بِرَحمتي مِنهُ. اللّهُمَّ وما سَتَرت عَلَيّ من تِلكَ العُيوبِ والعَوراتِ ، وأخَّرت من تِلكِ العُقُوباتِ ، مَكراً مِنكَ واستدراجاً ، لِتأخُذَني بِها يَومَ القيامة ، وتَفضحني بها عَلى رُؤوسِ الخَلائِق ، فَاعفُ عَنّي في الدّارينَ كَلتيهما ، فَأنّكَ غَفورٌ رَحيمٌ.

٢٤٧

اللّهُمَّ أنْ لم اُكن أهلاً أن أبلُغَ رَحَمتكَ فَإنَّ رَحَمتَكَ أهلٌ أن تبلُغني ، فإنَّها وسَعتَ كُلّ شَيء ، فَلتَسعني رَحَمتك يا أرحَمَ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ وإن كنتَ خَصَصت بِذلِكَ عِباداً أطاعُوكَ فيما أمَرتَهُم به ، وعَمِلوُا فيما خَلَقتهَمُ لَهُ ، فَإنَّهمُ لَن يَناَلُوا ذِلكَ إلاّ بكَ ، ولا يُوفِقهُم لَهُ إلاّ أنتَ ، كانَتَ رَحَمتُكَ إيّاهُم قَبلَ طاعَتِهِم لَكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ فخصّني يا سَيدي ومَولايَ ، ويا إلهي ويا كَهفي ، ويا حِرزي ويا كَنزي ، ويا قُوتي ويا رَجائي ، ويا خالِقي ويا رازقي ، بِما خَصَصتَهُم به ، ووَفِقني لِما وفقتهم لَهُ ، وارحَمني كما رَحمتَهُم يا أرحَمَ الرّاحميِنَ.

يا مَن لا يَشغلُهُ سَمعٌ عن سمعٍ ، يا مَن لا يُغَلِّطُهُ السّائِلُونَ ، يا مَن لا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلحِيّنَ ، أذِقنا بِردَ عَفوك ، وحَلاوَةَ مَغفِرتِكَ ، وطيبَ رَحَمتِكَ.

اللّهُمَّ إنّي أسَتَغفرُكَ مَمّا تُبتُ إليكَ مِنهُ ثُمَّ عُدتُ فيه ، وأستَغفِرُ كَلِما وَعَدتُكَ من نَفسي ثم أخلَفتُكَ ، وأستَغفِرُكَ لِكلِ أمرٍ أرَدتُ به وَجهك فَخالَطَني فيه ما لَيسَ لَكَ ، وأستَغفركَ لِكُلّ النِّعمِ التَّي أنَعمتَ بها عَلَيّ فَقويتُ بِها عَلى مَعصيتِكَ ، وأستَغفِرُكَ مِمّا دَعاني إليهِ الهَوى من قبول الرُّخَصِ فيما أتَيتُهُ واشتَبَه عَلَيَّ مِمّا هُوَ حَرامٌ عِندَكَ ، وأستَغفِرُكَ لِلذّنوبِ التي لا يَعْلُمها غَيرُكَ ، ولا يَسَعُها إلاّ حِلمُكَ وعَفَوكَ ، وأستَغفِرُكَ لكُلِّ يَمينٍ سَبقَت مني حَنثتُ فيها عِندَكَ ، يا مَن عَرَّفَنا نَفسهُ لا تَشغُلُنا بِغَيرِكَ ، وأسقِط عنّا ما كانَ لِغَيركَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ(١) .

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٤٧ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٨

اليوم التاسع والعشرون :

لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ الكَريمُ ، لا إلهَ إلاّ الله العَليُّ العَظيمُ ، سُبحانَ الله رَبِّ السّماواتِ السَّبع وما فيهِنَّ وما بَينهُنَّ ورَبِّ الأرَضينَ السَّبع وما فيهنَّ وما بَينَهُنَّ ورَبِّ العَرشَ العظيمِ ، والحَمدُ لله رَبِّ العالمينَ ، وتَباركَ اللهُ أحَسنُ الخالقينَ ، ولا حَولَ ولا قُوّة إلاّ بالله العَلي العَظيم.

اللّهُمَّ ألبسني العافية حتى تهنيني المعيشة ، واختم لي بالمغفِرة حَتى لا تَضُرنّي مَعَهَا الذُّنوبُ ، واكفِني نَوائِبَ الدُّنيا وهُمُومَ الآخِرَة حَتّى تُدخلني الجَنَّةَ بِرحَمتِكَ أنّكَ على كُلّ شَيءٍ قَديرٌ.

اللّهُمَّ إنّكَ تَعَلم سَريرَتي فاقبَل مَعذِرتي ، وتَعلَمُ حاجَتي فَاعطِني مَسألَتي ، وتَعلُم ما في نَفسي فَاغِفر لي ذُنوبي ، اللّهُمَّ أنتَ تَعلَمُ حوائِجي وتَعَلمُ ذُنُوبي. فَاقضِ لي جَميعَ حَوائِجي ، واغفِر لي جَميعَ ذُنوبي.

اللّهُمَّ أنتَ الرَبِّ وأنا العَبدُ ، وأنتَ المالِكُ وأنا المَملُوكُ ، وأنتَ العزيزُ وأنا الذَّليلُ ، وأنتَ الحَيُّ وأنا خَلَقتَني للمِوتِ ، وأنتَ القَويُّ وأنا الضَّعيفُ ، وأنتَ الغَنيُّ وأنَا الفَقيرُ ، وأنتَ الباقي وأنا الفاني ، وأنتَ المُعطي وأنا السائِلُ ، وأنتَ الغَفُورُ وأنَا المُذنِبُ ، وأنتَ السَّيّدُ وأنا العَبدُ ، وأنتَ العالِمُ وأنَا الجاهِلُ ، عَصَيتُكَ بِجَهلي ، وارتَكَبتُ الذُّنوبَ بِجَهلي ، وألَهْتني الدُّنيا بِجَهلي ، وسَهَوتُ عَن ذِكرِكِ بِجهَلي ، وركَنتُ [ إلى ] الدُّنيا بِجَهلي ،

٢٤٩

واغتَررتُ بِزينَتها بِجهلي ، وأنتَ أرحَمُ بي مني بِنفسي ، وأنتَ أنظر لي مِنّي لِنفسي ، فَاغفِر وارحَم وتَجاوَز عَمّا تَعلَمُ ، فإنّكَ أنتَ الأعَزُ الاكرمُ.

اللّهُمَّ اهدِني لأِرشَدِ الأُمور وقِني شَرَّ نَفسي. اللّهُمَّ أوسِع لي في رِزقي ، وأمدُد لي في عُمري ، واغفِر لي ذُنوبي ، واجعَلني ممَّن تَنتصِرُ به لِدينِكَ ولا تَستبدِل بي غَيري ، يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، يا حَيُّ يا قَيوُّمُ ، فرِّغ قلبي لِذِكرِكَ.

اللّهُمَّ رَبِّ السّماواتِ السّبعِ وما بَينهُنَّ ، ورَبِّ [ السبع ] المَثاني والقرآنِ العَظيم ، ورَبِّ جَبرئيلَ وميكائيلَ ، ورَبِّ المَلائِكةِ أجمعَين ، ورَبِّ مُحمّدٍ خاتَمِ النَّبيّينَ والمُرسَلينَ أجمعينَ ، صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهِ واغنني عَن خِدمَةِ عِبادِكَ ، وفَرّغني لِعبادَتِكَ باليسار والكِفايةِ والقنوعِ وَصدقِ اليَقينِ في التّوكُلّ عَليكَ.

اللّهُمَّ [ و ] أسألُكَ باسمكَ الَّذي تَقُومُ به السّماواتِ السَّبع ومَن فيهِنَّ وما بَينهُنَّ ، وبه تَرزُقُ الأحياءَ ، وبه أحصَيتَ وزنَ الجِبالِ ، وبِه احصيتَ البحار ، وبه أحصَيتَ عَددَ الرّمالِ ، وبه تُمتِ الأحياء ، وبه تُحيي المَوتى ، وبه تُعزُّ الذَليلَ ، وبه تُذِلُّ العزيزَ ، وبِه تَفعَلُ ما تَشاءُ ، وبه تَقُولُ للشيء :كن فيكون ، وإذا سألك به سائل اعطيته سؤله ، أسألُكَ باسمك الأعظَمِ الأعظَمِ ، الَّذي إذا سَألكَ به السائِلونَ أعطَيتَهُم سُؤلَهُم ، وإذا دَعاكَ به الدّاعُونَ أجَبتَهُم ، وإذا اسَتجارَ بِكَ المُستَجيرُونَ أجَرتَهُم ، وإذا دَعاكَ به المُضطرُّون أنقَذتَهُم ، وإذا تَشَفّعَ به إليكَ المُتَشفّعونَ شَفَعتَهُم ، وإذا

٢٥٠

استَصرخَكَ به المُستصرخُونَ أصرَخَتهُم ، وإذا ناجاكَ به الهارِبُونَ إليكَ سَمِعتَ نِداءهُم وأعنتَهُم ، وإذا أقبلَ إليكَ التّائِبونَ قَبلتَ تَوبتَهُم.

فَأنَا أسألُكَ ـ يا سَيَّدي ويا مَولاي ويا إلهي ويا قُوّتي ويا رَجائي ويا كَهفي ويا رُكني ويا فَخري ، ويا عِدَّتي لِديني ودُنيايَ وآخِرَتي ـ بِاسمكَ الأعظَمِ ، وأدعُوك بِه لِذَنبٍ لا يَغفِره غَيرُكَ ، ولِكربٍ لا يَكشِفُهُ سِواكَ ، ولِضُرّ لا يَقدِرُ عَلى إزالَتِهِ عَنّي إلاّ أنتَ ، ولِذنُوبي التي بارَزتُكَ بِها ، وقَلَّ مِنها حَيائي عِندَ ارتكابي لَها ، فَها أنا قد أتَيتُكَ مُذنباً خاطِئاً ، قَد ضَاقَت عَلَيّ الأرضُ بِما رَحُبت ، وضَلّت عَنَّي الحيلُ ، وعَلِمتُ أن لا مَلجأ ولا مَنجاً مِنكَ إلاّ إليكَ ، وها أنَا ذا بَينَ يَدَيكَ ، قَد أصبحتُ وأمسيتُ مُذنِباً خاطِئِاً ، قد ضاقَتَ عَليّ الأرضُ ، فَقير ( محتاجاً )(١) ، لا أجِدُ لِذَنبي غافِراً غَيرَكَ ، ولا ( لِكَسري )(٢) جابراً سِواكَ ، ولا لِضُرّي كاشِفاً إلاّ أنتَ. وأنا أقُولُ كما قالَ عَبدُكَ ذُو النّوُنِ حينَ تُبتَ عَلَيهِ ونَجَيتهُ من الغَمِّ ، رَجاءً أن تَتوُبَ عَلَيَّ وتُنقِذُني من الذُّنوبِ يا سَيّدي( لا إِلَٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وأنا أسألُكَ يا سَيّدي ومَولايَ بِاسمِكِ العَظيم الأعظمِ أن تَستَجيبَ لي دُعائي ، وأن تُعطِيني سُؤلي ، وأن تُعجِّل لي الفَرَجَ من عِندِكَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : محتالاً ، وفي نسخة « ن » : محتلاً ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي.

(٢) في نسخة « ك » : لشكواي ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٣) الانبياء ٢١ : ٨٧.

٢٥١

بِرحَمتِكَ في عافيةٍ ، وأن تُؤمِنَ خَوفي في أتَم النّعمةِ ، وأعظَمِ العافيةِ ، وأفضَلِ الرزقِ والسّعة والدَّعَةِ ، وما لَم تَزَلْ تُعَوِّدنيهِ يا إلهي ، وتَرزُقَني الشّكرَ عَلى ما تُؤتيَني ، وتَجعَلَ ذلِكَ تاماً أبَداً ما أبقَيتَني ، وتَعفُو عن ذُنوبي وخَطايايَ وأسرافي عَلى نَفسي وإجرامي إذا تَوَفيَتني ، حتى تَصِلَ لي سَعادَةَ الدُّنيا بِنَعيم الآخِرَةِ.

اللّهُمَّ بِيدِكَ مَقاديرُ اللَيل والنَّهار ، وبِيدِكَ مقاديرُ الشمسِ والقَمر ، وبيدِكَ مَقاديرُ الخَير والشَّرِّ ، اللّهُمَّ فَباركَ لي في ديِني ودُنيايَ وآخِرَتي ، اللّهُمَّ وباركَ لي في جَميع أُموري.

اللّهُمَّ لا إلهَ إلاّ أنتَ ، وعدكَ حَقٌ ، ولِقاؤُكَ حَقٌ ، فَصَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهِ ، وَاختِمْ لي أجَلي بافضَلِ عَمَلي ، حَتّى تَتَوفّاني وقَد رضَيتَ عَنّي يا قيّومُ ، يا كاشِفَ الكَربِ العَظيمِ ، صَلَّ على مُحمّدٍ وآله ، وَوسِّع علَيّ مِن طيب رِزقكَ حسب جودِكَ وكَرَمِكَ.

اللّهُمَّ أنّكَ تَكَفَّلتَ بِرِزقي ورِزقِ كُلّ دابةٍ ، يا خَيرَ مَدعُوٍ ، ويا خَيرَ مَسؤولٍ ، يا أوسَعَ مُعطٍ وأفضَلَ مَرجُوٍ ، وسِّع لي في رِزقي ورِزقِ عَيالي.

اللّهُمَّ اجَعلْ فيما تَقضي وفيما تقدِّرُ من الأمرِ المَحتوم ، وفيما تَفرِقُ مِن الأمِر الحكيمِ في لَيلَةِ القَدر ، في القَضاءِ الَّذي لا يُردُّ ولا يُبدَّلُ ، أن تُصلّيَ عَلَى مُحمّدٍ وآلهِ ، وأن تَرحَمَ مُحمّداً وآل مُحمّدٍ ، وأن تُبارِكَ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، كما صَلَّيتَ وباركَتَ وتَرَحَّمت عَلى إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ أنّكَ حَميدٌ مَجيدٌ ، وأن تَكتُبَني من حُجّاجِ بَيتِكَ الحَرامِ ، المَبرورِ حَجهُّمُ ،

٢٥٢

المَشكور سَعيُهُم ، المَغفور ذُنُوبهُم ، المُكفَّر ( عَنْهُم )(١) سَيّئاتِهِم ، الواسِعةِ أرزاقُهُم ، الصحيحةِ أبدانهُم ، المُؤمِنَ خَوفَهُم ، واجعَل فيما تقضي وفيما تَقدِرُ أن تَطّوّلَ عُمري ، وأن تَزيدَ في رِزقي. يا كائِناً قَبلَ كُلّ شَيء ، يا مكون كُلّ شيءٍ ، يا كائناً بعد كُلّ شيءٍ ، تَنامُ العُيونُ ، وتَنكِدرُ النُّجومُ وأنتَ حَيٌّ قَيّومٌ ، لا تأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ.

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِجلالِكَ وحِلمِكَ ، ومَجدِكَ وكَرَمِكَ ، أن تُصلّي عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وأن تَغفِرَ لَي ولِوالدِيَ ، وتَرحَمهُما رَحَمةً واسِعَةً ، أنّكَ أرحَمُ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بأنّكَ مالِكٌ ، وأسألُكَ بأنّكَ على كُلّ شيءٍ قَديرٌ ، وأسألُكَ بأنّكَ ما تشاءُ يَكنُ من أمرٍ ، ان تَغفِرَ لي ولإخوإنّي من المُؤمنينَ ( وَالمؤمنات )(٢) أنّكَ رَؤُفٌ رحَيمٌ.

الحَمدُ لله الَّذي اشَبعَنا في الجائِعينَ ، والحَمدُ للهِ الَّذي كَسانا في العارينَ ، والحمدُ للهِ الَّذي آوانا في الغائِبين ، والحَمدُ للهِ الَّذي أكرمَنا في المُهانينَ ، والحَمدُ لله الَّذي آمننا في الخائِفين ، والحَمدُ لله الَّذي هَدانا في الضّالينَ. يارَجاءَ المُؤمِنينَ لا تُخيَّبَ رَجائي ، يا غِياث المُستغيثينَ أغِثني ، يا مُعينَ المُؤمنينَ أعِنِّي ، يا مُجيب التَّوابين تُبْ عَلَيّ ، أنّكَ أنتَ التَوابُ الرَّحيمُ.

حَسبِيَ الرَبِّ من العِبادِ ، حَسبِيَ المالِكُ من المَملُوكينَ ، حَسبيَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : عن ، واثبتنا ما في نسخة « ن » وما تقدم من الرواية الأولى في نسخة « ك ».

(٢) اثبتناه من نسخة « ن ».

٢٥٣

الخالِقُ من المَخلُوقينَ ، حَسبِيَ الحَيُّ الَّذي لا يَموتُ ، حَسبِيَ الرّازقُ من المَرزُوقينَ ، حَسبيَ الَّذي لَم يَزَل حَسبَي مُذ كنتُ حَسبِيَ اللهُ ونعِمَ الوكيلُ.

لا إلهَ إلاّ اللهُ واللهُ أكَبرُ ، لا إلهَ إلاّ اللهُ واللهُ أكبر كَثيراً مُبارَكاً فيهِ من أوَّلِ الدَّهِر إلى آخِر الدَّهِر. لا إلهَ إلاّ اللهُ رَبِّ كُلّ شَيءٍ وراحِمَهُ ، لا إلهَ إلاّ اللهُ الَّذي لا حَيَّ مَعَهُ في دَيمُومَةِ بَقائِهِ ، قَيُّومٌ قَيُّومٌ ، لا يَفُوتُ شَيءٌ عِلمَهٌ ، ولا يَؤدُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الباقي بَعدَ كُلّ شَيءٍ وآخِرهِ ، دائِمٌ بِغيرِ فَناءٍ ولا زَوالٍ لِملكِهِ ، الصَّمَدُ في غَيرِ شبهٍ فلا شَيءَ كَمِثلِهِ ، لا إلهَ إلاّ اللهُ لا شَيءَ كُفُوهُ ولا مُداني لِوَصفِهِ ، كَبيرٌ لا تَهتَدي القُلوُبُ لِكُنهِ عَظَمتِهِ.

لا إلهَ إلاّ اللهُ البارئُ المنشئُ بِلا مِثالٍ خَلا من غَيرِهِ ، الطاهِرُ من كُلّ آفَةٍ بِقدسِه. لا إلهَ إلاّ اللهُ ( الكافي المُوسِع لِما خَلَقَ من عَطايا خَلقِهِ من فَضلِه )(١) ، النَّقيُّ من كُلّ جَورٍ لَم يَرضَهُ ولَم يُخالِطهُ فِعالهُ. لا إلهَ إلاّ الله الَّذي ( وَسِعَ كُلّ شيءٍ رحمةً وعِلماً )(٢) المَنّانُ ذَا الإحسانِ قَد عَمَّ الخَلائِقَ مَنُّهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ دَيّانُ العِبادِ وكُلٌّ يَقُومُ خاضِعاً من هَيبتهِ ، خالِقُ ما في السّماواتِ والأرضِ وكُلٌّ إليهِ مَعادُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ رَحيمُ كُلّ صَارخٍ وَمَكروبٍ وغِياثُهُ ومَعَاذُهُ ، يا رَبي فَلا تصِفُ الألسُنُ كُلّ جَلالِ مُلكِكَ وعِزِّك.

__________________

(١) لم ترد العبارة في نسخة « ن » ، وفي نسخة المجلسي ومهج الدعوات : ٣٠٥ : الكافي الموسع لما خلق من عطايا فضله. وفي العدد القوية : ٣٦٨ : الموسع في عطايا خلقه من فضله.

(٢) في نسخة « ك » : وسعت رحمته ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

٢٥٤

لا إلهَ إلاّ اللهُ البَديعُ البَرايا لَم يَبغِ في إنشائِها عَوناً من خَلقِهِ ، وعَلاّمُ الغيوبِ فَلا يَفُوتُ شَيئاً حِفظُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ المَعيدُ ما بَدأ إذا بَرَزَ الخَلائِقُ لِدَعوتِهِ من مَخافَتِهِ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَزيزُ المَنيعُ الغالِبُ في أمرهِ فَلا شَيء يُعادِلُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَميدُ الفَعّالُ ذُو المَنّ عَلى جَميعِ خَلقِهِ.لا إلهَ إلاّ اللهُ ذُو البَطشِ الشَّديدِ ، الَّذي لا يُطاقُ انتِقامُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العالي في ارِتفاعِ مَكانِهِ فَوقَ كُلّ شَيءٍ قَوَّتُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الجبَّارُ المُذِلُّ كُلّ شَيءٍ بِقَهرِ عِزّهِ وسُلطانِهِ.

لا إلهَ إلاّ اللهُ نورُ كُلّ شَيءٍ وهَدَاهُ لا إلهَ إلاّ اللهُ القُدُّوسُ الظاهِرُ عَلى كُلّ شَيء فَلا يُعادِلُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَزيزُ المُجيبُ المُتدانّي دُون كُلّ شَيء قربُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَليُّ الشامخُ في السّماءِ فَوقَ كُلّ شيءٍ إرتِفاعُ عُلّوه. لا إلهَ إلاّ اللهُ المبدئ البَرايا وَمُعيدها بَعدَ فَنائها بِقُدرَتِهِ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الجَليلُ المُتَكَبِّرُ على كُلّ شَيءٍ فَالعَدلُ أمره والصِدقُ وعدُهُ.

لا إلهَ إلاّ اللهٌ المَحموُدُ الَّذي لا تَبلُغُ الأوهامُ كُلّ ثَنائِهِ ومَجدِهِ. ولا إلهَ إلاّ اللهُ الكَريمُ العَفُوُّ الَّذي وَسِعَ كُلّ شَيءٍ عَفُوهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَزيزُ الكَريمُ فلا يَذِلُ عِزُّهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَجيبُ فلا تنطِقُ الألسُنُ بكُلّ آلائِهِ وثنائِهِ ، وهُوَ كما أثنى على نَفسهِ ووَصفها بِه : اللهُ الرَّحمانُ الرِّحيمُ ، الحَقُّ المُبينُ ، البرهانُ العظيمُ ، اللهُ العَليمُ الحَكيمُ ، اللهُ الرَبُّ الرَّحيمُ ، اللهُ السُّلام المُؤمِنُ المُهيمنُ ، العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ ، اللهُ المُصوِّرُ الوِترُ النُّورُ

٢٥٥

وَمنه النور ، اللهُ الحَميدُ الكَبير لا إلهَ إلاّ اللهُ عَلَيهِ تَوكَلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العظيمِ(١) .

اليوم الثلاثون :

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِهِ واشرَح صَدري للإسلامِ ، وزَيّني بالإيمان ، والبِسني التَقوى ، وقِني عَذابَ النَّارِ. تَقُولُ ذلكَ سَبعَ مراتٍ ثُمَّ تَسألُ رَبّكَ حاجَتَكَ.

اللّهُمَّ أنتَ هُوَ يا رَبِّ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، أسألُكَ بِاسمِكَ الأعظَمِ الَّذي لا إلهَ إلاّ هَو الحَيُّ القَيوُّمُ ، لا تَأخُذُكَ سِنةٌ ولا نَومٌ ، لكَ ما في السّماواتِ وما في الأرضِ ، ولا يَؤُدُكَ حِفظُهُما وأنتَ العَليُّ العَظيمُ ، أن تُصَلّي على مُحمّدٍ وآلِهِ في الأوَّلينَ ، وأن تُصلِّي عَلى مُحمّدٍ وآلهِ في الآخِرينَ ، وأن تُصَلِّي على مُحمّدٍ قَبلَ كُلّ شَيءٍ ، وأن تُصلِّي عَلَى مُحمّدٍ وآلهِ بَعدَ كُلّ شَيءٍ ، وأن تُصلي على مُحمّدٍ وآلهِ في اللَيل إذا يَغشى ، وأن تصلي على مُحمّدٍ وآلهِ في النَّهارِ إذا تَجلّى ، وأن تُصَلّي على مُحمّدٍ وآلهِ في الآخِرة والأُولى ، وأن تُعطَيني سُوءلي في جَميعِ ما أدعُوكَ به لِلآخِرِة والدُّنيا.

يا حيُّ حينَ لا حَيُّ ، قَبلَ كُلِّ شَيءٍ وقَبلَ كُلِّ أحَدٍ ، ويا حَيُّ بَعدَ كُلّ حي ، لا إلهَ إلاّ أنتَ ، يا قَيوُّمُ بِرحمتِكَ أستغيثُ ، صَلِّ علَى مُحمّدٍ وآلِهِ ،

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٦٣ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨.

٢٥٦

وأصلِح لي شَاني وأسبابي ، ولا تَكلني إلى نَفسي طَرفَةَ عَين أبَداً.

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ الرَّحمانِ الرَّحيم لا شريكَ لَهُ ـ تقولُ ذلِكَ أربَعَ مرّاتٍ ـ يا رَبِّ أنتَ لي ( رَحِيمٌ )(١) يا رَبِّ فَكُنَ لي رُكناً معي ، أسألُكَ يا رَبِّ بما يَحمِلُ العَرش من عزِّ جَلالِكَ أن تَفعَلَ بي ما أنتَ أهَلُهُ ، فَإنَّكَ أهَلُ التَقوى وأهلُ المَغفِرَةَ.

اللّهُمَّ إنّي أحمدُكَ حمَيداً ، وأتَوكلُّ عَليكَ وحَيداً ، وأستَغفِرُكَ فَريداً ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ شَهادة اُفني بِها عُمري ، والقى بها رَبي ، وأدخِلُ بها قَبري ، وأخلو بها ( في وحَدتي )(٢) .

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ فِعلَ الخيراتِ ، وتَرك المُنكراتِ ، وحُبَّ المَساكينَ ، وأن تَغفِرَ لي وتَرحَمَني ، وإذا أردَتَ بِقومٍ فِنتَة أن تَتَوفّاني إليكَ وأنا غَيرُ مَفتونٍ ، وأسألُكَ حُبَّكَ وحُبَّ من يُحبُّكَ ، وحُبّاً يُقرِّبُ من حُبِّكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ ، واجعَل لي من الذُّنوب مَخرَجاً ، ومن اُموري فَرَجاً ، واجَعل لي إلى كُلّ خَيرٍ سَبيلاً. اللّهُمَّ إنّي خَلقٌ من خَلقِكَ ، ولِخَلقٍ من خَلقِكَ قبلي حُقوقٌ ، ولي فِيما بَيني وبَيَنكَ ذُنُوبٌ ، اللّهُمَّ فَارض عَنّي خلقِكَ من حُقوقِهِم ، وهَب لي الذُّنوبَ التي بَيني وبَينَكَ ، اللّهُمَّ واجعَل فيَّ خَيراً تجَده فآنّكَ إلا تَجعَلهُ لا تَجِدهُ عنِدي. اللّهُمَّ خَلقتَني كَما أردتَ فاجعَلني كَما تُحبُّ ، اللّهُمَّ اغفِر لَنا وعافِنا ، وارحَمنا واعفُ عَنَّا ،

__________________

(١) اثبتناه من نسخة « ن ».

(٢) في نسخة « ك » : وحدي ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

٢٥٧

وارضِ عَنّا وَتَقبَّلِ مِنّا ، وادخِلنَا الجَنَّةَ ونَجّنا من النّارِ ، واصلِح لَنا شَأنَنا.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّد النِّبيّ الاُميّ ، الطَّيبِ المُبارَكِ ، نَبّي الرِّحمةِ ، كَما أمرتَنا أن نُصلّي عَليهِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى النّبي الاُميّ عَدَدَ مَن صَلّى عَليهِ ، وَعَددَ مَن لَم يُصَلِّ عليهِ. اللّهُمَّ رَبِّ البَيتِ الحرامِ ، ورَبِّ الركن والمَقامِ ، وَرَبِّ المَشعرِ الحَرامِ ، ابلِغ رُوحَ مُحمّد مِنّا السُّلام ، وعَليهَ السُّلامُ وَرَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ ، وعلى أهِل بَيتِهِ الطَّيبينَ الطاهِرينَ المُصطَفينَ الأخَيارِ ، ولا حولَ ولاقُوةَ إلاّ باللهِ العَليّ العَظيمِ(١) .

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٧٧ بزيادة فيه. ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢٢٤ باختلاف فيه.

٢٥٨

الفصل الثاني والعشرون

في رواية أخرى بتعيين أيّام الشّهور

وما فيها من وقتِ السُّرور والمحذور.

حدّثنا أبو نصر مُحمّد بن أحمد بن حمدون الواسطي ، قال : حدَّثنا أبو الفرج مُحمّد بن علي القنّاني ، قال : حدثنا أحمد بن مُحمّد بن موسى ، قال : حدَّثنا مُحمّد بن علي بن معمرٍ الكوفي ، قال : حدَّثنا علي بن مُحمّد الزّاهد ، قال : حدّثنا عاصم بن حميد ، قال : قال جعفر بن مُحمّد صلوات الله عليه وقد سُئل عن اختيارات الأيام فقال :

اليوم الاول من الشهر

خَلَقَ الله فيه آدَمَ صلى الله عليه ، وهو يومٌ صالحٌ مَسعودٌ ، خاطِب فيه السُّلطان ، وتَزوّج ، واسرع في حَوائجِك ، واعمَل فيه كُلّ ما تُريده من طلب الحَوائج وغيرها(١) .

اليوم الثاني من الشهر

تزوّج فيه ، وائتِ أهلِكَ من السَّفَرِ ، واشتر ، فيه وبع ، واطلُب فيه حَوائجك ، واتَّقِ فيه أعمال السُّلطان ، وابتَغِ واطلُب فيه الحوائج ، فإنَّه يومٌ موافقٌ لذلكَ(٢) .

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٦ / ٩ باختلاف.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٧ / ١٤ صدره.

٢٥٩

اليوم الثالث من الشهر

يوم نَحس ، لا تأتِ فيه السُّلطان ، ولا تشترِ فيه ولا تَبع ، ولا تَطلُب فيه ، واتّقِ فيه أعمال السّلطان ، ففيه سُلبَ آدم وحوّاءعليهما‌السلام لَباسهما(١) .

اليوم الرابع من الشهر

ولد فيه هابيل بن آدمعليهما‌السلام ، وهو يوم صالحٌ للتزويج ، وطلب الصيّد ، ومَن يولد فيه يكون ما عاش صالحاً ، ولا تُسافر فيه فإنّ من سافر فيه يُسلبُ(٢) .

اليوم الخامس من الشهر

ولد فيه قابيل بن آدم وكان ملعوناً ، وهو اليوم الَّذي قتل فيه أخاهُ ودعا بالويل والثّبور على أهله وأدخل عليهم البكاء ، وهو يوم سوء ملعونٌ(٣) .

اليوم السادس من الشهر

جَيّد ، ليس فيه بؤس ، يَصلحُ للتّزويج وللصّيد ولطلب المعاش ، وكُلّ حاجة تريدها(٤) .

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٨ / ١٩ باختلاف فيه.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٩ / ٢٤ باختلاف فيه.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٠ / ٢٩ باختلاف فيه.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٠ / ٣٤ باختلاف فيه.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

( يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) .

«الحافرة» : من (الحفر) ، بمعنى شقّ الأرض ، وما ينتج من ذلك يسمى (حفرة) ، يقال : حافر الفرس ، تشبيها لحفرة الأرض في عدوه ، و «الحافرة» : كناية لمن يرد من حيث جاء ، كما لو سار إنسان على أرض ، فيترك فيها حفرا لتحمل آثار قدمه ، ثمّ يعود إلى نفس تلك الحفر ، فالحافرة : تعني الحالة الاولى(١) .

وتستمر الآية في سرد كلامهم :( أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ) (٢) .

فهكذا هو حال ودأب منكري المعاد وعلى الدوام باستفسارهم الدائم حول المعاد ، وبقولهم المعروف : كيف للعظام البالية النخرة والتي تحولت إلى ذرات تراب أن تعود مرّة اخرى جسما كاملا ، والأكثر من هذا أن تسري فيه الحياة ولكنّهم لم يفقهوا إلى أنّهم خلقوا من ذلك التراب ، فكيف أصبحوا بهذه الهيئة الحيّة بعد أن لم يكونوا شيئا؟

«نخرة» : صفة مشبهة ، من (النخر) ، بمعنى الشجرة المجوفة البالية ، والتي إذا دخل فيها الهواء أعطت صوتا معينا ، مثله (النخير) ، وعمم الاستعمال ليشمل كلّ شيء بال في حال تآكل وتلاش.

ولا يكتفي منكر والمعاد بحال الاعتراض على ما وعدهم به الباري سبحانه ، بل وتحولوا إلى حال الاستهزاء بأحد اصول دين الله! :( قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ) .

وثمّة احتمال آخر في تفسير هذه الآية يقول : إنّهم جادون في قولتهم غير مستهزئين ، لأنّهم يعتقدون أن لو كان ثمّة عود ورجعة فهي عبث زائد وخاسر ، إذ لو كانت الحياة الطيبة هي التي نعيشها ، فلما ذا لا تخلد؟ وإن كانت سيئة فما فائدة العود؟

__________________

(١) اسم فاعل هنا بمعنى اسم المفعول ، فالحافرة إذا بمعنى المحفورة.

(٢) وتقدير الجملة مع محذوفها : (أإذا كنّا عظاما نخرة نرد أحياء) أو (أإنا لمبعوثون).

٣٨١

ويمكن اعتبار «الحافرة» الواردة في :( أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) قرينة لهذا الاحتمال ، بلحاظ كونها بمعنى (الحفرة).

ولكنّ المعروف بين المفسّرين هو التّفسير الأوّل.

وقد عبّرت الآية السابقة عن قولهم بصيغة المصارع «يقولون» اشارة إلى دوام ترديدهم لما يقولون به ، في حين ذكر الفعل في الآية المبحوثة بصيغة الماضي «قولوا» إشارة إلى أنّهم قليلا ما يقولون ذلك.

وفي آخر آية من الآيات المبحوثة يعود القرآن الكريم إلى مسألة القيامة ، وبلسان قاطع ، يقول :( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) .

فالأمر ليس بمستصعب على الخالق القادر ، فما أن يصدر الأمر الإلهي لنفخة الصور الثّانية حتى تعود الحياة ثانية إلى جميع الخلائق ، نعم فتشرع كلّ تلك العظام النخرة وما صار منها ترابا للتجمع على الهيئة الاولى ، وليخرج الناس من قبورهم بعد أن تسري فيهم روح الحياة!

«الزجرة» : بمعنى صيحة بشدّة وانتهار ، ويراد بها : نفخة الصور الثّانية.

«زجرة واحدة» : إشارة إلى سهولة الأمر أمام قدرة الله سبحانه وتعالى ، وإلى سرعة تنفيذ أمره سبحانه (لقيام القيامة) فبصوت واحد من ملائكة القيامة ، أو من صور إسرافيل يرتدي جميع الأموات لباس الحياة من جديد ليحضروا عرصة المحشر للحساب.

«الساهرة» : من (السهر) ، وهو الأرق ، وقيل : لأرض القيامة «الساهرة» لذهاب النوم عن العيون لما سيصابون به من أهوال مرعبة. وقيل : الساهرة : اسم للصحراء ، لأنّ جميع الصحاري مخيفة ، وكأنّ الخوف فيها يطرد النوم من العين(١) .

* * *

__________________

(١) لسان العرب : سهر ، مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٢٩ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٩٩٠.

٣٨٢

الآيات

( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) )

التّفسير

افتراء فرعون!

يشير القرآن الكريم بهذه المقاطع البيانية إلى بعض مشاهد قصّة موسىعليه‌السلام وفرعون ، والتي تتناول عاقبة الطغاة عبر التاريخ ، وما حدى بفرعون من مصير أسود ، ليستذكر مشركو قريش وطغاتهم تلك الواقعة ، وليعلموا أن من كان أقوى منهم لم يتمكن من مقاومة العذاب الإلهي.

ويشير البيان القرآني كذلك ، إلى المؤمنين بأن لا يخافوا من قوّة الأعداء

٣٨٣

الظاهرية ، لأنّ دمارهم وهلاكهم على الله أسهل من أن يتصور فهذا البيان القرآني إذا ، تسلية لقلوب المؤمنين وترطيبا لخواطرهم.

فيتوجه الحديث إلى النبيّعليه‌السلام بصيغة الاستفهام :( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ) ليشوق السامع ويهيئه لاستماع القصّة ذات العبر.

ثمّ يقول :( إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) (١) .

«طوى» : يمكن أن يكون اسما لأرض مقدّسة ، تقع في الشام بين (مدين) و (مصر) ، وهو الوادي الذي كلّم الله تعالى فيه موسىعليه‌السلام أوّل مرّة.

وقد رود الاسم أيضا في الآية (١٢) من سورة طه :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) .

وقد تكون «طوى» صفة من (الطي) ، إشارة إلى ما انطوت عليه تلك الأرض من القداسة والبركة.

أو كما يقول الراغب في مفرداته ، إشارة إلى حالة حصلت له على طريق الاجتباء ، فكان ينبغي عليه السير في طريق طويل ، ليكون لائقا لنزول الوحي ولكن الله تعالى طوى له هذا الطريق وقرّب له الهدف.

ثمّ أشار القرآن إلى تعليمات اللهعزوجل إلى موسىعليه‌السلام في الواد المقدّس :( اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى ) وبعد التزكية وتطهير الذات تصبح لائقا للقاء الله ، وسوف أهديك إليه عسى أن تخشع وتترك ما أنت عليه من المنكرات :( وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى ) .

ولمّا كانت كلّ دعوة تحتاج إلى دليل صحتها ، يضيف القرآن القول :( فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى ) (٢) .

__________________

(١) اعتبر أكثر المفسّرين «إذ» ظرف زمان متعلق بـ «حديث» ويصح الإعتبار لو كانت بمعنى نفس الحادثة وليست حكايتها وثمّة احتمال آخر ، يقول «إذ» : ظرف متعلق بفعل محذوف تقديره (اذكر) ، فالتقدير : (اذكر إذ ناداه ...) ـ فتأمل.

(٢) إنّ الفاصلة الزمنية ما بين توجيه الأمر الإلهي إلى موسىعليه‌السلام وبين إرائة المعجزة كانت كبيرة ، ولكنّ البيان القرآني اختصرها في هذا الموضع.

٣٨٤

ولكن ، ما الآية الكبرى؟ هل هي عصا موسىعليه‌السلام التي تحولت إلى أفعى عظيمة ، أو إخراج يده بيضاء ، أم كليهما؟ (على اعتبار أنّ الألف واللام في «الآية الكبرى» إشارة إلى الجنس). وعلى أيّة حال ، فالمهم في المسألة إنّ موسىعليه‌السلام استند في بدء دعوته على معجزة «الآية الكبرى».

لقد وردت في الآيات الأربعة المذكورة جملة ملاحظات ، هي :

١ ـ طغيان فرعون يمثل علّة الأمر الإلهي لذهاب موسىعليه‌السلام إليه وتبيّن لنا هذه الملاحظة : إنّ من جملة الأهداف المهمّة في حركة الأنبياء هي هداية الطغاة أو مجاهدتهم.

٢ ـ راح موسىعليه‌السلام يدعو فرعون بلين ورفق وأسلوب جميل ، وبأسلوب مرغّب دعاه لأن يتطهر (طهارة مطلقة من الشرك والكفر ، ومن الظلم والفساد) وتنقل لنا الآية (٤٤) من سورة طه هذا المعنى :( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ) .

٣ ـ وثمّة إشارة لطيفة وردت بخصوص رسالة الأنبياءعليهم‌السلام ، فدعوتهم للحق تعتمد على محاولة تطهير الناس وإعادتهم إلى فطرتهم السليمة.

كما وأشار البيان القرآني إلى أنّ المخاطبة قد تمّت بكلمة «تزكّي» بدلا من (ازكيك) ، للدلالة على أنّ التزكية الحقّة إنّما هي تلك النابعة من الذات ، ولا تبنى باسس موضوعية خارجية.

٤ ـ ذكرت الهداية بعد التزكية ، للدلالة على أنّ التزكية مقدّمة وبمثابة الأرضية المهيئة للهداية.

٥ ـ إنّ تعبير «إلى ربّك» في حقيقة تأكيد على أنّ من أهديك إليه هو مالكك ومربيك ، فلم الميل عنه؟!

٦ ـ «الخشية» نتيجة للهداية :( وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى ) ، وبما أنّ الخشية لا تحصل إلّا بمعرفة حقّة ، فتكون ثمرة شجرة الهداية والتوحيد هي الإحساس بالمسؤولية الملقاة على العواتق أمام جبار السماوات والأرض ، ولهذا تقول الآية

٣٨٥

(٢٨) من سورة فاطر :( إِنَّما يَخْشَى اللهَ ، مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) .

٧ ـ ابتدأ موسىعليه‌السلام أسلوب دعوته بالهداية العاطفية ثمّ تدرج إلى الهداية العقلية والمنطقية حتى أرى فرعون الآية الكبرى.

وقد بيّن لنا البيان القرآني أفضل طرق الدعوة والإرشاد ، حيث ينبغي إحاطة من يراد هدايته بالرعاية والعطف وتحسيسه بحسن نيّة الداعية أو المرشد ، ومن ثمّ تأتي مرحلة الدليل المنطقي والحوار العلمي.

لكنّ فرعون المتجبّر قابل كلّ تلك المحبّة ، اللطف ، الدعوة بالحسنى والآية الكبرى ، قابل كلّ ذلك بالتجبّر الأعمى والغرور الأبله :( فَكَذَّبَ وَعَصى ) .

وكما يظهر من الآية المباركة فإنّ التكذيب مقدمة العصيان ومرحلة سابقة له ، كما هو حال التصديق الإيمان باعتباره مقدّمة للطاعات.

وازداد فرعون عنوّا :( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى ) (١) .

وقد هددت معجزة موسىعليه‌السلام كل وجود فرعون الطاغوتي ، ممّا دعاه لأن يبذل كل ما يملك من قدرة لأجل إبطال مفعول المعجزة ، فتراه وقد أمر أتباعه وجنوده لجمع كلّ سحرة البلاد ـ على كثرتهم في تلك الحقبة الزمنية ـ ونودي في الناس بأمره ليشاهدوا مشهد إبطال المعجزة من قبل السحرة ، وليظهروا مثلها!! :( فَحَشَرَ فَنادى ) .

مع أنّ كلمة «حشر» ذكرت بصورة مطلقة مبهمة ، ولكننا نستطيع معرفة تفصيل الأمر من خلال الآيات القرآنية الاخرى ، ففي الآيتين (١١١ و١١٢) من سورة الأعراف ، يكمل تفصيل ذلك :( وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ ) .

وكذا الحال بالنسبة لكلمة «نادى» ، فيمكننا التوصل لمعناها من خلال الآية

__________________

(١) يمكن اعتبار «ثمّ» في الآية إشارة إلى المدّة التي استغلها فرعون ليدرس ويخطط لكيفية مواجهة موسىعليه‌السلام ، لأنّ «ثمّ» عادة ما تستعمل للتعبير عن الفاصلة الزمنية بين الأحداث.

٣٨٦

(٣٩) من سورة الشعراء ، والتي تناولت نفس الموضوع :( وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ) .

ولم يكتف فرعون بكذبه وعصيانه ، ومقاومته لدعوة الحق والوقوف أمامها ، بل وتعدى حدود المخلوق بصورة مفرطة جدّا ، وافترى على الله وعلى نفسه بأقبح ادعاء ، حينما ادعى نفسه الربوبية على شعبه وأمرهم بطاعته! :( فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) .

نعم فحينما يقبع المتجبّر في عرش الغرور ، وحينما تلّفه أمواج الأنانية المفرطة ، حينها سيجرفه تيار الإفراط لأن يدعي لنفسه الربوبية ، بل ويجره فقدان بصيرته ، وانحسار فطرته بين ظلمات أنانيته لأن يدعي أنّه (ربّ الأرباب)!!

وأوصل فرعون قولته إلى الناس ليخبرهم بأنّه لا يعارض ما لهم من أصنام يعبدونها ، لكنّه فوقها جميعا فهو (المعبود الأعلى)!

وألطف ما في الأمر ، إنّ فرعون نفسه كان أحد عبدة الأصنام ، بشهادة الآية (١٢٧) من سورة الأعراف :( أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) ، فادعاؤه بأنّه (الربّ الأعلى) قد سرى حكمه حتى على آلهته لتكون من عبيده! نعم ، فهكذا هو هذيان الطواغيت.

وقد ادعى فرعون بأكثر من (ربّ الأرباب) ، ليضيف إلى هذيان الطغاة حماقة ، حينما ورد قوله في الآية (٣٨) من سورة القصص :( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) !

وعلى أيّة حال ، فقد حلّ بفرعون منتهى التكبر والطغيان ، فأخذه جبّار السماوات والأرض سبحانه أخذ عزيز مقتدر :( فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ) (١)

__________________

(١) «نكال» : منصوب بنزع الخافض ، والتقدير : (فأخذه الله بنكال الآخرة) ويحتمل كونه مفعول مطلق للأخذ ، بمعنى (نكّل) ،

٣٨٧

«النكال» : لغة : العجز والضعف. ويقال لمن يتخلف عن دفع ما استحق عليه (نكل). و (النكل) ـ على وزن فكر ـ القيد الشديد الذي يعجز معه الإنسان على عمل أيّ شيء.

و «نكال» : في الآية يقال للعذاب الإلهي الذي يؤدي إلى عجز الإنسان ، ويخيف الآخرين ، فيعجزهم عن ارتكاب الذنب ،.

«نكال الآخرة» : عذاب جهنّم الذي سينال فرعون وأصحابه ومن سار على خطوه ، و «عذاب الاولى» : إشارة إلى إغراق فرعون وأصحابه في نهر النيل.

وتقديم «نكال الآخرة» على عذاب الدنيا ، لأهميته وشدّة بطشه.

وقيل : «الاولى» : تشير إلى كلمة فرعون الاولى في مسير طغيانه حين ادّعى (الالوهية) ، كما جاء في الآية (٣٨) من سورة القصص.

و «الآخرة» : إشارة الى آخر كلمة نطق بها فرعون حين ادّعي (الرّبوبية العليا) ، فعذّبه الله بالغرق في الحياة الدنيا نتيجة ادّعاءيه الباطلين.

وقد أشير لهذا المعنى فيما روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام قوله : «إنّ الفترة ما بين قوله الاولى والآخرة كانت أربعين عاما ، وقد أخّر الله تعالى عذابه كلّ هذه المدّة إتماما للحجّة عليه»(١) .

ويوافق هذا المعنى صيغة الفعل الماضي الواردة في الآية «أخذ» والذي يفهم منه تنفيذ كلّ العقاب في الدنيا ، وتعضده الآية التالية التي تعدّ العذاب عبرة للآخرين.

__________________

فيكون التقدير : (نكّل الله ناكال الآخرة).

(١) وفي مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٢ ، رواية اخرى تحمل نفس المضمون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكثر تفصيلا ، نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٠٠.

٣٨٨

ويستخلص القرآن نتيجة القصّة :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى ) .

فتبيّن الآية بكلّ وضوح ، إنّ وسائط سلك طريق الإعتبار مهيئة لمن سرى في قلبه الخوف والخشية من الله ، واعترته مشاعر الإحساس بالمسؤولية ، ومن رأى العبرة بعين معتبرة اعتبر.

نعم فقد أغرق فرعون ، وأهلك ملكه ودولته ، وصار درسا شاخصا لكل فراعنة وطواغيت ومشركي الزمان ، وعبرة لمن سار على نهجه الفاسد لكل عصر ومصر ، ولا يجني من سار على خطاه سوى ما جنيت به يداه ، وهي سنّة الله ، ولا تغيير ولا تبديل لسنّته جلّ شأنه.

* * *

بحث

بلاغة القرآن :

بنظرة ممعنة في الآيات الإحدى عشر المبحوثة ، تتجلى لنا ذروة فصاحة وبلاغة القرآن الكريم ، فبعبارات موجزة وسريعة ، عرضت قصّة موسىعليه‌السلام مع فرعون وبتفصيل بياني محكم ، حيث تناولت : بيان سبب الرسالة ، هدف دعوة الرسالة ، وسائل التطهير ، كيفية الدعوة ، أسس مواجهة مخططات الأعداء ، نماذج من الادعاءات الباطلة ، والانتقام من الطغاة فكل هذا وما حمل بين ثناياه من دروس حيّة للإنسانية ، قد ورد في هذه الآيات القليلة الموجزة!

* * *

٣٨٩

الآيات

( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) )

التّفسير

اللمسات الرّبانية في عالم الطبيعة ونظام الكون :

ينتقل البيان القرآني مرّة اخرى إلى عالم القيامة ، بعد ذكر تلك اللمحات البلاغية في قصّة موسىعليه‌السلام مع فرعون ، فيعرض صورا من قدرة الله المطلقة في عالم الوجود ، ليستدل به على إمكان المعاد ، ويشرح بعض النعم الإلهية على البشرية (التي لا تعدّ ولا تحصى) ، ليحرك فيهم حس الشكر والذي من خلاله يتوصلون لمعرفة الله.

وابتدأ الخطاب باستفهام توبيخي (لمنكري المعاد) هل أنّ خلقكم (وإعادتكم إلى الحياة بعد الموت) أصعب من خلق السماء :( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ

٣٩٠

السَّماءُ بَناها ) (١) .

والآية في واقعها جواب لما ذكر من قولهم في الآيات السابقة :( أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) ـ أي هل يمكن أن نعود إلى حالتنا الاولى ـ فكلّ إنسان ومهما بلغت مداركه ومشاعره من مستوى ، ليعلم أنّ خلق السماء وما يسبح فيها من نجوم وكواكب ومجرّات ، لهو أعقد وأعظم من خلق الإنسان وإذا فمن له القدرة على خلق السماء وما فيها من حقائق ، أيعقل أن يكون عاجزا عن إعادة الحياة مرّة اخرى إلى الناس؟!

ويضيف القرآن في بيان خلق السماء ، فيقول شارحا بتفصيل :( رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ) .

«سمك» : ـ على وزن سقف ـ لغة : بمعنى الارتفاع ، وجيئت بمعنى (السقف) أيضا ، وعلى قول الفخر الرازي في تفسيره : إنّ الشيء المرتفع لو قيس ارتفاعه من الأعلى إلى الأسفل فالنتيجة تسمّى (عمق) ، أمّا لو قيس الارتفاع من الأسفل إلى الأعلى فهو (سمك)(٢) .

«سواها» : من (التسوية) ، بمعنى التنظيم ، وهي تشير إلى دقّة التنظيم الحاكمة على الأجرام السماوية ، وإذا اعتبرنا «سمكها» بمعنى «سقفها» ، فهي إشارة إلى الغلاف الجوي الذي حفّ وأحاط بالكرة الأرضية كالسقف المحكم البناء ، والذي يحفظها من شدّة آثار الأحجار السماوية ، والشهب ، والأشعة الكونية والمميتة والمتساقطة عليها باستمرار.

وقيل : إنّ «سواها» إشارة إلى كروية السماء وإحاطتها بالأرض ، حيث أنّ التسوية هنا تعني تساوي الفاصلة بين أجزاء هذا السقف نسبة إلى المركز الأصلي (الأرض) ، ولا يتحقق ذلك من دون كروية الأرض وما حولها (السماء).

__________________

(١) في الآية حذف ، والتقدير : (أم السماء أشدّ خلقا). و «بناها» : جملة استئنافية ، وهي مقدّمة للآيات التالية.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، ج ٣١ ، الآية المبحوثة.

٣٩١

وقيل أيضا : إنّ الآية تشير إلى ارتفاع السماء والأجرام السماوية وبعدها الشاسع عن الأرض ، بالإضافة لإشارتها للسقف المحفوظ المحيط بالأرض.

وعلى أيّة حال ، فالآية قد نهجت بذات سياق الآية (٥٧) من سورة المؤمن :( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

ثمّ تنتقل بنا الآية التالية إلى إحدى الأنظمة الحاكمة في هذا العالم الكبير ، الكبير ، (نظام النور والظلمة) ، :( وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ) .

فلكلّ من النور والظلمة دور أساس ومهم جدّا في حياة الإنسان وسائر الأحياء من حيوان ونبات ، فلا يتمكن الإنسان من الحياة دون النور ، لما له من ارتباط وثيق في حركة وإحساس ورزق وأعمال الإنسان ، وكذا لا يتمكن من تكملة مشوار حياته من غير الظلمة ، والتي تعتبر رمز الهدوء والسكينة.

«أغطش» : من (الغطش) ، بمعنى الظلام ، ولكنّ الراغب في مفرداته يقول : وأصله من «الأغطش» وهو الذي في عينه شبه عمش.

«الضحى» : انبساط الشمس وامتداد النهار(١) .

وتنتقل بنا الآية الاخرى من السماء إلى الأرض ، فتقول :( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) .

«دحاها» : من «الدحو» بمعنى الانبساط ، وفسّرها بعضهم :( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) .

وللمعنيين أصل واحد ، لوجود التلازم بينهما.

ويقصد بدحو الأرض ، إنّها كانت في البداية مغطاة بمياه الأمطار الغزيرة التي انهمرت عليها من مدّة طويلة ، ثمّ استقرت تلك المياه تدريجيا في منخفضات الأرض ، فشكلت البحار والمحيطات ، فيما علت اليابسة على أطرافها ، وتوسعت

__________________

(١) يرجع ضميرا «ليلها» و «ضحاها» إلى السماء ، فنسبة النور والظلمة إلى السماء باعتبار أنّ لهما منشأ سماويا.

٣٩٢

تدريجيا ، حتى وصلت لما هي عليه الآن من شكل ، (وحدث ذلك بعد خلق السماء والأرض)(١) .

وبعد دحو الأرض ، وإتمام صلاحيتها لسكنى وحياة الإنسان ، يأتي الحديث في الآية التالية عن الماء والنبات معا :( أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ) .

ويظهر من التعبير القرآني ، إنّ الماء قد نفذ إلى دخل الأرض بادئ ذي بدء ، ثمّ خرج على شكل عيون وأنهار ، حتى تشكلت منهما البحيرات والبحار والمحيطات.

«المرعى» : اسم مكان من (الرعي)(٢) ، وهو حفظ ومراقبة امور الحيوان من حيث التغذية وما شابهها.

ولهذا ، تستعمل كلمة (المراعاة) بمعنى المحافظة والمراقبة وتدبير الأمور ، وكلّ من يسوس نفسه أو غيره يسمّى (راعيا) ، ولذا جاء في الحديث الشريف : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».

ثمّ ينتقل البيان القرآني إلى «الجبال» ، حيث ثمّة عوامل تلعب الدور المؤثر في استقرار وسكون الأرض ، مثل : الفيضانات ، العواصف العاتية ، المدّ والجزر ، والزلازل فكل هذه العوامل تعمل على خلخلة استقرار الأرض ، فجعل اللهعزوجل «الجبال» تثبيتا للأرض ، ولهذا تقول الآية :( وَالْجِبالَ أَرْساها ) (٣) .

«أرسى» : من (رسو) ، بمعنى الثبات ، وأرسى : فعل متعد ، أي ، ثبّت الجبال في مواقعها.

وتلخص الآية التالية ما جاء في الآيات السابقة :( مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) .

__________________

(١) فسّر بعض المفسّرين «بعد ذلك» في الآية ، بمعنى (إضافة لهذا) ، فيكون معنى الآية : (إضافة إلى ما في الآيات السابقة فالأرض دحاها).

(٢) واعتبره البعض : مصدرا ميميا ، بمعنى الحيوانات السائمة ، ولكنّ المعنى المذكر أعلاه أقرب.

(٣) بحثنا مفصلا موضوع الجبال وأهميتها في حياة الإنسان وفي تثبيت الأرض ، في ذيل الآية (٣) من سورة الرعد ـ فراجع.

٣٩٣

نعم فالسماء رفعها.

خلق نظام النور والظلمة.

دحى الأرض.

أخرج من الأرض ماء ونباتا.

أرسى الجبال لحفظ الأرض.

هيأ مستلزمات عيش الإنسان ، وسخر له كلّ شيء.

كلّ ذلك ، ليغرف الإنسان من نعم الله ، ولكي لا يغفل عن طاعة الله والوصول لساحة رضوانه جلّ شأنه.

وما جاء في الآيات يبرز قدرته سبحانه على المعاد من جهة ، ويدلل من جهة اخرى على وجود الله تعالى وعظمة شأنه ، ليدفع المخلوق إلى الإذعان بسلامة سلك طريق معرفة الله وتوحيده.

* * *

٣٩٤

الآيات

( فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) )

التّفسير

التنزّه عن الهوى :

وتتجه عدسة آيات القرآن الكريم لتعرض لنا جوانبا من صور عالم القيامة ، وتبدأ بتصوير تلك الداهية المذهلة التي تصيب من عبد أهواءه في الحياة الدنيا :( فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى ) (١) .

«الطامة» : من (الطم) ـ على زنة فنّ ـ وهو في الأصل بمعنى ملء الفراغ

__________________

(١) يقول بعض المفسّرين ، إنّ جواب الشرط في «إذا» الشرطية ، يأتي في الآيات( فَأَمَّا مَنْ طَغى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ) ولكن الأفضل أن نقول : إنّ الجزاء محذوف يدل عليه ما في الآيات التالية ، والتقدير : (فإذا جاءت الطامة الكبرى ، يجز كلّ إنسان بما عمل) ، وقيل : يستفاد جزاء الشرط من «يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ » ـ ولكنّه بعيد.

٣٩٥

والحفر ، ويطلق بالطامة على كلّ شيء بلغ حدّه الأعلى ، ولهذا فقد أطلقت على الحوادث المرّة والصعاب الكبار ، وهي في الآية تشير إلى يوم القيامة لما فيها من دواهي تغطي بهولها كلّ هول ، واتبعت بـ «الكبرى» زيادة في التأكيد على أهمية وخطورة يوم القيامة.

ويضيف : حال حلول الحدث سيفلت الجميع من نياط غفلتهم ، ويتذكروا ما زرعوا لحياتهم :( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى ) .

وأنى للتذكر بعد فوات الأوان!

وإذا طلبوا الرجوع إلى الدنيا لإصلاح ما أفسدوا ويتداركوا الأمر ، فسيقرعون بـ( كَلَّا ) .

وإذا ما اعتذروا تائبين ، فلا محيص عن ردّهم ، بعد أن أوصدت أبواب التوبة بأمر الجبّار الحكيم.

وعندها : لا يبقى لهم إلّا الحسرة والندامة ، والهم والغم ، وكما تقول الآية (٢٧) من سورة الفرقان :( يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ) .

وثمّة نكتة في الآية ترتبط بصيغة الفعل «يتذكر» ، فقد جاء الفعل مضارعا ليدل على استمرارية التذكر ، فالإنسان أمام ذلك المنظر الرهيب ، وقد أزيلت الحجب عن قلبه وروحه ، سيرى الحقائق بعينها شاخصة أمامه ، ولا ينسى حينها ما اكتسبت يداه من أعمال.

وتشخص الآية التالية ما سيقع :( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى ) .

فالجحيم موجودة ، كما تشير إلى ذلك الآية (٥٤) من سورة العنكبوت :( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) ، ولكن حجب الدنيا تمنعنا من رؤيتها ، وأمّا في يوم الفصل ، يوم البروز ، فسيبرز كلّ شيء ولا يستثنى من ذلك جهنّم.

وجملة «لمن يرى» ، تشير إلى رؤية جهنّم من قبل الجميع بلا استثناء (الصالح والطالح) ، فهي غير خافية عن الأنظار.

٣٩٦

وقيل : إنّها لمن سيكون له نظر في يوم القيامة ، لأنّ الآية (١٢٤) من سورة طه قد صرّحت بأنّ البعض سيحشر أعمى :( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) ، ويعتمد ستكون أكثر المفسّرين على التّفسير الأوّل لمناسبته للمقام ، لأنّ رؤية جهنّم من قبل العاصين ستكون أكثر إيلاما لهم ، إضافة إلى أنّ العمى المشار إليه ، ربّما يكون في موقف معين من مواقف يوم القيامة ، وليس دائما(١) .

وفي الآيات الثلاثة التالية ، يشير القرآن إلى حال المجرمين والطغاة يوم القيامة :( فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ) (٢) .

والآية الاولى تشير إلى فساد عقائد الطغاة ، لأنّ الطغيان ينشأ من الغرور ، والغرور من نتائج عدم معرفة الباري جّل شأنه.

وبمعرفة عظمة وجلال الله يتصاغر الإنسان ويتصاغر حتى يكاد لا يرى لنفسه أثرا ، وعندها سوف لن تزل قدمه عن جادة العبودية الحقة ، ما دام سلوكه يصب في رافد معرفة الله.

والآية الثانية تشير إلى فسادهم العملي ، لأنّ الطغيان يوقع الإنسان في شراك اللذائذ الوقتية الفانية ذروة الطموح ومنتهى الأمل ، فينساق واهما لأنّ يجعلها فوق كلّ شيء!

والأمران في واقعهما كالعلة والمعلول ، فالطغيان وفساد العقدة مفتاح فساد العمل وحبّ الدنيا المفرط ، ولا يجران إلّا إلى سوء عقبى الدار ، نار جهنّم خالدين فيها أبدا.

وعن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، أنّه قال : «ومن طغى ضل على عمل بلا حجّة»(٣)

، فالغرور يرى صاحبه الهوى حقّ : على الرغم من عدم امتلاكه الدليل أو

__________________

(١) لزيادة التوضيح ، راجع ذيل الآية (١٢٤) من سورة طه.

(٢) تقدير الآية الثالثة مع محذوفها : (هي المأوى له) أو (هي مأواه) ، وحذف الضمير لوضوحه.

(٣) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٠٦ ، الحديث ٤٣.

٣٩٧

الحجّة ، وبالرغم من مخالفة المنطق له!.

ويأتي الدور في الآيتين التاليتين لوصف أهل الجنّة :( وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ) .

فالشرط الأوّل للحصول على نعم الجنّة والاستقرار بها هو الخوف من الله من خلال معرفته (معرفة الله والخوف من التمرد والعصيان على أوامره) ، والشرط الثاني هو ثمرة ونتيجة الشرط الأوّل أي الخوف والمعرفة ويتمثل في السيطرة على هوى النفس وكبح جماحها ، فهوى النفس من أقبح الأصنام المعبودة من دون الله ، لأنّه المنفذ الرئيسي لدخول معترك الذنوب والمفاسد ، ولذا فـ «أبغض إله عبد على وجه الأرض : الهوى».

وهوى النفس هو الطابور الخامس في قلب الإنسان ، نعم فالشيطان الخارجي لا يتمكن من النفوذ إلى داخل الإنسان ما لم يوافقه الشيطان الداخلي في منحاه ، ويفتح له أبواب الدخول ، كما تشير إلى ذلك الآية (٤٢) من سورة الحجر :( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ مقام الرّب؟

جاء في الآية (٤٠)( ... مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ) ، ولم يقل (من خاف ربّه) ، ، فما ذا يقصد بهذا المقام؟

طرحت احتمالات عديدة في جواب السؤال المذكور :

١ ـ المقام : مواقف القيامة ، وهي المقامات التي سيقف فيها الإنسان بين يدي ربّه للحساب ، فسيكون «مقام ربّه» ـ على ضوء هذا الاحتمال ـ بمعنى (مقامه عند ربّه).

٣٩٨

٢ ـ المقام : علم الله ومقام مراقبته للإنسان ، بدلالة الآية (٣٣) من سورة الرعد :( أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) .

وبدلالة ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : قوله : «من علم أنّ الله يراه ، ويسمع ما يقول ، ويعلم من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى»(١) .

٣ ـ مقام العدالة الإلهية ، لأنّ العبد لا يخاف من ذات الله المقدّسة بل خوفه من عدل الله حسابه وفي الحقيقة إنّ هذا الخوف ناشئ من قياس أعماله بميزان العدل ، فالمجرمون ترتعد فرائصهم وتهتزّ دواخلهم حين رؤية القاضي العادل ، ولا يتحملون سماع اسم المحكمة والمحاكمة ، بعكس من لم يقم بأي ذنب ، فرؤيته للقاضي ستكون مغايرة لما داخل المجرم من إحساسات ولا تباين بين هذه التفسيرات الثلاثة ، ويمكن ادغامها في معنى الآية.

٢ ـ علاقة الطغيان بعبادة الدنيا

رسمت الآيات المبحوثة وبأسلوب رائع اصول سعادة وشقاء الإنسانية ، فجسدت بريشتها البيانية زبدة تعاليم الأنبياء والأولياءعليهم‌السلام .

فشقاء الإنسان يكمن في طغيانه وعبادته لجواذب الدنيا ، وسعادته في خوفه من الله وتركه ما يبعد عن ساحة رضوانه سبحانه وتعالى.

روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال : «إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان : إتّباع الهوى وطول الأمل ، فأمّا اتّباع الهوى فيصد عن الحقّ ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة»(٢) .

و هوى النفس : يضع حجابا على عقل الإنسان ، يزيّن له الأعمال القبيحة ،

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩٧.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٤٢.

٣٩٩

يشغل الإنسان بنفسه ، يسلبه قدرة التمييز بين الصالح والطالح والتي هي أعظم نعمة على الإنسان ، وبها يتميزّ الإنسان عن الحيوان ، وهذا هو ما أشارت إليه الآية (١٨) من سورة يوسف في وقول نبيّ الله يعقوبعليه‌السلام لأولاده :( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ) .

وباب الحديث أوسع بكثير من أن يلخص بوريقات ، ولكننا سنكتفي بذكر حديثين عن أئمّة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام ، لتناولهما مختلف جوانب الموضوع :

فعن الإمام الباقرعليه‌السلام ، أنّه قال : «الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دحل الجنّة ، وجهنّم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النّار»(١) .

وعن الإمام الصادق ، أنّه قال : «لا تدع النفس وهواها ، فإنّ هواها في رداها ، وترك النفس وما تهوى داؤها ، وكفّ النفس عمّا تهوى دواؤها»(٢) .

ولا يدخل اتباع الهوى جهنّم فقط ، فله من الآثار السلبية حتى في الحياة الدنيا ، ومن نتائجه : فقدان الأمن ، وتخلخل النظام ، ونشوب الحروب ، وسفك الدماء ، وإثارة النزاعات والأحقاد

٣ ـ فريقان لا ثالث لهما

تحدثت الآيات محل البحث عن فريقين من الناس ، أمّا من طغى وعبد هواه فمأواه جهنّم خالدا فيها ، وأمّا من اتقى وخاف مقام ربّه فالجنّة مأواه أبدا.

وثمّة فريق ثالث لم تتطرق له الآيات ، وهو المؤمنين الذين قصروا في أداء بعض الأعمال والوظائف ، أو أصابهم بعض تلوثات هوى النفس الأمارة بالسوء ، فهؤلاء وإن كانوا فريقا ثالثا ـ حسب لظاهر ـ إلّا أنّهم سرعان ما يلتحقون بأحد

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٠٧ ، الحديث ٤٥.

(٢) المصدر السابق ، الحديث ٤٦.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511