الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٢٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 600

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 600
المشاهدات: 157081
تحميل: 4850


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 600 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 157081 / تحميل: 4850
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 20

مؤلف:
العربية

ولذلك لا يوجد في عالم الخلقة موجود يفصل بين قوسه الصعودي وقوسه النزولي هذا القدر من البون الشاسع. (تأمل بدقّة).

٣ ـ عظمة الجهاد

القرآن تعرض للحديث عن مسألة الجهاد وعظمة المجاهدين في سبيل الله في مواضع عديدة. ولكن الحديث في هذه السّورة فريد في تعظيمه للجهاد إذ عدّ حتى أنفاس خيل المجاهدين وشرر حوافرها والغبار الذي تثيره عظيمة استحقت أن يقسم بها.

وركزت الآيات بشكل خاص على السرعة والعمل الخاطف للمجاهدين باعتباره أحد عوامل النصر في الحروب ، وعلى المباغتة باعتبارها عاملا آخر من عوامل الإنتصار في الحرب.

وكلّ هذه تعاليم في منهج الجهاد.

ويلفت النظر في سبب نزول الآية أنّ عليّاعليه‌السلام أمر أن تسرج الخيل في ظلام الليل وأن تعدّ إعدادا كاملا ، وحينما انفلق الفجر وزالت العتمة صلى بالنّاس الصبح ، وشنّ هجومه مباشرة ، وما أن انتبه العدوّ حتى وجد نفسه تحت وطأة خيل جيش الإسلام.

هذه الحملة السريعة المباغتة جعلت إصابات المسلمين أقلّ ما يمكن ، وحسمت الحرب خلال ساعات ، وهذه المسائل انعكست جميعا في آيات هذه السّورة بشكل دقيق رائع.

واضح أنّ محور التكريم في هذه السّورة ليس الخيل أو شرارة حوافرها أو الغبار المتصاعد من تحت أرجلها بل هو «الجهاد» ، ثمّ «عدّته» التي تشمل كلّ أنواع أجهزة الحرب في أي زمان تشمل كلّ أنواع «القوّة» المذكورة بشكل عام مطلق إلى جانب ذكر «رباط الخيل» في الآية (٦٠) من سورة الأنفال.

٤٠١

ربّنا! وفقنا للجهاد والتضحية في سبيل رضاك.

إلهنا! النفس الجامحة تجنح إلى الكفران فاحفظنا من أخطارها.

اللهم! أنت عليم بسرائرنا وخبير بأعمالنا ما ظهر منها وما بطن فارفق بنا بلطفك وفضلك يا أرحم الراحمين.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة والعاديات

* * *

٤٠٢
٤٠٣

سورة

القارعة

مكيّة

وعدد آياتها إحدى عشرة آية

٤٠٤

«سورة القارعة»

محتوى السّورة :

تتناول هذه السّورة بشكل عام المعاد ، ومقدماته ، بتعابير حادّة ، وبيان مؤثر ، وإنذار صريح وواضح ، حيث تصنّف النّاس يوم القيامة ، إلى صنفين أو جماعتين : الجماعة التي تكون أعمالها ثقيلة في ميزان العدل الإلهي ، فتحظى جزاء بذلك ، حياة راضية سعيدة في جوار الرحمة الإلهية ، وجماعة أعمالها خفيفة الوزن ، فتعيش في نار جهنم الحارّة المحرقة.

وقد أشتقّ اسم هذه السّورة ، أي (القارعة) من الآية الاولى فيها.

فضيلة السّورة :

يكفي في فضيلة هذه السّورة أن نقرأ الحديث الشريف المروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «من قرأ القارعة آمنه الله من فتنة الدّجال أن يؤمن به ، ومن قيح جهنم يوم القيامة إن شاء الله»(١) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٣٠.

٤٠٥

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١) )

التّفسير

الحادثة القارعة :

هذه الآيات تصف القيامة وتقول :

( الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ ) ؟!

«القارعة» من القرع ، وهو طرق الشيء بالشيء مع إحداث صوت شديد.

وسمّيت العصا والمطرقة بالمقرعة لهذه المناسبة. بل سمّيت كلّ حادثة هامّة صعبة بالقارعة. (تاء التأنيث قد تكون إشارة للتأكيد).

الآية الثّالثة تخاطب حتى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول له :( وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ )

٤٠٦

وهذا يدل على أنّ عظمة هذه الحادثة القارعة إلى درجة لا تخطر على فكر أحد.

على أي حال ، أكثر المفسّرين ذكروا أنّ «القارعة» أحد أسماء القيامة ، ولكن لم يوضحوا هل أنّه اسم لمقدمات القيامة إذ تقرع هذه الدنيا ، وينطفئ نور الشمس والقمر ، وتغور البحار ، إذا كانت القارعة هذه فوجه تسميتها واضح.

أو إنّه اسم للمرحلة التالية أي مرحلة احياء الموتى ، وظهور عالم جديد ، وتسميتها «القارعة» ـ في هذه الحالة ـ لما تبعثه من خوف وذعر في القلوب

الآيات التالية بعضها يتناسب مع حادثة انهدام العالم ، وبعضها مع إحياء الموتى ، ولكن الاحتمال الأوّل أنسب ، وإن ذكرت الحادثتان كلاهما في هذه الآيات متتابعتين. (مثل كثير من المواضع القرآنية الاخرى التي تخبر عن يوم القيامة)

وفي وصف ذلك اليوم العجيب يقول سبحانه :

( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ ) .

«الفراش» جمع فراشة ، وهي الحشرة المعروفة ذات الألوان الزاهية ، وقيل إنّها الجراد. ويبدو أنّ هذا المعنى مستلهم من قوله تعالى حيث يصف النّاس يوم القيامة( كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ ) (١) ، لكن المعنى اللغوي للكلمة هو الحشرة المعروفة.

والتشبيه بالفراش قد يكون لأن هذه الحشرات تلقي بنفسها بشكل جنوني في النّار ، وهذا ما يفعله أهل السيئات إذ يلقون بأنفسهم في جهنّم.

ويحتمل أن يكون التشبيه لما يصيب جميع النّاس في ذلك اليوم من حيرة.

وإن كان الفراش بمعنى الجراد فوجه التشبيه هو إنّ الجراد ـ خلافا لكل الحيوانات التي تطير بشكل جماعي ـ ليس لها مسير مشخص في حركتها ، وكل

__________________

(١) القمر ، الآية ٧.

٤٠٧

منها يطير في اتجاه.

ويطرح هنا السؤال أيضا بشأن مشاهد الحيرة والتشتت والفزع والاضطراب ، هل هي من أثر الحوادث المرعبة المرافقة لنهاية العالم ، أم حوادث بدء القيامة والحشر والنشر؟ جواب السؤال يتّضح ممّا ذكرناه أعلاه.

ثمّ تذكر الآية التالية وصفا آخر لذلك اليوم وتقول :

( وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) .

و «العهن» هو الصوف المصبوغ.

و «المنفوش» هو المنشور ويتمّ ذلك عادة بآلة الحلج الخاصّة.

سبق أن ذكرنا أنّ القرآن الكريم في مواضع متعددة يتحدث عن الجبال عند قيام القيامة بأنّها تتحرك أوّلا ، ثمّ تدكّ وتتلاشى وأخيرا تصبح بشكل غبار متطاير في السماء. وهذه الحالة الأخيرة تشبهها الآية بالصوف الملون المحلوج الصوف المتطاير في مهبّ الريح ، لم يبق منه إلّا ألوان وهذه آخر مراحل انهدام الجبال.

هذا التعبير (العهن المنفوش) قد يكون إشارة إلى الألوان المختلفة للجبال ، فإنّ لها ألوان شتّى.

هذه العبارة تدل على أنّ الآيات أعلاه ، تتحدث عن المرحلة الاولى للقيامة وهي مرحلة العالم ونهايته. ثمّ تتطرق الآيات التالية إلى الحشر والنشر وإحياء الموتى وتقسيمهم إلى مجموعتين :

( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ) أي إن ميزان عمله ثقيل.

( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ، فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ، وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١) نارٌ حامِيَةٌ ) .

__________________

(١) «ماهية» ، أصلها «ما هي» ، والهاء ألحقت بها للسكت.

٤٠٨

«موازين» جمع ميزان ، وهو وسيلة للوزن ، تستعمل في وزن الأجسام ، ثمّ استعملت في المعايير المعنوية.

وذهب بعضهم إلى أنّ أعمال الإنسان تتجسم في ذلك اليوم ، وتصبح قابلة للوزن ، وتوزن حقيقة بميزان الأعمال.

وقيل أيضا أنّ صحيفة أعمال الفرد هي التي توزن ، فإن كانت تحمل صالحا ثقلت ، وإلّا خفت أو انعدم وزنها.

وفي الواقع ، ليس من الضروري أن يكون الميزان هو الآلة المعروفة ذات الكفتين ، بل هو كلّ وسيلة لتقويم الوزن ، كما ورد في الحديث : «إنّ أمير المؤمنين والأئمّة من ذريّتهعليهم‌السلام هم الموازين»(١) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام حين سئل عن معنى الميزان قال : «الميزان العدل»(٢) .

وبهذا نفهم أنّ أولياء الله وقوانين العدل الإلهي هي موازين يعرض عليها النّاس وأعمالهم ويتمّ قياس الوزن على مقدار الشبه والمطابقة.

واضح أنّ المقصود بثقل الموازين وخفتها هو ثقل الأشياء التي توزن بها وخفة تلك الأشياء.

والتعبير بكلمة (موازين) بصيغة الجمع يعود إلى أن كل واحد من أولياء الله وكل قانون من القوانين الإلهية إنّما هو ميزان. أضف إلى ذلك أن تنوع مواصفات الكائن البشري وأعماله يحتاج إلى تنوع في الموازين.

الراغب في المفردات يقول :

وذكر في مواضع الميزان بلفظ الواحد اعتبارا بالمحاسب (بكسر السين) وفي

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٢٥١.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٥.

٤٠٩

مواضع الجمع اعتبارا بالمحاسبين(١) (بفتح السين).

بعض المفسّرين قال : إنّ الموازين جمع الموزون ، أي العمل الذي يوزن فثقل الموازين وخفتها إذن هو ثقل نفس الأعمال وخفتها. لا ثقل الميزان وخفته(٢) .

نتيجة الإثنين طبعا واحدة ، ولكن من طريقين مختلفين.

في هذا الموضوع شرح أكثر فصلناه في تفسير الآيتين ٨ و ٩ من سورة الأعراف ، والآية (١٠٥) من سورة الكهف ، والآية (١٠٢) من سورة المؤمنون.

وصف العيشة بأنّها «راضية» وصف رائع عن حياة ملؤها النعمة ورغد العيش لأهل الجنّة في القيامة. الرضا في تلك الحياة عميق إلى درجة قال إنّها «عيشة راضية» ، ولم يقل «مرضية». أي استعمل بدل اسم المفعول اسم الفاعل لمزيد من التأكيد(٣) .

هذه ميزة الحياة الآخرة بشكل خاص. لأنّ الحياة الدنيا ـ مهما كان فيها من رفاه ونعمة ورغد عيش ورضا ـ لا تخلو من المكدرات. الحياة الأخرى هي وحدها المليئة بالرضا والأمن والسلام وهدوء البال.

كلمة «أم» في قوله :( فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) تعني المأوى والملجأ ، لأنّ «الأم» هي مأوى ابنائها وملاذهم ، ويكون معنى الآية : إنّ هؤلاء المذنبين الذين خفت موازينهم لا ملاذ لهم سوى جهنم ، وويل لمن كان ملجؤه جهنم.

وقيل : «أم» تعني «الدماغ» ، لأنّ العرب تطلق على الدماغ اسم «أم الرأس» ويكون معنى الآية أنّ رؤوس هؤلاء هاوية في جهنم ، بعبارة اخرى إنّ هؤلاء يلقون على رؤوسهم في نار جهنم. ونستبعد هذا الاحتمال ، لعدم انسجامه مع الآية

__________________

(١) المفردات ، ص ٥٢٢.

(٢) هذا الاحتمال ذكره الزمخشري في الكشّاف ، والفخر الرازي في التّفسير الكبير ، وأبو الفتوح الرازي في تفسيره.

(٣) قيل أيضا أنّ «راضية» بمعنى (ذات رضا). أو قدروا محذوفا كأن تكون عيشة مرضية لأصحابها. والتّفسير المذكور أعلاه أنسب من غيره.

٤١٠

التالية :( وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ ) ؟.

«هاوية» من (هوى) ، أي سقط ، والهاوية اسم لجهنّم لأنّها محل سقوط المذنبين. وهي إشارة أيضا إلى عمق نار جهنم.

وإذا اعتبرنا (أم) بمعنى دماغ فتكون هاوية بمعنى ساقطة. والتّفسير الأوّل أصح وأنسب.

«حامية» من (حمى) ـ على وزن نفي ـ وهو شدّة الحرارة. و «حامية» هنا إشارة إلى قدرة نار جهنم على الإحراق.

وقوله سبحانه :( وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ ، نارٌ حامِيَةٌ ) تأكيد على شدّة عذاب نار جهنم وعلى أنّها فوق تصور كلّ البشر.

* * *

بحث

سبب ثقل ميزان الأعمال :

الأعمال الصالحات هي دون شك متفاوتة في قيمتها ووزنها. من هنا فالنصوص الإسلامية ركزت على بعض الأعمال أكثر من غيرها واعتبرتها سببا لثقل ميزان الأعمال يوم القيامة.

من ذلك حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في تفسير لا إله إلّا الله : «يعني بوحدانيته ، لا يقبل الله الأعمال إلّا بها ، وهي كلمة التقوى ، يثقل الله بها الموازين يوم القيامة»(١) .

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال حول الشهادتين : «خف ميزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه»(٢) .

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٦٥٩ الحديث ٨ و ١٢.

(٢) المصدر السابق ، الحديث ٧ ، ج ٥ ، ص ٦٥٩ ، ح ٧.

٤١١

وعن الإمام الباقر أو الصادقعليهما‌السلام : «ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد» ثمّ يقول في ذيل الرّواية : وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فيميل به فيخرج الصلاة فيضعها في ميزانه فيرجح.(١)

وعن الامام الباقرعليه‌السلام قال : «من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه»(٢) .

ونختتم هذه الرّوايات بقول لسلمان الفارسي تلميذ مدرسة الوحي جوابا لرجل استهدف اهانته وقال له : من أنت ، وما قيمتك! فقال : «أمّا أولى وأولك فنطفة قذرة ، وأمّا أخري وأخرك فجيفة منتنة ، فإذا كان يوم القيامة ، ونصبت الموازين ، فمن ثقلت موازينه فهو الكريم ، ومن خفت موازينه فهو اللئيم»(٣) .

اللهمّ! اجعل ميزان عملنا ثقيلا بحبّ محمّد وآل محمّد.

ربّنا! ما بوسعنا أن نصل إلى «عيشة راضية» إلّا بلطفك وكرمك فأعنّا بفضلك على هذا الطريق.

إلهنا! نار جهنّم حامية ولا طاقة لنا بها فأطفئ لظاها لنا بماء رحمتك وكرمك.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة القارعة

* * *

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٦٦٠ ، الحديث ١٣.

(٣) المصدر السابق ، الحديث ١٤.

٤١٢
٤١٣

سورة

التّكاثر

مكيّة

وعدد آياتها ثماني آيات

٤١٤

«سورة التّكاثر»

محتوى السّورة :

يعتقد كثير من المفسّرين أنّ هذه السّورة نزلت في مكّة ، وما فيها من ذكر للتفاخر والتكاثر إنّما يرتبط بقبائل قريش التي كانت تتباهى على بعضها بأمور وهميّة.

وبعضهم ـ كالمرحوم الطبرسي في مجمع البيان ـ يرى أنّها مدنية ، وما فيها من ذكر للتفاخر قد ورد بشأن اليهود أو طائفتين من الأنصار ، لكن مكيتها أصح لشبهها الكبير بالسور المكّية.

هذه السّورة تتناول في مجموعها تفاخر الأفراد على بعضهم استنادا إلى مسائل موهومة ، وتذم ذلك وتلوم عليه ، ثمّ تحذرهم من حساب المعاد وعذاب جهنم وممّا سيسألون يوم ذاك عن النعم التي منّ الله بها عليهم.

اسم السّورة مستل من الآية الأولى فيها.

فضيلة السّورة :

ورد في فضيلة هذه السّورة

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأها لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم عليه في دار الدنيا ، وأعطي من الأجر كأنّما قرأ ألف آية»(١) .

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٣٢.

٤١٥

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام قال : «قراءة هذه السّورة في الفريضة والنافلة يعادل ثواب شهادة شهيد»(١) .

واضح أنّ كلّ هذا الثواب إنّما هو لمن يقرأها ولمن يطبقها في برنامج حياته ويتفاعل معها روحيا ونفسيا.

* * *

__________________

(١) المصدر السابق ، بتلخيص.

٤١٦

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨) )

سبب النّزول

المفسّرون ـ كما أشرنا ـ يعتقدون أنّ السّورة نزلت في قبائل كانت تتفاخر على بعضها بكثرة الأموال والأنفس حتى أنّها كانت تذهب إلى المقابر وتعدّ موتاها لترفع احصائية أفراد القبيلة.

بعضهم قال : إنّ المقصود قبيلتان من قريش في مكّة ، وبعضهم قال إنّهما قبيلتان من قبائل الأنصار في المدينة ، وقيل : إنّه إشارة إلى تفاخر اليهود على غيرهم ، ويبدو أن الأوّل أصح لمكان مكّية هذه السّورة.

سبب النزول ـ مهما كان ـ فهو لا يحد قطعا معنى الآية.

٤١٧

التّفسير

بلاء التكاثر والتفاخر :

الآيات الاولى توجّه اللوم إلى المتكاثرين المتفاخرين وتقول :

( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ) في الأنفس والأموال.

حتى إنّكم ذهبتم إلى المقابر لتستكثروا أفراد قبيلتكم :( حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ) .

واحتمل بعض المفسّرين في تفسير الآية أنّ المعنى هو : إنّكم انشغلتم بالتكاثر والتفاخر حتى لحظة موتكم وورودكم إلى المقابر.

لكن المعنى الأوّل أكثر انسجاما مع عبارة( حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ) ومع سبب النزول ، وخطبة نهج البلاغة كما سنشير إلى ذلك.

«ألهاكم» من «اللهو» وهو الانشغال بالأعمال الصغيرة والانصراف عن المهام الكبيرة. والراغب يفسّر اللهو بالعمل الذي يشغل الإنسان ويصرفه عن مقاصده وأهدافه.

«التكاثر» يعني التفاخر والمباهاة

«زرتم» من الزيارة و «زور» (على وزن قول) في الأصل بمعنى أعلى الصدر ، ثمّ استعمل للقاء والمواجهة. و «زور» (على وزن قمر) بمعنى انحراف أعلى الصدر ، والكذب لانحرافه عن الحق سمّي (زورا) ـ على وزن نور ـ.

«المقابر» جمع مقبرة ، وهي مكان دفن الميت. وزيارة المقابر إمّا أن تكون كناية عن الموت. أو بمعنى الذهاب إلى المقابر وإحصاء الموتى بهدف التكاثر في الأنفس والتفاخر بالعدد (حسب التّفسير المشهور).

وذكرنا أن المعنى الثّاني أصح. وأحد شواهده

كلام لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، بعد أن تلا :( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ) قال :

«يا له أمر ما أبعده! وزورا ما أغفله! وخطرا ما أفظعه! لقد استخلوا منهم أي مدّكر وتناوشوهم من مكان بعيد. أفبمصارع آبائهم يفخرون؟! أو بعديد الهلكى

٤١٨

يتكاثرون؟! يرتجعون منهم أجسادا خوت ، وحركات سكنت ، ولأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا!!»(١) .

هذه الخطبة قسم من خطبة عظيمة يقول عنها ابن أبي الحديد المعتزلي :

«وأقسم بمن تقسم الأمم كلّها به ؛ لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرّة ، ما قرأتها قط إلّا وأحدثت عندي روعة وخوفا وعظة ، وأثرت في قلبي وجيبا ، وفي أعضائي رعدة ، ولا تأملتها إلّا وذكرت الموتى من أهلي وأقاربي ، وأرباب ودي ، وخيلت في نفسي أنّي أنّا ذلك الشخص الذي وصفعليه‌السلام حاله.

وكم قد قال الواعظون والخطباء والفصحاء في هذا المعنى! وكم وقفت على ما قالوه وتكرر وقوفي عليه! فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي ؛ فإمّا أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله ، أو كانت نية القائل صالحة ، ويقينه كان ثابتا ، وإخلاصه كان محضا خالصا ، فكان تأثير قوله في النفوس أعظم وسريان موعظته في القلوب أبلغ»(٢) .

ويقول في مكان آخر : «ينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس وتلي عليهم أن يسجدوا» ثمّ يشير إلى قول معاوية حول فصاحة الإمام عليعليه‌السلام : «والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره».

الآيات التالية فيها تهديد شديد لهؤلاء المتكاثرين ، تقول :( كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) فليس الأمر كما ترون ، وبه تتفاخرون. بل سوف تعلمون عاجلا نتيجة هذا التكاثر الموهوم.

لمزيد من التأكيد يقول سبحانه :( ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .

جمع من المفسّرين ذهبوا إلى أنّ الآيتين تكرار لموضوع واحد وتأكيد عليه.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة ، ج ١١ ، ص ١٥٣.

٤١٩

وكلتاهما تشيران إلى العذاب الذي ينتظر هؤلاء المتكاثرين المتفاخرين.

وبعضهم قال : إنّ الأولى إشارة إلى عذاب القبر والبرزخ والثّانية إلى عذاب القيامة.

وروي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام قال : «ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر ، إلى قوله : كلا سوف تعلمون ، يريد في القبر ، ثمّ كلا سوف تعلمون ، بعد البعث»(١) .

في التّفسير الكبير للفخر الرازي عن زر بن حبيش أحد أصحاب الإمام عليعليه‌السلام قال : كنّا في شك في عذاب القبر حتى سألنا عليّا فأخبرنا أن هذه الآية دليل على عذاب القبر.

( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ) . كلا ليس الأمر كما تظنون أيّها المتفاخرون المتكاثرون. فلو إنّكم تعلمون الآخرة علم اليقين ، لما اتجهتم إلى التفاخر والمباهاة بهذه المسائل الباطلة.

ولمزيد من التأكيد والإنذار تقول لهم الآيات التالية :

( لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ، ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ )

في ذلك اليوم عليكم أن توضحوا كيف أنفقتم تلك النعم الإلهية. وهل استخدمتموها في طاعة الله أم في معصيته ، أم أنّكم ضيعتم النعمة ولم تؤدّوا حقّها؟

* * *

بحوث

١ ـ منبع التفاخر والتكاثر

من آيات السّورة يتبيّن أنّ أحد العوامل الأساسية للتفاخر والتكاثر والمباهات هو الجهل بجزاء الآخرة وعدم الإيمان بالمعاد.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٣٤.

٤٢٠