تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 175150
تحميل: 4791


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175150 / تحميل: 4791
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

البيت حاجّا أو معتمرا مبرّا من الكبر، رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه.» ثمّ قرأ:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) .

قلت: ما الكبر؟

قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحقّ.

قلت: ما غمص الخلق وسفه الحقّ؟

قال: يجهل الحقّ ويطعن على أهله. فمن فعل ذلك نازع الله رداءه.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) قال: يرجع لا ذنب له.

وفي كتاب معاني الأخبار(٢) : حدّثنا أبى ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن عامر، عن أبي عبد الله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن عليّ [الحلبيّ](٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) قال: يرجع ولا ذنب له.

والحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجّا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته إلّا كتب الله له بها حسنة ومحى عنه سيّئة ورفع له بها درجة. فإذا وقف بعرفات، فلو كانت ذنوبه عدد الثّرى، رجع كما ولدته أمّه.

فقال له: استأنف العمل. يقول الله:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) .

عن أبي حمزة الثّماليّ(٥) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله:( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) . (الآية) قال: أنتم، والله! هم. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ

__________________

(١) نفس المصدر ٤ / ٣٣٧، ضمن ح ١.

(٢) معاني الأخبار / ٢٩٤، ح ١.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٠٠، ح ٢٨٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٨٥.

٣٠١

قال: لا يثبت على ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ إلّا المتّقون.

عن حمّاد، عنه، في قوله:( لِمَنِ اتَّقى ) الصّيد. فإن ابتلى بشيء من الصّيد، ففداه، فليس له أن ينفر في يومين.

( وَاتَّقُوا اللهَ ) في مجامع أموركم ليعبأ بكم.

( وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (٢٠٣) للجزاء بعد الإحياء.

وأصل الحشر، الجمع. وهو ضمّ المتفرّق.

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ) : يروقك ويعظم في نفسك.

و «التعجب» حيرة تعرض الإنسان لجهله بسبب المتعجّب منه.

( فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) :

متعلّق بالقول، أي: ما يقول في أمور الدّنيا وأسباب المعاش وفي معنى الدّنيا. فإنّها مرادة من ادّعاء المحبّة وإظهار الإيمان، أو يعجبك، أي: يعجبك قوله في الدّنيا حلاوة وفصاحة. ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدّهشة والحبسة، أو لأنّه لا يؤذن له في الكلام.

( وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ ) : يحلف. ويشهد الله على أنّ ما في قلبه موافق لكلامه.

( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) (٢٠٤): شديد العداوة والجدال للمسلمين.

و «الخصام»، المخاصمة. ويجوز أن يكون جمع خصم، كصعب وصعاب، بمعنى أشدّ الخصوم خصومة.

[قيل(١) : نزلت في الأخنس بن شريف الثّقفيّ. وكان حسن المنظر، حلو المنطق.

يوالي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. ويدّعي الإسلام.

وقيل(٢) : في المنافقين كلّهم.

( وَإِذا تَوَلَّى ) : أدبر وانصرف عنك.

وقيل(٣) : إذا غلب وصار واليا.

( سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) كما فعل الأخنس بثقيف ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٠٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١١.

٣٠٢

إذ بيّتهم وأحرق ذروعهم وأهلك مواشيهم، أو كما يفعله ولاة السّوء بالقتل والإتلاف، أو بالظّلم حتّى يمنع. بشؤمتهم القطر، فيهلك الحرث والنّسل.

( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) (٢٠٥): لا يرتضيه. فاحذروا غضبه عليه.

«النسل»، الذّرّيّة. و «الحرث»، الزرع.

عن سعد الإسكاف(١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله يقول في كتابه:( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) بل هم يختصمون.

قال: قلت: وما ألدّ؟

قال: [شديد](٢) الخصومة.

عن زرارة(٣) ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قال: سألتهما عن قوله( وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ ) (إلى آخر الآية).

فقال: «النّسل»، الولد و «الحرث»، الأرض.

وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: «الحرث»، الذّرّية.

وفي روضة الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن محمّد بن سليمان الأزديّ، عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: و( إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) بظلمه وسوء سيرته.( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) .

وفي مجمع البيان(٥) : روى عن الصّادق ـ عليه السّلام: أنّ «الحرث» في هذا الموضع، الدّين و «النّسل»، النّاس.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : قال: «الحرث» في هذا الموضع الدّين و «النّسل»، النّاس. ونزلت في معاوية.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٠١، ح ٢٨٨.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٨٩.

(٤) الكافي ٨ / ٢٨٩، ح ٤٣٥.

(٥) مجمع البيان ١ / ٣٠٠.

(٦) تفسير القمي ١ / ٧١.

٣٠٣

( وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ) : حملته الأنفة على الإثم. وألزمته إيّاه، من قولك: أخذته بكذا، حملته عليه.

( فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ) كفته جزاء وعذابا.

و «جهنم» علم لدار العقاب، غير متصرّف للتّأنيث والعلميّة. وهو في الأصل مرادف للنّار. وقيل(١) : معرب.

( وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) (٢٠٦) :

جواب قسم مقدّر. والمخصوص بالذّمّ، محذوف للعلم به.

و «المهاد»، الفراش. وقيل(٢) : ما يوطأ للجنب.

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) : طلبا لرضاه.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٣) :](٤) روى الثّعلبيّ في تفسيره، قال: لـمّا أراد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ الهجرة، خلّف عليّا ـ عليه السّلام ـ لقضاء ديونه وردّ الودائع الّتي كانت عنده. وأمره ليلة خروجه إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدّار، أن ينام على فراشه.

وقال له: يا عليّ! اتّشح ببردي الحضرميّ. ثمّ نم على فراشي. فإنّه لا يخلص(٥) إليك منهم مكروه ـ إن شاء الله.

ففعل ما أمره به. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى جبرئيل وميكائيل: انّي قد آخيت بينكما. وجعلت(٦) عمر أحدكما أطول من الآخر. فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟

فاختار كلّ منهما الحياة. فأوصى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب. آخيت بينه وبين محمّد. فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة. اهبطا إلى الأرض. فاحفظاه من عدوّه.

فنزلا. فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه. وجبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا عليّ بن أبي طالب. يباهى الله بك ملائكته.

فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو متوجّه إلى المدينة، في شأن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي ) . (الآية).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١١١.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣١.

(٤) ليس في أ.

(٥) المصدر: يلحق.

(٦) المصدر: جعل.

٣٠٤

وروى أخطب خوارزم حديثا يرفعه بإسناده إلى النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: نزل عليّ(١) جبرئيل ـ عليه السّلام ـ صبيحة يوم الغار.

فقلت: حبيبي جبرئيل! أراك فرحا؟

فقال: يا محمّد! وكيف لا أكون كذلك. وقد قرّت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيّك وإمام أمّتك عليّ بن أبي طالب.

فقلت: وبماذا أكرمه الله؟

قال: باهى بعباده(٢) البارحة ملائكته وقال: ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي بعد نبيّي. وقد بذل نفسه. وعفّر خدّه في التّراب، تواضعا لعظمتي أشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى برّيتى.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ رحمه الله ـ(٣) بإسناده إلى حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) ، قال: نزلت في عليّ ـ عليه السّلام ـ حين بات على فراش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وبإسناده(٤) إلى سعيد بن أوس، قال: كان أبو عمرو بن العلا إذا قرأ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) قال: كرّم الله عليّا ـ عليه السّلام ـ فيه، نزلت هذه الآية.

وبإسناده(٥) إلى أنس بن مالك، قال: لـمّا توجّه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الغار ومعه أبو بكر، أمر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام ـ أن ينام على فراشه ويتغشّى ببرده(٦) . فبات عليّ ـ عليه السّلام ـ موطّنا نفسه على القتل. وجاءت رجال قريش من بطونها، يريدون قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل(٧) .

__________________

(١) المصدر: إليّ.

(٢) المصدر: بعبادته. (ظ)

(٣) أمالى الشيخ ٢ / ٦١، ح ٢.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

(٦) المصدر: ويتوشّح ببردته.

(٧) المصدر: ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه.

٣٠٥

فلمّا أيقظوه فرأوه(١) عليّا، تركوه. فتفرّقوا في طلب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فأنزل الله ـ عزّ وجلّ:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : قوله( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) ، قال: ذاك أمير المؤمنين ـ عليه السّلام. ومعنى( يَشْرِي نَفْسَهُ ) ، يبذلها.

وفي مجمع البيان(٣) : روى السّديّ، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ حين هرب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ من المشركين إلى الغار ونام [عليّ](٤) (ع) على فراش النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله. ونزلت الآية بين مكّة والمدينة.

وروى(٥) أنّه لـمّا نام على فراشه، قام (جبرئيل) عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا عليّ بن ابى طالب(٦) . يباهي الله تعالى الملائكة بك.

وما روى عن عليّ ـ عليه السّلام ـ من أنّ المراد(٧) بالآية الرّجل [الّذي](٨) يقتل على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فلا ينافي ما سبق من الأخبار. لأنّ ما ذكر في الأخبار، سبب نزوله أوّلا، ثمّ جرى فيمن يشاركه في بعض أوصافه ممّن ذكر في هذا الخبر.

وقد روى في كتاب الخصال(٩) ، عن الحسن بن عليّ الدّيلميّ مولى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: من حجّ بثلاثة نفر من المؤمنين فقد اشترى نفسه من الله ـ عزّ وجلّ ـ بالثّمن. ولم يسأله من اين كسب ماله؟ من حلال أو حرام؟

( وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (٢٠٧) حيث أرشدهم إلى مثل هذا الشّراء ويجازيهم عليه الجزاء.

__________________

(١) المصدر: ورأه.

(٢) تفسير القمي ١ / ٧١.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣٠١.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) المصدر: يا ابن أبي طالب.

(٧) المصدر: عن عليّ ـ عليه السّلام ـ وابن عباس أنّ المراد.

(٨) يوجد في المصدر.

(٩) الخصال ١ / ١١٨، ح ١٠٣.

٣٠٦

وورد في تفسير الامام أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ ـ صلوات الله عليهما(١) ـ قال ـ عليه السّلام: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: معاشر عباد الله! عليكم بخدمة من أكرمه الله بالارتضاء واجتباه بالاصطفاء وجعله أفضل أهل الأرض والسّماء، بعد محمّد سيّد الأنبياء، علىّ بن أبي طالب وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وقضاء حقوق إخوانكم الّذين هم في موالاته ومعاداة أعدائه شركاؤكم. فإنّ رعاية عليّ أحسن من رعاية هؤلاء التّجّار الخارجين بصاحبكم الّذي ذكرتموه إلى الصّين الّذي عرضوه للغناء وأعانوه بالشّراء. أما إنّ من الشّيعة عليّ لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفّة الميزان، سيّئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرّواسي والبحار السّيّارة، يقول الخلائق: «قد هلك هذا العبد»، فلا يشكّون في أنّه من الهالكين وفي عذاب الله تعالى من الخالدين.

فيأتيه النّداء من قبل الله تعالى ـ عزّ وجلّ: أيّها العبد الجاني هذه الذّنوب الموبقات! فهل لك بإزائها حسنات تكافئها فتدخل جنّة الله برحمة الله أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله؟

فيقول العبد: لا أدري.

فيقول منادي: ربّنا عزّ وجلّ. فإنّ ربّي يقول: نار في عرصات القيمة، ألا وإنّي فلان بن فلان من أهل بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا قد رهنت بسيّئاتي كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بإزائها. فأيّ أهل المحشر كان لي عنده يد او عارفة فليغثني بمجازاتي عنها فهذا أوان شدّة حاجتي إليها؟

فينادي الرّجل بذلك.

فأوّل من يجيبه عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام: لبيك! لبيك! أيّها الممتحن في محبّتي المظلوم بعد، أوتي! ثمّ يأتي هو ومعه عدد كثير وجمّ غفير وإن كانوا أقل عدد من خصمائه الّذين لهم قبله الظّلامات. فيقول العدد: يا أمير المؤمنين! نحن إخوانه المؤمنون. وقد كان بنا بارّا ولنا مكرما وفي معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا وقد بذلنا(٢) له عن جميع طاعتنا.

وبذلناها له.

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣١، نقلا عن تفسير العسكري.

(٢) أ: نزلنا.

٣٠٧

فيقول عليّ ـ عليه السّلام: فبما ذا تدخلون جنّة ربّكم؟

فيقولون: برحمة الله الواسعة الّتي لا يعدمها من والاك ووالى وليّك، يا أخا رسول الله! فيأتي النّداء من قبل الله تعالى: يا أخا رسول الله! هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له. فأنت ما ذا تبذل له. فإنّي أنا الحكم أمّا ما بيني وبينه من الذنوب، فقد غفرتها له بموالاته إيّاك. وما بينه وبين عبادي من الظّلامات، فلا بدّ من فصل الحكم بينه وبينهم.

فيقول عليّ ـ عليه السّلام: يا ربّ! افعل ما تأمرني.

فيقول الله تعالى: يا عليّ! اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله.

فيضمن لهم عليّ ـ عليه السّلام ـ ذلك. ويقول لهم اقترحوا عليّ. ما شئتم أعطيكم عوضا عن ظلاماتكم.

فيقولون: يا أخا رسول الله! تجعل لنا بإزاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

فيقول عليّ ـ عليه السّلام: قد وهبت ذلك لكم.

فيقول الله ـ عزّ وجلّ: فانظروا عبادي الآن إلى ما نلتموه من عليّ فداء لصاحبه من ظلاماتكم ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها.

فيكون ذلك ما يرضي الله ـ عزّ وجلّ ـ به خصماءه المؤمنين. ثمّ يريهم بعد ذلك من الدّرجات والمنازل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

فيقولون: يا ربّنا! هل بقي من جنتك شيء إذا كان هذا كلّه لنا؟ فأين يحل سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين؟

ويخيّل إليهم عند ذلك أنّ الجنّة بأسرها قد جعلت لهم.

فيأتي النّداء من قبل الله تعالى: يا عبادي! هذا ثواب نفس من أنفاس علىّ الّذي اقترحتموه عليه جعلته لكم. فخذوه وانظروا.

فيصيّرونهم(١) وهذا المؤمن الّذي عوض عليّ ـ عليه السّلام ـ عنه، إلى تلك الجنان ثمّ يرون ما يضيفه الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى ممالك عليّ ـ عليه السّلام ـ في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه وليّ الموالي ممّا شاء الله ـ عزّ وجلّ ـ من الأضعاف الّتي لا يعرفها غيره.

__________________

(١) أ: فيبصرونهم.

٣٠٨

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله:( أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) (١) المعدّة لمخالفي أخي ووصيّي عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) :

«السلم» (بالكسر والفتح): الاستسلام والطاعة. ولذلك يطلق في الصّلح والإسلام.

فتحه ابن كثير ونافع والكسائيّ. والباقون كسروه(٢) .

«كافّة» اسم للجملة. لأنّها تكفّ الأجزاء عن التفرّق. حال من الضّمير، أو السّلم. لأنّها تؤنّث كالحرب.

والمراد بها ولاية أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ كما سيجيء. والخطاب للمؤمنين بالله والرّسول.

( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) بالتّفرّق والتّفريق.

( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (٢٠٨): ظاهر العداوة.

في أصول الكافي(٣) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسين بن عليّ الوشّاء، عن مثنّى الخياط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) قال: في ولايتنا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ، قال: في ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام.

وفي أمالي شيخ الطّائفة، بإسناده إلى محمّد بن إبراهيم، قال: سمعت الصّادق، جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ يقول في قوله تعالى:( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ، قال: في ولاية عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام.( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) [قال لا تتّبعوا غيره.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) . عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) الصافات / ٦٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١١١.

(٣) الكافي ١ / ٤١٧، ح ٢٩.

(٤) تفسير القمي ١ / ٧١.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ١٠٢، ح ٢٩٤.

٣٠٩

يقول:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ]) (١) ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: أتدري ما السّلم؟

قال: قلت: لا أعلم(٢) .

قال: ولاية عليّ والأئمّة الأوصياء من بعده.

عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم(٣) ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قالوا: سألناهما عن قول الله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) .

قالا: أمروا بمعرفتنا.

عن جابر(٤) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) قال: «السّلم»، هم آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. أمر الله بالدّخول فيه(٥) .

عن أبي بكر الكلبيّ، عن أبي جعفر، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ في قوله:( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ، هو ولايتنا.

عن سعدة بن صدقة(٦) ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: وقد ذكر عترة خاتم النّبيّين والمرسلين وهم باب السّلم فادخلوا في السلم ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وروى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه ـ ره ـ في أماليه(٧) ، عن محمّد بن القطّان، بإسناده عن عليّ بن بلال، عن الإمام عليّ بن موسى، عن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ، عن عليّ بن أبي طالب، عن النّبيّ ـ عليهم السّلام ـ عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللّوح عن القلم قال: يقول الله ـ تبارك وتعالى: ولاية عليّ بن أبي طالب حصني. ومن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) المصدر: أنت أعلم.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٩٥.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٩٦.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢٩٧.

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٠٠.

(٧) أمالي الصدوق / ١٩٥، المجلس ٤١، ح ٩.

٣١٠

دخل حصني أمن من ناري.

[وفي شرح الآيات الباهرة(١) : ذكر الحسن بن الحسن الدّيلميّ(٢) ـ رحمه الله ـ بإسناده عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) قال: «السّلم»، ولاية أمير المؤمنين وولاية أولاده ـ صلوات الله عليهم أجمعين].(٣)

( فَإِنْ زَلَلْتُمْ ) عن الدّخول في السّلم،( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ ) : الآيات والحجج على أنّه الحقّ،( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ ) لا يعجزه الانتقام،( حَكِيمٌ ) (٢٠٩) لا ينتقم إلا على الحقّ.

( هَلْ يَنْظُرُونَ ) : استفهام في معنى النّفي. ولذلك جاء بعده.

( إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ ) ، أي: يأتيهم أمره، أو بأسه، أو يأتيهم الله بأمره، أو بأسه.

فحذف المأتيّ به للقرينة.

( فِي ظُلَلٍ ) : جمع ظلّة، كقلّة وقلل. وهي ما أظلّك. وقرئ ظلال، كقلال.

( مِنَ الْغَمامِ ) : السّحاب الأبيض.

وإنّما يأتيهم العذاب فيه، لأنّه مظنّة الرّحمة. فإذا جاء منه العذاب، كان أفظع.

لأنّ الشّرّ إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب. فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير.

( وَالْمَلائِكَةُ ) فإنّهم الواسطة في إتيان أمره والآتون على الحقيقة ببأسه.

وقرئ بالجرّ عطفا على ظلل، أو الغمام.

وفي عيون الأخبار(٤) : محمّد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي(٥) ، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمدانيّ، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى أن قال: وسألته عن قول الله تعالى:( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ ) .

__________________

(١) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٢٨.

(٢) المصدر: الحسن بن أبي الحسن الديلمي.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) عيون أخبار الرضا ١ / ١٢٥ ـ ١٢٦، مقطع من ح ١٩.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: المعادى.

٣١١

قال: يقول: هل ينظرون إلى أن يأتيهم [الله](١) بالملئكة في ظلل من الغمام.

وهكذا نزلت.

وأمّا ما روى [في تفسير العيّاشيّ(٢) ](٣) عن جابر قال: قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى:( فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) قال: «ينزل في سبع قباب(٤) من نور لا يعلم في ايّها هو حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل»، فيمكن أن يكون المراد منه بيان كيفيّة نزول أمره حينئذ. ويكون فاعل «نزل» الملك الموكّل بالأمر.

( وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) : اتمّ أمر إهلاكهم وفرغ منه.

وضع الماضي موضع المستقبل، لدنوّه وتيقّن وقوعه.

وقرئ «وقضاء الأمر» عطفا على الملائكة

[وفي تفسير العيّاشي(٥) :](٦) عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل وفي آخره: وأمّا قضاء الأمر فهو الوسم على الخرطوم، يوم يوسم الكافر.

( وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) (٢١٠) :

قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمر وعاصم بالبناء للمفعول. وعلى أنّه من الرّجع. وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتّأنيث، غير يعقوب، على أنّه من الرّجوع. وقرئ، أيضا.

بالتّذكير وبناء المفعول.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمرو بن شيبة، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول ابتداء منه: إنّ الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بدّ منه، أمر مناديا ينادي. فاجتمع الجنّ والإنس في أسرع من طرفة عين. ثمّ أذن لسماء الدّنيا. فتنزل. وكان من وراء النّاس. وأذن للسّماء الثّانية. فتنزل. وهي ضعف الّتي تليها.

فإذا رآها أهل سماء الدّنيا قالوا: جاء ربّنا.

قالوا: لا. وهوآت، يعني: أمره. حتّى تنزل. كلّ سماء يكون كلّ واحدة منها من

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٠٣، ح ٣٠١.

(٣) ليس في أ.

(٤) أ: قبّات.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٠٣.

(٦) ليس في أ.

(٧) تفسير القمي ٢ / ٧٧.

٣١٢

وراء الأخرى. وهي ضعف الّتي يليها. ثمّ ينزل أمر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربّكم ترجع الأمور.

ثمّ يأمر الله مناديا ينادي: يا معشر الجنّ والإنس!( إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) (١) .

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

( سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ ) :

أمر للرّسول، أو لكلّ أحد. والمراد بهذا السّؤال تقريعهم.

( كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) : معجزة ظاهرة، أو آية في الكتب شاهدة على الحقّ والصّواب على أيدي الأنبياء.

و «كم» خبريّة أو استفهاميّة مقرّرة. ومحلها النّصب على المفعوليّة، أو الرّفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر وآية مميّزها.

و «من» للفصل.

( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ ) ، أي: آياته. فإنّها سبب الهدى الّذي هو أجلّ النّعم بجعلها سبب الضّلالة وازدياد الرّجس، أو بالتّحريف والتّأويل الزّائغ.

ومن جملة نعم الله العظمى، ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ والأئمّة الأوصياء من بعده.

( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ ) : من بعد ما وصلت إليه وتمكّن من معرفتها.

( فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (٢١١): فيعاقبه أشدّ عقوبة. لأنّه ارتكب أشدّ جريمة.

وفي روضة الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) بولاية الشّياطين( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) . ويقرأ ايضا،:( سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) فمنهم من آمن ومنهم من جحد ومنهم من أقرّ ومنهم من بدّل.( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) .

( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ) : حسنت في أعينهم وأشربت(٣) محبّتها في قلوبهم

__________________

(١) الرحمن / ٣٣.

(٢) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٤٠.

(٣) ر: شربت.

٣١٣

حتّى تهالكوا عليها وأعرضوا عن غيرها.

وفي وصفهم بالكفر، إشعار بأنّ لذلك الوصف دخلا في التّزيين. وهو كذلك لأنّهم بسبب دين الكفر وقساوته صارت طبائعهم أميل إلى ما تشتهيه القوّة الحيوانيّة وغفلوا عن المثوبات الأخرويّة.

[وفي مجمع البيان(١) :( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ) ، فإنّ الإنسان إنّما يكلّف بأن يدعى إلى شيء تنفر نفسه عنه، أو يزجر عن تتوق شيء نفسه إليه. وهذا معنى

قول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: حفّت الجنّة بالمكاره. وحفّت النّار بالشّهوات].(٢)

( وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) : يريد فقراء المؤمنين، كبلال وعمّار وصهيب، أي: يسترذلونهم، أو يستهزؤن بهم على رفضهم الدّنيا وإقبالهم على العقبى.

و «من» للابتداء. كأنّهم جعلوا السّخرية مبتدئة منهم.

( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) . لأنّهم في أعلى علّييّن وهم في أسفل السّافلين. أو لأنّهم في كرامة وهم في مذلّة. أو لأنّهم يتطاولون عليهم فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدّنيا. وإنّما قال:( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا ) ، بعد قوله:( الَّذِينَ آمَنُوا ) ليدلّ على أنّهم متّقون. وأنّ استعلاءهم للتّقوى.

( وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ) في الدّارين،( بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٢١٢): بغير تقدير. فيوسع في الدّنيا استدراجا، تارة، وابتلاء أخرى.

( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) : كلّهم ضلّالا، قبل نوح.

( فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) :

عن كعب(٣) : الّذي علمته من عدد الأنبياء، مائة وأربعة وعشرون ألفا. والمرسل منهم، ثلاثمائة وثلاثة عشر. والمذكور في القرآن باسم العلم، ثمانية وعشرون.

( وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ ) : يريد به الجنس. ولا يريد به أنّه أنزل مع كلّ واحد كتابا يخصّه. فإنّ أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصّهم. وإنّما يأخذون بكتاب من قبلهم.

( بِالْحَقِ ) : حال من الكتاب، أي: متلبّسا بالحقّ، شاهرا به.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٠٥.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١٣.

٣١٤

( لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ) ، أي: الله، أو النّبيّ المبعوث، أو الكتاب.

( فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) ، أي: فيما التبس عليهم. وتخلّفوا فيه عن الحقّ.

( وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ ) ، أي: ما اختلف في الكتاب أو الحقّ بعد إتيانه إلّا الّذين أوتوه. وصار مبدأ الخلاف ناشئا عنهم وتبعهم فيه من بعدهم، أي: عكسوا الامر فجعلوا ما أنزل، مزيحا للالتباس، سببا لاستحكامه.

( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) : حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدّنيا.

( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) ، أي: للحقّ الّذي اختلف فيه من اختلف.

( مِنَ الْحَقِ ) : بيان لما اختلفوا فيه.

( بِإِذْنِهِ ) : بأمره ولطفه.

( وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٢١٣): لا يضلّ سالكه.

وفي روضة الكافي(١) : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد الكنديّ، عن أحمد بن عديس(٢) ، عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) فقال: كان(٣) قبل نوح أمّة ضلال فبدا لله(٤) فبعث المرّسلين. وليس كما يقولون. ولم يزل. وكذبوا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) قال: كان هذا قبل نوح أمّة واحدة. فبدا لله. فأرسل الرّسل قبل نوح. قلت: أعلى هدى كانوا أم على ضلالة؟

قال: بل كانوا(٦) ضلالا(٧) لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين.

وعن مسعدة(٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله(٩) :

__________________

(١) الكافي ٨ / ٨٢، ح ٤٠، وله تتمة. وفي ر: روضة الكافي: علي بن إبراهيم.

(٢) المصدر: أحمد بن عيسى عن أبان.

(٣) المصدر: كان الناس.

(٤) النسخ: عند الله. وما في المتن موافق المصدر.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٠٤، ح ٣٠٦.

(٦) ليس في ر.

(٧) المصدر: ضلالا كانوا.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣٠٩.

(٩) «في قول الله» ليس في ر.

٣١٥

( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) فقال: كان ذلك قبل نوح.

قيل: فعلى هدى كانوا؟

قال: لا. كانوا ضلّالا(١) . وذلك أنّه لـمّا انقرض آدم وصالح(٢) ذرّيّته بقي شيث وصيّه لا يقدر على إظهار دين الله الّذي كان عليه آدم وصالح ذرّيّته وذلك أنّ قابيل توعّده(٣) بالقتل كما قتل أخاه هابيل. فسار فيهم بالتّقيّة والكتمان. فازداد وأكل يوم ضلالا حتّى لم يبق على الأرض معهم إلّا من هو سلف. ولحق الوصيّ بجزيرة في البحر يعبد الله. فبدا لله ـ تبارك وتعالى ـ أن يبعث الرّسل. ولو سئل هؤلاء الجهّال لقالوا: «قد فرغ من الأمر.» وكذبوا. إنّما(٤) هو شيء يحكم به الله في كلّ عام ـ ثمّ قرأ(٥) :( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) .

ـ فيحكم الله ـ تبارك وتعالى ـ ما يكون في تلك السّنة، من شدّة، أو رخاء، أو مطر، أو غير ذلك.

قلت: أفضلالا(٦) كانوا قبل النّبيّين، أم على هدى؟

قال: لم يكونوا على هدى. كانوا على فطرة الله الّتي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله(٧) . ولم يكونوا ليهتدوا حتّى يهديهم الله. أما تسمع يقول إبراهيم(٨) :( لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) ، أي: ناسيا(٩) للميثاق.

وأمّا ما رواه في مجمع البيان(١٠) ، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: «كانوا قبل نوح أمّة واحدة على فطرة الله، لا مهتدين ولا ضالّين(١١) . فبعث الله النّبيّين»

فالمراد من الضّالّ، الكافر. والمراد به في الأخبار السّابقة الّذي على الفطرة لم يهتد إلى الحقّ بالبرهان، فلا منافاة.

__________________

(١) ر: اضلالا.

(٢) المصدر: صلح.

(٣) المصدر: تواعده.

(٤) المصدر: هي.

(٥) الدخان / ٤.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: أفضلّال.

(٧) إشاره الى آية.

(٨) الأنعام / ٧٧.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: ثابتا.

(١٠) مجمع البيان ١ / ٣٠٧.

(١١) المصدر: لا ضلّالا.

٣١٦

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قوله:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) قال: قبل نوح ـ عليه السّلام ـ على مذهب واحد. فاختلفوا. فبعث الله النّبيّين مبشّرين ومنذرين. وأنزل معهم الكتاب بالحقّ، ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه].(٢) ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ) : خاطب به النّبيّ والمؤمنين، بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجيء الآيات، تشجيعا لهم على الثّبات، مع مخالفيهم.

و «أم منقطعة». ومعناها الإنكار.

( وَلَمَّا يَأْتِكُمْ ) : ولم يأتكم.

قيل(٣) : وأصل «لمّا»، لم. زيدت عليها «ما.» وفيها توقّع. ولذلك جعل مقابل «قد.»( مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، أي: حالهم الّتي هي مثل في الشّدّة.

( مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ ) : بيان له على الاستئناف.

( وَزُلْزِلُوا ) ، أي: أزعجوا إزعاجا شديدا بما أصابهم من الشّدائد.

( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) لتناهى الشّدّة واستطالة المدّة، بحيث تقطّعت حبال الصّبر.

وقرأ نافع يقول (بالرّفع) على أنّها حكاية حال ماضية، كقولك: مرض فلان حتّى لا يرجونه.

( مَتى نَصْرُ اللهِ ) : استبطاء له لتأخّره.

( أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) (٢١٤): استئناف على إرادة القول، أي: فقيل لهم ذلك إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النّصر.

في الخرائج والجرائح،(٤) عن زين العابدين، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال: فما تمدّون أعينكم. ألستم آمنين؟ لقد كان من قبلكم ممّن هو على ما أنتم عليه. يؤخذ. فتقطع يده ورجله. ويصلب. ثمّ تلا(٥) :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ) .

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٧١.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١١٣.

(٤) تفسير نور الثقلين ١ / ٢٠٩، ح ٧٨٦، نقلا عن الخرائج والجرائح.

(٥) البقرة / ٢١٤.

٣١٧

(الآية).

وفي روضة الكافي: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بكر بن محمّد قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقرأ: وزلزلوا ثمّ زلزلوا حتّى يقول الرّسول.

( يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ) :

عن ابن عبّاس(١) : أنّ عمرو بن الجموح الأنصاريّ كان همّا ذا مال عظيم. فقال: يا رسول الله! ما ذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت:( قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) : سئل عن المنفق، فأجيب ببيان المصرف. لأنّه أهم. فإنّ اعتداد النّفقة باعتباره.

ولأنّه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكورا في الآية. ذكر بعض المصارف. ثمّ عمّم بقوله:( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) : «ما»، شرطيّة.

( فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (٢١٥)، جوابه، أي: إن تفعلوا خيرا فإنّ الله يعلمه ويجازي عليه.

( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) : مكروه طبعا.

وهو مصدر نعت به للمبالغة، أو فعل بمعنى المفعول كالخبر.

وقرئ بالفتح، على أنّه لغة فيه كالضّعف، أو بمعنى الإكراه، على المجاز.

( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) : حفّت الجنّة بالمكاره.

( وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) : حفّت النّار بالشّهوات.

( وَاللهُ يَعْلَمُ ) ما هو خير لكم.

( وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢١٦) ذلك، أو لستم من أهل العلم.

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ ) :

قال البيضاوىّ(٢) : روى أنّه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بعث عبد الله بن جحش ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٠٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١١٤.

٣١٨

ابن عمّته، على سريّة، في جمادي الآخرة، قبل بدر، بشهرين، يترصّد عيرا لقريش، فيهم عمرو بن عبد الله الحضرميّ وثلاثة معه. فقتلوه. وأسروا اثنين واستاقوا العير. وفيها تجار الطّايف. وكان ذلك غرّة رجب وهم يظنّونه من جمادي الآخرة.

فقالت قريش: استحلّ محمّد الشّهر الحرام، شهرا يأمن فيه الخائف(١) .

وشقّ ذلك على أصحاب السّريّة. وقالوا: ما نبرح حتّى تنزل توبتنا.

وردّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العير والأسارى.

وعن ابن عبّاس: لـمّا نزلت، أخذ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الغنيمة.

وهي أوّل غنيمة في الإسلام. والسّائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعا وتعييرا.

وقيل: أصحاب السّريّة.

( قِتالٍ فِيهِ ) :

بدل اشتمال.

وقرئ: عن قتال.

( قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) ، أي: كبير لو لم يكن يعارضه ما هو أكبر منه.

( وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) ، أي: المنع والصّرف عن الإسلام وما يوصل إلى الله.

( وَكُفْرٌ بِهِ ) ، أي: بالله.

( وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) ، أي: وصدّ عن المسجد الحرام.

( وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ) : وهم النّبيّ والمؤمنون.

( أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ ) ممّا فعلته السّريّة، خطأ بناء على الظّنّ. وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة. وإفراده بناء على تنكيره.

( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) ، أي: ما ارتكبوه من الإخراج والشّرك، أفظع ممّا ارتكبوه من قتل الحضرميّ.

( وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ) : إخبار عن دوام عداوة الكفّار لهم وأنّهم لا ينفكّون عنها، حتّى يردّوهم عن دينهم.

و «حتّى»، للتّعليل.

( إِنِ اسْتَطاعُوا ) : وهو استبعاد لاستطاعتهم، كقول الواثق بقوّته على قرنه: «إن

__________________

(١) المصدر: يأمن فيه الخائف ويذعر فيه الناس إلى معايشهم.

٣١٩

ظفرت بي فلا تبق علىّ» وإيذان بأنّهم لا يردّونهم.

( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) : وقرئ: «حبطت» (بالفتح) وهو لغة فيه.

( فِي الدُّنْيا ) ، لبطلان ما تخيّلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدّنيويّة( وَالْآخِرَةِ ) ، بسقوط الثّواب.

( وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٢١٧)، كسائر الكفرة.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) :

قيل(١) : نزلت في السّريّة، لما ظنّ بهم أنّهم إن سلموا من الإثم، فليس لهم أجر.

( وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) :

كرّر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد. فكأنّهما مستقلّان في تحقيق الرّجاء.

( أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ ) : ثوابه. أثبت لهم الرّجاء، اشعارا بأنّ العمل غير موجب ولا قاطع في الدّلالة، سيّما والعبرة بالخواتيم.

( وَاللهُ غَفُورٌ ) للكبير الّذي عارضه أكبر،( رَحِيمٌ ) (٢١٨) بإجزال الأجر والثّواب.

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) :

«الخمر» في الأصل، مصدر خمرة، إذا ستره سمّي بها. لأنّه يخمر العقل.

في مجمع البيان(٢) : «الخمر» كلّ شراب مسكر مخالط للعقل مغطّ عليه. وما أسكر كثيره فقليله، خمر. هذا هو الظّاهر في روايات أصحابنا.

و «الميسر»، أيضا، مصدر كالموعد سمّي به القمار. لأنّه أخذ مال الغير بيسر، أو سلب يساره.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن حمدوية، عن محمّد بن عيسى قال: سمعته يقول: كتب إليه إبراهيم بن عتبه(٤) ، يعني: إلى عليّ بن محمّد ـ عليهما السّلام: إن رأى سيدي ومولاي أن يخبرني عن الخمر والميسر الآية. فما الميسر(٥) ؟ جعلت فداك!

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣١٣.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣١٦.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٠٥ ـ ١٠٦، ح ٣١١.

(٤) هكذا في النسخ. وفي المصدر: عنبسة. ولعلم: عتبة.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: المنفعة.

٣٢٠