تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٢

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 493

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 493
المشاهدات: 175189
تحميل: 4791


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 175189 / تحميل: 4791
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام: أنّ بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي(٢) وغيّروا دين الله وعتوا عن أمر ربّهم. وكان فيهم نبيّ يأمرهم وينهاهم. فلم يطيعوه. وروى أنّه إرميا النّبيّ فسلّط الله عليهم جالوت. وهو من القبط.

فاذلّهم. وقتل رجالهم. وأخرجهم من ديارهم وأموالهم. واستعبد نساءهم. ففزعوا إلى نبيّهم. وقالوا: سل أن الله(٣) يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله.

وكانت النّبوّة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسّلطان في بيت آخر. لم يجمع الله لهم (النّبوّة والملك) في بيت واحد. فمن ذلك قالوا:( ابْعَثْ لَنا [مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) . فقال لهم نبيّهم:( هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا. قالُوا: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا ) .

وكان كما قال الله ـ تبارك وتعالى:( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) ].(٤) فقال( لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً ) . فغضبوا من ذلك.

و( قالُوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا. وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ. وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ) .

وكانت النّبوّة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف. وكان طالوت من ولد بنيامين(٥) أخي(٦) يوسف لأمّه. لم يكن من بيت النّبوّة ولا من بيت المملكة.

فقال لهم نبيّهم:( إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) . وكان أعظمهم جسما. وكان شجاعا قويّا. وكان أعلمهم. إلّا أنّه كان فقيرا. فعابوه بالفقر. فقالوا:( لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ) .

فقال لهم نبيّهم:( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) . وكان التّابوت الذي أنزل(٧) على موسى ،

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨١ ـ ٨٢.

(٢) المصدر: المعاصي.

(٣) المصدر: سل الله. (ظ)

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(٥) النسخ والمصدر: ابن يامين.

(٦) النسخ: أخو.

(٧) المصدر: أنزل الله.

٣٨١

فوضعته فيه أمّه، فألقته(١) في اليمّ. فكان في بني إسرائيل [معظّما].(٢) يتبرّكون به. فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه(٣) وما كان عنده من آيات النّبوّة. وأودعه يوشع، وصيّه. فلم يزل التّابوت بينهم استخفّوا(٤) . وكان الصّبيان يلعبون به في الطّرقات. فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التّابوت عندهم. فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتّابوت، رفعه الله عنهم.

فلمّا سألوا النّبيّ بعث الله طالوت إليهم ملكا يقاتل(٥) معهم، ردّ الله عليهم التّابوت، كما قال الله:( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ. فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) قال: البقيّة ذرّيّة الأنبياء قوله فيه سكينة من ربّكم. فإنّ التّابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين، فيخرج منه ريح طيّبة، لها وجه كوجه الإنسان.

وما في هذا الخبر من أنّ ذلك النّبيّ إرميا، ينافي ما نقل

في مجمع البيان(٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه اسمويل. ويمكن الجمع بأنّهما واحد. والاختلاف من النّقلة، أو من اختلاف التّسمية، بأن عبّر عنه باسمين عند أهل زمانه. وقوله في آخر الخبر «البقيّة ذرّيّة الأنبياء» معناه أنّ البقيّة ممّا تركه ذرّيّة الأنبياء

، كما يشرح في خبر آخر سيجيء.

( وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ) :

الصّندوق، فعلوت من التّوب. فإنّه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه، وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن العبّاس بن هلال، قال: سأل عليّ بن أسباط أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ فقال: أي شيء التّابوت الّذي كان في بني إسرائيل؟

قال: كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت والطست الّتي تغسل فيها قلوب الأنبياء.

وفي كتاب معاني الأخبار(٨) : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام قال: سألته(٩) ما كان تابوت موسى؟ وكم كان سعته؟

__________________

(١) المصدر: وألقته. (ظ)

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر: حتّى استخفّوا به.

(٥) المصدر: بعث الله طالوت عليهم يقاتل.

(٦) مجمع البيان ١ / ٣٥٠.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٣٣، ح ٤٤٢.

(٨) معاني الأخبار / ٢٨٤ ـ ٢٨٥، ح ٢. (٩) المصدر: قال: سألته فقلت: جعلت فداك.

٣٨٢

قال: ثلاثة(١) أذرع في ذراعين.

قلت: ما كان فيه؟

قال: عصى موسى والسّكينة.

قلت: وما السّكينة؟

قال: روح الله يتكلم. كانوا إذا اختلفوا في شيء كلّمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون.

ولا ينافيه ما يأتي في الخبر(٢) من أنّه ريح كذا، لاحتمال أن يكون الرّيح والرّوح واحدا.

وفي أصول الكافي(٣) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السّمّان قال: سمعت عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه يقول: إنّما مثل السّلاح فينا، مثل التّابوت في بني إسرائيل. كانت بنو إسرائيل أيّ أهل بيت وجد التّابوت على بابهم أوتوا النّبوّة. فمن صار إليه السّلاح منّا أوتي الإمامة.

وبهذا المعنى من الأخبار، كثيرة(٤) .

( فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) :

قيل(٥) : أي في إيتاء التّابوت، أو في التّابوت ما تسكنون إليه. وهو التّوراة. وكان موسى إذا قاتل، قدّمه، فتسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرّون.

وقيل(٦) : صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت. لها رأس وذنب كرأس الهرّة.

وذنبها وجناحان فتئن. فيزفّ التّابوت نحو العدوّ. وهم يتبعونه. فإذا استقرّ ثبتوا وسكنوا ونزل النّصر.

قال في مجمع البيان(٧) : روى ذلك في أخبارنا.

وقيل(٨) : صور الأنبياء من آدم إلى محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.

وقيل(٩) : «التّابوت»: القلب. والسّكينة ما فيه من العلم والإخلاص. وإتيانه

__________________

(١) المصدر: ثلاث.

(٢) ر. تفسير القمي ١ / ٨٢. وسيأتى ـ إن شاء الله.

(٣) الكافي ١ / ٢٣٨، ح ١.

(٤) ر. نفس المصدر والموضع.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

(٧) مجمع البيان ١ / ٣٥٣.

(٨ و ٩) أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

٣٨٣

تصيير قلبه مقرّ العلم والوقار، بعد أن لم يكن.

والصّحيح ما ذكر في الخبر السّالف، من أنّه ريح طيّبة تخرج من التّابوت له وجه كوجه الإنسان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: السّكينة ريح من الجنّة. لها وجه كوجه الإنسان.

( وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ ) ، أي: ذرّيّة الأنبياء. وهما موسى وهارون والآل لتفخيم مفخّم، أو أنبياء بني إسرائيل لأنّهم أبناء عمّهما.

في تفسير العيّاشي(٢) : عن حريز، عن رجل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله:( يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) ، فقال: رضاض الألواح. فيها العلم والحكمة. العلم جاء من السّماء. فكتب في الألواح. وجعل في التّابوت.

( تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) :

قيل(٣) : رفعه الله بعد موسى، فنزلت به الملائكة وهم ينظرون.

وقيل(٤) : كان مع أنبيائهم، يستفتحون به حتّى أفسدوا. فغلبهم الكفّار عليه. وكان في أرض جالوت إلى أن ملّك الله طالوت. فأصابهم ببلاء حتّى هلكت خمس مدائن.

فتشاءموا بالتّابوت. فوضعوه على ثورين. فساقهما الملائكة إلى طالوت.

وفي كتاب المناقب(٥) ، لابن شهر آشوب: وفي حديث جابر بن يزيد الجعفيّ: أنّه لـمّا شكت الشّيعة إلى زين العابدين ـ عليه السّلام ـ ممّا يلقونه من بني أميّة. دعا الباقر ـ عليه السّلام. وأمر أن يأخذ الخيط الّذي نزل به جبرئيل إلى النّبيّ ـ عليه السّلام.

ويحركه تحريكا خفيفا(٦) .

قال: فمضى إلى المسجد، فصلّى فيه ركعتين. ثمّ وضع خدّه على الثّرى(٧) . وتكلّم بكلمات. ثمّ رفع رأسه. فأخرج من كمّه خيطا رقيقا(٨) يفوح منه رائحة المسك. وأعطاني

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨٢.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٣٣، ح ٤٤٠.

(٣ و ٤) الكشاف ١ / ٢٩٣+ أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

(٥) المناقب ٤ / ١٨٣.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر: التراب.

(٨) المصدر: دقيقا.

٣٨٤

طرفا منه. فمشيت رويدا.

فقال: قف، يا جابر! فحرّك الخيط تحريكا ليّنا خفيفا.

ثمّ قال: اخرج! فانظر ما حال النّاس؟

فخرجت من المسجد. فإذا صياح وصراخ وولولة من كلّ ناحية. وإذا زلزلة شديدة وهدّة ورجفة قد أخربت عامّة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان ـ إلى قوله ـ سألته عن الخيط.

قال: هذا من البقيّة.

قلت: وما البقيّة؟ يا ابن رسول الله! قال: يا جابر «بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة» ويضعه جبرئيل الدنيا(١) .

( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٢٤٨) :

يحتمل أن يكون من تمام كلام النّبيّ، وأن يكون ابتداء خطاب من الله تعالى.

( فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ ) : [انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة. وأصله فصل نفسه عنه. ولكن لـمّا كثر حذف مفعوله صار كاللازم.

قيل(٢) : إنّه قال لهم: «لا يخرج معي إلّا الشّابّ النّشيط الفارغ.» فاجتمع إليه ممّن اختاره ثمانون ألفا.

والأظهر أنّه اجتمع إليه ستّون ألفا وثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. لما سيأتي من أنّ من شرب ستّون ألفا، ومن لم يشرب ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وكان الوقت قيظا.

فسلكوا مفازة. وسألوا أن يجري الله لهم نهرا.

( قالَ ) ، أي: نبيّهم.

( إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ) : يعاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه.

( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ) : فليس من أشياعي، أو بمتّحد معي.

( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) ، أي: من لم يذقه من طعم الشيء إذا أذاقه(٣) ، مأكولا أو مشروبا.

__________________

(١) هكذا في المصدر والنسخ. والظاهر: لدينا.

(٢) الكشاف ١ / ٢٩٤+ أنوار التنزيل ١ / ١٣٠.

(٣) كذا في النسخ. ولعله: ذاقه.

٣٨٥

( إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) :

استثناء من قوله «فشرب.» وقدّم عليه الجملة الثّانية، للعناية بها.

والمعنى: الرّخصة في القليل، دون الكثير.

وقرئ بفتح الغين.

( فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ) ، أي: فكرعوا فيه إذا الأصل في الشّرب منه أن لا يكون بوسط، أو أفرطوا في الشّرب إلّا قليلا منهم.

وقرئ بالرّفع، حملا على المعنى، أي: لم يطيعوه.

وروى أنّ الّذين شربوا منه كانوا ستّين ألفا(١) .

وروى عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام(٢) ـ أنّه قال: القليل الّذي لم يشربوا ولم يغترفوا، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

( فَلَمَّا جاوَزَهُ ) ، أي: طالوت النّهر إلى جنود جالوت،( هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ، أي: القليل الّذين لم يخالفوه،( قالُوا ) ، أي: الّذين شربوا منه،( لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ) لكثرتهم وقوّتهم. هذا اعتذار منهم في التّخلّف وتحذير للقليل.

( قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ ) ، أي: الخلّص منهم الّذين تيقّنوا لقاء الله وثوابه بالموت. وسمّاه ظنّا لشبه اليقين بالموت بالظّنّ والشّكّ، كما ورد في الخبر: أنّه ما من يقين لا شكّ فيه أشبه بشكّ لا يقين فيه من الموت.

وهم القليل الّذين لم يشربوا.

( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ) : بتيسيره وتوفيقه.

و «كم»، يحتمل الخبر والاستفهام.

و «من»، مبنيّة، أو مزيدة.

و «الفئة»: الفرقة من النّاس، من فأوت رأسه، أي: شققته، أو من فاء إذا رجع فوزنها فعة، أو فلة. ولا ينافي إطلاق الفئة هنا على أقلّ من عشرة آلاف، ما رواه العيّاشيّ(٣)

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨٣.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٣٤، ح ٤٤٤.

٣٨٦

«عن حمّاد بن عثمان قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: لا يخرج القائم ـ عليه السّلام ـ في أقلّ من الفئة. ولا تكون الفئة أقلّ من عشرة آلاف.» من وجهين :

الأوّل: أنّ الإطلاق على الأقلّ هنا للفئة الموصوفة بالقلّة، لا الفئة المطلق. وفي الخبر، مطلقة.

والثّاني: أنّ المراد بالفئة في الخبر المعهودة المذكورة سابقا، بأنّها يكون مع القائم ـ عليه السّلام ـ لا مطلق الفئة.

( وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (٢٤٩): بالنّصر والإثابة.

( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ) ، أي: ظهروا لهم، ودنوا منهم،( قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (٢٥٠): سألوا ـ أوّلا ـ إفراغ الصّبر في قلوبهم. وهو الّذي ملاك الأمر. وثانيا: ثبات القدم في مداحض الحرب المسبّب عنه.

وثالثا: النّصر على العدوّ المترتّب عليهما.

( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ ) : فكسروهم بنصره، أو مصاحبين لنصره إيّاهم إجابة لدعائهم.

روى في تفسير عليّ بن إبراهيم(١) ، عن الرّضا ـ عليه السّلام: لـمّا تأذّى بنو إسرائيل من جالوت، أوحى الله إلى نبيّهم: أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى ـ عليه السّلام. وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب ـ عليه السّلام ـ اسمه داود بن أسى.

وكان أسى راعيا. وكان له عشر بنين، أصغرهم داود. فلمّا بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت، بعث إلى أسى أن احضر ولدك فلمّا حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فألبسه درع موسى ـ عليه السّلام ـ فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه.

فقال لأسى: هل خلّفت من ولدك أحدا؟

قال: نعم. أصغرهم. تركته في الغنم راعيا(٢) .

فبعث إليه [ابنه].(٣) فجاء به فلمّا دعي أقبل ومعه مقلاع. فناداه(٤) ثلاث صخرات في طريقه. فقالت(٥) : «خذنا.» فأخذها في مخلاته. وكان شديد البطش، قويّا في

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٨٢.

(٢) المصدر: يرعاها.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر: قال: فنادته. (ظ)

(٥) المصدر: فقالت: يا داود.

٣٨٧

بدنه، شجاعا، فلمّا جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى. فاستوت عليه. ففصل طالوت بالجنود حتّى برزوا لجالوت وجنوده. فجاء داود(١) ووقف بحذاء جالوت. وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التّاج وفي جبهته ياقوتة يلمع نورها(٢) وجنوده من بين يديه. فأخذ داود من تلك الأحجار حجرا. فرمى به ميمنة جالوت فمر في الهواء. ووقع عليهم. فانهزموا. وأخذ حجرا آخر. فرمى به في ميسرة جالوت. فوقع عليهم. فانهزموا. ورمى جالوت بحجر. فصكّ الياقوتة في جبهته. ووصلت إلى دماغه. ووقع إلى الأرض ميّتا. وهو(٣) قوله:( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ) .

( وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ) بالوجه الّذى روي.

( وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) ، أي ملك: بني إسرائيل.

قيل(٤) : ولم يجتمعوا قبل داود على ملك.

( وَالْحِكْمَةَ ) : النّبوّة. وأنزل عليه الزّبور.

( وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ ) : وعلمه صنعة الحديد وليّنه له.

في كتاب الخصال(٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا(٦) إلّا أربعة بعد نوح: ذا القرنين(٧) واسمه عياش، وداود وسليمان ويوسف ـ عليهم السّلام. فأمّا عياش فملك ما بين المشرق والمغرب. وأمّا داود فملك ما بين الشّامات إلى بلاد إصطخر. وكذلك كان ملك سليمان. وأمّا يوسف فملك مصر وبراريها(٨) ولم يتجاوزها إلى غيرها.

وعن أبي الحسن الأوّل ـ عليه السّلام(٩) ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اختار من كلّ شيء أربعة. اختار من الأنبياء للسّيف، إبراهيم وداود وموسى وأنا.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(١٠) ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد، عن أبيه ،

__________________

(١) المصدر: حتّى.

(٢) المصدر: نوره.

(٣) المصدر: فهو.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣١.

(٥) الخصال ١ / ٢٤٨.

(٦) المصدر: الأنبياء ملوكا في الأرض.

(٧) المصدر: ذو القرنين.

(٨) كذا في المصدر وفي النسخ. ولعله: بواديها.

(٩) نفس المصدر ١ / ٢٢٥، ح ٥٨.

(١٠) كمال الدين وتمام النعمة ٢ / ٥٢٤، ح ٣.

٣٨٨

عن جدّه، عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: عاش داود ـ عليه السّلام ـ مائة سنة. منها أربعين سنة في ملكه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : قال: وكان بين موسى وبين داود، خمسمائة سنة، وبين داود وعيسى ألف سنة وخمسمائة سنة.

( وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ ) :

وقرأ نافع هنا وفي الحجّ دفاع الله.

( النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ ) (٢٥١): قيل(٢) : أي: لولا أنّه تعالى يدفع بعض النّاس ببعض وينصر المسلمين على الكفّار، لغلبوا وأفسدوا في الأرض، أو فسدت الأرض بشؤمتهم.

وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن سعيد(٤) ، عن عبد الله بن القسم، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: انّ الله ليدفع بمن يصلّي من شيعتنا عمّن لا يصلّي من شيعتنا. ولو اجتمعوا(٥) على ترك الصلاة لهلكوا. وإنّ الله ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي. ولو اجتمعوا(٦) على ترك الزّكاة لهلكوا. وانّ الله ليدفع بمن يحجّ من شيعتنا عمّن لا يحجّ. ولو اجتمعوا(٧) على ترك الحجّ لهلكوا. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ ) . فو الله ما نزلت إلّا فيكم. ولا عنى بها غيركم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إنّ الله ليدفع ـ وذكر مثله إلّا قوله: فو الله ما أنزلت (الخ.)

وفي مجمع البيان(٩) :( وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ ) (الآية) فيه ثلاثة أقوال. الثّاني: أنّ معناه يدفع الله بالبرّ عن الفاجر الهلاك ـ عن عليّ ـ عليه السّلام. وقريب منه ما روى

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٦٥.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٣١.

(٣) الكافي ٢ / ٤٥١، ح ١.

(٤) «على بن سعيد» ليس في ر. وفي المصدر: عليّ بن معبد.

(٥ و ٦ و ٧) المصدر: أجمعوا. (ظ)

(٨) تفسير القمي ١ / ٨٣.

(٩) مجمع البيان ١ / ٣٥٧.

٣٨٩

عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: لولا عباد ركّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع، لصبّ عليهم العذاب صبّا.

وروى جابر بن عبد الله(١) ، قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله يصلح بصلاح الرّجل السلم ولده وولد ولده وأهل دويرته. ودويرات حوله لا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم.

( تِلْكَ ) إشارة إلى ما قصّ من القصص السّالفة.

( آياتُ اللهِ ) : دلائله على قدرته وإرسالك رسولا.

( نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ ) : بالوجه المطابق الّذي لا يشكّ فيه أهل الكتاب وأرباب التّواريخ.

( وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٢٥٢) لما أخبرت بها من غير تعرّف واستماع.

( تِلْكَ الرُّسُلُ ) ، أي: الجماعة المذكورة قصصهم، أو المعلومة لك أيّها النّبيّ، أو جماعة الرّسل.

و «اللّام»، للاستغراق.

( فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) بأن خصّصناه بما ليس لغيره.

( مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ ) :

قيل(٢) : هو موسى.

وقيل(٣) : موسى ليلة الخيرة في الطّور، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليلة المعراج.

وقرئ: كلّم الله وكالم الله. (بنصب لفظ الجلالة.)( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ ) ، يعني: محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله.

( دَرَجاتٍ ) [بأن فضّله على غيره. قيل(٤) : وهو محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. فإنّه فضّل](٥) بأن فضّله على غيره من وجوه متعدّدة: فإنّه خصّ بالدّعوة العامّة والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرّة والفضائل العمليّة والعمليّة الفائتة للحصر.

وفي عيون الأخبار(٦) ، بإسناده إلى عليّ بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: ما خلق الله خلقا

__________________

(١) نفس المصدر نفس الموضع.

(٢ و ٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ١٣٢.

(٥) يوجد في أ، فقط.

(٦) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٠٤.

٣٩٠

أفضل منّي. ولا أكرم عليه منّي.

قال عليّ ـ عليه السّلام: فقلت: يا رسول الله! أفأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال ـ عليه السّلام: إنّ الله(١) تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين.

وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين. والفضل بعدي لك يا عليّ وللائمّة من بعدك. وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وقيل(٢) : إبراهيم خصّصه بالخلّة الّتي هي أعلى المراتب.

وقيل(٣) : إدريس لقوله تعالى(٤) :( وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ) وقيل(٥) : أولو العزم من الرّسل.

والإبهام في جميع تلك الاحتمالات، للتّفخيم. ويحتمل الحمل على الكلّ. والإبهام لعدم التّعيين. يدلّ عليه ما رواه العيّاشيّ في تفسيره(٦) ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام. قال: بالزّيادة بالإيمان يفضّل(٧) المؤمنون بالدّرجات عند الله.

قلت: وإنّ للإيمان درجات ومنازل يتفاضل بها المؤمنون عند الله؟

فقال: نعم.

قلت: صف لي ذلك ـ رحمك الله ـ حتّى أفهمه.

فقال: ما فضّل الله أولياءه(٨) بعضهم على بعض. فقال:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ. وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ) . (إلى آخر الآية.) وقال(٩) :( وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ ) . وقال(١٠) :( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ ) . وقال(١١) :( هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ ) . فهذا ذكر الله درجات الإيمان ومنازله عند الله.

[وفي أصول الكافي(١٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم

__________________

(١) المصدر: يا عليّ إنّ الله.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ١٣٢.

(٤) مريم / ٥٧.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٣٢.

(٦) تفسير العياشي ١ / ١٣٥، ح ٤٤٧.

(٧) المصدر: تتفاضل.

(٨) المصدر: به أولياءه.

(٩) البقرة / ٢٥٣. (١٠) الإسراء / ٢١. (١١) آل عمران / ١٦٣.

(١٢) الكافي ٢ / ٤١، ح ١.

٣٩١

بن يزيد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا. وفيه يقول ـ عليه السّلام: ثمّ ذكر ما فضّل الله ـ عزّ وجلّ ـ به أولياءه بعضهم على بعض. فقال ـ عزّ وجلّ:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ. وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ ) فوق بعض درجات. (إلى آخر الآية.)](١)

( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ ) : المعجزات. أفرده لإفراط اليهود والنّصارى في تحقيره وتعظيمه. وجعل معجزاته مخصوصة بالذّكر. لأنّها آيات واضحة، أو معجزات عظيمة. لم يستجمعها غيره.

( وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) :

في أصول الكافي(٢) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه، عن محمّد بن داود الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: فأمّا ما ذكر من أمر السّابقين، فإنّهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين. جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح القوّة وروح الشّهوة وروح البدن. فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين. وبها علّموا الأشياء. وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا. وبروح القوّة جاهدوا(٣) عدوّهم وعالجوا معاشهم. وبروح الشّهوة أصابوا لذيذ الطّعام ونكحوا الحلال(٤) من شباب النّساء.

وبروح البدن دبّوا ودرجوا. فهؤلاء مغفور مصفوح عن ذنوبهم.

ثمّ قال: قال الله ـ عزّ وجلّ:( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ. وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ. وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) .

ثمّ قال في جماعتهم(٥) :( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) . يقول: أكرمهم ففضّلهم على من سواهم.

فهؤلاء مغفور لهم. مصفوح عن ذنوبهم.

( وَلَوْ شاءَ اللهُ ) إلزام النّاس على طريقة واحدة، مشيئة حتم،( مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) : من بعد الرّسل،( مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ) : المعجزات.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢، ح ١٦.

(٣) أ: جاهدوهم.

(٤) أ: النكاح.

(٥) المجادلة / ٢٢.

٣٩٢

( وَلكِنِ اخْتَلَفُوا ) . لأنّه لم يجبرهم على الاهتداء للابتلاء.

( فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ) بتوفيقه.

( وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ) لإعراضه عنه بخذلانه.

( وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا ) : التّكرار للتّوكيد.

( وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) (٢٥٣): فيوفّق من يشاء فضلا ويخذل من يشاء عدلا.

وفي هذه الآية دلالة على أنّ المختلفين بعد الرّسل، بين مؤمن وكافر، لا ثالث لهما.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسي ـ رحمه الله: وعن الأصبع بن نباتة قال: كنت واقفا مع أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يوم الجمل. فجاء رجل حتّى توقّف بين يديه. فقال: يا أمير المؤمنين! كبّر القوم وكبّرنا. وهلّل القوم وهلّلنا. وصلّى القوم وصلّينا. فعلام(٢) نقاتلهم؟

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام: على ما أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه.

فقال: يا امير المؤمنين! ليس كلّ ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلّمنيه؟

فقال عليّ ـ عليه السّلام: لـمّا(٣) أنزل الله في سورة البقرة.

فقال: يا أمير المؤمنين! ليس كلّ ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلّمنيه؟

فقال عليّ ـ عليه السّلام: هذه الآية:( تِلْكَ الرُّسُلُ ) . ـ وقرأ الى( يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) ـ فنحن الّذين آمنا. وهم الّذين كفروا.

فقال الرّجل: كفر القوم وربّ الكعبة! ثمّ حمل، فقاتل حتّى قتل ـ رحمه الله.

وفي أمالي شيخ الطّائفة(٤) ، شبهه مع تغيير غير مغيّر للمعنى.

وفي آخره بعد قوله: ومنهم من كفر. فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى بالله ـ عزّ وجلّ ـ وبالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وبالكتاب وبالحقّ. فنحن الّذين آمنوا. وهم الّذين كفروا. وشاء الله قتالهم بمشيئته وإرادته.

وفي روضة الكافي(٥) : ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام: انّ العامّة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع النّاس كانت

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٢٤٨.

(٢) المصدر: فعلى ما.

(٣) المصدر: ما.

(٤) أمالي الشيخ ١ / ٢٠٠.

(٥) الكافي ٨ / ٢٧٠، ح ٣٩٨.

٣٩٣

رضا لله ـ عزّ ذكره. وما كان الله ليفتن أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من بعده.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: او ما يقرءون كتاب الله؟ أو ليس الله يقول(١) :( وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ. أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ. وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) ؟

قال: قلت: إنّهم يفسّرون على وجه آخر.

قال: أو ليس من أخبر الله ـ عزّ وجلّ ـ عن الّذين من قبلهم من الأمم، أنّهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات، [حيث قال:( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ. وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ. وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ]. ) (٢) ( وَلكِنِ اخْتَلَفُوا. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ. وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا. وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) ؟ في هذا يستدلّ به على أنّ أصحاب محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد اختلفوا من بعده. فمنهم من آمن. ومنهم من كفر.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ ) : ما أوجب عليكم إنفاقه،( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ ) : وهو يوم القيامة الّذي لا بيع فيه، فيحصل ما ينفق بالبيع، أو يفتدى النّفس ويخلص من العذاب، بإعطاء شيء وشرائها، ولا خلّة حتّى يستغنى بالأخلّاء، ولا شفاعة إلا لمن رضى له قولا حتّى يتّكل على الشّفعاء.

( وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٢٥٤): يريد التّاركون للزكاة الّذين ظلموا أنفسهم، أو(٣) وضعوا المال في غير موضعه وصرفوه على غير وجهه. فوضع الكافرون موضعه تغليظا وتهديدا، كقوله: «( وَمَنْ كَفَرَ ) ، مكان من لم يحجّ، وإيذانا بأن ترك الزّكاة من صفات الكفّار لقوله:( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٤) : وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال: من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم. وهو قوله ـ عزّ وجلّ(٥) .( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) .

واعلم! أنّ الأخبار في فضل آية الكرسيّ كثيرة. فمنها ما مرّ في صدر الكتاب. ومنها

__________________

(١) آل عمران / ١٤٤.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) ر: و. (ظ)

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٧، ح ٢١.

(٥) المؤمنون / ٩٩.

٣٩٤

ما رواه في الخرايج والجرائح(١) ، عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: إذا لقيت السّبع ما ذا تقول؟

قلت: لا أدري.

قال: إذا لقيته فاقرأ في وجهه آية الكرسيّ وقل: «عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة رسوله وعزيمة سليمان بن داود وعزيمة عليّ أمير المؤمنين والأئمّة من بعده.» فإنّه ينصرف عنك.

قال عبد الله: فقدمت الكوفة. فخرجت مع ابن عمّ لي إلى قرية. فإذا سبع قد اعترض لنا في الطّريق. فقرأت في وجهه آية الكرسيّ وقلت: عزمت عليك بعزيمة الله (إلى آخرها) إلّا تنحّيت عن طريقنا. ولم تؤذنا. فإنّا لا نؤذيك.

ومنها ما رواه في الكافي(٢) ، عن عليّ بن إبراهيم [عن محمّد بن عيسى](٣) وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله وسهل بن زياد، جميعا، عن محمّد بن عيسى، عن أبي محمّد الأنصاريّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: شكا إليه رجل عبث أهل الأرض بأهل بيته وبعياله. فقال: كم سقف بيتك؟

قال(٤) : عشرة أذرع.

فقال اذرع ثمانية أذرع ثمّ اكتب آية الكرسيّ فيما بين الثمانية إلى العشرة كما تدور. فإنّ كلّ بيت سمكه أكثر من ثمانية أذرع، فهو محتضر تحضره الجنّ، يكون فيه مسكنه(٥)

وعن عليّ بن إبراهيم،(٦) عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، وأحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، جميعا، عن يونس، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في سمك البيت: إذا رفع ثمانية أذرع، كان مسكونا. فإذا زاد على ثمان فليكتب على رأس (الثّمانية)(٧) آية الكرسيّ.

وبإسناده(٨) إلى محمّد بن إسماعيل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا كان

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٧ / ٩٥، ح ١٠٨، نقلا عن الخرايج والجرائح.

(٢) الكافي ٦ / ٥٢٩، ح ٣.

(٣) ليس في أو في المصدر.

(٤) المصدر: فقال. (ظ)

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: تكون فيه تسكنه.

(٦) نفس المصدر نفس الموضع، ح ٤.

(٧) المصدر: الثمان.

(٨) نفس المصدر ٦ / ٦٢٩، ح ٧.

٣٩٥

البيت فوق ثمانية أذرع، فاكتب في أعلاه آية الكرسيّ.

ومنها ما رواه في من لا يحضره الفقيه(١) ، في وصيّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام: يا عليّ! ومن كان في بطنه ماء أصفر فليكتب على بطنه آية الكرسيّ ويشربه. فإنّه يبرأ بإذن الله ـ عزّ وجلّ.

ومنها ما رواه في كتاب الخصال(٢) ، عن عتبة بن عمير الليثي، عن أبي ذرّ ـ ره ـ قال: دخلت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو في المسجد جالس وحده (إلى أن قال) قلت له: فأي آية أنزلها الله عليك أعظم؟

قال: آية الكرسيّ. ثمّ قال: يا أبا ذرّ! ما السّموات السّبع في الكرسيّ إلّا كحلقة ملقاة في أرض فلاة.

وفيه(٣) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه: وإذا اشتكى أحدكم عينه فليقرأ آية الكرسيّ. وليضمر في نفسه أنّها تبرء. فإنّه يعافى ـ إن شاء الله تعالى.

ومنها ما رواه في أصول الكافي(٤) ، عن محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن السّيّاريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! إنّ في بطني ماء أصفر. فهل من شفاء؟

فقال: نعم بلا درهم ولا دينار. ولكن اكتب على بطنك آية الكرسيّ.

وتغسلها. وتشربها. وتجعلها ذخيرة في بطنك. فتبرأ بإذن الله ـ عزّ وجلّ.

ففعل الرّجل. فبرئ بإذن الله ـ عزّ وجلّ.

ومنها ما رواه في كتاب ثواب الأعمال(٥) ، بإسناده عن رجل سمع أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول: من قرأ آية الكرسيّ عند منامه، لم يخف الفالج ـ إن شاء الله. ومن قرأها بعد كلّ صلاة لم يضرّه ذو حمّة.

ومنها ما رواه في عيون الأخبار(٦) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من الأخبار المجموعة، بإسناده عن عليّ ـ عليه السّلام. قال: قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله :

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٦٩.

(٢) الخصال ٢ / ٥٢٤، ح ١٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٦١٦، ح ١٠.

(٤) الكافي ٢ / ٦٢٥، ح ٢١.

(٥) ثواب الأعمال / ١٣١، ح ١.

(٦) عيون أخبار الرضا ٢ / ٦٥، ح ٢٨٩.

٣٩٦

من قرأ آية الكرسيّ مائة مرّة، كان كمن عبد الله طول حياته.

[وفي مجمع البيان(١) : روى جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: لـمّا أراد الله ـ عزّ وجلّ ـ أن ينزل «فاتحة الكتاب» و «آية الكرسيّ» و «شهد الله» و( قُلِ ألْلَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) (إلى قوله)( بِغَيْرِ حِسابٍ ) ، تعلّقن بالعرش. وليس بينهنّ وبين الله حجاب. وقلن: يا ربّ! تهبطنا دار الذّنوب(٢) وإلى من يعصينّك. ونحن معلّقات بالطّهور وبالقدس.

فقال: وعزّتي وجلالي! ما من عبد قرأ كنّ في دبر كلّ صلاة(٣) إلّا أسكنته حضيرة القدس، على ما كان فيه، وإلّا نظرت إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرة، وإلّا قضيت له في كلّ يوم سبعين حاجة أدناه المغفرة، وإلّا أعذته من كلّ عدوّ ونصرته عليه ولا يمنعه دخول الجنّة إلّا أن يموت. وقد مرّ في أوّل الفاتحة](٤)

( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) : مبتدا وخبر. وللنّحاة خلاف في أنّه هل يضمر للأخير مثل في الوجود، أو يصحّ، أو يوجد؟ وإلّا صحّ أنّ إلّا هو خبره.

والمعنى: أنّ الله انتفى مستحقّ للعبادة غيره بحسب الإمكان والوجود، يعني: لا يمكن ولا يوجد مستحقّ للعبادة غيره.

( الْحَيُ ) :

قيل(٥) : الحيّ الّذي له صفة يقتضي الحسّ والحركة الإراديّة ويقتضي صحّة العلم والقدرة. والمراد به في صفة الله تعالى أنّه غير مرتبط الوجود بغيره، بطريق المعلوليّة، مع كونه قديرا عالما.

وفي كتاب التّوحيد(٦) ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يذكر فيه صفة الرّبّ ـ عزّ وجلّ ـ وفيه يقول: لم يزل حيّا بلا حياة. [كان حيّا بلا حياة حادثة.

وبإسناده(٧) إلى عبد الأعلى، عن العبد الصّالح، يعني: موسى بن جعفر

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٢٦.

(٢) المصدر: إلى دار الذنوب.

(٣) كلّ صلاة مكتوبة.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) ر. تفسير صدر المتألهين ٤ / ٧٩ ـ ٨٠.

(٦) التوحيد / ١٧٣، ح ٢.

(٧) نفس المصدر / ١٣٨، ح ١٣.

٣٩٧

ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: كان حيّا بلا كيف ولا أين. حيّا بلا حياة حادثة.

بل حيّ لنفسه.

وبإسناده(١) إلى جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سمعته يقول: إنّه نور لا ظلمة فيه، وعلم لا جهل فيه، وحياة لا موت فيه].(٢)

( الْقَيُّومُ ) : الدّائم القيام بتدبير الخلق وحفظه. فيعول من قام الأمر، إذا حفظه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) . حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن العبّاس، عن جعفر بن محمّد، عن الحسين بن أسد، عن يعقوب بن جعفر قال سمعت موسى بن جعفر ـ عليهم السّلام ـ يقول: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أنزل على عبده محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم. ويسمّى بهذه الأسماء الرّحمن الرّحيم العزيز الجبّار العليّ العظيم. فتاهت هنا لك عقولهم. واستخفّت أحلامهم. فضربوا له الأمثال. وجعلوا له أندادا. وشبّهوه بالأمثال. ومثّلوه أشباها. وجعلوه يزول ويحول. فتاهوا في بحر عميق لا يدرون ما غوره، ولا يدركون بكيفيّته بعده.

( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) :

«السّنة»: فتور يتقدّم النّوم.

و «النّوم»: حال يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدّماغ، من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث تقف الحواسّ الظّاهرة عن الإحساس، رأسا. وهنا إشكال مشهور. وهو تقديم السّنة عليه. وقياس المبالغة عكسه. وأجيب بأنّه قدّمه على ترتيب الوجود، وبأنّه على القياس. وهو التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى. [لأنّ عدم الأخذ من النّوم، أعلى لقوّته من عدم أخذ السّنة الضعيفة. ففي ترتيبهما التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى.

وفي أصول الكافي(٤) : أبو عبد الله الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان قال: جلس أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ متورّكا رجله اليمنى على فخذه اليسرى. فقال له رجل: جعلت فداك! هذه جلسة مكروهة.

فقال: لا. إنّما هو شيء قالته اليهود: لـمّا أن فرغ الله ـ عزّ وجلّ ـ من خلق السّماوات والأرض واستوى على العرش، جلس هذه الجلسة، ليستريح. فأنزل الله عزّ

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) تفسير القمي ٢ / ٣٦١.

(٤) الكافي ٢ / ٦٦١، ح ٥.

٣٩٨

وجلّ:( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) .

وبقي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ متورّكا كما هو].(١)

والجملة تأكيد لما قبله. ولذلك ترك العاطف. فإنّ عدم أخذ السّنة والنّوم يؤكّد كونه قيّوما. وكذا في قوله:( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) . لأنّه تقرير لقيّوميّته واحتجاج على تفرّده في الإلهيّة. وما فيهما أعمّ من أن يكون داخلا في حقيقتهما، أو خارجا عنهما، متمكّنا فيهما.

( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) : «من»، استفهاميّة. مبتدأ. و «ذا» موصول خبره. والموصول صفته. والاستفهام على سبيل الإنكار. وهو بيان لكبرياء شأنه، أي: لا أحد يساويه، أو يداينه. يستقلّ بدفع ما يريد شفاعة فضلا عن أن يقاومه(٢) عنادا.

ومن يشفع، يشفع بإذنه. وله مكانه عنده.

وفي محاسن البرقيّ(٣) ، بإسناده، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام: قوله( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ) . [أي من هم؟](٤) قال: نحن أولئك الشّافعون.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : وأمّا آية الكرسيّ، فإنّه حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد أنّه قرأ أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ الم( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) ، أي: نعاس له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى. عالم الغيب والشّهادة. هو الرّحمن الرّحيم.( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .

وفي روضة الكافي(٦) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه(٧) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد(٨) ، عن محمّد بن سنان، عن أبي جرير القميّ، وهو محمّد بن عبيد الله، وفي نسخة: عبد الله، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام:( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) وما بينهما وما تحت الثّرى.

عالم الغيب والشّهادة(٩) . هو الرّحمن الرّحيم.( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .(١٠) ]

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) هكذا في أ. وفي الأصل ور: يعاوقه.

(٣) المحاسن / ١٤٠، ح ١٧٤.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) تفسير القمي ١ / ٨٤.(٦) الكافي ٨ / ٢٩، ح ٤٣٨.

(٧) ليس في المصدر. (٨) المصدر: أحمد بن محمد عن محمد بن خالد.

(٩) ليس في المصدر. (١٠) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٣٩٩

( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ) : ما قبلهم وما بعدهم، أو بالعكس. لأنّك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي، أو أمور الدّنيا وأمور الآخرة، أو عكسه، أو ما يحسّونه وما يعقلونه، أو ما يدركونه وما لا يدركونه.

والضّمير لما في السّموات والأرض. لأنّ فيهم العقلاء، أو لما دلّ عليه.

«من ذا» من الملائكة والأنبياء والأئمّة.

( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ) : من معلوماته،( إِلَّا بِما شاءَ ) : أن يعلموا.

( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) :

«الكرسيّ» في الأصل، اسم لما يقعد عليه. ولا يفضل عن مقعد القاعد. وكأنّه منسوب إلى الكرس. وهو الملبد. مجاز عن علمه تعالى.

في كتاب التّوحيد(١) ، قال: حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن القسم بن محمّد، عن سليمان بن داود(٢) ، عن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) .

قال: علمه.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه الله(٣) ـ قال: حدّثنا محمّد بن الحسن(٤) قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي، عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، فقال: يا فضيل! السّموات والأرض وكلّ شيء في الكرسيّ.

وفي الكافي(٥) ، مثله، سواء.

وكذا «العرش» مجاز عن علم له تعالى أعلى من الأوّل، كما رواه في كتاب التّوحيد(٦) ، بإسناده إلى حنان بن سدير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل يقول فيه: ثمّ العرش في الوصل منفرد(٧) من الكرسيّ. لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب.

__________________

(١) التوحيد / ٣٢٧، ح ١.

(٢) المصدر: سليمان بن داود المنقريّ.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٤) المصدر: محمد بن الحسن الصفّار.

(٥) الكافي ١ / ١٣٢، ح ٥ ـ ٣.

(٦) التوحيد / ٣٢١، ح ١.

(٧) المصدر: متفرّد.

٤٠٠