تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٣

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب6%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603

  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19227 / تحميل: 5575
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لاسمها، فإنّ مريم في لغتهم، العابدة.

( وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ ) : أجيرها بحفظك،( وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) (٣٦) المطرود. من الرّجم، بمعنى: الطّرد بالحجارة.

[وفي تفسير العيّاشيّ(١) :](٢) عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لقى إبليس عيسى بن مريم فقال: هل نالني من حبائلك شيء؟

قال: جدّتك الّتي قالت:( رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) - إلى -( الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) .

وفي أمالي الشّيخ(٣) : بإسناده إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في حديث طويل، يذكر فيه تزويج فاطمة الزّهراء - عليها السّلام - وما أكرمه به النّبيّ صلّى الله عليه وآله - وفيه يقولعليه‌السلام : ثم أتاني فأخذ بيدي، فقال: قم بسم الله وقم(٤) على بركة الله وما شاء الله لا قوّة إلّا بالله توكّلت على الله، ثمّ جاء بي حتّى(٥) أقعدني عندها - عليها السّلام - ثمّ قال: أللّهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ، فأحبّهما وبارك في ذرّيّتهما واجعل عليهما منك حافظا [و](٦) إنّي أعيذهما بك وذرّيّتهما(٧) من الشّيطان الرّجيم.

( فَتَقَبَّلَها رَبُّها ) : فرضي بها في النّذر مكان الذّكر.

( بِقَبُولٍ حَسَنٍ ) : بوجه يقبل به النّذائر. وهو إقامتها مقام الذّكر، وتقبّلها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسّدانة.

قال البيضاويّ(٨) : روي أنّ حنّة لـمّا ولدتها، لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار، وقالت: دونكم هذه النّذيرة. فتنافسوا فيها. لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم. فإنّ بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم. فقال زكريا: أنا أحقّ بها، لأنّ(٩) عندي خالتها. فأبوا إلّا القرعة وكانوا سبعة وعشرين. فانطلقوا إلى نهر. فألقوا فيه أقلامهم. فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم. فتكفّلها.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٧١، ح ٤٠.

(٢) ليس في أ.

(٣) أمالي الطوسي ١ / ٣٨.

(٤) المصدر: قل.

(٥) المصدر: «جاءني حين» بدل «جاء بي حتّى».

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر: ذرّيتهما بك.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ١٥٨.

(٩) ليس في المصدر.

٨١

ويجوز أن يكون مصدرا، على تقدير مضاف، أي، بذي قبول حسن. وأن يكون تقبّل بمعنى استقبل، كتقضّى وتعجّل، أي، فأخذها في أوّل أمرها، حين ولدت، بقبول حسن.

( وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ) : مجاز عن تربيتها، بما يصلحها، في جميع أحوالها.

( وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ) :

شدّد الفاء حمزة والكسائي وعاصم، وقصروا زكريّا غير عاصم، في رواية ابن عيّاش، على أنّ الفاعل هو الله، وزكريّا مفعول. وخفّف الباقون، ومدّوا زكريّا مرفوعا(١) .

( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ ) ، أي: الغرفة الّتي بنيت لها، أو المسجد، أو أشرف مواضعه. ومقدمها سمي به، لأنّه محلّ محاربة الشّيطان.

( وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) : جواب «كلّما» وناصبه.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : وفي رواية حريز، عن أحدهما - عليهما السّلام - [قال :](٣) نذرت ما في بطنها للكنيسة أن يخدم(٤) العباد، وليس الذّكر كالأنثى في الخدمة.

قال: فنبتت، وكانت(٥) تخدمهم وتناولهم حتّى بلغت، فأمر زكريّا أن تتّخذ لها حجابا دون العباد، وكان(٦) يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشّتاء في الصّيف وثمرة الصّيف في الشّتاء. فهنالك دعا وسأل ربّه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى.

( قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا ) : من أين لك هذا الرّزق الآتي في غير أوانه، والأبواب مغلّقة عليك؟

( قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) : فلا تستبعد.

( إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٣٧): بغير تقدير لكثرته، أو بغير استحقاق تفضّلا به. وهو يحتمل أن يكون من كلامها، وأن يكون من كلام الله.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ امرأة عمران لـمّا نذرت ما في بطنها محرّرا، قال: [و](٨) المحرّر للمسجد إذا وضعته(٩)

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٧٠، ح ٣٨.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر: تخدم.

(٥) المصدر: «فشبّت فكانت» بدل «فنبتت وكانت».

(٦) المصدر: فكان.

(٧) نفس المصدر والموضع، ح ٣٦.

(٨) من المصدر.

(٩) المصدر: [أو]

٨٢

وأدخل المسجد فلم يخرج من المسجد أبدا. فلمّا ولدت مريم قالت:( رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) . فساهم(١) عليها [النبيّون](٢) فأصاب القرعة زكريّا - وهو زوج أختها - وكفّلها وأدخلها المسجد، فلمّا بلغت ما تبلغ النّساء من الطّمث، وكانت أجمل النّساء وكانت تصلي فيضيء(٣) المحراب لنورها. فدخل عليها زكريّا فإذا عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف وفاكهة الصّيف في الشّتاء.

فقال:( أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) .

فهنالك(٤) دعا زكريّا ربّه، قال: إنّي خفت الموالي من ورائي، إلى ما ذكره(٥) الله من قصّة زكريّا ويحيى(٦) .

وفيه(٧) أيضا: عن سيف، عن نجم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ فاطمة - عليها السّلام - ضمنت لعليعليه‌السلام عمل البيت والعجين والخبز وقم(٨) البيت، وضمن لها عليّعليه‌السلام ما كان خلف الباب [من](٩) نقل الحطب وأن يجيء بالطّعام، فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شيء؟

قالت: لا والّذي عظّم حقّك [ما كان](١٠) عندنا منذ ثلاثة أيّام(١١) شيء نقريك به.

قال: أفلا أخبرتني.

قالت: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهاني أن أسألك شيئا فقال: لا تسألي ابن عمّك شيئا، إن جاءك بشيء عفوا وإلّا فلا تسأليه.

قال: فخرجعليه‌السلام فلقى رجلا، فاستقرض منه دينارا، ثمّ أقبل به وقد

__________________

(١) النسخ: فساهموا. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر: «فكانت تصلّي ويضيء» بدل «وكانت تصلّي فيضيء».

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: هنا لك.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ذكر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يحيى وزكريّا.

(٧) نفس المصدر ١ / ١٧١، ح ٤١.

(٨) قمّ البيت: كنسه.

(٩) من المصدر.

(١٠) من المصدر.

(١١) النسخ: «ثلث الّا» بدل «ثلاثة أيّام».

٨٣

أمسى فلقى مقداد بن الأسود، فقال للمقداد، ما أخرجك في هذه السّاعة؟

قال: الجوع، والّذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين.

قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيّ؟

قال: ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيّ.

قال: فهو أخرجني، وقد استقرضت دينارا وسأؤثرك به. فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا وفاطمة تصلّي وبينهما شيء مغطّى. فلمّا فرغت أحضرت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم.

قال: يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت: هو من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟

قال: بلى.

قال: مثل زكريّا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا،( قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) . فأكلوا منها شهرا، وهي الجفنة الّتي يأكل منها القائمعليه‌السلام وهي عندنا.

[وفي شرح الآيات الباهرة(١) :](٢) نقل الشّيخ أبو جعفر الطّوسي - رحمه الله - في كتاب مصباح الأنوار، بحذف الإسناد قال: روي عن أبي سعيد الخدريّ قال: أصبح عليّعليه‌السلام ذات يوم، فقال لفاطمة - عليها السّلام - : هل عندك شيء نغتذيه؟

فقالت: لا والّذى أكرم أبي بالنّبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح الغداة عندي منذ يومين شيء إلّا كنت(٣) أؤثرك به على نفسي وعلى ابني الحسن والحسين.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا.

فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه(٤) .

__________________

(١) الأصل وأ: اجترت ر: أخبرت وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٢) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣٩ - ٤٠.

(٣) النسخ: «إلّا شيء» بدل «منذ يومين شيء إلّا كنت». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: به.

٨٤

فخرج عليٌّعليه‌السلام من عندها واثقا بالله وحسن الظّنّ به. فاستقرض دينارا.

فأخذه ليشتري به ما يصلحهم. فعرض له المقداد بن الأسود - رضوان الله عليه - وكان يوما شديد الحرّ وقد لوّحته الشّمس من فوقه وآذته من تحته. فلمّا رآه أمير المؤمنينعليه‌السلام أنكر شأنه، فقال له: يا مقداد ما أزعجك السّاعة من رجلك(١) .

فقال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي.

فقال: يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك.

فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى الله وإليك أن تخلّ سبيلي ولا تكشفني عن حالتي.

فقال: يا أخي لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال: يا أبا الحسن أما إذا أبيت، فو الّذى أكرم محمّدا بالنّبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أزعجني من رجلي(٢) إلّا الجهد، وقد تركت عيالي جياعا، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض، خرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالتي وقصّتي.

قال: فانهملت عينا عليٍّ بالبكاء حتّى بلّت دموعه كريمته. فقال: أحلف بالّذي حلفت به أنْ ما أزعجني إلّا الّذي أزعجك، وقد اقترضت دينارا فهاكه أؤثرك به على نفسي. فدفع إليه الدّينار ورجع. فدخل المسجد فسلّم.

فردّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السّلام وقال: يا أبا الحسن هل عندك عشاء نتعشّاه(٣) فنقبل(٤) معك؟ فمكث أمير المؤمنينعليه‌السلام مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان قد عرّفه الله ما كان من أمر الدّينار، ومن أين وجهه بوحي من الله، وأمره(٥) أن يتعشّى عند عليّ تلك اللّيلة، فلمّا نظر إلى سكوته قال: يا أبا الحسن ما لك لا تقول: لا، فأنصرف عنك، أو: نعم، فامضي معك؟

فقال: حبّا وكرامة اذهب بنا، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد أمير المؤمنين وانطلقا حتّى دخلا على فاطمة - صلوات الله عليها وعليهم أجمعين - وهي في محرابها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة تفور دخانا، فلمّا سمعت كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرجت من مصلّاها وسلّمت عليه وكانت أعزّ(٦) النّاس عليه ،

__________________

(١) كذا في النسخ والمصدر. ولعله «رحلك».

(٢) أيضا يمكن أن يكون «رحلي».

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تعشيناه.

(٤) المصدر: «فيميل» أو «فنميل».

(٥) النسخ: «يأمره» بدل «وأمره».

(٦) أ: آخر.

٨٥

فرّد عليها السّلام ومسح بيده(١) على رأسها، وقال: يا بنتاه كيف أمسيت يرحمك الله؟

قالت: بخير.

قال: عشّينا، رحمك الله. وقد قعد، فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول الله وعليّ - صلّى الله عليهما وآلهما - فلمّا نظر أمير المؤمنين إلى الطّعام وشمّ ريحه [رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا.

فقالت له فاطمة: سبحان الله، ما أشحّ نظرك وأشدّه! فهل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا أستوجب به السّخطة منك؟

فقال: وأيُّ ذنب أعظم من ذنب أصبت اليوم؟ أليس عهدي بك وأنت تحلفي بالله مجتهدة أنّك ما طعمت طعاما منذ يومين؟

فنظرت إلى السّماء وقالت: إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أنّي لم أقل إلّا حقّا].(٢) فقال لها: يا فاطمة فأنّى لك هذا الطّعام، الّذي لم أنظر إلى مثل لونه، ولم أشمّ مثل ريحه قطّ، ولم آكل أطيب منه؟

قال: فوضع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّه المباركة على كتف عليٍّ أمير المؤمنينعليه‌السلام وهزّها ثمّ هزّها ثلاث مرّات، [ثمّ](٣) قال: يا عليُّ هذا بدل دينارك، هذا جزاء(٤) دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. ثمّ استعبر باكيا وقال: الحمد لله الّذي أبى لكما أن يخرجكما من الدّنيا حتّى يجريك يا عليّ مجرى زكريا، ويجريك يا فاطمة مجرى مريم بنت عمران، وهو قوله تعالى:( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا. قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) .

( هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ) : في ذلك المكان، أو في ذلك الوقت - وهنا وثمّ وحيث، تستعار للزّمان - لـمّا رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله. أو لـمّا رأى الفواكه في غير أوانها، تنبّه لجواز ولادة العاقر من الشّيخ، فسأل ربّه.

( قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) : كما وهبتها لحنّة العجوز العاقر.

( إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ) (٣٨) مجيبه.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يده.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أجر.

٨٦

وفي عيون الأخبار(١) : بإسناده إلى الرّيّان بن شبيب قال: دخلت على الرّضاعليه‌السلام في أوّل يوم من المحرّم، فقال لي: يا بن شبيب أصائم أنت؟

فقلت(٢) : لا.

فقال: إنّ هذا اليوم هو اليوم الّذي دعا فيه زكرياعليه‌السلام ربّه - عزّ وجلّ - فقال:( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ) ، فاستجاب الله له، وأمر الملائكة فنادت زكريّا:( وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً ) (٣) .

فمن صام هذا اليوم، ثمّ دعا الله تعالى استجاب الله تعالى له، كما استجاب [الله](٤) لزكرياعليه‌السلام

وفي الكافي(٥) : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن رجل، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(٦) عليه‌السلام قال: من أراد أن يحبل له، فليصلّ ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الرّكوع والسّجود، ثمّ يقول: أللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به زكرياعليه‌السلام إذ قال: ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، أللّهمّ هب لي ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء، أللّهمّ باسمك استحللتها وفي أمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها ولدا، فاجعله غلاما، ولا تجعل للشّيطان فيه نصيبا ولا شريكا.

وفي مجمع البيان(٧) : وروى الحارث بن المغيرة(٨) قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّي من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد.

فقال: ادع الله(٩) وأنت ساجد: ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء،( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) .(١٠) قال: ففعلت(١١) ، فولد [لي](١٢) عليّ والحسين.

( فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ) ، أي: من جنسهم، كقولهم: زيد يركب الخيل. فإنّ المنادي ملك.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٩٩ ح ٥٨.

(٢) المصدر: قلت.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ٣ / ٤٨٢، ح ٣.

(٦) أو المصدر: أبي جعفر.

(٧) مجمع البيان ٤ / ٦١.

(٨) هكذا في أ. وفي الأصل والمصدر: الحرث بن المغيرة.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) الأنبياء / ٨٩.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فقلت.

(١٢) من المصدر.

٨٧

وقرأ حمزة والكسائيّ «فناديه» بالإمالة والتّذكير(١) .

( وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ ) ، أي: قائما في الصّلاة. ويصلّي، صفة قائم. أو خبر آخر. أو حال أخرى. أو حال عن الضّمير في «قائم».

وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وقال الصّادقعليه‌السلام : إنّ طاعة الله - عزّ وجلّ - خدمته في الأرض، وليس شيء من خدمته يعدل الصّلاة، فمن ثمّ نادت الملائكة زكريّا، وهو قائم يصلّي في المحراب.

( أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ) ، أي، بأنّ الله.

وقرأ نافع وابن عامر(٣) «بالكسر» على إرادة القول، أو لأنّ النّداء نوع منه.

وقرأ حمزة والكسائي «يبشّرك» من الإبشار(٤) .

ويحيى، أعجميّ وإن جعل عربيّا، فمنع صرفه للتّعريف، ووزن الفعل.

( مُصَدِّقاً ) : حال من «يحيى»،( بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ) ، أي: بعيسى. سمّي بذلك، لأنّه وجد بأمره تعالى من دون أب. أو بكتاب الله، سمّي بها تسمية للكلّ باسم جزئه،( وَسَيِّداً ) : يسود قومه ويفوقهم بالعصمة، لأنّه كان نبيّا،( وَحَصُوراً ) : مبالغا في حبس النّفس عن الشّهوات والملاهي.

ونقل(٥) : أنّه مرّ [في صباه](٦) بصبيان، فدعوه إلى اللّعب، فقال: ما للّعب خلقت.

وفي مجمع البيان(٧) : حصورا [: وهو الّذي(٨) لا يأتي النّساء. وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

( وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٣٩): ناشئا منهم، أو كائنا من عداد من لم يأت كبيرة ولا صغيرة.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٩) : بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣٣، ح ٦٢٣.

(٣) النسخ: «وقرأ نافع وحمزة وابن عامر.» وهي خطأ بدلالة المصدر. وهو أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) من المصدر.

(٧) مجمع البيان ١ / ٤٣٨.

(٨) من المصدر.

(٩) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٢٥ - ٢٢٦.

٨٨

عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبيّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ذكر عيسى بن مريم - عليهما السّلام - : فلمّا أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع(١) نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمّون الصّفا خليفته على المؤمنين، ففعل ذلك، فلم يزل شمعون في قومه(٢) يقوم بأمر الله - عزّ وجلّ - ويهتدي(٣) بجميع مقال عيسىعليه‌السلام في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفّار، فمن أطاعه وآمن به وبما(٤) جاء به كان مؤمنا، ومن جحده وعصاه كان كافرا، حتّى استخلص ربّنا - تبارك وتعالى - وبعث في عباده نبيّا من الصّالحين وهو يحيى بن زكريّا، فمضى(٥) شمعون وملك عند ذلك أردشير بن بابكان(٦) أربع عشرة سنة وعشرة أشهر.

وفي ثمان سنين من ملكه، قتلت اليهود يحيى بن زكريّا - عليهما السّلام - ولـمـّا(٧) أراد الله - عزّ وجلّ - أن يقبضه، أوحى إليه أن يجعل الوصيّة في ولد شمعون، ويأمر الحواريّين وأصحاب عيسى بالقيام معه، ففعل ذلك، وعندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة حتّى قتله الله، وكمل(٨) علم الله ونوره وتفصيل حكمته في ذرّيّة يعقوب بن شمعون، ومعه الحواريّون من أصحاب عيسىعليه‌السلام وعند ذلك ملك بخت نصر مائة سنة وسبعا وثمانين سنة، وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريّا، وخرّب بيت المقدس، وتفرّقت اليهود في البلدان.

( قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ) : استبعادا من حيث العادة، أو استعظاما وتعجّبا أو استفهاما عن كيفيّة حدوثه.

( وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ) : أدركني كبر السّنّ.

قال البيضاويّ(٩) : وكان(١٠) له تسع وتسعون سنة، ولا مرأته ثمان وتسعون [سنة].(١١)

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: استودع.

(٢) «في قومه» ليس في المصدر.

(٣) هكذا ورد في هامش الأصل. وفي متنه: «يجيء». وفي المصدر: «يحتذي».

(٤) النسخ: «فيما» بدل «وبما». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٥) المصدر: ثم قبض.

(٦) النسخ: «زاكا». تفسير نور الثقلين: «زاركا». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٧) المصدر: فلمّا.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.

(١٠) المصدر: كانت.

(١١) من المصدر.

٨٩

( وَامْرَأَتِي عاقِرٌ ) : لا تلد من العقر، وهو القطع، لأنّها ذات عقر من الأولاد.

( قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) (٤٠): كذلك الله، مبتدأ مؤخّر وخبر مقدّم، للقرينة، أي: الله على مثل هذه الصّفة. ويفعل ما يشاء، بيان له، أي: ما يشاء من العجائب. وهو إنشاء الولد من شيخ فان وعجوز عاقر. أو كذلك، خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر كذلك. والله يفعل ما يشاء، جملة أخرى لبيان أنّه يفعل ما يريده من العجائب، أي: أنت وزوجك كبير وعاقر، والله يفعل ما يشاء من خلق الولد.

ويحتمل أن يكون «كذلك» مفعولا مطلقا «ليفعل» ويكون ذلك إشارة إلى ما نعجب منه، أي: الله يفعل ما يشاء من العجائب مثل ذلك الفعل، أي: إنشاء الولد من الفاني والعاقر. أو إشارة إلى ما بيّنه من حالتهما، أي: الّذي يفعل ما يشاء من خلق الولد، كما أنت عليه وزوجك من الكبر والعقر.

( قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ) : علامة أعلم بها أنّ ذلك الصّوت من الله، ويكون عبادة يتدارك بها ما دخله من تلك الهبة. وذلك لأنّه إذا جعل له آية وأوحى إليه، الآية من الله [عبادة وشكرا للموهبة ،](١) يعلم أنّ صوت الملائكة بأمر الله ووحيه، ويخضع لله تعالى شكرا لنعمه.

في تفسير العيّاشيّ(٢) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ زكريّا لـمّا دعا ربّه أن يهب له ذكرا(٣) ، فنادته الملائكة بما نادته [به ،](٤) أحبّ أن يعلم أنّ ذلك الصّوت من الله، فأوحى(٥) إليه: أنّ آية ذلك أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيّام، قال: فلمّا أمسك لسانه ولم يتكلّم، علم أنّه لا يقدر على ذلك إلّا الله، وذلك قول الله:( رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [إِلَّا رَمْزاً ) .

وعن حمّاد(٦) ، عمّن حدّثه، عن أحدهما - عليهما السّلام - قال: لـمّا سأل [زكريّا](٧) ربّه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى، فدخله من ذلك، فقال:( رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً ) . فكان يؤمئ برأسه، وهو الرّمز.

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٧٢، ح ٤٣.

(٣) هكذا في المصدر. في النسخ: ولدا.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر: أوحى.

(٦) نفس المصدر والموضع، ح ٤٤.

(٧) من المصدر.

٩٠

( قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ) ، أي: الله أوحى إليه: أنّ آيتك وعبادتك ألّا تكلّم النّاس في ثلاثة أيّام].(١) وتخلص المّدة لذكر الله وشكره، قضاء لحقّ النّعمة.

( إِلَّا رَمْزاً ) : إشارة برأسك. وأصله التحريك ومنه الرّاموز للبحر. والاستثناء منقطع.

وقيل(٢) : متصل والمراد بالكلام ما دلّ على الضمير.

هذا إذا قرئ يمسك في الخبر الأوّل على البناء للفاعل، وإرجاع ضميره إلى زكريّا. وأمّا إذا قرئ على البناء للمفعول، أو يجعل فاعل الإمساك هو الله سبحانه، فالحلّ ما نقله البيضاويّ(٣) - ، من أنّ المعنى: اجعل لي آية علامة أعرف بها الحبل، ولأستقبله(٤) بالبشاشة والشّكر، وتزيح مشقّة الانتظار.( قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ) ، أي: لا تقدر على تكليم(٥) النّاس ثلاثا.

وقرئ: رمز، كخدم، جمع رامز. ورمز، كرسل، جمع رموز، على أنّه حال منه.

ومن النّاس، بمعنى: مترامزين. كقوله :

متى تلقني فردين تزحف

زوانف(٦) أليتيك وتستطار(٧) .

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً ) : أي، في أيّام الإمساك عن الكلام مع النّاس. وهو مؤكّد لما قبله، مبيّن للغرض منه.

قال البيضاويّ(٨) : وتقييد الأمر بالكثير(٩) ، يدلّ على أنّه ليس للتّكرار(١٠) . وفيه أنّه لعلّ التّقييد لتأكيد ما يفيده الأمر، فلا يدلّ على المدّعي.

( وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِ ) : من الزّوال إلى الغروب.

وقيل(١١) : من العصر، أو الغروب إلى ذهاب صدر اللّيل.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أستقبله.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تكلم.

(٦) هكذا في الأصل. وفي المصدر وأ: روانف

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) نفس المصدر ١ / ١٦٠.

(٩) هكذا في النسخ. وفي المصدر: بالكثرة.

(١٠) هكذا في النسخ. وفي المصدر: «لا يفيد التكرار» بدل «ليس للتكرار».

(١١) نفس المصدر والموضع.

٩١

( وَالْإِبْكارِ ) (٤١): من طلوع الفجر إلى الضّحى.

وقرئ بفتح الهمزة، جمع بكر، كسحر وأسحار(١) .

( وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ) (٤٢) قال البيضاويّ(٢) : كلّموها شفاها كرامة لها، ومن أنكر الكرامة زعم أنّ ذلك كان(٣) معجزة لزكريّا، أو إرهاصا لنبّوة عيسىعليه‌السلام فإنّ الإجماع على أنّه تعالى لم يستنبئ امرأة، لقوله:( وَما أَرْسَلْنا مِنْ ) (٤) ( قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً ) . وقيل: ألهموها. (انتهى) ويمكن أن يقال من قبل منكر الكرامة: لا تكون الكرامة لمن لم يكن فيه نصّ بالكرامة، وأمّا من حصل له التّخصيص بالتّنصيص كمريم وفاطمة صلوات الله عليهما، فهو بمنزلة الاستثناء.

والمقصود أنّه لا تجوز الكرامة لمن سواه، كوقوع المعجزة للأنبياء والأئمّة، فإنّهم يتخصّصون بها، ولا يلزم من وقوع شيء لأحد جواز وقوعه لكلّ أحد شرعا، وإن لم يمتنع عليه عقلا، والمجوّز وقوعه لكلّ أحد بوقوعه لبعض التبس عليه معنى الجواز، فتبصّر.

قيل(٥) : الاصطفاء الأوّل تقبّلها من أمّها، ولم تقبل قبلها أنثى، وتفريغها للعبادة، وإغناؤها برزق الجنّة عن الكسب [، وتطهيرها عمّا يستقذر من النّساء](٦) . والثّانية هدايتها، وإرسال الملائكة إليها، وتخصيصها بالكرامات السّنيّة، كالولد من غير أب، وتبرئتها ممّا(٧) قذفته اليهود بإنطاق الطّفل، وجعلها وابنها آية للعالمين.

والأظهر أنّ الاصطفاء الأوّل، اصطفاؤها من ذرّيّة الأنبياء والثّاني، اصطفاؤها لولادة عيسى، من غير فحل، وتطهيرها، طهّرها من أن يكون في آبائها وأمّهاتها وفي نفسها سفاح.

وقيل(٨) : وتطهيرها ممّا(٩) يستقذر من النّساء.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) هكذا في النسخ. وفي المصدر: كانت.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: عمّا.

(٨) نفس الموضع والمصدر.

(٩) هكذا في النسخ. وفي المصدر: عمّا.

٩٢

وينافيه ظاهر ما سبق في الخبر من قوله: فلمّا بلغت ما يبلغ النّساء من الطّمث.

وأمّا ما رواه العيّاشي(١) في تفسيره، عن الحكم بن عتيبة(٢) ، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله في الكتاب،( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ) . اصطفاها مرّتين، والاصطفاء إنّما هو مرّة واحدة؟

قال: فقال [لي :](٣) يا حكم إنّ لهذا تأويلا وتفسيرا.

فقلت له: ففسّره لنا أبقاك الله.

فقال: يعني اصطفاءها(٤) إيّاها أوّلا من ذرّيّة الأنبياء المصطفين المرسلين، وطهّرها من أن يكون في ولادتها من آبائها وأمّهاتها سفاح(٥) ، واصطفاءها بهذا في القرآن،( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي [مَعَ الرَّاكِعِينَ] ) (٦) شكرا لله.

فالظّاهر أنّ السّائل قد خفي عليه الاصطفاء الأوّل، وانحصر الاصطفاء عنده في الثّاني، وسأل فبيّنهعليه‌السلام له، وسكت عن الثّاني لظهوره عنده.

وفي مجمع البيان(٧) :( وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ) ، أي: عالمي(٨) زمانك، لأنّ فاطمة بنت رسول الله - صلّى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها - سيّدة نساء العالمين.

وهو قول أبي جعفرعليه‌السلام

وقد(٩) روي عن النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: فضلّت خديجة على نساء أمّتي كما فضلّت مريم على نساء العالمين.

وقال أبو جعفرعليه‌السلام : معنى الآية: واصطفاك من ذرّيّة الأنبياء، وطهّرك من السّفاح، واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل وزوج.

( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (٤٣)

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٧٣، ح ٤٧.

(٢) هكذا في أو تفسير نور الثقلين. وفي الأصل ورو المصدر: «غيينة». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ١ / ٣٥٨، ذيل «الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي»، وص ٣٦٠، ذيل «الحكم بن عيينة».

(٣) من المصدر.

(٤) النسخ: «اصطفاءه» وهو صحيح ايضا.

(٥) المصدر: سفاحا.

(٦) من أ.

(٧) مجمع البيان ١ / ٤٤٠.

(٨) المصدر: «على نساء» بدل «عالمي».

(٩) «قد» ليس في المصدر. والأحسن وجودها.

٩٣

قيل(١) : أمرت بالصّلاة في الجماعة بذكر أركانها، مبالغة في المحافظة عليها. وقدّم السّجود على الرّكوع، إمّا لكونه كذلك في شريعتهم، أو للتّنبيه على أنّ الواو لا توجب التّرتيب، أو ليقترن اركعي بالرّاكعين للإيذان بأنّ من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلّين.

وقيل(٢) : يحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم ويسجد في صلاته ولا يركع، وفيه من يركع، فأمرت بأن تركع مع الرّاكعين، ولا تكون مع من لا يركع.

وقيل(٣) : المراد بالقنوت أداء الطّاعة، كقوله(٤) :( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ) . وبالسّجود، الصّلاة، كقوله(٥) :( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) . وبالرّكوع، الخشوع والإخبات.

وفي كتاب علل الشرائع(٦) ، بإسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: إنّما سمّيت فاطمة - عليها السّلام - محدّثة، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السّماء، فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله - عزّ وجلّ - جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين.

[وفي أصول الكافي(٧) ، بإسناده إلى عليّ بن محمّد الهرمزاني(٨) ، عن أبي عبد الله الحسين بن عليّعليه‌السلام ، قال: لـمّا قبضت فاطمة - عليها السّلام - دفنها أمير المؤمنينعليه‌السلام سرّا، وعفا على موضع قبرها. ثمّ قام(٩) فحوّل وجهه إلى قبر

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٦٠.

(٢) تفسير الكشاف ١ / ٤٢٩.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦٠.

(٤) الزمر / ٣.

(٥) ق / ٤٠.

(٦) علل الشرائع / ١٨٢، ح ١.

(٧) الكافي ١ / ٤٥٨ - ٤٥٩، صدر حديث ٣.

(٨) هكذا في المصدر وفي النسختين الأصل ور: «الهرمزي». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ٣٠٩، رقم ٨٥١٥.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسختين الأصل ور: قال.

٩٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السّلام عليك يا رسول الله عنّي، والسّلام عليك عن ابنتك، وزائرتك، والبائتة في الثّرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللّحاق بك. قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة].(١)

وفي نهج البلاغة(٢) ، من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية جوابا: ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب.

وفي من لا يحضره الفقيه(٣) ، روى المعلّى بن محمّد البصريّ، عن جعفر بن سليمان، عن عبد الله بن الحكم(٤) ، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ عليّا وصييّ، وخليفتي، وزوجته فاطمة سيّدة نساء العالمين ابنتي.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أمالي الصّدوق - رحمه الله(٥) - بإسناده إلى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: أيّما امرأة صلّت في اليوم واللّيلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان، وحجّت بيت الله الحرام، وزكّت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت عليّا [بعدي](٦) دخلت الجنّة بشفاعة ابنتي فاطمة. فانّها(٧) لسيّدة نساء العالمين.

فقيل له(٨) : يا رسول الله أهي سيّدة نساء(٩) عالمها؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذاك مريم ابنة عمران. وأما(١٠) ابنتي فاطمة فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين. وإنّها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون الف ملك

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) نهج البلاغة / ٣٨٧، ضمن رسالة ٢٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٣١، ح ٤٥٥.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «أبي عبد الله بن الحكم». والظاهر هي خطأ. ر. رجال النجاشي / ٢٢٥، رقم ٥٩١.

(٥) أمالي الصدوق / ٣٩٣ - ٣٩٤، ضمن حديث ١٨.

(٦) من المصدر.

(٧) أو المصدر: وإنّها.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) المصدر: لنساء.

(١٠) المصدر: «ذاك لمريم بنت عمران فامّا» بدل «ذاك مريم ابنة عمران وأمّا».

٩٥

من الملائكة المقرّبين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك، وطهّرك، واصطفاك على نساء العالمين.

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده إلى الأصبغ بن نباتة(١) ، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه: أيّها النّاس اسمعوا قولي واعقلوه(٢) عنّي، فإنّ الفراق قريب. أنا إمام البريّة، ووصيّ خير الخليفة، وزوج سيّدة نساء هذه الأمّة.

( ذلِكَ ) ، أي: ما ذكرنا من قصص زكريّا ويحيى ومريم،( مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) : من الغيوب الّتي لم تعرفها إلّا بالوحي.

( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ ) :

قيل(٣) : أقداحهم للاقتراع في نهر الأردنّ(٤) .

وقيل(٥) : أقلامهم الّتي كانوا يكتبون [بها](٦) التّوراة تبرّكا.

والمراد تقرير كونه وحيا على سبيل التّهكّم بمنكريه. فإنّ طريق معرفة الوقائع المشاهدة أو السّماع. وعدم السّماع معلوم لا شبهة فيه عندهم. فبقي أن يكون الاهتمام(٧) باحتمال العيان، ولا يظنّ به عاقل، ليعلموا:( أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) : معمول لما دلّ عليه( يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ ) .

وفي كتاب الخصال(٨) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أوّل من سوهم عليه مريم بنت عمران، وهو قول الله تعالى:( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) ، والسّهام ستّة.

وفي من لا يحضره الفقيه(٩) ، مثله.

__________________

(١) نفس المصدر / ٤٨٤ - ٤٨٥، صدر حديث ٩.

(٢) المصدر: اعتقلوه.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦٠.

(٤) النسخ: «شهر أردن» وهي خطأ ظاهرا. وكلمة «شهر» فارسية. بمعنى مدينه. وأما بالنسبة إلى إلقائهم أقلامهم في ماء النهر للاقتراع راجع بحار الأنوار ١٤ / ١٩٦ نقلا عن مجمع البيان. وهو نهر الأردنّ، راجع تفسير القاسمي (محاسن التأويل) ٤ / ٩٨.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر: الإيهام.

(٨) الخصال / ١٥٦، ح ١٩٨. وللحديث تتمة.

(٩) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥١، ح ١٧٣. وله تتمة.

٩٦

( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (٤٤): تنافسا في كفالتها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(١) ، قال: لـمّا ولدت اختصم(٢) فيها، فكلّهم(٣) قالوا: نحن نكفّلها، فخرجوا وضربوا(٤) بالسّهام بينهم، فخرج(٥) سهم زكريّا، فتكفّلها(٦) زكريّا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٧) ، عن الحكم بن عتيبة(٨) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : قال لنبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره بما غاب عنه من خبر مريم وعيسى: يا محمّد ذلك من أنباء الغيب، نوحيه إليك في مريم وابنها، وبما خصّهما الله به(٩) وفضّلهما وكرّمهما(١٠) ، حيث قال:( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ) يا محمّد يعني بذلك ربّ(١١) الملائكة،( إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) حين أيتمت من أبيها.

وفي رواية اخرى(١٢) ، عن ابن أبي خوار(١٣) ( أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) حين أيتمت من أبيها(١٤) ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ) يا محمّد( إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) في مريم [عند ولادتها بعيسى](١٥) [بن مريم](١٦) أيّهم يكفلها ويكفل ولدها.

قال: [فقلت](١٧) له: أبقاك الله فمن كفلها؟

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٠٢.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: اختصموا.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: وكلّهم.

(٤) هكذا في النسخ. وفي المصدر: قارعوا.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: وخرج

(٦) هكذا في المصدر: وفي النسخ: فكفلها.

(٧) تفسير العياشي ١ / ١٧٣، ذيل حديث ٤٧.

(٨) النسخ والمصدر: «عيينة» وهو وهم. ر. تنقيح المقال ١ / ٣٥٨، ذيل «الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي»، وص ٣٦٠، ذيل «الحكم بن عيينة».

(٩) النسخ: «منه» بدل «الله به». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(١٠) المصدر: أكرمهما.

(١١) المصدر: لربّ.

(١٢) نفس المصدر والموضع، ح ٤٨. وللحديث تتمة.

(١٣) هكذا في النسخ. وفي المصدر وتفسير البرهان ١ / ٢٨٣ رقم ١٦: خرزاد. وفي تفسير نور الثقلين: خراد.

ونحن لم نعثر على ترجمة لهذا الراوي في كتب الرجال.

(١٤) المصدر: أبويها.

(١٥) من المصدر.

(١٦) من أ.

(١٧) من المصدر.

٩٧

فقال: أما تسمع لقوله الآية( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ ) : بدل من «إذ قالت» الأولى أو من «إذ يختصمون» بناء على أنّ الاختصام والبشارة في زمان متّسع، كقولك: لقيته سنة كذا.( يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) : المسيح لقبه، وهو من الألقاب المادحة، وأصله مشيحا بالعبرانيّة، ومعناه: المبارك، كقوله(١) : وجعلني مباركا.

وعيسى معرّب أيشوع، واشتقاقهما(٢) من المسح، لأنّه مسح بالبركة، أو بما طهّره من الذّنوب، أو مسح الأرض ولم يقم في موضع، أو مسحه جبرئيل. ومن العيس وهو بياض يعلوه حمرة، كالرّاقم على الماء.

فإن قلت: لم قيل: اسمه المسيح عيسى بن مريم، وهذه ثلاثة أشياء، الاسم منها عيسى، واما المسيح والابن فلقب وصفة؟

قلت الاسم للمسمّى علامة يعرف بها ويتمّيز بها عن غيره، فكأنّه قيل: الّذي يعرف به، ويتميّز ممّن سواه، مجموع هذه الثّلاثة. ويحتمل أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف، وابن مريم صفته. وأن يكون كلّ من الثّلاثة اسما، بمعنى: أنّ كلّا منها يميّز تمييز الأسماء. ولا ينافي تعدّد الخبر افراد المبتدأ، فإنّه اسم جنس مضاف، وإنّما قيل: ابن مريم والخطاب لها تنبيها على أنّه يولد من غير أب، إذ الأولاد تنسب إلى الآباء، ولا تنسب إلى الأمّ، إلّا إذا فقد الأب.

( وَجِيهاً فِي الدُّنْيا ) : حال مقدّرة من «كلمة» الموصوفة بقوله: «منه». والتّذكير للمعنى، ووجاهته في الدّنيا بالنّبوّة.

( وَالْآخِرَةِ ) : بالشّفاعة.

( وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (٤٥): من الله.

وقيل(٣) : إشارة إلى علو درجته في الجنّة.

وقيل(٤) : إلى رفعه إلى السّماء، وصحبته الملائكة.

( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ) ، أي: حال كونه طفلا وكهلا كلام الأنبياء

__________________

(١) مريم / ٣١.

(٢) هكذا في أنوار التنزيل ١ / ١٦٠. وفي النسخ: «أيسوع ومشتقهما» بدل «ايشوع واشتقاقهما».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦١.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٩٨

من غير تفاوت.

وفي أصول الكافي(١) ، عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسيّ قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام أكان عيسى بن مريم حين تكلّم في المهد حجّة الله على أهل زمانه؟

فقال: كان يومئذ نبيّا حجّة الله غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال(٢) :( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا )

. والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و «المهد» مصدر، سمّي به ما يمهّد للصّبيّ من مضجعه.

و «الكهل» من خطّه الشّيب ورأيت له بجالة. ولذا قيل(٣) : والمراد وكهلا بعد نزوله.

[لأنّه رفع شابّا](٤) وذكر أحواله المختلفة المتنافية إشارة(٥) إلى أنّه ممكن ليس بإله(٦) .

( وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (٤٦): قال ثالث من «كلمة» أو ضميرها الّذي في «يكلّم».

( قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ) : تعجّب.

وقيل(٧) : استبعاد عاديّ، أو استفهام عن أنّه يكون بتزوّج أو غيره.

( قالَ ) : جبرئيل، أو الله وجبرئيل حكى بها قوله تعالى:( كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٤٧)، أي: كما أنّه يقدر أن يخلق الأشياء بأسباب وموادّ متدرّجا، يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك.

( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ) (٤٨) :

إمّا كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها، وإزاحة لما همّها من خوف اللّوم على أنّها تلد من غير زوج. أو عطف على «يبشّرك» أو «وجيها».

__________________

(١) الكافي ١ / ٣٨٢، ضمن حديث ١.

(٢) مريم / ٣١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦١.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر: إرشادا.

(٦) المصدر: «بمعزل عن الألوهيّة» بدل «ممكن ليس باله».

(٧) نفس المصدر والموضع.

٩٩

والكتاب الكتبة، أو جنس الكتب المنزلة. وتخصيص الكتابين لفضلهما.

وقرأ عاصم ونافع، بالياء(١) .

( وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرائِيلَ ) : منصوب بمقدّر، على إرادة القول. والتّقدير «ويقول: أرسلت رسولا» أو بالعطف، على الأحوال المتقدّمة. وتخصيص بني إسرائيل لخصوص من بعثته، أو للرّدّ على من زعم أنّه مبعوث إلى غيره.

في كتاب كمال الدّين(٢) وتمام النّعمة، بإسناده إلى محمّد بن الفضل(٣) ، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر - عليهم السّلام - في حديث طويل، يقول فيه: ثمّ إنّ الله - عزّ وجلّ - أرسل عيسىعليه‌السلام إلى بني إسرائيل خاصّة، وكانت نبوّته ببيت المقدس.

( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) : متعلّق «برسولا» على تضمين معنى النّطق، أي: ناطقا بأنّي الخ.

والآية ما يذكر بعده وهو :

( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) : نصب(٤) بدل من «أنيّ»، أو جرّ بدل من «آية»، أو رفع على هي أنّي، والمعنى: أقدر وأصوّر لكم مثل صورة الطّير.

( فَأَنْفُخُ فِيهِ ) :

الضّمير للكاف، أي: في ذلك المثل.

( فَيَكُونُ طَيْراً ) : فيصير طيّارا.

( بِإِذْنِ اللهِ ) : بأمره. ونبّه به على أنّ إحياءه من الله لا منه.

وقرأ نافع هنا وفي المائدة طائرا، بألف وهمزة(٥) .

وفي كتاب الخصال(٦) ، عن الحسين بن عليّ - عليهما السّلام - قال: كان عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام بالكوفة في الجامع، إذ قام إليه رجل من أهل الشّام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله [أن قال له](٧) : أخبرني عن ستّة لم يركضوا في رحم؟

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٢٠.

(٣) المصدر: محمد بن الفضيل.

(٤) أ: فيصير طيّارا نصب

(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٦١.

(٦) الخصال / ٣٢٢، ح ٨.

(٧) من المصدر.

١٠٠

فقال: آدم وحوّاء وكبش إبراهيم(١) وعصا موسى وناقة صالح والخفّاش الّذي عمله عيسى بن مريم، فطار بإذن الله تعالى.

( وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ ) : الّذي ولد أعمى، والممسوح العين.

( وَالْأَبْرَصَ ) : الّذي به البرص، نقل(٢) : أنّه ربّما يجتمع عليه ألوف من المرضى، من أطاق منهم أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى. وما يداوي إلّا بالدّعاء.

( وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ ) :

كرّره لدفع توهّم الألوهيّة(٣) فإنّ الإحياء ليس من جنس الأفعال البشريّة.

وفي عيون الأخبار(٤) ، بإسناده إلى أبي يعقوب البغداديّ قال: قال ابن السّكيت لأبي الحسن الرّضاعليه‌السلام : لما ذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء [والعصا](٥) وآلة السّحر، وبعث عيسى بالطّبّ، وبعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالكلام والخطب؟

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : إنّ الله تعالى لـمّا بعث موسى - إلى أن قال - : وإنّ الله تعالى بعث عيسىعليه‌السلام في وقت ظهرت فيه الزّمانات واحتاج النّاس إلى الطّب، فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عندهم مثله، وإنّما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه(٦) والأبرص بإذن الله تعالى وأثبت به الحجّة عليهم.

وفي روضة الكافي(٧) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب وغيره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه سئل: هل كان عيسى بن مريم أحيا أحدا بعد موته حتّى كان له أكل ورزق ومدّة وولد؟

فقال: نعم، إنّه كان له صديق مؤاخ له في الله تعالى وكان عيسى

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: إسماعيل.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٦١ - ١٦٢.

(٣) الأصل: اللاهوتيّة. وما أثبتناه في المتن موافق أو أنوار التنزيل ١ / ١٦٢.

(٤) عيون أخبار الرضا ٢ / ٧٩ - ٨٠، ضمن حديث ١٢.

(٥) من أ. وفي المصدر: «بالعصا ويده البيضاء» بدل «بيده البيضاء والعصا».

(٦) المصدر: أبرأ لهم الأكمه.

(٧) الكافي ٨ / ٣٣٧، ح ٥٣٢.

١٠١

ـ عليه السّلام - يمرّ به وينزل عليه، وأنّ عيسىعليه‌السلام غاب عنه حينا ثمّ مرّ به ليسلّم عليه، فخرجت إليه أمّه فسألها عنه، فقالت: مات يا رسول الله. قال: أفتحبّين أن تريه(١)؟ قالت: نعم. فقال لها: فإذا كان غدا فآتيك حتّى أحييه لك بإذن الله - تبارك وتعالى - فلمّا كان من الغد أتاها، فقال لها: إنطلقي معي إلى قبره. فانطلقا حتّى أتيا قبره فوقف [عليه](٢) عيسى - صلّى الله عليه - ثمّ دعا الله - عزّ وجلّ - فانفرج القبر وخرج ابنها حيّا. فلمّا رأته أمّه ورآها بكيا. فرحمهما عيسىعليه‌السلام فقال [له].(٣) عيسى: أتحبّ أن تبقى مع أمّك في الدّنيا؟ فقال: يا نبي الله بأكل ورزق ومدّة أم بغير أكل ورزق ومدّة(٤)؟ فقال له عيسىعليه‌السلام : بأكل ورزق ومدّة [و](٥) تعمّر عشرين سنة وتزوّج ويولد لك، قال: نعم إذا.

قال: فدفعه عيسى إلى أمّه فعاش عشرين سنه [تزوّج](٦) وولد له.

وفي الكافي(٧) : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد، عن عبد الله بن سليم العامريّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريّا - عليهما السّلام - وكان سأل ربّه أن يحييه له، فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر، فقال له: ما تريد منّي؟ فقال له: أريد أن تؤنسني كما كنت في الدّنيا، فقال له: يا عيسى ما سكنت عنّي حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدّنيا وتعود عليّ حرارة الموت، فتركه فعاد إلى قبره.

( وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) : بالمغيبات من أحوالكم الّتي لا تشكّون فيها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) ، حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيّ قال: حدّثني جعفر بن عبد الله قال: حدّثنا كثير بن عيّاش، عن زياد بن المنذر [عن](٩) أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ - عليهما السّلام - في قوله:( [وَ] ) (١٠) ( أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ [فِي بُيُوتِكُمْ ) ](١١) فإنّ عيسىعليه‌السلام كان يقول لبني إسرائيل :

__________________

(١) المصدر: تراه.

(٢) من المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر وا: ولا رزق ولا مدة.

(٥ و ٦) من المصدر.

(٧) الكافي ٣ / ٢٦٠، ح ٣٧.

(٨) تفسير القمي ١ / ١٠٢.

(٩ و ١٠) و ١١ - من المصدر.

١٠٢

( إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ ) و( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ) ، والأكمه هو الأعمى. قالوا: ما نرى الّذي تصنع إلّا سحرا. فأرنا آية نعلم أنّك صادق. قال: أرأيتم(١) إن أخبرتكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم(٢) ، يقول: ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادّخرتم باللّيل(٣) تعلمون أنّي صادق. قالوا: نعم. فكان يقول للرّجل(٤) : أكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا. فمنهم من يقبل منه فيؤمن. ومنهم من ينكر فيكفر(٥) . وكان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين.

( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٤٩): موفّقين للإيمان، فإنّ غيرهم لا ينتفع بالمعجزات. أو مصدّقين بالحقّ غير معاندين.

وفي كتاب الاحتجاج(٦) للطّبرسيّ - رحمه الله - : روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي - عليهم السّلام - أنّه قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لعلّيعليه‌السلام في أثناء كلام طويل - : فإنّ هذا عيسى بن مريم تزعمون(٧) أنّه تكلّم في المهد صبيّا؟

قال له عليّعليه‌السلام : لقد كان كذلك. ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله سقط من بطن أمّه واضعا يده اليسرى على الأرض ورافعا يده اليمنى(٨) إلى السّماء، يحرّك شفتيه بالتّوحيد، وبدا من فيه نور رأى أهل مكّة [منه](٩) قصور بصرى من الشام وما يليها والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها والقصور البيض من إصطخر(١٠) وما يليها، ولقد أضاءت الدّنيا ليلة ولد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى فزعت الجنّ والإنس والشّياطين، وقالوا: حدث في الأرض حدث.

قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى يزعمون أنّه خلق من الطّين كهيئة الطّير فينفخ(١١) فيه فكان طيرا بإذن الله - عزّ وجلّ -

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أرأيتكم.

(٢) «في بيوتكم» ليس في المصدر.

(٣) المصدر: «ذخرتم الليل» بدل «ادّخرتم بالليل».

(٤) النسخ: «انت» بدل «للرجل».

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «يكفر» بدل «ينكر فيكفر».

(٦) الاحتجاج ١ / ٣١٤ - ٣٣٥، مقاطع من الحديث.

(٧) أور: أيزعمون.

(٨) ليس في أ.

(٩) من المصدر.

(١٠) المصدر: اسطخر.

(١١) المصدر: فنفخ.

١٠٣

فقال له عليٌّعليه‌السلام : لقد كان كذلك، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ما هو شبيه لهذا، إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا. ثمّ قال للحجر: انفلق، فانفلق ثلاث فلق يسمع لكلّ فلقة منها تسبيح لا يسمع للأخرى.

ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ولكلّ غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس. ثمّ قال لها: إنشقّي، فانشقّت نصفين. ثمّ قال لها: إلتزقي، فالتزقت. ثمّ قال لها: أشهدي لي(١) بالنّبوّة، فشهدت.

ثمّ قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى تزعمون(٢) أنّه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله - عزّ وجلّ -

فقال له عليٌّعليه‌السلام : لقد كان كذلك، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطي ما هو أفضل [من ذلك](٣) أبرأ ذا العاهة من عاهته، فبينما(٤) هو جالس إذ سأل عن(٥) رجل من أصحابه، فقالوا(٦) : يا رسول الله إنّه قد صار في(٧) البلاء كهيئة الفرخ [الّذي](٨) لا ريش عليه. فأتاهعليه‌السلام فإذا هو كهيئة الفرخ من شدّة البلاء. فقال له: قد كنت تدعو في صحّتك دعاء. قال: نعم. كنت أقول: يا ربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجّلها(٩) لي في الدّنيا. فقال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا قلت: أللّهمّ( آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ) . فقالها [الرّجل](١٠) فكأنّما نشط من عقال وقام صحيحا وخرج معنا.

ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطّع من الجذام. فشكا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ قدحا من ماء فتفّل فيه. ثمّ قال: إمسح به(١١) جسدك. ففعل، فبرئ حتّى لم يوجد فيه(١٢) شيء.

ولقد أتي النبيّ بأعرابيّ(١٣) أبرص. فتفّل [من](١٤) فيه [عليه](١٥) فما قام من عنده إلّا

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: يزعمون.

(٣ و ٨ و ١٠ و ١٤ و ١٥) من المصدر.

(٤) المصدر: وبينما.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فقال.

(٧) المصدر: من.

(٩) المصدر: فاجعلها.

(١١) ليس في المصدر.

(١٢) المصدر: عليه.

(١٣) النسخ: «أتى العربيّ» بدل «أتي النبيّ بأعرابيّ». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

١٠٤

صحيحا.

ولئن زعمت أنّ عيسىعليه‌السلام أبرأ ذوي العاهات(١) من عاهاتهم، فإنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو في بعض(٢) أصحابه إذا(٣) هو بامرأة فقالت: يا رسول الله إنّ ابني قد أشرف على حياض الموت كلّما أتيته بطعام وقع عليه التّثاؤب. فقام النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقمنا معه. فلمّا أتيناه قال له، جانب يا عدوّ الله وليّ الله (فأنا)(٤) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجانبه الشّيطان، فقام صحيحا وهو معنا في عسكرنا.

ولئن زعمت أنّ عيسى بن مريم أبرأ العميان(٥) ، فإنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ما هو أكثر من ذلك، إنّ قتادة بن ربعي كان رجلا صحيحا، فلمّا كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه، فبدرت حدقته فأخذها بيده، ثمّ أتى بها النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من يده، ثمّ وضعها مكانها، فلم تكن تعرف إلّا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الأخرى.

ولقد خرج عبد الله بن عتيك(٦) وبانت يده يوم حنين، فجاء إلى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلا، فمسح عليه يده، فلم تكن تعرف من اليد الأخرى.

ولقد أصاب محمّد بن مسلمة يوم كعب بن الأشرف(٧) مثل ذلك في عينه ويده، فمسحه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يستبينا.

ولقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه(٨) ، فمسحها فما عرفت من الأخرى، فهذه كلّها دلالة لنبوّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى يزعمون أنّه أحيا الموتى بإذن الله.

__________________

(١) هكذا في النسخ. وفي المصدر: ذا العاهات.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: إذ.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فأتاه.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: العمياء.

(٦) المصدر: «عبد الله بن عبيد» وقيل فيه: «في بعض النسخ: عتيك» والظاهر هو الأصوب. كذا ورد في النسخ. ر. تنقيح المقال ٢ / ١٩٧، رقم ٦٩٤٧.

(٧) المصدر: كعب بن أشرف.

(٨) «في عينه» ليس في ر.

١٠٥

قال له عليٌّعليه‌السلام : لقد كان ذلك، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله سبّحت في يده تسع حصيات فسمع نغماتها في جمودها ولا روح فيها لتمام حجّة نبوّته، ولقد كلّمه الموتى(١) من بعد موتهم واستغاثوه ممّا خافوا تبعته. ولقد صلّى بأصحابه ذات يوم فقال: ما ها هنا من بني النّجّار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنّة. بثلاثة دراهم لفلان اليهوديّ، وكان شهيدا.

ولئن زعمت(٢) أنّ عيسى كلّم الموتى، فلقد كان لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو أعجب من هذا، إنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا نزل بالطّائف وحاصر أهلها بعثوا إليه بشاة(٣) مسلوخة مطليّة بسمّ، فنطق الذّراع منها فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإنّي مسمومة، فلو كلّمت البهيمة وهي حيّة لكانت من أعظم حجج الله عزّ ذكره على المنكرين لنبوّته، فكيف وقد كلّمته من بعد ذبح وسلخ وشوي(٤) .

ولقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو بالشّجرة فتجيبه، وتكلّمه البهيمة، وتكلّمه السّباع، وتشهد له بالنّبوّة وتحذّرهم عصيانه، فهذا أكثر ممّا أعطي عيسى.

قال له اليهوديّ: إنّ عيسى تزعمون(٥) أنّه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم.

قال له عليٌّعليه‌السلام : لقد كان كذلك، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ما هو أكبر(٦) من هذا إنّ عيسى أنبأ قومه بما كان(٧) من وراء الحائط، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنبأ قومه(٨) [عن موتة](٩) وهو عنها غائب، ووصف حربهم ومن استشهد(١٠) منهم، وبينه وبينهم مسيرة شهور، وكان يأتيه الرّجل يريد أن يسأله عن شيء فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : تقول أو أقول، فيقول: بل قل يا رسول الله، فيقول: جئتني في كذا وكذا، حتّى يفرغ(١١) من حاجته. ولقد كان يخبر أهل مكّة بأسرارهم بمكّة حتّى

__________________

(١) أ: «الله» بدل «الموتى».

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: إن زعمت.

(٣) النسخ: «شاة». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٤) المصدر: شي

(٥) المصدر: يزعمون.

(٦) المصدر: «كان له أكثر» بدل «فعل ما هو أكبر».

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يأكلون.

(٨) هكذا في أ. وفي المصدر وسائر النسخ: من قومه.

(٩) من المصدر.

(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ: اشهد.

(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فرغ.

١٠٦

لا يترك من أسرارهم شيئا، منها ما كان بين صفوان بن أميّة وبين عمير بن وهب(١) [إذ أتاه عمير](٢) فقال: جئت في فكاك ابني، فقال له: كذبت بل قلت لصفوان [بن أميّة](٣) وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: والله للموت(٤) أهون علينا(٥) من البقاء مع ما صنع محمّد بنا. وهل حياة بعد أهل القليب؟! فقلت أنت: لولا عيالي ودين عليّ لأرحتك من محمّد، فقال صفوان: عليّ أن أقضي دينك وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهنّ ما يصيبهنّ(٦) من خير أو شرّ، فقلت أنت: فاكتمها عليّ وجهّزني حتّى أذهب فأقتله، فجئت لقتلي، فقال(٧) : صدقت يا رسول الله فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله.

وأشباه هذا ممّا لا يحصى.

وفي أصول الكافي(٨) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فقلت له: أنتم ورثة(٩) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال: نعم.

قلت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وارث الأنبياء علّم كما(١٠) علّموا؟

قال [لي](١١) : نعم.

قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرأوا الأكمه والأبرص؟

قال لي(١٢) : نعم بإذن الله. ثمّ قال [لي](١٣) : أدن منّي يا أبا محمّد، فدنوت منه، فمسح على وجهي وعلى عيني، فأبصرت الشّمس والسّماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في البلد، ثمّ قال لي: أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للنّاس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: عمير بن وهيب.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الموت.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: لنا.

(٦) «ما يصيبهنّ» ليس في أ.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «لتقتلني قال» بدل «لقتلى فقال».

(٨) الكافي ١ / ٤٧٠، ح ٣.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «وأنت ورثت» بدل «أنتم ورثة».

(١٠) المصدر ور: كلّما.

(١١) من المصدر.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) من المصدر.

١٠٧

كنت ولك الجنّة خالصا؟

قلت: أعود كما كنت. فمسح على عيني، فعدت كما كنت. [قال :](١) فحدّثت ابن أبي عمير بهذا، فقال: أشهد أنّ هذا حقٌّ كما أنّ النّهار حقٌّ.

وفي كتاب التّوحيد(٢) ، في باب مجلس الرّضاعليه‌السلام مع أصحاب الأديان والمقالات، قال الرّضاعليه‌السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم. فوجّه معهم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال [له](٣) : إذهب إلى الجبّانة(٤) فناد بأسماء هؤلاء الرّهط الّذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان ويا فلان ويا فلان، يقول لكم محمّد [رسول الله](٥) : قوموا بإذن الله - عزّ وجلّ - ، فقاموا ينفضون التّراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثمّ أخبروهم أنّ محمّدا قد بعث نبيّا، وقالوا: وددنا أنّا(٦) أدركناه فنؤمن به، ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين، وكلّمه البهائم والطّير والجنّ والشّياطين، ولم نتّخذه ربّا من دون الله - عزّ وجلّ -

( وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ) : عطف على «رسولا» على الوجهين. أو منصوب بإضمار فعل، دلّ عليه «قد جئتكم»، أي: وجئتكم مصدّقا.

( وَلِأُحِلَّ لَكُمْ ) : مقدّر بإضمار فعل، دلّ عليه «قد جئتكم»، أي: وجئتكم لأحلّ. أو مردود على قوله: «قد جئتكم» بآية، أي: جئتكم لأظهر آية ولأحلّ. أو على معنى «مصدّقا»: أي: جئتكم لأصدّق ولأحلّ، كقولهم: جئتك معتذرا ولأطيّب قلبك.

( بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ) ، أي: في شريعة موسىعليه‌السلام كالشّحوم والثّروب(٧) والسّمك ولحوم الإبل والعمل في السّبت. وفي الآية دلالة، على أنّ شرعه كان ناسخا لشرع موسىعليه‌السلام

وفي تفسير العيّاشيّ(٨) : عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:

__________________

(١) من المصدر.

(٢) التوحيد / ٤٢٣، مقطع من حديث ١ من باب ٦٥.

(٣) من المصدر.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: جبانة.

(٥) من المصدر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: إنّا كنّا.

(٧) هكذا في أنوار التنزيل ١ / ١٦٤. وهو جمع لثرب وزان فلس. والثرب شحم رقيق على الكرش والأمعاء.

(ر. المصباح المنير للفيّومي.) وفي النسخ: الشروب.

(٨) تفسير العياشي ١ / ١٧٥، ح ٥٢.

١٠٨

كان بين داود وعيسى بن مريم - عليهما السّلام - أربعمائة سنة، وكان شريعة عيسى أنّه بعث بالتّوحيد والإخلاص، وبما أوصى به نوح وإبراهيم وموسى، وأنزل عليه الإنجيل، وأخذ عليه الميثاق الّذي أخذ على النّبيّين، وشرّع له في الكتاب إقام الصّلاة مع الّدين، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأنزل عليه في الإنجيل مواعظ وأمثال وحدود ليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ولا فرض مواريث، وأنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى في التّوراة، وهو قول الله في الّذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل: ولأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم. وأمر عيسى من معه ممّن اتّبعه من المؤمنين، أن يؤمنوا بشريعة(١) التّوراة والإنجيل.

( وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ) (٥٠)( إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (٥١): الظّاهر أنّ قوله: قد( جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ ) ، تكرير لما قبله، أي: جئتكم بآية بعد أخرى ممّا ذكرت لكم. والأوّل، لتمهيد الحّجة. والثّاني، لتقريبها إلى الحكم. ولذلك رتّب عليه «بالفاء».

قوله:( فَاتَّقُوا اللهَ ) ، أي: أنّي جئتكم بالمعجزات القاهرة والآيات الباهرة، فاتّقوا الله في المخالفة، وأطيعوا لي فيما أدعوكم إليه، ثمّ شرع في الدّعوة، وأشار إليها بالقول المجمل، فقال:( إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ) ، إشارة إلى استكمال القوّة النّظريّة بالاعتقاد الحقّ، الّذي غايته التّوحيد.

وقال:( فَاعْبُدُوهُ ) ، إشارة إلى استكمال القوّة العمليّة، فإنّه بملازمة الطّاعة، الّتي هي الإتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي. ثمّ قرّر ذلك، بأن بيّن أنّ الجمع بين الأمرين، هو الطّريق المشهود عليه بالاستقامة.

وقيل(٢) : معناه وجئتكم بآية أخرى ألهمنيها ربّكم، وهو قوله:( إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ) ، فإنّه دعوة الحقّ المجمع عليه فيما بين الرّسل، الفارقة بين النّبيّ والسّاحر.

أو( جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ ) ، على أنّ الله ربي وربكم. وقوله:( فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ) ، إعتراض.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: لشريعة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٦٤.

١٠٩

( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) :

قيل(١) : تحقّق كفرهم عنده، تحقّق ما يدرك بالحواسّ.

[وفي تفسير العيّاشيّ:(٢)] (٣) وروى(٤) ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى(٥) :( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) ، أي، لـمّا سمع ورأى أنّهم يكفرون ،

فعلى هذه الرواية، كان الإحساس مستعملا في معناه الحقيقيّ، ولا يكون استعارة تبعيّة، كما في الأوّل.

( قالَ مَنْ أَنْصارِي ) : جمع، ناصر. وحمله على «من» لإرادة المتعدّد منه، أو للمبالغة في كونه ناصرا إلى الله ملتجئا إلى الله أو ذاهبا أو ضامّا إليه. ويحتمل تعلّقه «بأنصاري» على تضمين الإضافة، أي: من الّذين يضيفون أنفسهم.

( إِلَى اللهِ ) : في نصري.

وقيل(٦) «إلى» هاهنا بمعنى: «مع» أو «في» أو «اللّام».

( قالَ الْحَوارِيُّونَ ) حواريّو الرّجل، صفوته وخالصته. من الحور، وهو البياض الخالص. ومنه: الحواريّات للحضريّات، لخلوص ألوانهنّ ونظافتهنّ قال:

فقل للحواريّات يبكين غيرنا

ولا تبكنا إلّا الكلاب النّوائح

وفي وزنه، الحوالي، وهو الكثير الحيلة.

سمّي به أصحاب عيسىعليه‌السلام قيل(٧) : لخلوص نيّتهم، ونقاء سريرتهم.

وقيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض، استنصر بهم عيسى على(٨) اليهود. وقيل: قصّارون

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) لم نعثر عليه في تفسير العياشي. ولكن يوجد في تفسير القمي ١ / ١٠٣. ونقله عن القمي في تفسير الصافي ١ / ٣٤٠ وتفسير البرهان ١ / ٢٨٤، ح ٢. إلّا أنّه في تفسير نور الثقلين ١ / ٣٤٥، تحت رقم ١٥٢ ورد بدون عنوان. والحديث الذي قبله (رقم ١٥١) عن تفسير العياشي.

(٣) ليس في أ.

(٤) هكذا في المصدر وفي النسخ: روى عن.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «قوله» بدل «قول الله تعالى».

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٦٤.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) المصدر: من.

١١٠

يحورون الثّياب: أي:(١) يبيّضونها( نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ ) : في دينه.

( آمَنَّا بِاللهِ ) : الّذي دعوت إليه.

( وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (٥٢): لتشهد يوم القيامة، حين يشهد الرّسل لقومهم وعليهم.

( رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ ) : في كتبك.

( وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ) : أي: عيسىعليه‌السلام فيما دعى إليه.

( فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (٥٣): بوحدانيّتك، أو مع الأنبياء الشّاهدين.

وقيل: أو مع أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّهم شهداء على النّاس.

( وَمَكَرُوا ) ، أي: الّذين أحسّ منهم الكفر من اليهود، بأن وكّلوا عليه من يقتله غيلة.

( وَمَكَرَ اللهُ ) : بأن رفع عيسى، وألقى شبهه على غيره، حتّى قتل.

والمكر، حيلة يجلب بها الغير إلى المضرّة، وإسناده إلى الله على سبيل الازدواج.

وفي عيون الأخبار(٢) ، عن الرّضاعليه‌السلام في حديث طويل. وفيه قال: سألته عن قول الله - عزّ وجلّ(٣) - :( سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ ) وقوله:( اللهُ ) (٤) ( يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) وقوله - تعالى - :( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ) وعن قوله - عزّ وجلّ(٥) - :( يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ ) .

فقال: إنّ الله - عزّ وجلّ - لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع، ولكّنه - عزّ وجلّ - يجازيهم جزاء السّخرية وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا.

( وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ) (٥٤): أقدرهم على إيصال الضّرّ إلى الغير.

( إِذْ قالَ اللهُ ) ظرف لمكر الله. وقيل: أو لخير الماكرين. أو لمضمر مثل ووقع ذلك.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: و.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ / ١٢٦، ذيل حديث ١٩.

(٣) التوبة / ٧٩.

(٤) البقرة / ١٥.

(٥) النساء / ١٤٢.

١١١

( يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ) : أي: مستوفي أجلك عاصما إيّاك من قتلهم، أو قابضك من الأرض. من توفّيت ما لي.

وقيل(١) : أو متوفّيك نائما.

وقيل(٢) : أماته الله سبع ساعات ثمّ رفعه. وقيل: أو مميتك عن الشّهوات. العائقة عن العروج.

( وَرافِعُكَ إِلَيَ ) : إلى محلّ كرامتي ومقرّ ملائكتي، وذلك في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان.

في كتاب الخصال(٣) ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: - في حديث طويل يذكر فيه الأغسال في شهر رمضان - : وليلة إحدى وعشرين، وهي اللّيلة الّتي مات فيها أوصياء الأنبياء(٤) ، وفيها رفع عيسى [بن مريم](٥) عليه‌السلام

( وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) : أي: من سوء جوارهم، أو قصدهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ عيسىعليه‌السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه. فاجتمعوا إليه عند المساء، وهم اثنا عشر رجلا. فأدخلهم بيتا.

ثمّ خرج عليهم من عين في زاوية البيت، وهو ينفض رأسه من الماء. فقال: إنّ الله أوحى إليّ: أنّه رافعي إليه السّاعة، ومطهّري من اليهود، فأيّكم يلقى عليه(٧) شبحي، فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي؟

فقال شابّ منهم: أنا يا روح الله؟

فقال: فأنت هوذا. فقال لهم عيسى: أما إنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح، أثنتي عشرة كفرة.

فقال له رجل منهم: أنا هو يا نبيّ الله.

فقال عيسى: إن تحسّ(٨) بذلك في نفسك فلتكن هو، ثمّ قال لهم عيسى: أما

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ١٦٣.

(٣) الخصال / ٥٠٨، ح ١.

(٤) المصدر: النبيّين.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير القمي ١ / ١٠٣.

(٧) أ: إليه.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «أتحسّ» بدل: «إن تحسّ».

١١٢

إنّكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق: فرقتين مفتريتين(١) على الله في النّار، وفرقة تتبّع شمعون صادقة على الله في الجنّة. ثمّ رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت، وهم ينظرون إليه.

ثمّ قال [أبو جعفرعليه‌السلام :](٢) إنّ اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم، فأخذوا الرّجل الّذي قال له عيسى: إنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح، اثنتي عشرة كفرة. وأخذوا الشّابّ الّذي ألقي عليه شبح عيسىعليه‌السلام فقتل وصلب، وكفر الّذي قال له عيسى: تكفر قبل أن تصبح، اثنتي عشرة كفرة.

وفي كتاب كمال الّدين وتمام النّعمة(٣) بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ، عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه [أبي رافع](٤) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبرئيلعليه‌السلام نزل عليّ بكتاب، فيه خبر الملوك ملوك الأرض [قبلي ،](٥) وخبر من بعث قبلي من الأنبياء والرّسل. وهو حديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

قال: لـمّا ملك أشجّ بن أشجان، وكان يسمّى الكيس، وكان قد ملك مأتين وستّا وستّين سنة، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه، بعث الله - عزّ وجلّ - عيسى بن مريمعليه‌السلام واستودعه النّور والعلم والحكمة وجميع علوم الأنبياء قبله، وزاده الإنجيل، وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل، يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الإيمان بالله وبرسوله(٦) ، فأبى أكثرهم إلّا طغيانا وكفرا، فلمّا لم يؤمنوا [به](٧) دعا ربّه وعزم عليه، فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا، فلم يزدهم ذلك إلّا طغيانا وكفرا، فأتى بيت المقدس، فمكث يدعوهم ويرغّبهم [فيما عند الله](٨) ثلاثا وثلاثين سنة، حتّى طلبته اليهود، وادّعت أنّها عذّبته ودفنته في الأرض حيّا، وادّعى بعضهم أنّهم(٩) قتلوه وصلبوه، وما كان الله ليجعل لهم سلطان عليه، وإنّما شبّه لهم، وما قدروا على عذابه ودفنه، ولا على قتله وصلبه [لقوله - عزّ وجلّ - :( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فلم

__________________

(١) أ: مقربين.

(٢) من المصدر.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٢٤ - ٢٢٥.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) هكذا في أ. وفي المصدر وسائر النسخ: رسوله.

(٧) من المصدر.

(٨) ليس في أ.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أنّه.

١١٣

يقدروا على قتله وصلبه ،](١) لأنّهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله، ولكن( رَفَعَهُ اللهُ [إِلَيْهِ] ) (٢) (٣) بعد أن توفّاه، فلمّا أراد الله أن يرفعه، أوحى إليه أن يستودع(٤) نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمّون الصّفا، خليفته(٥) على المؤمنين، ففعل ذلك.

قولهعليه‌السلام : «بعد أن توفّاه» يحتمل أن يكون معناه، بعد أن قبضه من الأرض، أو بعد أن أماته عن الشّهوات العائقة، أو أماته موتا حقيقيّا - كما ذهب إليه البعض - أو بعد أن قرّر في علمه أن يستوفي أجله، وهذا أبعد.

( وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) : يعلونهم بالحّجة، أو السّيف. ومتّبعوه، من آمن بنبوّته من المسلمين والنّصارى. وإلى الآن لم تسمع غلبة اليهود عليهم، ولا يتّفق لهم ملك ولا دولة.

( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) :

فيه تغليب للمخاطبين على غيرهم.

( فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (٥٥): من أمر الدّين.

( فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ) : من اليهود، وغيرهم.

( فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا ) : بضرب الجزية، والهوان.

«و»: في( الْآخِرَةِ ) : بالنّار.

( وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ) (٥٦): يسعون في استخلاصهم.

( وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) ، أي: في الدّنيا والآخرة.

وقرأ حفص، بالياء(٦) .

( وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (٥٧): ويحبّ المؤمنين.

( ذلِكَ ) ، أي: نبأ عيسى وغيره ممّا تقدّم. مبتدأ، خبره( نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ) : وقوله:( مِنَ الْآياتِ ) : حال من الهاء. ويحتمل أن يكون هو الخبر و «نتلوه» حالا ،

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) النّساء / ١٥٨.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: استودع.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: خليفة.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٦٣.

١١٤

والعامل فيه معنى الإشارة، وأن يكونا خبرين. ويحتمل أن يكون «ذلك» منصوبا، بما يفسّره «نتلوه».

( وَالذِّكْرِ ) ، أي: القرآن. وقيل(١) : اللّوح.

( الْحَكِيمِ ) (٥٨): المشتمل على الحكم. أو المحكم، عن تطرّق الخلل إليه.

( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ ) : أي: شأنه الغريب كشأن آدم.

( خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ) : جملة مفسّرة لوجه الشّبه، وهو أنّه خلق بلا أب كما خلق آدم بلا أب، بل وبلا أمّ أيضا، شبّه حاله بما هو أغرب، إفحاما للخصم بطريق المبالغة.

( ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ ) ، [أي: انشأ بشرا. والمراد بالخلق، خلق القالب. أو المراد قدر تكوينه ثمّ كوّنه.

ويحتمل أن يكون «ثم» لتراخي الخبر](٢) ( فَيَكُونُ ) (٥٩): حكاية حال ماضية.

في تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : أنّ نصارى نجران لـمّا وفدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان سيّدهم الأهتم(٤) والعاقب والسّيّد، وحضرت صلاتهم(٥) ، فأقبلوا يضربون بالنّاقوس وصلّوا، فقال أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله(٦) ، هذا في مسجدك! فقال: دعوهم. فلمّا فرغوا دنوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: إلى ما تدعونا(٧)؟

فقال: إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، وأنّ عيسى عبد مخلوق، يأكل ويشرب ويحدث.

قالوا: فمن أبوه؟

فنزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: قل لهم: ما تقولون

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(٣) تفسير القمي ١ / ١٠٤.

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الأهم.

(٥) ر: صلواتهم.

(٦) «يا رسول الله» ليس في المصدر.

(٧) المصدر: تدعونّ.

١١٥

في آدم، أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث(١) وينكح؟ فسألهم النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

فقالوا: نعم فقال: فمن أبوه؟

فبهتوا [، فبقوا ساكتين ،](٢) فأنزل الله - تبارك وتعالى - :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ [كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ](٣) (الآية)

( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) «الحق» مبتدأ، و «من ربّك» خبره، أي: الحقّ المذكور من الله. أو خبر مبتدأ محذوف، و «من ربّك» صفته، أو حال منه. ويحتمل تعلّقه به.

( فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (٦٠) :

الخطاب إن كان للنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلزيادة التّهييج على الثّبات، أو للتّعريض. وإن كان لكلّ سامع، فعلى أصله.

( فَمَنْ حَاجَّكَ ) : من النّصارى.

( فِيهِ ) : في عيسى( مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) ، أي: البيّنات الموجبة للعلم.

( فَقُلْ تَعالَوْا ) : هلمّوا بالعزم، والرّأي.

( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) ، أي: يدعو كلّ منّا ومنكم نفسه وأعزّة أهله إلى المباهلة، ويحملهم عليها. وإنّما قدّمهم على النّفس، لأنّ الرّجل يخاطر بنفسه لهم، فهم أهمّ عنده.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : وأمّا قوله:( فَمَنْ حَاجَّكَ ) (الآية)(٥) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللّعنة عليكم، وإن كنت كاذبا أنزلت(٦) عليّ.

__________________

(١) «ويحدث» ليس في المصدر.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٠٤. وفي أ: «وفي الحديث المروي» بدل: «وفي تفسير عليّ بن إبراهيم».

(٥) المصدر: «فيه من بعد ما جاءك من العلم - إلى قوله - فنجعل لعنة الله على الكاذبين»، بدل: «الآية». وما أثبتناه في المتن موافق النسخ.

(٦) المصدر: نزلت.

١١٦

فقالوا: أنصفت. فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السّيّد والعاقب والأهتم(١) : إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس بنبيّ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله، فإنّه لا يقدم على(٢) أهل بيته إلّا وهو صادق، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين - صلوات الله عليهم أجمعين -

فقال النّصارى: من هؤلاء؟

فقيل لهم: إن هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب، وهذه بنته(٣) فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين - عليهم السّلام -

ففرقوا(٤) ، وقالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعطيك الرّضا فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الجزية وانصرفوا.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن حريز، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام سئل عن فضائله، فذكر بعضها، ثمّ قالوا له: زدنا.

فقال: [إنّ](٦) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه حبران من أحبار النّصارى(٧) من أهل نجران، فتكلّما في أمر عيسى، فأنزل [الله](٨) هذه الآية:( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ ) إلى آخر الآية. فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ بيد عليّ والحسن والحسين وفاطمة، ثمّ خرج ورفع كفّه إلى السّماء، وفرج بين أصابعه، ودعاهم إلى المباهلة.

قال: وقال أبو جعفرعليه‌السلام : وكذلك المباهلة يشبك يده في يده ثمّ(٩) يرفعها إلى السّماء، فلمّا رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: والله لئن(١٠) كان نبيّا لنهلكنّ وإن كان غير نبيّ كفانا قومه، فكفّا(١١) وانصرفا.

__________________

(١) هكذا في المصدر: وفي النسخ: الأهم.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: إلى.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ابنته.

(٤) أ: نفرقوا. المصدر: فعرفوا

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٧٥ - ١٧٦، ح ٥٤.

(٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أحبار اليهود.

(٨) من المصدر.

(٩) «ثمّ» ليس في المصدر.

(١٠) النسخ: «وإن» بدل «والله لئن». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(١١) النسخ: فكفانا. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

١١٧

عن أبي جعفر الأحوال(١) قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول قريش في الخمس؟

قال: قلت: تزعم أنّه لها.

قال: ما أنصفونا، والله لو كان مباهلة ليباهلنّ بنا ولئن كان مبارزة ليبارزنّ بنا، ثمّ نكون وهم على سواء].(٢)

فقد ظهر من هذا الخبر، أنّ من دعى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الأبناء هو الحسن والحسين، ومن النساء فاطمة، وبقي - عليّ عليه السّلام - لا يدخل في شيء إلّا في قوله: وأنفسنا، فهو نفس الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

وقد صحّ في الخبر أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سأله(٣) سائل عن بعض أصحابه، فأجابه عن كلّ بصفته.

فقال: فعليٌّ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما سألتني عن النّاس، ولم تسألني عن نفسي.

( ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) : بأن نلعن الكاذب منّا.

والبهلة (بالضّمّ والفتح) اللّعنة. وأصله، التّرك. من قولهم: بهلت النّاقة، إذا تركتها بلاصرار.

وفي كتاب معاني الأخبار(٤) ، بإسناده إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر قال: التّبتّل، أن تقلب كفّيك في الدّعاء إذا دعوت. والابتهال، أن تقدّمهما.

وتبسطهما(٥) .

وفي أصول الكافي(٦) : [بإسناده إلى أبي إسحاق، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: والابتهال، رفع اليدين وتمّدهما(٧) . وذلك عند الدّمعة.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٧٦، ح ٥٦.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) ر: سألتني.

(٤) معاني الأخبار / ٣٧٠.

(٥) المصدر: «تبسطهما وتقدّمهما» بدل «تقدّمهما وتبسطهما».

(٦) الكافي ٢ / ٤٧٩، ضمن حديث ١. وفي نسخة أنقل هذا الحديث، قبل الحديث الآنف الذكر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور: تمديدها.

١١٨

وبإسناده إلى مروك(١) بيّاع اللؤلؤ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: وهكذا الابتهال - ومدّ يده تلقاء وجهه إلى القبلة - ولا تبتهل(٢) حتّى تجري الدّمعة.

عدّة من أصحابنا(٣) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة، عن العلا، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : والابتهال، تبسط يديك وذراعيك [إلى السّماء](٤) والابتهال، حين ترى أسباب البكاء.

وبإسناده إلى أبي بصير(٥) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: وأمّا الابتهال، فرفع يديك تجاوز بهما رأسك.

وبإسناده إلى محمّد بن مسلم وزرارة(٦) قالا: قال: أبو عبد اللهعليه‌السلام : والابتهال، أن تمدّ يدك جميعا.

وهذه الأحاديث طوال، أخذت منها موضع الحاجة].(٧)

عدّة من أصحابنا(٨) ، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن مخلّد أبي الشّكر، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: السّاعة الّتي تباهل فيها، ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.

( فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١): عطف، فيه بيان.

وفي كتاب الخصال(٩) : في احتجاج عليّعليه‌السلام على أبي بكر، قال: فأنشدك بالله، أبي برز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبأهلي(١٠) وولدي، في مباهلة المشركين من النّصارى، أم بك وبأهلك وولدك؟

قال: بكم.

وفيه(١١) ، أيضا، في مناقب أمير المؤمنين - عليه السّلام(١٢) - وتعدادها، قال

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي الأصل ور: «سعد». وامّا بالنسبة إلى «مروك بيّاع اللؤلؤ» ر. تنقيح المقال ٣ / ٢١٠، رقم ١١٦٦٤.

(٢) المصدر: ولا يبتهل.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٤٨٠، ذيل حديث ٤.

(٤) نفس المصدر.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٤٨٠ - ٤٨١، ضمن حديث ٥.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٤٨١، ذيل حديث ٧.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) نفس المصدر ٢ / ٥١٤، ح ٢.

(٩) الخصال / ٥٥٠، ضمن حديث ٣٠.

(١٠) المصدر: بأهل بيتي.

(١١) نفس المصدر / ٥٧٦، ضمن حديث ١.

(١٢) «أمير المؤمنينعليه‌السلام » ليس في ر.

١١٩

ـ عليه السّلام - : و [أمّا](١) الرّابعة والثّلاثون، فإنّ النّصارى ادّعوا أمرا، فأنزل الله - عزّ وجلّ - فيه:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) ].(٢) فكانت نفسي نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والنّساء فاطمة والأبناء الحسن والحسين، ثمّ ندم القوم، فسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإعفاء، فعفا عنهم وقال(٣) : والّذي أنزل التّوراة على موسى والفرقان على محمّد، لو باهلونا لمسخوا(٤) قردة وخنازير.

[وفي روضة الكافي(٥) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الحسن بن ظريف، عن عبد الصّمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : [يا أبا الجارود ،](٦) ما يقولون لكم في الحسن والحسين - عليهما السّلام - ؟

قلت(٧) : ينكرون علينا أنّهما أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال: فأيّ(٨) شيء احتججتم عليهم، يا أبا الجارود(٩)؟

قلت: احتججنا عليهم بقول الله - تعالى - لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) .

والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

وفي مجمع البيان(١٠) : وقالعليه‌السلام : إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلّا أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم.

في عيون الأخبار(١١) ، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفرعليه‌السلام مع

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر: «فأعفاهم» بدل «فعفا عنهم وقال».

(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: لمسخهم.

(٥) الكافي ٨ / ٣١٧، ضمن حدث ٥٠١.

(٦) من المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «قال قال» بدل: «قلت»

(٨) كذا في المصدر. وفي الأصل لا يقرأ. ولعلّ الصّواب: فبأيّ.

(٩) «يا أبا الجارود» ليس في المصدر.

(١٠) مجمع البيان. -

(١١) عيون أخبار الرضا ١ / ٨٤ - ٨٥.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603