تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٣
0%
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
لاسمها، فإنّ مريم في لغتهم، العابدة.
( وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ ) : أجيرها بحفظك،( وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) (٣٦) المطرود. من الرّجم، بمعنى: الطّرد بالحجارة.
[وفي تفسير العيّاشيّ(١) :](٢) عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفرعليهالسلام قال: لقى إبليس عيسى بن مريم فقال: هل نالني من حبائلك شيء؟
قال: جدّتك الّتي قالت:( رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) - إلى -( الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) .
وفي أمالي الشّيخ(٣) : بإسناده إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهالسلام في حديث طويل، يذكر فيه تزويج فاطمة الزّهراء - عليها السّلام - وما أكرمه به النّبيّ صلّى الله عليه وآله - وفيه يقولعليهالسلام : ثم أتاني فأخذ بيدي، فقال: قم بسم الله وقم(٤) على بركة الله وما شاء الله لا قوّة إلّا بالله توكّلت على الله، ثمّ جاء بي حتّى(٥) أقعدني عندها - عليها السّلام - ثمّ قال: أللّهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ، فأحبّهما وبارك في ذرّيّتهما واجعل عليهما منك حافظا [و](٦) إنّي أعيذهما بك وذرّيّتهما(٧) من الشّيطان الرّجيم.
( فَتَقَبَّلَها رَبُّها ) : فرضي بها في النّذر مكان الذّكر.
( بِقَبُولٍ حَسَنٍ ) : بوجه يقبل به النّذائر. وهو إقامتها مقام الذّكر، وتقبّلها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسّدانة.
قال البيضاويّ(٨) : روي أنّ حنّة لـمّا ولدتها، لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار، وقالت: دونكم هذه النّذيرة. فتنافسوا فيها. لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم. فإنّ بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم. فقال زكريا: أنا أحقّ بها، لأنّ(٩) عندي خالتها. فأبوا إلّا القرعة وكانوا سبعة وعشرين. فانطلقوا إلى نهر. فألقوا فيه أقلامهم. فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم. فتكفّلها.
__________________
(١) نفس المصدر ١ / ١٧١، ح ٤٠.
(٢) ليس في أ.
(٣) أمالي الطوسي ١ / ٣٨.
(٤) المصدر: قل.
(٥) المصدر: «جاءني حين» بدل «جاء بي حتّى».
(٦) من المصدر.
(٧) المصدر: ذرّيتهما بك.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ١٥٨.
(٩) ليس في المصدر.
ويجوز أن يكون مصدرا، على تقدير مضاف، أي، بذي قبول حسن. وأن يكون تقبّل بمعنى استقبل، كتقضّى وتعجّل، أي، فأخذها في أوّل أمرها، حين ولدت، بقبول حسن.
( وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ) : مجاز عن تربيتها، بما يصلحها، في جميع أحوالها.
( وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ) :
شدّد الفاء حمزة والكسائي وعاصم، وقصروا زكريّا غير عاصم، في رواية ابن عيّاش، على أنّ الفاعل هو الله، وزكريّا مفعول. وخفّف الباقون، ومدّوا زكريّا مرفوعا(١) .
( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ ) ، أي: الغرفة الّتي بنيت لها، أو المسجد، أو أشرف مواضعه. ومقدمها سمي به، لأنّه محلّ محاربة الشّيطان.
( وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) : جواب «كلّما» وناصبه.
وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : وفي رواية حريز، عن أحدهما - عليهما السّلام - [قال :](٣) نذرت ما في بطنها للكنيسة أن يخدم(٤) العباد، وليس الذّكر كالأنثى في الخدمة.
قال: فنبتت، وكانت(٥) تخدمهم وتناولهم حتّى بلغت، فأمر زكريّا أن تتّخذ لها حجابا دون العباد، وكان(٦) يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشّتاء في الصّيف وثمرة الصّيف في الشّتاء. فهنالك دعا وسأل ربّه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى.
( قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا ) : من أين لك هذا الرّزق الآتي في غير أوانه، والأبواب مغلّقة عليك؟
( قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) : فلا تستبعد.
( إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٣٧): بغير تقدير لكثرته، أو بغير استحقاق تفضّلا به. وهو يحتمل أن يكون من كلامها، وأن يكون من كلام الله.
وفي تفسير العيّاشيّ(٧) : عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفرعليهالسلام قال: إنّ امرأة عمران لـمّا نذرت ما في بطنها محرّرا، قال: [و](٨) المحرّر للمسجد إذا وضعته(٩)
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) تفسير العياشي ١ / ١٧٠، ح ٣٨.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر: تخدم.
(٥) المصدر: «فشبّت فكانت» بدل «فنبتت وكانت».
(٦) المصدر: فكان.
(٧) نفس المصدر والموضع، ح ٣٦.
(٨) من المصدر.
(٩) المصدر: [أو]
وأدخل المسجد فلم يخرج من المسجد أبدا. فلمّا ولدت مريم قالت:( رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) . فساهم(١) عليها [النبيّون](٢) فأصاب القرعة زكريّا - وهو زوج أختها - وكفّلها وأدخلها المسجد، فلمّا بلغت ما تبلغ النّساء من الطّمث، وكانت أجمل النّساء وكانت تصلي فيضيء(٣) المحراب لنورها. فدخل عليها زكريّا فإذا عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف وفاكهة الصّيف في الشّتاء.
فقال:( أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) .
فهنالك(٤) دعا زكريّا ربّه، قال: إنّي خفت الموالي من ورائي، إلى ما ذكره(٥) الله من قصّة زكريّا ويحيى(٦) .
وفيه(٧) أيضا: عن سيف، عن نجم عن أبي جعفرعليهالسلام قال: إنّ فاطمة - عليها السّلام - ضمنت لعليعليهالسلام عمل البيت والعجين والخبز وقم(٨) البيت، وضمن لها عليّعليهالسلام ما كان خلف الباب [من](٩) نقل الحطب وأن يجيء بالطّعام، فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شيء؟
قالت: لا والّذي عظّم حقّك [ما كان](١٠) عندنا منذ ثلاثة أيّام(١١) شيء نقريك به.
قال: أفلا أخبرتني.
قالت: كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله نهاني أن أسألك شيئا فقال: لا تسألي ابن عمّك شيئا، إن جاءك بشيء عفوا وإلّا فلا تسأليه.
قال: فخرجعليهالسلام فلقى رجلا، فاستقرض منه دينارا، ثمّ أقبل به وقد
__________________
(١) النسخ: فساهموا. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٢) من المصدر.
(٣) المصدر: «فكانت تصلّي ويضيء» بدل «وكانت تصلّي فيضيء».
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: هنا لك.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ذكر.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يحيى وزكريّا.
(٧) نفس المصدر ١ / ١٧١، ح ٤١.
(٨) قمّ البيت: كنسه.
(٩) من المصدر.
(١٠) من المصدر.
(١١) النسخ: «ثلث الّا» بدل «ثلاثة أيّام».
أمسى فلقى مقداد بن الأسود، فقال للمقداد، ما أخرجك في هذه السّاعة؟
قال: الجوع، والّذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين.
قال: قلت لأبي جعفرعليهالسلام : ورسول اللهصلىاللهعليهوآله حيّ؟
قال: ورسول اللهصلىاللهعليهوآله حيّ.
قال: فهو أخرجني، وقد استقرضت دينارا وسأؤثرك به. فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول اللهصلىاللهعليهوآله جالسا وفاطمة تصلّي وبينهما شيء مغطّى. فلمّا فرغت أحضرت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم.
قال: يا فاطمة أنّى لك هذا؟
قالت: هو من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.
فقال: رسول اللهصلىاللهعليهوآله : ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟
قال: بلى.
قال: مثل زكريّا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا،( قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) . فأكلوا منها شهرا، وهي الجفنة الّتي يأكل منها القائمعليهالسلام وهي عندنا.
[وفي شرح الآيات الباهرة(١) :](٢) نقل الشّيخ أبو جعفر الطّوسي - رحمه الله - في كتاب مصباح الأنوار، بحذف الإسناد قال: روي عن أبي سعيد الخدريّ قال: أصبح عليّعليهالسلام ذات يوم، فقال لفاطمة - عليها السّلام - : هل عندك شيء نغتذيه؟
فقالت: لا والّذى أكرم أبي بالنّبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح الغداة عندي منذ يومين شيء إلّا كنت(٣) أؤثرك به على نفسي وعلى ابني الحسن والحسين.
فقال أمير المؤمنينعليهالسلام : يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا.
فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه(٤) .
__________________
(١) الأصل وأ: اجترت ر: أخبرت وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٢) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٣٩ - ٤٠.
(٣) النسخ: «إلّا شيء» بدل «منذ يومين شيء إلّا كنت». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: به.
فخرج عليٌّعليهالسلام من عندها واثقا بالله وحسن الظّنّ به. فاستقرض دينارا.
فأخذه ليشتري به ما يصلحهم. فعرض له المقداد بن الأسود - رضوان الله عليه - وكان يوما شديد الحرّ وقد لوّحته الشّمس من فوقه وآذته من تحته. فلمّا رآه أمير المؤمنينعليهالسلام أنكر شأنه، فقال له: يا مقداد ما أزعجك السّاعة من رجلك(١) .
فقال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي.
فقال: يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك.
فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى الله وإليك أن تخلّ سبيلي ولا تكشفني عن حالتي.
فقال: يا أخي لا يسعك أن تكتمني حالك.
فقال: يا أبا الحسن أما إذا أبيت، فو الّذى أكرم محمّدا بالنّبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أزعجني من رجلي(٢) إلّا الجهد، وقد تركت عيالي جياعا، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض، خرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالتي وقصّتي.
قال: فانهملت عينا عليٍّ بالبكاء حتّى بلّت دموعه كريمته. فقال: أحلف بالّذي حلفت به أنْ ما أزعجني إلّا الّذي أزعجك، وقد اقترضت دينارا فهاكه أؤثرك به على نفسي. فدفع إليه الدّينار ورجع. فدخل المسجد فسلّم.
فردّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله السّلام وقال: يا أبا الحسن هل عندك عشاء نتعشّاه(٣) فنقبل(٤) معك؟ فمكث أمير المؤمنينعليهالسلام مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول اللهصلىاللهعليهوآله وكان قد عرّفه الله ما كان من أمر الدّينار، ومن أين وجهه بوحي من الله، وأمره(٥) أن يتعشّى عند عليّ تلك اللّيلة، فلمّا نظر إلى سكوته قال: يا أبا الحسن ما لك لا تقول: لا، فأنصرف عنك، أو: نعم، فامضي معك؟
فقال: حبّا وكرامة اذهب بنا، فأخذ رسول اللهصلىاللهعليهوآله بيد أمير المؤمنين وانطلقا حتّى دخلا على فاطمة - صلوات الله عليها وعليهم أجمعين - وهي في محرابها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة تفور دخانا، فلمّا سمعت كلام رسول اللهصلىاللهعليهوآله خرجت من مصلّاها وسلّمت عليه وكانت أعزّ(٦) النّاس عليه ،
__________________
(١) كذا في النسخ والمصدر. ولعله «رحلك».
(٢) أيضا يمكن أن يكون «رحلي».
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تعشيناه.
(٤) المصدر: «فيميل» أو «فنميل».
(٥) النسخ: «يأمره» بدل «وأمره».
(٦) أ: آخر.
فرّد عليها السّلام ومسح بيده(١) على رأسها، وقال: يا بنتاه كيف أمسيت يرحمك الله؟
قالت: بخير.
قال: عشّينا، رحمك الله. وقد قعد، فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول الله وعليّ - صلّى الله عليهما وآلهما - فلمّا نظر أمير المؤمنين إلى الطّعام وشمّ ريحه [رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا.
فقالت له فاطمة: سبحان الله، ما أشحّ نظرك وأشدّه! فهل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا أستوجب به السّخطة منك؟
فقال: وأيُّ ذنب أعظم من ذنب أصبت اليوم؟ أليس عهدي بك وأنت تحلفي بالله مجتهدة أنّك ما طعمت طعاما منذ يومين؟
فنظرت إلى السّماء وقالت: إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أنّي لم أقل إلّا حقّا].(٢) فقال لها: يا فاطمة فأنّى لك هذا الطّعام، الّذي لم أنظر إلى مثل لونه، ولم أشمّ مثل ريحه قطّ، ولم آكل أطيب منه؟
قال: فوضع النّبيّصلىاللهعليهوآله كفّه المباركة على كتف عليٍّ أمير المؤمنينعليهالسلام وهزّها ثمّ هزّها ثلاث مرّات، [ثمّ](٣) قال: يا عليُّ هذا بدل دينارك، هذا جزاء(٤) دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. ثمّ استعبر باكيا وقال: الحمد لله الّذي أبى لكما أن يخرجكما من الدّنيا حتّى يجريك يا عليّ مجرى زكريا، ويجريك يا فاطمة مجرى مريم بنت عمران، وهو قوله تعالى:( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا. قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) .
( هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ) : في ذلك المكان، أو في ذلك الوقت - وهنا وثمّ وحيث، تستعار للزّمان - لـمّا رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله. أو لـمّا رأى الفواكه في غير أوانها، تنبّه لجواز ولادة العاقر من الشّيخ، فسأل ربّه.
( قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) : كما وهبتها لحنّة العجوز العاقر.
( إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ) (٣٨) مجيبه.
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يده.
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(٣) من المصدر.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أجر.
وفي عيون الأخبار(١) : بإسناده إلى الرّيّان بن شبيب قال: دخلت على الرّضاعليهالسلام في أوّل يوم من المحرّم، فقال لي: يا بن شبيب أصائم أنت؟
فقلت(٢) : لا.
فقال: إنّ هذا اليوم هو اليوم الّذي دعا فيه زكرياعليهالسلام ربّه - عزّ وجلّ - فقال:( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ) ، فاستجاب الله له، وأمر الملائكة فنادت زكريّا:( وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً ) (٣) .
فمن صام هذا اليوم، ثمّ دعا الله تعالى استجاب الله تعالى له، كما استجاب [الله](٤) لزكرياعليهالسلام
وفي الكافي(٥) : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن رجل، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله(٦) عليهالسلام قال: من أراد أن يحبل له، فليصلّ ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الرّكوع والسّجود، ثمّ يقول: أللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به زكرياعليهالسلام إذ قال: ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، أللّهمّ هب لي ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء، أللّهمّ باسمك استحللتها وفي أمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها ولدا، فاجعله غلاما، ولا تجعل للشّيطان فيه نصيبا ولا شريكا.
وفي مجمع البيان(٧) : وروى الحارث بن المغيرة(٨) قال: قلت لأبي عبد اللهعليهالسلام : إنّي من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد.
فقال: ادع الله(٩) وأنت ساجد: ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء،( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) .(١٠) قال: ففعلت(١١) ، فولد [لي](١٢) عليّ والحسين.
( فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ) ، أي: من جنسهم، كقولهم: زيد يركب الخيل. فإنّ المنادي ملك.
__________________
(١) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٩٩ ح ٥٨.
(٢) المصدر: قلت.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) من المصدر.
(٥) الكافي ٣ / ٤٨٢، ح ٣.
(٦) أو المصدر: أبي جعفر.
(٧) مجمع البيان ٤ / ٦١.
(٨) هكذا في أ. وفي الأصل والمصدر: الحرث بن المغيرة.
(٩) ليس في المصدر.
(١٠) الأنبياء / ٨٩.
(١١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فقلت.
(١٢) من المصدر.
وقرأ حمزة والكسائيّ «فناديه» بالإمالة والتّذكير(١) .
( وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ ) ، أي: قائما في الصّلاة. ويصلّي، صفة قائم. أو خبر آخر. أو حال أخرى. أو حال عن الضّمير في «قائم».
وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وقال الصّادقعليهالسلام : إنّ طاعة الله - عزّ وجلّ - خدمته في الأرض، وليس شيء من خدمته يعدل الصّلاة، فمن ثمّ نادت الملائكة زكريّا، وهو قائم يصلّي في المحراب.
( أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ) ، أي، بأنّ الله.
وقرأ نافع وابن عامر(٣) «بالكسر» على إرادة القول، أو لأنّ النّداء نوع منه.
وقرأ حمزة والكسائي «يبشّرك» من الإبشار(٤) .
ويحيى، أعجميّ وإن جعل عربيّا، فمنع صرفه للتّعريف، ووزن الفعل.
( مُصَدِّقاً ) : حال من «يحيى»،( بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ ) ، أي: بعيسى. سمّي بذلك، لأنّه وجد بأمره تعالى من دون أب. أو بكتاب الله، سمّي بها تسمية للكلّ باسم جزئه،( وَسَيِّداً ) : يسود قومه ويفوقهم بالعصمة، لأنّه كان نبيّا،( وَحَصُوراً ) : مبالغا في حبس النّفس عن الشّهوات والملاهي.
ونقل(٥) : أنّه مرّ [في صباه](٦) بصبيان، فدعوه إلى اللّعب، فقال: ما للّعب خلقت.
وفي مجمع البيان(٧) : حصورا [: وهو الّذي(٨) لا يأتي النّساء. وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليهالسلام
( وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٣٩): ناشئا منهم، أو كائنا من عداد من لم يأت كبيرة ولا صغيرة.
في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٩) : بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ،
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣٣، ح ٦٢٣.
(٣) النسخ: «وقرأ نافع وحمزة وابن عامر.» وهي خطأ بدلالة المصدر. وهو أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) من المصدر.
(٧) مجمع البيان ١ / ٤٣٨.
(٨) من المصدر.
(٩) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٢٥ - ٢٢٦.
عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبيّ قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله وقد ذكر عيسى بن مريم - عليهما السّلام - : فلمّا أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع(١) نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمّون الصّفا خليفته على المؤمنين، ففعل ذلك، فلم يزل شمعون في قومه(٢) يقوم بأمر الله - عزّ وجلّ - ويهتدي(٣) بجميع مقال عيسىعليهالسلام في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفّار، فمن أطاعه وآمن به وبما(٤) جاء به كان مؤمنا، ومن جحده وعصاه كان كافرا، حتّى استخلص ربّنا - تبارك وتعالى - وبعث في عباده نبيّا من الصّالحين وهو يحيى بن زكريّا، فمضى(٥) شمعون وملك عند ذلك أردشير بن بابكان(٦) أربع عشرة سنة وعشرة أشهر.
وفي ثمان سنين من ملكه، قتلت اليهود يحيى بن زكريّا - عليهما السّلام - ولـمـّا(٧) أراد الله - عزّ وجلّ - أن يقبضه، أوحى إليه أن يجعل الوصيّة في ولد شمعون، ويأمر الحواريّين وأصحاب عيسى بالقيام معه، ففعل ذلك، وعندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة حتّى قتله الله، وكمل(٨) علم الله ونوره وتفصيل حكمته في ذرّيّة يعقوب بن شمعون، ومعه الحواريّون من أصحاب عيسىعليهالسلام وعند ذلك ملك بخت نصر مائة سنة وسبعا وثمانين سنة، وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريّا، وخرّب بيت المقدس، وتفرّقت اليهود في البلدان.
( قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ) : استبعادا من حيث العادة، أو استعظاما وتعجّبا أو استفهاما عن كيفيّة حدوثه.
( وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ) : أدركني كبر السّنّ.
قال البيضاويّ(٩) : وكان(١٠) له تسع وتسعون سنة، ولا مرأته ثمان وتسعون [سنة].(١١)
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: استودع.
(٢) «في قومه» ليس في المصدر.
(٣) هكذا ورد في هامش الأصل. وفي متنه: «يجيء». وفي المصدر: «يحتذي».
(٤) النسخ: «فيما» بدل «وبما». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٥) المصدر: ثم قبض.
(٦) النسخ: «زاكا». تفسير نور الثقلين: «زاركا». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٧) المصدر: فلمّا.
(٨) ليس في المصدر.
(٩) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.
(١٠) المصدر: كانت.
(١١) من المصدر.
( وَامْرَأَتِي عاقِرٌ ) : لا تلد من العقر، وهو القطع، لأنّها ذات عقر من الأولاد.
( قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) (٤٠): كذلك الله، مبتدأ مؤخّر وخبر مقدّم، للقرينة، أي: الله على مثل هذه الصّفة. ويفعل ما يشاء، بيان له، أي: ما يشاء من العجائب. وهو إنشاء الولد من شيخ فان وعجوز عاقر. أو كذلك، خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر كذلك. والله يفعل ما يشاء، جملة أخرى لبيان أنّه يفعل ما يريده من العجائب، أي: أنت وزوجك كبير وعاقر، والله يفعل ما يشاء من خلق الولد.
ويحتمل أن يكون «كذلك» مفعولا مطلقا «ليفعل» ويكون ذلك إشارة إلى ما نعجب منه، أي: الله يفعل ما يشاء من العجائب مثل ذلك الفعل، أي: إنشاء الولد من الفاني والعاقر. أو إشارة إلى ما بيّنه من حالتهما، أي: الّذي يفعل ما يشاء من خلق الولد، كما أنت عليه وزوجك من الكبر والعقر.
( قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ) : علامة أعلم بها أنّ ذلك الصّوت من الله، ويكون عبادة يتدارك بها ما دخله من تلك الهبة. وذلك لأنّه إذا جعل له آية وأوحى إليه، الآية من الله [عبادة وشكرا للموهبة ،](١) يعلم أنّ صوت الملائكة بأمر الله ووحيه، ويخضع لله تعالى شكرا لنعمه.
في تفسير العيّاشيّ(٢) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: إنّ زكريّا لـمّا دعا ربّه أن يهب له ذكرا(٣) ، فنادته الملائكة بما نادته [به ،](٤) أحبّ أن يعلم أنّ ذلك الصّوت من الله، فأوحى(٥) إليه: أنّ آية ذلك أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيّام، قال: فلمّا أمسك لسانه ولم يتكلّم، علم أنّه لا يقدر على ذلك إلّا الله، وذلك قول الله:( رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [إِلَّا رَمْزاً ) .
وعن حمّاد(٦) ، عمّن حدّثه، عن أحدهما - عليهما السّلام - قال: لـمّا سأل [زكريّا](٧) ربّه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى، فدخله من ذلك، فقال:( رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً ) . فكان يؤمئ برأسه، وهو الرّمز.
__________________
(١) ليس في أ.
(٢) تفسير العياشي ١ / ١٧٢، ح ٤٣.
(٣) هكذا في المصدر. في النسخ: ولدا.
(٤) من المصدر.
(٥) المصدر: أوحى.
(٦) نفس المصدر والموضع، ح ٤٤.
(٧) من المصدر.
( قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ) ، أي: الله أوحى إليه: أنّ آيتك وعبادتك ألّا تكلّم النّاس في ثلاثة أيّام].(١) وتخلص المّدة لذكر الله وشكره، قضاء لحقّ النّعمة.
( إِلَّا رَمْزاً ) : إشارة برأسك. وأصله التحريك ومنه الرّاموز للبحر. والاستثناء منقطع.
وقيل(٢) : متصل والمراد بالكلام ما دلّ على الضمير.
هذا إذا قرئ يمسك في الخبر الأوّل على البناء للفاعل، وإرجاع ضميره إلى زكريّا. وأمّا إذا قرئ على البناء للمفعول، أو يجعل فاعل الإمساك هو الله سبحانه، فالحلّ ما نقله البيضاويّ(٣) - ، من أنّ المعنى: اجعل لي آية علامة أعرف بها الحبل، ولأستقبله(٤) بالبشاشة والشّكر، وتزيح مشقّة الانتظار.( قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ) ، أي: لا تقدر على تكليم(٥) النّاس ثلاثا.
وقرئ: رمز، كخدم، جمع رامز. ورمز، كرسل، جمع رموز، على أنّه حال منه.
ومن النّاس، بمعنى: مترامزين. كقوله :
متى تلقني فردين تزحف |
زوانف(٦)
أليتيك وتستطار(٧)
. |
( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً ) : أي، في أيّام الإمساك عن الكلام مع النّاس. وهو مؤكّد لما قبله، مبيّن للغرض منه.
قال البيضاويّ(٨) : وتقييد الأمر بالكثير(٩) ، يدلّ على أنّه ليس للتّكرار(١٠) . وفيه أنّه لعلّ التّقييد لتأكيد ما يفيده الأمر، فلا يدلّ على المدّعي.
( وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِ ) : من الزّوال إلى الغروب.
وقيل(١١) : من العصر، أو الغروب إلى ذهاب صدر اللّيل.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٥٩.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أستقبله.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تكلم.
(٦) هكذا في الأصل. وفي المصدر وأ: روانف
(٧) نفس المصدر والموضع.
(٨) نفس المصدر ١ / ١٦٠.
(٩) هكذا في النسخ. وفي المصدر: بالكثرة.
(١٠) هكذا في النسخ. وفي المصدر: «لا يفيد التكرار» بدل «ليس للتكرار».
(١١) نفس المصدر والموضع.
( وَالْإِبْكارِ ) (٤١): من طلوع الفجر إلى الضّحى.
وقرئ بفتح الهمزة، جمع بكر، كسحر وأسحار(١) .
( وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ) (٤٢) قال البيضاويّ(٢) : كلّموها شفاها كرامة لها، ومن أنكر الكرامة زعم أنّ ذلك كان(٣) معجزة لزكريّا، أو إرهاصا لنبّوة عيسىعليهالسلام فإنّ الإجماع على أنّه تعالى لم يستنبئ امرأة، لقوله:( وَما أَرْسَلْنا مِنْ ) (٤) ( قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً ) . وقيل: ألهموها. (انتهى) ويمكن أن يقال من قبل منكر الكرامة: لا تكون الكرامة لمن لم يكن فيه نصّ بالكرامة، وأمّا من حصل له التّخصيص بالتّنصيص كمريم وفاطمة صلوات الله عليهما، فهو بمنزلة الاستثناء.
والمقصود أنّه لا تجوز الكرامة لمن سواه، كوقوع المعجزة للأنبياء والأئمّة، فإنّهم يتخصّصون بها، ولا يلزم من وقوع شيء لأحد جواز وقوعه لكلّ أحد شرعا، وإن لم يمتنع عليه عقلا، والمجوّز وقوعه لكلّ أحد بوقوعه لبعض التبس عليه معنى الجواز، فتبصّر.
قيل(٥) : الاصطفاء الأوّل تقبّلها من أمّها، ولم تقبل قبلها أنثى، وتفريغها للعبادة، وإغناؤها برزق الجنّة عن الكسب [، وتطهيرها عمّا يستقذر من النّساء](٦) . والثّانية هدايتها، وإرسال الملائكة إليها، وتخصيصها بالكرامات السّنيّة، كالولد من غير أب، وتبرئتها ممّا(٧) قذفته اليهود بإنطاق الطّفل، وجعلها وابنها آية للعالمين.
والأظهر أنّ الاصطفاء الأوّل، اصطفاؤها من ذرّيّة الأنبياء والثّاني، اصطفاؤها لولادة عيسى، من غير فحل، وتطهيرها، طهّرها من أن يكون في آبائها وأمّهاتها وفي نفسها سفاح.
وقيل(٨) : وتطهيرها ممّا(٩) يستقذر من النّساء.
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) هكذا في النسخ. وفي المصدر: كانت.
(٤) ليس في المصدر.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) من المصدر.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: عمّا.
(٨) نفس الموضع والمصدر.
(٩) هكذا في النسخ. وفي المصدر: عمّا.
وينافيه ظاهر ما سبق في الخبر من قوله: فلمّا بلغت ما يبلغ النّساء من الطّمث.
وأمّا ما رواه العيّاشي(١) في تفسيره، عن الحكم بن عتيبة(٢) ، قال: سألت أبا جعفرعليهالسلام عن قول الله في الكتاب،( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ) . اصطفاها مرّتين، والاصطفاء إنّما هو مرّة واحدة؟
قال: فقال [لي :](٣) يا حكم إنّ لهذا تأويلا وتفسيرا.
فقلت له: ففسّره لنا أبقاك الله.
فقال: يعني اصطفاءها(٤) إيّاها أوّلا من ذرّيّة الأنبياء المصطفين المرسلين، وطهّرها من أن يكون في ولادتها من آبائها وأمّهاتها سفاح(٥) ، واصطفاءها بهذا في القرآن،( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي [مَعَ الرَّاكِعِينَ] ) (٦) شكرا لله.
فالظّاهر أنّ السّائل قد خفي عليه الاصطفاء الأوّل، وانحصر الاصطفاء عنده في الثّاني، وسأل فبيّنهعليهالسلام له، وسكت عن الثّاني لظهوره عنده.
وفي مجمع البيان(٧) :( وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ) ، أي: عالمي(٨) زمانك، لأنّ فاطمة بنت رسول الله - صلّى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها - سيّدة نساء العالمين.
وهو قول أبي جعفرعليهالسلام
وقد(٩) روي عن النّبيّ،صلىاللهعليهوآله أنّه قال: فضلّت خديجة على نساء أمّتي كما فضلّت مريم على نساء العالمين.
وقال أبو جعفرعليهالسلام : معنى الآية: واصطفاك من ذرّيّة الأنبياء، وطهّرك من السّفاح، واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل وزوج.
( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (٤٣)
__________________
(١) تفسير العياشي ١ / ١٧٣، ح ٤٧.
(٢) هكذا في أو تفسير نور الثقلين. وفي الأصل ورو المصدر: «غيينة». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ١ / ٣٥٨، ذيل «الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي»، وص ٣٦٠، ذيل «الحكم بن عيينة».
(٣) من المصدر.
(٤) النسخ: «اصطفاءه» وهو صحيح ايضا.
(٥) المصدر: سفاحا.
(٦) من أ.
(٧) مجمع البيان ١ / ٤٤٠.
(٨) المصدر: «على نساء» بدل «عالمي».
(٩) «قد» ليس في المصدر. والأحسن وجودها.
قيل(١) : أمرت بالصّلاة في الجماعة بذكر أركانها، مبالغة في المحافظة عليها. وقدّم السّجود على الرّكوع، إمّا لكونه كذلك في شريعتهم، أو للتّنبيه على أنّ الواو لا توجب التّرتيب، أو ليقترن اركعي بالرّاكعين للإيذان بأنّ من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلّين.
وقيل(٢) : يحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم ويسجد في صلاته ولا يركع، وفيه من يركع، فأمرت بأن تركع مع الرّاكعين، ولا تكون مع من لا يركع.
وقيل(٣) : المراد بالقنوت أداء الطّاعة، كقوله(٤) :( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ) . وبالسّجود، الصّلاة، كقوله(٥) :( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) . وبالرّكوع، الخشوع والإخبات.
وفي كتاب علل الشرائع(٦) ، بإسناده إلى أبي عبد اللهعليهالسلام أنّه قال: إنّما سمّيت فاطمة - عليها السّلام - محدّثة، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السّماء، فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله - عزّ وجلّ - جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين.
[وفي أصول الكافي(٧) ، بإسناده إلى عليّ بن محمّد الهرمزاني(٨) ، عن أبي عبد الله الحسين بن عليّعليهالسلام ، قال: لـمّا قبضت فاطمة - عليها السّلام - دفنها أمير المؤمنينعليهالسلام سرّا، وعفا على موضع قبرها. ثمّ قام(٩) فحوّل وجهه إلى قبر
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ١٦٠.
(٢) تفسير الكشاف ١ / ٤٢٩.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦٠.
(٤) الزمر / ٣.
(٥) ق / ٤٠.
(٦) علل الشرائع / ١٨٢، ح ١.
(٧) الكافي ١ / ٤٥٨ - ٤٥٩، صدر حديث ٣.
(٨) هكذا في المصدر وفي النسختين الأصل ور: «الهرمزي». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ٣٠٩، رقم ٨٥١٥.
(٩) هكذا في المصدر. وفي النسختين الأصل ور: قال.
رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقال: السّلام عليك يا رسول الله عنّي، والسّلام عليك عن ابنتك، وزائرتك، والبائتة في الثّرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللّحاق بك. قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي.
والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة].(١)
وفي نهج البلاغة(٢) ، من كتاب لهعليهالسلام إلى معاوية جوابا: ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب.
وفي من لا يحضره الفقيه(٣) ، روى المعلّى بن محمّد البصريّ، عن جعفر بن سليمان، عن عبد الله بن الحكم(٤) ، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال النّبيّصلىاللهعليهوآله : إنّ عليّا وصييّ، وخليفتي، وزوجته فاطمة سيّدة نساء العالمين ابنتي.
والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
وفي أمالي الصّدوق - رحمه الله(٥) - بإسناده إلى النّبيّصلىاللهعليهوآله أنّه قال: أيّما امرأة صلّت في اليوم واللّيلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان، وحجّت بيت الله الحرام، وزكّت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت عليّا [بعدي](٦) دخلت الجنّة بشفاعة ابنتي فاطمة. فانّها(٧) لسيّدة نساء العالمين.
فقيل له(٨) : يا رسول الله أهي سيّدة نساء(٩) عالمها؟
فقالصلىاللهعليهوآله : ذاك مريم ابنة عمران. وأما(١٠) ابنتي فاطمة فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين. وإنّها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون الف ملك
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٢) نهج البلاغة / ٣٨٧، ضمن رسالة ٢٨.
(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٣١، ح ٤٥٥.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «أبي عبد الله بن الحكم». والظاهر هي خطأ. ر. رجال النجاشي / ٢٢٥، رقم ٥٩١.
(٥) أمالي الصدوق / ٣٩٣ - ٣٩٤، ضمن حديث ١٨.
(٦) من المصدر.
(٧) أو المصدر: وإنّها.
(٨) ليس في المصدر.
(٩) المصدر: لنساء.
(١٠) المصدر: «ذاك لمريم بنت عمران فامّا» بدل «ذاك مريم ابنة عمران وأمّا».
من الملائكة المقرّبين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك، وطهّرك، واصطفاك على نساء العالمين.
والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
وبإسناده إلى الأصبغ بن نباتة(١) ، قال: قال أمير المؤمنينعليهالسلام في بعض خطبه: أيّها النّاس اسمعوا قولي واعقلوه(٢) عنّي، فإنّ الفراق قريب. أنا إمام البريّة، ووصيّ خير الخليفة، وزوج سيّدة نساء هذه الأمّة.
( ذلِكَ ) ، أي: ما ذكرنا من قصص زكريّا ويحيى ومريم،( مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) : من الغيوب الّتي لم تعرفها إلّا بالوحي.
( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ ) :
قيل(٣) : أقداحهم للاقتراع في نهر الأردنّ(٤) .
وقيل(٥) : أقلامهم الّتي كانوا يكتبون [بها](٦) التّوراة تبرّكا.
والمراد تقرير كونه وحيا على سبيل التّهكّم بمنكريه. فإنّ طريق معرفة الوقائع المشاهدة أو السّماع. وعدم السّماع معلوم لا شبهة فيه عندهم. فبقي أن يكون الاهتمام(٧) باحتمال العيان، ولا يظنّ به عاقل، ليعلموا:( أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) : معمول لما دلّ عليه( يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ ) .
وفي كتاب الخصال(٨) ، عن أبي جعفرعليهالسلام قال: أوّل من سوهم عليه مريم بنت عمران، وهو قول الله تعالى:( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) ، والسّهام ستّة.
وفي من لا يحضره الفقيه(٩) ، مثله.
__________________
(١) نفس المصدر / ٤٨٤ - ٤٨٥، صدر حديث ٩.
(٢) المصدر: اعتقلوه.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦٠.
(٤) النسخ: «شهر أردن» وهي خطأ ظاهرا. وكلمة «شهر» فارسية. بمعنى مدينه. وأما بالنسبة إلى إلقائهم أقلامهم في ماء النهر للاقتراع راجع بحار الأنوار ١٤ / ١٩٦ نقلا عن مجمع البيان. وهو نهر الأردنّ، راجع تفسير القاسمي (محاسن التأويل) ٤ / ٩٨.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) من المصدر.
(٧) المصدر: الإيهام.
(٨) الخصال / ١٥٦، ح ١٩٨. وللحديث تتمة.
(٩) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥١، ح ١٧٣. وله تتمة.
( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (٤٤): تنافسا في كفالتها.
في تفسير عليّ بن إبراهيم(١) ، قال: لـمّا ولدت اختصم(٢) فيها، فكلّهم(٣) قالوا: نحن نكفّلها، فخرجوا وضربوا(٤) بالسّهام بينهم، فخرج(٥) سهم زكريّا، فتكفّلها(٦) زكريّا.
وفي تفسير العيّاشيّ(٧) ، عن الحكم بن عتيبة(٨) ، عن أبي جعفرعليهالسلام في حديث طويل يقول فيهعليهالسلام : قال لنبيّه محمدصلىاللهعليهوآله يخبره بما غاب عنه من خبر مريم وعيسى: يا محمّد ذلك من أنباء الغيب، نوحيه إليك في مريم وابنها، وبما خصّهما الله به(٩) وفضّلهما وكرّمهما(١٠) ، حيث قال:( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ) يا محمّد يعني بذلك ربّ(١١) الملائكة،( إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) حين أيتمت من أبيها.
وفي رواية اخرى(١٢) ، عن ابن أبي خوار(١٣) ( أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) حين أيتمت من أبيها(١٤) ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ) يا محمّد( إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) في مريم [عند ولادتها بعيسى](١٥) [بن مريم](١٦) أيّهم يكفلها ويكفل ولدها.
قال: [فقلت](١٧) له: أبقاك الله فمن كفلها؟
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ١٠٢.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: اختصموا.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: وكلّهم.
(٤) هكذا في النسخ. وفي المصدر: قارعوا.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: وخرج
(٦) هكذا في المصدر: وفي النسخ: فكفلها.
(٧) تفسير العياشي ١ / ١٧٣، ذيل حديث ٤٧.
(٨) النسخ والمصدر: «عيينة» وهو وهم. ر. تنقيح المقال ١ / ٣٥٨، ذيل «الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي»، وص ٣٦٠، ذيل «الحكم بن عيينة».
(٩) النسخ: «منه» بدل «الله به». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(١٠) المصدر: أكرمهما.
(١١) المصدر: لربّ.
(١٢) نفس المصدر والموضع، ح ٤٨. وللحديث تتمة.
(١٣) هكذا في النسخ. وفي المصدر وتفسير البرهان ١ / ٢٨٣ رقم ١٦: خرزاد. وفي تفسير نور الثقلين: خراد.
ونحن لم نعثر على ترجمة لهذا الراوي في كتب الرجال.
(١٤) المصدر: أبويها.
(١٥) من المصدر.
(١٦) من أ.
(١٧) من المصدر.
فقال: أما تسمع لقوله الآية( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ ) : بدل من «إذ قالت» الأولى أو من «إذ يختصمون» بناء على أنّ الاختصام والبشارة في زمان متّسع، كقولك: لقيته سنة كذا.( يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) : المسيح لقبه، وهو من الألقاب المادحة، وأصله مشيحا بالعبرانيّة، ومعناه: المبارك، كقوله(١) : وجعلني مباركا.
وعيسى معرّب أيشوع، واشتقاقهما(٢) من المسح، لأنّه مسح بالبركة، أو بما طهّره من الذّنوب، أو مسح الأرض ولم يقم في موضع، أو مسحه جبرئيل. ومن العيس وهو بياض يعلوه حمرة، كالرّاقم على الماء.
فإن قلت: لم قيل: اسمه المسيح عيسى بن مريم، وهذه ثلاثة أشياء، الاسم منها عيسى، واما المسيح والابن فلقب وصفة؟
قلت الاسم للمسمّى علامة يعرف بها ويتمّيز بها عن غيره، فكأنّه قيل: الّذي يعرف به، ويتميّز ممّن سواه، مجموع هذه الثّلاثة. ويحتمل أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف، وابن مريم صفته. وأن يكون كلّ من الثّلاثة اسما، بمعنى: أنّ كلّا منها يميّز تمييز الأسماء. ولا ينافي تعدّد الخبر افراد المبتدأ، فإنّه اسم جنس مضاف، وإنّما قيل: ابن مريم والخطاب لها تنبيها على أنّه يولد من غير أب، إذ الأولاد تنسب إلى الآباء، ولا تنسب إلى الأمّ، إلّا إذا فقد الأب.
( وَجِيهاً فِي الدُّنْيا ) : حال مقدّرة من «كلمة» الموصوفة بقوله: «منه». والتّذكير للمعنى، ووجاهته في الدّنيا بالنّبوّة.
( وَالْآخِرَةِ ) : بالشّفاعة.
( وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (٤٥): من الله.
وقيل(٣) : إشارة إلى علو درجته في الجنّة.
وقيل(٤) : إلى رفعه إلى السّماء، وصحبته الملائكة.
( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ) ، أي: حال كونه طفلا وكهلا كلام الأنبياء
__________________
(١) مريم / ٣١.
(٢) هكذا في أنوار التنزيل ١ / ١٦٠. وفي النسخ: «أيسوع ومشتقهما» بدل «ايشوع واشتقاقهما».
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦١.
(٤) نفس المصدر والموضع.
من غير تفاوت.
وفي أصول الكافي(١) ، عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسيّ قال: سألت أبا جعفرعليهالسلام أكان عيسى بن مريم حين تكلّم في المهد حجّة الله على أهل زمانه؟
فقال: كان يومئذ نبيّا حجّة الله غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال(٢) :( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا )
. والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
و «المهد» مصدر، سمّي به ما يمهّد للصّبيّ من مضجعه.
و «الكهل» من خطّه الشّيب ورأيت له بجالة. ولذا قيل(٣) : والمراد وكهلا بعد نزوله.
[لأنّه رفع شابّا](٤) وذكر أحواله المختلفة المتنافية إشارة(٥) إلى أنّه ممكن ليس بإله(٦) .
( وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (٤٦): قال ثالث من «كلمة» أو ضميرها الّذي في «يكلّم».
( قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ) : تعجّب.
وقيل(٧) : استبعاد عاديّ، أو استفهام عن أنّه يكون بتزوّج أو غيره.
( قالَ ) : جبرئيل، أو الله وجبرئيل حكى بها قوله تعالى:( كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٤٧)، أي: كما أنّه يقدر أن يخلق الأشياء بأسباب وموادّ متدرّجا، يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك.
( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ) (٤٨) :
إمّا كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها، وإزاحة لما همّها من خوف اللّوم على أنّها تلد من غير زوج. أو عطف على «يبشّرك» أو «وجيها».
__________________
(١) الكافي ١ / ٣٨٢، ضمن حديث ١.
(٢) مريم / ٣١.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦١.
(٤) ليس في المصدر.
(٥) المصدر: إرشادا.
(٦) المصدر: «بمعزل عن الألوهيّة» بدل «ممكن ليس باله».
(٧) نفس المصدر والموضع.
والكتاب الكتبة، أو جنس الكتب المنزلة. وتخصيص الكتابين لفضلهما.
وقرأ عاصم ونافع، بالياء(١) .
( وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرائِيلَ ) : منصوب بمقدّر، على إرادة القول. والتّقدير «ويقول: أرسلت رسولا» أو بالعطف، على الأحوال المتقدّمة. وتخصيص بني إسرائيل لخصوص من بعثته، أو للرّدّ على من زعم أنّه مبعوث إلى غيره.
في كتاب كمال الدّين(٢) وتمام النّعمة، بإسناده إلى محمّد بن الفضل(٣) ، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر - عليهم السّلام - في حديث طويل، يقول فيه: ثمّ إنّ الله - عزّ وجلّ - أرسل عيسىعليهالسلام إلى بني إسرائيل خاصّة، وكانت نبوّته ببيت المقدس.
( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) : متعلّق «برسولا» على تضمين معنى النّطق، أي: ناطقا بأنّي الخ.
والآية ما يذكر بعده وهو :
( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) : نصب(٤) بدل من «أنيّ»، أو جرّ بدل من «آية»، أو رفع على هي أنّي، والمعنى: أقدر وأصوّر لكم مثل صورة الطّير.
( فَأَنْفُخُ فِيهِ ) :
الضّمير للكاف، أي: في ذلك المثل.
( فَيَكُونُ طَيْراً ) : فيصير طيّارا.
( بِإِذْنِ اللهِ ) : بأمره. ونبّه به على أنّ إحياءه من الله لا منه.
وقرأ نافع هنا وفي المائدة طائرا، بألف وهمزة(٥) .
وفي كتاب الخصال(٦) ، عن الحسين بن عليّ - عليهما السّلام - قال: كان عليُّ بن أبي طالبعليهالسلام بالكوفة في الجامع، إذ قام إليه رجل من أهل الشّام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله [أن قال له](٧) : أخبرني عن ستّة لم يركضوا في رحم؟
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٢٠.
(٣) المصدر: محمد بن الفضيل.
(٤) أ: فيصير طيّارا نصب
(٥) أنوار التنزيل ١ / ١٦١.
(٦) الخصال / ٣٢٢، ح ٨.
(٧) من المصدر.