تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٣

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 603
المشاهدات: 18488
تحميل: 4817


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18488 / تحميل: 4817
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ ) (٩٨): والحال أنّه شهيد مطّلع على أعمالكم واعتقاداتكم، فيجازيكم عليها، لا ينفعكم التّحريف والاستسرار.

( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ ) : تكرير الخطاب والاستفهام لزيادة التّقريع ونفي العذر لهم، وللإشعار بأنّ كلّ واحد من الأمرين مستقبح في نفسه، مستقلّ باستجلاب العذاب.

وسبيله، دينه الحقّ. المأمور بسلوكه، وهو الإسلام المرادف للإيمان.

قيل(١) : كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم، حتّى أتوا الأوس والخزرج، فذكّروهم ما بينهم في الجاهليّة من التّعادي والتّحارب، ليعودوا لمثله، ويحتالون لصدّهم عنه.

( تَبْغُونَها عِوَجاً ) : حال من الواو، واللّام في المفعول الأوّل محذوف، أي: طالبين لسبيل الله اعوجاجا.

أو «عوجا» تمييز من النّسبّة إلى المفعول، أي: طالبين عوجها، بأن تلبسوا على النّاس، وتوهّموا أنّ فيه عوجا عن الحقّ، بمنع النّسخ وتغيير صفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحوهما. أو بأن تحرشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم، ويختلّ أمر دينهم.

( وَأَنْتُمْ شُهَداءُ ) : أنّها سبيل الله، والصّدّ عنها ضلال وإضلال، وأنتم عدول عند أهل ملّتكم، يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا.

( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٩٩): وعيد لهم. ولـمـّا كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به، ختمها بقوله:( وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ ) . وفي هذه الآية صدّهم المؤمنين عن الإسلام، وكانوا يخفونه ويحتالون فيه، قال:( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ ) (١٠٠)

قيل(٢) : نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدّثون، فمرّ بهم شاس بن قيس اليهوديّ، فغاظه تآلفهم واجتماعهم، فأمر شابّا من اليهود أن يجلس إليهم، ويذكّرهم يوم بغاث(٣) ، وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظّفر في ذلك اليوم للأوس، ففعل ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٧٤.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) المصدر: بعاث.

١٨١

فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا: السّلاح السّلاح، واجتمع من القبيلتين خلق عظيم، فتوجّه إليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه. فقال: أتدعون الجاهليّة وأنا بين أظهركم، بعد إذ أكرمكم(١) الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهليّة، وألّف بين قلوبكم. فعلموا أنّها نزعة من الشّيطان وكيد من عدوّهم، فألقوا السّلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا، وانصرفوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وإنّما خاطبهم الله تعالى بنفسه بعد ما أمر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يخاطب أهل الكتاب، إظهارا لجلالة قدرهم، وإشعارا بأنّهم هم الأحقّاء بأن يخاطبهم تعالى ويكلّمهم.

( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) : إنكار وتعجيب لكفرهم، في حال اجتمع لهم الأسباب الدّاعية إلى الإيمان، الصّادفة عن الكفر.

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ ) : ومن يستمسك بدينه، أو يلتجئ إليه في مجامع أموره.

في كتاب الخصال(٢) : عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة وسائر النّاس في قبضتي [..]. ومن اعتصم بالله عن نيّة صادقة، واتّكل عليه في جميع أموره كلّها

(الحديث)( فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١٠١): فقد اهتدى لا محالة.

وفي كتاب معاني الأخبار(٣) : بإسناده إلى حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إنّ الإمام لا يكون الّا معصوما؟

فقال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ذلك.

فقال: المعصوم، هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله - تبارك وتعالى - :( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٤) .

وفي أصول الكافي(٥) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن

__________________

(١) المصدر: أن أكرمكم.

(٢) الخصال / ٢٨٥، ٣٧. وللحديث ذيل.

(٣) معاني الأخبار / ١٣٢، ح ٢.

(٤) في هامش الأصل: الامام يجب أن يكون معصوما في جميع أقواله وأفعاله من أوّل العمر إلى آخره. لأنّه مخبر من الله ورسوله، فان كان غير معصوم سقط اعتباره من القلوب ولا يعتمد على قوله. (منه)

(٥) الكافي ٢ / ٦٥، ح ٤.

١٨٢

محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (١) قال: أيّما عبد أقبل قبل ما يحبّ الله - عزّ وجلّ - أقبل الله قبل ما يحبّ، ومن اعتصم بالله عصمه الله، ومن أقبل الله قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السّماء على الأرض، ولو(٢) كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بليّة كان في حرز(٣) الله بالتّقوى من كلّ بليّة، أليس الله - عزّ وجلّ - يقول:( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ ) ؟

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) : حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم.

أصله: وقية فقلبت واوها المضمومة تاء، كما في تؤدة وتخمة، والياء ألفا.

وفي مجمع البيان(٤) : وذكر في قوله:( حَقَّ تُقاتِهِ ) وجوه: ثالثها(٥) ، أنّه المجاهدة في الله وأن لا تأخذه [فيه](٦) لومة لائم، وأن يقام له بالقسط في الخوف والأمن، عن مجاهد. ثمّ اختلف فيه أيضا على قولين: أحدهما أنّه منسوخ بقوله:( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله - عليهما السّلام(٧) -

وفي كتاب معاني الأخبار(٨) : بإسناده إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله - عزّ وجلّ - :( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) قال: يطاع ولا يعصى(٩) ، ويذكر ولا ينسى(١٠) ، ويشكر ولا يكفر(١١) .

( وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (١٠٢)، أي: ولا تكوننّ على حال، سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت. فإنّ النّهي عن المقيّد بحال وغيرها، قد يتوجّه بالذّات نحو الفعل تارة والقيد أخرى، وقد يتوجّه نحو المجموع، وكذلك النّفي.

وفي مجمع البيان(١٢) : وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :( وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

__________________

(١) «عن أبي عبد الله - عليه السّلام» ليس في أ.

(٢) المصدر: «أو» بدل «ولو».

(٣) المصدر: حزب.

(٤) مجمع البيان ١ / ٤٨٢.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ثانيها.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر: عن قتادة والربيع والسدي وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام.

(٨) معاني الأخبار / ٢٤٠، ح ١.

(٩) المصدر: فلا يعصى.

(١٠) المصدر: فلا ينسى

(١١) المصدر: فلا يكفر.

(١٢) مجمع البيان ١ / ٤٨٢.

١٨٣

بالتّشديد، ومعناه: مستسلمون لما أتى [به](١) النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنقادون له.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن الحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الأوّلعليه‌السلام لبعض أصحابه(٣) : كيف تقرأ هذه الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ما ذا؟

قلت: مسلمون.

فقال: سبحان الله، يوقع(٤) عليهم الإيمان فيسمّيهم(٥) مؤمنين، ثمّ يسألهم الإسلام، والإيمان فوق الإسلام.

قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد.

قال: إنّما هي في قراءة عليّعليه‌السلام وهو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ الإمام من بعده.

وفي كتاب المناقب(٦) لابن شهر آشوب: عن الباقرعليه‌السلام في قراءة عليّعليه‌السلام وهو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام بعده.

وفي عيون الأخبار(٧) : بإسناده إلى داود بن سليمان القارئ(٨) ، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين - عليهم السّلام - أنّه قال: الدّنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم، والعلم كلّه حجّة إلّا ما عمل به، والعمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصا، والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يختم له.

وفي نهج البلاغة(٩) : قالعليه‌السلام : فبادروا العمل وخافوا بغتة الأجل. فأنّه

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٩٣، ح ١١٩.

(٣) «لبعض أصحابه» ليس في المصدر.

(٤) المصدر: توقع.

(٥) المصدر: فسمّيتهم.

(٦) لم نعثر عليه في المناقب. ولكن في تفسير العياشي ١ / ١٩٤، ذيل حديث ١١٩، إلّا أنّه عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام والموجود في المناقب ٣ / ٩٥: وعنه، أي: الباقرعليه‌السلام في قوله( إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) لولاية عليّ - عليه السّلام. فراجع.

(٧) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٨١، ح ٢٥.

(٨) المصدر: الغازي.

(٩) نهج البلاغة / ١٧١، ضمن خطبة ١١٤.

١٨٤

لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق، ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته، وما فات أمس(١) من العمر لم ترج(٢) اليوم رجعته، الرّجاء مع الجائي واليأس مع الماضي. ف( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) .

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) : بدينه الإسلام، الّذي ملاكه الولاية، والكتاب استعارة تبعيّة، ووجه الشّبه التّمسّك به، فإنّ التّمسّك به سبب النّجاة عن الرّدى، كما أنّ التّمسّك بالحبل سبب السّلامة عن التّردّي، والاعتصام ترشيح للاستعارة.

( جَمِيعاً ) : مجتمعين عليه.

في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه(٣) - : بإسناده إلى عمر بن راشد، عن جعفر بن محمّد - عليهما السّلام - في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) ، قال [نحن الحبل.

وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن ابن يزيد قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) .

قال :](٥) عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام حبل الله المتين.

وعن جابر(٦) عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: آل محمّد - عليهم السّلام - هم حبل الله الّذي أمر(٧) بالاعتصام به، فقال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) .

وفي كتاب معاني الأخبار(٨) : بإسناده إلى موسى بن جعفر - عليهما السّلام - عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين(٩) - عليهم السّلام - قال: الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلّا منصوصا.

فقيل له: يا بن رسول الله، فما معنى المعصوم؟

فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة ،

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الأمس.

(٢) المصدر: يرج.

(٣) أمالي الطوسي ١ / ٢٧٨، ذيل حديث.

(٤) تفسير العياشي ١ / ١٩٤، ح ١٢٢.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) نفس المصدر والموضع، ح ١٢٣.

(٧) المصدر: أمرنا.

(٨) معاني الأخبار / ١٣٠، ح ١.

(٩) في نسخة ر بعد هذه العبارة: عن أبيه الحسين بن علي.

١٨٥

والإمام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله - عزّ وجلّ(١) -( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) .

وفي مجمع البيان(٢) : روى أبو سعيد الخدريّ عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: أيّها النّاس، إنّي قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا من(٣) بعدهما، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي.

[ألا](٤) وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) ، قال: التّوحيد والولاية].(٦) ( وَلا تَفَرَّقُوا ) : أي: لا تتفرّقوا عن الحقّ، بوقوع الاختلاف بينكم، كأهل الكتاب. أو لا تتفرّقوا تفرّقكم الجاهليّ، يحارب بعضكم بعضا. أو لا تذكروا ما يوجب التّفرّق، ويزيل الألفة.

[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) :](٨) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَلا تَفَرَّقُوا ) ، قال: إنّ الله - تبارك وتعالى - علم أنّهم سيفترقون بعد نبيّهم ويختلفون، فنهاهم عن التّفرق كما نهى من [كان](٩) قبلهم، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمّد - صلّى الله عليهم - ولا يتفرّقوا.

[وفي شرح الآيات الباهرة(١٠) :](١١) وروى الشّيخ المفيد - رحمه الله - في [كتاب الغيبة](١٢) تأويل هذه الآية وهو من محاسن التّأويل، عن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه قال: قال عليّ بن الحسين - صلوات الله عليهما - : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا في المسجد، وأصحابه حوله، فقال لهم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه.

__________________

(١) الاسراء / ٩.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٨٢.

(٣) «من» ليس في المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير القمي ١ / ١٠٨.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) ليس في أ.

(٩) من المصدر.

(١٠) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٤٢.

(١١) ليس في أ.

(١٢) من المصدر.

١٨٦

قال: فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر، فتقدّم وسلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجلس، وقال: يا رسول الله، إنّي سمعت الله يقول:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) فما هذا الحبل الّذي أمر الله بالاعتصام ولا نتفرّق عنه؟

قال: فأطرق ساعة، ثمّ رفع رأسه وأشار إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وقال: هذا حبل الله الّذي من تمسّك به عصم في دنياه ولم يضلّ في أخراه.

قال: فوثب الرّجل إلى عليّ بن أبي طالب واحتضنه(١) من وراء ظهره، وهو يقول: اعتصمت بحبل الله وحبل رسوله، ثمّ قام فولّى وخرج. فقام(٢) رجل من النّاس فقال: يا رسول الله - صلّى الله عليك وأهلك(٣) - ألحقه وأسأله أن يستغفر لي؟

فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تجده مرفقا.

قال: فلحقه الرّجل وسأله أن يستغفر له.

فقال له: هل فهمت ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما قلت له؟

قال الرّجل: نعم.

فقال له: إن كنت متمسّكا بذلك الحبل فغفر الله لك، وإلّا فلا غفر الله لك وتركه، ومضى.

[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ(٤) : قال: حدّثني الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمّد بن مروان قال: حدّثنا أبو حفص الأعمش(٥) ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جدّه - عليهم السّلام - قال: جاء رجل في صورة(٦) أعرابيّ إلى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ما معنى( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ؟

فقال له النّبيّ: أنا نبيّ الله، وعليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابي وهو

__________________

(١) المصدر: احتصّه.

(٢) «فولّى وخرج فقام» ليس في المصدر.

(٣) «وأهلك» ليس في المصدر. وفي أ: «وآلك». وهو الظاهر.

(٤) تفسير فرات / ١٤.

(٥) كذا في الأصل. وفي المصدر: «أبو حفض الأعمشى». والظاهر: «أبو حفض الأعشى». ر. تنقيح المقال، فصل الكنى، ٣ / ١٣ وجامع الرواة ٢ / ٣٧٩.

(٦) المصدر: هيئة.

١٨٧

يقول: آمنت بالله وبرسوله و [اعتصمت](١) وبحبله.

وقال(٢) : حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم معنعنا، عن ابن عبّاس - رضي الله عنه - قال: كنت عند النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل أعرابيّ فقال: يا رسول الله، قول الله(٣) في كتابه:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) فما حبل الله؟

فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وآله(٤) - : يا أعرابيّ، أنا نبيّه وعليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابيّ وهو يقول: آمنت بالله وبرسوله واعتصمت بحبله.

وقال(٥) : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في جماعة من أصحابه، إذ ورد عليه أعرابيّ فبرك(٦) بين يديه، فقال: يا رسول الله، إنّي سمعت الله يقول في كتابه:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) فهذا(٧) الحبل الّذي أمرنا الله بالاعتصام به ما هو؟

قال: فضرب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على كتف عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: ولاية هذا(٨) .

قال: فقال الأعرابيّ(٩) - وضبط بكفّيه وإصبعه(١٠) جميعا ثمّ قال - : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله وأعتصم بحبل الله.

قال: وشدّ أصابعه.

وقال(١١) . حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد الاحمسىّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد - عليهما السّلام - قال: نحن حبل الله الّذي: قال(١٢) :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ،

__________________

(١) من المصدر.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل: ما قول الله.

(٤) المصدر: «قال» بدل «فقال النبي - صلّى الله عليه وآله».

(٥) نفس المصدر / ١٥.

(٦) الأصل: «يترك». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي الأصل: فما هذا.

(٨) المصدر: عليّ.

(٩) المصدر: «فقام» بدل «قال فقال»

(١٠) المصدر: «بإصبعيه» بدل «بكفيه وإصبعه».

(١١) نفس المصدر والموضع.

(١٢) المصدر: فيه.

١٨٨

[و](١) ولاية عليٍّعليه‌السلام من(٢) استمسك به(٣) كان مؤمنا ومن تركها خرج من الإيمان](٤)

( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً ) : في الجاهليّة متقابلين.

( فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ) بالإسلام،( فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) : متحابّين مجتمعين على الأخوّة في الله.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٥) : بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سليمان، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام عن الحارث بن نوفل قال: قال عليّعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : [يا رسول الله ،](٦) أمنّا الهداة أم غيرنا؟

قال: بل منّا الهداة إلى الله إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم الله - عزّ وجلّ - من ضلالة الشّرك وبنا استنقذهم الله من ضلالة الفتنة، وبنا يصبحون إخوانا بعد ضلالة [الفتنة كما بنا أصبحوا إخوانا بعد ضلالة](٧) الشّرك، وبنا يختم الله، وبنا يفتح.

وقيل(٨) : كان الأوس والخزرج أخوين لأبوين، فوقع بين أولادهما(٩) العداوة، وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة، حتّى اطفأها الله - تعالى - بالإسلام، وألّف بينهم برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله

( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ) ، أي: مشفين على الوقوع في نار جهنم، إذ لو أدرككم الموت في تلك الحالة لوقعتم فيها.

( فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) : بالإسلام.

والضّمير للحفرة، أو للنّار، أو للشّفا. وتأنيثه لتأنيث ما أضيف إليه، أو لأنّه بمعنى: الشّفة، فإنّ شفاء البئر وشفتها طرفها، كالجانب والجانبة.

وأصله، شفو. فقلبت الواو في المذكّر، وحذف في المؤنّث.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) هكذا في الأصل. وفي المصدر: «البر فمن» بدل «من».

(٣) المصدر: بها

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٣٠ - ٢٣١، ح ٣١.

(٦) من المصدر.

(٧) ليس في أ.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ١٧٥.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أولادهم.

١٨٩

وفي روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله - تعالى - :( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) بمحمّد هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

وبإسناده إلى أبي هارون المكفوف(٢) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: بأبي وأمّي وقومي وعترتي وعشيرتي، عجب للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها، والله - عزّ وجلّ - يقول في كتابه:( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ. فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) ، فبرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنقذوا.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن ميثم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أبشروا بأعظم المنن عليكم، قول الله تعالى:( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) فالإنقاذ من الله هبة، والله لا يرجع في هبته.

وعن محمّد بن سليمان البصريّ الدّيلميّ(٤) ، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام [في قوله :](٥) ( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) صلى‌الله‌عليه‌وآله

( كَذلِكَ ) : مثل ذلك التبيين.

( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (١٠٣): إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه.

( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) : «من» للتّبعيض، و «اللّام» للاستغراق، أي: وليكن بعضكم يدعون بكلّ خير، ويأمرون بكلّ معروف، وينهون عن كلّ منكر.

( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١٠٤): المخصوصون بكمال الفلاح، لا حاجة لهم إلى داع يدعوهم إلى الخير وآمر يأمرهم بالمعروف وناه ينهاهم عن المنكر

__________________

(١) الكافي ٨ / ١٨٣، ح ٢٠٨.

(٢) نفس المصدر ٨ / ٢٦٦، ح ٣٨٨.

(٣) تفسير العياشي ١ / ١٩٤، ح ١٢٥.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ١٢٤.

(٥) من المصدر.

١٩٠

وفي لفظ «منكم» إشعار بأنّه غير النّبيّ، فيجب من دلالة الآية أن يكون أمّة غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يكون نفسه معصوما ويعلم كلّ خير وكلّ معروف وكلّ منكر، يدعو ويأمر وينهى.

وفي الكافي(١) : علىّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد(٢) ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت أخبرني عن الدّعاء إلى الله والجهاد في سبيله، أهو لقوم لا يحلّ إلّا لهم ولا يقوم به إلّا من كان منهم، أم هو مباح لكلّ من وحّد الله - عزّ وجلّ - وآمن برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله - عزّ وجلّ - وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟

فقال: ذلك لقوم لا يحلّ إلّا لهم، ولا يقوم بذلك إلّا من كان منهم.

قلت: من أولئك؟

قال: من قام بشرائط الله في القتال والجهاد على المجاهدين، فهو المأذون له في الدّعاء إلى الله تعالى ومن لم يكن قائما بشرائط الله في الجهاد على المجاهدين، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدّعاء إلى الله، حتّى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد(٣) - إلى أن قالعليه‌السلام : ومن كان على خلاف ذلك، فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنّهي عن المنكر والأمر بالمعروف، لأنّه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدّعاء إلى الله - تعالى - لأنّه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى الله، ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنين بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه، ولا يكون داعيا إلى الله - تعالى - من أمر بدعاء مثله إلى التّوبة والحقّ والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه(٤) .

وفي هذا الحديث يقولعليه‌السلام : ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . ثمّ أخبر عن هذه الأمّة [وممّن](٥) هي، وإنّها من ذرّيّة

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٣ - ١٩، ح ١، مقاطع منه.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «القاسم بن يزيد». ر. رجال النجاشي / ٣١٢، رقم ٨٥٧.

(٣) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص ١٣.

(٤) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص ١٧ - ١٨.

(٥) ليس في أ.

١٩١

إبراهيمعليه‌السلام [ومن ذرّيّة إسماعيل ،](١) من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير الله قطّ، الّذين وجبت لهم الدّعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه، أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، الّذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة محمّد(٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذين عناهم الله في قوله(٣) ( أَدْعُوا إلى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) ، يعني: من اتّبعه على الإيمان به والتّصديق له و(٤) بما جاء به من عند الله تعالى من الأمّة الّتي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق، ممّن لم يشرك بالله قطّ ولم يلبس إيمانه بظلم، وهو الشّرك(٥) .

عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول، وسئل عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: أواجب هو على الأمّة جميعا؟

فقال: لا.

فقيل [له :](٧) ولم؟

قال: إنّما هو على القويّ المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضّعيف الّذي لا يهتدي(٨) سبيلا إلى أيّ من أي، يقول من الحقّ إلى الباطل(٩) ، والدّليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ، فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال الله تعالى(١٠) :( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) .

ولم يقل على أمّة موسى ولا على [كلّ](١١) قومه، وهم يومئذ أمم مختلفة والأمّة واحد(١٢) فصاعدا، كما قال الله تعالى(١٣) :( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ ) يقول: مطيعا لله.

والحديث طويل ،

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) المصدر: أمّة إبراهيم - عليه السّلام.

(٣) يوسف / ١٠٨.

(٤) «و» ليس في المصدر.

(٥) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص ١٣ - ١٤.

(٦) نفس المصدر ٥ / ٥٩، ح ١٦. وللحديث تتمة.

(٧ و ١١) من المصدر.

(٨) النسخ: «الضعفة الذين لا يهتدون» بدل «الضعيف الذي لا يهتدى». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «إلى الحق من الباطل» بدل «من الحق إلى الباطل».

(١٠) الاعراف / ١٥٩.

(١٢) هكذا في ر. وفي المصدر وسائر النسخ: واحدة.

(١٣) النحل / ١٣٠.

١٩٢

أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ ) فهذه لآل محمّد ومن تابعهم، يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

وفي كتاب الخصال(٢) : عن يعقوب بن يزيد، بإسناده رفعه إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، خلقان من خلق الله تعالى فمن نصرهما أعزّه الله، ومن خذلهما خذله الله تعالى.

وفي نهج البلاغة(٣) : قالعليه‌السلام : انهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنّما أمرتم بالنّهي بعد التّناهي.

وفيه(٤) : لعن الله الآمرين بالمعروف التّاركين له، والنّاهين عن المنكر العاملين به.

[وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: في قوله تعالى:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .

قال: في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي، لأنّه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة الّتي وصفها الله، لأنّكم تزعمون أنّ جميع المسلمين من أمّة محمّد، وقد بدت هذه الآية وقد وصفت أمّة محمّد بالدّعاء إلى الخيرات(٦) والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومن لم يوجد فيه الصّفة الّتي وصفت بها فكيف يكون من الأمّة، وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمّة ووصفها به؟] واعلم، أنّ الدّاعي إلى كلّ خير، والآمر بكلّ معروف، والنّاهي عن كلّ منكر، لا يكون إلّا معصوما وعالما بكلّ خير ومعروف ومنكر، ويجب وجوده ونصبه في كلّ زمان على الله تعالى إذ لا يمكن لأحد العلم بعصمة أحد إلّا من طريق النّصّ، وأمّا الأمر بمعروف علم من الشّرع كونه معروفا، والنّهي عن منكر علم من الشّرع كونه منكرا، فيجب على كلّ من يقدر عليه كفاية.

وفي بعض الأخبار السّابقة دلالة عليه.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٠٨ - ١٠٩.

(٢) الخصال / ٤٢، ح ٣٢.

(٣) نهج البلاغة / ١٥٢، ضمن خطبة ١٠٥.

(٤) نفس المصدر / ١٨٨، ضمن خطبه ١٢٩.

(٥) تفسير العياشي ١ / ١٩٥، ح ١٢٧.

(٦) المصدر. «الخير». وهو الظاهر.

١٩٣

وفي التّهذيب(١) : عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ [والتّقوى](٢) ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السّماء.

وفي الكافي والتّهذيب(٣) : عن الباقرعليه‌السلام قال: يكون في آخر الزّمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّءون ويتنسّكون، حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر، إلّا إذا أمنوا الضّرر يطلبون لأنفسهم الرّخص والمعاذير، يتّبعون زلّات العلماء وفساد علمهم(٤) ، يقبلون على الصّلاة والصّيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال، ولو أخّرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى(٥) الفرائض وأشرفها.

إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض. هنالك يتمّ غضب الله عليهم فيعمّهم(٦) بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجّار، والصّغار في دار الكبار. إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصّالحين(٧) ، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر.

فأنكروا بقلوبكم وألفظوا بألسنتكم وصكّوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإن اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم،( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بظلم(٨) ظفرا، حتّى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته.

قال أبو جعفر - عليه السّلام(٩) - : وأوحى الله إلى شعيب النّبيّ: إنّي معذّب من

__________________

(١) التهذيب ٦ / ١٨١، ح ٣٧٣.

(٢) من المصدر.

(٣) الكافي ٥ / ٥٥، ح ١ والتهذيب ٦ / ١٨٠، ح ٣٧٢.

(٤) الكافي: عملهم.

(٥) التهذيب: أتم.

(٦) هكذا في أ، فقط. وفي المصدرين والنسختين الأصل ور: فيعمهم. أ: فيعمّيهم.

(٧) الكافي: منهاج الصلحاء.

(٨) النسخ والتهذيب: «بالظلم». وما أثبتناه في المتن موافق «الكافي».

(٩) «قال أبو جعفرعليه‌السلام » ليس في الكافي.

١٩٤

قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، وستّين ألفا من خيارهم.

فقال: يا ربّ، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟

فأوحى الله - عزّ وجلّ - إليه: إنّهم(١) داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي.

[وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: ولتكن منكم أئمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. صدق الله ورسوله، لأنّ هذه الصّفات من صفات الأئمّة - صلوات الله عليهم - لأنّهم معصومون، والمعصوم لا يأمر بطاعة إلّا وقد ائتمر بها ولا ينهى عن معصية إلّا وقد انتهى عنها، كما قال أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وآله - : والله ما أمرتكم بطاعة إلّا وقد ائتمرت بها، ولا نهيتكم عن معصية إلّا وقد انتهيت عنها].(٣)

( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ) : كاليهود والنّصارى اختلفوا في التّوحيد والتّنزيه وأحوال الآخرة.

( مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) : في موضع الحال، من فاعل الفعل السّابق، وهي الآيات والحجج المبيّنة للحقّ الموجبة للاتّفاق عليه.

وفي الآية دلالة على كفر من اختلف وتفرّق عن الحقّ بعد مجيء البيّنة.

وفي عطف «اختلفوا» على «تفرّقوا» دلالة على أنّ الاختلاف إذا كان بحيث يوجب التّفرّق، يوجب ذلك لا مطلقا، كاختلاف الشيعة في بعض الفروع.

( وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (١٠٥): وعيد للّذين تفرّقوا، وتهديد على التّشبّه بهم.

( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) : نصب بما في «لهم» من معنى الفعل، أو بإضمار «اذكر.» وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السّرور وكآبة الخوف.

وقيل(٤) : يوسم أهل الحقّ ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النّور بين يديه وبيمينه، وأهل الباطل بأضداد ذلك. وفي الأخبار دلالة على ذلك.

__________________

(١) ليس في الكافي.

(٢) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٤٢.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.

١٩٥

( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) ، أي: فيقال لهم: أكفرتم.

والهمزة، للتّوبيخ والتّعجّب من حالهم.

في مجمع البيان(١) : عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّهم أهل البدع والأهواء والآراء الباطلة من هذه الأمّة».

وعن الثّعلبيّ في تفسيره(٢) ، عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: والّذي نفسي بيده، ليرد(٣) عليّ الحوض ممّن صحبني أقوام، حتّى إذا رأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ: أصحابي أصحابي(٤) .

فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك(٥) ، إنّهم ارتدّوا على أعقابهم القهقرى.

( فَذُوقُوا الْعَذابَ ) : أمر إهانة.

( بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) (١٠٦): بسبب كفرهم.

( وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ ) ، يعني: الجنّة والثّواب المخلّد.

عبّر عن ذلك بالرّحمة، تنبيها على أنّ المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله لا يدخل الجنّة إلّا برحمته وفضله.

قيل(٦) : كان حقّ التّرتيب أن يقدّم ذكرهم، ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم.

( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (١٠٧): أخرجه مخرج الاستئناف للتّأكيد، كأنّه قيل: كيف يكونون فيها؟

فقال: هم فيها خالدون.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الجارود، عن عمران بن هيثم، عن مالك بن ضمرة(٨) ، عن أبي ذرّ - رحمه الله - قال: لـمّا نزلت هذه

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٨٥.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) أ: ليردنّ.

(٤) ر: «أصيحابي، أصيحابي» المصدر: «أصحابي، أصحابي، أصحابي».

(٥) المصدر: بعد إيمانهم.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.

(٧) تفسير القمي ١ / ١٠٩.

(٨) النسخ: «مالك بن أبي حمزة». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر. ر. تنقيح المقال، من أبواب ميم ،

١٩٦

الآية:( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يرد عليّ أمّتي يوم القيامة على خمس رايات: فراية مع عجل هذه الأمّة فأسألهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه. فأقول: ردوا النّار ظلماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع فرعون هذه الأمّة فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟

فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه. فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع سامريّ هذه الأمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟

فيقولون: أمّا الأكبر فعصينا(١) وتركناه(٢) ، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه(٣) [وصنعنا به كلّ قبيح].(٤) فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية ذي الثّدية مع أوّل الخوارج وآخرهم، فأسألهم، ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون أمّا الأكبر فمزّقناه(٥) وبرئنا منه، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه(٦) . فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع إمام المتّقين وسيدّ الوصيّين(٧) وقائد الغرّ المحجّلين ووصيّ رسول ربّ العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه(٨) ، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى أهرقت فيهم(٩) دماؤنا.

__________________

ـ ٢ / ٥١.

(١) هكذا في المصدر والنسخ. ولعل الصواب: فعصيناه.

(٢) هكذا في ر، فقط. وفي المصدر والنسختين الآخر: تركنا.

(٣) الأصل وأ: فخذلنا وضيّعنا.

(٤) من المصدر.

(٥) النسخ: «فمزقنا». المصدر: «ففرقناه» وفيه: (فمزّقناه. ظ.)

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فقاتلنا وقتلنا.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: سيد المسلمين.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فاتبعنا وأطعنا.

(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «فحببنا وولينا ونصرنا حتى أهريقت فيه» بدل «فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم».

١٩٧

فأقول: ردوا الجنّة رواء(١) مرويّين مبيضّة وجوهكم. ثمّ تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ) - إلى قوله(٢) -( خالِدُونَ ) .

وفي روضة الكافي(٣) : خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة، يقول فيهاعليه‌السلام : وعن يسار الوسيلة عن يسار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ظلّة يأتي منها النّداء: يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصيّ وآمن بالنّبيّ الأمّيّ، والّذي له الملك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الرّوح والجنّة إلّا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين، ويا أهل الانحراف والصّدود عن الله - عزّ ذكره - ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربّكم جزاء بما كنتم تعلمون.

وفي كتاب علل الشّرائع(٤) : بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل، يذكر فيه الوسيلة ومنزلة عليّعليه‌السلام يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيأتي النّداء من عند الله - عزّ وجلّ - يسمع النّبيّين وجميع الخلق: هذا حبيبي محمّد وهذا وليّي عليّ، طوبى لمن أحبّه وويل لمن أبغضه وكذّب عليه.

قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا عليّ فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد يحبّك إلّا استروح إلى هذا الكلام وابيضّ وجهه وفرح قلبه، ولا يبقى أحد ممّن عاداك أو نصب لك حربا أو جحد لك حقّا إلّا اسودّ وجهه واضطربت قدماه.

( تِلْكَ آياتُ اللهِ ) : الواردة في وعده ووعيده.

( نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ ) : متلبّسة بالحقّ، لا شبهة فيها.

( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) (١٠٨): إذ يستحيل منه الظّلم، إذ فاعل الظّلم إمّا جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله، وتعالى الله عن الجهل والحاجة.

( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) : ملكا وملكا وخلقا.

__________________

(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: رواة.

(٢) في المصدر ذكر الآية بأكملها بدل «إلى قومه».

(٣) الكافي ٨ / ٢٥، ضمن حديث ٤.

(٤) علل الشرائع / ١٦٥، ضمن حديث ٦.

١٩٨

( وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) (١٠٩) :

فيجازي كلا بما وعده وأوعده.

( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ) «كان» مجرّدة عن الزّمان، وتعمّ الأزمنة غير متخصّص بالماضي، كقوله تعالى(١) :( وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) .

وقيل(٢) : كنتم في علم الله، أو في اللّوح المحفوظ، أو فيما بين الأمم المتقدّمين.

( أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) : أظهرت لهم، أي: لإشفاعهم. والمراد الأئمّة - عليهم السّلام -

( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) : استئناف، بيّن به كونهم خبر أمّة. أو خبر ثان «لكنتم» أو حال.

( وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) : يتضمّن الإيمان بكلّ ما يجب أن يؤمن به، لأنّ الإيمان به إنّما يحقّ ويعتدّ به إذا حصل الإيمان بكلّ ما أمر أن يؤمن به. وإنّما أخره وحقّه أن يقدّم، لأنّه قصد بذكره الدّلالة على أنّهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، إيمانا بالله، وتصديقا به، وإظهارا لدينه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله - عليه السّلام(٤) - قال: قرأت على(٥) أبي عبد اللهعليه‌السلام :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ](٦) فقال: أبو عبد اللهعليه‌السلام : خير أمّة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني عليّ(٧) - عليهم السّلام - ؟

فقال القارئ: جعلت فداك، كيف نزلت؟

فقال: نزلت خير أئمّة أخرجت للنّاس [ألا ترى مدح الله لهم](٨)

__________________

(١) النساء / ٩٦ و ١٠٠ و ١٥٢ وفي سائر السور، أيضا، موجود.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.

(٣) تفسير القمي ١ / ١١٠.

(٤) «عن أبي عبد الله - عليه السلام - » ليس في المصدر.

(٥) المصدر: «قرئت عند» بدل «قرأت على». وما أثبتناه في المتن موافق النسخ.

(٦) من المصدر.

(٧) «ابني علي» ليس في المصدر.

(٨) ليس في أ.

١٩٩

( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ؟

وروى العيّاشيّ(١) عنهعليه‌السلام قال: في قراءة عليّعليه‌السلام : كنتم خير أئمّة أخرجت للنّاس.

قال: هم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : أبو بصير عنهعليه‌السلام قال: قال: إنّما نزلت هذه الآية على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي الأوصياء خاصّة، فقال: «كنتم خير أئمّة(٣) أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» هكذا والله نزل بها جبرئيل، وما عنى بها إلّا محمّدا وأوصياءه - عليهم السّلام -

وعن أبي عمرو الزّبيريّ(٤) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .

قال: يعني الأمّة الّتي وجبت لها دعوة إبراهيمعليه‌السلام فهم الأمّة الّتي بعث الله فيها ومنها وإليها، وهم الأمّة الوسطى، وهم خير أمّة أخرجت للنّاس.

وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب(٥) : وقرأ الباقرعليه‌السلام : أنتم خير أمّة أخرجت للنّاس «بالألف» إلى آخر الآية، نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلّا محمّدا وعليّا والأوصياء من ولده - عليهم السّلام -

والجمع بين الأخبار، بأنّ المراد بأنّ «أئمّة» نزلت، أي: بهذا المعنى نزلت.

قال البيضاويّ(٦) : واستدلّ بهذه الآية على أنّ الإجماع حجّة، لأنّها تقتضي كونهم آمرين بكلّ معروف وناهين عن كلّ منكر، إذ «اللّام» فيهما للاستغراق، فلو أجمعوا على باطل كان أمرهم على خلاف ذلك.

وفيه: أنّه إن أراد أنّ إجماع كلّ الأمّة بحيث لا يشذّ عنه أحد حجّة، فهذا ممّا لا نزاع لأحد فيه، وحجّيّته حينئذ باعتبار دخول المعصوم فيه، إذ لا يخلو كلّ الأمّة عن المعصوم. وإن أراد أنّ إجماع جماعة من الأمّة على شيء حجّة، فإن خصّصهم بمن يكون

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ١٩٥، ح ١٢٨.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٩٥، ح ١٢٩.

(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أمّة.

(٤) نفس المصدر والموضع، ح ١٣٠.

(٥) لم نعثر عليه في المناقب. ولكن نقل عنه في البحار ٢٤ / ١٥٥، ح ١٢.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.

٢٠٠