تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٣

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
( وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ ) (٩٨): والحال أنّه شهيد مطّلع على أعمالكم واعتقاداتكم، فيجازيكم عليها، لا ينفعكم التّحريف والاستسرار.
( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ ) : تكرير الخطاب والاستفهام لزيادة التّقريع ونفي العذر لهم، وللإشعار بأنّ كلّ واحد من الأمرين مستقبح في نفسه، مستقلّ باستجلاب العذاب.
وسبيله، دينه الحقّ. المأمور بسلوكه، وهو الإسلام المرادف للإيمان.
قيل(١) : كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم، حتّى أتوا الأوس والخزرج، فذكّروهم ما بينهم في الجاهليّة من التّعادي والتّحارب، ليعودوا لمثله، ويحتالون لصدّهم عنه.
( تَبْغُونَها عِوَجاً ) : حال من الواو، واللّام في المفعول الأوّل محذوف، أي: طالبين لسبيل الله اعوجاجا.
أو «عوجا» تمييز من النّسبّة إلى المفعول، أي: طالبين عوجها، بأن تلبسوا على النّاس، وتوهّموا أنّ فيه عوجا عن الحقّ، بمنع النّسخ وتغيير صفة رسول اللهصلىاللهعليهوآله ونحوهما. أو بأن تحرشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم، ويختلّ أمر دينهم.
( وَأَنْتُمْ شُهَداءُ ) : أنّها سبيل الله، والصّدّ عنها ضلال وإضلال، وأنتم عدول عند أهل ملّتكم، يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا.
( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٩٩): وعيد لهم. ولـمـّا كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به، ختمها بقوله:( وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ ) . وفي هذه الآية صدّهم المؤمنين عن الإسلام، وكانوا يخفونه ويحتالون فيه، قال:( وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) .
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ ) (١٠٠)
قيل(٢) : نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدّثون، فمرّ بهم شاس بن قيس اليهوديّ، فغاظه تآلفهم واجتماعهم، فأمر شابّا من اليهود أن يجلس إليهم، ويذكّرهم يوم بغاث(٣) ، وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظّفر في ذلك اليوم للأوس، ففعل ،
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ١٧٤.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) المصدر: بعاث.
فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا: السّلاح السّلاح، واجتمع من القبيلتين خلق عظيم، فتوجّه إليهم رسول اللهصلىاللهعليهوآله وأصحابه. فقال: أتدعون الجاهليّة وأنا بين أظهركم، بعد إذ أكرمكم(١) الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهليّة، وألّف بين قلوبكم. فعلموا أنّها نزعة من الشّيطان وكيد من عدوّهم، فألقوا السّلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا، وانصرفوا مع رسول اللهصلىاللهعليهوآله
وإنّما خاطبهم الله تعالى بنفسه بعد ما أمر الرّسولصلىاللهعليهوآله بأن يخاطب أهل الكتاب، إظهارا لجلالة قدرهم، وإشعارا بأنّهم هم الأحقّاء بأن يخاطبهم تعالى ويكلّمهم.
( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) : إنكار وتعجيب لكفرهم، في حال اجتمع لهم الأسباب الدّاعية إلى الإيمان، الصّادفة عن الكفر.
( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ ) : ومن يستمسك بدينه، أو يلتجئ إليه في مجامع أموره.
في كتاب الخصال(٢) : عن أبي عبد اللهعليهالسلام أنّه قال: قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة وسائر النّاس في قبضتي [..]. ومن اعتصم بالله عن نيّة صادقة، واتّكل عليه في جميع أموره كلّها
(الحديث)( فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (١٠١): فقد اهتدى لا محالة.
وفي كتاب معاني الأخبار(٣) : بإسناده إلى حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إنّ الإمام لا يكون الّا معصوما؟
فقال: سألت أبا عبد اللهعليهالسلام عن ذلك.
فقال: المعصوم، هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله - تبارك وتعالى - :( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٤) .
وفي أصول الكافي(٥) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن
__________________
(١) المصدر: أن أكرمكم.
(٢) الخصال / ٢٨٥، ٣٧. وللحديث ذيل.
(٣) معاني الأخبار / ١٣٢، ح ٢.
(٤) في هامش الأصل: الامام يجب أن يكون معصوما في جميع أقواله وأفعاله من أوّل العمر إلى آخره. لأنّه مخبر من الله ورسوله، فان كان غير معصوم سقط اعتباره من القلوب ولا يعتمد على قوله. (منه)
(٥) الكافي ٢ / ٦٥، ح ٤.
محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليهالسلام (١) قال: أيّما عبد أقبل قبل ما يحبّ الله - عزّ وجلّ - أقبل الله قبل ما يحبّ، ومن اعتصم بالله عصمه الله، ومن أقبل الله قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السّماء على الأرض، ولو(٢) كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بليّة كان في حرز(٣) الله بالتّقوى من كلّ بليّة، أليس الله - عزّ وجلّ - يقول:( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ ) ؟
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) : حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم.
أصله: وقية فقلبت واوها المضمومة تاء، كما في تؤدة وتخمة، والياء ألفا.
وفي مجمع البيان(٤) : وذكر في قوله:( حَقَّ تُقاتِهِ ) وجوه: ثالثها(٥) ، أنّه المجاهدة في الله وأن لا تأخذه [فيه](٦) لومة لائم، وأن يقام له بالقسط في الخوف والأمن، عن مجاهد. ثمّ اختلف فيه أيضا على قولين: أحدهما أنّه منسوخ بقوله:( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله - عليهما السّلام(٧) -
وفي كتاب معاني الأخبار(٨) : بإسناده إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللهعليهالسلام عن قول الله - عزّ وجلّ - :( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) قال: يطاع ولا يعصى(٩) ، ويذكر ولا ينسى(١٠) ، ويشكر ولا يكفر(١١) .
( وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (١٠٢)، أي: ولا تكوننّ على حال، سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت. فإنّ النّهي عن المقيّد بحال وغيرها، قد يتوجّه بالذّات نحو الفعل تارة والقيد أخرى، وقد يتوجّه نحو المجموع، وكذلك النّفي.
وفي مجمع البيان(١٢) : وروي عن أبي عبد اللهعليهالسلام :( وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
__________________
(١) «عن أبي عبد الله - عليه السّلام» ليس في أ.
(٢) المصدر: «أو» بدل «ولو».
(٣) المصدر: حزب.
(٤) مجمع البيان ١ / ٤٨٢.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ثانيها.
(٦) من المصدر.
(٧) المصدر: عن قتادة والربيع والسدي وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام.
(٨) معاني الأخبار / ٢٤٠، ح ١.
(٩) المصدر: فلا يعصى.
(١٠) المصدر: فلا ينسى
(١١) المصدر: فلا يكفر.
(١٢) مجمع البيان ١ / ٤٨٢.
بالتّشديد، ومعناه: مستسلمون لما أتى [به](١) النّبيّصلىاللهعليهوآله ومنقادون له.
وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن الحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الأوّلعليهالسلام لبعض أصحابه(٣) : كيف تقرأ هذه الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ما ذا؟
قلت: مسلمون.
فقال: سبحان الله، يوقع(٤) عليهم الإيمان فيسمّيهم(٥) مؤمنين، ثمّ يسألهم الإسلام، والإيمان فوق الإسلام.
قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد.
قال: إنّما هي في قراءة عليّعليهالسلام وهو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّدصلىاللهعليهوآله :( وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) لرسول اللهصلىاللهعليهوآله ثمّ الإمام من بعده.
وفي كتاب المناقب(٦) لابن شهر آشوب: عن الباقرعليهالسلام في قراءة عليّعليهالسلام وهو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّدصلىاللهعليهوآله :( وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) لرسول اللهصلىاللهعليهوآله والإمام بعده.
وفي عيون الأخبار(٧) : بإسناده إلى داود بن سليمان القارئ(٨) ، عن أبي الحسن الرّضاعليهالسلام عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين - عليهم السّلام - أنّه قال: الدّنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم، والعلم كلّه حجّة إلّا ما عمل به، والعمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصا، والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يختم له.
وفي نهج البلاغة(٩) : قالعليهالسلام : فبادروا العمل وخافوا بغتة الأجل. فأنّه
__________________
(١) من المصدر.
(٢) تفسير العياشي ١ / ١٩٣، ح ١١٩.
(٣) «لبعض أصحابه» ليس في المصدر.
(٤) المصدر: توقع.
(٥) المصدر: فسمّيتهم.
(٦) لم نعثر عليه في المناقب. ولكن في تفسير العياشي ١ / ١٩٤، ذيل حديث ١١٩، إلّا أنّه عن أبي الحسن الأوّلعليهالسلام والموجود في المناقب ٣ / ٩٥: وعنه، أي: الباقرعليهالسلام في قوله( إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) لولاية عليّ - عليه السّلام. فراجع.
(٧) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٨١، ح ٢٥.
(٨) المصدر: الغازي.
(٩) نهج البلاغة / ١٧١، ضمن خطبة ١١٤.
لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق، ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته، وما فات أمس(١) من العمر لم ترج(٢) اليوم رجعته، الرّجاء مع الجائي واليأس مع الماضي. ف( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) .
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) : بدينه الإسلام، الّذي ملاكه الولاية، والكتاب استعارة تبعيّة، ووجه الشّبه التّمسّك به، فإنّ التّمسّك به سبب النّجاة عن الرّدى، كما أنّ التّمسّك بالحبل سبب السّلامة عن التّردّي، والاعتصام ترشيح للاستعارة.
( جَمِيعاً ) : مجتمعين عليه.
في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه(٣) - : بإسناده إلى عمر بن راشد، عن جعفر بن محمّد - عليهما السّلام - في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) ، قال [نحن الحبل.
وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن ابن يزيد قال: سألت أبا الحسنعليهالسلام عن قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) .
قال :](٥) عليّ بن أبي طالبعليهالسلام حبل الله المتين.
وعن جابر(٦) عن أبي جعفرعليهالسلام قال: آل محمّد - عليهم السّلام - هم حبل الله الّذي أمر(٧) بالاعتصام به، فقال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) .
وفي كتاب معاني الأخبار(٨) : بإسناده إلى موسى بن جعفر - عليهما السّلام - عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين(٩) - عليهم السّلام - قال: الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلّا منصوصا.
فقيل له: يا بن رسول الله، فما معنى المعصوم؟
فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة ،
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الأمس.
(٢) المصدر: يرج.
(٣) أمالي الطوسي ١ / ٢٧٨، ذيل حديث.
(٤) تفسير العياشي ١ / ١٩٤، ح ١٢٢.
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٦) نفس المصدر والموضع، ح ١٢٣.
(٧) المصدر: أمرنا.
(٨) معاني الأخبار / ١٣٠، ح ١.
(٩) في نسخة ر بعد هذه العبارة: عن أبيه الحسين بن علي.
والإمام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله - عزّ وجلّ(١) -( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) .
وفي مجمع البيان(٢) : روى أبو سعيد الخدريّ عن النّبيّصلىاللهعليهوآله أنّه قال: أيّها النّاس، إنّي قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا من(٣) بعدهما، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي.
[ألا](٤) وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) ، قال: التّوحيد والولاية].(٦) ( وَلا تَفَرَّقُوا ) : أي: لا تتفرّقوا عن الحقّ، بوقوع الاختلاف بينكم، كأهل الكتاب. أو لا تتفرّقوا تفرّقكم الجاهليّ، يحارب بعضكم بعضا. أو لا تذكروا ما يوجب التّفرّق، ويزيل الألفة.
[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) :](٨) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليهالسلام في قوله تعالى:( وَلا تَفَرَّقُوا ) ، قال: إنّ الله - تبارك وتعالى - علم أنّهم سيفترقون بعد نبيّهم ويختلفون، فنهاهم عن التّفرق كما نهى من [كان](٩) قبلهم، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمّد - صلّى الله عليهم - ولا يتفرّقوا.
[وفي شرح الآيات الباهرة(١٠) :](١١) وروى الشّيخ المفيد - رحمه الله - في [كتاب الغيبة](١٢) تأويل هذه الآية وهو من محاسن التّأويل، عن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه قال: قال عليّ بن الحسين - صلوات الله عليهما - : كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله ذات يوم جالسا في المسجد، وأصحابه حوله، فقال لهم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه.
__________________
(١) الاسراء / ٩.
(٢) مجمع البيان ١ / ٤٨٢.
(٣) «من» ليس في المصدر.
(٤) من المصدر.
(٥) تفسير القمي ١ / ١٠٨.
(٦) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٧) نفس المصدر والموضع.
(٨) ليس في أ.
(٩) من المصدر.
(١٠) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٤٢.
(١١) ليس في أ.
(١٢) من المصدر.
قال: فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر، فتقدّم وسلّم على رسول اللهصلىاللهعليهوآله وجلس، وقال: يا رسول الله، إنّي سمعت الله يقول:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) فما هذا الحبل الّذي أمر الله بالاعتصام ولا نتفرّق عنه؟
قال: فأطرق ساعة، ثمّ رفع رأسه وأشار إلى عليّ بن أبي طالبعليهالسلام وقال: هذا حبل الله الّذي من تمسّك به عصم في دنياه ولم يضلّ في أخراه.
قال: فوثب الرّجل إلى عليّ بن أبي طالب واحتضنه(١) من وراء ظهره، وهو يقول: اعتصمت بحبل الله وحبل رسوله، ثمّ قام فولّى وخرج. فقام(٢) رجل من النّاس فقال: يا رسول الله - صلّى الله عليك وأهلك(٣) - ألحقه وأسأله أن يستغفر لي؟
فقال: رسول اللهصلىاللهعليهوآله إذا تجده مرفقا.
قال: فلحقه الرّجل وسأله أن يستغفر له.
فقال له: هل فهمت ما قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله وما قلت له؟
قال الرّجل: نعم.
فقال له: إن كنت متمسّكا بذلك الحبل فغفر الله لك، وإلّا فلا غفر الله لك وتركه، ومضى.
[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ(٤) : قال: حدّثني الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمّد بن مروان قال: حدّثنا أبو حفص الأعمش(٥) ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جدّه - عليهم السّلام - قال: جاء رجل في صورة(٦) أعرابيّ إلى النّبيّصلىاللهعليهوآله فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ما معنى( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ؟
فقال له النّبيّ: أنا نبيّ الله، وعليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابي وهو
__________________
(١) المصدر: احتصّه.
(٢) «فولّى وخرج فقام» ليس في المصدر.
(٣) «وأهلك» ليس في المصدر. وفي أ: «وآلك». وهو الظاهر.
(٤) تفسير فرات / ١٤.
(٥) كذا في الأصل. وفي المصدر: «أبو حفض الأعمشى». والظاهر: «أبو حفض الأعشى». ر. تنقيح المقال، فصل الكنى، ٣ / ١٣ وجامع الرواة ٢ / ٣٧٩.
(٦) المصدر: هيئة.
يقول: آمنت بالله وبرسوله و [اعتصمت](١) وبحبله.
وقال(٢) : حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم معنعنا، عن ابن عبّاس - رضي الله عنه - قال: كنت عند النّبيّصلىاللهعليهوآله فأقبل أعرابيّ فقال: يا رسول الله، قول الله(٣) في كتابه:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) فما حبل الله؟
فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وآله(٤) - : يا أعرابيّ، أنا نبيّه وعليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابيّ وهو يقول: آمنت بالله وبرسوله واعتصمت بحبله.
وقال(٥) : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن جعفر بن محمّدعليهالسلام قال: بينا رسول اللهصلىاللهعليهوآله جالس في جماعة من أصحابه، إذ ورد عليه أعرابيّ فبرك(٦) بين يديه، فقال: يا رسول الله، إنّي سمعت الله يقول في كتابه:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) فهذا(٧) الحبل الّذي أمرنا الله بالاعتصام به ما هو؟
قال: فضرب النّبيّصلىاللهعليهوآله يده على كتف عليّ بن أبي طالبعليهالسلام فقال: ولاية هذا(٨) .
قال: فقال الأعرابيّ(٩) - وضبط بكفّيه وإصبعه(١٠) جميعا ثمّ قال - : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله وأعتصم بحبل الله.
قال: وشدّ أصابعه.
وقال(١١) . حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد الاحمسىّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد - عليهما السّلام - قال: نحن حبل الله الّذي: قال(١٢) :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ،
__________________
(١) من المصدر.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) هكذا في المصدر. وفي الأصل: ما قول الله.
(٤) المصدر: «قال» بدل «فقال النبي - صلّى الله عليه وآله».
(٥) نفس المصدر / ١٥.
(٦) الأصل: «يترك». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٧) هكذا في المصدر. وفي الأصل: فما هذا.
(٨) المصدر: عليّ.
(٩) المصدر: «فقام» بدل «قال فقال»
(١٠) المصدر: «بإصبعيه» بدل «بكفيه وإصبعه».
(١١) نفس المصدر والموضع.
(١٢) المصدر: فيه.
[و](١) ولاية عليٍّعليهالسلام من(٢) استمسك به(٣) كان مؤمنا ومن تركها خرج من الإيمان](٤)
( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً ) : في الجاهليّة متقابلين.
( فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ) بالإسلام،( فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) : متحابّين مجتمعين على الأخوّة في الله.
في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة(٥) : بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سليمان، عن أبيه، عن أبي جعفرعليهالسلام عن الحارث بن نوفل قال: قال عليّعليهالسلام لرسول اللهصلىاللهعليهوآله : [يا رسول الله ،](٦) أمنّا الهداة أم غيرنا؟
قال: بل منّا الهداة إلى الله إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم الله - عزّ وجلّ - من ضلالة الشّرك وبنا استنقذهم الله من ضلالة الفتنة، وبنا يصبحون إخوانا بعد ضلالة [الفتنة كما بنا أصبحوا إخوانا بعد ضلالة](٧) الشّرك، وبنا يختم الله، وبنا يفتح.
وقيل(٨) : كان الأوس والخزرج أخوين لأبوين، فوقع بين أولادهما(٩) العداوة، وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة، حتّى اطفأها الله - تعالى - بالإسلام، وألّف بينهم برسولهصلىاللهعليهوآله
( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ) ، أي: مشفين على الوقوع في نار جهنم، إذ لو أدرككم الموت في تلك الحالة لوقعتم فيها.
( فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) : بالإسلام.
والضّمير للحفرة، أو للنّار، أو للشّفا. وتأنيثه لتأنيث ما أضيف إليه، أو لأنّه بمعنى: الشّفة، فإنّ شفاء البئر وشفتها طرفها، كالجانب والجانبة.
وأصله، شفو. فقلبت الواو في المذكّر، وحذف في المؤنّث.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) هكذا في الأصل. وفي المصدر: «البر فمن» بدل «من».
(٣) المصدر: بها
(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٥) كمال الدين وتمام النعمة / ٢٣٠ - ٢٣١، ح ٣١.
(٦) من المصدر.
(٧) ليس في أ.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ١٧٥.
(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أولادهم.
وفي روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليهالسلام في قوله - تعالى - :( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) بمحمّد هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمّدصلىاللهعليهوآله
وبإسناده إلى أبي هارون المكفوف(٢) ، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: كان أبو عبد اللهعليهالسلام إذا ذكر رسول اللهصلىاللهعليهوآله قال: بأبي وأمّي وقومي وعترتي وعشيرتي، عجب للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها، والله - عزّ وجلّ - يقول في كتابه:( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ. فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) ، فبرسول اللهصلىاللهعليهوآله أنقذوا.
وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن ميثم، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: أبشروا بأعظم المنن عليكم، قول الله تعالى:( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) فالإنقاذ من الله هبة، والله لا يرجع في هبته.
وعن محمّد بن سليمان البصريّ الدّيلميّ(٤) ، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليهالسلام [في قوله :](٥) ( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) صلىاللهعليهوآله
( كَذلِكَ ) : مثل ذلك التبيين.
( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (١٠٣): إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه.
( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) : «من» للتّبعيض، و «اللّام» للاستغراق، أي: وليكن بعضكم يدعون بكلّ خير، ويأمرون بكلّ معروف، وينهون عن كلّ منكر.
( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١٠٤): المخصوصون بكمال الفلاح، لا حاجة لهم إلى داع يدعوهم إلى الخير وآمر يأمرهم بالمعروف وناه ينهاهم عن المنكر
__________________
(١) الكافي ٨ / ١٨٣، ح ٢٠٨.
(٢) نفس المصدر ٨ / ٢٦٦، ح ٣٨٨.
(٣) تفسير العياشي ١ / ١٩٤، ح ١٢٥.
(٤) نفس المصدر والموضع، ح ١٢٤.
(٥) من المصدر.
وفي لفظ «منكم» إشعار بأنّه غير النّبيّ، فيجب من دلالة الآية أن يكون أمّة غير النبيّصلىاللهعليهوآله يكون نفسه معصوما ويعلم كلّ خير وكلّ معروف وكلّ منكر، يدعو ويأمر وينهى.
وفي الكافي(١) : علىّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد(٢) ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: قلت أخبرني عن الدّعاء إلى الله والجهاد في سبيله، أهو لقوم لا يحلّ إلّا لهم ولا يقوم به إلّا من كان منهم، أم هو مباح لكلّ من وحّد الله - عزّ وجلّ - وآمن برسولهصلىاللهعليهوآله ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله - عزّ وجلّ - وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟
فقال: ذلك لقوم لا يحلّ إلّا لهم، ولا يقوم بذلك إلّا من كان منهم.
قلت: من أولئك؟
قال: من قام بشرائط الله في القتال والجهاد على المجاهدين، فهو المأذون له في الدّعاء إلى الله تعالى ومن لم يكن قائما بشرائط الله في الجهاد على المجاهدين، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدّعاء إلى الله، حتّى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد(٣) - إلى أن قالعليهالسلام : ومن كان على خلاف ذلك، فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنّهي عن المنكر والأمر بالمعروف، لأنّه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدّعاء إلى الله - تعالى - لأنّه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى الله، ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنين بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه، ولا يكون داعيا إلى الله - تعالى - من أمر بدعاء مثله إلى التّوبة والحقّ والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه(٤) .
وفي هذا الحديث يقولعليهالسلام : ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . ثمّ أخبر عن هذه الأمّة [وممّن](٥) هي، وإنّها من ذرّيّة
__________________
(١) الكافي ٥ / ١٣ - ١٩، ح ١، مقاطع منه.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «القاسم بن يزيد». ر. رجال النجاشي / ٣١٢، رقم ٨٥٧.
(٣) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص ١٣.
(٤) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص ١٧ - ١٨.
(٥) ليس في أ.
إبراهيمعليهالسلام [ومن ذرّيّة إسماعيل ،](١) من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير الله قطّ، الّذين وجبت لهم الدّعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه، أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، الّذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة محمّد(٢) صلىاللهعليهوآله الّذين عناهم الله في قوله(٣) ( أَدْعُوا إلى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) ، يعني: من اتّبعه على الإيمان به والتّصديق له و(٤) بما جاء به من عند الله تعالى من الأمّة الّتي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق، ممّن لم يشرك بالله قطّ ولم يلبس إيمانه بظلم، وهو الشّرك(٥) .
عليّ بن إبراهيم(٦) ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللهعليهالسلام يقول، وسئل عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: أواجب هو على الأمّة جميعا؟
فقال: لا.
فقيل [له :](٧) ولم؟
قال: إنّما هو على القويّ المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضّعيف الّذي لا يهتدي(٨) سبيلا إلى أيّ من أي، يقول من الحقّ إلى الباطل(٩) ، والدّليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ، فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال الله تعالى(١٠) :( وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) .
ولم يقل على أمّة موسى ولا على [كلّ](١١) قومه، وهم يومئذ أمم مختلفة والأمّة واحد(١٢) فصاعدا، كما قال الله تعالى(١٣) :( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ ) يقول: مطيعا لله.
والحديث طويل ،
__________________
(١) ليس في أ.
(٢) المصدر: أمّة إبراهيم - عليه السّلام.
(٣) يوسف / ١٠٨.
(٤) «و» ليس في المصدر.
(٥) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص ١٣ - ١٤.
(٦) نفس المصدر ٥ / ٥٩، ح ١٦. وللحديث تتمة.
(٧ و ١١) من المصدر.
(٨) النسخ: «الضعفة الذين لا يهتدون» بدل «الضعيف الذي لا يهتدى». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «إلى الحق من الباطل» بدل «من الحق إلى الباطل».
(١٠) الاعراف / ١٥٩.
(١٢) هكذا في ر. وفي المصدر وسائر النسخ: واحدة.
(١٣) النحل / ١٣٠.
أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفرعليهالسلام في قوله:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ ) فهذه لآل محمّد ومن تابعهم، يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وفي كتاب الخصال(٢) : عن يعقوب بن يزيد، بإسناده رفعه إلى أبي جعفرعليهالسلام قال: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، خلقان من خلق الله تعالى فمن نصرهما أعزّه الله، ومن خذلهما خذله الله تعالى.
وفي نهج البلاغة(٣) : قالعليهالسلام : انهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنّما أمرتم بالنّهي بعد التّناهي.
وفيه(٤) : لعن الله الآمرين بالمعروف التّاركين له، والنّاهين عن المنكر العاملين به.
[وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: في قوله تعالى:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .
قال: في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي، لأنّه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة الّتي وصفها الله، لأنّكم تزعمون أنّ جميع المسلمين من أمّة محمّد، وقد بدت هذه الآية وقد وصفت أمّة محمّد بالدّعاء إلى الخيرات(٦) والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومن لم يوجد فيه الصّفة الّتي وصفت بها فكيف يكون من الأمّة، وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمّة ووصفها به؟] واعلم، أنّ الدّاعي إلى كلّ خير، والآمر بكلّ معروف، والنّاهي عن كلّ منكر، لا يكون إلّا معصوما وعالما بكلّ خير ومعروف ومنكر، ويجب وجوده ونصبه في كلّ زمان على الله تعالى إذ لا يمكن لأحد العلم بعصمة أحد إلّا من طريق النّصّ، وأمّا الأمر بمعروف علم من الشّرع كونه معروفا، والنّهي عن منكر علم من الشّرع كونه منكرا، فيجب على كلّ من يقدر عليه كفاية.
وفي بعض الأخبار السّابقة دلالة عليه.
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ١٠٨ - ١٠٩.
(٢) الخصال / ٤٢، ح ٣٢.
(٣) نهج البلاغة / ١٥٢، ضمن خطبة ١٠٥.
(٤) نفس المصدر / ١٨٨، ضمن خطبه ١٢٩.
(٥) تفسير العياشي ١ / ١٩٥، ح ١٢٧.
(٦) المصدر. «الخير». وهو الظاهر.
وفي التّهذيب(١) : عن النّبيّصلىاللهعليهوآله أنّه قال: لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ [والتّقوى](٢) ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السّماء.
وفي الكافي والتّهذيب(٣) : عن الباقرعليهالسلام قال: يكون في آخر الزّمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّءون ويتنسّكون، حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر، إلّا إذا أمنوا الضّرر يطلبون لأنفسهم الرّخص والمعاذير، يتّبعون زلّات العلماء وفساد علمهم(٤) ، يقبلون على الصّلاة والصّيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال، ولو أخّرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى(٥) الفرائض وأشرفها.
إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض. هنالك يتمّ غضب الله عليهم فيعمّهم(٦) بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجّار، والصّغار في دار الكبار. إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصّالحين(٧) ، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر.
فأنكروا بقلوبكم وألفظوا بألسنتكم وصكّوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإن اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم،( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بظلم(٨) ظفرا، حتّى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته.
قال أبو جعفر - عليه السّلام(٩) - : وأوحى الله إلى شعيب النّبيّ: إنّي معذّب من
__________________
(١) التهذيب ٦ / ١٨١، ح ٣٧٣.
(٢) من المصدر.
(٣) الكافي ٥ / ٥٥، ح ١ والتهذيب ٦ / ١٨٠، ح ٣٧٢.
(٤) الكافي: عملهم.
(٥) التهذيب: أتم.
(٦) هكذا في أ، فقط. وفي المصدرين والنسختين الأصل ور: فيعمهم. أ: فيعمّيهم.
(٧) الكافي: منهاج الصلحاء.
(٨) النسخ والتهذيب: «بالظلم». وما أثبتناه في المتن موافق «الكافي».
(٩) «قال أبو جعفرعليهالسلام » ليس في الكافي.
قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، وستّين ألفا من خيارهم.
فقال: يا ربّ، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟
فأوحى الله - عزّ وجلّ - إليه: إنّهم(١) داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي.
[وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روي عن أبي عبد اللهعليهالسلام أنّه قال: ولتكن منكم أئمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. صدق الله ورسوله، لأنّ هذه الصّفات من صفات الأئمّة - صلوات الله عليهم - لأنّهم معصومون، والمعصوم لا يأمر بطاعة إلّا وقد ائتمر بها ولا ينهى عن معصية إلّا وقد انتهى عنها، كما قال أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وآله - : والله ما أمرتكم بطاعة إلّا وقد ائتمرت بها، ولا نهيتكم عن معصية إلّا وقد انتهيت عنها].(٣)
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ) : كاليهود والنّصارى اختلفوا في التّوحيد والتّنزيه وأحوال الآخرة.
( مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) : في موضع الحال، من فاعل الفعل السّابق، وهي الآيات والحجج المبيّنة للحقّ الموجبة للاتّفاق عليه.
وفي الآية دلالة على كفر من اختلف وتفرّق عن الحقّ بعد مجيء البيّنة.
وفي عطف «اختلفوا» على «تفرّقوا» دلالة على أنّ الاختلاف إذا كان بحيث يوجب التّفرّق، يوجب ذلك لا مطلقا، كاختلاف الشيعة في بعض الفروع.
( وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (١٠٥): وعيد للّذين تفرّقوا، وتهديد على التّشبّه بهم.
( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) : نصب بما في «لهم» من معنى الفعل، أو بإضمار «اذكر.» وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السّرور وكآبة الخوف.
وقيل(٤) : يوسم أهل الحقّ ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النّور بين يديه وبيمينه، وأهل الباطل بأضداد ذلك. وفي الأخبار دلالة على ذلك.
__________________
(١) ليس في الكافي.
(٢) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٤٢.
(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.
( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) ، أي: فيقال لهم: أكفرتم.
والهمزة، للتّوبيخ والتّعجّب من حالهم.
في مجمع البيان(١) : عن أمير المؤمنينعليهالسلام : أنّهم أهل البدع والأهواء والآراء الباطلة من هذه الأمّة».
وعن الثّعلبيّ في تفسيره(٢) ، عن النّبيّصلىاللهعليهوآله قال: والّذي نفسي بيده، ليرد(٣) عليّ الحوض ممّن صحبني أقوام، حتّى إذا رأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ: أصحابي أصحابي(٤) .
فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك(٥) ، إنّهم ارتدّوا على أعقابهم القهقرى.
( فَذُوقُوا الْعَذابَ ) : أمر إهانة.
( بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) (١٠٦): بسبب كفرهم.
( وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ ) ، يعني: الجنّة والثّواب المخلّد.
عبّر عن ذلك بالرّحمة، تنبيها على أنّ المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله لا يدخل الجنّة إلّا برحمته وفضله.
قيل(٦) : كان حقّ التّرتيب أن يقدّم ذكرهم، ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم.
( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (١٠٧): أخرجه مخرج الاستئناف للتّأكيد، كأنّه قيل: كيف يكونون فيها؟
فقال: هم فيها خالدون.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الجارود، عن عمران بن هيثم، عن مالك بن ضمرة(٨) ، عن أبي ذرّ - رحمه الله - قال: لـمّا نزلت هذه
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٤٨٥.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) أ: ليردنّ.
(٤) ر: «أصيحابي، أصيحابي» المصدر: «أصحابي، أصحابي، أصحابي».
(٥) المصدر: بعد إيمانهم.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.
(٧) تفسير القمي ١ / ١٠٩.
(٨) النسخ: «مالك بن أبي حمزة». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر. ر. تنقيح المقال، من أبواب ميم ،
الآية:( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : يرد عليّ أمّتي يوم القيامة على خمس رايات: فراية مع عجل هذه الأمّة فأسألهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه. فأقول: ردوا النّار ظلماء مظمئين مسودّة وجوهكم.
ثمّ ترد عليّ راية مع فرعون هذه الأمّة فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟
فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه. فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.
ثمّ ترد عليّ راية مع سامريّ هذه الأمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟
فيقولون: أمّا الأكبر فعصينا(١) وتركناه(٢) ، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه(٣) [وصنعنا به كلّ قبيح].(٤) فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.
ثمّ ترد عليّ راية ذي الثّدية مع أوّل الخوارج وآخرهم، فأسألهم، ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون أمّا الأكبر فمزّقناه(٥) وبرئنا منه، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه(٦) . فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.
ثمّ ترد عليّ راية مع إمام المتّقين وسيدّ الوصيّين(٧) وقائد الغرّ المحجّلين ووصيّ رسول ربّ العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه(٨) ، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى أهرقت فيهم(٩) دماؤنا.
__________________
ـ ٢ / ٥١.
(١) هكذا في المصدر والنسخ. ولعل الصواب: فعصيناه.
(٢) هكذا في ر، فقط. وفي المصدر والنسختين الآخر: تركنا.
(٣) الأصل وأ: فخذلنا وضيّعنا.
(٤) من المصدر.
(٥) النسخ: «فمزقنا». المصدر: «ففرقناه» وفيه: (فمزّقناه. ظ.)
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فقاتلنا وقتلنا.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: سيد المسلمين.
(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فاتبعنا وأطعنا.
(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «فحببنا وولينا ونصرنا حتى أهريقت فيه» بدل «فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم».
فأقول: ردوا الجنّة رواء(١) مرويّين مبيضّة وجوهكم. ثمّ تلا رسول اللهصلىاللهعليهوآله :( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ) - إلى قوله(٢) -( خالِدُونَ ) .
وفي روضة الكافي(٣) : خطبة لأمير المؤمنينعليهالسلام وهي خطبة الوسيلة، يقول فيهاعليهالسلام : وعن يسار الوسيلة عن يسار رسول اللهصلىاللهعليهوآله ظلّة يأتي منها النّداء: يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصيّ وآمن بالنّبيّ الأمّيّ، والّذي له الملك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الرّوح والجنّة إلّا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين، ويا أهل الانحراف والصّدود عن الله - عزّ ذكره - ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربّكم جزاء بما كنتم تعلمون.
وفي كتاب علل الشّرائع(٤) : بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّصلىاللهعليهوآله في حديث طويل، يذكر فيه الوسيلة ومنزلة عليّعليهالسلام يقول فيهصلىاللهعليهوآله فيأتي النّداء من عند الله - عزّ وجلّ - يسمع النّبيّين وجميع الخلق: هذا حبيبي محمّد وهذا وليّي عليّ، طوبى لمن أحبّه وويل لمن أبغضه وكذّب عليه.
قال النّبيّصلىاللهعليهوآله لعليّعليهالسلام : يا عليّ فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد يحبّك إلّا استروح إلى هذا الكلام وابيضّ وجهه وفرح قلبه، ولا يبقى أحد ممّن عاداك أو نصب لك حربا أو جحد لك حقّا إلّا اسودّ وجهه واضطربت قدماه.
( تِلْكَ آياتُ اللهِ ) : الواردة في وعده ووعيده.
( نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ ) : متلبّسة بالحقّ، لا شبهة فيها.
( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) (١٠٨): إذ يستحيل منه الظّلم، إذ فاعل الظّلم إمّا جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله، وتعالى الله عن الجهل والحاجة.
( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) : ملكا وملكا وخلقا.
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: رواة.
(٢) في المصدر ذكر الآية بأكملها بدل «إلى قومه».
(٣) الكافي ٨ / ٢٥، ضمن حديث ٤.
(٤) علل الشرائع / ١٦٥، ضمن حديث ٦.
( وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) (١٠٩) :
فيجازي كلا بما وعده وأوعده.
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ) «كان» مجرّدة عن الزّمان، وتعمّ الأزمنة غير متخصّص بالماضي، كقوله تعالى(١) :( وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) .
وقيل(٢) : كنتم في علم الله، أو في اللّوح المحفوظ، أو فيما بين الأمم المتقدّمين.
( أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) : أظهرت لهم، أي: لإشفاعهم. والمراد الأئمّة - عليهم السّلام -
( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) : استئناف، بيّن به كونهم خبر أمّة. أو خبر ثان «لكنتم» أو حال.
( وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) : يتضمّن الإيمان بكلّ ما يجب أن يؤمن به، لأنّ الإيمان به إنّما يحقّ ويعتدّ به إذا حصل الإيمان بكلّ ما أمر أن يؤمن به. وإنّما أخره وحقّه أن يقدّم، لأنّه قصد بذكره الدّلالة على أنّهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، إيمانا بالله، وتصديقا به، وإظهارا لدينه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله - عليه السّلام(٤) - قال: قرأت على(٥) أبي عبد اللهعليهالسلام :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ](٦) فقال: أبو عبد اللهعليهالسلام : خير أمّة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني عليّ(٧) - عليهم السّلام - ؟
فقال القارئ: جعلت فداك، كيف نزلت؟
فقال: نزلت خير أئمّة أخرجت للنّاس [ألا ترى مدح الله لهم](٨)
__________________
(١) النساء / ٩٦ و ١٠٠ و ١٥٢ وفي سائر السور، أيضا، موجود.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.
(٣) تفسير القمي ١ / ١١٠.
(٤) «عن أبي عبد الله - عليه السلام - » ليس في المصدر.
(٥) المصدر: «قرئت عند» بدل «قرأت على». وما أثبتناه في المتن موافق النسخ.
(٦) من المصدر.
(٧) «ابني علي» ليس في المصدر.
(٨) ليس في أ.
( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ؟
وروى العيّاشيّ(١) عنهعليهالسلام قال: في قراءة عليّعليهالسلام : كنتم خير أئمّة أخرجت للنّاس.
قال: هم آل محمّدصلىاللهعليهوآله
وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : أبو بصير عنهعليهالسلام قال: قال: إنّما نزلت هذه الآية على محمّدصلىاللهعليهوآله فيه وفي الأوصياء خاصّة، فقال: «كنتم خير أئمّة(٣) أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» هكذا والله نزل بها جبرئيل، وما عنى بها إلّا محمّدا وأوصياءه - عليهم السّلام -
وعن أبي عمرو الزّبيريّ(٤) ، عن أبي عبد اللهعليهالسلام في قول الله تعالى:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .
قال: يعني الأمّة الّتي وجبت لها دعوة إبراهيمعليهالسلام فهم الأمّة الّتي بعث الله فيها ومنها وإليها، وهم الأمّة الوسطى، وهم خير أمّة أخرجت للنّاس.
وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب(٥) : وقرأ الباقرعليهالسلام : أنتم خير أمّة أخرجت للنّاس «بالألف» إلى آخر الآية، نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلّا محمّدا وعليّا والأوصياء من ولده - عليهم السّلام -
والجمع بين الأخبار، بأنّ المراد بأنّ «أئمّة» نزلت، أي: بهذا المعنى نزلت.
قال البيضاويّ(٦) : واستدلّ بهذه الآية على أنّ الإجماع حجّة، لأنّها تقتضي كونهم آمرين بكلّ معروف وناهين عن كلّ منكر، إذ «اللّام» فيهما للاستغراق، فلو أجمعوا على باطل كان أمرهم على خلاف ذلك.
وفيه: أنّه إن أراد أنّ إجماع كلّ الأمّة بحيث لا يشذّ عنه أحد حجّة، فهذا ممّا لا نزاع لأحد فيه، وحجّيّته حينئذ باعتبار دخول المعصوم فيه، إذ لا يخلو كلّ الأمّة عن المعصوم. وإن أراد أنّ إجماع جماعة من الأمّة على شيء حجّة، فإن خصّصهم بمن يكون
__________________
(١) تفسير العياشي ١ / ١٩٥، ح ١٢٨.
(٢) تفسير العياشي ١ / ١٩٥، ح ١٢٩.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أمّة.
(٤) نفس المصدر والموضع، ح ١٣٠.
(٥) لم نعثر عليه في المناقب. ولكن نقل عنه في البحار ٢٤ / ١٥٥، ح ١٢.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٧٦.
وإن لم يحتمله ، كما لو باع شقصاً مستوعباً يساوي ألفين بألف ، فإن ردّه الورثة ، بطل البيع في بعض المحاباة ، وهو ما زاد على الثلث. وفي صحّة البيع في الباقي للشافعيّة طريقان :
أحدهما : التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة.
والثاني : القطع بالصحّة(١) .
وهو مذهبنا ، لكنّ المشتري بالخيار ؛ لتبعّض الصفقة عليه ، فإن اختار الشفيع أن يأخذه ، لم يكن للمشتري الردُّ. وإن لم يرض الشفيع بالأخذ ، فللمشتري الخيارُ بين أخذ الباقي وبين الردّ.
وعلى الصحّة ففيما يصحّ البيع؟ للشافعيّة قولان :
أحدهما : أنّه يصحّ في قدر الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن.
والثاني : أنّه لا يسقط من المبيع شيء إلّا ويسقط ما يقابله من الثمن(٢) .
وهذا الأخير هو الأقوى عندي ، وقد تقدّم(٣) بيانه.
فإن قلنا بالأوّل ، صحّ البيع - في الصورة المفروضة - في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن. وإن قلنا بالثاني ، دارت المسألة.
وطريقه أن نقول : صحّ البيع في شيء من الشقص بنصف شيء ، يبقى مع الورثة ألفان يعادل شيئاً ونصفاً والشيء من شيء ونصف ثلثاه ، فعلمنا صحّة البيع في ثلثي الشقص ، وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث بثلثي الثمن ، وهو نصف هذا ، فتكون المحاباة بستّمائة وستّة وستّين
____________________
(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦.
(٣) في ص ٢٤ ، المسألة ٥٦٠.
وثلثين ، يبقي للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن وهُما ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، وذلك ضِعْف المحاباة.
وعلى القولين(١) للمشتري الخيارُ حيث لم يسلم له جميع المثمن(٢) . فإن اختار ، أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على الأوّل ، وثلثيه بثلثي الثمن على الثاني.
ولو فسخ المشتري قبل طلب الشفيع ، لم تبطل الشفعة عندنا. وللشافعي قولان(٣) .
ولو أجاز الورثة ، صحّ البيع في الجميع.
ثمّ إن قلنا : إنّ إجازتهم تنفيذ لما فعله المورّث ، أخذ الشفيع الكلَّ بكلّ الثمن. وإن قلنا : إنّها ابتداء عطيّة منهم ، لم يأخذ الشفيع القدر النافذ بإجازتهم ، وأخذ القدر المستثنى عن إجازتهم. وفيه القولان المذكوران عند الردّ.
وإن كانا وارثين أو كان المشتري وارثاً ، فهي محاباة للوارث ، وهي عندنا صحيحة ، فالحكم فيه كما في الأجنبيّ.
أمّا الجمهور : فإنّهم منعوا من المحاباة للوارث ، فتكون المحاباة مردودةً(٤) .
ثمّ للشافعي قولان ، فإن لم يفرّق الصفقة ، بطل البيع في الجميع. وإن قال بالتفريق ، فإن قال في القسم الأوّل على ما سبق من التصوير : إنّ البيع
____________________
(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « التفريق » بدل « القولين ». والظاهر ما أثبتناه.
(٢) في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الثمن » بدل « المثمن ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤ ، المغني ٥ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٥.
يصحّ في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن ، فهنا في مثل تلك الصورة يصحّ البيع في نصفه بجميع الثمن. وإن قلنا هناك : يصحّ في ثلثيه بثلثي الثمن ، فهنا يبطل البيع في الكلّ ؛ لأنّ البيع لا يبطل في شيء إلاّ ويسقط بقدره من الثمن ، فما من جزء يصحّ فيه البيع إلاّ ويكون بعضه محاباةً ، وهي مردودة.
وفيه كلامان :
أحدهما : أنّ المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة والمحاباة في جميع الشقص ، وذلك لا يمنع تخصيص قدر المحاباة بالإبطال ، كما أنّه لم يمنع في القسم الأوّل تخصيص ما وراء القدر المحتمل من المحاباة بالإبطال.
والثاني : أنّ الوصيّة للوارث - عندهم(١) - موقوفة على إجازة باقي الورثة على رأي ، كما أنّ الوصيّة بما زاد على الثلث موقوفة على إجازة الورثة على رأي ، فلنفرّق هنا أيضاً بين الإجازة والردّ ، كما في الأوّل.
إذا عرفت هذا وقلنا بالأوّل ، تخيّر المشتري بين أن يأخذ النصف بكلّ وبين أن يفسخ ، لأنّ الصفقة تفرّقت عليه ، ويكون للشفيع أن يأخذ ذلك وإن كان وارثا ، لأنّه لا محاباة فيه.
وإن أراد المشتري الردَّ وأراد الشفيع الأخذَ ، كان حقّ الشفيع مقدّماً ؛ لأنّه لا ضرر على المشتري ، وجرى مجرى المبيع المعيب إذا رضيه الشفيع لم يكن للمشتري ردّه.
وإن كان الشفيع وارثاً دون المشتري ، فعندنا يصحّ البيع فيما يحتمل
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٢
الثلث ، ويكون للشفيع أخذه بالشفعة.
وقالت الشافعيّة : إن احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل وصحّحنا البيع في بعض المحاباة في القسم الأوّل ومكّنّا الشفيع من أخذه ، ففيه وجوه :
أ - أنّه يصحّ البيع في الجميع ، ولا يأخذه الوارث بالشفعة ، وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة.
أمّا صحّة البيع : فلأنّ المشتري أجنبيّ.
وأمّا بطلان الشفعة : فلأنّها لو ثبتت ، لكان المريض قد نفع وارثه بالمحاباة ؛ لأنّ الشفعة تستحقّ بالبيع ، فقد تعذّرت الشفعة ، فلم نعد ذلك بإبطال البيع ، لأنّها فرع عليه ، وإذا بطل بطلت ، فلم تبطل لأجلها - وهو أصحّ الوجوه عندهم - لأنّا إذا أثبتنا الشفعة ، فقد جعلنا للوارث سبيلاً إلى إثبات حقٍّ له في المحاباة. ويفارق الوصيّة ممّن له عليه دَيْنٌ ؛ لأنّ استحقاقه للآخَر إنّما هو بدَيْنه ، لا من جهة الوصيّة ، وهذا استحقاقه حصل بالبيع ، فافترقا.
ب - أنّه يصحّ البيع ويأخذه الوارث بالشفعة ؛ لأنّ محاباة البائع مع المشتري ، وهو أجنبيّ عنه ، والشفيع يتملّك على(١) المشتري ، ولا محاباة معه من المريض.
ج - أنّه لا يصحّ البيع أصلاً ؛ لأنّه لو صحّ لتقابلت فيه أحكام متناقضة ؛ لأنّا إن لم نثبت الشفعة ، أضررنا بالشفيع ، وإن أثبتناها ، أوصلنا إليه المحاباة.
____________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مع » بدل « على ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».
د - يصحّ البيع في الجميع ويأخذ الشفيع ما يقابل الثمن منه ، ويبقى الباقي للمشتري مجّاناً ؛ لأنّ المحاباة تصحّ مع الأجنبيّ دون الوارث ، ويُجعل كأنّه باع بعض الشقص منه ووهب بعضه ، فيأخذ المبيع دون الموهوب.
ه- أنّه لا يصحّ البيع إلّا في القدر الموازي للثمن ؛ لأنّه لو صحّ في الكلّ فإن أخذه الشفيع ، وصلت إليه المحاباة ، وإن أخذ ما وراء قدر المحاباة ، كان إلزاماً بجميع الثمن ببعض المبيع ، وهو على خلاف وضع الشفعة(١) .
ويضعّف بأنّ صحّة البيع لا تقف على اختيار الشفيع للشفعة.
وقد يقال في العبارة عن هذا الوجه : إن ترك الشفيع الشفعة ، صحّت المحاباة مع المشتري ، وإلّا فهو كما لو كان المشتري وارثاً ، فلا تصحّ المحاباة.
ووجه ترتيب هذه الأقوال أن يقال : في صحّة البيع وجهان ، إن صحّ فيصحّ في الجميع أو فيما وراء قدر المحاباة؟ وجهان ، إن صحّ في الجميع فيأخذ الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أو لا يأخذ شيئاً؟ ثلاثة أوجه(٢) .
وهذا - عندنا - كلّه ساقط.
مسالة ٧٣٥ : من شرط الشفعة : تقدّم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه على ما سبق ، فلو كان في يد اثنين ملك اشترياه بعقدين وادّعى كلٌّ
____________________
(١) الوسيط ٤ : ٧٨ - ٧٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٧.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٣.
منهما سبق عقده على عقد صاحبه ، وأنّه يستحقّ الشفعة عليه ، فمن أقام البيّنة منهما على دعواه حُكم له بها ، وسقطت دعوى الآخر.
ولو أقاما بيّنتين على السبق - بأن شهدت بيّنة هذا بسبق عقده على عقد صاحبه ، وشهدت بيّنة صاحبه بسبق عقده على العقد الأوّل ، أو شهدت إحداهما لأحدهما أنّه اشترى يوم السبت وصاحبه اشترى يوم الأحد ، وشهدت الاُخرى للآخَر أنّه اشترى يوم السبت والآخَر يوم الأحد - تعارضتا ، وينبغي أن يُحكم لأكثرهما عدداً وعدالةً ، فإن تساويا ، احتُمل القرعة ؛ لأنّه أمر مشكل ، وكلّ أمر مشكل ففيه القرعة ، والقسمة بينهما.
وللشافعي هنا قولان :
أحدهما : تساقط البيّنتين كأنّه لا بيّنة لواحد منهما.
والثاني : أنّهما تُستعملان ، وفي كيفيّته أقوال :
أحدها : القرعة ، فعلى هذا مَنْ خرجت قرعته أخذ نصيب الآخَر بالشفعة.
والثاني : القسمة ، ولا فائدة لها إلاّ مع تفاوت الشركة ، فيكون التنصيف تعبّدا(١) .
والثالث : الوقف ، وعلى هذا يوقف حقّ التملّك إلى أن يظهر الحال(٢) .
ومن الشافعيّة مَنْ لا يجري قول الوقف هنا ؛ لانتفاء معناه مع كون الملك في يدهما(٣) .
____________________
(١) كذا ، وفي المصدر : « مقيّداً » بدل « تعبّداً ».
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٣ - ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٧ - ١٦٨.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.
ولو عيّنت كلّ واحدة من البيّنتين وقتاً واحداً ، فلا تنافي بينهما ؛ لاحتمال وقوع العقدين معاً ، ولا شفعة لواحدٍ منهما ؛ لأنّا تبيّنّا وقوع العقدين دفعةً.
وللشافعيّة وجه : أنّهما تسقطان ؛ لأنّ كلّ واحدة منهما لم تتعرّض لمقصود مقيمها فكأنّه لا بيّنة(١) .
مسالة ٧٣٦ : يملك الشفيع الأخذ بالعقد إمّا بالفعل بأن يأخذ الحصّة ويدفع الثمن إلى المشتري ، أو يرضى بالصبر فيملكه حينئذٍ ، وإمّا باللفظ ، كقوله : أخذته ، أو : تملّكه ، أو : اخترت الأخذ ، وما أشبه ذلك ؛ عملاً بالأصل من عدم اشتراط اللفظ.
وقال بعض الشافعيّة : لا بدّ من لفظٍ ، ك « تملّكت » وما تقدّم ، وإلّا فهو من باب المعاطاة(٢) .
وهو ممنوع ؛ لأنّ المعاطاة تتوقّف على رضاهما ، ولا يتوقّف الأخذ بالشفعة على رضا المشتري.
ولا يكفي أن يقول : لي حقّ الشفعة وأنا مطالب بها ، عنده(٣) ؛ لأنّ المطالبة رغبة في الملك ، والملك(٤) لا يحصل بالرغبة المجرّدة(٥) .
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.
(٣) أي : عند البعض من الشافعيّة ، المتقدّم قوله آنفاً.
(٤) في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فالملك ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.
وقال بعضهم(١) بقولنا.
ولا يملك الشفيع بمجرّد اللفظ ، بل يعتبر مع ذلك أحد اُمور :
إمّا أن يسلّم العوض إلى المشتري ، فيملك به إن تسلّمه ، وإلّا خلّى بينه وبينه ، أو رفع الأمر إلى الحاكم حتى يلزمه التسليم.
و [إمّا ](٢) أن يسلّم المشتري الشقص ، ويرضى بكون الثمن في ذمّته.
ولو كان المبيع داراً عليها صفائح من أحد النقدين والثمن من الآخَر ، وجب التقابض فيما قابَلَه خاصّةً.
ولو رضي بكون الثمن في ذمّته ولم يسلّم الشقص ، حصل الملك عندنا - وهو أحد وجهي الشافعيّة - لأنّه معاوضة ، والملك في المعاوضات لا يتوقّف على القبض.
والثاني لهم : لا يحصل الملك ، وقول المشتري ما لم يتّصل به القبض في حكم الوعد.
وإمّا أن يحضر في مجلس القاضي ، ويثبت حقّه في الشفعة ، ويختار التملّك ويقضي القاضي له بالشفعة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة - لأنّ الشرع نزّل الشفيع منزلة المشتري حتى كأنّ العقد له ، إلّا أنّه مخيّر بين الأخذ والترك ، فإذا طلب وتأكّد طلبه بالقضاء ، وجب أن يحكم له بالملك.
والثاني لهم : لا يحصل الملك ، ويستمرّ ملك المشتري إلى أن يصل إليه عوضه ، أو يرضى بتأخيره.
وإمّا أن يشهد عدلان على الطلب واختيار الشفعة ، فإن لم نثبت
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.
(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
الملك بحكم القاضي ، فهنا أولى ، فإن(١) أثبتناه ، فوجهان لهم ؛ لقوّة قضاء القاضي(٢) .
وهذا كلّه غير معتبر عندنا.
مسالة ٧٣٧: لا يشترط في تملّك الشفيع بالشفعة حكمُ الحاكم ولا حضور الثمن أيضاً ولا حضور المشتري ورضاه ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حكم الشفعة يثبت بالنصّ والإجماع ، فيستغني عن حكم الحاكم ، كمدّة الإيلاء والردّ بالعيب. ولأنّه تملّك بعوض ، فلا يفتقر إلى إحضار العوض ، كالبيع ، ولا إحضار المشتري ورضاه به ، كالردّ بالعيب.
وقال أبو حنيفة : يعتبر حضور المشتري أو حكم الحاكم ، ولا يحكم الحاكم إلّا إذا اُحضر الثمن(٤) .
وعن الصعلوكي أنّ حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط(٥) . وهو ممنوع.
وإذا ملك الشفيع بغير تسليم الثمن - بل إمّا بتسليم المشتري الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمّته ، أو بحضوره في مجلس القاضي وإثبات حقّه في الشفعة ويختار الملك فيقضي له القاضي - لم يكن له أن يتسلّم الشقص حتى يؤدّي الثمن إلى المشتري وإن سلّمه المشتري قبل أداء الثمن ، ولا يلزمه أن يؤخّر حقّه بأن أخّر البائع حقّه.
مسالة ٧٣٨ : يجب على الشفيع دفع الثمن معجّلاً ، فإن تعذّر تعجيله
____________________
(١) الظاهر : « وإن ».
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.
أو ادّعى غيبته ، اُجّل ثلاثة أيّام لإحضاره ؛ لأنّ تحصيله في الحال يتعذّر في غالب العادات ، فلو شرط إحضاره في الحال ، أدّى إلى إسقاط الشفعة ، وذلك إضرار بالشفيع ، فإن أحضر الثمن في مدّة الثلاثة ، فهو أحقّ ، وإلاّ بطلت شفعته بعدها.
ولو ذكر أنّ الثمن في بلد آخر ، أجّل بقدر وصوله من ذلك البلد وثلاثة أيّام بعده ما لم يتضرّر المشتري.
ولو هرب الشفيع بعد الأخذ ، كان للحاكم فسخ الأخذ ، وردّه إلى المشتري وإن لم يكن له ذلك في البيع لو هرب المشتري أو أخّر الدفع ؛ لأنّ البيع حصل باختيارهما ، فلهذا لم يكن للحاكم فسخه عليهما ، وهنا أخذه الشفيع بغير اختيار المشتري لإزالة الضرر عن نفسه ، فإذا اشتمل على إضرار بالمشتري ، مَنَعه الحاكم وردّه.
ولو هرب قبل الأخذ ، فلا شفعة له ، وكذا العاجز عن الثمن.
وقال بعض الشافعيّة : إذا قصّر في الأداء ، بطل حقّه من الشفعة. وإن لم يوجد ، رفع إلى الحاكم ( وفسخ منه )(١) (٢) .
والمعتمد : الأوّل ؛ لما قلناه.
ولما روى عليّ بن مهزيار أنّه سأل الجوادَعليهالسلام : عن رجل طلب شفعة أرض ، فذهب على أن يحضر المال فلم ينضّ ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : « إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيّام ، فإن أتاه بالمال
____________________
(١) ورد ما بين القوسين سهواً في النسخ الخطّيّة والحجريّة بعد تمام الرواية الآتية في نفس المسألة. وموضعه هنا تتمّةً لقول بعض الشافعيّة كما في « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.
وإلّا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم ، فإن وافاه ، وإلّا فلا شفعة له »(١) .
مسالة ٧٣٩ : ولا يثبت في الشفعة خيار المجلس عند علمائنا ؛ للأصل الدالّ على عدمه.
ولدلالة قولهعليهالسلام : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا »(٢) على اختصاص الخيار بالبيع ؛ لأنّه وصف علّق عليه حكم ، فينتفي بانتفائه.
ولأنّ الخيار لا يثبت للمشتري ؛ لأنّه يؤخذ الملك منه قهراً ، ولا للآخذ ؛ لأنّ له العفو والإسقاط.
نعم ، لو أخذ وثبت الملك له ، لم يكن له الخيار في الفسخ ؛ للأصل.
وللشافعي قولان :
أظهرهما : ثبوت الخيار - وقد تقدّم(٣) - بأن يترك بعد ما أخذ ، أو يأخذ بعد ما ترك ما دام في المجلس ؛ لأنّ ذلك معاوضة ، فكان في أخذها وتركها خيار المجلس ، كالبيع(٤) .
وله قولٌ آخَر : إنّه يسقط ؛ لأنّ الشفعة حقّ له ثبت ، فإذا أخّره أو تركه ، سقط ، كغيره من الحقوق(٥) .
فعلى قوله بالخيار يمتدّ إلى مفارقة المجلس.
____________________
(١) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٣٩.
(٢) صحيح البخاري ٣ : ٨٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٦٤ / ١٥٣٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٧ / ١٢٤٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥.
(٣) في ج ١١ ص ١٥ ، ضمن المسألة ٢٢٧.
(٤) الوسيط ٤ : ٨١ ، العزيز ٤ : ١٧٢ ، و ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٢ ، و ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩ ، المجموع ٩ : ١٧٧.
وهل ينقطع بأن يفارقه المشتري؟ وجهان : المنع ؛ لأنّه لا حظّ له في الخيار ، فلا اعتبار بمفارقته. والانقطاع ؛ لحصول التفريق(١) .
مسالة ٧٤٠ : يجوز للمشتري التصرّف في الشقص قبل أن يأخذه الشفيع وقبل علمه بالبيع ، فإذا تصرّف ، صحّ تصرّفه ؛ لأنّ ملكه بالعقد إجماعاً ، وفائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات ، وصحّ قبض المشتري له ، ولم يبق إلّا أنّ الشفيع ملك عليه أن يملك ، وذلك لا يمنع تصرّفه ، كما لو كان الثمن معيباً فتصرّف المشتري في المبيع.
وكذا الموهوب له إذا كان الواهب ممّن له الرجوع فيها ، فإنّ تصرّفه يصحّ وإن ملك الواهب [ الرجوع ](٢) فيها.
إذا ثبت هذا ، فإنّ تصرّفه إن كان ممّا تجب به الشفعة - كالبيع خاصّةً عندنا ، وكلّ معاوضة عند الشافعي(٣) ، كجَعْله عوض الصداق أو الخلع أو غير ذلك من المعاوضات - تخيّر الشفيع إن شاء فسخ تصرّفه وأخذ بالثمن الأوّل ؛ لأنّ حقّه أسبق ، وسببه متقدّم ، فإنّ الشفعة وجبت له قبل تصرّف المشتري. وإن شاء أمضى تصرّفه ، وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني ؛ لأنّ هذا التصرّف يُثبت الشفعة ، فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخَر بثلاثين ، فإن أخذ من الأوّل ، دفع عشرة ، ورجع الثالث على الثاني بثلاثين ، والثاني على الأوّل بعشرين ، لأنّ الشقص يؤخذ من الثالث وقد انفسخ عقده ، وكذا الثاني. ولو أخذ من الثاني ، صحّ ، ودفع عشرين ؛ وبطل
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٩.
الثالث ، فيرجع بثلاثين. ولو أخذ من الثالث ، صحّت العقود ، ودفع ثلاثين.
وإن كان تصرّفه لا تثبت به الشفعة كالهبة والوقف وجَعْلِه مسجداً ، فإنّ للشفيع إبطالَ ذلك التصرّف ، ويأخذ بالثمن الأوّل ، ويكون الثمن للمشتري ، وبه قال الشافعي(١) .
وقال مالك : إنّه يكون الثمن للموهوب له(٢) .
وهو غلط ؛ لأنّ الشفيع أبطل الهبة ، وأخذ الشقص بحكم العقد الأوّل ، ولو لم يكن وهب كان الثمن له ، كذا بعد الهبة المفسوخة.
وكذا للشفيع فسخ الوقف وكونه مسجدا أو غير ذلك من أنواع التصرّفات ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٣) .
وقال بعضهم : إنّ الوقف يُبطل الشفعة ؛ لأنّ الشفعة إنّما تثبت في المملوك وقد خرج من أن يكون مملوكاً(٤) .
وهو غلط ؛ لأنّ ذلك الاستحقاق سابق والوقف متأخّر ، فلا يبطل السابق ، ولا يمتنع أن يبطل الوقف لأجل حقّ الغير ، كما لو وقف المريض أملاكه أو أعتق عبيده وعليه دَيْنٌ مستوعب ، فإنّ العتق والوقف صحيحان ، وإذا مات ، فسخا لحقّ الغرماء ، كذا هنا.
مسالة ٧٤١ : إذا ملك الشفيع ، امتنع تصرّف المشتري. ولو طلب الشفيع ولم يثبت الملك بَعْدُ ، لم يمنع الشريك من التصرّف ؛ لبقائه في ملكه.
____________________
(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٩ ، الوسيط ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ ، المغني ٥ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٥.
(٢) المغني ٥ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٦.
(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٩.
(٤) المغني ٥ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٥.
ويحتمل قويّاً المنع ؛ لتعلّق حقّ الشفيع به وتأكّده بالطلب.
وكلاهما للشافعيّة(١) أيضاً.
ولو تصرّف الشفيع قبل القبض بعد أن سلّم الثمن إلى المشتري ، نفذ.
وللشافعيّة وجهان ، أظهرهما : المنع ، كتصرّف المشتري قبل القبض(٢) .
وهو باطل ؛ لاختصاص ذلك بالبيع ، والشفعة ليست بيعاً. ولأنّه ملك قهريّ كالإرث ، فصحّ تصرّفه فيه ، كالوارث قبل القبض.
ولو ملك بالإشهاد أو بقضاء القاضي ، نفذ تصرّفه.
وقالت الشافعيّة : لا ينفذ(٣) .
وكذا لو ملك برضا المشتري بكون الثمن عنده.
مسالة ٧٤٢ : لا يشترط علم الشفيع بالثمن ولا بالشقص في طلب الشفعة ، بل في الأخذ ، فلا يملك الشقص الذي لم يره بالأخذ ولا بالطلب ؛ لأنّه غرر والنبيّصلىاللهعليهوآله نهى عنه(٤) ، بل يشترط علم الشفيع في التملّك بالثمن والمثمن معاً ، فلو جهل أحدهما ، لم يصح الأخذ ، وله المطالبة بالشفعة.
ولو قال : أخذته بمهما كان ، لم يصح مع جهالته بالقدر.
وقالت الشافعيّة : في تملّك الشفيع الشقص الذي لم يره طريقان :
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.
(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.
(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥.
أظهرهما : أنّه على قولي(١) بيع الغائب إن منعناه ، لم يتملّكه قبل الرؤية ، وليس للمشتري منعه من الرؤية. وإن صحّحناه ، فله التملّك.
[ ثمّ ](٢) منهم مَنْ جَعَل خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس.
ومنهم مَنْ قطع به وقال : المانع هناك - على رأي - بُعْدُ اختصاص ذلك الخيار بأحد الجانبين.
والثاني : المنع ، سواء صحّحنا بيع الغائب أو أبطلناه ؛ لأنّ البيع جرى بالتراضي فأثبتنا الخيار فيه ، وهنا الشفيع يأخذ من غير رضا المشتري ، فلا يمكن إثبات الخيار فيه.
نعم ، لو رضي المشتري بأن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار ، فعلى قولي بيع الغائب ، فإذا جوّزنا له التملّك وأثبتنا الخيار ، فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن وإقباض المبيع(٣) حتى يراه ليكون على ثقة فيه(٤) .
وإذا بلغه البيع فقال : قد اخترت أخذ الشقص بالثمن الذي تمّ عليه العقد ، وعلم قدره ونظر إلى الشقص أو وُصف له وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ الأخذ وإن لم يجز المشتري ولا حضر.
وقال أبو حنيفة : لا يأخذ بالشفعة حتى يحضر الثمن ، ولا يقضي له القاضي بها حتى يحضر الثمن(٥) .
وقال محمد : إنّ القاضي يؤجّله يومين أو ثلاثة ، ولا يأخذه إلّا بحكم
____________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة المعتمدة في التحقيق : « قول ». والصحيح ما أثبتناه.
(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة المعتمدة في التحقيق : « البائع » بدل « المبيع ».
والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.
(٥) المغني ٥ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢١.
الحاكم أو رضا المشتري ؛ لأنّ الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري ، فلا يستحقّ ذلك إلّا بعد إحضار الثمن ، ولهذا كان المشتري لمـّا كان يستحقّ تسلّم المبيع بغير اختيار البائع لم يكن له إلّا بعد إحضار الثمن(١) .
وقد بيّنّا أنّ الشفيع يأخذ بالعوض ، فلا يشترط حضوره ، كالبيع ، والتسليم في الشفعة كالتسليم في البيع ، فإنّ الشفيع لا يتسلّم الشقص إلّا بعد إحضار الثمن ، وكون التملّك بغير اختياره يدلّ على قوّته ، فلا يمنع من اعتباره في الصحّة بالبيع.
وإذا كان الثمن مجهولاً عند الشفيع ، لم يصح الأخذ ؛ لأنّه تملّك بعوض ، فلا يصحّ مع جهالة العوض ، كالبيع.
ولو قال : أخذته بالثمن إن كان مائةً فما دونها ، لم يصح الأخذ ؛ لأنّ مثل هذا لا يجوز أن يكون ثمناً في البيع ، كذا الشفعة.
ولو لم يشاهد الشقص ولا وُصف له بما يرتفع معه الجهالة ، لم يكن له أخذه ، وبه قال بعض الشافعيّة ، سواء قالوا بجواز بيع خيار الرؤية أو لا ؛ لأنّ مع القول بالجواز أثبتوا فيه خيار الرؤية برضا البائع ، لأنّه دخل على ذلك ، وفي مسألتنا يأخذه الشفيع بغير رضا المشتري ، فلا يثبت الخيار(٢) .
و(٣) قال ابن سريج : إلّا أن يرضى المشتري بخيار الرؤية ، فيجوز ذلك على القول الذي يجيز البيع بها(٤) .
وقال بعض الشافعيّة : مَنْ قال من أصحابنا : إنّه يثبت في الشفعة خيار المجلس يجيز أيضاً خيار الرؤية فيها على أحد القولين(٥) .
إذا عرفت هذا ، فإذا أخذ الشقص بالشفعة ، وجب عليه الثمن ،
____________________
(١) بدائع الصنائع ٥ : ٢٤ ، وانظر : المغني ٥ : ٥١٠ ، والشرح الكبير ٥ : ٥٢١.
(٢و٤و٥) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
(٣) في « س ، ي » لم ترد كلمة « و».
ولا يجب على المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن.
مسالة ٧٤٣ : إذا كان الشقص في يد البائع ، فقال الشفيع : لا أقبضه إلّا من المشتري ، لم يكن له ذلك ، ولم يكلّف المشتري أخذه من البائع ، بل يأخذه الشفيع من يد البائع ؛ لأنّ هذا الشقص حقّ الشفيع ، فحيثما وجده أخذه. ولأنّ يد الشفيع كيد المشتري ؛ لأنّه استحقّ قبض ذلك من جهته ، كما لو وكّل وكيلاً في القبض ، ألا ترى أنّه لو قال : أعتق عبدك عن ظهاري ، فأعتقه ، صحّ ، وكان الآمر كالقابض له ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : أنّ للشفيع ذلك ؛ لأنّ الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري ، فيلزمه أن يسلّمه بعد قبضه ، وعلى الحاكم تكليف المشتري أن يتسلّم ويُسلّم ، أو يوكّل في ذلك ، فإن كان المشتري غائباً ، نصب الحاكم مَنْ يقبضه من البائع عن المشتري ويسلّمه إلى الشفيع ، وإذا أخذه الشفيع من المشتري أو من البائع ، فإنّ عهدته على المشتري خاصّةً(١) .
ولو أفلس الشفيع وكان المشتري قد سلّم الشقص إليه راضياً بذمّته ، جاز له الاسترداد ، وكان أحقَّ بعينه من غيره.
مسالة ٧٤٤ : إنّما يأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد ؛ لما روى العامّة عن جابر أنّ النبيّصلىاللهعليهوآله قال : « فهو أحقّ به بالثمن »(٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليهالسلام : « فهو أحقّ بها من غيره بالثمن »(٣) .
ولأنّ الشفيع إنّما يستحقّ الشفعة بسبب البيع ، فكان مستحقّا له
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٢.
(٢) سنن البيهقي ٦ : ١٠٤ ، المغني ٥ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٠.
(٣) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٨.
بالثمن ، كالمشتري.
لا يقال : الشفيع استحقّه بغير اختيار مالكه ؛ لحاجته إليه ، فكان يجب أن يستحقّه بالقيمة ، كالمضطرّ إلى طعام الغير.
لأنّا نقول : المضطرّ إنّما استحقّه بسبب الحاجة خاصّةً ، فكان المرجع في بدله إلى القيمة ، والشفيع يستحقّه لأجل البيع ، فإنّه لو كان انتقاله في الهبة أو الميراث ، لم يستحقّ فيه الشفعة ، وإذا اختصّ ذلك بالبيع ، وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع.
إذا ثبت هذا ، فإن بِيع بمثليٍّ - كالنقدين والحبوب - أخذه بمثله.
ثمّ إن قُدِّر بمعيار الشرع ، أخذه به. وإن قُدِّر بغيره كما لو باع بمائة رطل من الحنطة ، أخذه بمثله وزناً تحقيقاً للمماثلة.
وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّه يأخذه بالكيل(١) .
ولو تعذّر المثل وقت الأخذ ؛ لانقطاعه أو لغيره ، عدل إلى القيمة ، كما في الغصب.
تذنيب : لا يجب على الشفيع دفع ما غرمه المشتري من دلالة واُجرة وزّان ونقّاد وكيل وغير ذلك من المؤن.
مسالة ٧٤٥ : ولو لم يكن الثمن مثليّاً بل مقوَّماً - كالعبد والثوب وشبههما - أخذه الشفيع بقيمة السلعة التي جُعلت ثمناً - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك(٢) - لأنّه أحد نوعي الثمن ، فجاز أن تثبت الشفعة
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.
(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٦ ، المعونة ٢ : ١٢٧٦ ، التفريع ٢ : ٣٠٢ ، المغني ٥ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٤.
بالمشتري به ، كالذي له مِثْلٌ.
وقال الشيخرحمهالله : تبطل الشفعة(١) - وبه قال الحسن البصري وسوار القاضي(٢) - لما رواه عليّ بن رئاب عن الصادقعليهالسلام في رجل اشترى داراً برقيق ومتاع وبزّ وجوهر ، قال : « ليس لأحد فيها شفعة »(٣) .
ولأنّ الشفعة إنّما تجب بمثل الذي ابتاعه به ، وهذا لا مثل له ، فلم تجب.
والرواية ضعيفة السند ؛ لأنّ في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة وليس منّا.
والمثل قد يكون من طريق الصورة وقد يكون من طريق القيمة ، كما في بدل الإتلاف والغصب.
وتُعتبر القيمة يوم البيع ؛ لأنّه يوم إثبات العوض واستحقاق الشفعة ، فلا اعتبار بالزيادة بعد ذلك ولا النقصان ، وبه قال الشافعي(٤) .
وقال ابن سريج : تُعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار(٥) .
وقال مالك : الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة(٦) .
وليس بجيّد ؛ لما تقدّم من أنّ وقت الاستحقاق وقت العقد
____________________
(١) الخلاف ٣ : ٤٣٢ ، المسألة ٧.
(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، المغني ٥ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٤.
(٣) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤٠.
(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.
(٥) حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ - ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.
(٦) حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٤.
للمشتري. ولأنّ الثمن صار ملكاً للبائع ، فلا تُعتبر زيادته في حقّ المشتري.
ولو اختلفا في القيمة في ذلك الوقت ، قُدّم قول المشتري مع اليمين.
مسالة ٧٤٦ : لو جعل الشقص رأس مال سَلَمٍ ، أخذ الشفيع بمثل الـمُسْلَم فيه إن كان مثليّاً ، وبقيمته إن كان متقوَّماً.
ولو صالح من دَيْنٍ على شقص ، لم تكن له شفعة.
وعند الشافعي يأخذه بمثل ذلك الدَّيْن إن كان مثليّاً ، وبقيمته إن كان متقوَّماً(١) .
ولا فرق بين أن يكون دَيْن إتلافٍ أو دَيْن معاملة.
ولو أمهرها شقصاً ، فلا شفعة عندنا.
وعند الشافعي يأخذ بمهر مثل المرأة ؛ لأنّ البُضْع متقوَّم ، وقيمته مهر المثل. وكذا إذا خالعها على شقص. والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح أو يوم جريان البينونة(٢) .
وخرّج بعض الشافعيّة وجهاً أنّه يأخذه بقيمة الشقص(٣) . والأصل فيه أنّ المرأة إذا وجدت بالصداق عيباً وردّته ، ترجع بقيمته على أحد القولين ، فإذا كان المستحقّ عند الردّ بالعيب بدل المسمّى ، كذا عند الأخذ بالشفعة ، وبه قال مالك(٤) .
ولو متَّع المطلّقة بشقص ، فلا شفعة عندنا.
____________________
(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.
(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.
(٣) في « العزيز شرح الوجيز » : « بقيمته يوم القبض ».
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.