تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٣
0%
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا وآله الطيّبين الطاهرين، ولاسيّما بقيّة الله في الأرضين، واللّعنة الدّائمة على أعدائهم أجمعين.
النسخ التي استفدنا منها في الربع الأوّل من التفسير
١ - نسخة موجودة في جامعة طهران، برقم ١٤، ورمزها (أ).
٢ - نسخة إلى آخر سورة المائدة، كتبت في حياة المؤلّف، بل في نفس سنة تأليف الكتاب.
وكانت هذه النسخة ضمن مخطوطات الأستاذ الشانهچي، ثمّ نقلت إلى مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة في مشهد الإمام الرضاعليهالسلام وهي الأصل.
٣ - نسخة أخرى إلى نهاية سورة المائدة أيضا، نسخت هي الأخرى في نفس سنة التأليف. محفوظة في المكتبة المركزيّة بجامعة طهران، برقم ٧٣٥٣، ورمزها (ر).
ولا بدّ من توضيح مسألة: وهي أنّ متن النسخة ٢ (الأصل)، هو نفسه في النسخة ١ (أ)، مع شيء من الاختلاف في العبارات والمواضع التي حذفت وأبدلت بغيرها في الحاشية.
وقد كانت هذه الحواشي تذيّل بعبارات مثل: منه، منه سلّمه الله، منه دام ظلّه العالي، منه أدام الله بقائه، أو "صح".
ويلاحظ في الحاشية كلمات: «بلغ» و «بلغ قبالا».
وفي الواقع، فإنّ النسخة (٣)، هي عين النسخة (٢) التي توجد التصحيحات
والحواشي في متنها.
أمّا الإختلاف الموجود بين النسخة الأولى (أ)، والنسختين الأخريين، فهو يوضح أنّ نسخة التأليف الأوّل هي نفسها، ولكن، وبعد إنهاء الربع الأوّل من التفسير، أدعى المفسّر النظر فيها وأدخل عليها بعض التصحيحات وأكملها.
كان ذلك بعدما تداولت الأيدي النسخة غير المصحّحة واستنسختها. حيث بقيت على تلك الحال.
وعلى هذا الأساس، جعلت النسخة ٢، التي تمّ تصحيحها من قبل المفسّر، أصلا.
وخلال التحقيق في سائر النسخ الموجودة، التي تحتوي على الربع الأوّل، لوحظ أنّ النسخة المرّقمة (٢٣٤٨) الموجودة في مكتبة آية الله المرعشي - دام ظلّه - ، مطابقة لنسخة جامعة طهران برقم (١٤). وجميع النسخ - مع الأخذ بنظر الاعتبار المتن والحاشية - مطابقة للنسخة الأصل.
ولا بدّ من القول: إننا قد اعتمدنا في حلّ غوامض النسخة الأصل، على نسخة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم (١٢٠٧٣).
حسين الدّرگاهي
سورة آل عمران
سورة آل عمران(١)
في كتاب ثواب الأعمال(٢) : بإسناده إلى أبي عبد اللهعليهالسلام قال: من قرأ البقرة وجاء(٣) يومالقيامة يضلّانه(٤) على رأسه مثل الغمامتين، أو مثل الغيابتين. [مدنيّة وآيها مائتان].(٥)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
( ألم ) (١): قد مرّ بعض إشاراته في أوّل سورة البقرة.
وفي كتاب معاني الأخبار(٦) : بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ، عن الصادقعليهالسلام ، في حديث طويل يقول فيهعليهالسلام : وأمّا «الم» في أوّل فمعناه أنا الله المجيد.
وفي تفسير العيّاشيّ(٧) خيثمة الجعفيّ، عن أبي لبيد(٨) المخزوميّ قال: قال أبو جعفرعليهالسلام : يا أبا لبيد انّه يملك من ولد عبّاس(٩) اثنا عشر(١٠) ، يقتل بعد الثّامن منهم أربعة ،
__________________
(١) يوجد في أبعد «سورة»: مدنية وآيتها مائتان.
(٢) ثواب الأعمال / ١٣٠، ح ١.
(٣) المصدر: جاءتا.
(٤) المصدر: تضلّانه.
(٥) ليس في أ.
(٦) معاني الأخبار / ٢٢ ضمن ح ١. وفي أ: ثواب الأعمال.
(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٣.
(٨) النسخ: «خيثمة الجعفري حدّثني أبو لبيد» وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٩) المصدر: ولد العباس.
(١٠) النسخ: «اثنى عشرة.» وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
يصيب(١) أحدهم الذّبحة فتذبحه، هم فئة(٢) قصيرة أعمارهم قليلة مدّتهم خبيثة سيرتهم [منهم](٣) الفويسق الملقّب بالهادي، والنّاطق والغاوي، يا أبا لبيد إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلماً جمّا، إنّ الله - تبارك وتعالى - أنزل( الم ذلِكَ الْكِتابُ ) فقام محمّدصلىاللهعليهوآله حتّى ظهر نوره وثبتت كلمته وولد(٤) يوم ولد وقد مضى من الألف السّابع مائة سنة وثلاث سنين، ثمّ قال: وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطّعة، إذا عدّدتها من غير تكرار، وليس من حروف مقطّعة حرف تنقضي أيّام إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه، ثمّ قال: الألف واحد، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، والصّاد تسعون، فذلك مائة وإحدى وستّون، ثمّ كان بدء(٥) خروج الحسين بن عليّعليهالسلام الم الله، فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس عبد «المص» ويقوم قائمنا عند انقضائها «بالر» فافهم ذلك وعه واكتمه.
وإنّما فتح الميم في المشهورة، وكان حقّها أن يوقف عليها، لإلقاء حركة الهمزة عليها ليدلّ على أنّها في حكم الثّابت، لأنّها أسقطت للتّخفيف لا للدّرج، فإنّ الميم في حكم الوقف، كقولهم: واحد اثنان، لا لالتقاء السّاكنين، فإنّه غير محذور في باب الوقف، ولذلك لم يحرّك في لام.
وقرئ بكسرها، على توهّم التّحريك لالتقاء السّاكنين. وقرأ أبو بكر بسكونها، والابتداء بما بعدها على الأصل(٦) .
( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (٢):(٧) : قد مرّ تفسيره فلا حاجة إلى تكريره.
( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ) ، أي: القرآن منجما،( بِالْحَقِ ) : بالعدل، أو بالصّدق في أخباره، أو بالحجج المحقّقة أنّه من عند الله. وهو في موضع الحال عن المفعول.
( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) : من الكتب.
__________________
(١) المصدر: فتصيب.
(٢) النسخ: «فتنة». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٣) يوجد في المصدر.
(٤) النسخ: «ولده». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٥) هكذا في أ. وفي الأصل ورو المصدر: بدو.
(٦) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٤٨.
(٧) البقرة ٢٥٥.
( وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ) (٣)(١) جملة على موسى وعيسى.
في أصول الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: [سألته عن قول الله - عزّ وجلّ - :( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ، وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره.
فقال أبو عبد اللهعليهالسلام :](٣) نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل(٤) في طول عشرين سنة، ثمّ قال: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وآله: نزلت(٥) صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التّوراة لستّ مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت(٦) من شهر رمضان، وأنزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، [وأنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.
وفي الكافي(٧) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: أنزلت(٨) التّوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل(٩) الإنجيل في اثنا عشر(١٠) ليلة من شهر رمضان، وأنزل(١١) الزّبور في ليلة ثمانية عشرة مضت من شهر رمضان](١٢) وأنزل(١٣) القرآن في ليلة القدر.
قيل(١٤) : التّوراة مشتقّة من الورى، الّذي هو إخراج النار من الزناد، سمّي بها لإخراج نور العلم منه. والإنجيل من النّجل، بمعنى: الولد، سمّي به لأنّه يتولّد منه النّجاة.
ووزنهما تفعلة وإفعيل، وهو تعسّف لأنّهما اسمان أعجميّان، يؤيّد ذلك أنّه قرئ الإنجيل بفتح الهمزة، وهو ليس من أبنية العرب.
__________________
(١) آل عمران، ٣.
(٢) الكافي ٢ / ٦٢٨، ح ٦.
(٣) ما بين المعقوفتين يوجد في المصدر.
(٤) النسخ: «نزلت». وما في المتن موافق المصدر.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: نزل.
(٦) ليس في ر.
(٧) نفس المصدر ٤ / ١٥٧، ح ٥.
(٨) المصدر: نزلت.
(٩) هكذا في النسخ والمصدر. والظاهر: أنزل.
(١٠) هكذا في النسخ والمصدر. والظاهر: اثنتي عشرة.
(١١) المصدر: نزل.
(١٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(١٣) المصدر: نزل.
(١٤) أنوار التنزيل ١ / ١٤٨.
( مِنْ قَبْلُ ) : تنزيل القرآن.
( هُدىً لِلنَّاسِ ) ، أي: لكلّ من أنزل عليه( وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ ) :
قيل(١) : يريد به جنس الكتب الإلهيّة، فإنّها فارقة بين الحقّ والباطل، ذكر ذلك بعد [ذكر](٢) الكتب الثّلاثة ليعمّ ما عداها [كأنّه قال: وأنزل سائر ما يفرّق به بين الحقّ والباطل، أو الزّبور](٣) أو القرآن. وكرّر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيما وإظهارا لفضله، من حيث أنّه يشركهما في كونه وحيا منزّلا، ويتميّز بأنّه معجز، يفرّق به بين المحقّ والمبطل أو المعجزات.
ويحتمل أن يكون المراد به محكمات القرآن، أفردها لزيادة شرفها ونفعها.
وفي أصول الكافي(٤) : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان أو غيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد اللهعليهالسلام عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد.
فقالعليهالسلام : القرآن جملة الكتاب، والفرقان المحكم الواجب العمل به.
[وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: سألته(٦) عن قول الله:( الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ ) .
قال: هو كلّ أمر محكم، والكتاب هو جملة القرآن الّذي يصدّق فيه من كان(٧) قبله [من](٨) الأنبياء.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٩) : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليهالسلام وروى مثل ما في تفسير العيّاشيّ.
وفي كتاب علل الشّرائع(١٠) : بإسناده إلى أبي عبد الله [بن يزيد قال: حدّثني يزيد](١١)
__________________
(١) نفس المصدر ١ / ١٤٨.
(٢ و ٣) يوجد في المصدر.
(٤) الكافي ٢ / ٦٣٠، ح ١١.
(٥) تفسير العيّاشي ١ / ١٦٢، ح ١.
(٦) «قال سألته» ليس في المصدر.
(٧) المصدر: «كتاب» بدل «كان».
(٨) يوجد في المصدر.
(٩) تفسير القمّي ١ / ٩٦.
(١٠) علل الشرائع / ٤٧٠، صدر ح ٣٣.
(١١) يوجد في المصدر.
ابن سلام أنّه سأل رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقال له: لم سمّي الفرقان فرقانا؟
[قال :](١) لأنّه متفرّق الآيات والسّور أنزلت في غير الألواح، وغيره من الصّحف(٢) والتّوراة والإنجيل والزّبور أنزلت(٣) كلّها جملة في الألواح والورق.
والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
وفي الصّحيفة السّجّاديّة في دعائهعليهالسلام عند ختم القرآن(٤) : وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك، وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك.
](٥) ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ ) : من كتب منزلة كانت أو غيرها،( لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ) : بسبب كفرهم. ولا شك أنّ أمير المؤمنين من أعظم آيات الله، والكافرين به والمنكرين لحقّه لهم عذاب شديد.
( وَاللهُ عَزِيزٌ ) : غالب، لا يمنع من التّعذيب،( ذُو انْتِقامٍ ) (٤): تنكيره للتّعظيم، أي: انتقام لا يقدر مثله أحد ولا يعرف كنهه أحد. والنّقمة، عقوبة المجرم. والفعل منه، نقم - بالفتح والكسر - وهو وعيد جيء به بعد تقرير التّوحيد، وإنزال الكتب والآيات لمن أعرض عنها.
( إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ ) : كلّيّا كان أو جزئيّا، إيمانا أو كفرا،( فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ) (٥): خصّصهما، إذ الحسّ لا يتجاوزهما، وقدّم الأرض ترقّيا من الأدنى إلى الأعلى، ولأنّ المقصود ما اقترف فيها.
( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ ) :
وهو ردّ على ما ذهب إليه بعض الحكماء من وجود القوّة المصوّرة.
وقرئ: تصوّركم، أي: صوّركم لنفسه وعبادته(٦) .
( كَيْفَ يَشاءُ ) : من الصّور المختلفة، مشابها لصورة أبيه أولا.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) الأصل: «غير الصحف» بدل «غيره من الصحف». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٣) المصدر: نزلت.
(٤) الصحيفة السجادية / ٢١١، الدعاء ٤٢.
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ١٤٩.
وفي كتاب علل الشّرائع(١) : بإسناده إلى جعفر بن بشير، عن رجل، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: إنّ الله - تبارك وتعالى - إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كلّ صورة بينه وبين أبيه إلى آدم، ثمّ خلقه على صورة أحدهم، فلا يقولنّ أحد: هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي.
وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن نوح بن شعيب رفعه، عن عبد الله بن سنان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفرعليهالسلام قال: أتى رجل من الأنصار رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقال: هذه ابنة عمّي وامرأتي، لا أعلم منها(٣) إلّا خيرا، وقد أتتني بولد شديد السّواد، منتشر المنخرين، جعد، قطط، أفطس الأنف، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي.
فقالصلىاللهعليهوآله لامرأته: ما تقولين؟
قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما أقعدت مقعده منّي(٤) منذ ملكني أحداً غيره.
قال: فنكس رسول اللهصلىاللهعليهوآله [برأسه](٥) مليّا، ثمّ رفع بصره إلى السّماء، ثمّ أقبل على الرجل فقال: يا هذا، إنّه ليس من أحد إلّا بينه وبين آدم تسعة وتسعون(٦) عرقا كلّها تضرب في النّسب، فإذا وقعت النّطفة في الرّحم اضطربت تلك العروق تسأل الشّبه(٧) لها، فهذا من تلك العروق الّتي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك.
فقالت المرأة: فرجت عنّي يا رسول الله.
محمّد بن يحيى وغيره(٨) ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن عمرو، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: إنّ للرحم أربعة(٩) سبل، في أيّ سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد واحد واثنان وثلاثة وأربعة،(١٠)
__________________
(١) علل الشرائع / ١٠٣، ح ١.
(٢) الكافي ٥ / ٥٦١، ح ٢٣.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) أ: مقعدته أعنى.
(٥) يوجد في المصدر.
(٦) النسخ: تسعة وتسعين. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٧) المصدر: تسأل الله الشبهة.
(٨) الكافي ٦ / ١٧، ح ٢.
(٩) النسخ: أربع. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(١٠) النسخ: ثلث أربع. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
ولا يكون إلى سبيل أكثر من واحد.
عليّ بن محمّد رفعه(١) ، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: إنّ الله - عزّ وجلّ - خلق للرّحم أربعة أوعية، فما كان في الأوّل فللأب، وما كان في الثّاني فللأم، وما كان في الثّالث(٢) فللعمومة، وما كان في الرّابع(٣) فللخئولة. وذلك التّصوير بعد مكث النّطفة في الرّحم أربعين يوما.
يدلّ عليه ما رواه في كتاب علل الشّرائع(٤) : بإسناده إلى محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن عليّ بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنينعليهالسلام قال: تعتلج النطفتان في الرّحم فأيّتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت يشبه(٥) أخواله، وإنْ كانت نطفة الرّجل أكثر جاءت يشبه(٦) أعمامه.
وقال: تحول النّطفة في الرّحم أربعين يوما، فمن أراد أن يدعو الله - عزّ وجلّ - ففي تلك الأربعين قبل أن يخلق(٧) ، ثمّ يبعث الله - عزّ وجلّ - ملك الأرحام، فيأخذها فيصعد بها إلى الله - عزّ وجلّ - فيقف منه ما شاء(٨) الله، فيقول: يا إلهي أذكر أم أنثى؟ فيوحي الله - عزّ وجلّ - ما يشاء.
والحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) : إذ لا يعلم ولا يفعل جملة ما يعلمه، ولا يقدر أن يفعل مثل ما يفعله غيره.
( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٦): إشارة إلى كمال قدرته، وتناهي حكمته.
قال البيضاويّ(٩) : قيل: هذا حجاج(١٠) على من زعم أنّ عيسى كان ربّا، فإنّ وفد نجران لـمّا حاجّوا فيه رسول اللهصلىاللهعليهوآله نزلت السّورة من أوّلها إلى نيف وثمانين آية، تقريرا لما احتجّ به عليهم وأجاب عن شبههم.
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ) : أُحكمت عبارتها، بأن
__________________
(١) نفس المصدر ٦ / ١٧، ح ٢.
(٢) النسخ: للثالث. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٣) النسخ: للرابع. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٤) علل الشرائع / ٩٥، ح ٤.
(٥ و ٦) المصدر: تشبه.
(٧) المصدر: تخلق.
(٨) المصدر: «حيث يشاء» بدل «ما شاء».
(٩) أنوار التنزيل ١ / ١٤٩.
(١٠) النسخ: احتجاج. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
حفظت من الإجمال والاشتباه.
( هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ) : أصله، يردّ إليها غيرها. والقياس أمّهات، فأفرد على تأويل واحدة، أو على أنّ الكلّ بمنزلة آية واحدة.
( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) : محتملات، لا يتّضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر.
والعلّة في ذلك ما رواه في كتاب الاحتجاج(١) : عن أمير المؤمنينعليهالسلام في حديث طويل وفيه يقول: ثمّ إنّ الله - جلّ ذكره - لسبقة(٢) رحمته ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه، قسّم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسما منه يعرفه(٣) العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تميّزه ممّن شرح الله صدره للإسلام، وقسما لا يعرفه إلّا الله وأنبياؤه(٤) والرّاسخون في العلم. وإنّما فعل ذلك، لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللهصلىاللهعليهوآله من علم الكتاب ما لم يجعله(٥) الله(٦) لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن(٧) ولاه أمرهم، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا(٨) وافتراء على الله، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند(٩) الله - جل اسمه - ورسولهصلىاللهعليهوآله
واعلم أنّ قسمين ممّا ذكر في الخبر داخل في المحكم المذكور في الآية. وأمّا قوله:( كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ) ، فمعناه: أنّها حفظت من فساد المعنى، وركاكة اللّفظ. وقوله:( كِتاباً مُتَشابِهاً ) . فمعناه: يشبه بعضه بعضا في صحّة المعنى، وجزالة اللّفظ. «وأخر» جمع أخرى، ولم ينصرف لأنّه وصف معدول من «الآخر» ولا يلزم معرفته، لأنّ معناه أنّ القياس أن يعرّف، ولم يعرّف لأنّه(١٠) معرّف في المعنى(١١) أو من آخر من بهذا المعنى(١٢) .
في أصول الكافي(١٣) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللهعليهالسلام في قوله
__________________
(١) الاحتجاج ١ / ٣٧٦.
(٢) المصدر: لسعة.
(٣) أ: معرفة.
(٤) المصدر: أمناؤه.
(٥) المصدر: يجعل.
(٦) ليس في أ.
(٧) النسخ: بمن وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٨) النسخ: تفررا. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٩) الأصل: عاندا. وما أثبتناه في المتن موافق أ.
(١٠) الأصل: لا أنّه. وما أثبتناه في المتن موافق ر.
(١١ و ١٢) أ: الحق.
(١٣) الكافي ١ / ٤١٤، ح ١٤.
تعالى:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ) ، قال: أمير المؤمنينعليهالسلام والائمّة - عليهم السّلام -( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) ، قال: فلان وفلان.
وللحديث تتمّة، أخذت منه موضع الحاجة.
( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) : ميل عن الحقّ وعدول.
( فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ) : بظاهره، أو بتأويل غير منقول عن النّبيّصلىاللهعليهوآله والأئمّة - عليهم السّلام - أو فلان وفلان.
( ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ ) طلب أن يفتنوا أنفسهم والناس عن دينهم.
وفي مجمع البيان(١) : قيل: المراد بالفتنة هنا الكفر، وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليهالسلام
( وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) : طلب أن يأوّلوه(٢) على ما يشتهونه.
قيل(٣) : يحتمل أن يكون الدّاعي إلى الاتّباع مجموع الطّلبتين، أو كل(٤) واحدة منهما على التّعاقب، والأوّل يناسب المعاند والثّاني يلائم الجاهل.
[وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة(٦) ، عن وهيب بن حفص(٧) ،](٨) عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: سمعته يقول: إنّ القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنّة(٩) ويزجر عن النّار.
وفيه محكم ومتشابه. فأمّا المحكم فيؤمن به ويعمل به. وأمّا المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به وهو قول الله:( فَأَمَّا الَّذِينَ ) - وقرأ إلى -( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) ، وقال(١٠) : آل محمّد الرّاسخون في العلم.
( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ) ، أي: الّذي يجب أن يحمل عليه.
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٤١٠.
(٢) الأصل: يألوه. وما أثبتناه في المتن موافق أ.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٤٩.
(٤) ر: لكل. (ظ)
(٥) تفسير القمي ٢ / ٤٥١.
(٦) الأصل: الحسن بن أحمد بن سماعة. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٧) الأصل: وهب بن حفص. وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٩) أ: بالخير.
(١٠) ليس في المصدر.
( إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، أي: الّذين ثبتوا وتمكّنوا فيه.
وفي تتّمة الحديث السّابق، أنّ الرّاسخين في العلم أمير المؤمنين والأئمّة - عليهم السّلام(١) -
وفي كتاب معاني الأخبار(٢) : بإسناده إلى محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفرعليهالسلام يحدّث: أنّ حييّا وأبا ياسر أبني أخطب ونفرا من يهود اهل نجران أتوا رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقالوا(٣) له: أليس فيما تذكر فيما أنزل الله عليك الم؟
قال: بلى.
قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند الله؟
قال: نعم.
قالوا: لقد بعثت أنبياء قبلك وما نعلم نبيّا منهم أخبر ما(٤) مدّة ملكه وما أجل أمّته غيرك.
قال: فأقبل حييّ بن أخطب(٥) على أصحابه فقال لهم: الألف واحد، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، فعجب ممّن يدخل في دين مدّة ملكه وأجل أمّته إحدى وسبعون سنة.
قال: ثمّ أقبل على رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقال له: يا محمّد هل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: فهاته(٦) .
قال: المص.
قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللّام ثلاثون(٧) ، والميم أربعون، والصّاد تسعون، فهذه مائة وواحد وستّون سنة(٨) .
__________________
(١) لا يوجد هكذا تتمة في الحديث السابق، كما أنّ الحديث السابق قد نقل هنا بتمامه ولم تبق له تتّمة لم تنقل.
(٢) معاني الأخبار / ٢٣ - ٢٤، ح ٣.
(٣) كذا في المصدر وفي النسخ: فقال.
(٤) المصدر: أخبرنا.
(٥) أ: حيّ بن أخطب.
(٦) المصدر: هاته.
(٧) يوجد في أبعد هذه العبارة: «والراء مائتان.» ووجودها خطأ أو زائدة.
(٨) النسخ: «فهذه مائة وواحد وأربعون». وما أثبتناه في المتن موافق المصدر.
ثمّ قال لرسول اللهصلىاللهعليهوآله : فهل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: هاته.
قال: الر.
قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللّام ثلاثون(١) ، والرّاء مائتان.
[ثمّ قال لرسول اللهصلىاللهعليهوآله :](٢) فهل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: هاته.
قال: المر.
قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون والميم أربعون والرّاء مائتان.
ثمّ قال له: هل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت. ثمّ قاموا عنه، ثمّ قال أبو ياسر لحييّ(٣) أخيه: ما يدريك، لعل محمّدا قد جمع له هذا كلّه وأكثر منه.
قال: فذكر أبو جعفرعليهالسلام أنّ هذه الآيات أنزلت فيهم: منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات.
قال: وهي تجري في وجه آخر [على](٤) غير تأويل حييّ وأبي ياسر وأصحابهما.
أقول: وهذا الوجه هو ما مرّ، من أنّ المراد بالمحكمات والمتشابهات الأئمّة وأعداؤهم، وبعضهم وقفوا على الله وفسّروا المتشابه بما استأثره بعلمه.
( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) : استئناف موضح. لحال الرّاسخين، أو حال منهم، أو خبر إن جعلته مبتدأ.
( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) ، أي: كلّ من المحكم والمتشابه من عنده، وعلى كون المراد بالمتشابه فلان وفلان كونه من عنده، بمعنى: خلقه له وعدم جبره على الاهتداء، كما هو
__________________
(١) يوجد في أبعد هذه العبارة: «والميم أربعون والصاد تسعون هذه». وهي زائدة.
(٢) يوجد في المصدر.
(٣) أ: لحيّ. المصدر: للحيي.
(٤) يوجد في المصدر.
طريقة الابتلاء والتّكليف.
( وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٧): مدح للرّاسخين، أو لمن يتذكّر أنّ العالم بالمتشابه لا يكون غير الرّاسخين، الّذين هم الأئمّة - عليهم السّلام -
[وفي شرح الآيات الباهرة(١)] (٢) روى محمّد بن يعقوب(٣) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن أيّوب(٤) بن الحرّ [وعمران بن عليّ، عن أبي بصير](٥) عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: نحن الرّاسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله.
ويؤيّده ما رواه أيضا، عن عليّ بن محمّد(٦) ، عن عبد الله بن عليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حمّاد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما - عليهما السّلام - في قول الله عزّ وجلّ:( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .
قال: فرسول اللهصلىاللهعليهوآله أفضل الرّاسخين في العلم، قد علّمه الله - عزّ وجلّ - علم جميع ما أنزل [الله](٧) عليه من التّنزيل والتّأويل، وما كان [الله](٨) لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه [وكيف لا يعلمونه؟! ومنهم مبدأ العلم، وإليهم منتهاه، وهم معدنه وقراره ومأواه.
](٩) وبيان ذلك ما رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم(١٠) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن عبد الله بن سليمان، عن حمران بن أعين [عن أبي عبد اللهعليهالسلام ](١١) قال: إنّ جبرئيلعليهالسلام أتى رسول اللهصلىاللهعليهوآله برمّانتين، فأكل رسول اللهصلىاللهعليهوآله إحداهما وكسر الأخرى بنصفين،
__________________
(١) تأويل الآيات الباهرة / ٣٥ - ٣٧.
(٢) ليس في أ.
(٣) الكافي ١ / ٢١٣، ح ١.
(٤) أ: أبو أيوب.
(٥) ليس في النسخ.
(٦) نفس المصدر والموضع، ح ٢.
(٧ و ٨) يوجد في الكافي.
(٩) يوجد في الكافي بدل ما بين المعقوفتين: والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم الله بقوله:( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) والقرآن خاصّ وعامّ ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ. فالراسخون في العلم يعلمونه.
(١٠) الكافي ١ / ٢٦٣، ح ١.
(١١) يوجد في الكافي.
فأكل نصفا وأطعم عليّا نصفا.
ثمّ قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : يا أخي هل تدري ما هاتان الرّمّانتان؟
قال: لا.
قال: أمّا الأولى فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، وأمّا الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه.
فقلت: أصلحك الله كيف يكون(١) شريكه فيه؟
قال: لم يعلّم الله محمّداصلىاللهعليهوآله [علما](٢) إلّا وأمره أن يعلّمه عليّاعليهالسلام
ويؤيّده ما رواه أيضا، عن محمّد بن يحيى(٣) ، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليهالسلام يقول: نزل جبرئيلعليهالسلام على محمّدصلىاللهعليهوآله برمّانتين من الجنّة، فلقيه عليّعليهالسلام فقال له: ما هاتان الرّمّانتان الّتي في يدك؟
فقال: أمّا هذه فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، وأمّا هذه فالعلم. ثمّ فلقها رسول اللهصلىاللهعليهوآله نصفين(٤) فأعطاه نصفها وأخذ رسول اللهصلىاللهعليهوآله نصفها، ثمّ قال: أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه.
قال: فلم يعلّم رسول اللهصلىاللهعليهوآله حرفا ممّا علّمه الله - عزّ وجلّ - إلّا وقد علّمه عليّا، ثمّ انتهى العلم إلينا، ثمّ وضع يده على صدره.
وأوضح من هذا بيانا ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد(٥) ، عن عبد الله [بن](٦) الحجّال، عن أحمد بن عمر الحلبيّ(٧) ، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد اللهعليهالسلام فقلت: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة، فههنا(٨) أحد يسمع كلامي؟
__________________
(١) الكافي: كان يكون.
(٢) يوجد في الكافي.
(٣) نفس المصدر والموضع، ح ٣.
(٤) الكافي: بنصفين.
(٥) نفس المصدر ١ / ٢٣٨ - ٢٣٩، ح ١.
(٦) يوجد في الكافي.
(٧) كذا في الكافي. وفي النسخ وشرح الآيات: أحمد بن محمد الحلبي
(٨) الكافي: هاهنا.
قال: فرفع أبو عبد اللهعليهالسلام سترا بينه وبين بيت آخر فاطّلع فيه. ثمّ قال: يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك.
قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله علّم عليّا بابا، يفتح [له](١) منه ألف باب.
قال: فقال: يا أبا محمّد، علّم رسول اللهصلىاللهعليهوآله عليّاعليهالسلام ألف باب، يفتح [الله](٢) كلّ باب ألف باب.
قال: قلت: هذا - والله - العلم.
قال: فنكت(٣) ساعة في الأرض، ثمّ قال: إنّه لعلم وما هو بذاك.
قال: ثمّ قال: يا أبا محمّد إنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة.
قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله، و(٤) إملائه من ملء(٥) فيه، وخطّ عليّ بيمينه، فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج إليه النّاس حتّى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ فقال لي: أتأذن(٦) لي يا أبا محمّد.
قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت.
قال: فغمزني بيده، قال: حتّى أرش هذا - كأنّه مغضب -
قال: قلت: هذا - والله - العلم.
قال: إنّه لعلم وليس(٧) بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: إنّ(٨) عندنا الجفر.
وما يدريهم ما الجفر.
[قال :](٩) قلت: وما الجفر؟
قال: وعاء من أدم، فيه علم النّبيّين والوصيّين وعلم العلماء(١٠) الّذين مضوا من بني
__________________
(١) يوجد في الكافي.
(٢) يوجد في شرح الآيات. وفي الكافي: «من» بدل «الله».
(٣) أو شرح الآيات: فسكت.
(٤) النسخ: من.
(٥) الكافي: فلق.
(٦) الكافي: تأذن.
(٧) هكذا في أو الكافي. وفي الأصل ور: فليس.
(٨) ليس في الأصل ور.
(٩) يوجد في الكافي.
(١٠) النسخ: علماء
إسرائيل.
قال: قلت: إنّ هذا هو العلم.
قال: إنّه لعلم(١) وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة - عليها السّلام - وما يدريهم ما مصحف فاطمة.
قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟
قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا - ثلاث مرّات - والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
قال: قلت: هذا - والله - هو العلم.
قال: إنّه العلم(٢) وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: وإنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم السّاعة.
قال: قلت: جعلت فداك هذا - والله - هو العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
قال: قلت: جعلت فداك فأيّ شيء العلم؟
قال: ما يحدث باللّيل والنّهار، والأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة.
وممّا ورد في غزارة علمهم - صلوات الله عليهم -
ما رواه أيضا - رحمه الله - قال(٣) : روى عدّة من أصحابنا [عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن مغيرة وعدّة من أصحابنا](٤) منهم: عبد الأعلى [وأبو عبيدة](٥) وعبد الله بن بشير الخثعميّ(٦) ، أنّهم سمعوا أبا عبد اللهعليهالسلام يقول: إنّي لأعلم ما في السّموات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنّة، وأعلم ما في النّار، وأعلم ما كان وما يكون، ثمّ سكت هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه. فقال: علمت ذلك من كتاب الله - عزّ وجلّ - [إنّه - عزّ وجلّ - ](٧) يقول: فيه(٨) فيه تبيان كلّ شيء.
__________________
(١ و ٢) النسخ: العلم. وما أثبتناه في المتن موافق «الكافي».
(٣) الكافي ١ / ٢٦١، ح ٢.
(٤) ما بين المعقوفتين ليس في ر.
(٥) يوجد في الكافي.
(٦) الكافي: «عبد الله بن بشر الخثعمي». والظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ١٧٠. وما أثبتناه في المتن موافق الأصل.
(٧) يوجد في المصدر.
(٨) النحل / ٨٩. وفيها:( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) . وهنا إمّا نقل بالمعنى، او كان في قراءتهم - عليهم السّلام - كما تذكّر بهذين في هامش المصدر.
وممّا ورد في غزارة علمهم - صلوات الله عليهم -
ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى،(١) عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الله بن حمّاد، عن سيف التّمّار قال: كنّا مع أبي عبد اللهعليهالسلام و(٢) جماعة من الشّيعة في الحجر، فقال: علينا عين، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا.
فقلنا ليس علينا عين.
فقال: وربّ الكعبة وربّ البيّنة - ثلاث مرّات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأنّ موسى والخضر - عليهما السّلام - أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم السّاعة، وقد ورثناه من رسول اللهصلىاللهعليهوآله وراثة.
ويؤيّد هذا ويطابقه، ما رواه أصحابنا من رواة الحديث، من كتاب الأربعين، رواية أسعد الأربلىّ(٣) ، عن عمّار بن خالد، عن إسحاق الأزرق(٤) ، عن عبد الملك بن
__________________
(١) الكافي ١ / ٢٦٠ - ٢٦١، ح ١.
(٢) «واو» ليس في الكافي.
(٣) هو أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الأربلي وله كتاب الأربعين في الفضائل والمناقب يرويها عن مشايخه من العامّة في مجلس واحد سنة ٦١٠، ألّفه في بغداد. توجد من الأربعين هذا نسخ في المكتبة المركزية لجامعة طهران، رقم ١ / ٢١٣٠، ٢ / ٢١٤٠. وأمّا ما ذكره في فهرس هذه المكتبة أنّه يوجد من الأربعين هذا في مجموعة رقم ٣ / ٢١١٧ وهم. بل هو أربعين حافظ أبو نعيم الاصبهاني الّذي نقله ابو الحسن على بن عيسى الاربلي في كتابه كشف الغمة في معرفة الائمة، عند ذكر صاحب الأمر - صلوات الله عليه - فراجع.
والحديث الذي نقل في المتن، الحديث الثاني من هذا الأربعين. وأورده العلامة المجلسي - رحمه الله - في البحار ١٣ / ٣١٢ - ٣١٣، ح ٥٢، نقلا عن رياض الجنان بعين السند المذكور في «الأربعين». ولكن بين البحار ونسخ الأربعين وتفسير تأويل الآيات (مصدر المتن) إختلاف كثير في الألفاظ والعبارات. وقال - رحمه الله - في نفس المصدر والموضع، بعد نقل الحديث: «كنز: ذكر بعض أصحابنا من رواة الحديث في كتاب الأربعين رواية أسعد الاربليّ عن عمّار بن خالد مثله.» و «كنز» المذكور في البحار رمز لكنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة معا (على ما قيل في «رموز الكتاب».) وأيضا أورده العلامة - رحمه الله - في نفس المصدر ٤٠ / ١٨٦، ح ٧١، نقلا عن البرسيّ في مشارق الأنوار، بسند آخر مع تفاوت في المتن.
وفي تصحيح الرواية اختصرنا بالنسخ التفسير، إلّا في موارد ما.
(٤) الأصل: الأورق. أ: الأورق. وما أثبتناه في المتن موافق ر، المصدر، الأربعين والبحار (١٣ / ٣١٢)