تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٣

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 603
وفي كتاب الاحتجاج(١) : وروي أنّ نافع بن الأزرق جاء إلى محمّد بن عليّ بن الحسين - صلوات الله عليهم - فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام.
فقال له أبو جعفرعليهالسلام في عرض كلامه: قل لهذه المارقة بما استحللتم فراق أمير المؤمنينعليهالسلام وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته(٢) والقربة إلى الله بنصرته؟ فسيقولون(٣) لك: إنّه حكم في دين الله. فقل لهم: قد حكم الله في شريعة نبيّهصلىاللهعليهوآله بين رجلين من خلقه، فقال - جلّ اسمه - :( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما ) .
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) : صنما أو غيره، أو شيئا من الإشراك جليّا أو خفيّا.
( وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) .
وأحسنوا بهما إحسانا.
وفي تفسير العياشيّ(٤) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: إنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله أحد الأبوين وعلىّ الآخر.
فقلت: أين موضع ذلك في(٥) كتاب الله؟
قال: اقرأ( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) .
عن أبي بصير(٦) ، عن أبي جعفرعليهالسلام في قوله:( وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) قال: قال: إنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله أحد الوالدين(٧) وعليّ الآخر. وذكر أنّها الآية الّتي في سورة النّساء.
[وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ(٨) : قال: حدّثني سعيد بن حسن بن مالك
__________________
(١) الاحتجاج ٢ / ٥٧ - ٥٨.
(٢) المصدر: وفي طاعته.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: فيقولون.
(٤) هكذا في أوهو الصواب وفي سائر النسخ: «تفسير عليّ بن ابراهيم». والحديث في تفسير العياشي ١ / ٢٤١، ح ١٢٨.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: من.
(٦) نفس المصدر والموضع، ح ١٢٩.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الأبوين.
(٨) تفسير فرات / ٢٧ - ٢٨.
معنعنا، عن أبي مريم الأنصاريّ قال: كنّا عند جعفر بن محمّد - عليهما السّلام - فسأله أبان بن تغلب عن قول الله - تعالى - :( اعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) قال: هذه الآية الّتي في النّساء، من الوالدان(١)؟
قال جعفر: رسول اللهصلىاللهعليهوآله وعليّ بن أبي طالب(٢) عليهالسلام (٣) وهما الوالدان.](٤)
( وَبِذِي الْقُرْبى ) : وبصاحب القرابة ،
( وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى ) : الّذي قرب جواره.
وقيل(٥) : الّذي له مع الجوار قرب واتّصال بنسب أو دين.
وقرئ، بالنّصب، على الاختصاص.
( وَالْجارِ الْجُنُبِ ) ، أي: البعيد، أو الّذي لا قرابة له.
في أصول الكافي(٦) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن عمرو بن عكرمة، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : كلّ أربعين دارا جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.
وفيه(٧) : عن أبي جعفرعليهالسلام مثله.
وفي معاني الأخبار(٨) : أبي - رحمه الله - قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن أبي عبد الله(٩) ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: قلت له: جعلت فداك، ما حدّ الجار؟
قال: أربعون دارا(١٠) من كلّ جانب.
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ: الوالدين.
(٢ و ٣) «بن أبي طالب» و «و» ليس في المصدر.
(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩.
(٦) الكافي ٢ / ٦٦٩، ح ١.
(٧) نفس المصدر والموضع، ح ٢.
(٨) معاني الاخبار / ١٦٥، ح ١.
(٩) المصدر: «أحمد بن أبي عبد الله.» وعلى أيّ صورة هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي. ر. تنقيح المقال ١ / ٨٢، رقم ٤٩٦.
(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ذراعا.
والتّوفيق بين هذا الخبر والخبرين الأوّلين، أنّ المراد بالجار في هذا الخبر الجار ذي القربى، وفي الأوّلين الجار الجنب.
وفي من لا يحضره الفقيه(١) : في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين - عليهما السّلام - : وأمّا حقّ جارك، فحفظه غائبا، وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتّبع له عورة، وإن علمت عليه سوء سترته عليه، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه(٢) عند شديدة(٣) ، وتقيل عثرته(٤) ، وتغفر ذنوبه(٥) ، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوّة إلّا بالله.
وعن الصّادقعليهالسلام (٦) : حسن الحوار يزيد في الرّزق.
وقال: حسن الجوار(٧) يعمر الدّيار ويزيد في الأعمار.
وعن الكاظمعليهالسلام (٨) : ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الأذى.
وعن النّبيّصلىاللهعليهوآله : الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: حقّ الجوار وحقّ القرابة وحقّ الإسلام. وجار له حقّان: حقّ الجوار وحقّ الإسلام. وجار له حق واحد، حقّ الجوار، وهو المشرك من أهل الكتاب. ذكر هذا الخبر البيضاويّ، والفاضل الكاشي في تفسيره(٩) .
( وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ) : الرّفيق في أمر حسن، كتعلّم وتصرّف وصناعة وسفر وتزوّج، فإنّه صحبك وحصل بجنبك.
وقيل(١٠) : المرأة.
وفي أصول الكافي(١١) : عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٧٩، ضمن حديث ١٦٢٦.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: لا تلمه.
(٣) المصدر: شدائده.
(٤) المصدر: عثراته.
(٥) المصدر: ذنبه.
(٦) بل في الكافي ٢ / ٦٦٦، ح ٣.
(٧) بل في نفس المصدر ٢ / ٦٦٧، ح ٨.
(٨) أيضا في نفس المصدر والموضع، ح ٩. وفيه: عن عبد صالحعليهالسلام
(٩) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩، تفسير الصافي ١ / ٤١٦.
(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩.
(١١) الكافي ٢ / ٦٧٠، ح ٥.
صدقة، عن أبي عبد اللهعليهالسلام عن آبائه - عليهم السّلام - : أنّ أمير المؤمنينعليهالسلام صاحب رجلا ذمّيّا، فقال له الذّمّي: أين تريد يا عبد الله؟
فقال: أريد الكوفة. فلمّا عدل الطّريق بالذمّيّ عدل معه أمير المؤمنينعليهالسلام
فقال له الذّمّي: ألست زعمت أنّك تريد الكوفة؟
قال له: بلى.
فقال له الذّمّيّ: فقد تركت الطّريق.
فقال له: قد علمت.
قال: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟
فقال له أمير المؤمنين: هذا من تمام حسن الصّحبة أن يشيّع الرّجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيّناصلىاللهعليهوآله
فقال له الذّمّي: هكذا؟
[قال :](١) قال: نعم.
قال الذّمّي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك(٢) أنّي على دينك.
ورجع الذّمّيّ مع أمير المؤمنينعليهالسلام فلمّا عرفه أسلم.
[وفي من لا يحضره الفقيه(٣) : فأمّا حقّ الصّاحب، فأن تصحبه بالمودّة(٤) والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبقك إلى مكرمة، فإن سبق كافأته، وتودّه كما يودّك، وتزجره عمّا يهمّ به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا، ولا قوّة إلّا بالله.
](٥) ( وَابْنِ السَّبِيلِ ) : المسافر، أو الضّيف.
( وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) : العبيد والإماء.
( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً ) : متكبّرا، يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه، ولا يلتفت إليهم.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أشهد.
(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٧٩.
(٤) المصدر: بالتفضّل.
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
( فَخُوراً ) (٣٦): يتفاخر عليهم.
( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) : بدل من قوله: «من كان». أو نصب على الذّمّ. أو رفع عليه، أي: هم الّذين. أو مبتدأ خبره محذوف، أي: الّذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون النّاس بالبخل به أحقّاء بكلّ ملامة.
في كتاب الخصال(١) : عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: ما كان من شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء: لا يكون فيهم من يسأل بكفّه، ولا يكون فيهم بخيل (الحديث).
عن عبد الله بن غالب(٢) ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : خصلتان لا تجتمعان(٣) في مسلم: البخل وسوء الخلق.
عن أحمد بن سليمان(٤) قال: سأل رجل أبا الحسنعليهالسلام - وهو في الطّواف - فقال له: أخبرني عن الجواد.
فقال: إنّ لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق(٥) ، فإنّ الجواد الّذي يؤدّي ما افترض الله تعالى عليه، والبخيل من بخل(٦) بما افترض الله عليه. وإن كنت تعني: الخالق، فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطى عبدا أعطاه(٧) ما ليس له وإن منع منع ما ليس له.
وفي من لا يحضره الفقيه(٨) : وقال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : ليس البخيل من أدّى الزّكاة المفروضة من ماله وأعطى البائنة(٩) في قومه، إنّما البخيل حقّ البخيل من لم يؤدّ الزّكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة(١٠) في قومه وهو يبدر(١١) في ما سوى ذلك.
وروي عن المفضّل بن أبي قرّة السّمندي(١٢) أنّه قال: قال لي أبو عبد الله
__________________
(١) الخصال / ١٣١.
(٢) نفس المصدر / ٧٥، ح ١١٧.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يجتمعان.
(٤) نفس المصدر / ٤٣، ح ٣٦.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: المخلوقين.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يبخل.
(٧) هكذا في رو المصدر. وفي النسخ: أعطى.
(٨) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٤، ح ١٤١.
(٩) في هامش الأصل: «البائنة: العطية. سميّت بها لانّها أبينت من المال (منه سلمه الله تعالى).» وفي المصدر: النائبة.
(١٠) المصدر: النائبة.
(١١) المصدر: يبذر.
(١٢) نفس المصدر والموضع، ح ١٤٢.
ـ عليه السّلام - : أتدري من الشّحيح؟
فقلت: هو البخيل.
فقال: الشّحّ، أشدّ من البخل، إنّ البخيل يبخل بما في يده، والشّحيح يشحّ بما في أيدي النّاس وعلى ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي النّاس شيئا إلّا تمنّى أن يكون له بالحلّ والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله - عزّ وجلّ -
وقال أمير المؤمنينعليهالسلام (١) : إذا لم يكن لله - عزّ وجلّ - في العبد حاجة ابتلاه بالبخل.
وقرأ حمزة والكسائي هاهنا وفي الحديد: «بالبخل» بفتح الحرفين، وهي لغة(٢) .
( وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) : من الغنى والعلم، حيث ينبغي الإظهار.
( وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ) (٣٧): وضع الظّاهر فيه موضع المضمر، إشعارا بأنّ من هذا شأنه فهو كافر لنعمة الله، ومن كان كافرا لنعمة الله فله عذاب يهينه، كما أهان النّعمة بالبخل والإخفاء.
قيل(٣) : الآية نزلت في طائفة من اليهود [كانوا](٤) يقولون للأنصار تنصيحا(٥) : لا تنفقوا أموالكم فإنّا نخشى عليكم الفقر.
وقيل: في الّذين كتموا صفة محمّدصلىاللهعليهوآله
( وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ ) : عطف على( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ) أو الكافرين شاركهم مع البخل في الذّمّ والوعيد، لأنّ البخل والسّرف الّذي هو الإنفاق لا على ما ينبغي، من حيث أنّهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذّمّ.
أو مبتدأ خبره محذوف، يدلّ عليه ما بعده، أي: قرينهم الشّيطان.
( وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) : ليتحرّوا بالإنفاق مراضيه وثوابه.
قيل(٦) : هم مشركوا مكّة.
وقيل: المنافقون.
__________________
(١) نفس المصدر ٢ / ٣٥، ح ١٤٤.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢١٩.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) من المصدر.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: تنصّحا.
(٦) نفس المصدر والموضع.
( وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً ) (٣٨): تنبيه، على أنّ الشّيطان قرينهم فحملهم على ذلك وزيّنه لهم، كقوله:( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ ) والمراد إبليس وأعوانه. ويجوز أن يكون وعيدا لهم، بأن يقرن بهم الشّيطان في النّار.
( وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ ) ، أي: أيّ تبعة تحيق بهم بالإيمان والإنفاق في سبيل الله.
وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه، وتحريض على الفكر لطلب الجواب لعلّه يؤدّي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والفوائد الجميلة، وتنبيه على أنّ المدعوّ إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا تضمّن المنافع.
وإنّما قدّم الإيمان هاهنا وأخّره في الآية السّابقة، لأنّ القصد بذكره إلى التّخصيص هنا والتّعليل ثمّة. أو لأنّ المقصود في السّابق ذمّهم وفي تأخير عدم الإيمان سلوك مسلك التّرقّي، والمقصود هاهنا إزالة الأوصاف الذّميمة، وإزالة الكفر يستحقّ التّقديم، لأنّ إزالة الإنفاق رئاء موقوفة على إزالته، ولأنّ إزالة الأقبح أهمّ.
( وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً ) (٣٩): وعيد لهم.
( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) : لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء، كالذّرّة، وهي النّملة الصّغيرة. ويقال لكلّ جزء من أجزاء الهباء.
والمثقال، مفعال، من الثّقل. وفي ذكره إيماء، إلى أنّه وإن صغر قدره عظم جزاؤه، حيث أثبت للذّرّة ثقلا. وإيماء، إلى أنّ وضع الشيء في غير محلّه وإن كان حقيرا فهو عظيم ثقيل في القبح.
( وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً ) : وإن يك مثقال الذّرة حسنة. وأنّث الضّمير لتأنيث الخبر، أو لإضافة المثقال إلى المؤنّث. وحذف النّون من غير قياس، تشبيها بحروف العلّة.
وقرأ ابن كثير ونافع: «حسنة» بالرّفع، على «كان» التّامّة(١) .
( يُضاعِفْها ) ، أي: ثوابها، أو الحسنة نفسها، بناء على تجسّم الأعمال.
وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب: «يضعفها» وكلاهما بمعنى(٢) .
( وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ ) : ويؤت صاحبها من عنده، على سبيل التّفضّل زيادة على
__________________
(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠.
ما وعد في مقابلة العمل.
( أَجْراً عَظِيماً ) (٤٠): عطاء جزيلا. وإنّما سمّاه أجرا، لأنّه تابع للأجر مزيد عليه.
( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) : فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كلّ أمّة شهيد، يعني: نبيّهم ليشهد على فساد عقائدهم وقبح أعمالهم.
والفاء في «فكيف» الفصيحة، أي: إذا عرضت حال هؤلاء. والظّرف، أعني: «إذا» متعلّق «بكيف»، أي: كيف حال هؤلاء في هذا الوقت(١) .
( وَجِئْنا بِكَ ) : يا محمّد،( عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) (٤١): تشهد على صدق هؤلاء الشّهداء لعلمك بعقائدهم، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم.
وقيل(٢) : هؤلاء إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم.
وقيل: إلى المؤمنين، كقوله تعالى:( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) .
في كتاب التّوحيد(٣) : عن أمير المؤمنينعليهالسلام حديث طويل، وفيه يقولعليهالسلام وقد ذكر أهل المحشر: ثمّ يجتمعون في مواطن أخر(٤) فيستنطقون فيفرّ بعضهم من بعض، (فذلك) قوله - عزّ وجلّ(٥) -( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) فيستنطقون فلا يتكلّمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا، فيقوم الرّسل - عليهم السّلام - فيشهدون في هذه المواطن(٦) ، فذلك قوله:( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) .
وفي كتاب الاحتجاج(٧) للطبّرسيّ - رحمه الله - عن أمير المؤمنينعليهالسلام في حديث، يذكر فيه أحوال أهل الموقف، وفيه: فيقام الرّسل فيسألون(٨) عن تأدية
__________________
(١) في الهامش الأصل: «ردّ على البيضاوي حيث جعله متعلّقا بمضمون المبتدأ أو الخبر من هول الأمر وتعظيم الشأن. [أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠] (منه سلّمه الله تعالى.)
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠.
(٣) التوحيد / ٢٦١.
(٤) المصدر: موطن اخر.
(٥) عبس / ٣٤.
(٦) المصدر: هذا المؤطن.
(٧) الاحتجاج ١ / ٣٦٠ - ٣٦١.
(٨) المصدر: فيسئلون.
الرّسالات(١) الّتي حملوها إلى أممهم، فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم، وتسأل الأمم فيجحدونه(٢) كما قال الله(٣) :( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) فيقولون:( ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ) فيستشهد(٤) الرّسل رسول اللهصلىاللهعليهوآله فيشهد بصدق الرّسل ويكذّب(٥) من جحدها من الأمم فيقول لكلّ أمّة منهم: بلى( فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أي: مقتدر(٦) على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرّسل إليكم رسالاتهم، ولذلك(٧) قال الله - تعالى - لنبيّه:( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافقي قومه وأمّته [وكفّارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهوده(٨) وتغييرهم سنّته واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم](٩) وارتدادهم على أدبارهم واحتذائهم في ذلك سنّة من تقدّمهم من الأمم الظّالمة الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم:( رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ ) (١٠)
وفي أصول الكافي(١١) : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القنديّ، عن سماعة قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام في هذه الآية(١٢) ، قال: نزلت في أمّة محمّدصلىاللهعليهوآله خاصّة، في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم، ومحمّدصلىاللهعليهوآله شاهد علينا.
[وفي شرح الآيات الباهرات: مثله سواء](١٣)
أقول: نزول هذه الآية في هذه الأمّه لا ينافي عموم حكمها، فلا تنافي بين الأخبار.
__________________
(١) المصدر: الرسالة.
(٢) المصدر: «وتسأل الأمم فتجحد» بدل «فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم وتسأل الأمم فيجحدونه».
(٣) الأعراف / ٦.
(٤) المصدر: فتشهد.
(٥) المصدر: تكذيب.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يقتدر.
(٧) المصدر: «كذلك» بدل «ولذلك».
(٨) المصدر: عهده.
(٩) ليس في أ.
(١٠) المصدر: «ظالمين» والآية في سورة المؤمنون / ١٠٦.
(١١) الكافي ١ / ١٩٠، ح ١.
(١٢) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».
(١٣) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط / ٤٦. والعبارة ليست في أ.
وفي مجمع البيان(١) : وروي: أنّ عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية [على النّبيّصلىاللهعليهوآله ](٢) ففاضت عيناه.
( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ) : بيان لحالهم حينئذ، أي: يودّ الّذين كفروا بمعصية الرّسول في ذلك الوقت، أي: تسوّى بهم الأرض كالموتى، أو لم يبعثوا، أو لم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء.
( وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) (٤٢): عطف [على يودّ، أي: يومئذ لا يقدرون على كتمان حديث من الله، لأنّ جوارحهم تشهد عليهم.
وقيل(٣) : الواو للحال، أي: يودّون أن تسوّى بهم الأرض، وحالهم أنّهم لا يكتمون من الله حديثا ولا يكذبونه بقولهم: والله ربّنا ما كنّا مشركين. يشتدّ عليهم الأمر من شهادة جوارحهم فيتمنّون أن تسوّى بهم الأرض.
وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد - عليهما السّلام - عن جدّه،(٥) عن أمير المؤمنين - عليهم السّلام - في خطبة يصف بها(٦) هول يوم القيامة: ختم على الأفواه فلا تكلّم، وتكلّمت(٧) الأيدي، وشهدت الأرجل، ونطقت الجلود بما عملوا، فلا يكتمون الله حديثا.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٨) : قال: يتمنّى الّذين غصبوا أمير المؤمنينعليهالسلام أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الّذي اجتمعوا فيه على غصبه، وأن لم يكتموا(٩) ما قاله رسول اللهصلىاللهعليهوآله فيه.
وقرأ نافع وابن عامر: «تسوّى» على أنّ أصله «تستوي» فأدغم التّاء في السّين.
وحمزة والكسائي: «تسوّى» على حذف التّاء الثّانية، يقال: سوّيته فتسوّى(١٠) .
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) ، أي: لا تقوموا إليها وأنتم سكارى - من نحو نوم وكسل وغير ذلك - حتّى تعلموا وتفهموا
__________________
(١) مجمع البيان ٢ / ٤٩.
(٢) من المصدر.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠.
(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٤٢، ح ١٣٣.
(٥) المصدر: «قال: قال» بدل «عن».
(٦) ليس في المصدر.
(٧) المصدر: فتكلّمت.
(٨) تفسير القمي ١ / ١٣٩.
(٩) هكذا في المصدر. وفي النسخ: لا يكتموا.
(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠ - ٢٢١.
ما تقولون في صلاتكم.
قال البيضاويّ(١) : روي أنّ عبد الرّحمن بن عوف صنع مأدبة ودعى نفرا من الصّحابة حين كانت الخمر مباحة، فأكلوا وشربوا حتّى ثملوا، وجاء وقت صلاة المغرب، فتقدّم أحدهم ليصلّي بهم، فقرأ: أعبد ما تعبدون. فنزلت.
قال(٢) : وقيل: أراد بالصّلاة مواضعها، وهي المساجد، وليس المراد منه نهي السّكران عن قربان الصّلاة، وإنّما المراد منه النّهي عن الإفراط في الشّرب والسّكر، من «السّكر» وهو السّدّ.
ما قاله مبنيّ على أنّ الخمر كان حلالا في أوّل الإسلام، وقد قدّمنا ما يدلّ على خلافه، بل المراد منه النّهي عن قربان الصّلاة في حالة سكر النّوم والكسل وغيره.
وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن الحلبيّ قال: سألته عن هذه الآية؟
قال: لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى، يعني: سكر النّوم، يقول: بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، وليس كما يصف كثير من النّاس يزعمون أنّ المؤمنين يسكرون من الشّراب، والمؤمن لا يشرب مسكر ولا يسكر.
وفي كتاب علل الشّرائع(٤) : حدّثنا محمّد بن عليّ بن ماجلويه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفرعليهالسلام وذكر حديثا طويلا، وفيه يقولعليهالسلام : لا تقم إلى الصّلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنّها من خلال النّفاق، وقد نهى الله - عزّ وجلّ - المؤمنين أن يقوموا إلى الصّلاة وهم سكارى، يعني من النّوم.
وفي الكافي: مثله(٥) .
وفيه(٦) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي أسامة زيد الشّحّام قال: قلت لأبي عبد اللهعليهالسلام : قول الله - عزّ وجلّ - :( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) .
قال: سكر النّوم.
__________________
(١ و ٢) نفس المصدر ١ / ٢٢١.
(٣) تفسير العياشي ١ / ٢٤٢، ح ١٣٧.
(٤) علل الشرائع / ٣٥٨، ضمن حديث ١.
(٥) الكافي ٣ / ٢٩٩، ضمن حديث ١.
(٦) الكافي ٣ / ٣٧١، ح ١٥.
وفي من لا يحضره الفقيه(١) : وروى زكريّا النّقّاص عن أبي جعفرعليهالسلام في قول الله - عزّ وجلّ - :( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) .
قال: منه سكر النّوم.
وفي كتاب الخصال(٢) : فيما علّم أمير المؤمنينعليهالسلام أصحابه: السّكر أربع سكرات: سكر الشّراب، وسكر المال، وسكر النّوم، وسكر الملك.
وأمّا ما رواه في مجمع البيان(٣) : عن موسى بن جعفر - عليهما السّلام - : «أنّ المراد به سكر الشّراب» فمحمول على التّقيّة، لأنّه موافق لمذهب العامّة كما نقلنا عنهم.
وقد روي فيه: عن أبي جعفرعليهالسلام : أنّ المراد به سكر النّوم خاصّة.
وقرئ: «سكارى» بالفتح. و «سكرى» على أنّه جمع، كهلكى، أو مفرد، بمعنى: وأنتم قوم سكرى. وسكرى كحبلى، على أنّه صفة الجماعة(٤) .
( وَلا جُنُباً ) :
قيل(٥) : عطف على قوله:( وَأَنْتُمْ سُكارى ) إذ الجملة في موضع النّصب على الحال.
والجنب، الّذي أصابته الجنابة. يستوي فيه المذكّر والمؤنّث والواحد والجمع، لأنّه يجري مجرى المصدر.
( إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ) :
قيل(٦) : متعلّق بقوله( وَلا جُنُباً ) استثناء من أعمّ الأحوال، أي: لا تقربوا الصّلاة جنبا في حال من الأحوال إلّا في حال السّفر، وذلك إذا لم يجد الماء وتيمّم، ويدلّ عليه تعقيبه بذكر التّيمّم. أو صفة لقوله: جنبا، أي: جنبا غير عابري سبيل، وفيه (دلالة) على أنّ التّيمّم لا يرفع الحدث.
وقيل(٧) : المراد «بالصّلاة» مواضع الصّلاة، و «بعابري سبيل» المجتازون فيها.
وقيل(٨) : في الآية الكريمة قد استخدم - سبحانه - بلفظ الصّلاة لمعنيين: أحدهما، إقامة الصّلاة بقرينة قوله:( حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) . والآخر، موضع الصّلاة بقرينة قوله
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٠٣، ح ١٣٨٩.
(٢) الخصال / ٦٣٦.
(٣) مجمع البيان ٢ / ٥١. (٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٢١.
(٥ و ٦ و ٧) نفس المصدر والموضع. (٨) تفسير الصافي ١ / ٤١٩ - ٤٢٠.
ـ جلّ شأنه - :( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ) .
وفيه: أنّ الاستخدام إمّا بذكر لفظ وإرادة معنى وبضميره معنى آخر، أو بإرجاع الضّميرين إلى شيء والإرادة من كلّ من ضمير به غير ما أريد بالآخر لا ثالث له، وفي الآية ليس كذلك. والأوجه أن يقال: بحذف «تقربوها» بعد كلمة «لا» معطوفا على الجملة السّابقة والحمل على الاستخدام حتّى لا تلزم مخالفة قاعدة الاستخدام، ويطابق الأخبار الأوّلة الدّالّة على أنّ المراد بالصّلاة معناها، والأخبار الدّالّة على أنّ المراد هنا المساجد.
ففي كتاب علل الشّرائع(١) : أبي - رحمه الله - قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليهالسلام قال: قلنا(٢) له: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟
قال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، إنّ الله - تعالى - يقول:( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) .
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : سئل الصّادقعليهالسلام عن الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟
فقال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، فإنّ الله - تعالى - يقول:( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) ويضعان فيه الشّيء ولا يأخذان منه.
فقلت: فما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟
فقال: لأنّهما يقدران على وضع الشّيء من غير دخول، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتّى يدخلا.
وقد روي في الكافي(٤) : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفرعليهالسلام قال: سألته، كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟
فقال: لأنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه.
__________________
(١) علل الشرائع / ٢٨٨، صدر حديث ١.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: قلت.
(٣) تفسير القمي ١ / ١٣٩.
(٤) الكافي ٣ / ١٠٦ - ١٠٧، ح ١.
ويمكن دفع المنافاة بين الخبرين، بأنّ المراد أنّ الوضع والأخذ إذا كان كلّ منهما مستلزما للدّخول واللّبث ودعت الضّرورة إلى أخذ ما وضعته سابقا جاز الأخذ دون الوضع، وإذا لم يكن الوضع مستلزما للدّخول واللّبث وكان الأخذ غير مستلزم لهما جاز الوضع دونه.
( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) : غاية النّهي عن القربان حال الجنابة.
( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) : مرضا يخاف معه من استعمال الماء، فإنّ الواجد له فاقده معه. أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه. وهذا التّقييد وكذا التّقييد الآتي مفهوم من قوله: «فلم تجدوا» لأنّه متعلّق بالجمل الأربع(١) .
وفي مجمع البيان(٢) :( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) قيل: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا ولم يستطع أن يقوم فيتوضّأ.
فالمرض الّذي يجوز فيه التّيمّم، مرض الجراح والكسر والقروح إذا خاف صاحبها من مسّ الماء، عن ابن عبّاس وابن مسعود والسّدي والضّحّاك ومجاهد وقتادة.
وقيل: هو المرض الّذي لا يستطيع معه تناول الماء ولا يكون هناك من يناوله، عن الحسن وابن زيد، وكان الحسن لا يرخّص للجريح التّيمّم.
والمرويّ عن السّيّدين الباقر والصّادق - عليهما السّلام - جواز التّيمّم في جميع ذلك.
( أَوْ عَلى سَفَرٍ ) : لا تجدونه فيه.
( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) : فأحدث بخروج الخارج من أحد السّبيلين ولم يجد ماء.
__________________
(١) في هامش الأصل: «ردّ على الفاضل الكاشي في ردّه على البيضاوي.» قال البيضاوي في أنوار التنزيل ١ / ٢٢١ بعد ذكر الآية: «مرضا يخاف معه من استعمال الماء. فانّ الواجد له كالفاقد، أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه.» وقال الفيض الكاشاني في الصافي ١ / ٤٢٠، بعد ذكر الآية :
«قيل: يعني مريضا يخاف على نفسه باستعمال الماء أو الوصول إليه.
أقول: لا حاجة إلى هذا التقييد لأنّ قوله تعالى( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) متعلّق بالجمل الأربع وهو يشمل عدم التمكّن من استعماله. لأنّ الممنوع منه كالمفقود. وكذلك تقييد السفر بعدم وجدان الماء. وهما مستفادان من النصوص المعصومية، ايضا.»
(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٢.
وأصل الغائط، المكان المطمئنّ من الأرض.
( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) :
قيل(١) : أي: مسستم بشرتهنّ ببشرتكم.
وقرأ حمزة والكسائيّ هنا وفي المائدة: «لمستم» واستعماله الكناية عن الجماع أقلّ من الملامسة(٢) . والمراد هنا: جامعتم.
ففي الكافي(٣) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: سألته عن قول الله - عزّ وجلّ - أو لامستم.
قال: هو الجماع، ولكنّ الله ستير يحب السّتر فلم يسمّ كما تسمّون.
وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: اللّمس، الجماع.
عن أبي مريم(٥) قال: قلت لأبي جعفرعليهالسلام : ما تقول في الرّجل يتوضّأ ثمّ يدعو بجاريته فتأخذ بيده حتّى ينتهي إلى المسجد، فإنّ من عندنا يزعمون أنّها الملامسة؟
فقال: لا والله، ما بذلك بأس، وربّما فعلته، وما يعني بهذا، أي:( لامَسْتُمُ النِّساءَ ) إلّا المواقعة دون الفرج.
عن الحلبيّ(٦) ، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: سأله قيس بن رمّانه قال: أتوضّأ ثمّ أدعو الجارية فتمسك بيدي فأقوم وأصلّي، أعليّ وضوء؟
فقال: لا.
قال فإنّهم يزعمون أنّه اللّمس.
قال: لا والله، ما اللّمس إلّا الوقاع، يعني: الجماع. ثمّ قال: قد كان أبو جعفرعليهالسلام بعد ما كبر يتوضّأ ثمّ يدعو الجارية فتأخذ(٧) بيده فيقوم ويصلّي.
( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) : بأن تفقدوه، أو لم تتمكّنوا من استعماله كما سبق، والعبارة: فلم يوجد ماء. والعدول لإرادة هذا المعنى.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٢١. وفيه: أو ماسستم.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) الكافي ٥ / ٥٥٥، ح ٥.
(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٤٣، ح ١٤٠.
(٥) نفس المصدر والموضع، ح ١٣٩.
(٦) نفس المصدر والموضع، ح ١٤٢.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: ثم يأخذ.
( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) : فتعمّدوا ترابا طاهرا، فامسحوا ببعض الوجوه والأيدي.
وفي تفسير العيّاشيّ(١) : عن أبي أيّوب، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: التّيمّم بالصّعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير من ماء، أليس الله يقول:( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) .
قال: قلت: فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟
قال: فقال: قد مضت صلاته.
قال: قلت له: فيصلّي بالتّيمّم صلاة أخرى.
قال: إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التّيمّم.
وفي كتاب معاني الأخبار(٢) : وقد روي عن الصّادق أنّه قال: الصّعيد، الموضع المرتفع. والطّيّب، الموضع الّذي ينحدر منه الماء.
وقيل(٣) : الصّعيد، وجه الأرض، ترابا كان أو غيره فيجوز التّيمّم على الحجر الصّلد. ويدفعه من القرآن قوله في المائدة: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، أي: من بعضه، وجعل «من» لابتداء الغاية تعسّف إذ لا يفهم في مثله إلّا التّبعيض.
ومن الحديث قولهصلىاللهعليهوآله : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا(٤) .
فلو كان مطلق الأرض طهورا لكان ذكر التّراب مخلا، وكان العبارة أن يقول: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا(٥) كما في الرّواية الأخرى.
والآية دلّت على أنّ المسح ببعض الرّأس واليدين لمكان الباء لا لإفادة الباء التّبعيض، حتّى يرد أنّ سيبويه صرّح بخلافه بل لمكانه وكونه حيث لم يحتج إليه، لتعدية الفعل بنفسه إلى المفعول.
( إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً ) (٤٣): فلذلك يسّر الأمر عليكم، ورخّص لكم.
__________________
(١) نفس المصدر ١ / ٢٤٤، ح ١٤٣.
(٢) لم نعثر عليه في معاني الأخبار ولكن نقل في الصافي، ١ / ٤٥٥، عنه.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٢.
(٤) المعتبر ٢ / ١١٦.
(٥) وسائل الشيعة، ج ٢، باب ٧ من أبواب التيمم، ص ٩٦٩ - ٩٧٠، نقلا عن الكافي، الفقيه، المجالس، والخصال.
( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا ) : من رؤية البصر، أي: ألم تنظر إليهم. أو القلب.
وعدّي «بإلى» لتضمين معنى الانتهاء.
( نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) .
قيل(١) : حظّا يسيرا من [علم](٢) التّوراة، لأنّ المراد أحبار اليهود.
( يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ ) : بالهدى، يختارونها على الهدى. أو يستبدلونها بعد تمكّنهم منه. أو حصوله لهم.
قيل: بإنكار نبوّة محمّد.
وقيل(٣) : يأخذون الرّشى ويحرّفون التّوراة.
( وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا ) : أيّها المؤمنون.
( السَّبِيلَ ) (٤٤): سبيل الحقّ.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : في هذه الآية: و( يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ ) ، يعني: ضلّوا في أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - ويريدون أن تضلّوا السّبيل، يعني: أخرجوا النّاس من ولاية أمير المؤمنين وهو الصّراط المستقيم.
( وَاللهُ أَعْلَمُ ) : منكم،( بِأَعْدائِكُمْ ) : وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم فاحذروهم، وكفى بالله وليّا يلي أمركم.
( وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً ) (٤٥): يعينكم، فثقوا عليه واكتفوا به عن غيره.
و «الباء» تزاد في فاعل «كفى» ليؤكّد الاتّصال الإسناديّ بالاتّصال الإضافي.
( مِنَ الَّذِينَ هادُوا ) : بيان «للّذينَ أوتوا نصيبا» أو «لأعدائكم» أو صلة «لنصيرا»: أي: ينصركم من الّذين هادوا ويحفظكم منهم، على الاحتمال الأوّل. وخبر مبتدأ محذوف، بناء عليه أو على ما في تفسير عليّ بن إبراهيم، وصفة ذلك المبتدأ «يحرّفون الكلم عن مواضعه»، أي: من الّذين هادوا قوم.
( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ) ، أي: يميلونه،( عَنْ مَواضِعِهِ ) : الّتي وضعه الله فيها، بإزالته عنها وإثبات غيره فيها، كما حرّفوا في
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٢.
(٢) من المصدر.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) تفسير القمي ١ / ١٣٩ - ١٤٠.
وصف محمّدصلىاللهعليهوآله أسمر ربعة عن موضعه في التّوراة ووضعوا مكانه: آدم طوال. أو يأوّلونه على ما يشتهون، فيميلونه عمّا أنزل الله فيه.
( وَيَقُولُونَ سَمِعْنا ) : قولك.
( وَعَصَيْنا ) : أمرك.
( وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ) ، أي: مدعوّا عليك بلا سمعت بصمم أو موت. أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه. أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه. أو اسمع كلاما غير مسمع إيّاك، لأنّ أذنك تنبو عنه فيكون مفعولا به. أو اسمع غير مسمع مكروها، من قولهم: أسمعه فلان، إذا سبّه. وإنّما قالوه نفاقا.
( وَراعِنا ) : انظرنا نكلّمك، أو نفهم كلامك.
( لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ) : فتلا بها وصرفا للكلام إلى ما يشبه السّبّ، حيث وضعوا «راعنا» المشابه لما يتسابون به في موضع «انظرنا» و «غير مسمع» موضع «لا سمعت مكروها». أو فتلا وضمّا لما يظهرون من الدّعاء والتّوقير، إلى ما يضمرون من السّبّ والتّحقير نفاقا.
( وَطَعْناً فِي الدِّينِ ) : استهزاء به وسخرية.
( وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا ) : ولو ثبت قولهم هذا مكان ما قالوا،( لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ ) : أعدل وأسدد. ويجب حذف الفعل بعد «لو» في مثل ذلك لدلالة أنّ عليه ووقوعه موقعه.
( وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ ) : ولكن أبعدهم الله من الهدى بسبب كفرهم.
( فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) (٤٦)، أي: إيمانا قليلا لا يعبأ به، وهو الإيمان ببعض الآيات والرّسل. أو إيمانا ضعيفا لا إخلاص فيه.
ويجوز أن يراد بالقلّة العدم، كقوله: قليل التّشكّي للمهمّ يصيبه.
أو إلّا قليلا منهم قد آمنوا، أو سيؤمنون.
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها ) : الطّمس، المحو. يقال: طمسته طمسا، محوته. والشيء، استأصلت أثره.
قيل(١) : أي: من قبل أن نمحو تخطيط صورها ونجعلها على هيئة أدبارها، يعني :
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٣.
الأقفاء. أو ننكسها إلى ورائها في الدّنيا أو في الآخرة.
وقيل(١) : الطّمس يطلق لمطلق التّغيير، والقلب، والمعنى: من قبل أن نغيّر وجوها فنسلب وجاهتها وإقبالها ونكسوها الصّغار والأدبار ونردّها إلى حيث جاءت منه، وهي أذرعات الشّام، يعني: إجلاء بني النّضير. ويقرب منه قول من قال: إنّ المراد بالوجوه الرّؤساء.
وفي مجمع البيان(٢) : في رواية أبي الجارود عن الباقرعليهالسلام : أنّ المعنى: أن نطمسها عن الهدى فنرّدها على أدبارها في ضلالتها بحيث لا يفلح(٣) أبدا.
وفي تفسير العيّاشيّ(٤) : عن جابر الجعفيّ قال: قال لي أبو جعفرعليهالسلام في حديث له طويل: يا جابر، أوّل الأرض المغرب تخرب أرض الشام(٥) . يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات(٦) : راية الأصهب وراية الأبقع وراية السّفيانيّ، فيلقى السّفياني الأبقع [فيقتتلون](٧) فيقتله ومن معه وراية الأصهب، ثمّ لا يكون لهم همّ إلّا الإقبال نحو العراق [ويمّر(٨) جيشه بقرقيسا. فيقتتلون بها. فيقتل بها من الجبارين مائة ألف].(٩) ويبعث السّفيانيّ جيشا إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفا فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا. (فبينا)(١٠) هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل [طيّا](١١) حثيثا ومعهم نفر من أصحاب القائمعليهالسلام يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في صنعاء(١٢) . فيقتله أمير جيش السّفيانيّ بين الحيرة والكوفة. ويبعث السّفيانيّ بعثا إلى
__________________
(١) نفس المصدر والموضع، باختلاف لفظي في أوّله.
(٢) مجمع البيان ٢ / ٥٥.
(٣) المصدر: «ذمّا لها بأنّها لا تفلح» بدل «بحيث لا يفلح».
(٤) تفسير العياشي ١ / ٢٤٤ - ٢٤٥، ح ١٤٧.
(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: أهل الشام.
(٦) المصدر: رايات ثلاث.
(٧) من البرهان ١ / ٣٧٣، نقلا عن المصدر. وهو الصواب. وفي المصدر: فيقتلون
(٨) المصدر: «مرّ».
(٩) من البرهان ١ / ٣٧٣، نقلا عن المصدر. وفي النسخ: «ومن جيش قرقيسا فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين». وفي المصدر: «ومر جيش قرقيسا فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين.» وكلا العبارتين مشوّشة.
(١٠) هكذا في المصدر. وفي النسخ: وبينا.
(١١) من المصدر.
(١٢) المصدر: ضعفاء.
المدينة فيفرّ المهديّعليهالسلام منها إلى مكّة. فيبلغ أمير جيش السّفياني أنّ المهديّ قد خرج من المدينة. فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة خائفا يترقّب على سنّة موسى بن عمران.
[قال :](١) وينزل جيش أمير السّفيانيّ البيداء. فينادي مناد من السّماء: «يا بيداء بيدي(٢) بالقوم.» فيخسف بهم البيداء، فلا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر يحوّل الله وجوههم في أقفيتهم. وهم من كلب. وفيهم أنزلت [هذه الآية](٣) «( يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما ) أنزل على عبدنا»، يعني: القائمعليهالسلام ( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها ) .
وروى عمرو بن شمر، عن جابر(٤) قال: قال أبو جعفرعليهالسلام : نزلت هذه الآية على محمّد هكذا: «يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت في عليّ مصدّقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو نلعنهم» إلى [قوله](٥) «مفعولا» وأمّا قوله:( مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ) يعني: مصدّقا برسول(٦) اللهصلىاللهعليهوآله
وفي أصول الكافي(٧) : عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخّل، عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: نزل جبرئيل على محمّدصلىاللهعليهوآله بهذه الآية هكذا: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا في عليٍّعليهالسلام نورا مبينا.
( أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ ) : أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب السّبت، أو نلعنهم على لسانك كما لعنّاهم على لسان داود. والضّمير لأصحاب الوجوه، أو للّذين على طريقة الالتفات، أو للوجوه إن أريد بها الوجهاء.
قيل(٨) : وعطفه على الطّمس بالمعنى الأوّل يدلّ على أنّ المراد به ليس مسخ الصّورة في الدّنيا.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) المصدر: أبيدي.
(٣) من المصدر.
(٤) نفس المصدر ١ / ٢٤٥، ح ١٤٨.
(٥) من المصدر.
(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: لرسول.
(٧) الكافي ١ / ٤١٧، ح ٢٧.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٣.
ابن زياد بحبسهما بعد أن شتم المختار ، واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه(١) .وبقيا في السجن إلى أن قتل الحسينعليهالسلام (٢) .
__________________
(١) أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٥ ص ٢١٥.
(٢) المصدر السابق.
الفصل الخامس عشر :
عزم الحسينعليهالسلام على المسير إلى العراق
(ونصائح الأصحاب)
إضافة لما ورد في هذا الفصل ، تراجع في الفصول السابقة من هذا الباب (النصائح) المتعددة الموجهة للحسينعليهالسلام ، وردّ الإمام على هذه النصائح ، ففيها لمحات من فلسفة نهضة الحسينعليهالسلام ، وفيها الإجابة على تساؤلات كثيرة حول أسباب نهضته المباركة ومراميها البعيدة.
وقد بدأت النصائح من المدينة ، واستمرت أثناء إقامته في مكة.
٥٨٨ ـ أقسام الناصحين :
يمكن تقسيم الذين نصحوا الحسينعليهالسلام بعدم المسير إلى نوعين :
١ ـ المشفقون : وهم الذين نصحوه من منطلق المحبة والخوف عليه ، ومنهم محمّد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وعمر الأطرف والسيدة أم سلمة ، وعبد الله بن مطيع العدوي والمسوّر بن مخرمة وعمرو بن عبد الرحمن المخزومي وغيرهم.
٢ ـ المندّدون : وهم الذين أنكروا عليه خروجه ، ونصحوه من منطلق أنه مخطئ ولا يجوز له ذلك ، وهم غالبا من غير خطّ أهل البيتعليهمالسلام ، منهم : عبد الله بن عمر وأبو واقد الليثي وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وسعيد بن المسيّب ...وغيرهم.
وأما عبد الله بن الزبير ، فظاهره الإشفاق وباطنه غير ذلك.
٥٨٩ ـ الذين نصحوا الحسينعليهالسلام كان الأولى بهم مناصرته :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٨ طبع حجر إيران)
يقول الفاضل الدربندي : ثم لا يخفى عليك أن علماء أهل الخلاف لو كانوا أخذوا طريق الإنصاف وتركوا الاعتساف ، وتتبعوا الأخبار وتفحصوا السير والآثار ، لعلموا أن ما ظنّ به ابن عمر وابن عباس من أن سيد الشهداءعليهالسلام لو
خرج إلى العراق لقتل فيه ، إنما كان منبعثا من قول رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وإخباره بشهادة ولده وريحانته في أرض العراق ، فإنه يقتله أشرار هذه الأمة ، فلا تنالهم شفاعته ، وأن أنصار ولده والمستشهدين بين يديه يكونون في أعلى درجات الجنان معه. فلو كان النصحاء من الكاملين المؤمنين ، لاختاروا نصرة ولد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وتركوا النصيحة له. لأنه كما نص رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وأخبر بشهادته مرارا متضافرة ، إخبارا منجّزا ، بأنه يخرج إلى العراق ويقتل ، وأنه قد شاء الله تعالى أن يراه مقتولا ، لا معلّقا بأنه لو خرج لقتل ؛ فكذا قد نصّ بأنه إمام مفترض الطاعة ، وحجة الله على جميع أهل السموات والأرضين بعد أبيه وأخيهعليهالسلام .
٥٩٠ ـ شخوص الحسينعليهالسلام إلى المدينة لزيارة قبر جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم :
(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٣٩)
قال أبو مخنف : لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة انقطع خبرهما عن الحسينعليهالسلام فقلق قلقا عظيما. فجمع أهله وأخبرهم بما حدّثته به نفسه. وأمرهم بالرحيل إلى المدينة ، فخرجوا سائرين بين يديه إلى المدينة حتى دخلوها.
٥٩١ ـ زيارة الحسينعليهالسلام لقبر جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم ورؤياه :
(المصدر السابق)
فأتى قبر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم والتزمه وبكى بكاء شديدا ، فهوّمت عيناه بالنوم [أي نام نوما خفيفا] فرأى جده رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول : يا ولدي الوحا الوحا العجل العجل ، فبادر إلينا فنحن مشتاقون إليك. فانتبه الحسينعليهالسلام قلقا مشوقا إلى جدهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
٥٩٢ ـ زيارة الحسينعليهالسلام لأخيه محمّد بن الحنفية :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ١٤١)
وجاء الحسينعليهالسلام إلى أخيه محمّد بن الحنفية وهو عليل ، فحدّثه بما رأى وبكى. فقال له : يا أخي ماذا تريد أن تصنع؟. قال : أريد الرحيل إلى العراق ، فإني على قلق من أجل ابن عمي مسلم بن عقيل. فقال له محمّد بن الحنفية : سألتك بحق جدك محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا تفارق حرم جدك رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فإن لك فيه أعوانا كثيرة. فقال الحسينعليهالسلام : لا بدّ من العراق. فقال محمّد بن الحنفية : إني والله ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض
الشديد ، فوالله يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح. فوالله لا فرحت بعدك أبدا. ثم بكى بكاء شديدا حتّى غشي عليه. فلما أفاق من غشيته قال :يا أخي أستودعك الله من شهيد مظلوم.
وودعه الحسينعليهالسلام ورجع إلى مكة.
٥٩٣ ـ عبد الله بن عمر يشير على الحسينعليهالسلام بالخضوع ، والحسين يبيّن هوان الدنيا ، وأن الله سينتقم من قتلته كما انتقم من بني إسرائيل :
(المنتخب للطريحي ، ص ٣٨٩)
روى بعض الثقات أن عبد الله بن عمر لما بلغه أن الحسينعليهالسلام متوجه إلى العراق ، جاء إليه وأشار عليه بالطاعة والانقياد لابن زياد ، وحذّره من مشاقّة أهل العناد.
فقال له الحسينعليهالسلام : يا عبد الله ، إنّ من هوان هذه الدنيا على الله ، أن رأس يحيى بن زكرياعليهالسلام أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، فامتلأ به سرورا ، ولم يعجّل الله عليهم بالانتقام ، وعاشوا في الدنيا مغتبطين. ألم تعلم يا عبد الله أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يفعلوا شيئا ، ولم يعجّل الله عليهم بانتقام ، بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
ثم قال : يا عبد الله ، اتّق الله ولا تدعنّ نصرتي ، ولا تركنن إلى الدنيا ، لأنها دار لا يدوم فيها نعيم ، ولا يبقى أحد من شرّها سليم. متواترة محنها ، متكاثرة فتنها.أعظم الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأئمة الأمناء ، ثم المؤمنون ، ثم الأمثل بالأمثل.
٥٩٤ ـ خطبة الحسينعليهالسلام قبيل خروجه من مكة إلى العراق :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٩٣)
ولما عزم الحسينعليهالسلام على الخروج إلى العراق ، قام خطيبا فقال :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلّى الله على رسوله.
خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف!. وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس(١) وكربلا ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا(٢) . لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس(٣) ، تقرّبهم عينه ، وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى.
٥٩٥ ـ نصيحة عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي للحسينعليهالسلام بالعدول عن المسير إلى العراق :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٥)
دخل عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي على الحسينعليهالسلام وقد عزم على المسير إلى العراق ، فقال : يابن رسول الله أتيتك لحاجة أريد أن أذكرها لك ، وأنا غير غاشّ لك فيها ، فهل لك أن تسمعها؟. فقالعليهالسلام : قل ما أحببت ، فقال : أنشدك الله يابن عم ألا تخرج إلى العراق ، فإنهم من قد عرفت ، وهم أصحاب أبيك ، وولاتهم عندهم ، وهم يجبون البلاد ، والناس عبيد المال ، ولا آمن أن يقاتلك من كتب إليك يستقدمك. فقال الحسينعليهالسلام : سأنظر فيما قلت ، وقد علمت أنك أشرت بنصح ، ومهما يقض الله من أمر فهو كائن البتة ، أخذت برأيك أم تركت.
__________________
(١) النواويس : أرض تقع شمال غربي كربلاء. والنواويس جمع ناووس : وهو من القبر ما سدّ لحده. وكانت بها مجموعة مقابر للنصارى والأنباط ، واليوم يقال لها أراضي الجمالية.وقيل : إنها في المكان الّذي فيه مزار الحر بن يزيد الرياحي. وعسلان الفلوات : ذئابها.والأوصال : الأعضاء.
(٢) الأكراش : جمع كرش. وجوفا : أي واسعة. والأجربة : الأوعية. والسّغب : الجائعة.وهذا الكلام كناية عن قتلهعليهالسلام ونبذه بالعراء وتركه عرضة لما ذكر. والمعنى هنا مجازي ، إذ أن جسم المعصوم لا تقربه الوحوش ولا تمسّه بسوء. والمعنى أنهعليهالسلام ستقتله عصابة وتسلبه ، وتوزّع أهله وتسبي نساءه وأولاده ، عصابة هي أشبه ما تكون بذئاب الفلوات الجائعة ، تقطّع أوصال القتيل وتبعثر أعضاءه. وكنّىعليهالسلام عن أهله وأولاده بالأوصال ، لأن صلتها به تنقطع بوفاته.
(٣) حظيرة القدس : الجنة.
فانصرف عنه عمر بن عبد الرحمن وهو يقول :
ربّ مستنصح سيعصى ويؤذى |
ونصيح بالغيب يلفى نصيحا |
وفي رواية (مثير الأحزان) لابن نما الحلي ، ص ٢٧ :
كم ترى ناصحا يقول فيعصى |
وظنين المغيب يلفى نصيحا |
٥٩٦ ـ نصيحة المسوّر بن مخرمة :(تاريخ ابن عساكر ، ص ٢٠٢)
وكتب إليه المسوّر بن مخرمة : إياك أن تغترّ بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير : الحق بهم فإنهم ناصروك. إياك أن تبرح الحرم ، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة ، فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك ، فتخرج في قوة وعدّة.
فجزاه الحسينعليهالسلام خيرا ، وقال : أستخير الله في ذلك.
٥٩٧ ـ كتاب عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية :
(تاريخ ابن عساكر ، بعد الحديث ٦٥٣ ، ص ١٩٨)
كتبت إلى الحسينعليهالسلام عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه : أشهد لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «يقتل حسين بأرض بابل».
فلما قرأعليهالسلام كتابها ، قال : فلا بدّ لي إذا من مصرعي ، ومضى.
٥٩٨ ـ عبد الله بن الزبير يحمّس الحسينعليهالسلام على الخروج إلى العراق ليصفو له الجو :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)
قال الخوارزمي : ثم أقبل عبد الله بن الزبير فسلّم على الحسينعليهالسلام وجلس ساعة. ثم قال : أما والله يابن رسول الله ، لو كان لي بالعراق مثل شيعتك لما أقمت بمكة يوما واحدا ، ولو أنك أقمت بالحجاز ما خالفك أحد ، فعلى ماذا نعطي هؤلاء الدنيّة ونطمعهم في حقنا ، ونحن أبناء المهاجرين ، وهم أبناء المنافقين؟!.
قال : وكان هذا الكلام مكرا من ابن الزبير ، لأنه لا يحب أن يكون بالحجاز أحد يناويه. فسكت الحسينعليهالسلام وعلم ما يريد.
٥٩٩ ـ كتاب عبد الله بن جعفر الطيار للحسينعليهالسلام من المدينة يطلب منه عدم التعجل بالمسير إلى العراق :
(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٧)
وبعث عبد الله بن جعفر كتابا مع ابنيه محمّد وعون من المدينة هذا نصه :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . للحسين بن علي ، من عبد الله بن جعفر. أما بعد فإني أنشدك الله ألا تخرج من مكة ، فإني خائف عليك من هذا الأمر الّذي قد أزمعت عليه ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، فإنك إن قتلت خفت أن يطفأ نور الله ، فأنت علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين. فلا تعجل بالمسير إلى العراق(١) فإني آخذ لك الأمان من يزيد ، ومن جميع بني أمية لنفسك ولمالك وأولادك وأهلك ، والسلام.
فكتب إليه الحسينعليهالسلام : أما بعد ، فإن كتابك ورد عليّ ، فقرأته وفهمت ما فيه. اعلم أني رأيت جدي رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في منامي ، فأخبرني بأمر
أنا ماض له ، كان لي الأمر أو عليّ ، فو الله يابن عم لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتّى يقتلوني. وو الله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في يوم السبت ، والسلام(٢) .
٦٠٠ ـ كتاب عمرو بن سعيد بن العاص(٣) من المدينة للحسينعليهالسلام يعيذه فيه من الشقاق ويدعوه إلى المدينة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٨)
وكتب عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز إلى الحسينعليهالسلام من المدينة :أما بعد ، فقد بلغني أنك قد عزمت على الخروج إلى العراق ، ولقد علمت ما نزل بابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ، وأنا أعيذك بالله تعالى من الشقاق ، فإني خائف عليك منه ، ولقد بعثت إليك بأخي (يحيى بن سعيد) فأقبل إليّ معه ، فلك عندنا الأمان والصلة ، والبر والاحسان ، وحسن الجوار ، والله بذلك عليّ شهيد ووكيل وراع وكفيل ، والسلام.
فكتب الحسينعليهالسلام : أما بعد فإنه لم يشاقّ من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. وقد دعوتني إلى البر والإحسان ، وخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا. ونحن نسأله لك ولنا في هذه الدنيا
__________________
(١) مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٦.
(٢) المناقب لابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٤٥ طبع نجف.
(٣) كان عمرو بن سعيد بن العاص والي مكة ، والوليد بن عتبة والي المدينة ، فلما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص إضافة لمكة ، فقدمها في شهر رمضان من سنة ٦٠ ه.
عملا يرضى لنا يوم القيامة. فإن كنت بكتابك هذا إليّ أردت برّي وصلتي ، فجزيت بذلك خيرا في الدنيا والآخرة ، والسلام.
٦٠١ ـ كتاب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس بمكة :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٨ ط ٢ نجف)
قال الواقدي : ولما نزل الحسينعليهالسلام مكة ، كتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس :
أما بعد ، فإن ابن عمك حسينا ، وعدوّ الله ابن الزبير ، التويا ببيعتي ولحقا بمكة ، مرصدين للفتنة ، معرّضين أنفسهما للهلكة.
فأما ابن الزبير ، فإنه صريع الفنا ، وقتيل السيف غدا.
وأما الحسين ، فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه. وقد بلغني أن رجالا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ، ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة. وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام. وقد قطع ذلك الحسين وبتّه ، وأنت زعيم أهل بيتك وسيد أهل بلادك. فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ، وردّ هذه الأمة عن الفتنة ، فإن قبل منك وأناب إليك ، فله عندي الأمان والكرامة الواسعة ، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه ، وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أراك الله ، أنفّذ ضمانك وأقوم له بذلك ، وله عليّ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة ، بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كل الأمور عليه.
عجّل بجواب كتابي ، وبكل حاجة لك إليّ وقبلي ، والسلام.
قال هشام بن محمّد : وكتب يزيد في أسفل الكتاب :
يا أيها الراكب العادي مطيّته |
على عذافرة(١) في سيرها قحم |
|
أبلغ قريشا على نأي المزار بها |
بيني وبين الحسين : الله والرّحم |
|
وموقف بفناء البيت أنشده |
عهد الإله غدا يوفى به الذّمم |
|
عنّيتم قومكم فخرا بأمّكم |
أمّ لعمري حصان عفّة كرم |
|
هي التي لا يداني فضلها أحد |
بنت الرسول وخير الناس قد علموا |
|
وفضلها لكم فضل ، وغيركم |
من قومكم لهم في فضلها قسم |
__________________
(١) العذافرة : الناقة الشديدة ، الوثيقة الظهر.
إني لأعلم أو ظنّا كعالمه |
والظنّ يصدق أحيانا فينتظم |
|
أن سوف يترككم ما تدّعون بها |
قتلى تهاداكم العقبان والرّخم |
|
يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت |
وأمسكوا بحبال السلم واعتصموا |
|
قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم |
من القرون وقد بادت بها الأمم |
|
فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا |
فربّ ذي بذخ زلّت به القدم |
قال الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٢١٩ :
وأتى كتاب من يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد يأمره فيه أن يقرأه على الموسم ، وفيه القصيدة السابقة.
ثم قال : وأتى مثله إلى أهل المدينة ؛ من قريش وغيرهم.
قال : فوجّه أهل المدينة بهذه الأبيات إلى الحسين ولم يعلموه أنها من يزيد.فلما نظرها الحسين علم أنها منه ، وكتب إليهم في الجواب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (٤١) [يونس : ٤١].
٦٠٢ ـ جواب ابن عباس ليزيد على كتابه ، ونصيحته له :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٤٩ ط ٢ نجف)
فكتب ابن عباس ليزيد :
أما بعد ، فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة.
فأما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه وهواه ، يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرّها في صدره ، يوري علينا وري الزّناد ، لا فكّ الله أسيرها ، فارأ في أمره ما أنت راء.
وأما الحسين فإنه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه ، سألته عن مقدمه ، فأخبرني أن عمّالك بالمدينة أساؤوا إليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش ، فأقبل إلى حرم الله مستجيرا به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ به النائرة [أي الحرب] ، ويخمد به الفتنة ، ويحقن به دماء الأمة.
فاتقّ الله في السرّ والعلانية ، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ، ولا تحفر له مهواة. فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه ، وكم من مؤمّل أملا لم يؤت أمله. وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام
والقيام ، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كل ما اشتغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكل ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى ، والسلام.
فلما قرأ يزيد كتاب ابن عباس أخذته العزة بالإثم ، وهمّ بقتل ابن عباس ، فشغله عنه أمر ابن الزبير ، ثم أخذه الله ـ بعد ذلك بيسير ـ أخذا عزيزا.
٦٠٣ ـ نصيحة عبد الله بن عباس للحسينعليهالسلام وفيها يتخوّف عليه من أهل الكوفة ويدعوه للبقاء في مكة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٦)
وقدم ابن عباس في تلك الأيام إلى مكة ، وقد بلغه أن الحسين عزم على المسير ، فأتى إليه ودخل عليه مسلّما. ثم قال له : جعلت فداك ، إنه قد شاع الخبر بين الناس وأرجفوا بأنك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت عليه. فقال : نعم قد أزمعت على ذلك في أيامي هذه إنشاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال ابن عباس : أعيذك بالله من ذلك ، فإنك إن سرت إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم واتقوا عدوهم ، ففي مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد ، وإن سرت إلى قوم دعوك إليهم وأميرهم قاهر لهم ، وعمّالهم يجبون بلادهم ، فإنما دعوك إلى الحرب والقتال. وأنت تعلم أنه بلد قد قتل فيه.
أبوك ، واغتيل فيه أخوك ، وقتل فيه ابن عمك(١) وقد بايعه الناس ، وعبيد الله في البلد يفرض ويعطي ، والناس اليوم عبيد الدينار والدرهم ، فلا آمن عليك أن تقتل.فاتّق الله والزم هذا الحرم ، فإن كنت على حال لا بدّ أن تشخص ، فصر إلى اليمن ، فإن بها حصونا لك ، وشيعة لأبيك ، فتكون منقطعا عن الناس. فقال الحسينعليهالسلام : لا بدّ من العراق!. قال : فإن عصيتني فلا تخرج أهلك ونساءك ، فيقال إن دم عثمان عندك وعند أبيك ، فو الله ما آمن أن تقتل ونساؤك ينظرن كما قتل عثمان. فقال الحسينعليهالسلام : والله يابن عم لأن أقتل بالعراق أحبّ إليّ من أن أقتل بمكة ، وما قضى الله فهو كائن ، ومع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون.
وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٠ :
__________________
(١) يقصد به مسلم بن عقيل. ويستفاد من هذا الكلام أن الحسينعليهالسلام علم بمقتل مسلم وهو في مكة ، مع أن مسلما استشهد يوم التروية في اليوم الّذي سار فيه الحسينعليهالسلام إلى العراق.وتدل الروايات المؤكدة على أنهعليهالسلام لم يبلغه ذلك إلا وهو في منتصف الطريق في (زرود).
قال هشام بن محمّد : ثم إن حسينعليهالسلام كثرت عليه كتب أهل الكوفة وتواترت إليه رسلهم : «إن لم تصل إلينا ، فأنت آثم». فعزم على المسير ، فجاء إليه ابن عباس ونهاه عن ذلك ، وقال له : يابن عم ، إن أهل الكوفة قوم غدر ؛ قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك وطعنوه وسلبوه وأسلموه إلى عدوه ، وفعلوا ما فعلوا.
فقال : هذه كتبهم ورسلهم ، وقد وجب عليّ المسير لقتال أعداء الله.
فبكى ابن عباس ، وقال : وا حسيناه.
وأورد المقرّم في مقتله ، ص ١٩٦ هذا الكلام على النحو التالي :
وقال ابن عباس للحسينعليهالسلام : يابن العم إني أتصبّر وما أصبر ، وأتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم. أقم في هذا البلد ، فإنك سيد أهل الحجاز. وأهل العراق إن كانوا يريدونك كما زعموا فلينفوا عاملهم وعدوهم ، ثم اقدم عليهم. فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإن بها حصونا وشعابا(١) وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الّذي تحب في عافية.
فقال الحسينعليهالسلام : يابن العم إني والله لأعلم أنك ناصح مشفق ، وقد أزمعت على المسير. فقال ابن عباس : إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فإني لخائف أن تقتل وهم ينظرون إليك. فقال الحسينعليهالسلام : والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة(٢) .
(وفي رواية) قال ابن عباس : استشارني الحسينعليهالسلام في الخروج من مكة فقلت : لو لا أن يزري بي وبك لتشبّثت بيدي في رأسك. فقالعليهالسلام : ما أحبّ أن تستحلّ بي (يعني مكة).
وفي (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر ، الجزء الخاص بالحسينعليهالسلام ص
__________________
(١) روى بعض هذا الكلام أبو مخنف في مقتله ، ص ٤١.
(٢) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ ؛ وفي القاموس المحيط وتاج العروس : الفرام دواء تضيّق به المرأة المسلك. وفي لواعج الأشجان للأمين ص ٧٤ : الفرام هو خرقة الحيض.
٢٠٤ ، قال ابن عباس : وكان قوله هذا هو الّذي سلا بنفسي عنه. ثم بكى وقال :أقررت عين ابن الزبير.
ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب ، وابن الزبير على الباب. فلما رآه قال : يابن الزبير قد أتى ما أحببت قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز. ثم قال :
يا لك من قبّرة بمعمر |
خلا لك الجوّ فبيضي واصفري |
|
ونقّري ما شئت أن تنقّري |
(أقول) : وفي أغلب المصادر أن هذه النصائح من ابن عباس كانت في يومين متتاليين.
وبعث الحسينعليهالسلام إلى المدينة ، فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطلب ، وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.
٦٠٤ ـ نصيحة عبد الله بن عمر للحسينعليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)
قال الواقدي : ولما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسينعليهالسلام دخل عليه بنفر ، فلامه ووبخه ونهاه عن المسير ، وقال له : يا أبا عبد الله ، سمعت جدك رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «مالي وللدنيا ، وما للدنيا ومالي». وأنت بضعة منه. وذكر له نحو ما ذكر ابن عباس.
فلما رآه مصرّا على المسير ، قبّله ما بين عينيه وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل.
٦٠٥ ـ نصيحة عبد الله بن الزبير للحسينعليهالسلام وردّها :
(الحسين في طريقه إلى الشهادة ، ص ١١)
(ذكر الطبري عن أبي مخنف) عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين ، قالا : خرجنا حاجّين من الكوفة حتّى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسينعليهالسلام وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب. قال : فتقربنا منهما ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسينعليهالسلام : إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك. فقال الحسينعليهالسلام : إن أبي حدثني أن بها كبشا سيستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون
أنا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر ، فتطاع ولا تعصى. فقال : وما أريد هذا أيضا.
(قالا) : ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا ، فما زالا يتناجيان حتّى سمعنا دعاء الناس متوجهين إلى منى عند الظهر.
(قالا) : فطاف الحسين بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وقصّ شعره ، وحلّ من عمرته. ثم توجه نحو العراق ، وتوجهنا نحو منى(١) .
وفي رواية (مقتل الخوارزمي) ص ٢١٩ : قال عبد الله بن الزبير للحسين بن عليعليهالسلام : أين تذهب؟. إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك!. فقال له الحسين :لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي (يعني مكة).
وفي رواية المقرّم ، ص ١٩٤ : إن الحسينعليهالسلام قال لابن الزبير : إن أبي حدثني أن بمكة كبشا به تستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش ، ولئن أقتل خارجا منها بشبر أحبّ إليّ من أن أقتل فيها(٢) . وايم الله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت.
وعن معمّر ، قال : وسمعت رجلا يحدّث عن الحسين بن عليعليهالسلام قال :سمعته يقول لعبد الله بن الزبير : أتتني بيعة أربعين ألفا يحلفون لي بالطلاق والعتاق ، من أهل الكوفة (وفي رواية : من أهل العراق). فقال له عبد الله بن الزبير : أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟!.
٦٠٦ ـ موقف عبد الله بن الزبير من الحسينعليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥١ ط ٢ نجف)
ولما بلغ ابن الزبير عزمه ، دخل عليه وقال : لو أقمت ههنا بايعناك ، فأنت أحقّ من يزيد وأبيه.
وكان ابن الزبير أسرّ الناس بخروجه من مكة ، وإنما قال له هذا ، لئلا ينسبه إلى شيء آخر.
__________________
(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٧.
(٢) في (تاريخ مكة) للأزرقي ، ج ٢ ص ١٠٥ أنه قال ذلك لابن عباس.
وفي كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٦ :
ولما خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده : إن هذا ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز ، وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي ، فودّ أني خرجت حتّى يخلو له.
٦٠٧ ـ نصيحة أبي محمّد الواقدي :(لواعج الأشجان ، ص ٦٥)
قال أبو محمّد الواقدي وزرارة بن خلج [ذكر ذلك في الله وف ص ٢٦] : لقينا الحسين بن عليعليهماالسلام قبل أن يخرج إلى العراق ، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه. فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا اللهعزوجل ، فقالعليهالسلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر ، لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا أن من هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلا ولدي (علي)عليهالسلام .
٦٠٨ ـ الحسينعليهالسلام يرفض نصرة الملائكة ، حتّى يحرز الشهادة ::
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٦٢)
عن زرارة بن صالح قال : لقينا الحسين بن عليعليهماالسلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث.
إلى أن قال : فأومأ بيده إلى السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه إلا الله. فقالعليهالسلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر نقاتلهم بهؤلاء.
٦٠٩ ـ جبرئيلعليهالسلام يدعو إلى بيعة الله :(المصدر السابق)
ومن رواية ابن عباس قال : رأيت الحسينعليهالسلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكفّ جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله. فقال : إن أصحاب الحسينعليهالسلام لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم قبل شهودهم.
وفي هذا دلالة تامة على علوّ شأن من استشهدوا بين يدي الحسينعليهالسلام ، وأن منزلتهم أعلى من الشهداء الذين سبقوهم. وبيان ذلك أن هذا النحو من الدعوة المتمثلة في نداء جبرئيل ودعوته إلى البيعة ، لم يتحقق في شأن دعوة نبي من
الأنبياء. وهذا يدل على أن المتخلّف عن نصرة الحسينعليهالسلام لا لعذر ، ليس من أهل الإيقان والإيمان.
٦١٠ ـ وصية الحسينعليهالسلام إلى بني هاشم :
(اللهوف ، ص ٣٦)
ذكر الكليني في كتاب (الرسائل) عن حمزة بن حمران عن الصادقعليهالسلام قال :ذكرنا خروج الحسينعليهالسلام وتخلّف ابن الحنفية عنه ، فقال الصادقعليهالسلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا. إن الحسين لما فصل متوجها ، أمر بقرطاس وكتب :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . من الحسين بن علي إلى بني هاشم : أما بعد ، إنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام. وقيل بعثه إلى محمّد بن الحنفية(١) .
يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٢١٥ ، معلقا على قول الإمام الحسينعليهالسلام لبني هاشم : ومن تخلّف لم يبلغ الفتح». أي من تخلّف عن نصرة الحسينعليهالسلام لم يحرز النجاة والفلاح ، الّذي يحرزه من استشهد مع الحسينعليهالسلام .
٦١١ ـ يزيد يأمر والي مكة بقتل الحسينعليهالسلام غيلة ولو في حرم مكة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٦٢ ط نجف)
كان يزيد بن معاوية عزل الوليد بن عتبة عن المدينة ، وولّى عمرو بن سعيد ابن العاص على المدينة ومكة معا ، فأقام عمرو في المدينة. ثم أمره يزيد بالمسير إلى مكة في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاجّ كلهم.
وأوصاه بالقبض على الحسينعليهالسلام سرا ، وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة. وأمره أن يناجز الحسينعليهالسلام القتال إن هو ناجزه. فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف.
ثم إن يزيد دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليهالسلام على أي حال اتفق [نقل ذلك العلامة المجلسي في كتاب البحار].
__________________
(١) كتاب (الحسين في طريقه إلى الشهادة) للسيد علي بن الحسين الهاشمي ، ص ١٢٥.
فلما علم الحسينعليهالسلام بذلك ، عزم على التوجه إلى العراق ، وحلّ من إحرام الحج ، وجعلها عمرة مفردة.
٦١٢ ـ الإمام الحسينعليهالسلام يقصّر حجه إلى عمرة مفردة ، استعدادا للمسير إلى العراق :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٩٣)
لما بلغ الحسينعليهالسلام أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر كثيف ، وأمّره على الحاج وولاه أمر الموسم ، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد(١) وبقتله على أي حال اتفق(٢) ، عزمعليهالسلام على الخروج من مكة قبل إتمام الحج ، وجعلها عمرة مفردة ، وذلك كراهية أن تستباح به حرمة البيت(٣) .
وكان خروجهعليهالسلام من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته ، من أهل الحجاز والبصرة والكوفة ، الذين انضموا إليه أيام إقامته بمكة فكان الناس يخرجون إلى منى للتزود بالماء ، والحسينعليهالسلام يخرج إلى العراق. ولم يكن علمعليهالسلام بمقتل مسلم بن عقيل الّذي استشهد في ذلك اليوم(٤) .
٦١٣ ـ الفرق بين العمرة والحج :
(الكافي للكليني ، ج ٤ ص ٥٣٥)
عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادقعليهالسلام قال : إن المتمتّع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسينعليهالسلام في ذي الحجة ، ثم راح يوم التروية إلى العراق ، والناس يروحون إلى (منى). ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج.
٦١٤ ـ ابن الزبير يودّع الحسينعليهالسلام عند ما أزمع على السفر :
(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ، ج ١٧ ص ١٥٥)
عن الإمام الباقرعليهالسلام قال : إن الحسينعليهالسلام خرج من مكة قبل التروية بيوم ، فشيّعه عبد الله بن الزبير. فقال : يا أبا عبد الله ، قد حضر الحج وتدعه وتأتي
__________________
(١) المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٤ الليلة العاشرة.
(٢) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧١.
(٣) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ١٧٧ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٨٩.
(٤) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٧٢.
العراق؟!. فقالعليهالسلام : يابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكعبة(١) .
٦١٥ ـ نصيحة محمّد بن الحنفية لأخيه الحسينعليهالسلام ، وفيها يخبر الحسين أخاه برؤياه :(المنتخب للطريحي ، ص ٤٣٥ ط ٢)
وعن بعض الناقلين : إن محمّد بن الحنفية لما بلغه الخبر ، أن أخاه الحسينعليهالسلام خارج من مكة يريد العراق ، كان في يده طشت فيه ماء وهو يتوضأ ، فجعل يبكي بكاء شديدا ، حتّى سمع وكف دموعه في الطّشت مثل المطر.
ثم إنه صلّى المغرب ، ثم سار إلى أخيه الحسينعليهالسلام . فلما صار إليه قال له :يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم ومكرهم بأبيك وأخيك من قبلك ، وإني أخشى عليك أن يكون حالك كحال من مضى من قبلك. فإن أطعت رأيي قم بمكة ، وكن أعزّ من في الحرم المشرّف. فقال : يا أخي إني أخشى أن تغتالني أجناد بني أمية في حرم مكة ، فأكون كالذي يستباح دمه في حرم الله. فقال :
يا أخي فصر إلى اليمن ، فإنك أمنع الناس به. فقال الحسينعليهالسلام : والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوامّ الأرض لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني. ثم قال : يا أخي سأنظر فيما قلت.
فلما كان وقت السحر ، عزم الحسينعليهالسلام على الرحيل إلى العراق. فجاءه أخوه محمّد بن الحنفية وأخذ بزمام ناقته التي هو راكبها ، وقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما أشرت به عليك؟. فقال : بلى. قال : فما حداك على الخروج عاجلا؟.فقال : يا أخي إن جدي رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أتاني بعد ما فارقتك وأنا نائم ، فضمّني إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيّ ، وقال : يا حسين قرة عيني ، اخرج إلى العراق ، فإن اللهعزوجل قد شاء أن يراك قتيلا مخضبا بدمائك.
فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وقال له : يا أخي إذا كان الحال هكذا ، فما معنى حملك هذه النسوة وأنت ماض إلى القتل؟. فقال : يا أخي قد قال لي جدي أيضا :إن اللهعزوجل قد شاء أن يراهنّ سبايا مهتكات ، يسقن في أسر الذل ، وهن أيضا لا يفارقنني ما دمت حيا.
__________________
(١) كامل الزيارات ، ج ٦ ص ٧٣ ؛ والبحار ، ج ٤٥ ص ٨٦.
فبكى ابن الحنفية بكاء شديدا ، وجعل يقول : أودعتك الله يا حسين في وداعة الله يا حسين.
٦١٦ ـ ورود عمرو بن سعيد إلى مكة يوم التروية :
(الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، ج ٢ ص ٣)
ثم خرج [والي المدينة] إلى مكة ، فقدمها يوم التروية. فصلى الحسينعليهالسلام ثم خرج.
فقال الناس للحسينعليهالسلام : يا أبا عبد الله ، لو تقدمت فصليت بالناس. فإنه ليهمّ بذلك إذ جاء المؤذن ، فأقام الصلاة. فتقدم عثمان (والأصح : عمرو ابن سعيد) فكبّر ، فقال للحسينعليهالسلام : يا أبا عبد الله ، إذا أبيت أن تتقدم فاخرج. فقال :الصلاة في الجماعة أفضل.
فلما انصرف عمرو بن سعيد بلغه أن الحسينعليهالسلام خرج ، فقال : اركبوا كل بعير بين السماء والأرض فاطلبوه.
قال : فكان الناس يعجبون من قوله هذا. قال : فطلبوه ، فلم يدركوه.
٦١٧ ـ محاولة عبد الله بن جعفر إرجاع الحسينعليهالسلام :
(المصدر السابق)
فأرسل عبد الله بن جعفر ابنيه (عونا ومحمدا) ليردّا الحسينعليهالسلام فأبى أن يرجع. وخرج الحسينعليهالسلام بابني عبد الله بن جعفر معه. ورجع عمرو بن سعيد بن العاص إلى المدينة. فأرسل إلى ابن الزبير فأبى أن يأتيه ، وامتنع برجال معه من قريش وغيرهم.
٦١٨ ـ سؤال الحسينعليهالسلام للشاعر الفرزدق عن حال الناس ، وقد لقيه في الحرم المكي :
(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢١٨ ط نجف)
روي عن الفرزدق الشاعر أنه قال : حججت بأمّي في سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسينعليهالسلام خارجا من مكة مع أسيافه وأتراسه. فقلت : لمن هذا القطار؟. فقيل : للحسينعليهالسلام . فأتيته ، فسلمت عليه
وقلت : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج؟. فقال : لو لم أعجل لأخذت!.
ثم قال لي : من أنت؟. فقلت : رجل من العرب ، فما فتّشني أكثر من ذلك. قال:أخبرني عن الناس خلفك. فقلت : الخبير سألت : «قلوب الناس معك وأسيافهم عليك». ثم حرّك راحلته ومضى (راجع مثير ابن نما ، ص ٢٨).
٦١٩ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص يستنكر مقاتلة الحسينعليهالسلام بالسلاح :
(تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٨)
كان عبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة ، يأمر الناس باتباع الإمام الحسينعليهالسلام .
قال الفرزدق بعد ذكر لقائه السابق بالامامعليهالسلام : ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيئته حسنة. فأتيته ، فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فسألني فأخبرته بلقاء الحسين بن عليعليهماالسلام . فقال لي : ويلك فهلّا اتّبعته؟. فوالله سيملكنّ ، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه.
قال الفرزدق : فهممت والله أن ألحق به ، ووقع في قلبي مقالته ، ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم ، فصدّني ذلك عن اللحاق بهم.
٦٢٠ ـ كتاب من الوليد بن عتبة إلى ابن زياد بعدم الإساءة للحسينعليهالسلام :
(مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري ، ص ٣٣)
قال المجلسي : واتصل خبر توجّه الحسينعليهالسلام إلى العراق بالوليد بن عتبة أمير المدينة ، فكتب إلى ابن زياد : أما بعد ، فإن الحسين قد توجه إلى العراق ، وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم . فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء ، فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصدّه شيء ، ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا.
توضيح : أورد الجواهري هذا الكتاب في مثيره أثناء مسير الحسينعليهالسلام إلى كربلاء. والذي يجب توضيحه أن الوليد بن عتبة لم يكن في ذلك الوقت واليا عليا المدينة ، فقد سبق أن يزيد عزله في منتصف شهر رمضان. فإن صحّت هذه الرواية
فالمقصود بها الوليد بن عتبة الّذي كان أميرا على المدينة. ويظهر في هذا الكتاب موقف الوليد بن عتبة الطيّب من الحسينعليهالسلام ، والذي بدأه حين استدعى الحسينعليهالسلام في المدينة لأخذ البيعة ، فساعده على الرحيل إلى مكة حتّى لا يبتلى بدمه ، وكان موقفه لا يقارن بموقف مروان الغادر ، وكلاهما من بني أمية.