تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٤

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 506

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
تصنيف: الصفحات: 506
المشاهدات: 11960
تحميل: 3983


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 506 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11960 / تحميل: 3983
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يوحنّا الأكبر بأجّ، ويوحنّا بقرقيسا، ويوحنا الدّيلميّ بزجّان(١) . وعنده كان ذكر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وذكر أهل بيته وأمّته. وهو الّذي بشّر أمّة عيسى وبني إسرائيل به.

وفي عيون الأخبار(٢) ، بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه قال: قلت لأبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ: لم سمّي الحواريّون الحواريّين؟

قال: أمّا عند النّاس، فإنّهم سمّوا: حواريّين، لأنّهم كانوا قصّارين يخلّصون الثّياب من الوسخ بالغسل. وهو إسم مشتقّ من الخبز الحوار. وأمّا عندنا، فسمّي الحواريّون: الحواريّين، لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذّنوب بالوعظ والتّذكير.](٣) .

وقيل(٤) : «إذ» ظرف «لقالوا» تنبيها على أنّ ادّعاءهم الإخلاص مع قولهم.

( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ ) : لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة.

[وفي تفسير العيّاشي(٥) عن يحيى الحلبيّ في قوله:( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ) . قال :

قراءتها: «هل تستطيع ربّك»، يعني: هل تستطيع أن تدعو ربّك.](٦) .

وقيل(٧) : هذه الاستطاعة، على ما تقتضيه الحكمة والإرادة. لا على ما تقتضيه القدرة.

وقيل: المعنى: هل يطيع ربّك، أي: هل يجيبك. واستطاع، بمعنى: أطاع.

كاستجاب، وأجاب.

وقرأ الكسائيّ: «تستطيع ربّك» أي: سؤال ربّك. والمعنى: هل تسأله ذلك من غير صارف. و «المائدة» الخوان، إذا كان عليه الطّعام. من ماد [الماء ،](٨) يميد: إذا

__________________

(١) المصدر: بزجار.

(٢) عيون أخبار الرضا ـ عليه السّلام ـ ٢ / ٧٩، ح ١٠.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في روأ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٢٩٨.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٣٥٠، ح ٢٢٢.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٢٩٨.

(٧ و ٨) من المصدر.

٢٦١

تحرّك. أو مادة: إذا أعطاه. وكأنّها تميد من تقدّم إليها. ونظيرها [قولهم :] شجرة مطعمة(١) .

( قالَ اتَّقُوا اللهَ ) : من أمثال هذا السّؤال.

( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (١١٢): بكمال قدرته، وصحّة نبوّتي. أو صدقتم في ادّعائكم الإيمان.

( قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها ) : تمهيد عذر، وبيان لما دعاهم إلى السّؤال. وهو أن يتمتّعوا بالأكل منها.

( وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا ) : بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال بكمال قدرته.

( وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا ) : في ادّعاء النّبوّة. أو أنّ الله يجيب دعوتنا.

( وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (١١٣): إذا استشهدتنا للعين، دون السّامعين للخبر.

( قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) : لـمّا رأى أنّ لهم غرضا صحيحا في ذلك. أو أنّهم لا يقلعون عنه. وأراد إلزامهم الحجّة بكمالها.

( اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً ) :

قيل(٢) : أي: يكون يوم نزولها عيدا نعظّمه. وكان يوم الأحد. ولهذا اتّخذه النّصاري عيدا.

وقيل(٣) : العيد، السّرور العائد. ولذلك سمّي يوم العيد: عيدا.

وقرئ: «تكن» على جواب الأمر(٤) .

( لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا ) : بدل من «لنا» بإعادة العامل، أي: عيدا لمتقدمينا ومتأخّرينا.

وقيل(٥) : يأكل منها أوّلنا وآخرنا.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٩٩.

(٣ و ٤ و ٥) نفس المصدر والموضع.

٢٦٢

وقرئ: «لأولانا وأخرانا» بمعنى: الأمّة. أو الطّائفة(١) .

( وَآيَةً ) : عطف على «عيدا».

( مِنْكَ ) : صفة لها، أي: وآية كائنة منك على كمال قدرتك، وصحّة نبوّتي.

( وَارْزُقْنا ) : المائدة. أو الشّكر عليها.

( وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (١١٤): خير من يرزق. لأنّك خالق الرّزق، ومعطيه بلا عوض.

( قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ) : إجابة إلى سؤالكم.

وقرأ نافع وابن عامر، بالتّشديد(٢) .

( فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً ) ، أي: تعذيبا. ويجوز أن يجعل مفعولا به، على السّعة.

( لا أُعَذِّبُهُ ) :

الضّمير، للمصدر، أو «للعذاب» إن أريد به ما يعذّب به، على حذف حرف الجرّ.

( أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ) (١١٥)، أي: من عالمي زمانهم.

قيل(٣) : أو العالمين مطلقا. فإنّهم مسخوا قردة وخنازير. ولم يعذّب بمثل ذلك غيرهم.

في مجمع البيان(٤) : اختلفت العلماء في المائدة، هل نزلت أم لا؟ والصّحيح، أنّها نزلت لقوله ـ سبحانه ـ:( إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ) فلا يجوز أن يقع في خبره الخلف. ولأنّ الأخبار قد استفاضت عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه التّابعين أنّها نزلت.

وعن الباقر ـ عليه السّلام ـ(٥) : أنّ عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ قال لبني إسرائيل: صوموا ثلاثين يوما، ثمّ سلوا الله ما شئتم يعطكموه. فصاموا ثلاثين يوما، فلمّا

__________________

(١) نفس المصدر، والموضع.

(٢ و ٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) مجمع البيان ٢ / ٢٦٦.

(٥) نفس المصدر والموضع.

٢٦٣

فرغوا قالوا [: يا عيسى ،](١) إنّا لو عملنا لأحد من النّاس فقضينا عمله، لأطعمنا طعاما.

وإنّا صمنا وجعنا. فادع الله أن ينزّل علينا مائدة من السّماء. فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتّى وضعتها(٢) بين أيديهم. فأكل منها آخر النّاس كما أكل أوّلهم.

وعن عمّار بن ياسر(٣) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: نزلت المائدة خبزا ولحما. وذلك لأنّهم سألوا عيسى طعاما لا ينفد يأكلون منه. قال: فقيل لهم: فإنّها مقيمة لكم ما لم تخونوا، أو تخبّئوا، أو ترفعوا. فإن فعلتم ذلك عذبتكم. قال: فما مضى يومهم حتّى خبّؤوا ورفعوا وخانوا.

وعن سلمان الفارسيّ ـ رضي الله عنه(٤) ـ أنّه قال: والله، ما تبع عيسى شيئا من المساوئ قطّ، ولا انتهر يتيما، ولا قهقه ضحكا، ولا ذبّ ذبابا عن وجهه، ولا أخذ عن أنفه من شيء نتن(٥) قطّ، ولا عبث قطّ. ولـمّا سأله الحواريّون أن ينزّل عليهم المائدة، لبس صوفا وبكى وقال:( اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ ) (الآية) فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضّة حتّى سقطت بين أيديهم.

فبكى عيسى ـ عليه السّلام ـ وقال: أللّهمّ، اجعلني من الشّاكرين. أللّهمّ، اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة. واليهود ينظرون إليها. ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قطّ، ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه.

فقام عيسى ـ عليه السّلام ـ وتوضّأ، وصلّى صلاة طويلة، ثمّ كشف المنديل عنها وقال: بسم الله خير الرّازقين. فإذا هو سمكة مشويّة ليس عليها فلوس، تسيل سيلا من الدّسم. وعند رأسها ملح. وعند ذنبها خلّ. وحولها من ألوان(٦) البقول، ما عدا الكرّاث. وإذا خمسة أرغفة، على واحد منها زيتون، وعلى الثّاني عسل، وعلى الثّالث سمن، وعلى الرّابع جبن، وعلى الخامس قديد.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر: وضعوها.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(٥) هكذا في المصدر. وفي النسخ: نتن شيء.

(٦) المصدر وأ: أنواع.

٢٦٤

فقال شمعون: يا روح الله، أمن طعام الدّنيا هذا أم من طعام الآخرة؟

فقال عيسى: ليس شيء ممّا ترون من طعام الدّنيا، ولا من طعام الآخرة.

ولكنّه شيء افتعله الله ـ تعالى ـ بالقدرة الغالبة. كلوا ممّا سألتم، يمدكم ويزدكم(١) من فضله.

فقال الحواريّون: يا روح الله، لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى.

فقال عيسى ـ عليه السّلام ـ يا سمكة، أحيي بإذن الله ـ تعالى ـ فاضطربت السّمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها، ففزعوا(٢) منها. فقال: ما لكم تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها. ما أخوفني عليكم أن تعذّبوا؟ يا سمكة، عودي كما كنت بإذن الله ـ تعالى ـ فعادت السّمكة مشويّة كما كانت.

فقالوا: يا روح الله، كن أوّل من يأكل منها ثمّ نأكل نحن.

فقال عيسى ـ عليه السّلام ـ: معاذ الله أن آكل منها، ولكن يأكل منها من سألها. فخافوا أن يأكلوا منها. فدعا لها عيسى ـ عليه السّلام ـ أهل الفاقة والزّمنى والمرضى والمبتلين، فقال: كلوا منها جميعا ولكن الهناء، ولغيركم البلاء. فأكل منها ألف وثلاثمائة رجل وامرأة، من فقير ومريض ومبتلى وكلّهم شبعان يتجشّأ. ثمّ نظر عيسى إلى السّمكة، فإذا هي كهيئتها حين نزلت من السّماء. ثمّ طارت المائدة صعدا، وهم ينظرون إليها حتّى توارت عنهم. فلم يأكل يومئذ منها زمن إلّا صحّ، ولا مريض إلّا بريء، ولا فقير إلّا استغنى ولم يزل غنيّا حتّى مات. وندم الحواريّون، ومن لم يأكل منها.

وكانت إذا نزلت، اجتمع الأغنياء والفقراء والصغار والكبار يتزاحمون عليها.

فلمّا رأى ذلك عيسى جعلها نوبة بينهم. فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى. فلا تزال منصوبة يؤكل منها، حتّى إذا فاء الفيء طارت صعدا وهم ينظرون في ظلّها حتّى توارت عنهم.

وكانت تنزل غبّا، يوما ويوما لا. فأوحى الله ـ تعالى ـ إلى عيسى

__________________

(١) هكذا في المصدر وأ. وفي سائر النسخ: يرزقكم.

(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ: وفرقوا.

٢٦٥

ـ عليه السّلام ـ: اجعل مائدتي للفقراء دون الأغنياء. فعظم ذلك على الأغنياء، حتّى شكّوا وشكّكوا النّاس فيها. فأوحى الله إلى عيسى ـ عليه السّلام ـ: إنّي شرطت على المكذّبين شرطا، إنّ من كفر بعد نزولها( أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا )

( أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ )

فقال عيسى ـ عليه السّلام ـ: «إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم.» فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون رجلا، باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم في ديارهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطّرقات والكناسات ويأكلون العذرة في الحشوش. فلمّا رأى النّاس ذلك، فزعوا إلى عيسى ـ عليه السّلام ـ وبكوا وبكى على الممسوخين أهلوهم. فعاشوا ثلاثة أيّام، ثمّ هلكوا.

وفي تفسير أهل البيت ـ عليهم السّلام(١) ـ: كانت المائدة تنزل عليهم، فيجتمعون عليها ويأكلون منها ثمّ ترفع. فقال كبراؤهم ومترفوهم: لا ندع سفلتنا يأكلون منها. فرفع الله المائدة ببغيهم، ومسخوا قردة وخنازير.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : واقتصر على ما نسبه إلى تفسير أهل البيت مقطوعا.

[وفي تفسير العيّاشي(٣) : عن عيسى العلويّ، عن أبيه، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: المائدة الّتي نزلت على بني إسرائيل مدلّاة بسلاسل من ذهب.

. عليها تسعة ألوان(٤) [وتسعة](٥) أرغفة.

الفضيل بن يسار، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ(٦) قال: إنّ الخنازير من قوم عيسى. سألوا نزول المائدة فلم يؤمنوا بها، فمسخهم الله خنازير.

عن عبد الصّمد بن بندار(٧) قال: سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول :

كانت الخنازير قوما من القصّارين. كذّبوا بالمائدة، فمسخوا خنازير.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٦٧.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٩٠.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣٥٠، ح ٢٢٣.

(٤) المصدر: أخونة.

(٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر ١ / ٣٥١، ح ٢٢٦.

(٧) نفس المصدر والموضع، ح ٢٢٧.

٢٦٦

وفي تهذيب الأحكام(١) : أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: الفيل مسخ ـ إلى قوله ـ: والجرّيث والضّبّ قوم(٢) من بني إسرائيل، حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ لم يؤمنوا فتاهوا. فوقعت فرقة في البحر، وفرقة في البرّ.

وفي كتاب الخصال(٣) : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ؟

فقال: هي(٤) ثلاثة عشر: الفيل [والدّبّ](٥) والخنزير ـ إلى قوله ـ: وأمّا الخنازير، فكانوا قوما(٦) نصارى سألوا ربّهم ـ تعالى ـ إنزال المائدة عليهم. فلمّا أنزلت عليهم، كانوا أشدّ ما كانوا كفرا وأشدّ تكذيبا.](٧) .

( وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ) : يريد به توبيخ الكفرة وتبكيتهم. «ومن دون الله» صفة «لإلهين». أو صلة «اتّخذوني». ومعنى «دون»: إمّا المغايرة. فيكون فيه تنبيه على أنّ عبادة الله ـ تعالى ـ مع عبادة غيره كلا عبادة. فمن عبده مع عبادتهما، كأنّه عبدهما ولم يعبده. أو القصور. فإنّهم لم يعتقدوا أنّهما مستقّلان باستحقاق العبادة، وإنّما زعموا أنّ عبادتهما توصل إلى عبادة الله ـ تعالى ـ فكأنّه قيل: اتّخذوني وأمّي متوصّلين بنا إلى الله.

وفي تفسير العيّاشي(٨) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: لم يقله، وسيقوله.

إنّ الله إذا علم أنّ شيئا كائن، أخبر عنه خبر ما قد كان.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ / ٣٩، ضمن حديث ١٦٦.

(٢) المصدر: فرقة.

(٣) الخصال / ٤٩٤، ضمن حديث ٢.

(٤) المصدر: هم.

(٥) من المصدر.

(٦) هكذا في المصدر. وفي النسخ: «فقوم» بدل «فكانوا قوما.»

(٧) ما بين المعقوفتين موجود في أولكن باختصار.

(٨) تفسير العياشي ١ / ٣٥١، ح ٢٢٨.

٢٦٧

وعن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ(١) مثله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : وذلك أنّ النّصارى زعموا، أنّ عيسى قال :

( اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ) فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النّصارى وبين عيسى فيقول:( أَأَنْتَ قُلْتَ ) (الآية).

( قالَ سُبْحانَكَ ) ، أي: أنزّهك تنزيها، من أن يكون لك شريك.

( ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ ) : ما ينبغي لي أن أقول قولا لا يحقّ لي.

( إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) : تعلم ما أخفيته في نفسي، كما تعلم ما أعلنته، ولا أعلم ما تخفيه من معلومات. وقوله: «في نفسك» للمشاكلة.

( إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) (١١٦): تقرير للجملتين، باعتبار منطوقه ومفهومه.

وفي تفسير العيّاشي(٣) : عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في تفسير هذه الآية:( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ )

قال: إنّ الاسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفا. فاحتجب الرّبّ ـ تعالى ـ منها بحرف. فمن ثمّ لا يعلم أحد ما في نفسه ـ عزّ وجلّ ـ أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا.

فتوارثتها الأنبياء حتّى صارت إلى عيسى ـ عليه السّلام ـ فذلك قول عيسى:( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي ) ، يعني: اثنين وسبعين حرفا من الاسم الأكبر. يقول: أنت علّمتنيها، فأنت تعلمها ولا أعلم ما في نفسك. يقول: لأنّك احتجبت من خلقك بذلك الحرف، فلا يعلم أحد ما في نفسك.

( ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ ) : تصريح بنفي المستفهم عنه، بعد تقديم ما يدلّ عليه.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع، ح ٢٢٩.

(٢) تفسير القمي ١ / ١٩١.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٣٥١، ح ٢٣٠.

٢٦٨

( أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) : عطف بيان للضّمير في «به». أو بدل منه.

وليس من شرط البدل جواز إسقاط المبدل منه مطلقا، حتّى يلزم منه بقاء الموصول بلا عائد. أو خبر مضمر. أو مفعوله، مثل: هو. أو أعني. ولا يجوز إبداله من «ما أمرتني به» لأنّ المصدر لا يكون مقول القول. ولا أن تكون «أن» مفسّرة، لأنّ الأمر مسند إلى الله. وهو لا يقول: اعبدوا الله ربّي وربّكم. والقول لا يفسّر، بل الجملة تحكي بعده.

إلّا أن يؤوّل القول بالأمر، فكأنّ مثل ما أمرتهم «إلّا بما أمرتني به أن اعبدوا الله.».

( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ) ، أي: رقيبا عليهم، أمنعهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوا. أو شاهدا لأحوالهم من كفر وإيمان.

( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ) :

قيل(١) : بالرّفع إلى السّماء لقوله:( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ ) .

[وعلى ما سبق في الخبر «من أنّه قبض روحه بين السّماء والأرض ثمّ ردّت إليه» لا حاجة إلى هذا التّوجيه](٢) (فقط في المتن و. ر.).

والتّوفّي: أخذ الشيء وافيا. والموت نوع منه. قال الله ـ تعالى ـ:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) .

( كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) : المراقب لأحوالهم. فتمنع من أردت عصمته من القول به، بالإشارة بالدّلائل والتّنبيه بإرسال الرّسل وإنزال الآيات.

( وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (١١٧): مطّلع مراقب له.

( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ) : تملكهم وتطلع على جرائمهم. فيه تنبيه على أنّهم استحقّوا ذلك، لأنّهم عبادك وقد عبدوا غيرك.

( وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١١٨): فلا عجز ولا استقباح.

فإنّك القادر القويّ على الثّواب والعقاب، الّذي لا يثيب ولا يعاقب إلّا عن حكمة وصواب. فإنّ المغفرة مستحسنة(٣) لكلّ مجرم. فإن عذّبت فعدل، وإن غفرت تفضّل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٠.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) هكذا في أنوار التنزيل. وفي النسخ: ممتحنة.

٢٦٩

وعدم غفران الشّرك بمقتضى الوعيد، فلا امتناع فيه لذاته ليمتنع التّرديد والتّعليق «بإن».

( قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) :

قرأ نافع: «يوم» بالنّصب، على أنّه ظرف «لقال». وخبر «هذا» محذوف. أو ظرف مستقرّ وقع خبرا، والمعنى: هذا الّذي مرّ من كلام عيسى واقع يوم ينفع(١) .

وقيل(٢) : إنّه خبر، ولكن مبنيّ على الفتح بإضافته إلى الفعل.

و [هو غير صحيح](٣) لأنّ المضاف إليه معرب. والمراد بالصّدق، الصّدق في الدّنيا. فإنّ النّافع ما كان في حال التّكليف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النّعمان، عن ضريس، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله:( هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) .

قال: إذا كان يوم القيامة وحشر النّاس للحساب، فيمّرون بأحوال يوم القيامة.

فلا ينتهون إلى العرصة حتّى يجهدوا جهدا شديدا.

قال: فيقفون بفناء العرصة، ويشرف الجبّار عليهم وهو على عرشه. فأوّل من يدعى بنداء يسمع الخلائق أجمعين، أن يهتف باسم محمّد بن عبد الله النّبيّ القرشيّ العربيّ.

قال: فيتقدّم حتّى يقف على يمين العرش.

قال: ثمّ يدعى بصاحبكم عليّ، فيتقدّم حتّى يقف على يسار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ يدعى بأمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيقفون على يسار عليّ ـ عليه السّلام ـ ثمّ يدعى بنبيّ نبيّ وأمّته معه من أوّل النّبيّين إلى آخرهم وأمّتهم معهم، فيقفون عن يسار العرش.

قال: ثمّ أوّل من يدعى للمساءلة القلم.

قال: فيتقدّم فيقف بين يدي الله في صورة الآدميّين.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠١.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) تفسير القمي ١ / ١٩١ ـ ١٩٣.

٢٧٠

فيقول الله: هل سطّرت في اللّوح ما ألهمتك وأمرتك به من الوحي؟

فيقول القلم: نعم يا ربّ، قد علمت أنّي قد سطّرت في اللّوح ما أمرتني وألهمتني به من وحيك.

فيقول الله: فمن يشهد لك بذلك؟

فيقول: يا ربّ، وهل اطّلع على مكنون سرّك خلق غيرك؟

قال: فيقول له الله: أفلحت حجّتك.

قال: ثمّ يدعى باللّوح، فيتقدّم في صورة الآدميّين حتّى يقف مع القلم. فيقول له: هل سطّر فيك القلم ما ألهمته وأمرته به من وحي؟

فيقول اللّوح: نعم يا ربّ، وبلّغته إسرافيل(١) . [فيتقدّم مع القلم واللّوح في صورة الآدميين، فيقول الله: هل بلّغك اللّوح ما سطر فيه القلم من وحي؟

فيقول: نعم يا ربّ، وبلّغته جبرئيل.](٢) فيدعى بجبرئيل فيتقدّم حتّى يقف مع إسرافيل، فيقول الله له: هل بلّغك إسرافيل ما بلّغ؟

فيقول: نعم يا ربّ، وبلّغته جميع أنبيائك، وأنفذت إليهم جميع ما انتهى إلى من أمرك، وأدّيت رسالاتك إلى نبيّ نبيّ ورسول رسول وبلّغتهم كلّ وحيك وحكمتك وكتبك، وأنّ آخر من بلّغته رسالاتك ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك محمّد بن عبد الله العربيّ القرشيّ الحرميّ حبيبك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ: فانّ أوّل من يدعى من ولد آدم للمساءلة محمّد بن عبد الله. فيدنيه الله حتّى لا يكون خلق أقرب إلى الله يومئذ منه. فيقول الله: يا محمّد، هل بلّغك جبرئيل ما أوحيت إليك وأرسلته به إليك من كتابي وحكمتي وعلمي، وهل أوحى ذلك إليك [يا محمّد؟](٣) .

فيقول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: نعم [يا ربّ.](٤) قد بلّغني جبرائيل جميع

__________________

(١) أ: جبرئيل.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٣) ليس في المصدر وأ.

(٤) من المصدر وأ.

٢٧١

ما أوحيته إليه وأرسلته به من كتابك وحكمتك(١) وعلمك، وأوحاه إليّ.

فيقول الله لمحمّد: هل بلّغت أمتك ـ يا محمّد ـ ما بلّغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي؟

فيقول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: نعم يا ربّ. قد بلّغت أمّتي جميع ما أوحيت(٢) إلى من كتابك وحكمتك وعلمك، وجاهدت في سبيلك.

فيقول الله لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ: فمن يشهد لك بذلك؟

فيقول محمّد: يا ربّ، إنّك أنت الشّاهد لي في تبليغ(٣) الرّسالة وملائكتك والأبرار من أمّتي، وكفى بك شهيدا. فيدعى بالملائكة فيشهدون لمحمّد بتبليغ الرّسالة. ثمّ يدعى بأمّة محمّد فيسألون: هل بلّغكم محمّد رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي وعلّمكم ذلك؟ فيشهدون لمحمّد بتبليغ الرّسالة والحكمة والعلم.

فيقول الله لمحمّد: فهل استخلفت في أمّتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي، ويفسّر لهم كتابي، ويبيّن لهم ما يختلفون فيه من بعدك حجّة لي وخليفة في الأرض؟

فيقول محمّد: نعم يا ربّ. قد خلّفت فيهم عليّ بن أبي طالب أخي ووزيري [ووصيّي](٤) وخير أمّتي، ونصبّته لهم علما في حياتي، ودعوتهم إلى طاعته، وجعلته خليفتي في أمّتي وإماما تقتدي به الأمّة بعدي(٥) إلى يوم القيامة.

فيدعى بعليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ فيقال له: هل أوصى إليك محمّد واستخلفك في أمّته ونصبّك علما لأمّته في حياته، وهل قمت فيهم من بعده مقامه؟

فيقول له عليّ ـ عليه السّلام ـ: نعم يا ربّ. قد أوصى إلى محمّد، وخلّفني في

__________________

(١) هنا تمّ نسخة أ.

(٢) المصدر: «ما أحي» بدل «جميع ما أوحيت.»

(٣) المصدر: بتبليغ.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر: «الأئمة من بعدي» بدل «الأمة بعدي.»

٢٧٢

أمّته، ونصّبني لهم علما في حياته. فلمّا قبضت محمّدا إليك، جحدتني أمّته، ومكروا بي، واستضعفوني، وكادوا يقتلونني، وقدّموا قدّامي من أخّرت، وأخّروا من قدّمت، ولم يسمعوا منّي ولم يطيعوا أمري. فقاتلتهم في سبيلك حتّى قتلوني.

فيقال لعليّ: هل خلّفت من بعدك في أمّة محمّد حجّة وخليفة في الأرض، يدعو عبادي إلى ديني وإلى سبيلي؟

فيقول عليّ ـ عليه السّلام ـ: نعم يا ربّ. قد خلّفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيّك. فيدعى بالحسن بن عليّ فيسأل عمّا سئل عنه عليّ بن أبي طالب.

قال: ثمّ يدعى بإمام إمام وبأهل عالمه، فيحتجّون. بحجّتهم. فيقبل الله عذرهم، ويجيز حجّتهم.

قال: ثمّ يقول الله:( هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) .

وفي مصباح الشّريعة(١) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في حديث طويل: وحقيقة الصّدق، ما يقتضي تزكية الله ـ تعالى ـ لعبده. كما ذكر عن صدق عيسى بن مريم ـ عليهما السّلام ـ في القيامة، بسبب ما أشار إليه من صدقة براءة(٢) للصّادقين من رجال أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال ـ عزّ وجلّ ـ:( هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) .

( لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١١٩): بيان النّفع.

( لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٢٠): فيه تنبيه على كذب النّصارى، وفساد دعواهم في المسيح وأمّه. وإنّما لم يقل: «من» تغليبا للعقلاء. لأنّ «ما» يطلق متناولا للأجناس كلّها، فهو أولى بإرادة العموم.

__________________

(١) شرح فارسي مصباح الشريعة / ٤٠٩.

(٢) المصدر: وهو مرآة.

٢٧٣

تمّ الرّبع الاوّل، من كتاب كنز الدّقائق وبحر الغرائب، بحمد الله وحسن توفيقه. على يد مؤلّفه ـ الفقير إلى الله الغنيّ ـ ميرزا محمّد بن محمّد رضا بن إسماعيل بن جمال الدّين القّميّ. في مشهد ثامن الأئمّة. يوم الخميس، السّابع من جمادى الأخرى. بعد مضي أربع وتسعين سنة بعد الألف من الهجرة النّبويّة. ويتلوه تفسير سورة الأنعام في الرّبع الثّاني. والحمد لله أوّلا وآخرا.(١) [راقمه، العبد المحتاج إلى رحمة ربّه الغافر ابن محمّد تقيّ شهمرزاديّ محمّد باقر. غفر الله لكاتبه ولمصنّفه ولوالديهما. والحمد لله في الاوّل والآخر. وكان الفراغ من تنميقه سلخ شهر رمضان المبارك للسّنة المذكورة.](٢) .

__________________

(١) هنا آخر نسخة مجلس الشورى الإسلامي «أ».

(٢) نهاية نسخة الأصل. ونهاية نسخة ر هكذا: تمّ تنميقه على يد أحقر عباد الله وأفقرهم إلى الله الغني ابن عسكري محمد تقي السبزواري في سنة أربع ومائة بعد الألف. أللّهمّ اغفر لمن ألّفه وكاتبه وقارئه وناظره ووالديهم وجميع المؤمنين والمؤمنات.

٢٧٤

سورة الانعام

٢٧٥
٢٧٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة على محمّد وآله المعصومين.

أمّا بعد، فيقول الفقير إلى الله الغنيّ، ميرزا محمّد بن محمّد رضا بن إسماعيل بن جمال الدّين القميّ: هذا الرّبع الثّاني من كتاب كنز الدّقائق وبحر الغرائب(١) . شرعت فيه بتوفيق الله، سائلا منه التّأييد لإتمامه، ضارعا تسديد إتقانه، وهو المستعان، وعليه التّكلان.

__________________

(١) ب، ج ور: كنز الغرائب وبحر الدقائق.

٢٧٧

سورة الأنعام

مكّيّة، مائة وخمس وستّون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال(١) ، بإسناده، عن ابن عبّاس قال: من قرأ سورة الأنعام في كلّ ليلة، كان من الآمنين يوم القيامة، ولم ير بعينه مقدم النّار(٢) .

وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ(٣) : نزلت سورة الأنعام جملة واحدة يشيّعها(٤) ، سبعون ألف ملك، حتّى أنزلت(٥) على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعظّموها وبجّلوها، فإنّ إسم الله فيها في سبعين موضعا، ولو علم النّاس ما فيها ما تركوها.

وفي أصول الكافيّ(٦) ، بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن أبي حمزة رفعه قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ: إنّ سورة الأنعام نزلت جملة [واحدة](٧) . ـ وذكر كما في كتاب

__________________

(١) ثواب الأعمال ١٣٤.

(٢) المصدر: «النار بعينه أبدا» بدل «بعينه مقدم النار».

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) المصدر: شيّعها.

(٥) هكذا في المصدر. وفي ب: «نزل». وفي سائر النسخ: نزلت.

(٦) الكافي: ٢ / ٦٢٢، ح ١٢.

(٧) ليس في المصدر ور.

٢٧٨

ثواب الأعمال سواء، إلّا أنّ في آخر الحديث: ولو يعلم النّاس ما في قراءتها ما تركوها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : حدّثني أبي، عن الحسن(٢) بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: نزلت الأنعام جملة واحدة يشيّعها سبعون ألف ملك، لهم زجل بالتّسبيح والتّهليل والتّكبير، فمن قرأها سبّحوا له إلى يوم القيامة.

وفي مجمع البيان(٣) : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: نزلت(٤) عليّ الأنعام جملة واحدة يشيّعها سبعون ألف ملك، لهم زجل بالتّسبيح والتّحميد، فمن قرأها صلّى عليه أولئك السّبعون ألف ملك بعدد كلّ آية من الأنعام يوما وليلة.

وروى جابر بن عبد الله الأنصاريّ(٥) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: من قرأ ثلاث آيات من أوّل سورة الأنعام إلى قوله( وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ ) وكّل الله به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة، وينزل ملك من السّماء السّابعة ومعه مرزبة(٦) من حديد فإذا أراد الشّيطان أن يوسوس(٧) أو يرمي(٨) في قلبه شيئا، ضربه بها ضربة(٩) .

( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) : أخبر بأنّه ـ تعالى ـ حقيق بالحمد، ونبّه على أنّه المستحقّ له على هذه النّعم الجسام حمد أو لم يحمد، ليكون حجّة على الّذين هم «بربّهم يعدلون».

وجمع «السموات» دون «الأرض» وهي مثلهنّ، لأنّ طبقاتها مختلفة بالذّات، متفاوتة الآثار والحركات، وقدّمها لشرفها وعلو مكانها وتقدّم وجودها.

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ١٩٣.

(٢) المصدر: «الحسين» وكما قال الأردبيلي في جامع الرواة ١ / ١٩٦: الحسن بن خالد: في بعض النسخ وبعضها «الحسين» كما يأتي البرقي

(٣) مجمع البيان: ٢ / ٢٧١.

(٤) المصدر: أنزلت.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) المرزبة: عصاة كبيرة من حديد تتخذ لتكسير المدر.

(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يوسوسه.

(٨) هكذا في المصدر. وفي النسخ: يوحي.

(٩) ليس في المصدر.

٢٧٩

( وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ) : أنشأهما.

والفرق بين «خلق» و «جعل» الّذي له مفعول واحد، أنّ الخلق فيه معنى التّقدير، والجعل فيه معنى التّضمّين. ولذلك عبّر عن إحداث النّور والظّلمة بالجعل، تنبيها على أنّهما لا يقومان بأنفسهما، كما زعمت الثّنويّة(١) .

وجمع «الظّلمات» لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها، أو لأنّ المراد بالظّلمة الضّلالة وبالنّور الهدى والهدى واحد والضّلال متعدّد. وتقديمها، لتقدّم(٢) الإعدام على الملكات. ومن زعم أنّ الظّلمة عرض يضادّ النّور، احتجّ بهذه الآية ولم يعلم أنّ عدم الملكة كالعمى، ليس صرف العدم حتّى لا يتعلّق به الجعل.

( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) (١): عطف على قوله: «الحمد لله» على معنى: أنّ الله حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد «ثمّ الّذين كفروا به يعدلون» فيكفرون نعمته. ويكون «بربّهم» للتّنبيه على أنّه خلق هذه الأشياء أسبابا لتكوّنهم وتربّيهم، فمن حقّه أن يحمد عليها ولا يكفر. أو على قوله: «خلق» على معنى: أنّه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه(٣) ، ثمّ هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه.

ومعنى «ثمّ» استبعاد عدولهم بعد هذا البيان.

والباء على الاوّل متعلّق ب «كفروا» وجملة «يعدلون» محذوفة، أي: يعدلون عنه، ليقع الإنكار على نفس الفعل. وعلى الثّاني متعلّقة ب «يعدلون» والمعنى: أنّ الكفّار يعدلون بربّهم الأوثان، أي: يسوّونها به.

وفي كتاب الاحتجاج(٤) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ قال أبو محمّد الحسن العسكريّ ـ عليه السّلام ـ: ذكر عند الصّادق ـ عليه السّلام ـ الجدال في الدّين، وأنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ قد نهوا عنه.

فقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ: لم ينه عنه مطلقا ولكن نهى عن الجدال بغير الّتي

__________________

(١) ويكمل فيه معنى التضمين إنشاء وتصييرا ونقلا من التغير المغني. (هكذا في هامش ج)

(٢) من ج ور.

(٣) هنا زيادة في النسخ سوى ج. وهي: «متعلّقة يعدلون».

(٤) الاحتجاج ١ / ١٤ ـ ٢٥.

٢٨٠