مفاهيم القرآن الجزء ١

مفاهيم القرآن0%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672

مفاهيم القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: ISBN: 964-357-249-8
الصفحات: 672
المشاهدات: 141444
تحميل: 5155


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141444 / تحميل: 5155
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: 964-357-249-8
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من هذين البيانين اتضح مقصود القرآن الكريم من قوله :

( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

وقوله :

( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) .

كما اتضح أيضاً لماذا لا تكون الوحدة التي نصف بها الذات الإلهية، وحدة عددية، لأنّ مثل هذه الوحدة ( أي العددية ) إنّما تتصور إذا أمكن تصور فردين أو أفراد للشيء، في حين لا يمكن تصور التعدّد في مورد اللامحدود، لأنّ كل واحد من الفردين عند افتراض التعدّد، غير الآخر، ومنتهى حدود الآخر، ولهذا يكون أي واحد منهما غير محدود، وغير متناه في حين أنّنا افترضنا الأوّل غير محدود، وغير متناه.

سؤال في المقام

نرى في الكتاب العزيز مجيء وصف « القهار » عقيب وصف الله ب‍ « الواحد » مثل قوله :

( وَمَا مِنْ إِله إلّا الله الوَاحِدُ القَهَّارُ ) (١) .

( سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ ) (٢) .

( وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ ) (٣) .

__________________

(١) ص: ٦٥.

(٢) الزمر: ٤.

(٣) الرعد: ١٦.

٢٨١

وهنا ينطرح سؤال عن وجه الارتباط بين وصفي الوحدانية والقهارية ؟

الجواب :

الحق أنّ « القهارية » دليل على وحدانية الله، لأنّ الشيء المحدود المتناهي مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه، وعلامة المقهورية هي أن يصح سلب أُمور منه، مثلاً يصح أن يقال في شأنه :

هذا الجسم ليس هناك أو أنّه لم يكن في ذلك الوقت.

وعلى هذا فإنّ المقهورية هي سبب المحدودية.

وأمّا إذا كان الشيء « قاهراً » من كل الجهات، فلا تتحكم فيه الحدود قطعاً، واللامحدودية تستلزم الوحدانية والتفرّد، ولأجل ذلك قورنت صفة الوحدانية بوصف القاهرية، وقال:( الوَاحِدُ القَهَّارُ ) .

وفي الحقيقة يمكن اعتبار هذا النوع من الوصف ( أي الوصف بالقهارية ) إشارة إلى ذلك الدليل العقلي الذي ذكرناه في هذه الإجابة.

وهكذا يتضح وجه الارتباط بين وصفي « الوحدانية » و « القهّارية » اللّذين اجتمعا في بعض الآيات القرآنية.

سؤال آخر :

إذا كان وجود الله منزّهاً عن الوحدة العددية، ففي هذه الصورة ماذا يكون معنى الآيات التي تصف الله بأنّه « الواحد »، والواحد، كما نعلم، هو ما يقابل الاثنين والثلاث إلى غيرهما من الأعداد، كقوله سبحانه :

٢٨٢

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لا إِلهَ إلّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) (١) .

( وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٢) .

خاصة إذا عرفنا بأنّ هذه الآيات نزلت في مقام الرد على ما كان يذهب إليه المشركون من الاعتقاد ب‍ « تعدّد الآلهة »، والذين كانوا يقولون :

( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) (٣) .

الجواب: انّ الهدف من هذه الآيات ـ في الحقيقة ـ هو استنكار ما كان يعتقده المشركون بأنّ لكل قبيلة وقوم إلهاً خاصاً بها كانوا يعبدونه ولا يعتقدون بآلهة الآخرين.

فالمقصود من هذه الآيات هو إبطال إلوهية هذه الأوثان والآلهة المدّعاة وتوجيه الأذهان إلى « الله الواحد » بدل تلك الآلهة المتعددة.

وأمّا أنّ وحدته كيف ؟ وعلى أي وجه ؟ ومن أي نوع من أنواع الوحدات الأربع تكون هذه الوحدة ؟ فليست الآيات المذكورة ناظرة إليه، بل يجب استفادة هذا الأمر من الإشارات التي وردت في القرآن إلى هذه الوحدة في مواضع أُخرى.

أحاديث أئمّة أهل البيت: حول وحدانية الله

لقد ورد هذان الموضوعان، أعني: عدم تناهي ذاته سبحانه وعدم الوحدة العددية، المذكوران في البرهان العقلي في أحاديث أئمّة أهل البيت: أيضاً فهي

__________________

(١) البقرة: ١٦٣.

(٢) العنكبوت: ٤٦.

(٣) ص: ٥.

٢٨٣

صرّحت بنفي المحدودية والتناهي في الذات الإلهية، وصرّحت أيضاً بعدم صدق « الوحدة العددية » في حقّه سبحانه.

فقد قال الإمام الثامن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في خطبة ألقاها على جماعة من العلماء :

« ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله »(١) .

ومما يستحق الإمعان والدقة أنّ الإمامعليه‌السلام ـ بعد نفيه الحد عن الله ـ نفى المثيل له سبحانه لارتباط اللامحدودية وملازمتها لنفي المثيل على النحو الذي مر بيانه.

ومن ذلك ما قاله الإمام عليعليه‌السلام في وقعة الجمل عندما كان بريق السيوف يشد إليها العيون، وكانت ضربات الطرفين تنتزع النفوس والأرواح التفت إليه رجل من أهل العراق وسأله عن كيفية وحدانية الله، فلامه أصحاب الإمام وحملوا عليه قائلين له: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ( أي تشتت الفكر واضطراب البال ) ؟!

فقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« دعوه فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ».

ثم قال ـ شارحاً ما سأل عنه الأعرابي ـ :

« وقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ».

__________________

(١) توحيد الصدوق: ٣٣.

٢٨٤

ثمّ أضافعليه‌السلام قائلاً :

« هو ( أي الله ) واحد ليس له في الأشياء شبيه، كذلك ربنا »(١) .

وهكذا يصرح الإمام بأنّ الواحدية المذكورة هنا تعنى أنّه لا عديل له لا أنّه واحد على غرار قولنا: « هذا قلم واحد » الذي يكون مظنة لإمكان الاثنينية، إذ في هذه الصورة يمكن أن يكون ذات مصاديق متعددة وأفراد متكثرة، ولكنه انحصر في الله، وهذا خلف، وغير صحيح.

الآلهة الثلاثة أو خرافة التثليث

بعد أن درسنا ـ بالتفصيل ـ الآيات المرتبطة بتوحيد الله، يلزم أن نعرف نظر القرآن في حقيقة التثليث.

الحقيقة أنّه قلّما نجد عقيدة في العالم تعاني من الإبهام والغموض كما تعاني منها المسيحية.

كما أنّه قلّما توجد مسألة في غاية الإبهام واللامعقولية كما تكون عليه مسألة « التثليث » في تلك العقيدة.

لقد أدّى تقادم الزمن وتطور الحياة والتكامل الفكري وتضاؤل العصبيات المذهبية والتحولات الفكرية، أدّت كل هذه الأُمور إلى ظهور « طبقة » جديدة بين مفكري المسيحية وعلمائها، كما تسببت في وجود فجوة عميقة بين العلم والمنطق من جانب، وبين معتقداتهم القديمة من جانب آخر بشكل لا يمكن ملؤها بأي نحو، وأي شيء.

غير أنّ هذه « الطبقة الجديدة » من العلماء المسيحيين اتخذت لملء هذه

__________________

(١) توحيد الصدوق: ٨٣.

٢٨٥

الفجوة الفكرية وهذا الخلاء العقيدي طريقين :

الطريق الأوّل: محاولة البعض منهم لتأويل تلك المعتقدات المسيحية الباطلة المرفوضة حتى في المنطق البشري الحاضر، وإعطاء هذه الأفكار الخرافية صبغة منطقية عصرية كما نشاهد ذلك في تأويلهم لمسألة التثليث.

الطريق الثاني: هو اجتناب التأويل واتباع قاعدة أتفه وهي قولهم: « بأنّ طريق العلم يختلف عن طريق الدين » وأنّه من الممكن أن يقول الدين بشيء أو يرتضي أصلاً لا يصدقه العلم فيه. وإنّه ليس من الضروري أن يطابق الدين مع العلم دائماً.

وبالتالي قبول خرافة « الدين يخالف العلم ».

ولكن هؤلاء غفلوا عن نقطة هامّة جداً وهي أنّ القول بخرافة: « مضادة الدين للعلم » ستؤدي في المآل إلى إبطال أصل الدين، لأنّ اعتقاد البشر بأي دين من الأديان يتوقف على الاستدلالات العقلية والعلمية، وفي هذه الصورة، نعني: مضادة العلم للدين، كيف يمكن إثبات صحة الدين بالاستناد إلى الأُسس العقلية والعلمية والحال أنّ بين الدين والعلم مباينة ـ حسب هذه النظرية ـ أو أنّ في الدين ما ربما يخالف العلم والعقل ؟!!

إنّ البحث في العقيدة النصرانية حول سيدنا المسيح يتركّز في مسألتين :

١. التثليث وانّ الله سبحانه هو ثالث ثلاثة.

٢. كونه سبحانه اتخذ ولداً.

والمسألتان مفترقتان من حيث الفكرة وإقامة البرهان، ولأجل ذلك نعقد لكل واحدة منهما عنواناً خاصاً.

٢٨٦

كيف تسربت خرافة التثليث إلى النصرانية ؟

ينقل الأُستاذ فريد وجدي نقلاً عن دائرة معارف « لاروس » :

« أنّ تلاميذ المسيح الأوّليّين الذين عرفوا شخصه، وسمعوا قوله، كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنّه أحد الأركان الثلاثة المكونة لذات الخالق وما كان بطرس أحد حوارييه، يعتبره إلّا رجلاً موحى إليه من عند الله، أمّا بولسن فإنّه خالف عقيدة التلامذة الأقربين لعيسى وقال: إنّ المسيح أرقى من إنسان وهو نموذج إنسان جديد أي عقل سام متولد من الله »(١) .

إنّ التاريخ البشري يرينا أنّه طالما عمد بعض أتباع الأنبياء ـ بعد وفاة الأنبياء أو خلال غيابهم ـ إلى الشرك والوثنية ـ تحت تأثير المضلّين ـ وبذلك كانوا ينحرفون عن جادة التوحيد الذي كان الهدف الأساسي والغاية القصوى لأنبياء الله ورسله.

إنّ عبادة بني إسرائيل للعجل وترك التوحيد الذي هداهم النبي العظيم موسى له، لمن أفضل النماذج لما ذكرناه وهو ما أثبته القرآن والتاريخ للأجيال القادمة، وعلى هذا فلا داعي للعجب إذا رأينا تسرب خرافة « التثليث » إلى العقائد النصرانية بعد ذهاب السيد المسيحعليه‌السلام وغيابه عن أتباعه.

إنّ تقادم الزمن قد رسخ موضوع « التثليث » وعمّقه في قلوب النصارى وعقولهم بحيث لم يستطع حتى أكبر مصلح مسيحي ونعني « لوثر » الذي هذّب العقائد المسيحية من كثير من الأساطير والخرافات وأسس المذهب البروتستانتي، لم يستطع لوثر هذا من التخلّص من مخالب هذه الخرافة وأحابيلها.

__________________

(١) دائرة معارف القرن العشرين مادة ثالوث.

٢٨٧

رأي القرآن في التثليث

يعتبر القرآن الكريم « قضية التثليث » مرتبطة بالأديان السابقة على المسيحية ويعتقد أنّ المسيحعليه‌السلام نفسه ما كان يدعو إلّا إلى الله « الواحد » الأحد إذ يقول :

( لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوا إنّ اللهَ هُوَ المسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ وقالَ المَسِيحُ يا بَنِي إسرائيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبّي وَرَبَّكُمْ إنّهُ مَنْ يُشْرِكْ باللهِ فَقَدْ حَرّمَ الله عَلَيْهِ الجَنَّةَ ) (١) .

ويعتقد القرآن أنّ النصارى هم الذين أدخلوا هذه الخرافة في العقائد المسيحية إذ يقول :

( وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) (٢) .

لقد أثبتت تحقيقات المتأخرين من المحققين صحة هذا الرأي القرآني بوضوح لا لبس فيه.

فهذه التحقيقات والدلائل التاريخية جميعها تدل على أنّه أدخلت ـ في القرن السادس قبل الميلاد ـ إصلاحات على الدين البراهماني، وفي النتيجة ظهرت الديانة الهندوسية.

وقد تجلّى الرب الأزلي الأبدي وتجسد ـ لدى البراهمة ـ في ثلاثة مظاهر وآلهة :

١. برهما ( الخالق ).

__________________

(١) المائدة: ٧٢.

(٢) التوبة: ٣٠.

٢٨٨

٢. فيشنو ( الواقي ).

٣. سيفا ( الهادم ).

ويوجد هذا الثالوث الهندوكي المقدس في المتحف الهندي، في صورة ثلاث جماجم متلاصقة، ويوضح الهندوس هذه الأُمور الثلاثة في كتبهم الدينية على النحو التالي :

« براهما »: هو الموجد في بدء الخلق، وهو دائماً الخالق اللاهوتي، ويسمى الأب.

« فيشنو »: هو الواقي الذي يسمى عند الهندوكيين بالابن الذي جاء من قبل أبيه.

« سيفا »: هو المفني الهادم المعيد للكون إلى سيرته الأُولى.

لقد أثبت مؤلف كتاب « العقائد الوثنية في الديانة النصرانية » في دراسته الشاملة حول هذه الخرافة وغيرها من الخرافات التي تعج بها الديانة النصرانية أثبت أنّ هذا « الثالوث » المقدس كان في الديانة البراهمانية، وغيرها من الديانات الخرافية، قبل ميلاد المسيحعليه‌السلام بمئات السنين.

وقد استدل لإثبات هذا الأمر بكتب قيمة وتصاوير حية توجد الآن في المعابد والمتاحف يمكن أن تكون سنداً حياً، ومؤيداً قوياً لرأي القرآن الكريم، الذي ذكرناه عما قريب.

ثمّ في هذا الصدد يكتب غوستاف لوبون :

« لقد واصلت المسيحية تطورها في القرون الخمسة الأُولى من حياتها مع

٢٨٩

أخذ ما تيسر من المفاهيم الفلسفية والدينية اليونانية والشرقية وهكذا أصبحت خليطاً من المعتقدات المصرية والإيرانية التي انتشرت في المناطق الأوربية حوالي القرن الأوّل الميلادي، فاعتنق الناس تثليثاً جديداً مكوناً من الأب والابن وروح القدس مكان التثليث القديم المكون من نروپي تر، وژنون ونرو »(١) .

لقد أبطل القرآن الكريم مسألة التثليث بالبرهان المحكم إذ قال :

( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرضِ جَمِيعاً ) (٢) .

نعم لم يرد في هذه الآية كلام صريح عن التثليث بل تركز الاهتمام فيها على إبطال « إلوهية المسيح »، ولكن طرحت ـ في آيات أُخرى ـ إلوهية المسيح في صورة إنكار « التثليث » ومن هذا الطرح يعلم أنّ إلوهية المسيح كانت مطروحة بصورة « التثليث » وتعدد الآلهة كما قال القرآن في موضع آخر :

( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَة وَمَا مِنْ إِلهٍ إلّا إِلهٌ واحِدٌ ) (٣) .

يقيم القرآن الكريم ـ في هذا المجال ـ برهانين في غاية الوضوح والعمومية، وها نحن نوضحهما فيما يأتي :

والبرهانان هما :

١. قدرة الله على إهلاك المسيح.

__________________

(١) قصة الحضارة.

(٢) المائدة: ١٧.

(٣) المائدة: ٧٣.

٢٩٠

٢. أنّ المسيح مثل بقية البشر يأكل ويمشي و

يقول القرآن حول البرهان الأوّل :

( فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرضِ جَمِيعاً وَللهِ مُلْكُ السَّمٰوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ واللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (١) .

ولا ريب أنّ جميع النصارى يعترفون بأنّ السيد المسيح « ابن » لمريم ولذلك يقولون: المسيح بن مريم.

فإذا كان عيسى « ابناً » لمريم فلابد أنّه بشر كسائر البشر وآدمي كبقية الآدميين، محياه ومماته بيد الله، وتحت قدرته، فهو تعالى يهبه الحياة متى يشاء، وهو تعالى يميته متى أراد، ومع هذه الحالة كيف تعتبره النصارى « إلهاً » وهو لا يملك لنفسه حياة ولا موتاً ؟!! »

والجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم وجّه في هذه الآية عناية كاملة إلى « بشرية » المسيح باعتبار أنّ بشرية المسيح تؤلِّف أساس البرهان الأوّل ولذلك نجد القرآن يصفهعليه‌السلام بأنّه ابن مريم، ويتحدّث عن « أُمّه » وعن جميع من في الأرض فيقول:( وََأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرضِ جَمِيعاً ) مشيراً إلى بشريته، بل وليثبت أنّ المسيح ليس أكثر من كونه واحداً من آحاد البشر وفرداً من أفراد النوع الإنساني يشترك مع بني نوعه في كل الأحكام على السواء.

وبعبارة أوضح أنّ هناك قاعدة في الفلسفة الإسلامية هي قاعدة « حكم

__________________

(١) المائدة: ١٧.

٢٩١

الأمثال » التي تقول: « حكم الأمثال فيما يجوز [ عليها ] وما لا يجوز واحد ».

فإذا كان هلاك أفراد الانسان ( ما عدا المسيح ) ممكناً كان هلاك المسيح أيضاً ممكناً كذلك، لكونه واحداً من البشر، وفي هذه الصورة كيف تعتبره النصارى إلهاً، والإله لا يجوز عليه الموت ؟!

ولتتميم هذا المطلب يختم القرآن الكريم الآية بجملة( وَللهِ مُلْكُ السَّمٰوَاتِ والأرض ) وفي الحقيقة إنّ هذه الجملة تكون علة للحكم السابق فمعناه أنّ الله يملك اهلاك عيسى وأُمّه وكل أفراد البشر لأنّهم جميعاً ملكه، وفي قبضته، وتحت قدرته، فيكون معنى مجموع الآية: انّ الله قادر على إهلاك عيسى وأُمّه، لأنّه مالكهم جميعاً وبيده ناصيتهم دون استثناء، والقدرة على إهلاكه وإهلاك أُمّه، أدل دليل على كونه مخلوقاً له سبحانه.

البرهان الثاني: المسيح والآثار البشرية

خلاصته: أنّ المسيح وأُمّه شأنهم شأن بقية الأنبياء، يأكلون الطعام، كأي بشر آخر، إذ يقول :

( مَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمَّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) (١) .

وعلى هذا فليس بين المسيح وأُمّه وبين غيره من الأنبياء والرسل أي فرق، وتفاوت، فهم يأكلون عندما يجوعون ويتناولون الطعام كلما أحسّوا بالحاجة إلى الطعام، وشأن عيسى وأُمّه شأنهم، ولا ريب أنّ « الحاجة » دليل الإمكان والإله

__________________

(١) المائدة: ٧٥.

٢٩٢

منزّه عن الحاجة والإمكان.

إنّ هذه الآية لا تبطل إلوهية المسيح فحسب، بل تبطل إلوهية أُمّه أيضاً، إذ يستفاد من بعض الآيات أنّ « أُمّه » كانت معرضاً لهذه التصورات الباطلة أيضاً حيث يقول القرآن :

( ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ) (١) .

لقد استوفينا البحث حول التثليث في نظر القرآن وبقي البحث حوله من زاوية البراهين العقلية، وسيوافيك ذلك في مختتم هذا الفصل، بعد أن ندرس بنوة عيسى ومعبوديته وبطلانها قرآنياً، لنتفرغ بعده إلى دراسة التثليث عقلياً.

الله سبحانه واتخاذ الولد(٢)

تعتبر مسألة بنوة المسيح لله إحدى مظاهر الشرك في « الذات »، الذي يصوّر حقيقة الإله الواحد في صورة آلهة متعددة، ويقوم « التثليث » النصراني في الحقيقة على هذا الأساس، أي على أساس اعتبار المسيح ابناً لله سبحانه.

وقد فنّد القرآن الكريم هذا الاعتبار الخاطئ وأبطله ببراهين عديدة، وأوضح تفاهته بطريقين :

أوّلاً: عن طريق البراهين العلميّة الدالة على استحالة أن يكون لله ولد مطلقاً سواء أكان هذا الولد عيسىعليه‌السلام أم غيره.

وثانياً: عن طريق بيان تولد المسيح من أُمّه، واستعراض حياته البشرية ،

__________________

(١) المائدة: ١١٦.

(٢) هذه هي المسألة الثانية التي أشرنا إليها ـ آنفاً في مطلع بحث التثليث ـ.

٢٩٣

الدال على بطلان كونه « ولداً » لله خصوصاً.

على أنّ النصارى ليسوا هم وحدهم الذين اعتقدوا بوجود ولد لله، بل قالت بمثل ذلك اليهود حيث ينقل سبحانه عنهم :

( وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) (١) .

وحذا حذوهم مشركو العرب حيث كانوا يتصورون أنّ « الملائكة » بنات الله إذ يقول سبحانه :

( وَيَجْعَلُونَ للهِ البَنَاتِ سُبْحَانَهُ ) (٢) .

وإليك هذه البراهين حول الطريق الأوّل بالتفصيل.

البرهان الأوّل

يقول سبحانه :

( بَدِيْعُ السَّمٰوَاتِ والأرض أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٣) .

أُشير في هذه الآية الشريفة إلى برهانين على استحالة اتخاذ الله للولد :

١. انّ اتخاذ الولد يتحقق بانفصال جزء من الأب باسم « الحويمن » ويستقر في رحم الأُم ويتفاعل مع ما ينفصل منها وتسمّى بالبويضة، وتواصل تلك البويضة تكاملها حتى يكون الوليد بعد زمن.

__________________

(١) التوبة: ٣٠.

(٢) النحل: ٥٧.

(٣) الأنعام: ١٠١.

٢٩٤

إذن فمثل هذه العملية تحتاج ولا ريب إلى وجود « زوجة » أو بتعبير القرآن إلى « صاحبة » في حين يعترف الجميع بعدم الصاحبة له سبحانه كما يقول القرآن( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ) .

٢. إن كان معنى « اتخاذ الولد » هو ما قلناه، إذن فلا يكون الولد مصنوعاً لله ومخلوقاً له تعالى بل يكون عدلاً وشريكاً له.

لأنّ « الوالد » ليس خالق « الولد » بل الولد جزء من والده انفصل عنه، ونما خارجه، وكبر، في حين انّ الله خالق كل شيء ما سواه من الأشياء بلا استثناء كما تقول:( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) .

ويقول سبحانه في صدر الآية:( بَدِيعُ السَّمٰوَاتِ والأرْضِ ) بمعنى موجد السماوات والأرض وخالقهما وما فيهما.

البرهان الثاني

( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمٰوَاتِ والأرضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) (١) .

وقد أُشير في هذه الآية إلى برهان واحد على « نفي الولد لله » وهو مسألة « المالكية التكوينية له سبحانه والوهيته المطلقة » لما سواه، وتوضيحه :

إنّ هناك نوعين من المالكية: مالكية اعتبارية، تنشأ من العقد الاجتماعي الدارج بين أبناء البشر، ومالكية تكوينية تنشأ من خالقية المالك.

إنّ مالكية الإنسان لأمواله مالكية ناشئة عن « العقد الاجتماعي » الذي

__________________

(١) الفرقان: ٢.

٢٩٥

أذعن له الإنسان لغرض إدارة الحياة وضمان تمشيتها وجريانها، في حين أنّ مالكية الله للسماوات والأرض وما بينهما مالكية تكوينية ناشئة عن خالقيته لها.

فإذا كان الله سبحانه مالكاً لكل شيء فلا يمكن حينئذ أن نتصور له ولداً لأنّ ولد الإنسان ـ بحكم كونه ليس مخلوقاً له ـ لا يكون مملوكاً له كذلك مع أنّا أثبتنا أنّ الله مالك لكل شيء لكونه خالقاً لكل شيء، وإلى هذا البرهان أُشير في هذه الآية:( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمٰوَاتِ والأرضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ) .

كما أُشير ـ في ذيل هذه الآية ـ إلى علة هذه المالكية وأساسها وهو « الخالقية » إذ يقول:( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) .

البرهان الثالث

( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ والأرضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ *بَدِيعُ السَّمٰوَاتِ والأرضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

استدل في هاتين الآيتين على « نفي الولد » بثلاثة براهين :

١. أنّ معنى الولد هو انفصال جزء من الوالد واستقراره في رحم الأُم، وهذا يستلزم كون الله جسماً، ومتصفاً بالآثار الجسمانية كالمكان، والزمان والجزئية، والتركب من الأجزاء بينما يكون الله سبحانه منزّهاً عن هذه الأُمور وإلى هذه الناحية أشارت الآية بكلمة « سبحانه ».

٢. انّ إلوهية الله مطلقة وربوبيته عامة وشاملة، فكل الموجودات قائمة به ومحتاجة إليه، غير مستغنية عنه.

__________________

(١) البقرة: ١١٦ ـ ١١٧.

٢٩٦

فإذا كان له « ولد » يلزم ـ حتماً ـ أن يكون الولد مثيلاً ونظيراً له في الاتصاف بجميع صفات الله ومنها: « الاستقلال والغنى عن الغير » على حين ثبت كونه سبحانه مالكاً مطلقاً للسماوات والأرض وما بينهما فهي قائمة به، تابعة له، محتاجة إليه دون استثناء ومطيعة لأمره وخاضعة لمشيئته بلا منازع، وليس هنا موجود مستقل غيره.

وإلى هذا البرهان أشار بقوله سبحانه:( لَهُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ والأرضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) .

٣. انّه لا موجب لاتخاذ الله للولد، لأنّ طلب الأبناء والأولاد، إمّا أن يكون لغرض استمرار النسل والذرية، أو بهدف الاستعانة بهم لرفع الاحتياج عند الشيخوخة والعجز، ولا يمكن أن يتصور أي واحد من هذه الدوافع في مقامه سبحانه وإلى هذا أشارت الآية بقولها :

( بَدِيعُ السَّمٰوَاتِ والأرضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

فأية حاجة تتصوّر لله إلى الولد وهو بديع كل شيء ؟

وفي آية أُخرى اعتمد على موضوع « الغنى الإلهي » لنفي الولد، إذ يقول :

( قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمٰوَاتِ وما فِي الأرْضِ ) (٢) .

وهكذا ينفي القرآن الكريم خرافة اتخاذ الله للبنين والبنات، تلك الخرافة التي كانت توجد في الديانات القديمة ك‍: « اليهودية » و « النصرانية »

__________________

(١) البقرة: ١١٧.

(٢) يونس: ٦٨.

٢٩٧

و « الزرادشتية » و « الهندوكية » وعند المشركين.

ولقد استدل المسيحيون على بنوة عيسى لله بتولده من غير أب، إذ قالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هل رأيت ولداً من غير أب ؟ إذن فليس لعيسى من أب إلّا الله.

فأجاب الله عن هذا الزعم بقوله :

( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

أي إنّ مثل عيسى في تكونه من غير أب كمثل آدم في خلق الله له من غير أب وأُم فليس عيسى عندئذ بأبدع وأعجب من آدم فكيف أنكروا هذا وأقرّوا بذلك ؟!

خلاصة ما سبق

تلخّص مما سبق أنّ القرآن يستند في نفيه لاتخاذ الله ولداً على البراهين التالية :

١. ليست له سبحانه أية زوجة حتى يكون له ولد منها.

٢. انّه تعالى خالق كل شيء واتخاذ الولد ليس خلقاً بل هو انفصال جزء من الوالد وهو ينافي خالقيته لكل شيء.

٣. انّه مالك كل شيء مالكية ناشئة عن الخالقية وكون المسيح ولداً له سبحانه يستلزم عدم مخلوقيته وهو يستلزم عدم كونه مملوكاً وهو ينافي مالكية الله العامة.

٤. انّه سبحانه منزّه عن أحكام الجسم، واتّخاذ المسيح ولداً يستلزم كون الله

__________________

(١) آل عمران: ٥٩.

٢٩٨

جسماً ومحكوماً بالأحكام الجسمانية، لأنّ معنى كون المسيح ولداً له سبحانه هو انفصال جزء منه سبحانه وهو يستلزم كونه جسماً.

٥. انّ جميع الأشياء قائمة بالله فلا استقلال لسواه في حين يستلزم افتراض ولد لله سبحانه استقلاله كاستقلال الوالد حتى يكون الولد نظير الوالد.

٦. انّ الله تعالى غني فلا حاجة له إلى ولد.

٧. انّ كون المسيح دون والد ليس بأعجب من آدم الذي وجد من دون أبوين مطلقاً.

* * *

وأمّا الطريق الثاني(١) الذي سلكه القرآن لإبطال « بنوة خصوص المسيح » فهو بيان حياة السيد المسيح وشرحها بنحو واضح في سور مختلفة خاصة في سورة « مريم »(٢) بحيث لا يبقى أي شك لمنصف في « بشريته »عليه‌السلام .

وقد وردت في بعض الآيات التي مرت في هذا البحث نماذج عن حياته البشرية(٣) .

بقي هنا بحث هام اعتنى به القرآن الكريم بجد، وهو مسألة كون المسيح

__________________

(١) قد تقدم آنفاً في صفحة ٢٩٣ إنّ القرآن استعرض مسألة نفي الولد لله سبحانه بشكلين تارة عن طريق نفي أي ولد له سواء أكان المسيح أم غيره وأُخرى عن طريق نفي خصوص بنوة المسيح، وقد استوفينا البحث في القسم الأوّل وإليك البحث في القسم الثاني.

(٢) راجع سورة مريم: ١٦ ـ ٣٥.

(٣) راجع سورة المائدة: ١٧ و ٧٥، وسورة التوبة: ٣٠ وسيوافيك قوله سبحانه:( إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَىٰ ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ ) ( النساء: ١٧١ ) فبملاحظة حالاته في هذه الدنيا نجزم بأنّه مخلوق لله سبحانه وليس ولداً له.

٢٩٩

معبوداً وانّه لا يستحق العبادة سواء أكان ابناً لله سبحانه أم لا، وسواء أصح التثليث أم لا، وهذه مسألة مستقلة تجتمع مع نفي التثليث والبنوة، ولأجل ذلك نستعرض هذا البحث مستقلاً عن البحثين الماضيين.

القرآن ومعبودية المسيح

إنّ القرآن ينزّه الله تنزيهاً مطلقاً عن أن يبعث رسلاً يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم بدل الدعوة إلى عبادة الله سبحانه، فقال :

( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ الله وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيّيِنَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ *وَلا يَأْمُرَكُمْ أنْ تَتَّخِذُوا المَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأمُرُكُمْ بِالكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (١) .

وفي هاتين الآيتين نفي لمعبودية المسيح أو مشاركته في الربوبية.

كما أنّ القرآن الكريم طرح مسألة عبادة السيد المسيح في آيات أُخرى وأبطل ـ بنفي مالكية المسيح لضر عباده ونفعهم ـ إمكان كونه مستحقاً للعبادة فيقول :

( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً ولا نَفْعاً والله هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) (٢) .

__________________

(١) آل عمران: ٧٩ ـ ٨٠.

(٢) المائدة: ٧٥.

٣٠٠