مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن12%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219068 / تحميل: 6014
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

النفسيّ، وإظهار الطاعة القلبيّة بعمل محسوس.

ثمّ لو كانت ( البيعة ) الطريق الوحيد لانتخاب الحاكم وتعيين القائد، لوجب أن يرد لها ذكر في أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين: ولقد كان الإمام عليّعليه‌السلام هو الخليفة الوحيد الذي انتخب للحكم عن طريق البيعة دون بقيّة الخلفاء، فالاُمّة لم تبايع أيّاً من الخلفاء الأربعة بحقيقة البيعة، سواه أللّهم إلّا في أبي بكر والتي كانت البيعة في مورده بيعةً ناقصةً، أقتصرت على بعض المسلمين لا عامّتهم(١) ، وكانت بمثابة التسليم للأمر الواقع.

وهناك أحاديث غامضة حول البيعة تحتاج إلى الدراسة والتحقيق فلتراجع المصادر التالية :

بحار الأنوار ( الجزء ٢ ) كتاب العلم ( باب ٣٣ ) الأحاديث: ٢١ و ٢٢ و ٢٣ و ٢٨. وبحار الأنوار ( الجزء ٢٧ ) كتاب الإمامة ( الباب ٣ ) الأحاديث: ١ و ٤ و

__________________

(١) كما مرّ عليك سابقاً.

٢٤١
٢٤٢

الفصل الرابع

صفات الحاكم الإسلاميّ

إنّ أهميّة ( القيادة والحكم ) في حياة الاُمّة وخطورتها البالغة وما يترتّب عليها من سعادة وشقاء، تقتضي اعتبار سلسلة من الشروط والصفات في الحاكم، والرئيس لولاها لانحرفت القيادة عن طريق الحقّ، وانتهت بالاُمّة إلى أسوء مصير. ولقد فطن الإسلام إلى ذلك الأمر الخطير والناحية الحسّاسة، فاشترط وجود صفات معينة في الحاكم والرئيس وقد فرض على الاُمّة الإسلاميّة مراعاة هذه الأوصاف والشروط عند انتخاب الحاكم

وها نحن نشير فيما يلي إلى بعض هذه الصفات، مع الإشارة إلى شيء من أدلتها وفلسفتها على نحو الإجمال والاختصار :

١. الإيمان :

وهو الإعتقاد القلبيّ بالإسلام عقيدةً ونظاماً وخلقاً كما في القرآن الكريم والسنّة المطهرة، ويدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى أنّ الدين الإسلاميّ أفضل المبادئ وخير المناهج، وأنّ العقيدة بالله تعالى، وبشرائعه من مبادئه الأوّليّة فلا يحقّ للكافر بها أن يسود المؤمنين ؛ بحكم العقل ؛ لأنّ ذلك يكون من قبيل تسويد من لا كفاءة له على صاحب

٢٤٣

الكفاءة التامّة ـ قوله سبحانه:( وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) ( النساء: ١٤١ ).

وأيّ سبيل أقوى من الولاية والحكومة على المؤمنين.

* * *

٢. حسن الولاية والقدرة على الإدارة :

إنّ صلاحية الشخص للحكم والإدارة منوطة بقدرته على القيام بلوازم الولاية وأعبائها، فحسن الولاية والكفاءة الإدارية شرط أساسيّ لاحتلال مقام الحكومة والرئاسة، إذ التأريخ البشريّ قديماً وحديثاً يشهد بأنّ تصديّ الحكّام غير القادرين على الإدارة وغير الأكّفاء للولاية جرّ على الشعوب والاُمم ـ وخاصّةً الإسلاميّة ـ أسوء المآسي، وأشد الويلات.

إنّ بداهة هذا الشرط وأهميّة هذه الصفة واضحة لكلّ أحد بحيث لا نحتاج إلى إقامة دليل عليها، فالقيادة توجب بذاتها هذا الشرط وتوفّر مثل هذه الصفة في الحاكم والرئيس حتّى إذا لم يقم على ذلك دليل من خارج.

وإلى أهمية هذه الصفة الحيوية في الحاكم يشير الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يقول: « لا تصلُح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاثُ خصال :

١. ورع يحجزه عن معاصي الله.

٢. وحلم يملكُ به غضبهُ.

٣. وحسنُ الولاية على من يلي حتّى يكون كالوالد ( وفي رواية كالأب ) الرحيم »(١) .

بل ويشترط الإسلام أن يكون الحاكم أكفأ من غيره على الإدارة، وأقدر من غيره

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٧.

٢٤٤

على الولاية والقيادة.

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « أيّها الناسُ إنّ أحقَّ الناس بهذا الأمر أقومهم [ وفي رواية أقواهم ] وأعلمهم بأمر الله فإن شغب شاغب استُعتب وإن أبى قُوتل »(١) .

إنّ أهم ما يشترط في الحاكم في نظر الإسلام هو حسن الولاية على من يلي اُمورهم، والمقدرة الكافية على قيادتهم، إذ بذلك يمكن للحاكم والرئيس أن يلمَّ شعث المسلمين، ويجمع شملهم، ويدفعهم إلى مدارج الكمال والتقدّم، ويجعلهم في المقدّمة من الشعوب والاُمم، وفي القّمة من الحضارة المدنيّة والازدهار، وحسن الولاية، هذا هو ما يسمّيه ويقصده السياسيّون اليوم بالنُضج العقليّ والرُشد السياسيّ.

٣. التفوّق في الدراية السياسيّة :

على أنّ مجرّد المقدرة وحسن الولاية لا يكفي كما عرفت في منطق الإسلام بل يشترط أن يكون الحاكم الإسلاميّ متفوّقاً على غيره في الدراية السياسيّة فيكون أوسع من غيره في الاطّلاع على مصالح الاُمّة، وأعرف من غيره باُمورها وحاجاتها، لكي لايغلب في رأيه، ولا يُخدع في إدارته، ولكي يصل المجتمع الإسلاميّ إلى أفضل أنواع القيادة وأدراها، وأكفأها.

من أجل ذلك يتعين على الحاكم الأعلى للاُمّة الإسلاميّة أن تبلغ رؤيته السياسيّة والاجتماعيّة درجةً يستطيع معها أن يقود الاُمّة سياسيّاً واجتماعيّاً ويدفع بهم في طريق التقدم جنباً إلى جنب مع الزمن.

وهذا يستلزم أن يكون الحاكم الأعلى للاُمّة مُلماً بالأوضاع السياسيّة وعارفاً بما يجري على الساحة الدوليّة من تطورات سياسيّة لكي يحفظ اُمّته من كلّ ما يمكن أن يتوجّه إليها من أخطار.

يقول الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام في هذا الصدد: « العالمُ بزمانه لا

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (١٧٢).

٢٤٥

تهجمُ عليه اللوابسُ »(١) .

فإنّ من يسوس الاُمّة ويقودها دون بصيرة بالأحوال والأوضاع المحيطة بها يجرّ إليها الويل والانحراف عن جادّة الحقّ كما قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : « العاملُ على غير بصيرة كالسَّائر على غير الطَّريق، لا تزيده سرعة السير من الطريق إلّا بُعداً »(٢) .

إنّ تسليم القيادة الجماعة إلى من لا يعرف شؤون السياسة والإدارة، ولا يحسن الولاية والإمرة، يكون كإعطائها إلى الصبيان وهو أمر معلوم العواقب، واضح المخاطر كما يقول الإمام عليّعليه‌السلام : « يأتي على الناس زمان لا يُقرّب فيه إلّا الماحلُ ( أي الساعي في الناس بالوشاية ) ولا يُظرّف فيه إلّا الفاجر ».

إلى أن قالعليه‌السلام : « فعند ذلك يكون السلطانُ بمشورة النساء، وإمارة الصبيان »(٣) .

ومن المعلوم أنّ المراد من قولهعليه‌السلام من إمارة الصبيان هو الإشارة إلى تفويض الاُمور إلى من لا يتمتع بالرشُد السياسيّ، والخبرة القياديّة، والبصيرة الإداريّة، وليس المراد من الصبيّ ـ في المقام ـ هو غير البالغ شرعاً وذلك بقرينة أنّ الإمام يتحدث عن زمن تضيع فيه المقاييس الصحيحة للسياسة والاجتماع، فبدل أن تسلّم فيه القيادة إلى ذوي الفهم والفكر والكفاءة تُسلّم إلى من لا يملك ذلك.

إنّ تأكيد الإسلام على هذا الشرط ـ بهذه الدرجة الكبيرة من التأكيد ـ إنّما هو لصيانة الاُمّة الإسلاميّة من التورّط في المشاكل بسبب ضعف القادة والحكام في السياسة أو غفلتهم عن مقتضيات عصرهم، وجهلهم بمتطلبات زمانهم وضروراته، فبسبب هذا الضعف والجهل والغفلة يمكن أن تقع الاُمّة الإسلاميّة فريسةً للمؤامرات الأجنبيّة الشرسة، وتغدو آلةً طيّعةً بأيدي الأعداء، لتنفيذ أغراضهم، وتحقيق مقاصدهم، وهو أعظم ما تصاب به الأمم والشعوب في حياتها وتاريخها.

__________________

(١ و ٢) الكافي ١: ٢٧، ٤٣.

(٣) نهج البلاغة: الحكم رقم (١٠٢).

٢٤٦

٤. العدالة :

إنّ أهمّ ما يجب أنّ يتحلّى به الحاكم الإسلاميّ والرئيس الأعلى للحكومة الإسلاميّة ـ بعد حسن الولاية ـ هو أن يكون متصفاً بالعدالة، بعيداً عن المعاصي والذنوب فأيّ حاكم يمكن أن يؤتمن على مصير الاُمّة، ومقدّراتها ويكون ملتزماً بالدين، ومخلصاً لواجباته ووفيّاً لمصالح الاُمّة، ما لم يتصف بالعدالة التي هي حالة نفسانيّة تمنعه من ارتكاب الذنوب، وتردعه عن اقتراف المعاصي، التي منها الخيانة، والكذب، والتضليل، والغلول.

ولعلّ أوضح ما يدلّ على لزوم وجود مثل هذه الصفة في الحاكم، وحثّ الناس على اعتبارها وملاحظتها فيه عند اختياره وانتخابه هو قوله تعالى:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ) ( هود: ١١٣ ).

وأيّ ركون إلى الظلم أعظم من تسليط الحاكم الفاسق، والقبول بولايته، والانصياع لأوامره وتسليم مقدرات الاُمّة إليه ؟

وقال سبحانه:( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف: ٢٨ ).

وفي آية أُخرى يعتبر طاعة الأسياد الفاسدين الفاسقين موجباً للضلال وينقل عن لسان المضلَّلين بهم وقولهم:( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ) ( الأحزاب: ٦٧ ).

وأنت إذا لاحظت الآيات الواردة حول الإطاعة تجد أنّ إطاعة الفاسق أمر محرّم بنص الكتاب فراجع الآيات الواردة بهذا الصدد.

وفي هذا المجال قال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تصلُح الإمامةُ إلّا لرجل فيه ثلاثُ خصال: ورع يحجزه عن محارم الله »(١) .

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٧.

٢٤٧

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدِّماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين :

١. البخيل، فتكون في أموالهم نهمتهُ

٢. ولا الجاهل، فيُضلَّهم بجهله

٣. ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه

٤. ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم

٥. ولا المُرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ( أي الحدود التي عيّنها الله لها ).

٦. ولا المُعطّل للسّنّة فيهلك الاُمّة »(١) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « من نصب نفسه للنَّاس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدبها أحقّ بالإجلال من معلّم النَّاس ومؤدّبهم »(٢) .

قال الإمام عليّعليه‌السلام : « لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلّا بإمام عدل »(٣) .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يوم واحد من سطان عادل خير من مطر أربعين يوماً، وحدّ يقام في الأرض أزكى من عبادة سنة »(٤) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « وعدل السلطان خير من خصب الزَّمان »(٥) .

وقال الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام : « فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الله، الحابس نفسه على ذات الله »(٦) .

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (١٢٧) شرح عبده.

(٢) نهج البلاغة: الحكم الرقم (٧٣).

(٣) الكافي ١: ٣١٤.

(٤) المستدرك ٣: ٢١٦.

(٥) البحار ٧٨: ١٠.

(٦) روضة الواعظين: ٢٠٦، الإرشاد للمفيد: ٢١٠.

٢٤٨

وقالعليه‌السلام أيضاً: « إنّما الخليفةُ من سار بكتاب الله وسُنّة نبيّه »(١) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : « ايّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تتحاكموا إلى أحد هؤلاء الفُسّاق »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « اتقوا الله وأطيعوا إمامكم فإنَّ الرَّعيَّة الصَّالحة تنجو بالإمام العادل، ألا وإنَّ الرَّعيَّة الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر »(٣) .

وقال الإمام الكاظمعليه‌السلام : « طاعة ولاة العدل تمام العزِّ »(٤) .

وكتب الإمام عليّعليه‌السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني عامله على أرديشرخرة: « أمَّا بعد فإنَّ من أعظم الخيانة خيانة الاُمّة، وأعظم الغشِّ على أهل المصر غشّ الإمام »(٥) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « اتقوا الحكومة إنَّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين كنبيّ أو وصيِّ نبيّ »(٦) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إيّاكُم أن يُحاكم بعضُكُم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلمُ شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلتُهُ قاضياً فتحاكموا إليه »(٧) .

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أحبّ النَّاس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً إمام عادل وأبغضُ الناس إلى الله، وأبعدهم منهُ مجلساً إمام جائر »(٨) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرَّحمن وكلتا يديه

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٤٩.

(٢) التهذيب ٦: ٣٠٣.

(٣) البحار ٨: ٤٨٢.

(٤) تحف العقول: ٢٨٢.

(٥) البحار ٨: ٦١٨.

(٦) وسائل الشيعة ( كتاب القضاء ) ١٨: الباب ٣ الطبعة الجديدة نقلاً عن الكافي ٧: ٤٠٦.

(٧) الوسائل ١٨: أبواب صفات القاضي الباب (١).

(٨) جامع الاُصول ٤: ٥٥ أخرجه الترمذيّ.

٢٤٩

يمين، الَّذين يعدلون في حُكمهم وأهلهم وما ولوا »(١) .

إنّ الحديث الأخير وإن كان حول القضاء والفصل بين الخصومات إلّا أنّ اعتبار هذه الصفة في مقام القيادة والزعامة العليا يكون أقوى بدليل الأولويّة، لأنّ مقام الرئاسة العليا والقيادة أكثر خطورةً وأهميّةً من مقام القضاء، ومسؤوليّة الفصل بين الخصومات ولذلك فهو أكثر حاجة إلى اعتبار وصف العدالة.

أضف إلى ذلك، أنّ من كان يتصدّى للقضاء ـ في تلك العهود ـ كان نفسه يشغل مقام الحكم والإدارة أيضاً

ثمّ إذا كان وصف العدالة مشترطاً في إمام الجماعة الذي يؤم جماعةً من المصلّين وهو عمل محدود ومؤقت، كما نعلم، فمن الأولى أن يكون مشترطاً في الحاكم الإسلاميّ للاُمّة المتربّع علس مسند القيادة العامّة والآخذ بمقدرات الاُمّة، والمتصرف في عامّة شؤونها، والمدبّر لاُمورها في شتى المجالات الحيويّة في خضمِّ الحياة السياسيّة.

* * *

٥. الرجولة :

إذا كان الإسلام يشترط أن يكون الوالي والحاكم والقاضي رجلاً فليس لأجل أنّه يريد الحطّ من كرامة المرأة والتقليل من شأوها وشأنها، أو احتقارها، إنّما يقوم بهذا العمل مراعاةً للظروف والنواحي الطبيعيّة في المرأة والخصائص التكوينيّة التي تقتضي مثل هذا التفاوت في موضوع الرئاسة العليا، كما أنّ مبدأ توزيع المسؤوليات الاجتماعيّة وتقسيم الوظائف حسب الإمكانيات يقتضي من جانب آخر إيكال كلّ مسؤوليّة ووظيفة إلى من يمكنه ـ بحكم طبيعته ـ القيام بها، وأدائها.

وحيث إنّ ( المرأة ) انسانة عاطفية أكثر من الرجل، لذلك، فهي قد اعفيت في ـ منطق الإسلام ـ من المسؤوليّات الشاقة والواجبات الثقيلة، وأوكل كلّ ذلك إلى

__________________

(١) جامع الاُصول ٤: ٥٣ أخرجه مسلم.

٢٥٠

( العنصر الرجاليّ ) باعتباره قادراً ـ بحكم خلقته وصلابة تكوينه ـ على القيام بالأعمال الخشنة والمهمّات الثقيلة العبء، ولذلك أُنيطت إليه الرئاسة العليا للاُمّة والبلاد لكونها أثقل المسؤوليّات الاجتماعيّة وأشدّها وطأةً فيما حظر على المرأة التصدي لها وتحمّلها.

فكما أنّ الرجل لا يصلح للاُمور المحتاجة إلى مزيد من العاطفة كالاُمومة والتربية، فكذلك لا تصلح المرأة للاُمور التي تحتاج إلى مزيد من الصلابة كالقيادة والزعامة.

وهذا أمر أثبتته التجارب فقد دلّت على عدم استعداد المرأة لخوض هذا الميدان بنفسها.

إنّ ( المرأة ) حسب نظر القرآن الكريم إنسانة ظريفةُ الإحساس، لطيفةُ المشاعر ولذلك، فهي تتناسب حسب حكاية القرآن عنها ـ مع الزينة والحليّ، لا مع النواحي الخشنة من الحياة البشريّة، فليس للمرأة في مقام الجدل والمناقشة منطق قويّ، وموقف صلب، لأنّها بحكم طبيعتها ومشاعرها العاطفيّة الطاغية، ميّالة إلى الزينة ميالة إلى العيش فيها إذ يقول:( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) ( الزخرف: ١٨ ).

فالآية تستنكر على المشركين جعلهم البنات لله واختيارهم الذكور

يقول العلاّمة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ( قوله تعالى:( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) ، أي ؛ وجعلوا لله سبحانه من ينشأ في الحلية، أي يتربى في الزينة، وهو في المخاصمة والمحاجّة غير مبين لحجّته، لا يقدر على تقدير دعواه.

وإنّما ذكر هذان الوصفان لأنّ المرأة بالطبع أقوى عاطفةً، وشفقةً، وأضعف تعقّلاً بالقياس إلى الرجل، وهو بالعكس، ومن أوضح مظاهر قوّة عواطفها ؛ تعلّقها الشديد بالحلية والزينة وضعفها في تقرير الحجّة المبنيّ على قوّة التعقّل )(١) .

إنّ الأدلّة الإسلاميّة ( سنّةً وسيرةً وإجماعاً ) تقتضي بأنّ المرأة لا يجوز لها أن تتصدّى

__________________

(١) الميزان ١٨: ٩٣.

٢٥١

لفصل الخصومات والقضاء وهو شعبة صغيرة من شُعب الإمارة، وما ذلك إلّا لعدم قدرتها على الاستقامة والثَّبات أمام المؤثّرات القويّة التي تعترض القضاة غالباً، وعجزها عن التزام جانب الحقّ بعيداً عن العاطفة، والتأثير العاطفيّ. فعن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « يا عليّ ليس على النساء ولا تولي القضاء »(١) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام في وصية لابنه الحسنعليه‌السلام كتبها له بحاضرين: « ولا تملكُ المرأةُ ما جاوز نفسها فإنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة »(٢) .

ومن المعلوم ؛ أنّ القضاء هو أحد الاُمور الخارجة عن شؤونها الخارجة عن حيطة قدرتها

وأمّا السيرة العمليّة فلم يعهد من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة حياته أن أعطى امرأة منصب القضاء، ونصب منهنّ قاضيةً تفصل بين الخصومات(٣) .

رغم وجود طائفة من النساء ذوات علوم ومحاسن أخلاق.

بل لم يفعل ذلك حتّى الأمويّون والعباسيّون الذين ولُوا أمر الاُمّة الإسلاميّة أكثر من خمسمائة سنة رغم أنّهم ولّوا كثيراً من عبيدهم وغلمانهم وقلّدوهم المناصب الرفيعة(٤) .

وأمّا إجماع العلماء فهو أوضح من أن يخفى على أحد، فقد أجمع علماء الإماميّة كلّهم على عدم انعقاد القضاء للمرأة وإن استكملت جميع الشرائط الاُخرى، ووافقهم على ذلك طائفة من علماء الطوائف الإسلاميّة الاُخرى كالشافعي(٥) .

قال ابن قُدامة في المغني: ( إنّ المرأة لا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يولّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأةً قضاءاً ولا ولاية

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ٦ ( كتاب القضاء ).

(٢) نهج البلاغة: الرسائل الرقم (٣١).

(٣) تفسير الميزان ٥: ٣٤٧.

(٤) راجع كتاب: رسالة بديعة في تفسير آية( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) من الصفحة ٧٠ ـ ٧٦ وهي رسالة مفصّلة في حكم تصدّي المرأة للقضاء والحكومة من نظر الكتاب والسنّة.

(٥) راجع كتاب: رسالة بديعة في تفسير آية( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) من الصفحة ٧٠ ـ ٧٦ وهي رسالة مفصّلة في حكم تصدّي المرأة للقضاء والحكومة من نظر الكتاب والسنّة.

٢٥٢

بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالباً )(١) .

وقال الشيخ الطوسيّ في « الخلاف »: لا يجوز أن تكون امرأة قاضيةً في شيء من الأحكام وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون قاضيةً في كلّ ما يجوز أن تكون شاهدةً فيه، وهو جميع الأحكام إلّا الحدود والقصاص، وقال ابن جرير: يجوز أن تكون قاضيةً في كلّ ما يجوز أن يكون الرجل قاضياً فيه، لأنّها تُعدّ من أهل الاجتهاد.

ثمّ استدل على المنع بقوله: إنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل لأنّ القضاء حكم شرعيّ، فمن يصلح له يحتاج إلى دليل شرعيّ وروي عن النبيّ أنّه قال: « لا يفلح قوم وليتهم امرأة »(٢) .

فإذا كان تولّي القضاء محظوراً على المرأة وهو ليس إلّا شعبةً محدودةً من شعب الزعامة والولاية، كان حظر تولّي الرئاسة العليا للبلاد والتي يأخذ الرئيس والحاكم الأعلى بموجبها بمقادير الاُمّة ؛ بطريق أولى.

وقد دلّت على حظر تولّي الولاية والحكم على المرأة أحاديث كثيرة منها :

عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: « لا يفلح قوم وليتهم امرأة »(٣) .

ورواه الترمذيّ بنحو آخر هو: « لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة »(٤) .

كما رواه ابن حزم بكيفيّة أُخرى هي: « لا يُفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة »(٥) .

وذكره ابن الأثير في النهاية « ما أفلح قوم قيّمهم امراة »(٦) .

__________________

(١) المغني لابن قدامة ١٠: ١٢٧.

(٢) الخلاف ( كتاب آداب القضاء ) ٢: ٢٣٠ المسألة (٦).

(٣) الخلاف ( كتاب آداب القضاء ) ٢: ٢٣٠ المسألة (٦).

(٤) أخرجه الترمذيّ كما في جامع الاُصول ٤: ٤٩ والنسائيّ أيضاً في سُننه: ٨ ( كتاب آداب القضاء ).

(٥) الملل والأهواء ٤: ٦٦، ٦٧، ورواه في كنز العمال ٦: ١١ وأسنده إلى البخاريّ وابن ماجة وأحمد بن حنبل، وفي لفظهم ( لن يُفلح ) بدل ( لا يُفلحُ ).

(٦) النهاية ٤: ١٣٥.

٢٥٣

وفي المستند: « لا يصلُح قوم وليتُهُم امرأة »(١) .

وعن أبي هريرة عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إذا كان أُمراؤُكُم شراركُم، وأغنياؤكم بخلاءكم، واُموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهورها »(٢) .

وهذا وقد جمع الإمام الباقر محمّد بن عليّعليه‌السلام الحظر عن الأمرين ( القضاء والحكومة ) في حديث واحد إذ قال: « ليس على النساء أذان ولا إقامة ».

إلى أن قال: « ولا تولَّى المرأة القضاء ولا تولَّى الإمارة »(٣) .

إلى غيرها من الأحاديث والروايات المتضافرة مضافاً إلى السيرة العمليّة. بل وروح الشريعة الإسلاميّة المتمثّلة في الحفاظ على شرف المرأة وكرامتها ومكانتها الحقيقية الطبيعيّة، ومضافاً إلى سعي الشريعة الإسلاميّة للحفاظ على الأخلاق الاجتماعيّة وسلامة أمر الاُمّة بإشاعة جوّ التقوى ؛ وذلك يستلزم بأن تُصان المرأة من الظهور على المسرح السياسيّ في أعلى مستوياته لما في ذلك من أخطار لا تخفى.

ولابدّ في الأخير من الإشارة إلى أمرين هامّين :

الأوّل: أنّ عدم السماح للمرأة بتولّي القضاء والولاية ليس بخساً لحقّها، أو حطّها من كرامتها أو حرماناً لها من حقّها، بل رفع لمسؤوليّة ثقيلة جداً عن كاهلها، ووضعها في الموضع الصحيح لها في تركيبة الحياة الاجتماعيّة المستقيمة السويّة، وفي الحقيقة إيكال ما هو مناسب لها إليها، ممّا يكون متناسباً مع تركيبتها العاطفيّة الرقيقة ألا وهو تربية الأولاد وتثقيفهم، وتعليمهم مالهم وما عليهم من الشؤون والوظائف الاجتماعيّة، كما لها أن تقوم بما هو دون الولاية من قبيل التصدّي للتعليم والتمريض والخياطة والطبابة وما سواها من الشؤون والأعمال الاجتماعيّة.

يقول العلاّمة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ( وأمّا غيرها ( أي الولاية والقيادة ) من

__________________

(١) المستند ٢ ( كتاب القضاء ): ٥١٩.

(٢) الترمذيّ في سننه ٤ ( كتاب الفتن ): ٥٢٩ و ٥٣٠.

(٣) الخصال٢: ٣٧٣، البحار ١٠٣: ٢٥٤، الحديث ١.

٢٥٤

الجهات كجهات التعلّم والتعليم والمكاسب والتمريض والعلاج وغيرها ممّا لا ينافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف فلم تمنعهنّ السنّة، والسيرة النبويّة تُمضي كثيراً منها، والكتاب أيضاً لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقّهنّ، فإنّ ذلك لازم ما أُعطين من الحريّة والإرادة والعمل في كثير من شؤون الحياة )(١) .

ثمّ في الجوّ الإسلاميّ الذي يوجده الإسلام بتعاليمه ونظامه يتّخذ أعمال المسلم والمسلمة صفة العبادة الشرعيّة ويتحلّى بقداسة لا يماثلها شيء في غير المجتمع الإسلاميّ. ولذلك فإنّ ما أُعطيت المرأة من المسؤوليّة تتّخذ صفة العبادة والقداسة، وهذا يعني أنّ الإسلام أبدل عملاً بعمل آخر مع الاحتفاظ بالقيمة الشرعيّة فإذا أسقط عن المرأة الجهاد مثلاً، جعل حسن تبعّلها جهاداً كالجهاد في سوح الحرب. فلا فضل لعمل على عمل مادام الهدف واحداً هو تحقيق أمر الله وإرادته وإطاعته فيما أراد.

وفي هذا الصدد يقول العلاّمة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ( انّ الإسلام لم يهمل أمر هذه الحرمات كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن يكون قد تداركها، وجبر كسرها بما يعادلها عنده بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقية، كما أنّه جعل حسن التبعّل مثلاً جهاداً للمرأة(٢) وهذه الاُمور التي هي مفاخر في نظر الإسلام أوشكت أن لا يكون لها عندنا ـ في ظرفنا الفاسد ـ قدر، لكن الظرف الإسلاميّ الذي يقوّم الاُمور بقيمها الحقيقية، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانيّة المرضية عند الله سبحانه، وهو يقدّرها حقّ قدرها، يقدّر لسلوك كلّ إنسان مسلكه الذي ندبه إليه، وللزومه الطريق الذي خطّ له ؛ من القيمة ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانيّة، وتتوازن أعمالها فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المهج ـ على ما فيه من الفضل ـ، على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجيّة وكذا لا فخار لوال يدير رحى المجتمع الحيويّ، ولا لقاض يتكئ على مسند القضاء وهما منصبان ليس للمتقلِّد

__________________

(١) تفسير الميزان ٥: ٣٤٧.

(٢) لاحظ نهج البلاغة: الحكم (١٣٦) قال الإمام عليّ: « وجهاد المرأة حسن التَّبعّل ».

٢٥٥

ـ بهما في الدنيا ـ لو عمل فيما عمل، بالحقّ وجرى فيما جرى على الحقّ ـ إلّا تحمّل أثقال الولاية والقضاء، والتعرّض لمهالك ومخاطر تهدّدهما حيناً بعد حين في حقوق من لا حامي له إلّا ربّ العالمين فأيّ فخر لهؤلاء على من منعه الدين من الورود موردهما، وخطّ له خطّاً آخر، وأشار إليه بلزومه وسلوكه

وخلاصة القول: أنّه ليس من المستبعد أن يُعظِّم الإسلام اُموراً نستحقرها، أو يُحقّر اُموراً نستعظمها ونتنافس فيها )(١) .

* * *

الثاني: انّنا لا ننكر وجود نساء معدودات تمتَّعن بالقدرة على الإمرة، وتحلَّين بالمنطق القويّ، والفكر المتفوّق إلّا أنّ وجود هؤلاء النسوة المعدودات لا يدلّ على قدرة العنصر النسويّ بعمومه على الإدارة والولاية، والتحلّي بهذه الخصيصة وهل يمكن خرق القاعدة العامّة لعدة موارد شاذّة ؟ ونحن نعلم أنّ المقنّين يراعون عند وضع القوانين، الأكثريّة الساحقة، فهي الملاك في الخطابات القانونية وهي الملاك أيضاً في الخطابات الشرعيّة لا الأقليّة النادرة والأفراد المعدودون.

* * *

٦. العلم بالقانون اجتهاداً أو تقليداً :

لمّا كانت الحكومة الإسلاميّة هي حكومة القانون الإلهيّ على الناس لزم أن يكون الحاكم المجري له في مجالات الحكم والإدارة عالماً به، وإلاّ عادت حكومةً استبداديّةً ينبع القانون فيها من إرادة الحاكم وهواه. وفي هذا المجال يقول الإمام الخمينيّ :

( بما أنّ الحكومة الإسلاميّة هي حكومة القانون كان لزاماً على حاكم المسلمين أن يكون عالماً بالقانون ـ كما ورد في الحديث ـ وكلّ من يشغل منصباً أو يقوم بوظيفة معينة فإنّه يجب عليه أن يعلم في حدود اختصاصه وبمقدار حاجته ). إلى أن قال: ( انّ الحاكم

__________________

(١) تفسير الميزان ٥: ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٢٥٦

ينبغي أن يتحلّى بالعلم بالقانون وعنده ملكة العدالة مع سلامة الاعتقاد وحسن الأخلاق وهذا ما يقتضيه العقل السليم، خاصّة ونحن نعرف أنّ الحكومة الإسلاميّة تجسيد عمليّ للقانون وليست ركوب هوى فالجاهل بالقوانين لا أهليّة فيه للحكم )(١) .

ثمّ على القول بأنّ الولاية ـ عند عدم التمكن من الإمام المعصوم ـ من شؤون الفقيه العدل، يلزم أنّ يكون الحاكم هو الفقيه، بيد أنّه لا يلزم أن يتصدّى الفقيه بنفسه إدارة البلاد، بل يمكن له أن يُوكل شخصاً آخر ـ ترتضيه الاُمّة وتختاره ـ ويكون عارفاً بالقانون عن طريق الاجتهاد، وتجتمع فيه سائر الصفات والمؤهّلات.

ولأجل ذلك قلنا: اجتهاداً أو تقليداً ويدلّ على ذلك مضافاً إلى ما عرفت قول الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام : « مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله والامناء على حلاله وحرامه »(٢) .

وقولهعليه‌السلام : « والله ما الإمام إلّا القائم بالقسط، الحاكم بالكتاب الحابس نفسه على ذات الله »(٣) .

ومن المعلوم أنّ القيام بالقسط والحكم على طبق الكتاب لا ينفكّ عن العلم بالقانون الإسلاميّ اجتهاداً، أو تقليداً.

* * *

٧. الحريّة :

يختلف نظام الرقِّ في الإسلام عمّا هو عليه في سائر الأنظمة البشريّة، فإنّ النظم البشريّة ترى جواز استعباد الانسان واسترقاقه لأخيه الإنسان بحجّة أنّه أقلّ ثقافةً أو لأنّه يعيش في بلد متأخّر، أو لأنّه يجري في عروقه دم وضيع، أو لأنّه لا ينتمي إلى حزب !!

غير أنّ الإسلام الذي حرّم على الناس التفاضل بهذه الخرافات، انقذهم من سيادة بعضهم على بعض بتلك الحجج الواهية السخيفة، ولم يجز لأحد أن يسلب حريّة

__________________

(١) الحكومة الإسلاميّة: ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) تحف العقول: ١٧٢ ( طبعة بيروت ).

(٣) روضة الواعظين: ٢٠٦.

٢٥٧

غيره لتلك الحجج والمعاذير فقال القرآن الكريم:( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلّا نَعْبُدَ إلّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ ) ( آل عمران: ٦٤ ).

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ليُخرج عبادهُ من عبادة عباده إلى عبادته ومن عهود عباده إلى عُهوده، ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته »(١) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « ولا تكُن عبد غيرك وقد جعلك الله حُراً »(٢) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « أيّها الناسُ إنّ آدم لم يلد سيّداً ولا أمة. وإنّ الناس كلهم أحرار ولكنَّ الله خوّل بعضكم بعضاً »(٣) .

وقد وجّه الإسلام دعوته الشاملة إلى كلّ اُمم الأرض، ودعاها إلى التحرّر من العبوديات الباطلة والانضواء تحت لواء واحد هو لواء الإسلام لله تعالى والتسليم لأوامره في جوّ من المساواة الكاملة والوحدة الشاملة يوم لم يسمع العالم عن الاُمميّة الحديثة شيئاً.

منذ ذلك اليوم دعا الإسلام إلى صيانة الحريّات الطبيعيّة المعقولة، وحارب بشدة من يحاول إغفالها وتجاهلها.

إنّ تحرير الإنسان من وطأة استعباد الآخرين له ممّا جوز القرآن أن تراق من أجله الدماء إذ قال سبحانه:( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ) ( النساء: ٧٥ ).

ولذلك فإنّ الإسلام لا يُقرّ بالرقّيّة والاسترقاق الذي تقول به الأنظمة البشريّة، نعم ؛ للإسلام نظام للرقّ بشكل آخر، وهو موقف يتخذه الإسلام الحنيف كعمل اضطراري لمعالجة حالة شاذّة.

__________________

(١) الوافي ٣ ج ١٤٢: ٢٢.

(٢) نهج البلاغة: الرسائل ( الرسالة ٣١ ).

(٣) روضة الكافي: ٦٩.

٢٥٨

فإنّ أعداء الإسلام وأعداء الحريّة إذا هاجموا المسلمين وعرّضوا حياتهم للخطر كان جزاء المعتدين أن يُقتلوا أينما ثُقفوا ما لم تضع الحرب أوزارها(١) ، فإذا وضعت الحرب أوزارها استؤسروا ثمّ وضعوا تحت ولاية حكيمة تعلمهم ما هو جزاء المعتدين على حقوق الآخرين وحرياتهم وتعطي لهم ولأمثالهم درساً عملياً تُفهمهم أنّ الذي يريد أن يستعبد الناس فهو يستعبد جزاءً وفاقاً، وستظل هذه الولاية ريثما ينشأ نشأةً أُخرى يفهم في ضوئها قيمة الحريّة المخوّلة إليه، والسبيل الذي يجب أن تصرف فيه فإذا عرف ذلك ردّت إليه حريته، ويعيش معه في راحة وأمان قال الله سبحانه:( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) ( النور: ٣٣ ).

وهذه الآية تفيد ؛ أنّ تعريض العبد للحريّة والخروج من حالة الرقيّة أمر مرغوب فيه في الإسلام بشرط أن يُعلم منه الخير، ولا يكون تحريره مضرّاً بالإسلام والمسلمين.

وبهذا تظهر العلّة في عدم سماح الإسلام للعبيد بأن يتصدّروا مسند القيادة ويسلّم إليهم المجتمع الإسلاميّ زمام إدارتهم وحكومتهم.

فإنّ الذي استُرقّ لسوء ماضيه ولإرادته العدوان على نفوس المسلمين وحرياتهم وأموالهم وأعراضهم، لا يجوز أن يعطى إليه زمام قيادتهم إذ لا يؤمن على أموال المسلمين وحريّاتهم ونفوسهم وأعراضهم، وهو الذي سبق له الاعتداء عليها.

وخلاصة القول: نعلم من هذا الموقف الإسلاميّ اتّجاه العبد ؛ بأنّ الإسلام إنّما سلب عنهم الصلاحيّة للقيادة لأنّهم كانوا من الذين يريدون أن يسلبوا حريّة الناس، فلا يمكن لمن يحمل هذه النزعة الخطيرة، ولو في أمد من الزمان ـ أن سيود على المسلمين، ويُسلَّط على شؤونهم.

* * *

هذا مضافاً إلى أنّ حرمان العبد من الارتفاع إلى مستوى القيادة نوع من النكال

__________________

(١) سيأتي مفصّل القول في هذا المجال عند البحث عن أحكام الجهاد.

٢٥٩

والتبكيت للعبد، ولكلّ من يريد ما أراد من العدوان والتجاوز على حرمة المسلمين وبلادهم.

ثمّ كيف يصلح العبد للولاية وهو بدوره مولّىً عليه فهل يجوز أن يرفع إلى مستوى قيادة الأحرار ؟

يبقى أن يعرف القارئ الكريم أنّ الإسلام كما قلنا لم يعمد الاسترقاق إلّا للضرورة ؛ إذ لم يكن أمام الإسلام اتّجاه المعتدين بعد السيطرة عليهم إلّا خمس خيارات :

١. أن يقتلهم جميعاً ويسفك دمائهم عن آخرهم وهي قسوة تتنافى مع روح الإسلام الرحيمة المحبّة للسلام.

٢. أن يسجنهم جميعاً وذلك يكلف الدولة تكاليف باهضةً وميزانيةً ضخمةً مضافاً إلى أنّ السجن ممّا يعقّد السجين، ويزيده اندفاعاً في الشرور والفساد.

٣. أن يتركهم ليعودوا إلى بلادهم سالمين، وهذا رجوع إلى المؤامرة والاحتشاد والعدوان مرّة اُخرى.

٤. أن يتركهم ليسرحوا في بلاد الإسلام وهذا يعني تعريضهم لسفك دمائهم على أيدي المسلمين، انتقاماً منهم.

ولـمـّا لم يكن اختيار شيء من هذه الطرق اختياراً عقلائيّاً يبقى أمام الإسلام طريق خامس وهو :

٥. استرقاقهم، بمعنى جعلهم تحت ولاية المسلمين ليراقبوا بشدة تصرفاتهم، وليتسنّى لهم من خلال العيش في ظل الحياة الإسلاميّة أن يقفوا على تعاليم الدين وينشأوا نشأةً إسلاميّةً ويكون الإسلام بهذا قد حافظ على حياتهم، ومنع من سفك دمهم، لأنّ مالكهم سوف يحرص عليهم أشدّ الحرص ويحافظ على حياتهم أشد المحافظة بخلاف من لا يملكهم، ولا يرجوا منهم نفعاً.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وحيي، وخليفتي في أرضي ومثله في المحاسن للبرقي ( ج ٢؛ ٣١٤ - ٣١٥ ).

وفي كفاية الأثر ( ١٦ - ١٩ ) بسنده عن ابن عبّاس في حديث طويل - ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه أسماء الأئمّة لابن عبّاس - وفيه: قال ابن عبّاس: قلت: يا رسول الله، أسامي لم أسمع بهنّ قطّ!! قال لي: يا بن عبّاس، هم الأئمّة بعدي وإن قهروا، أمناء، معصومون، نجباء، أخيار، يا ابن عبّاس، من أتى يوم القيامة عارفا بحقّهم أخذت بيده فأدخلته الجنّة، يا بن عبّاس، من أنكرهم أو ردّ واحدا منهم فكأنّما قد أنكرني وردّني، ومن أنكرني وردّني فكأنّما أنكر الله وردّه ....

وفيه أيضا (٢٩) بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، قيل: يا رسول الله، فالأئمّة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم، الأئمّة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أمناء، معصومون، ومنّا مهديّ هذه الأئمّة، ألا إنّهم أهل بيتي، وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنا لهم الله شفاعتي.

والقائم بأمري

في تفسير الإمام العسكريّعليه‌السلام ( ١٨٧ - ١٨٨ ) روىعليه‌السلام أنّ عبد الله بن سلام جاء يسائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزول قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ ) (١) ، [ وبعد أن أوضح له النبي الوصاية والإمامة ]، قال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، وأميره على جميع الورى، وأشهد أنّ عليّا أخوه، وصفيه، ووصيّه، والقائم بأمره، المنجز لعداته، المؤدي لأماناته ....

وفي أمالي الصدوق (٤٦٨) بسنده عن الصادق، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: لمّا

__________________

(١) البقرة؛ ٩٩.

٤٤١

مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الّذي قبضه الله فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جوابا وسكت عنهم، فلمّا كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول، فلم يجبهم عن شيء ممّا سألوه، فلمّا كان اليوم الثالث قالوا له: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فقال لهمصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان غدا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي، فانظروا من هو، فهو خليفتي عليكم من بعدي والقائم فيكم بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلاّ وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي، فلمّا كان اليوم الرابع جلس كلّ رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم، إذا انقض نجم من السماء - قد غلب ضوءه على ضوء الدنيا - حتّى وقع في حجرة عليّ، فهاج القوم، وقالوا: والله لقد ضلّ هذا الرجل وغوى، وما ينطق في ابن عمّه إلاّ بالهوى، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) إلى آخر السورة. وانظر رواية شأن النزول هذا بلفظ « القائم فيكم بأمري » في شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٧٩ - ٢٨٠ ). وقال ابن شهرآشوب في مناقبه ( ج ٣؛ ١٠ ) أبو جعفر بن بابويه في الأمالي، بطرق كثيرة، عن جويبر، عن الضحّاك، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعديّ، وعن أبي إسحاق الفزاريّ، عن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام ، كلّهم عن ابن عبّاس، وروى عن منصور بن الأسود، عن الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، واللّفظ له، ثمّ ساق الخبر عن الصدوق.

وفي إرشاد القلوب (٣٣٧) في خبر حذيفة، قال: ثمّ أمر [ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ] خادمة لأم سلمة، فقال: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أمّ سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب، فقال لهنّ -: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكن وفي الأمّة من بعدي ....

__________________

(١) النجم؛ ١ - ٤.

٤٤٢

وفي اليقين ( ٤٤٨ - ٤٥٢ ) بسند عن عليّعليه‌السلام ، قال: لمّا خطب أبو بكر، قام أبيّ بن كعب يوم جمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان، فقال: يا معشر المهاجرين أو لستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليّ المحيي لسنّتي، ومعلّم أمّتي، والقائم بحجّتي، وخير من أخلف بعدي ....

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ من أنّ عليّا خليفة النبي من بعده، ووصيّه ووزيره، ومولى المؤمنين، وغيرها ممّا مرّ، لكنّنا أثبتنا هنا بعض الروايات الواردة بلفظ « القائم بأمري ».

ولا يخفى أنّ عليّاعليه‌السلام القائم بأمر الله وأمر رسوله من بعده، والأئمّة كلّهم قائمون بأمر الله وحجّته ودينه؛ ففي أمالي الصدوق (٤٣٧) بسنده عن الرضا، عن آبائه، عن عليّعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني جبرئيلعليه‌السلام ، عن الله عزّ وجلّ، أنّه قال: عليّ بن أبي طالب حجّتي، وديّان ديني، أخرج من صلبه أئمّة يقومون بأمري، ويدعون إلى سبيلي، بهم أدفع العذاب عن عبادي وإمائي، وبهم أنزل رحمتي.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٥٣٦ ) بسنده عن الحكم بن أبي نعيم، قال: أتيت أبا جعفر وهو بالمدينة قلت: إنّي جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام، إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد أم لا، فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش، فقالعليه‌السلام : يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله، قلت: فأنت المهدي؟ قال: كلّنا نهدي إلى الله، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلّنا صاحب السيف ووارث السيف، قلت: فأنت الّذي تقتل أعداء الله، ويعزّ بك أولياء الله، ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة؟! وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي، وأخفّ على ظهر الدابة.

وفي إكمال الدين ( ج ٢؛ ٣٧٧ - ٣٧٨ ) بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسىعليهم‌السلام : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد، الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، فقالعليه‌السلام : يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ هو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلى دين الله، ولكنّ القائم الّذي يطهّر الله عزّ وجلّ به الأرض من

٤٤٣

أهل الكفر والجحود وهو في الاحتجاج (٤٤٩).

وفي معاني الأخبار ( ٩٦ - ١٠١ ) بسنده عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنّا مع الرضاعليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي فأعلمته خوضان الناس في ذلك، فتبسّمعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم [ ثمّ بين منزلة الإمام والإمامة وكثيرا من مطالبها، وقال في أواخر الحديث ]: فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، داع لا ينكل كامل الحكم، مضطلع بالأمانة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، وهو في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ( ج ١؛ ١٧١ - ١٧٥ ) وأمالي الصدوق ( ٥٣٦ - ٥٤٠ ) وإكمال الدين ( ٦٧٥ - ٦٨١ ) والكافي ( ج ١؛ ١٩٨ - ٢٠٣ ).

والموفي بعهدي على سنّتي

أثبت الإمام عليّعليه‌السلام بسيرته العمليّة والعلميّة أنّه وفى بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقي مستقيما على سنّته، فالتزم بكلّ وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يرجع كافرا، وصبر على غصب حقّه، ولمّا أخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادتهعليه‌السلام سأله: « أو على سلامة من ديني؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم، » كما سيأتي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وسار فيهم سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإجماع المسلمين، وقد مرّ بعض التزاماته بوصايا الرسول وعهده، وسيأتي الكثير منها، ونزيد هنا بعض النصوص المتعلّقة بالمطلب لئلاّ تخلو منها هذه الفقرة من الكلام.

ففي كشف اليقين (٢٨٣) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ أخصمك بالنبوّة ولا نبوّة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجّك فيهن أحد من قريش: أنت أوّلهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعيّة، وأبصرهم في القضيّة، وأعظمهم عند الله يوم القيامة مزيّة. وهو في مناقب الخوارزمي (٦١) بسنده عن معاذ.

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول:

٤٤٤

كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلقد رأيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه خصالا، لئن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانتهيت إلى باب أمّ سلمة وعليّعليه‌السلام قائم على الباب، فقلنا: أردنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالعليه‌السلام : يخرج إليكم، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فثرنا إليه، فاتّكأ على عليّ بن أبي طالب، ثمّ ضرب بيده على منكبه، ثمّ قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم رزيّة، وأنت عاضدي، وغاسلي، ودافني، والمتقدّم إلى كلّ شديدة وكريهة، ولن ترجع بعدي كافرا، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد، وتذود عن حوضي.

وفي كنز جامع الفوائد (٥٠) كما نقله عنه في بحار الأنوار ( ج ٢٣؛ ٢٢١ - ٢٢٢ ) عن شيخ الطائفة، بإسناده عن إبراهيم النخعي، عن ابن عبّاس، قال: دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقلت: يا أبا الحسن، أخبرني بما أوصى إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: سأخبركم، إنّ الله اصطفى لكم الدين وارتضاه، وأتمّ نعمته عليكم، وكنتم أحقّ بها وأهلها، وإنّ الله أوحى إلى نبيّة أن يوصي إليّ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ احفظ وصيّتي، وارع ذمامي، وأوف بعهدي، وأنجز عداتي، واقض ديني، وأحي سنّتي، وادع إلى ملّتي، لأنّ الله اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى، فقلت: اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى، فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ: أنّ عليّا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك، يا عليّ، أنت من أئمّة الهدى وأولادك منك ....

وفي اليقين ( ٢٩٨ - ٣٠١ ) عن محمّد بن العبّاس بن مروان، بسنده عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام في قوله عزّ وجلّ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) (١) إلى قوله:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ) (٢) : فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أسري به إلى ربّه عزّ وجلّ، قال: وقف بي جبرئيل فناداني

__________________

(١) النجم؛ ٦.

(٢) النجم؛ ١٦.

٤٤٥

ربّي عزّ وجلّ: أسألك عمّا أنا أعلم به منك، من خلّفت في الأرض بعدك؟ قلت: خير أهلها لها، أخي وابن عمّي، وناصر دينك يا ربّ، والغاضب لمحارمك إذا استحلّت، ولنبيّك غضب غضب النمر إذا جدل، عليّ بن أبي طالب، قال: صدقت يا محمّد، إنّي اصطفيتك بالنبوّة، وبعثتك بالرسالة، وامتحنت عليّا بالبلاغ والشهادة إلى أمّتك، وجعلته حجّة في الأرض معك وبعدك، وهو نور أوليائي، ووليّ من أطاعني، وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين، يا محمّد، وزوّجته فاطمة، وإنّه وصيّك، ووارثك، ووزيرك، وغاسل عورتك، وناصر دينك، والمقتول على سنّتي وسنّتك، يقتله شقيّ هذه الأمّة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثمّ أمرني ربّي بأمور وأشياء أمرني أن أكتمها، ولم يأذن لي في إخبار أصحابي بها وهو في تفسير البرهان ( ج ٤؛ ٢٥٠ - ٢٥١ ) ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٣٦؛ ١٦٣ ) عن كنز جامع الفوائد.

وفي أمالي الطوسي ( ٣٥١ - ٣٥٢ ) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال أبي: دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الراية يوم خيبر إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وقال له: أنت الآخذ بسنّتي، والذابّ عن ملّتي ....

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) بالإسناد عن نافع مولى ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله؟ قال: عليّ، سدّ أبواب المسجد وترك باب عليّ، وقال: لك في هذا المسجد مالي، وعليك فيه ما عليّ، وأنت وارثي، ووصيّي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتقتل على سنّتي، كذب من زعم أنّه يبغضك ويحبّني. وانظر هذه الرواية مسندة إلى نافع في مناقب ابن المغازلي (٢٦١).

وفي بحار الأنوار ( ج ٢٧؛ ١٠٣ ) عن فضائل ابن شاذان، بالإسناد يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ، أنّه قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا في المسجد، إذ أقبل عليّ والحسن عن يمينه والحسين عن شماله، فقام النبي وقبّل عليّا وألزمه صدره، وقبّل الحسن وأجلسه على فخذه الأيمن، وقبّل الحسين وأجلسه على فخذه الأيسر ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الله، باهى بهما وبأبيهما وبأمّهما وبالأبرار من ولدهما الملائكة جميعا، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أحبّهم وأحبّ

٤٤٦

من يحبّهم، اللهمّ من أطاعني فيهم وحفظ وصيّتي فارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين، فإنّهم أهلي، والقوّامون بديني، والمحيون لسنّتي، والتالون لكتاب ربّي، فطاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي.

فعلي والأئمّة من ولدهعليهم‌السلام كلّهم وفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهده، ومضوا عليه، وإنّهم المحيون لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد وفوا لرسول الله بعهده وماتوا على سنّته، وذلك واضح من سيرتهم وما أسلفنا وسنأتي به من نصوص، وما ذكرناه يدلّ على ذلك دلالة قطعيّة.

أوّل الناس بي إيمانا

ثبت في كتب المسلمين جميعا أنّ عليّاعليه‌السلام أوّل من أسلم، وعارضته السياسة البكريّة والعمريّة والعثمانيّة والأمويّة بأحاديث مفادها أنّ أبا بكر أوّل من أسلم، فلم يقبلها الكثير من منصفي علماء العامّة طبقا لما هو الحقّ، وأمّا من تلقّاها بالقبول، فاضطرّ أن يقول: إنّ عليّا أوّلهم من الصبيان، وأبا بكر أوّلهم من الرجال، وخديجة أمّ المؤمنين أوّلهم من النساء، وعلى كلّ حال، فلم يستطع منكر أن ينكر أنّ عليّا أوّل من أسلم، وفوق ذلك ثبوت أنّه أوّل من آمن بالله ورسوله، وقد نصّت على ذلك روايات الفريقين، فيكون أوّل من أسلم من باب الأولى.

قال ابن حجر في الصواعق المحرقة (٧٢): قال ابن عبّاس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي، وجماعة: أنّه أوّل من أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه.

ففي أمالي الطوسي (١٤٨) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفيه أيضا (٢١٠) بسنده عن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: هذا أوّل من آمن بي. وهو في روضة الواعظين ( ج ١؛ ١١٥ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: يا عليّ أنت أوّل المسلمين إسلاما، وأوّل المؤمنين إيمانا.

٤٤٧

وفي أمالي الصدوق (٢٨) بسنده عن جابر بن عبد الله في حديث طويل، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو [ عليّ ] أوّل من آمن وصدّقني.

وفي بشارة المصطفى ( ١٠٣، ١٠٨ ) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفي نهج البلاغة ( ج ١؛ ١٠٥ - ١٠٦ ) من كلام للإمام عليّعليه‌السلام ، قال فيه: ألا وإنّه سيأمركم [ أي معاوية ] بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني؛ فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّءوا منّي؛ فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.

وفي كتاب سليم بن قيس (١٩٨) من كلام لقيس بن سعد مع معاوية، قال فيه: إنّ الله بعث محمّدا رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافّة فكان أوّل من صدّقه وآمن به ابن عمّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ...

وفي أمالي الطوسي (١٥٦) بسنده عن العبّاس بن عبد المطّلب، قال: إنّ عليّا أوّل من آمن بالله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٥٥ ) قال: قال ابن عبّاس: إنّما سمّي أمير المؤمنين لأنّه أوّل الناس إيمانا.

وفي خصائص النسائي (٤٦) بسنده عن عمرو بن عبّاد بن عبد الله، قال: قال عليّعليه‌السلام : أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، آمنت قبل الناس سبع سنين. وروى قريبا منه في ( ص؛ ٤٧ ) بسنده عن عبد الله بن أبي الهذيل. وروى قريبا منه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٠٨) عن مسند أحمد بسنده عن حبّة العرني، عن عليّعليه‌السلام .

وفي أنساب الأشراف ( ج ٢؛ ١٤٦ ) بسنده عن معاذة العدويّة، قالت: سمعت عليّا على منبر البصرة يقول: أنا الصّديق الأكبر، آمنت بالله قبل أن يؤمن أبو بكر. وهو في الإرشاد للمفيد (٢١) بزيادة « وأسلمت قبل أن يسلم ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٤٨

يقول: سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي مناقب الخوارزمي (١٩) بسنده إلى هارون الرشيد، عن جدّه، عن عبد الله بن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أمّا عليّعليه‌السلام فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أنّ لي واحدة منهنّ، فكان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه، إذ ضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على منكب عليّ، فقال: يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأوّل المسلمين إسلاما، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى. وأخرج نحوه المتّقي الهنديّ في كنز العمّال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس.

وانظر كشف الغمّة ( ج ١؛ ٧٩ - ٨٠ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٥، ٧٥ ) وأمالي الصدوق (١٧٢) وبشارة المصطفى ( ٩١، ١٢٢، ١٢٥ ) والخصال (٥٧٢) وكشف اليقين (٢٨٣) وكتاب سليم بن قيس ( ١٨٥ - ١٨٦ ) ونظم درر السمطين (٨٢) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٢٢٣ ) وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٥٣ / الحديث ٩٠ و ٦٣ / الحديث ٩٨ و ١١٧ / الحديث ١٦٠ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٥ ) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٥؛ ٣٣ - ٣٤ ) والمعارف (١٦٩) ووسيلة المآل (٢١١) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٣ ) وأسنى المطالب (٢٠) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ١٩ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٥٧ ) ومناقب ابن المغازلي (١٩٤) ومناقب الخوارزمي (٦١) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٥٦ - ٦٢ ).

وانظر تخريجاته أيضا في كتاب فضائل الخمسة ( ج ١؛ ٢٢٦ - ٢٣٠ ) وقادتنا ( ج ١؛ ٦٥ - ٧٧ )

وآخرهم عهدا عند الموت

في الإرشاد ( ٢٣ - ٢٤ ) بسنده عن أبي هارون، قال: أتيت أبا سعيد الخدريّ، فقلت له: هل شهدت بدرا؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لفاطمةعليها‌السلام وقد جاءته ذات

٤٤٩

يوم تبكي، وتقول: يا رسول الله عيّرتني نساء قريش بفقر عليّعليه‌السلام ، فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضين يا فاطمة أنّي زوّجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما يا فاطمة، إنّ لعليّ ثمانية أضراس قواطع، لم يجعل لأحد من الأوّلين والآخرين مثلها: هو أخي في الدنيا والآخرة، وليس ذلك لأحد من الناس وهو أوّل من آمن بي، وآخر الناس عهدا بي، وهو وصيّي ووارث الوصيّين. وروى الطبرسي مثله في إعلام الورى (١٦٣).

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال: ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا فرغ دخلت على زينب عشيّة، فقلت: حدّثيني، هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله: إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي عهدا عند الموت.

وفي أمالي الطوسيّ ( ٤٦٣ - ٤٧٢ ) بأسانيده عن أبي رافع وعمّار وهند بن أبي هالة، في حديث طويل قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخره: يا عليّ، أنت أوّل هذه الأمّة إيمانا بالله ورسوله، وأوّلهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبّك - والّذي نفسي بيده - إلاّ مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، ولا يبغضك إلاّ منافق أو كافر.

وفي الاحتجاج (١٨٤) من كتاب لمحمّد بن أبي بكر يحتجّ فيه على معاوية، قال فيه: فكيف - لك الويل - تعدل عن عليّعليه‌السلام ؟! وهو وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصيّه، وأوّل الناس له اتّباعا، وآخرهم به عهدا ...

والروايات في ذلك من طرق الإماميّة كثيرة، أغنانا عن سردها والإطالة فيها ما سيأتي من تغسيل عليّ وتكفينه ودفنه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو آخر الناس به عهدا، وروى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣٠٣ ) أنّ المغيرة بن شعبة ألقى في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعد أن خرجوا - خاتمه لينزل فيه، فقال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : إنّما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه، فيقال: نزل في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والّذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا، ومنعه.

٤٥٠

وقال عليّعليه‌السلام في ندبته الشجيّة الرائعة الّتي وجّهها إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد دفنه للزهراءعليها‌السلام ، قائلا: السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار لها سرعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري ...

انظر هذه الندبة في الكافي ( ج ١؛ ٤٥٨ - ٤٥٩ ) وأمالي المفيد ( ٢٨١ - ٢٨٣ ) وأمالي الطوسي ( ١٠٩ - ١١٠ ) ودلائل الإمامة ( ٤٧ - ٤٨ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٣٦٤ ) وبشارة المصطفى (٢٥٩) وتذكرة الخواص (٣١٩).

وقالت أمّ سلمة -رضي‌الله‌عنها - كما في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ ) عن مسند أبي يعلى، وفضائل أحمد، عن أمّ سلمة في خبر: والّذي تحلف به أمّ سلمة، إنّه كان آخر الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه في حاجة غداة قبض، فكان يقول: جاء عليّ؟ ثلاث مرّات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس، فخرجنا من البيت لما عرفنا أنّ له إليه حاجة، فأكبّ عليه عليّعليه‌السلام ، فكان آخر الناس به عهدا، وجعل يسارّه ويناجيه. وقد مرّ هذا الخبر في صدر الطّرفة التاسعة عشر فراجعه. وفي بعض المصادر روي الحديث بلفظ « أقرب الناس عهدا ». فهو الأقرب بالنسبة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر بالنسبة لسائر المسلمين؛ باعتبار بقاء عليّعليه‌السلام آخرهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تغسيله وتكفينه ودفنه.

وقد نقلت المصادر التاريخيّة والمناقبيّة والمجاميع الحديثيّة شعر العبّاس بن عبد المطلب بعد بيعة السقيفة، وفيه يقول:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وروي الشعر أيضا بلفظ « وآخر الناس عهدا ». انظر الشعر في كتاب سليم بن قيس (٧٨) ومناقب الخوارزمي (٨) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٦٧ ). وهو في الإرشاد (٢٢) منسوب

٤٥١

لخزيمة بن ثابت الأنصاريّ، وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٢٤ ) منسوب لعتبة بن أبي لهب.

وفي الخصائص للنسائي (١٣٠) بسنده عن المغيرة، عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة: إنّ أقرب الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام . ورواه الحاكم في المستدرك ( ج ٣؛ ١٣٨ ).

وروى الذهبي في ميزان الاعتدال ( ج ٤؛ ٢١٧ / الحديث ٨٩١٠ ) بسنده عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مغازيه أداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني الشكّ، فأتيتها، فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل عليّعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على فراشي، وعليه جرد قطيفة، فجلس عليّ بيننا، فقلت له: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا عند الموت، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة. ورواه ابن حجر في لسان الميزان ( ج ٦؛ ١٢٧ ) بتفاوت.

وانظر مسند أحمد ( ج ٦؛ ٣٠٠ ) وكفاية الطالب (٢٦٣) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ١٥ / الحديث ١٠٢٧ ) و ( ١٧ / الحديث ١٠٣١ ) ومناقب الخوارزمي (٢٩) ووسيلة المآل (٢٣٩) وتذكرة الخواص (٤٢) والإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٣ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) وغيرها من المصادر. وانظر كتاب قادتنا ( ج ٤؛ ٧٣ - ٧٦ ).

وأوّلهم لي لقاء يوم القيامة

في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال الأربليرحمه‌الله : ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا دخلت على زينب عشية، فقلت: حدّثيني هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو وعائشة على فراش وعليها قطيفة، قالت: فأقعى عليّعليه‌السلام كجلسة الأعرابي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي

٤٥٢

عهدا عند الموت.

وفي بشارة المصطفى (١٥٢) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي أسد الغابة ( ج ٥؛ ٢٨٧ ) مسندا عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين. وهو في الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بزيادة « والمال يعسوب المنافقين ». وذكره ابن عبد البرّ في الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة ( ج ٤؛ ١٧٠ ). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٢ ) فقال: وعن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّعليه‌السلام فقال: إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وساق الحديث كما تقدّم عن أبي ليلى، قال: « ورواه الطبراني والبزّار ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٢ ) قال: وأخرج ابن منده، من رواية عليّ بن هاشم بن البريد، حدّثني أبي، حدّثنا موسى بن القاسم، حدّثتني ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أغزو مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأداوي الجرحى وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة أتيتها فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو معي، وعليه جرد قطيفة، فجلس بيننا، فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي لي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة.

وأوّليّة عليّعليه‌السلام في ملاقاته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومصافحته، مثبتة في كتب الفريقين، وقد مرّ بعضها، وإليك بعضا من الروايات الذاكرة بأنّهعليه‌السلام أوّل من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة، وهو معنى آخر لكونه أوّل من يلاقيه.

٤٥٣

ففي أمالي الطوسي ( ١٤٧ - ١٤٨ ) بسنده عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان الفارسي، فمررنا بالربذة، وجلسنا إلى أبي ذرّ الغفاريّ، فقال لنا: إنّه ستكون بعدي فتنة، ولا بدّ منها، فعليكم بكتاب الله والشيخ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فالزموهما، فأشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي، وأوّل من صدّقني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وانظر أوّليّته في المصافحة في أمالي الطوسي أيضا (٢٥٠) ومعاني الأخبار ( ٤٠١ - ٤٠٢ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) واليقين (٥١٢) عن كتاب فضائل أمير المؤمنين لعثمان بن أحمد المعروف بابن السمّاك و (٥١١) عن كتاب سنة الأربعين لفضل الله الراونديّ، و ٥٠٩ عن كفاية الطالب (١٨٧) بسنده عن ابن عبّاس، والإرشاد ( ٢١ - ٢٢ ) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٥٣ ) وروضة الواعظين (١١٥) وأمالي الصدوق (١٧٢).

والأحاديث في ذلك كثيرة جدّا في كتب الفريقين يضاف إليها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت أوّل من تنشقّ عنه الأرض معي، كما في بحار الأنوار ( ٣٩: ٢١١ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أوّل من ينشق عنه القبر معي. بحار الأنوار ( ج ٤٠؛ ٢٥، ٣٧ ) و ( ج ٧٧؛ ٦٠ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أوّل من يخرج من قبره وعليّ معي. بحار الأنوار ( ج ٣٩؛ ٢٣٠ ).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في أنّه أوّل من يلقاه، وأوّل من يصافحه، وأوّل من ينشقّ عنه التراب والقبر مع رسول الله، وانظر فضائل الخمسة ( ج ٣؛ ١١١ - ١١٣ ) تحت عنوان « إنّ عليّا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل من يرى النبي، وأوّل من يصافحه ».

ألا ومن أمّ قوما إمامة عمياء - وفي الأمّة من هو أعلم منه - فقد كفر

هذا المطلب يحكم به العقل قبل النقل، لأنّ ترك الأعلم، والتصدّي للإمامة وأمورها بلا هدى ولا برهان ولا دليل من الله ورسوله، ما هو إلاّ الكفر والضلال، ومع ذلك، فقد

٤٥٤

وردت روايات صريحة في هذا المطلب.

ففي تفسير العياشي ( ج ٢؛ ٩٠ - ٩١ ) عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد الله، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال: من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضالّ متكلّف.

وفي الغيبة للنعماني: ١١٥ بسنده عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من خرج يدعو الناس، وفيهم من هو أعلم منه، فهو ضالّ مبتدع، ومن ادّعى الإمامة من الله، وليس بإمام، فهو كافر.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٥٢) قال: وأروي « من دعا الناس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، فهو مبتدع ضالّ ».

وفي أمالي الطوسي (٥٦٠) بسنده عن أبي عمر زاذان في حديث ذكر فيه خطبة الإمام الحسنعليه‌السلام بعد صلحه مع معاوية، قال فيها: وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولّت أمّة أمرها رجلا، وفيهم من هو أعلم منه، إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا. ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٧٢؛ ١٥٥ ) عن كتاب البرهان، بسنده عن عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام في خبر طويل، أنّه قال: قال الحسن بن عليّعليهما‌السلام ورواه مثله. ورواه في المسترشد (٦٠٠) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، وهو في المسترشد أيضا (٦٠١) بسند آخر.

ويدلّ عليه ما في التحصين (٥٦٩) عن كتاب « نور الهدى » بسنده عن ابن عبّاس، في حديث قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : فأنت يا عليّ أمير من في السماء، وأمير من في الأرض، ولا يتقدّمك بعدي إلاّ كافر، ولا يتخلّف عنك بعدي إلاّ كافر، وإنّ أهل السماوات يسمّونك أمير المؤمنين. ونقله ابن طاوس في كتاب اليقين ( ٢٤١ - ٢٤٢ ) عن « المائة حديث » بنفس السند عن ابن عبّاس.

وفي كتاب التهاب نيران الأحزان (١٦) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّعليه‌السلام : ملعون ملعون من قدّم أو تقدّم عليه.

وانظر ما تقدّم في الطّرفة السادسة عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اعلموا أنّي لا أقدّم على عليّ أحدا،

٤٥٥

فمن تقدّمه فهو ظالم »، وقوله في الطّرفة الحادية عشر: « إنّ عليّا هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار ».

من كانت له عندي عدة فليأت فيها عليّ بن أبي طالب؛ فإنّه ضامن لذلك كلّه، حتّى لا يبقى لأحد عليّ تباعة

انظر ما تقدّم من تخريجات الطّرفة السابعة، حيث أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تراثه لعليّعليه‌السلام على أن يقضي دين النبي وينجز عداته.

ونزيد هنا بعض ما يتعلق بإنجار عليّعليه‌السلام عدات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٢١ - ١٢٢ ) قول عليّعليه‌السلام : ألا ترى يا طلحة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وأنتم تسمعون: يا أخي إنّه لا يقضي ديني ولا يبرئ ذمّتي غيرك، أنت تبرئ ذمّتي وتقاتل على سنّتي.

وفي الخرائج والجرائح (١٦٩) عن أبي حمزة الثمالي، عن السجاد، عن أبيهعليه‌السلام : كان عليّعليه‌السلام ينادي: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان كلّ من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلاّه فيجد كذلك تحته، فيدفع إليه.

وفي نظم درر السمطين (٩٨) عن الاعمش، عن المنهال، عن عباية، عن عليّعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ يقضي ديني، وينجز موعدي، وخير من أخلف بعدي من أهلي.

وفي مناقب الخوارزمي (٢٧) بإسناده عن أنس، عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب ينجز عداتي، ويقضي ديني.

هذا، وقد روى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣١٩ ) بسنده عن عبد الواحد بن أبي عون: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا توفّي أمر عليّ صائحا يصيح: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان يبعث كلّ عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك، حتّى توفّي عليّعليه‌السلام ، ثمّ كان الحسن بن عليّعليهما‌السلام يفعل ذلك حتّى توفّي، ثمّ كان الحسينعليه‌السلام يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده، رضوان الله عليهم وسلامه. قال ابن أبي عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى عليّ بحقّ

٤٥٦

ولا باطل إلاّ أعطاه.

وفي الخصال (٥٥١) في احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة، رواه بسنده عن أبي سعيد الورّاق، عن أبيه، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله، وناديت في الموسم بإنجاز موعده أم أنت؟! قال: بل أنت.

قال محقق الخصال: وقد أخرجه في كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٦ ) وقال أخرجه أحمد وابن جرير وصحّحه.

وانظر إثبات الوصيّة (٩٩) وأمالي المفيد ( ٦١، ١٧٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٣٢ ) و ( ج ٣؛ ٢١٤ ) والمسترشد ( ٢١٥، ٢٦٢، ٣٤٤، ٦٣٤ ) وكشف اليقين ( ٢٥٥ - ٢٥٦ ) ودلائل الإمامة (١٠٦) وأمالي الصدوق (٢٥٢) وأمالي الطوسي ( ٥٤٥، ٥٥٠ ) وكفاية الأثر ( ٢٠، ٧٥ - ٧٦، ١٢١، ١٣٥ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١١٣ - ١١٥ ) وتفسير فرات ( ١٥٤، ٥٤٥ ) وتفسير الإمام العسكريّ (١٧٨) والتهاب نيران الاحزان (٤٠) واليقين ( ١٣٧، ٢٢٧ ) وبشارة المصطفى ( ٥٤، ٥٨، ٥٩ ) والخصال ( ٥٥١، ٥٧٢ - ٥٨٠ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) والتحصين (٦٠٧) ومناقب الخوارزمي (٢١٠) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٥٠ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣١٩ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٥ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١١٣، ١٢١ ) وفيض القدير للمناويّ ( ج ٤؛ ٣٥٩ ) وكنز الحقائق (٩٢) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٣٨، ٢٦١ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٧٩ ) وتذكرة الخواص (٨٦).

٤٥٧

٤٥٨

الطّرفة الحادية والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرفة - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٧ - ٤٨٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ - ٨٩ ) بأدنى تفاوت.

مضمون هذه الطّرفة، وما مرّ في الطّرفة السابقة من قوله « لا ترجعنّ بعدي كفّارا » واحد؛ لأنّ نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابة عن رجوعهم كفّارا فيه معنى الإخبار بوقوع ذلك المنهي عنه هنا، وذلك كثير في لسان العرب وكلامهم، مثل قول الشاعر:

لا ألفينّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي(١)

فصورته النهي، ومعناه الإخبار، أي إنّني سألفينك بعد الموت تندبني.

ومثل هذا ما ورد في نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة عن الخروج في قوله: « ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، إيّاك أن تكونيها يا عائشة » فهذا النهي فيه معنى الإخبار بخروجها على إمام زمانها، ومقاتلتها إيّاه.

ويدلّ على هذا المراد حديث الحوض وارتداد الصحابة كما سيأتي، ويدلّ عليه الخلاف والتخاصم والقتال الّذي حدث بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتذييل الحديث بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لئن فعلتم لتجدنّي في كتيبة أضرب وجوهكم »، وأوضحها دلالة ما في تفسير القمّي ( ج ١؛ ١٧٢ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، حيث روى خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منى في حجّة الوداع، وفيها

__________________

(١) مروج الذهب ٣؛ ٢٥.

٤٥٩

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فإن فعلتم ذلك - ولتفعلنّ - لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه فسكت ساعة، ثمّ قال: إن شاء الله، أو عليّ بن أبي طالب ». فنهاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبر بأنّهم سيتركون أمره ويرجعون كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف.

وفي كشف اليقين ( ١٦١ - ١٦٢ ) عن علقمة والأسود، عن أبي أيّوب الأنصاريّ في خبر، قال فيه: ودخل عمّار فسلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرحّب به، وقال: إنّه سيكون من بعدي في أمّتي هنات، حتّى يختلف السيف فيما بينهم، وحتّى يقتل بعضهم بعضا، وحتّى يبرأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك، فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب، فإن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ واديا، فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس، إنّ عليّا لا يردّك عن هدى، ولا يدلّك على ردى، يا عمّار طاعة عليّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله. وهو في الطرائف ( ج ١؛ ١٠١ - ١٠٢ ) ومناقب الخوارزمي ( ١٢٤ - ١٢٥ ).

وفي الإرشاد (٩٦) قال: ثمّ كان ممّا أكّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لهعليه‌السلام من الفضل، وتخصصه منه بجليل رتبته، ما تلا حجّة الوداع من الأمور المتجدّدة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواة على الاتفاق والاجتماع، من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّها الناس إنّي فرطكم على الحوض، ألا وإنّي سائلكم عن الثقلين أيّها الناس، لا ألفينكم بعدي ترجعون كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجرّ السيل الجرار، ألا وإنّ عليّ بن أبي طالب أخي، ووصيّي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٢٦ - ٥٢٧ ) بسنده عن عبد الله بن عبّاس، وجابر بن عبد الله الأنصاري أنّهما سمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في حجّة الوداع - وهو بمنى -: لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّي في كتيبة يضاربونكم، فغمز جبرئيل من خلفه منكبه الأيسر، فالتفت فقال: أو عليّ، أو عليّ، فنزلت هذه الآية( قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلى

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627