مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219117 / تحميل: 6021
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

٥٠

يحل لعليعليه‌السلام في المسجد ما يحل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

سليم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده عسيب(١) رَطب ونحن في مسجده، فجعل يضربنا ويقول: لا ترقدوا في المسجد.

قال جابر: فخرجنا وأراد عليعليه‌السلام أن يخرج معنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أين تخرج يا أخي؟! إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي. أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن الله أمر موسى أن يبني مسجداً طاهراً طيباً لا يسكنه معه إلا هو وابناه شبر وشبير.

عليعليه‌السلام الذائد عن الحوض يوم القيامة

يا أخي، والذي نفسي بيده إنك لَلذائد عن حوضي بيدك كما يذود الرجل عن إبله الإبل الجربة، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي معك عصى من عوسج.(٢)

____________________

١. العسيب: جريدة من النخل كُشِط خوصها.

٢. العوسج: شجيرة من فصيلة الباذنجانيات، أغصانه شائكة وأزهاره مختلفة الألوان.

٤٠١

٥١

يحل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته فقط

سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: كأني أنظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصحن مسجده يقول:

«ألا إنه لا يحل مسجدي لجنب ولا لحائض غيري وغير أخي وغير ابنتي ونسائي وخدمي وحشمي. ألا هل سمعتم؟ ألا هل بيَّنت لكم؟ ألا لا تضلوا»، ينادي بذلك نداءً.

٤٠٢

٥٢

عليعليه‌السلام صديق الأمة وفاروقها

وذكر سليم بن قيس أنه جلس إلى سلمان وأبي ذر والمقداد في إمارة عمر بن الخطاب، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً. فقالوا له: عليك بكتاب الله فألزِمه، وعلي بن أبي طالب فإنه مع الكتاب لا يفارقه.

وإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إن علياً مع القرآن والحق، حيثما دارَ دارَ.(١) إنه أول من آمن بالله وأول من يُصافحني يوم القيامة من أمتي،وهو الصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل ، وهو وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي ويقاتل على سنتي».

أبو بكر وعمر انتحلا اسم غيرهما!

فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

فقالوا له(٢) :نحلهما الناس اسم غيرهما (٣) كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإمرة المؤمنين ،

____________________

١. هكذا في النسخ بصيغة المفرد.

٢. من هنا إلى آخر الحديث في «الفضائل» هكذا:

فقالوا له: الناس تجهل حق عليعليه‌السلام . كما جهل خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جهلا حق أمير المؤمنينعليه‌السلام . وما هما لهما باسم لأنهما اسم غيرهما. والله إن علياً هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر، والله إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنه أمير المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلمنا إليه - جميعاً وهما معاً - بإمرة المؤمنين والفاروق الأزهر وأنه الصديق الأكبر.

٣. أورد الكاندهلوي في حياة الصحابة: ج ٢ ص ٢٢ عن ابن شهاب قال: بلغنا أن أول من قال لعمر «الفاروق» أهل الكتاب.

٤٠٣

وما هو لهما باسم لأنه اسم غيرهما. إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلَّمنا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.(١)

____________________

١. ورد هذا الحديث في الإحتجاج للطبرسي بتفاوت كثير. ولذا نورد ما في الإحتجاج هيهنا:

قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً، فقال له سلمان: عليك بكتاب الله فألزمه وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فإنه مع القرآن لا يفارقه، فإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن علياً يدور مع الحق حيث دار، وإن علياً هو الصديق والفاروق، يفرق بين الحق والباطل.

قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

قال: نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله وإمرة المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلمنا جميعاً على علي بن أبي طالبعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

٤٠٤

٥٣

الدافع لحرب الجمل وصفين عند عليعليه‌السلام

سليم قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول يوم الجمل ويوم الصفين:

إني نظرت فلم أجد إلا الكفر بالله والجحود بما أنزل الله تعالى، أو الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاخترت الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على الكفر بالله والجحود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم، إذا وجدت أعواناً على ذلك.

إني لم أزل مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو وجدت قبل اليوم أعواناً على إحياء الكتاب والسنةكما وجدتهم اليوم لقاتلت ولم يسعني الجلوس.

٤٠٥

٥٤

أهل البيتعليهم‌السلام الشهداء على الناس

يحذر على الدين من ثلاثة رجال

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

احذروا على دينكمثلاثة رجال : رجل قرأ القرآن حتى إذا رآى عليه بهجته كأنَّ رداء للإيمان غيَّره إلى ما شاء الله، اخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك.

قلت: يا رسول الله، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي به منهما.

ورجل استخفَّته الأحاديث، كلما انقطعت أحدوثة كَذِب مثلها أطول منها. إن يدرك الدجال يتبعه.

ورجل آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمن عصى الله.

العصمة هي المناط في طاعة النبي والأئمةعليهم‌السلام

إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال:( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) ، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهمعصوم مطهرٌ لا يأمر بمعصية الله، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهممعصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله.

____________________

١. سورة النساء: الآية ٥٩.

٤٠٦

طريق أهل البيتعليهم‌السلام ينجي من الضلال

قال: ثم أقبل عليَّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام - حين فرغ من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال: لا بد من رحى ضلالة، فإذا قامت طحنت وإن لطحنها روقاً وإن روقها حدَّتها وعلى الله فلُّها.

إن أبرار عترتي وطيِّب أُرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً. ألا وبنا يفرِّج الله الضيِّق والزمان الكلب، وعلى أيدينا يغيِّر الكذب.

ألا وإنا أهل بيت من حكم الله حكمنا وقول صادق سمعنا، فإن تتبعوا سبيلنا وتسلكوا طريقنا وآثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تخالفونا تهلكوا، وإن تقتدوا بنا تجدونا على الكتاب أمامكم،وإن تخالفونا لم تضروا بذلك إلا أنفسكم .

إن الله يسأل الشهداء من أهل البيتعليهم‌السلام عن أهل زمانهم

إن الله سائل أهل كل زمان ويُدعى الشهداء عليهم في زمانهم منا،فمن صدق صدقناه ومن كذب كذبناه .(١) إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو المنذر الهادي الرسول إلى الجن والأنس إلى يوم القيامة، لا نبي بعده ولا رسول، ولا ينزل بعد القرآن كتاباً.

ولكل أهل زمان هاد ودليل وإمام يهديهم ويدلُّهم ويرشدهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم؛ كلما مضى هاد خلَّف آخر مثله. هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه.

____________________

١. يمكن قراءة هذه الفقرة بالتشديد هكذا: فمن صدَّق صدَّقناه ومن كذَّب كذَّبناه.

٤٠٧

إنا أهل بيت دعا الله لنا أبونا إبراهيمعليه‌السلام فقال: «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم»(١) ، فإيانا عنى الله بذلك خاصة.

ونحن الذين عنى الله: «يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» إلى آخر السورة(٢) ، فرسول الله الشاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه.

ونحن الذين عنى الله بقوله: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس» إلى آخر الآية.(٣) فلكل زمان منا إمام شاهد على أهل زمانه.(٤)

____________________

١. سورة إبراهيم: الآية ٣٧.

٢. سورة الحج: الآيتان ٧٧ و ٧٨. والآية الثانية هكذا: «وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير».

٣. سورة البقرة: الآية ١٤٣، وتمام الآية هكذا: «... ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم».

٤. ورد الحديث في خصال الصدوق بصورة أخصر وبتفاوت، وهذا نص ما في الخصال:

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: احذروا على دينكم ثلاثة رجال: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك. قلت: يا أمير المؤمنين، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي.

ورجلاً استخفَّته الأحاديث، كلما حدث أحدوثةَ كذبٍ مدها بأطول منها.

ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا ينبغي للمخلوق أن يكون حبه لمعصية الله، فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر. إنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته.

٤٠٨

٥٥

اعترافات سعد بن أبي وقاص بشأن أمير المؤمنينعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: لقيت سعد بن أبي وقاص وقلت له: إني سمعت علياًعليه‌السلام يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «اتقوا فتنة الأُخَيْنِس (١) ،اتقوا فتنة سعد ، فإنه يدعو إلى خذلان الحق وأهله». فقال سعد: اللهمَّ إني أعوذ بك أن أبغض علياً أو يبغضني، أو أقاتل علياً أو يقاتلني، أو أعادي علياً أو يعاديني.

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان سعد

إن علياً كانت له خصال لم تكن لأحد من الناس مثلها:

إنه صاحب براءة حين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يوم غزاة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، فإنه لا نبي بعدي».

وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه؛ فجهد عمر أن يرخص له في كوة صغيرة قدر عينه فأبى ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال عند ذلك حمزة والعباس وجعفر: «سددت أبوابنا وتركت باب علي»؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أنا سددتها ولا فتحت بابه، ولكن الله سدها وفتح بابه ».

وآخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين كل رجلين من أصحابه، فقالعليه‌السلام له: آخيت بين كل رجلين من أصحابك وتركتني؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة».

____________________

١. «ج» خ ل: الأخنس، بمعنى المتأخر والمتنحي.

٤٠٩

غزوة خيبر على لسان سعد

وقال في يوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: «ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون؟ لأدفعنَّ الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه خيبراً».

فلما أصبحنا اجتمعنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأريت رسول الله وجهي(١) فقال: «أين أخي، ادعوا لي علياً». فأتوه به، فإذا هو رَمِدٌ يقاد من رَمَده وعليه إزار وغبار الدقيق عليه وكان يطحن لأهله. فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضع رأسه في حجره وتفل في عينيه. ثم عقد له ودعا له، فما انثنى حتى فتح الله له وأتاه بصفية بنت حُيي بن أخطب، فأعتقها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها.

واقعة الغدير على لسان سعد

وأعظم من ذلك - يا أخا بني هلال(٢) -يوم غدير خم ، أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده- وأنا أنظر إليه - رافعاً عضديه فقال: «ألست أولى بكم من أنفسكم»؟ فقالوا: بلى. قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه. ليبلغ الشاهد الغائب».

محاولة سعد بن أبي وقاص تبرير نفاقه

قال سليم: وأقبل عليَّ سعد فقال: إنما شككت ولست بقاتل نفسي! إن كان سبقني إلى فضل غبت عنه إني لم أزعم أني مخطئ ولا مسىء، بل هو على الحق.

____________________

١. قائل هذا الكلام سعد بن أبي وقاص.

٢. المخاطَب به سليم بن قيس الهلالي.

٤١٠

٥٦

المهاجرون والأنصار لم يواجهوا علياًعليه‌السلام في حروبه

قال: وذكر سليم: أنه لم يكن معطلحة والزبير رجل واحد من المهاجرين والأنصار، ولا معمعاوية رجل من المهاجرين والأنصار، ولا معالخوارج يوم النهروان أحد من المهاجرين والأنصار.

سعد يخبر عن رئيس الخوارج

قال: وسمعت سعداً وذكرالمخدج ، قال: فقال عليعليه‌السلام : قُتل شيطان الوهدة. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أُمُّه أمَةٌ لبني سليم وأبوه شيطان»!

٤١١

٥٧

ندامة الثلاثة المتخلفين عن عليعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: وجلست يوماً إلى محمد بن مسلمة وسعد بن مالك وعبد الله بن عمر(١) ، فسمعتهم يقولون:لقد تخوَّفنا أن نكون قد هلكنا بتخلفنا عن نصرة علي وعن قتالنا معه الفئة الباغية.

فقلت: اللهمَّ إني قد سمعت علياًعليه‌السلام يقول: «أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين».

قال: فبكوا، ثم قالوا: صدق عليعليه‌السلام وبرَّ، ما قال على الله ولا على رسوله قط إلا الحق.فنستغفر الله من تخلفنا عنه وخذلاننا إياه .

____________________

١. هؤلاء الثلاثة هم الذين تخلفوا عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام والمسير معه إلى القتال. روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ص ٦٥ عن خفاف بن عبد الله قال: ثم تهيأ عليعليه‌السلام للمسير إلى البصرة وخفَّ معه المهاجرون والأنصار؛ وكره القتال معه ثلاثة نفر: سعد بن مالك (وهو ابن أبي وقاص) وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة.

وروى ابن أبي الحديد أن محمد بن مسلمة كان معهم (يوم بيعة أبي بكر) وأنه هو الذي كسر سيف الزبير. راجع البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٥٩.

٤١٢

٥٨

احتجاجات أبان على الحسن البصري

التبرك بتراب أقدام أمير المؤمنينعليه‌السلام

سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :

«لولا أن تقول طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه ».(١)

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان الحسن البصري

قال أبان: فحدثت الحسن بن أبي الحسن - وهو في بيت أبي خليفة(٢) - بهذا الحديث عن سليم عن سلمان. فقال الحسن: «والله لقد سمعت في علي حديثين ما حدثت بهما

____________________

١. ورد هذا الحديث في «ج» خ ل هكذا: سليم قال: سمعت سلمان يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : «لولا أن تقول أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه».

روي في البحار: ج ٦٨ ص ١٣٧ بإسناده عن جابر قال: لما قدم عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بفتح خيبر قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به...».

وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك بشأن عليعليه‌السلام في غزوة ذات السلاسل كما في البحار: ج ٢١ ص ٧٩.

٢. أبو خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي العبدي البصري هو الذي آوى إليه عدد ممن هرب من ظلم الحجاج الثقفي.

٤١٣

أحداً قط». فحدَّث بتسليم الملائكة عليه وحديث يوم أحُد.(١) فوجدتهما في صحيفة سليم بعد ذلك يرويهما عن عليعليه‌السلام أنه سمعهما منه.

أكاذيب الحسن البصري لتبرير نفاقه

قال أبان: فلما حدثنا بهذين الحديثين خلوت به وتفرق القوم غيري وغير أبي خليفة، وبتُّ ليلتي إذ ذاك عنده. فقال الحسن تلك الليلة: لولا رواية يرويها الناس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لظننت أن الناس كلهم هلكوا منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير عليعليه‌السلام وشيعته.

قلت: يا با سعيد،وأبو بكر وعمر ؟! قال: نعم.

____________________

١. روي في البحار: ج ٣٩ ص ٩ بإسناده عن ابن عباس أنه قال: انتدب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ليلة بدر إلى الماء. فانتدب عليعليه‌السلام فخرج وكانت ليلة باردة ذات ريح وظلمة. فخرج بقِربته، فلما كان إلى القليب لم يجد دلواً. فنزل إلى الجب تلك الساعة فملأ قربته ثم أقبل. فاستقبلَته ريح شديدة، فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت.

فلما جاء قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما حبسك يا أبا الحسن؟ قال: لقيت ريحاً ثم ريحاً ثم ريحاً شديدة، فأصابتني قشعريرة. فقال: أتدري ما كان ذلك يا علي؟ فقال: لا. فقال: ذاك جبرئيل في ألف من الملائكة وقد سلَّم عليك وسلَّموا. ثم مر ميكائيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا. ثم مرَّ إسرافيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٨٥ أنه أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم أحُد إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم عليعليه‌السلام فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم. فجاء جبرئيل: فقال: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة وعجبنا معها من حسن مواساة علي لك بنفسه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٧٢ عن ابن مسعود أنه قال: انهزم الناس يوم أحُد إلا علي وحده. فقلت: إن ثبوت عليعليه‌السلام في ذلك المقام لعجبٌ! قال: إن تعجَّبتَ منه فقد تعجَّبَت الملائكة. أما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي».

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٦٩ أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال يوم الشورى: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحُد حين ذهب الناس غيري؟ قالوا: لا.

٤١٤

قلت: وما تلك الرواية يا با سعيد؟ قال: قول حذيفة «قوم ينجون ويهلك أتباعهم». قيل: وكيف ذلك يا حذيفة؟ قال: «قوم لهم سوابق أحدثوا أحداثاً فتبعهم على أحداثهم قوم ليست لهم سوابق. فنجا أولئك بسوابقهم وهلك الأتباع بأحداثهم».(١) وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر - حين استأذنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة(٢) - فقال: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى عصبة أهل بدر فأشهد ملائكته: إني قد غفرت لهم فليعملوا ما شاءوا». وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر الموجبتين. قالوا: يا رسول الله، ما تعني بالموجبتين؟ قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار». فلست أرجو لأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير النجاة إلا بهذه الروايات والسلامة.

قلت: أتجعل حدث أبي بكر وعمر مثل حدث عثمان وطلحة والزبير، إن كان الأمر لعليعليه‌السلام دونهم من الله ورسوله؟

فقال: يا أحمق، لا تقولنَّ «إن كان»!هو والله لعلي دونهم ، وكيف لا يكون له دونهم بعد الخصال الأربع؟ ولقد حدثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الثقات ما لا أحصي.

قلت: وما هذه الخصال الأربع؟

قال: قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصبه إياه يوم غدير خم.

وقوله في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة»، ولو كان غير النبوة لاستثناه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد علمنا يقيناً أن الخلافة غير النبوة.

وخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخر خطبة خطبها للناس ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله إليه: «أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين - وجمع بين سبابتيه - لا كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - لأن إحديهما

____________________

١. لا يخفى أن هذه الرواية من الموضوعات التي تمسَّك بها الحسن البصري لتوجيه نفاقه.

٢. حاطب بن أبي بلتعة الخالفي اللخمي المتوفى سنة ٣٠، قد مر قصته في الحديث ١٥ من هذا الكتاب.

٤١٥

قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تولوا. لا تقدِّموهم فتهلكوا؛ ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم.

ولقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر وعمر - وهما سابعا سبعة - أن يسلِّموا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

ولعمري لئن جاز لنا - يا أخا عبد القيس(١) - أن نستغفر لعثمان وطلحة والزبير - وقد بلغ من حدثهم ما قد ظهر لنا - إنه ليسعنا أن نستغفر لهما.

فأما طلحة والزبير، فإنهما بايعا علياًعليه‌السلام - وأنا شاهد - طائعين غير مكرهين. ثم نكثا بيعتهما وسفكا الدماء التي قد حرم الله رغبة في الدنيا وحرصاً على الملك، وليس ذنب بعد الشرك بالله أعظم من سفك الدماء التي حرم الله.

وأما عثمان فأدنى السفهاء وباعد الأتقياء وآوى طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيِّر أولياء الله أبا ذر وقوماً صالحين وجعل المال دولة بين الأغنياء وحكم بغير ما أنزل الله، وكانت أحداثه أكثر وأعظم من أن تحصى، وأعظمهماتحريق كتاب الله ؛وأفظعها صلاته بمنى أربعاً خلافاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٢)

____________________

١. المخاطَب به أبان بن أبي عياش الذي كان من موالي يني عبد القيس. راجع المقدمة.

٢. راجع عن تحريق عثمان المصاحف: الحديث ١١ من هذا الكتاب.

وروي في البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٣١٢، والغدير: ج ٨ ص ١٠١ عن تاريخ الطبري وغيره: أنه حج عثمان بالناس في سنة ٢٩ فضرب بمنى فسطاطاً، فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى وأتم الصلاة بها وبعرفة. فذكر الواقدي بالإسناد عن ابن عباس قال: إن أول ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت السادسة أتمها، فعاب على ذلك غير واحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكلم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه عليعليه‌السلام فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. أوَلا عهدت نبيك يصلي ركعتين ثم أبا بكر، ثم عمر، وأنت صدراً من ولايتك. فما أدري ما يرجع إليه؟ فقال: رأي رأيته!!

راجع عن مثالب عثمان: بحار الأنوار: ج ٨ (طبع قديم) ص ٣٢٣ - ٣٠١، والغدير: ج ٨ ص ٣٨٧ - ٩ و ج ٩ ص ٦٩ - ٣.

٤١٦

قلت: أصلحك الله، فترحمك عليه وتفضيلك إياه؟

قال: إنما أصنع ذلك ليسمع بذلك أوليائه الطغاة العتاة الجبابرة الظلمة،الحجاج وابن زياد قبله وأبوه . أما علمت أنهم من اتهموه في بغض عثمان وحب عليعليه‌السلام وأهل بيته نفوه ومثلوا به وقتلوه؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس للمؤمن أن يذل نفسه». قلت: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرَّض من البلاء لما لا يقوى عليه ولا يقوم به.

وقد سمعت علياًعليه‌السلام يروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قتل عثمان وهو يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له.والله لولا التقية ما عبد الله في الأرض في دولة إبليس ». فقال له رجل: وما دولة إبليس؟ قالعليه‌السلام : «إذا ولّى الناس إمام ضلالة فهي دولة إبليس على آدم، وإذا ولّيهم إمام هدى فهي دولة آدم على إبليس ».

ثم همس إلى عمار ومحمد بن أبي بكر همسة وأنا أسمع، فقال: «ما زلتم منذ قبض نبيكم في دولة إبليس بترككم إياي واتباعكم غيري».

كيف بايع الناس علياًعليه‌السلام بعد قتل عثمان

ثم هرب من الناس ثلاثة أيام، فطلبوه فأتوه في خُصَّ(١) لبني النجار فقالوا: إنا قد تشاورنا في هذا الأمر ثلاثة أيام فما وجدنا أحداً من الناس أحق بها منك، فننشدك الله في أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تضيع وأن يلي أمرها غيرك. فبايعوه وكان أول من بايعه طلحة والزبير، ثم جاءا إلى البصرة يزعمان أنهما بايعا مكرهين، وكذبا.

ثم أتاه رجل من مَهْرَة(٢) - ومحمد بن أبي بكر بجنبه - فقال له عليعليه‌السلام - وأنا أسمع -: يا أخا مهرة، أجئت لتبايع؟ قال: نعم. قال: تبايعني على أنرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض والأمر لي، فانتزى علينا ابن أبي قحافة ظلماً وعدواناً. ثم انتزى علينا بعده عمر ؟ قال: نعم. فبايعه على ذلك طائعاً غير مكره.

____________________

١. الخُصَّ: البيت من قصب أو شجر.

٢. «مَهرة»: بلاد مقفرة في جزيرة العرب تقع بين حضرموت وعمان.

٤١٧

قال: فقلت للحسن: أفبايع الناس كلهم على هذا؟ قال: لا، إنما بايع من أمن ووثق به على هذا.

يا أخا عبد القيس، ولئن جاز لنا أن نستغفر لعثمان وقد ركب ما ركب من الكبائر والأمور القبيحة، إنه ليجوز لنا أن نستغفر لهما وقد عوفيا من الدماء وعفا في ولايتهما وكفا وأحسنا السيرة، ولم يعملا بمثل عمل عثمان من الجور والتخليط، ولا بمثل ما عمله طلحة والزبير من نكثهما البيعة وما سفكا من الدماء إرادة الدنيا والملك،وقد سمعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عما ركبا وعما أتيا فتركا أمر الله وأمر رسوله بعد الحجة والبينة استخفافاً بأمر الله وأمر رسوله.

ولئن قلت يا أخا عبد القيس: «إن أبا بكر وعمر قد سمعا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليعليه‌السلام »، فلقد سمع ذلك عثمان وطلحة والزبير ثم ركبوا ما ركبوا من الحرب وسفك الدماء وعوفيا من ذلك!

أبو بكر وعمر أول من أسس الضلالة في الأمة

ولئن قلت: «إنهما أول من فتح ذلك وسنَّه وأدخلا الفتنة والبلاء على الأمة بانتزائهما على ما قد علما يقيناً أنه لا حق لهما فيه وأن الله جعله لغيرهما، وأنهما سلَّما على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، ثم قالا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمرهما بالتسليم عليه: أمن الله ومن رسوله؟ قال: نعم، من الله ومن رسوله»،إن في ذلك لمقالاً .(١)

لقد قال لي أبو ذر - حين حدثني بتسليمهما على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، هو والمقداد وسلمان -: سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ما ولَّت أمة قط أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا ».

____________________

١. جواب لقوله «لئن قلت:...» أي لئن قلت هكذا فهذا كلام في محله.

٤١٨

اعتراف جميع الصحابة بخلافة عليعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

يا أخا عبد القيس، إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وجميع أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا يشكُّون ولا يختلفون ولا يتنازعون بينهم أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان أولهم إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم عناء في الجهاد في سبيل الله ومبارزة الأقران ووقايته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه.

وأنه لم ينزل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شديدة ولا كربة ولا مبارزة قرن وفتح حصن إلا قدَّمه فيها ثقة به ومعرفة بفضله وأنه أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه أحبهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأنه قد كان له كل يوم وكل ليلة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلوة ودخلة إليه، إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه. وأنه لم يحتج إلى أحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في علم ولا فقه، وأن جميعهم كانوا يحتاجون إليه وهو لا يحتاج إلى أحد.

وأن له من السوابق والمناقب وما أنزل فيه من القرآن ما ليس لأحد منهم، وأنه كان أجودهم كفاً وأسخاهم نفساً وأشجعهم لقاء. وما خصلة من خصال الخير له فيها نظير ولا شبيه ولا كفو، في زهده في الدنيا ولا في اجتهاده.

فمما خصه الله به أن أخذ على الناسبالفصل الأول (١) مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فلم يسبقه أحد منهم إلى خير ،ولم يؤمِّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحداً قط عليه ولم يتقدم أمامه أحد في صلاة قط .

____________________

١. إن الحسن البصري قسَّم حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام على فصلين: الفصل الأول جهاده في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفصل الآخر صبره وجهاده بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤١٩

الجواب عن قضية صلاة أبي بكر عند وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال أبان: قلت: يا أبا سعيد، أليس أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر أن يصلي بالناس؟

فقال: أين يذهب بك يا أبان؟ إن علياًعليه‌السلام لم يكن مع الناس الذين أمر أبا بكر أن يصلي بهم، وإنما كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمرضه ويوصي إليه ويصلي بصلاته. ثم لم يتم ذلك لأبي بكر، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخَّر أبا بكر وصلى بالناس.(١)

____________________

١. في «ب» هكذا: والله لقد خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخَّر أبا بكر عن المحراب فصلى بالناس.

روي في البحار: ج ٢٨ ص ١١٠ طبع قديم ص ٢٥ عن حذيفة بن اليمان أنه قال عند ذكر وقائع الأيام الأخيرة من عمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالبعليه‌السلام فصلى بالناس وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك.

فلما أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ليلته تلك - التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة - أذَّن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه. فأمرت عائشة صهيباً أن يمضي إلى أبيها فيعلمه: «أنَّ رسول الله قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس. فاخرج أنت إلى المسجد فصلِّ بالناس فإنها حال تهنئك وحجة لك بعد اليوم»!

قال: فلم تشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو علياًعليه‌السلام يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: «إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس»!! فقال له رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة، ولا والله لا أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة.

ثم نادى الناس بلال، فقال: على رِسْلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله في ذلك. ثم أسرع حتى أتى الباب فدقَّه دقاً شديداً، فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما هذا الدق العنيف؟ فانظروا ما هو؟ قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذاً بلال. فقال: ما وراءك يا بلال؟ فقال: إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك. فقال: أوَليس أبو بكر مع جيش أسامة؟ هذا هو والله الشر العظيم، طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

ودخل الفضل وأدخل بلالاً معه، فقال: ما وراءك يا بلال؟ فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخبر. فقال: «أقيموني، أقيموني، أخرجوا بي إلى المسجد. والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن». ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليعليه‌السلام والفضل بن العباس ورجلاه يجران في الأرض حتى دخل المسجد

٤٢٠

داخل النفوس البشريّة، وإثارتها من مكامنها، وإلى ذلك يشير قول الإمام عليّعليه‌السلام وهو يصف مهمّة الأنبياء: « فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول »(١) .

ولأجل ذلك أيضاً أمر الله سبحانه نبيّه محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يذكّر الناس بما خلقوا وفطروا عليه فقال:( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ) ( الغاشية: ٢١ ).

ولقد أشبعنا الكلام ـ في الجزء الأوّل ـ عند البحث عن المعرفة الفطريّة، وقلنا بأنّ الدين، واُصول فروعه الكليّة مركوزة في النفس البشريّة، وهو شيء أشار إليه قوله سبحانه:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( الروم: ٣٠ ).

فما هو المفطور عليه البشر هو الدين بمعناه الوسيع الشامل للعقيدة والأخلاق والقيم والسجايا وقد روى الفريقان عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: « ما من مولود إلّا يولد على الفطرة ثمّ أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه. ثُمّ قال:( فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) »(٢) .

عوامل تكوين الشخصيّة

وتتلخّص عوامل تكوين الشخصيّة وأجواء التربية في ثلاث اُمور أساسيّة هي :

١. الوراثة.

٢. التعليم.

٣. البيئة.

ولقد اهتم الإسلام بهذه الاُمور الثلاثة اهتماماً بالغاً، ورسم لها برامج ومناهج

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة الاُولى.

(٢) تفسير البرهان ٣: ٣٦١، التاج الجامع للاُصول ٤: ١٨٠.

٤٢١

دقيقة ورصينة ليمكن تكوين الشخصيّة الإنسانيّة المتكاملة والنفسيّة البشريّة الفاضلة ؛ وإليك تفصيل القول في كلّ واحد منها :

١. الوراثة

يرى علماء التربية والنفس للابتداء في تربية النشء مبدءاً معيّنا في عمر الإنسان، يعتقدون أنّه الوقت المناسب للتهذيب والتربية بيد أنّ الإسلام لا يرى ذلك بل يعتقد أنّ العناية بأمر الطفل يجب أن تبدأ منذ اللقاء الأوّل بين والديه، ومنذ انعقاد نطفته بل وقبل ذلك. لأنّ الإسلام يرى أنّ أكثر ما ينطوي عليه الأبوان من أخلاق وصفات تنتقل ـ بالوراثة ـ إلى أبنائهم، وتؤثّر على شخصيّتهم، ومسيرهم ومصيرهم، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العلميّة بالكناية البليغة، والاشارة الحسيّة اللطيفة حيث قال:( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) ( الأعراف: ٥٨ ).

إنّ الله سبحانه لم يكن يريد أن يقرّر للناس ما هم عارفونه، ومطّلعون عليه من ظواهر الطبيعة من أنّ الأرض الطيبة يكون نباتها طيباً، والخبيثة لا يُخرج منها إلّا النكد، بل كان يريد الإشارة إلى الدور الحسّاس الذي يلعبه عامل الوراثة وأخلاق الأبوين في المولود. وإلى ذلك يشير شيخ الأنبياء نوحعليه‌السلام حيث يدعو الله سبحانه أن لا يبقي من قومه الكفرة أحداً في الأرض لأنّهم إن بقوا لا يلدوا إلّا فاجراً كفّاراً إذ قال الله عنه:( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا *إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) ( نوح: ٢٦ ـ ٢٧ ).

وهي تكشف عن أنّ صلاح الوالدين يهيّء الأرضيّة لصلاح الولد كما أنّ فسادهما يهيّء الأرضيّة لفساده وانحرافه. كما قال الإمام عليّعليه‌السلام : « حُسنُ الأخلاق بُرهانُ كرم الأعراق »(١) .

__________________

(١) غرر الحكم: ٣٧٩.

٤٢٢

وإلى هذا الناموس الطبيعيّ ( الوراثة ) أشارت جملة كبيرة من الأحاديث، والمناهي الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المعصومين.

فقد نهى الإسلام عن التزوّج بالمرأة الحمقاء تجنّباً لمساوئ هذا الزواج إذ قال النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إيّاكُم وتزويج الحمقاء فإنّ صُحبتها بلاء، وولدُها ضياع »(١) .

كما نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تزويج الفاسق: « من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمه »(٢) .

ولتأثير الوراثة على الشخصيّة الإنسانيّة نرى أنّ الإمام عليّعليه‌السلام يأمر عامله الأشتر في عهده بالاتّصال بذوي المروءات وأصحاب الأحساب الكريمة حيث يقول: « ثمّ الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسّوابق الحسنة ثمّ أهل النجدة والشّجاعة والسّخاء والسّماحة فإنّهُم جماع من الكرم وشعب من العُرف »(٣) .

وذلك لما في هذه الناحية من الأثر الطيّب على فكر الإنسان وسلوكه وشخصيّته ونفسيّته.

ونهى عن تزويج الزانية والزاني إذ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لا تزوّجوا المرأة المستعلنة بالزّنا ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزّنا إلّا أن تعرفوا منهما التّوبة »(٤) .

ثمّ أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في رواية اُخرى إلى تأثير الزنا في نفسيّة الطفل المتولّد من الزنا بقوله: « ثانيهما: أنّه يحنّ إلى الحرام الّذي خُلق منهُ، وثالثُها: الاستخفافُ بالدّين »(٥) .

ولعلّه يكون لولد الزنا هذه الحال لأنّ والديه حينما يقومان بالزنا، يشعران بأنّهما ينقضان القانون، وهي صفة تنتقل إلى وليدهما ـ بالوراثة ـ فيكون الولد المتولّد منهما

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤: ٥٦.

(٢) الكافي ١: ٥٤.

(٣) نهج البلاغة: قسم الكتب ( الكتاب ٥٣ ).

(٤) مكارم الأخلاق: ١٠٤.

(٥) سفينة البحار ١: ٥٦٠.

ومن أراد الوقوف على بقيّة الروايات في هذا الباب وتأثير الوراثة على الطفل فليرجع إلى الجزء الرابع عشر من الوسائل من الصفحة ٤٧ إلى الصفحة ٥٧.

٤٢٣

مهيّئاً لنقض القانون، ويسهل ذلك عنده.

ولهذا حثّ الإسلام حثّاً شديداً على اختيار الزوجة الصالحة فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس »(١) .

وقال: « إيّاكم وخضراء الدّمن »

قيل: وما خضراء الدمن ؟

قال: « المرأة الحسناء في منبت سوء »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « طوبى لمن كانت اُمّه عفيفةً »(٣) .

وقال الحسين بن بشّار الواسطي كتبت إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّ لي قرابة قد خطب إليّ وفي خلقه سوء قال: « لا تزوّجه إن كان سيّء الخلق »(٤) .

وأنت إذا تصفّحت الأحاديث المرويّة في هذا المجال لوجدت أنّ الإسلام اعتبر صلاح الوالدين اللبنة الاُولى في صلاح الولد واستقامته. وقد صار هذا القانون معروفاً بين الناس حتّى عاد شاعرهم يقول :

ينشأ الصغير على ما كان والده

إنّ الاُصول عليها تنبت الشجر

ولابدّ من القول بأنّ ما ذكر حول عامل الوراثة، وأثره في تكوين شخصيّة الطفل ؛ لا يعني أنّ ما يرتسم في شخصيّة الطفل من أبويه ـ بالوراثة ـ لا يتغيّر ولا يخضع للتبدّل والتحوّل بحيث لا يمكن أن تؤثّر فيه عوامل اُخرى تقضي على ما ورثه من كريم السجايا وشريف الأخلاق أو سيّئها، بل يعني أنّ الوراثة، وصلاح الأبوين يعتبر عاملاً مقتضياً لصلاح الطفل وأرضيّة مناسبة لتنشئته نشأة صالحة مستقيمة، ما لم يمنع مانع، ولم يطرأ طارئ، كما حدث لولد نوح وغيره، وكذا العكس.

وهكذا يكون عامل الوراثة وصلاح الوالدين أوّل مدرسة للتربية السليمة ،

__________________

(١) غرر الحكم: ٣٧٩.

(٢) المحجّة البيضاء ٢: ٥٢، بحار الأنوار ٢٢: ٥٤.

(٣) بحار الأنوار ٢٣: ٧٩.

(٤) وسائل الشيعة ١٤: ٥٤.

٤٢٤

وتكوين الشخصيّة الصالحة. نعم إنّ صلاح الوالدين من حيث الصفات الذاتيّة وحده لا يكفي في نشأة الولد نشأة صالحة، بل يفرض الإسلام على الأبوين أن يتعاهدا ولدهما بالتربية العمليّة، والأدب السليم فقال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره وشرّه وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة على طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه »(١) .

وقال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « خير ما ورّث الآباء الأبناء الأدب »(٣) .

وحيث أنّ الكتب الأخلاقيّة الإسلاميّة قد تكفّلت بالبحث المفصّل والعميق في وظيفة الوالدين، فقد طوينا الكلام عنها في هذا الباب خاصّة، وفي مجالات التربية عامّة.

وفي الحقيقة يكون ما ذكرناه هنا دراسة عابرة للإشارة إلى وجود منهج التربية في الحكومة الإسلاميّة، والتفصيل موكول إلى الكتب المعدّة لذلك، ويكفي لمعرفة أهميّة التزكية والتهذيب، ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام : « أحبّ إخواني من أهدى إليّ عيوبي »(٤) .

* * *

٢. التعليم(٥)

عندما تتكوّن اُسس الشخصيّة وقواعدها في نفسيّة الطفل ـ بالوراثة ـ يأتي دور المعلّم، الذي يمثّل المدرسة التربويّة الثانية بعد مدرسة الأبوين وعامل الوراثة. فعلى

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣: ١٣٥، ورسالة الحقوق في آخر كتاب مكارم الأخلاق.

(٢) مجموعة ورّام ١: ٦.

(٣) غرر الحكم: ٣٩٣.

(٤) تحف العقول: ٣٦٦.

(٥) سوف يوافيك أنّ الحكومة الإسلاميّة يجب أن تقوم بمسؤوليّة التعليم والتثقيف الصحيح السليم.

٤٢٥

يدي المعلّم الصالح والمربّي الطيّب تنمو السجايا والصفات الحسنة، وتتكامل التربية لدى الطفل ولهذا يكون دور التعليم ـ في مصير الطفل ـ دوراً حسّاساً بالغ الخطورة جداً.

ففي هذه الفترة ـ بالذات ـ تتّخذ الشخصيّة شكلها الكامل تقريباً، ومن هنا حرص الدين الإسلاميّ على أن يكون جوّ التعليم جوّاً سليماً طاهراً وصالحاً للغاية، وذلك لأنّ قلب الطفل أسرع قبولاً لما يلقى فيه، فهو يتقبّل كلّ شيء من معلّمه، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ ولذلك قال الإمام عليّ لولده الحسنعليهما‌السلام : « وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما اُلقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك »(١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام لأبي جعفر الأحول حينما بعثه للتبليغ والتعليم: « عليك بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ الخير »(٢) .

إنّ هذه الفترة من أخطر الفترات وأكثرها حسّاسية في حياة الطفل ولذلك قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة »(٣) .

ولقد كان للتربية الصالحة والتعليم السليم آثاراً جليلة في التاريخ البشريّ فهاهو عمر بن عبد العزيز سليل الشجرة الملعونة على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تتغيّر طباعه وتتحوّل سجاياه إذ يتولاّه معلّم صالح بتربية صالحة فينشأ على خلاف ما نشأ عليه آباؤه وأسلافه ويفعل عكس ما يفعلوه.

قال عمر بن عبد العزيز: ( كنت غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود فمرّ بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان ونحن نلعن عليّاً، فكره ذلك ودخل المسجد، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وزدي، فلمّا رآني قام فصلّى وآطال في الصلاة شبه المعرض عنّي حتّى أحسست منه ذلك فلمّا انفتل من صلاته كلح في وجهي.

فقلت له: ما بال الشيخ ؟

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣: ٧١.

(٢ و ٣) الكافي ٦: ٩٣، ٤٧.

٤٢٦

فقال لي: يا بنيّ أنت اللاعن عليّاً منذ اليوم ؟!

قلت: نعم.

قال: فمتى علمت أنّ الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ؟

فقلت: يا أبت، وهل كان ( عليّ ) من أهل بدر ؟

فقال: ويحك ! وهل كانت بدر كلّها إلّا له ؟

فقلت: لا أعود.

فقال: الله إنّك لا تعود.

قلت: نعم.

فلم ألعنه بعدها.

ثمّ كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة، وهو حينئذ أمير، فكنت أسمع أبي يمرّ في خطبته تهدر شقاشقه حتّى يأتي إلى لعن عليّعليه‌السلام فيجمجم ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به، فكنت أعجب من ذلك.

فقلت له يوماً: يا أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك حتّى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييّاً ؟

فقال: يا بنيّ أنّ من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتّبعنا منهم أحد. فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلّمي أيام صغري فأعطيت الله عهداً لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لاُغيرنّه فلمّا منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك، وجعلت مكانه( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وكتبت إلى الافاق فصار سنّة(١) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤: ٥٨ المتوفّى (٦٥٥).

٤٢٧

٣. البيئة

إنّ للبيئة والمحيط أثراً كبيراً في تربية الشخصيّة البشريّة وتكوينها فالبيئة الصالحة الطاهرة تساعد على النشأة الصالحة، وعلى العكس تكون البيئة الفاسدة.

ويضرب القرآن الكريم لنا مثلاً عن تأثير البيئة في شخصيّة الإنسان وسلوكه، ومن المعلوم أنّ القرآن الكريم إذا ضرب مثلاً على أمر اختار نموذجاً كبيراً ومثلاً بارزاً جدّاً فهو يمثل لمن أثّرت البيئة الفاسدة في سلوكه ومصيره بامرأتي لوط ونوح إذ قال:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) ( التحريم: ١٠ ).

ولذلك حرص الإسلام على طهارة المجتمع وسعى في تطهيره من كلّ فساد وانحراف ؛ فأكّد مثلاً على اختيار الصديق الصالح لما له من الأثر على شخصيّة صديقه وخلقه وسلوكه قال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أراد الله به خيراً رزقه خليلاً صالحاً إن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً: « أسعد النّاس من خالط كرام النّاس »(٢) .

وقد ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيضاً أنّه قال: « المرء على دين خليله وقرينه »(٣) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « واحذر صحابة من يفيل رأيه وينكر عمله فإنّ الصّاحب معتبر بصاحبه »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « لا تصحب الشّرّير فإنّ طبعك يسرق من طبعه شرّاً وأنت لا تعلم »(٥) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من يصحب صاحب السّوء لا يسلم »(٦) .

__________________

(١ و ٢) بحار الأنوار ١٥: ٥١.

(٣) وسائل الشيعة ٤: ٢٠٧.

(٤) غرر الحكم: ٧٢٣.

(٥) ابن أبي الحديد ٢٠ الكلمة ١٤٧ص ٢٧٢.

(٦) مستدرك الوسائل ٢: ٦٥.

٤٢٨

وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله :

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكلّ قرين بالمقارن مُقتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

ولأجل ذلك قرّر الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي من شأنهما تطهير المجتمع كما منع من التجاهر بالمعصية لأنّ ذلك يهوّن الذنب ويزيل قبحه، ويجرّ إلى الانحراف الأخلاقيّ وإلى ذلك أشار الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « إنّ المعصية إذا عمل بها العبدُ سرّاً لم يضرّ إلّا عاملها فإذا عمل بها علانيةً ولم يغيّر عليه أضرّت بالعامّة »(١) .

ثمّ انّ الإسلام لم يكتف بتوجيه العناية إلى الاُمور الثلاثة المذكورة، وتقوية ما فطر عليه الإنسان، بل جعل له روادع وزواجر اُخرى فأكّد دور :

١. العقل.

٢. الأنبياء وأوصيائهم.

واعتبرهما حجّتين ملزمتين، قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : « إنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة وأمّا الباطنة فالعقول »(٢) .

وأمّا العقل فقد حثّ الإسلام على إحيائه والاهتمام بنداءاته والأخذ بإرشاداته لأنّه قادر على تمييز الخير عن الشرّ إذ قال الإمام عليّعليه‌السلام : « كفاك من عقلك ما أوضح لك سبيل غيّك من رُشدك »(٣) .

ومنع من كلّ ما يميت العقل ويقضي على نوره، ويعطل أثره فمنع عن شرب الخمر وتعاطيه مثلاً إذ قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٧.

(٢) الكافي ١: ١١.

(٣) نهج البلاغة: قسم الحكم ( الرقم ٤٢١ ).

٤٢٩

رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( المائدة: ٩٠ ).

وأمّا الأنبياء: فقد جهزهم سبحانه بكلّ ما يمكّنهم من تربية الناس تربية صالحة من برامج وتعاليم في هذا المجال.

والجدير بالذكر أنّ الإسلام اتّخذ طريقين حيويين ليجعل تعاليمه أكثر نفوذاً في النفوس وأكثر توفيقاً ونجاحاً في مجال التربية والتزكية وهما :

أوّلاً: إنّه بيّن للناس فلسفة الأحكام والتعاليم وعللها النفسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والصحّية ولم يكتف بتقديم النصائح الجافّة، وذلك ليقف الناس بأنفسهم على المفاسد التي تكمن في المناهي وأضرار المعاصي وإلى هذا يشير ما قاله الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : « إن قال قائل: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم، قيل: لأنّه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلّا بالأمر والنّهي والمنع من الفساد والتغاصب »(١) .

وكنموذج من هذه العلل نذكر ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام : « حرّم الله الخمر لفعلها وفسادها لأنّ مدمن الخمر تورّثه الإرتعاش وتذهب بنوره، وتهدم مروّته وتحمله أن يجسر على ارتكاب المحارم وسفك الدّماء، وركوب الزّنا ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك ولا يزيد شاربها إلّا كلّ شرّ »(٢) .

ولذلك علّل القرآن الكريم تحريمه للخمر والميسر بقوله سبحانه:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ( المائدة: ٩١ ).

وقد ألّف علماء الإماميّةرحمهم‌الله كتباً متعدّدة نظّموا فيها ما روي عن النبّي وأئمّة أهل البيت ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ حول فلسفة الأحكام وعللها ونخصّ بالذكر كتاب

__________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١٠١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧: كتاب الأطعمة والأشربة: ٢٤٤.

٤٣٠

( علل الشرائع ) تأليف الشيخ الصدوق المتوفّى ( ٣٨١ ه‍ )رحمه‌الله .

ثانياً: إنّه أردف أوامره ونواهيه بالتبشير بالثواب الإلهيّ أو الإنذار والتخويف من العذاب. وبذلك حقّق الإسلام ويحقّق نجاحاً كبيراً في مجال التربية يفقده أي برامج آخر سواه، ويدلّ عليه أخلاق المسلمين وسلوكهم حاضراً وماضياً خاصّة، وهي كانت سبب تقدمهم في السابق، كما يدلّ عليه اعتراف الأجانب والأباعد قبل الأصدقاء والأقارب، فقد قال بعض الباحثين عن التربية في الإسلام :

( لا يستطيع أحد من المربّين والمؤرّخين أن ينكر أنّ التربية الإسلاميّة هي الأساس المتين لحضارة المسلمين، والمثل العليا في تلك التربية تتّفق مع الاتّجاهات الحديثة في عالم التربية اليوم )(١) .

ومن هنا يتحتّم على الحكومة الإسلاميّة أن تخطّط لمنهج التربية، وتوفّر أجواءها الصالحة وتخصّص الميزانيّات اللازمة لها، وتستخدم في هذا السبيل كلّ الأجهزة المناسبة من وسائل الإعلام والتوجيه والثقافة وعمارة المراكز الدينيّة والعباديّة وما شابه. ومن المعلوم أنّ هذه الوظيفة تندرج في نطاق مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقسمه الاجتماعيّ العامّ الذي سبق أن قلنا انّه من واجب الدولة ووظيفتها ومسؤوليّتها وصلاحيّاتها.

هذا وقد قام علماء الإسلام بتأليف كتب كثيرة في علم الأخلاق. ولهذا نجد الاُمّة الإسلاميّة في غنى عن كلّ كتاب أخلاقيّ مؤلّف على أساس الفكر الغربيّ.

ومن أراد التوسع في هذا الباب فليراجع كتاب « طهارة النفس » أو « تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق » تأليف الإمام أبي عليّ بن محمّد ابن مسكويه المتوفّى عام ( ٤٢١ ه‍ ). وقد أثنى عليه المحقّق الخواجا نصير الدين الطوسيّ بقوله :

بنفسي كتاباً حاز كلّ فضيلة

وصار لتكميل البريّة ضامناً

__________________

(١) النظام التربويّ في الإسلام: ١٨.

٤٣١

و « أحياء العلوم » للإمام الغزاليّ المتوفّى عام ( ٥٠٥ ه‍ ) وهوكتاب فريد في بابه لم يؤلّف مثله وإن كان فيه بعض الهنات و « جامع السعادات » للعلاّمة النراقيّ المتوفّى عام ( ١٢٠٩ ه‍ ) إلى غير ذلك من المؤلّفات الأخلاقيّة.

وفي الختام نشير إلى نكتة هامّة وهي أنّه يتحتّم على علماء الأخلاق المسلمين إخراج الأخلاق الإسلاميّة في ثوب عصريّ حديث يتمشّى مع الحاجات والمشكلات العصريّة الراهنة في الشباب وغيرهم.

كما يتحتّم عليهم أن يستفيدوا في تهذيب اجتماع المجتمع من جميع الوسائل والأساليب التربويّة والعلوم الحديثة.

مسؤوليّة التعليم

تحتلّ مسألة التعليم بعد التربية مكانة مرموقة وحسّاسة في برامج ومسؤوليّات الحكومة الإسلاميّة، لا تقل أهمّية عن المسائل الاُخرى.

وبما أنّ البحث في هذا المجال واسع النطاق مترامي الأطراف، لا يسع لنا التعمّق فيه، في هذه العجالة من الوقت، لهذا نكتفي هنا بالإشارة والتلميح إلى بعض الخطوط في هذا المجال، تاركين تفاصيلها للكتب المفصّلة المخصّصة لبيان هذا الجانب المهمّ من جوانب الإسلام الحنيف.

لقد دعا ( الإسلام ) الاُمّة الإسلاميّة دعوة أكيدة وشديدة إلى تحصيل العلم واكتسابه بكلّ وسيلة ممكنة، ومهما كلّف ذلك من الثمن، وتطلّب من الجهد، قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : « لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللّجج »(١) .

وينطلق هذا الموقف من اهتمام الإسلام بالعلم والمعرفة، فللعلم والمعرفة مكانة عظيمة في هذا الدين تتجلّى في خلال ما جاء حولها من الآيات والنصوص الحديثيّة، وما

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ١٨٥.

٤٣٢

جاء حول أهل العلم ورجاله وطلاّبه من التجليل والتبجيل والاحترام والتكريم.

فقد قال سبحانه في كتابه الكريم:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ) ( الزمر: ٩ ).

وقال أيضاً:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة: ١١ ).

ويكفي للتدليل على شدّة اهتمام الإسلام بالعلم والعلماء أنّه وردت مادّة ( العلم ) في الكتاب العزيز ما يقارب (٧٧٩) مرّة(١) .

وأيّ أمر أدل على هذا الاهتمام والعناية من افتتاح الله سبحانه وحيه لنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بذكر العلم والقلم، فلقد ابتدأت الآيات التي نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في مطلع البعثة الشريفة بالأمر بالقراءة، وتحدثت عن القلم، وتعليم الإنسان ما لم يعلم، إشارة إلى أعظم موهبة إلهيّة بعد نعمة الخلق والإيجاد، إذ قال تعالى:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ( سورة العلق: ١ ـ ٥ ).

فهذه الآيات التي نزلت في بدء الدعوة وشروع الرسالة المحمديّة كانت بمثابة الخطب الافتتاحيّة التي يفتتح بها الرؤساء والقادة عهود حكمهم ورئاستهم ويبيّنون فيها منهج سياستهم وأهمّ الخطوط في برنامجهم للمستقبل، فكما أنّ هذه الخطب بحكم كونها ترسم السياسة المستقبليّة لذلك الرئيس ـ تأتي مدروسة الألفاظ، دقيقة المعاني، محسوبة العبارات وتكون مهمّة غاية الأهمّية لأنّها تعكس أهمّ أغراض الحاكم وأبرز اهتماماته، يكون افتتاح الوحي الإلهيّ بذكر العلم والقراءة والقلم وهو كناية عن الكتابة دليلا ـ وأيّ دليل ـ على العناية القصوى التي يحضى بها ( العلم ) في النظام الإسلاميّ.

وأيضاً يكفي للتدليل على هذه العناية الإسلاميّة القصوى بالعلم أنّ الله تعالى أقسم ـ في كتابه الكريم ـ بالقلم بقوله سبحانه:( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ( القلم: ١ ).

__________________

(١) راجع لذلك: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم مادّة ( علم ).

٤٣٣

وهو أمر ذو دلالة قويّة جداً وخاصّة في ذلك العصر الذي كان الاهتمام فيه بالعلم منعدماً أو كاد أن يكون كذلك(١) .

على أنّ ما جاء في الأحاديث والأخبار من النصوص المتضمّنة لبيان مكانة العلم والعلماء يضاهي ما جاء في القرآن

وأنت ـ أيّها القارئ الكريم ـ لو راجعت الموسوعات الحديثيّة، ترى من كثب كيف اهتمّت الأخبار والروايات بهذا الأمر اهتماماً بالغاً لا تجد له نظيراً بالنسبة إلى سائر الموضوعات ؛ ممّا يعني أنّ ( العلم ) انفرد بهذا المقام في الأحاديث واختصّ به دون غيره وإليك فيما يلي طائفة من هذه الأحاديث :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فضلُ العلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة »(٢) .

وقال أيضاً: « العلمُ رأس الخير كُلّه »(٣) .

وقال: « قليل من العلم خير من كثير من العبادة »(٤) .

ويروى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل ذات يوم إلى المسجد فإذا في المسجد مجلسان: مجلس يتفقّهون، ومجلس يدعون الله ويسألونه فقال :

« كلا المجلسين إلى خير، أمّا هؤلاء فيدعون الله، وأمّا هؤلاء فيتعلّمون ويفقّهون الجاهل. هؤلاء أفضل، بالتّعليم أرسلت »، ثمّ قعد معهم(٥) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « العلم أصل كلّ خير »(٦) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « العلم وراثة كريمة »(٧) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « قيمة كلّ أمرئ ما يحسنه »(٨) .

__________________

(١) روى البلاذري في فتوح البلدان: ٤٥٩، إنّ عدد من كان يحسن الكتابة في الأوس والخزرج كان قليلاً ولا يتجاوز (١١) شخصاً كما كان عدد من يحسن الكتابة في مكّة قليلاً أيضاً بحيث لا يتجاوز سبعة عشر كما في الصفحة ٤٥٧ من نفس الكتاب.

(٢) بحار الأنوار ١: ١٦٧، ١٨٥، ١٦٩.

(٣) بحار الأنوار.

(٤) بحار الأنوار ١: ١٦٧، ١٨٥، ١٦٩.

(٥) منية المريد: ١٣.

(٦) غرر الحكم: ٢٠.

(٧) بحار الأنوار ١: ١٦٧، ١٨٥، ١٦٩.

(٨) نهج البلاغة: قصار الكلمات ( الكلمة رقم ٨١ ).

٤٣٤

وقالعليه‌السلام أيضاً: « العلم ضالّة المؤمن »(١) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : « العلم أصل كلّ حال سنيّ ومنتهى كلّ منزلة رفيعة »(٢) .

وقال الإمام الباقر محمّد بن عليّعليه‌السلام : « الرّوح عماد الدّين، والعلم عماد الرّوح، والبيان عماد العلم »(٣) .

إلى غير ذلك من مئات الأحاديث والأخبار الدالّة على أهمّية العلم ومكانته العليا وموضعه الأرفع في الدين الإسلاميّ.

ومن هنا أكّد الإسلام على المسلمين أن يكتسبوا العلم ويحصلوا على المعرفة فقد روي عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم »(٥) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « الشّاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله »(٦) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : « طلب العلم فريضة على كلّ حال »(٧) .

وقال: « لست اُحبّ أن أرى الشّابّ منكم إلّا غادياً في حالين: إمّا عالماً أو متعلّماً فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النّار والّذي بعث محمّداً بالحقّ »(٨) .

__________________

(١ و ٣) بحار الأنوار ١: ١٦٩، ١٨١.

(٢) ـ بحار الأنوار ٢: ٣١ ـ ٣٢.

(٤) البحار ١: ١٧٧، وربّما ورد في بعض الأحاديث ذكر المسلم دون المسلمة والمراد به هو الجنس المسلم الشامل للذكر والاُنثى مثل( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) .

(٥) الكافي ١: ٣٠.

(٦) روضة الواعظين: ١٠.

(٧) بصائر الدرجات: ٣.

(٨) بحار الأنوار ١: ١٧٠، الحديث ٢٢.

٤٣٥

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة جدّاً.

وفي الوقت نفسه أوصى العلماء وأهل العلم أن يعلّموا الناس وينشروا الثقافة والعلم والمعرفة بينهم فقد روي عن الإمام عليّعليه‌السلام أنّه قال: « إنّ الله لم يأخذ على الجّهال عهداً بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال لأنّ العلم كان قبل الجهل »(١) .

وعن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال: « زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله »(٢) .

ولقد روي أنّ الإمام عليّ لـمّا كان يفرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم الناس(٣) .

ولقد اعتبر الإسلام تعليم الأولاد وتثقيفهم حقّاً واجباً من حقوق الأبناء على آبائهم فعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « من حقّ الولد على والده ثلاثة

يحسن اسمه

ويعلّمه الكتابة

ويزوّجه إذا بلغ »(٤) .

وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام أنّه قال: « الغلام يلعب سبع سنين ويتعلّم الكتابة سبع سنين ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين »(٥) .

وقد كشف الإمام عليّعليه‌السلام عن أنّ سنّ الطفولة هو أفضل فرصة لتلقّي العلم وأخذ المعرفة فقال: « وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته »(٦) .

ولذلك قالعليه‌السلام : « علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجّئة برأيها »(٧) .

__________________

(١ و ٢) الكافي ١: ٣٢ ـ ٣٣.

(٣) مستدرك الوسائل ٢: ٤١٧.

(٤) مكارم الأخلاق: ١١٤.

(٥) وسائل الشيعة ٧: ١٩٤.

(٦) نهج البلاغة: الخطبة ٣١.

(٧) بحار الأنوار ٢: ١٦.

٤٣٦

فلا بدّ إذن من استغلال هذه الظاهرة واغتنام الفرصة وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتّسم بالتوازن وحسن السلوك وحبّ الفضيلة والمعرفة.

ولقد فتح الإسلام باب تحصيل العلوم في وجه الجميع نساء ورجالاً من دون أي قيد أو شرط، إلّا شرطاً واحداً هو أن يتمّ هذا التحصيل في جوّ سليم عار من أي فساد أخلاقيّ أو انحراف معنويّ.

وتحقيقاً لهذا الأمر السامي وهو تعميم الثقافة والعلم حظر على المعلّمين أن يأخذوا الاُجرة ـ على تعليمهم بعض العلوم.

هذا بعد أن رفع مكانة المعلّم، وكشف عن جليل مقامه، واعتبر حقّه من أعظم الحقوق.

قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا حقّ سائسك بالعلم فالتّعظيم له، والتّوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرّغ له عقلك وتحضره فهمك، وتزكّي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللّذات، ونقص الشّهوات وأن تعلم أنّك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجّهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلّدتها »(١) .

وروي عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّعليه‌السلام أنّه قال: « إنّ رجلاً جاء إلى عليّ بن الحسين برجل يزعم أنّه قاتل أبيه فاعترف فأوجب عليه القصاص، وسأله أن يعفو عنه ليعظّم الله ثوابه فكأنّه لم تطب نفسه بذلك، فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام للمدّعي للدّم الوليّ المستحقّ للقصاص :

إن كنت تذكر لهذا الرّجل عليك فضلاً فهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذّنب ».

قال: أُريد القود [ أي القصاص ] فإن أراد لحقه على أن اُصالحه على الدية

__________________

(١) تحف العقول ـ رسالة الحقوق ص ٢٦٠.

٤٣٧

صالحته وعفوت عنه فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : « فماذا حقّه عليك ».

قال: يا ابن رسول الله لقّنني توحيد الله ونبوّة محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإمامة عليّ والأئمّة:

فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : « فهذا لا يفي بدم أبيك ؟

بلى والله يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأوّلين والآخرين سوى الأنبياء والأئمّة إن قتلوا، فإنّه لا يفي بدمائهم شيء إن يقنع منه الدية ».

قال: بلى.

قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام للقاتل: « افتجعل لي ثواب تلقينك له حتّى أبذل لك الدية فتنجو من القتل » ؟.

قال: يا ابن رسول الله أنا محتاج إليها وأنت مستغن عنها فإنّ ذنوبي عظيمة وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه لا بيني وبين وليّه هذا.

قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : « فتستسلم للقتل أحبّ إليك من نزولك عن هذا التّلقين » ؟.

قال: بلى يا ابن رسول الله.

فقال عليّ بن الحسين لوليّ المقتول: « يا عبد الله قابل بين ذنب هذا إليك وبين تطوّله عليك، قتل أباك، حرمه لذّة الدنيا وحرمك التّمتع به فيها على أنّك إن صبرت وسلمت فرفيقك أبوك في الجنان، ولقّنك الإيمان فأوجب لك به جنّة الله الدائمة وأنقذك من عذابه الأليم، فإحسانه إليك أضعاف جنايته عليك، فإمّا أن تعفو عنه جزاءً على إحسانه إليك، لأُحدّثكما بحديث من فضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير لك من الدّنيا بما فيها، وإمّا أن تأبى أن تعفو عنه حتّى أبذل لك الدية لتصالحه عليها ثمّ أخبرته بالحديث دونك فلمّا يفوتك من ذلك الحديث خير من الدّنيا بما فيها لو اعتبرت به ».

فقال الفتى: يا ابن رسول الله قد عفوت عنه بلا دية ولا شيء إلّا ابتغاء وجه الله

٤٣٨

ولمسألتك في أمره فحدّثنا يا ابن رسول الله بالحديث الخ »(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ معلّم الخيرات يستغفر له دوابّ الأرض وحيتان البحر وكلّ ذي روح في الهواء وجميع أهل السّماء والأرض »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « من علّم خيراً فله بمثل أجر من عمل به ».

قلت: فإن علّمه غيره أيجري ذلك ؟

قالعليه‌السلام : « إن علّمه النّاس كلّهم جرى له ».

قلت: فإن مات ؟ قال: « وإن مات »(٣) .

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما تصدّق النّاس بصدقة مثل علم ينشر ».

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « من علّم مسلماً مسألةً فقد ملك رقبته » فقيل يا رسول الله: أيبيعه ؟ قال: « لا، ولكن يأمره وينهاه »(٤) .

ثمّ إنّ التاريخ الإسلاميّ مليء بالنساء العالمات اللواتي حظين بالمقام العلميّ السامي بفضل ما أتاح لهنّ الإسلام من فرصة التعليم واكتساب المعرفة، وحتّى كان منهنّ المحدثات والراويات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أهل بيته المطهّرينعليهم‌السلام .

فها هو ابن الأثير يذكر في كتابه طائفة منهنّ روين أحاديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منهنّ :

أسماء بنت يزيد السكن الأنصاريّة ابنة عمّ معاذ بن جبل.

وأسماء بنت يزيد الأنصاريّة من بني عبد الأشهل التي روت رواية شريفة جداً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن سألته عمّا يلحق بالنساء من الأجر والمثوبة من خدمة أزواجهنّ واستحسن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله سؤالها ومنطقها وأدبها.

واُميمة مولاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واُميمة بنت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف.

وجويريّة بنت الحارث الخزاعيّة المصطلقيّة.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) بحار الأنوار ٢: ١٢ ـ ١٣، ١٧، ١٦، ٤٢.

٤٣٩

وحواء بنت زيد السكن الأنصاريّة الأشهليّة.

وخولة بنت عبد الله الأنصاريّة.

وزينب بنت جحش الأسديّة.

وزينب بنت خباب بن الأرت ( ذكرها البخاريّ في من روى عن النبيّ ).

واُمّ صابر بنت نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

وهذه نماذج من الصحابيّات والراويات التي تزخر بأسماءهنّ كتب أسماء الصحابة والرواة.

كما عقد العلاّمة المامقانيّ في كتابه الرجاليّ فصلاً خاصّاً وموسّعاً في ذكر النساء اللواتي لهنّ رواية عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ويعتبرن من حملة الحديث فعدّ منهنّ نساء بارزات في مجالات العلم والثقافة وذات شخصيّات ومواقف نبيلة، ومن أراد الوقوف على كامل أسمائهنّ فليراجع الجزء الثالث / الصفحة ٦٩ ـ ٨٣ من هذا الكتاب.

وها نحن نذكر هنا بعضاً منهنّ على سبيل المثال لا الحصر :

اُمّ أيمن التي شهدت مع الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء بنت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قضيّة فدك.

وأسماء بنت أبي بكر التي سمّاها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بذات النطاقين إشارة لموقفها في حصار الشعب.

واُمّ حزام التي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يكرمها ويزورها في بيتها، ويقيل عندها، وأخبرها بأنّها شهيدة.

واُمّ سلمة التي كانت تغزو مع رسول الله وروت عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث، وروى عنها ابنها انس.

واُمّ سلمة التي كانت من المهاجرات إلى الحبشة.

واُمّ كلثوم التي كانت جليلة القدر فصيحة بليغة.

وثويبة مولاة أبي لهب، وقد وقعت ضمن أسانيد الصدوق في كتاب من لا يحضره

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627