مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 218926 / تحميل: 6009
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء » فذيلها صريح في ان الشجرة من البيداء، فيكون الوادي جزء منها.

وفي صحيحة معاوية بن عمار عنهعليه‌السلام قال: إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر بالبيداء لاربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبّت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه... الحديث » ومثلها صحيحة العيص، فلو كانت البيداء على بعد ميل كما في كثير من الكلمات لكان ذلك بعد إحرام وحركة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو مكة.

وفي صحيحة زرارة والفضلاء ومصححة حمران عن ابي جعفرعليه‌السلام أن أسماء نفست بمحمد في ذي الحليفة، وكل من ترجم محمداًرضي‌الله‌عنه ذكر بأن ولادته كانت في ذي الحليفة أو بالشجرة، ففي سنن ابن ماجة وابي داود وغيرهما عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى النسائي واحمد من العامة عن انس أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وقصد جبل البيداء فأهل للحج، وعن ابن عمر ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بات بذي الحليفة ببيداء وصلى في مسجدها، فالشجرة وذي الحليفة والبيداء إشارة لمكان واحد.

وقد ذكرنا في المواقيت: أن الروايات في تعيين ميقات اهل المدينة على أربع طوائف، الاولى: مادل على ان الميقات هو ذو الحليفة، والثانية: أنه ذو الحليفة وفسر بمسجد الشجرة، والثالثة: ذو الحليفة وفسر بالشجرة، والرابعة: انه الشجرة، ولاريب ان المقصود من الشجرة هو المسجد اذ من الواضح عدم كون الميقات نفس الشجرة، فيدور الامر بين الطائفة الاولى والثانية.

٦١

وقد قيل في مقام الجمع ان الطائفة الثانية مفسرة للاولى او حاكمة عليها، بمعنى ان ذا الحليفة اسم للمسجد خاصة وليس بأعم منه، او هو أعم منه لكن التعبد ضيّق دائرته، فتكون النتيجة أن الميقات هو خصوص المسجد.

وهو كلام متين ووفق القواعد الصناعية لو كنا نحن وهذه الطوائف فقط، إلا انه هناك طائفة خامسة وهي صريحة في عدم انحصار الميقات في المسجد بل في بعضها نهي صريح عن الاحرام منه، المحمول على الاستحباب جمعاً بين الروايات.

ففي صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن التهيؤ للاحرام، فقال: في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ترى أناساً يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث المَيْل فتحرمون كما أنتم في محاملكم.

وصحيحة منصور بن حازم عنهعليه‌السلام قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش.

وصحيحة الحلبي عنهعليه‌السلام قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاينبغي لحاج ولالمعتمر أن يحرم قبلها ولابعدها، وقت لاهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج فاذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الاول احرم» فلو كان الميقات هو خصوص المسجد فحسب لكان الصدر والذيل متهافتين فتدبر.

وصحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: صل المكتوبة ثم احرم بالحج أو المتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى اول البيداء إلى أول ميل عن يسارك

٦٢

...» والمراد من «ثم احرم» اي إنو الحج او العمرة، يشهد له مرسل النضر المتقدم وصحيحة معاوية الاتية.

ومصححة علي بن جعفر عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها ان لايلبي حتى يعلو البيداء ؟ قال: لايلبي حتي يأتي البيداء عند أول ميل، فأما عند الشجرة فلا يجوز التلبية.

وصحيحة ابن سنان قال سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يلب حتى يأتي البيداء » وفي صحيحته الاخرى عنهعليه‌السلام : إنما لبى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على البيداء، لان الناس لم يكونوا يعرفون التلبية، فاحب ان يعلمهم كيفية التلبية »، وغيرها من الروايات الصريحة في جواز ابتداء التلبية عند اول ميل من ذي الحليفة، وحملها على الجهر بها خلاف صريح جملة منها، والإلتزام بكون النية لوحدها كافية لتحقق الإحرام خلاف صريح للنصوص.

كما انه لايوجد مايعارض هذه الروايات من النهي عن التلبية عند أول ميل، نعم روايات العامة فيها تعارض واختلاف، فعن ابن عمر - كما في سنن ابي داود وغيره - قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ما أهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا من عند المسجد، وفي سنن الترمذي عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد الحج أذن في الناس فاجتمعوا فلما اتى البيداء أحرم.

وقد حاول ابن عباس - كما في سنن ابي داود - من الجمع بين هذه الروايات المختلفة في مكان اهلال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة

٦٣

ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتين فسمع ذلك منه من قدم فحفظه عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وادرك ذلك منه أقوام... فقالوا انما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته، فلما علا شرف البيداء وأهل ادرك ذلك منه أقوام فقالوا انما أهل حين علا شرف البيداء » وهذا الجمع لايمكن ان يلتزم به اذ صريح نصوص الخاصة وبعض العامة تنفي أن اهلال الرسول وتلبيته كانت في المسجد فراجع.

فالصحيح في الجمع بين هذه الطوائف من الروايات ان تفسير ذي الحليفة بالمسجد من باب تسمية الكل باسم الجزء كما في قوله تعالى (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) وقوله ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) وقوله ( ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام ) ومن المعلوم ان المقصود بالمسجد في هذه الايات وغيرها هو مكة كما تفيده الروايات، فذو الحليفة ومسجد الشجرة والشجرة كلها مسمّيات لبقعة مكانية واحدة وهي الوادي.

ويشهد لهذا الجمع - مضافا لما مر - التعبير في بعض الروايات عن ذي الحليفة بالشجرة، ففي صحيحة ابن سنان قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : «ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحج فكتب الى من بلغه كتابه - الى ان قال - فأقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الأبط وحلق العانة والغسل والتجرد في ازار ورداء » وفي صحيحة ابن وهب « حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء » وغيرها من الروايات.

مع انه في جملة من الروايات المفصلة لحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٤

أن كل ذلك كان في ذي الحليفة، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام : فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى الى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى اتي المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر واحرم بالحج مفردا وخرج حتى انتهي الى البيداء عند الميل الاول فصف الناس له سماطين فلبى بالحج مفردا » فالرواية صريحة في ان الاغتسال في مكان من ذي الحليفة والصلاة في مكان آخر، فالمغتسل غير المصلى مكانا.

وليس هذا مختصاً بروايات الخاصة بل هو عند العامة كذلك، فقد روى ابو داود وابن ماجة عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى الدارمني في سننه عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر ان أسماء نفست بذي الحليفة، فالتعبير بالشجرة او مسجد الشجرة من باب تسمية الكل باسم الجزء شرافة وتبركا بالمسجد او الشجرة.

فما استغربه بعض الاعاظم من الفقهاء المعاصرين من مَيْلِ صاحب الحدائققدس‌سره الى وجوب تأخير التلبية الى البيداء تبعا للروايات الكثيرة ليس في محله، اذ ليس اول البيداء او بتعبير النصوص الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، ولعل عدم الاعتناء والعمل بهذه الروايات لدى عدة من الفقهاء قديما وحديثا ظنهم ان الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، فيقع التعارض بينه وبين روايات الميقات وإن التلبية هي المحققة للاحرام، والله العالم.

٦٥

الى البيداء(١)

، هذا للرجل وأما المرأة فليس عليها رفع الصوت بالتلبية أصلا.

والاولى لمن عقد الإحرام من سائر المواقيت تأخير التلبية إلى أن يمشي قليلا(٢) ، ولمن عقده من المسجد الحرام تأخيرها إلى الرقطاء وهي موضع دون الردم(٣) ، والردم موضع بمكة قيل: يسمى الان بمدعى بالقرب من مسجد الراية قبيل مسجد الجن.

مسألة ٥١: الواجب من التلبية مرة واحدة، نعم يستحب الإكثار منها وتكرارها ما استطاع، والأحوط(٤) لمن اعتمر عمرة التمتع قطع

____________________

(١) وهو خلاف جملة من الروايات، بل مقتضى الجمع بينها هو افضلية التلبية عند المَيل الاول، والله العالم.

(٢) لقولهعليه‌السلام في صحيحة هشام « وإن شئت لبّيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي » بحيث عدم الخروج من الميقات.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة الفضلاء « فإن شئت لَبّيْتَ خلف المقام وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير إلى الابطح ».

(٤) وجزم بوجوب القطع السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته وقواه البعض الاخر، وقد أدعي عليه الاجماع وقطع الاصحاب تبعا للروايات المتعددة، ولعل وجه احتياط الماتن دام ظله صحيحة زرارة قال سألته عليه

=

٦٦

التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكة القديمة، وحده لمن جاء من أعلى مكة عن طريق المدينة «عقبة المدنيين» ولمن جاء من أسفها «عقبة ذي طوى».

كما أن الأحوط(١) لمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم، وعند مشاهدة موضع بيوت مكة اذا كان إحرامه من أدنى الحل، ولمن حجّ بأيّ نوع من أنواع الحج قطعها

____________________

=

السلام أين يمسك المتمتع عن التلبية ؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لابيوت الابطح »، وصحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضاعليه‌السلام « أنه سال عن المتمتع متى يقطع التلبية، قال: إذا نظر الى عراش مكة عقبة ذي طوى، قلت: بيوت مكة، قال: نعم ».

ودعوى: بعض الاعلام ان صحيحة زرارة مجملة حيث لايعلم ماالمقصود من بيوت مكة هل القديمة او تعم البيوت المستحدثة فتكون الروايات الناصة على قطع التلبية اذا نظر الى بيوت مكة القديمة مبينة للمراد منها.

في غاية الفساد: اذ الابطح هو حد مكة القديمة، فالمقصود من بيوت مكة في صحيحة زرارة هي مكة القديمة لا المستحدثة.

(١) وجزم به وبشقه الثاني السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، وهو المشهور، ووجه التوقف اختلاف الروايات، والامر سهل.

٦٧

عند الزوال من يوم عرفة(١) .

مسألة ٥٢: إذا شك بعد لبس الثوبين وقبل التجاوز من المكان الذي لايجوز تأخير التلبية عنه في أنه قد أتى بها أم لا بنى على عدم الاتيان(٢) ، واذا شك بعد الاتيان بالتلبية انه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة(٣) .

الأمر الثالث: لبس الثوبين: (الازار والرداء) بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه، ويستثنى من ذلك الصبيان، فيجوز تأخير تجريدهم إلى فخ(٤) إذا ساروا من ذلك الطريق.

والظاهر أنه لايعتبر في لبسهما كيفية خاصة، فيجوز الإتزار

____________________

(١) نصاً واجماعا.

(٢) لأصالة العدم.

(٣) لقاعدة الفراغ.

* وإذا تبين له بعد الوقوفين أنه لم يؤد التلبية بصورة صحيحة فإن كان اللحن لايمنع من صدق التلبية عرفا فلا شيء عليه وإلا فليجددها في مكانه ويصح حجه أيضا.

(٤) لصحيحة ابن الحر قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصبيان من اين نجردهم ؟ فقال: « كان أبي يجردهم من فخ »، ونحوه صحيحة علي بن جعفر، وفخ بئر معروف على فرسخ من مكة.

٦٨

بأحدهما كيف شاء، والارتداء بالآخر أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات، وإن كان الأحوط لبسهما على الطريق المألوف(١) .

مسألة ٥٣: لبس الثوبين للمحرم واجب استقلالي وليس شرطاً في تحقق الإحرام على الأظهر(٢) .

مسألة ٥٤: الأحوط(٣) في الازار ان يكون ساتراً من السرة إلى الركبة، وفي الرداء ان يكون ساتراً للمنكبين والعضدين وقدرا معتدا به من الظهر.

والأحوط وجوبا كون اللبس قبل النيّة والتلبية(٤) ولو قدمهما عليه فالاحوط الاولى إعادتهما بعده(٥) ·

____________________

(١) لقول الحجةعليه‌السلام في مكاتبة الحميري « والأحب إلينا والافضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله» ومنشأ الاحتياط ضعف السند.

(٢) كما هو ظاهر جملة من الروايات الكثيرة.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ولادليل عليه ظاهراً إلا دعوى أن ذلك مسمى الصدق العرفي في الاتزار والارتداء، فتأمل.

(٤) كما نسب للمشهور، ووجه التوقف ان لبس الثوبين كما مر واجب مستقل لاشرطا في تحقق الاحرام.

(٥) لاحتمال شرطيته للإحرام.

٦٩

مسألة ٥٥: لو احرم في قميص جاهلاً أو ناسياً نزعه وصح إحرامه(١) ، بل الأظهر صحة إحرامه حتى فيما إذا احرم فيه عالماً عامداً(٢) ، واما إذا لبسه بعد الإحرام فلا إشكال في صحة إحرامه، ولكن يلزم عليه شقه واخراجه من تحت(٣) ·

مسألة ٥٦: لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وبعده للتحفظ من البرد أو الحر أو لغير ذلك(٤) ·

____________________

(١) إذ التجرد عن المخيط ليس شرطاً في صحة الإحرام، ولو كان شرطاً لوجب تجديد النية والتلبية، وظاهر الروايات نفيه، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في رجل احرم وعليه قميصه، فقال: « ينزعه ولا يشقه وإن كان لبسه بعدما احرم شقه واخرجه مما يلي رجليه » وظهورها في عدم الاشتراط واضحة، والظاهر انه لا خلاف بينهم في ذلك.

(٢) لعدم كون لبس الثوبين شرطا في صحة الاحرام، وعدم كون التروك دخيلة في الاحرام، إذ كما مر قصد ترك المحرمات أو قصدها - في الجملة - ليس من شروط او موانع الاحرام فراجع.

(٣) لصحيحة ابن عمّار المتقدمة.

(٤) لعدم المانع، مضافا لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المحرم يتردى بالثوبين، قالعليه‌السلام : « نعم والثلاثة ان شاء يقي بها الحر والبرد ».

٧٠

مسألة ٥٧: يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي(١) ، فيلزم ان لا يكونا من الحرير الخالص(٢) ، ولا من اجزاء السباع، بل مطلق مالايؤكل لحمه على الاحوط(٣) ، ولا من المُذّهب، ويلزم طاهرتهما كذلك(٤) ، نعم لا باس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها

____________________

(١) نصاً واجماعاً، ففي صحيحة حرير عنهعليه‌السلام «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه ».

(٢) تشهد له صحيحة ابي بصير قال: سئل أبو عبداللهعليه‌السلام عن الخميصة سداها ابريسم ولحمتها من غزل ؟ قال: لابأس بأن يحرم فيها، إنما يكره الخالص منه » وغيرها.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وأعاظم تلامذته وهو المشهور بين العلماء، ولعل وجه التوقف أن صحيحة حريز المتقدمة غاية ماتدل على أن كل ثوب يصلى فيه يصح الاحرام فيه، وليس لها دلالة على ان كل مالايصلى فيه لايحرم فيه بل هي ساكتة عن هذا الحكم، فتأمل.

وكان الاولى للماتن دام ظله أن يتوقف في اجزاء السباع اذ لامستند لحرمة مالايأكل لحمه إلا صحيحة حريز على الظاهر، نعم وردت مجموعة من الصحاح تنهي عن الصلاة في جلود السباع، ولعله للنهي عن الصلاة فيما لايأكل لحمه، فراجع.

(٤) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها ؟ قال: نعم اذا كانت طاهرة.

٧١

في الصلاة(١) .

مسألة ٥٨: الأحوط في الازار ان يكون جميعه ساتراً للبشرة غير حاك عنها(٢) ، ولايعتبر ذلك في الرداء(٣) .

مسألة ٥٩: الاحوط الأولى في الثوبين ان يكونا من المنسوج، ولا يكونا من قبيل الجلد والملبّد(٤) .

مسألة ٦٠: يختص وجوب لبس الازار والرداء بالرجال دون النساء، فيجوز لهنّ أن يحرمنّ في ألبستهنّ العادية(٥) على أن تكون واجدة للشرائط المتقدمة.

مسألة ٦١: ان حرمة لبس الحرير وإن كانت تختص بالرجال ولا يحرم لبسه على النساء إلاّ أن الاحوط(٦) للمرأة ان لا يكون ثوبها من

____________________

(١) ومستنده صحيحة حريز المتقدمة.

(٢) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ومستندهم في ذلك صحيحة حريز وقد تقدم الاشكال في دلالتها والتأمل فراجع.

(٣) لصحة الصلاة فيه.

(٤) لشبهة إحتمال عدم صدق الثوبين عليهما.

(٥) يمكن ان يستفاد ذلك من روايات جواز لبس المخيط لهنَّ وغير ذلك.

(٦) وجزم بعدم الجواز السيد الخوئي واعاظم تلامذته، ومن القدماء

=

٧٢

الحرير، بل الاحوط ان لاتلبس شيئا من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام(١) إلا في حال الضرورة كالاتقاء من البرد والحر(٢) .

مسألة ٦٢: إذا تنجس أحد الثوبين أو كلاهما بعد التلبس بالإحرام فالأحوط(٣) المبادرة إلى التبديل أو التطهير(٤) .

____________________

=

الصدوق والشيخ في المقنعة والسيد في الجمل والشهيد في الدروس، وذهب الى الجواز المفيد في احكام النساء وابن ادريس وأكثر المتأخرين، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، ولعل النصرة للقائلين بالجواز والله العالم.

(١) لاطلاق النصوص.

(٢) ففي موثقة سماعة عنهعليه‌السلام « لاينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فاما في الحر والبرد فلا بأس ».

(٣) مر انه يشترط طهارة ثوبي الاحرام عند عقده، وهل يشترط ذلك استدامة كما هو ابتداءا ؟ مقتضى ظهور جملة من الروايات اشتراط ذلك، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها، قال: نعم إذا كانت طاهرة » وفي صحيحة الاخرى قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة ؟ قال: لايلبسه حتى يغسله، واحرامه تام» ودعوى ان قولهعليه‌السلام «لايلبسه» ظاهر في أنه لم يتحقق اللبس بعد، باطلة لاستعمال مثل هذه الصيغة في الرفع والدفع، ومع اشتراط الطهارة استدامة لابد من المبادرة العرفية للتطهير او التبديل.

(٤) * فمرشد الحاج او غيره اذا تطلب عمله ان يبقى فترة طويلة في

٧٣

مسألة ٦٣: لا تجب الاستدامة في لباس الإحرام، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غيره ضرورة(١) ، كما لا بأس بتبديله على ان يكون البدل واجداً للشرائط.

تروك الإحرام

قلنا في ما سبق: إن الإحرام لا ينعقد بدون التلبية أو ما بحكمها وإن حصلت منه نية الإحرام، وإذا أحرم المكلّف حرمت عليه أمور، وهي خمسة وعشرون(٢) كما يلي:

١ - الصيد البري، ٢ - مجامعة النساء ٣ - تقبيل النساء، ٤ لمس المرأة، ٥ - النظر إلى المرأة وملاعبتها، ٦ - الاستمناء، ٧ - عقد النكاح ٨ - استعمال الطيب، ٩ - لبس المخيط أو مابحكمه للرجل،

____________________

(١) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال.

(٢) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال·

٧٤

١٠ - التكحل، ١١ - النظر في المرآة، ١٢ - لبس الخف والجورب للرجال ١٣ - الفسوق، ١٤ - المجادلة، ١٥ - قتل هوام الجسد، ١٦ التزين، ١٧ - الأدهان ١٨ - إزالة الشعر من البدن، ١٩ - ستر الرأس للرجال وهكذا الارتماس في الماء حتى على النساء، ٢٠ - ستر الوجه للنساء، ٢١ - التظليل للرجال، ٢٢ - إخراج الدم من البدن، ٢٣ - التقليم، ٢٤ - قلع الضرس ٢على قول، ٢٥ - حمل السلاح.

١ - الصيد البري

مسألة ٦٤: لا يجوز للمحرم استحلال شيء من صيد البرّ، سواء في ذلك اصطياده وقتله وجرحه وكسر عضو منه، بل مطلق إيذائه، كما لايجوز ذلك للمحلّ في الحرم أيضا، والمراد بالصيد الحيوان الممتنع بالطبع وإن تأهل لعارض، ولافرق فيه بين أن يكون محلّل الأكل أم لا على الاظهر(١) .

مسألة ٦٥: تحرم على المحرم إعانة غيره - مُحلاً كان أو محرماً - على صيد الحيوان البرّي، حتى بمثل الاشارة إليه، بل الأحوط عدم

____________________

(١) لشمول إطلاق الروايات لكل حيوان بري مطلقا.

٧٥

إعانته في مطلق مايحرم على المحرم استحلاله من الصيد.

مسألة ٦٦: لا يجوز للمُحرِم إمساك الصيد البري، والاحتفاظ به سواء اصطاده هو - ولو قبل إحرامه - أم غيره في الحلّ أم الحرم.

مسألة ٦٧: لايجوز للمحرم أكل شيء من الصيد وإن كان قد اصطاده المحل في الحلّ، كما يحرم على المحلّ - على الاحوط - مااصطاده المحرم في الحل قتله بالاصطياد أو ذبحه بعد اصطياده، وكذلك يحرم على المحلّ مااصطاده أو ذبحه المحرم أو المحلّ في الحرم.

* مسألة ٦٨: إذا اصطاد المحرم حيوانا في الحرم فأخرجه إلى خارج الحرم جاهلا بالحكم أو عالما به يجب عليه إعادته إلى الحرم.

مسألة ٦٩: يثبت لفرخ الصيد البّري حكم نفسه، وأما بيضه فلا يبعد حرمة أخذه وكسره وأكله على المحرم، والاحوط ان لايعين غيره على ذلك ايضا.

مسألة ٧٠: الأحكام المتقدمة - كما ذكرنا - إنما تختص بصيد البرّ، ومنه الجراد، وأما صيد البحر فلا بأس به، والمراد بصيد البحر ما يعيش في الماء فقط كالسمك، واما ما يعيش في الماء وخارجه فملحق بالبري، ولا بأس بصيد ما يشك في كونه برياً على الأظهر.

مسألة ٧١: كما يحرم على المحرم صيد البرّ كذلك يحرم عليه

٧٦

قتل شيء من الدوابّ وإن لم يكن من الصيد، ويستثنى من ذلك موارد:

١ - الحيوانات الاهلية - إن توحشت - كالغنم والبقر والإبل، ومالايستقلّ بالطيران من الطيور كالدجاج حتى الدجاج الحبشي (الغرغر) فإنه يجوز له ذبحها، كما لابأس بذبح مايشك في كونه أهلياً.

٢ - ماخشيه المحرم على نفسه أو أراده من السباع والحيات وغيرهما، فإنه يجوز له قتله.

٣ - سباع الطيور إذا آذت حمام الحرم، فيجوز قتلها أيضاً.

٤ - الأفعى والأسود الغدر وكل حيّة سوء والعقرب والفارة، فإنه يجوز قتلها مطلقاً، ولاكفارة في قتل شيء ممّا ذكر، كما لاكفارة في قتل السباع مطلقا - إلا الاسد - على المشهور.

وقيل بثبوت الكفارة - وهي قيمته - في قتل مالم يرده منها.

مسألة ٧٢: لابأس للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة، ولاكفارة لو أصابهما الرمي وقتلهما.

* مسألة ٧٣: لايجوز للمحرم قتل الوزغ.

١ - كفّارات الصيد

مسألة ٧٤: في قتل النعامة بدنة، وفي قتل بقرة الوحش بقرة،

٧٧

وكذا في قتل حمار الوحش على الأحوط، وفي قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في الثعلب على الأحوط.

مسألة ٧٥: من اصاب شيئاً من الصيد، فان كان فداؤه بدنة ولم يجد مايشتريه به فعليه اطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مد، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، وإن كان فداؤه بقرة ولم يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام، وإن كان فداؤه شاة ولم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.

مسألة ٧٦: في قتل القطاة والحجل والدراج ونظيرها حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر، وفي العصفور والقبرة والصعوة مد من الطعام على الاظهر، وفي قتل غير ماذكر من الطيور - كالحمامة ونحوها - شاة، وفي فرخه حمل أو جدي، وحكم بيضه إذا كان فيه فرخ يتحرّك حكم الفرخ، وإذا كان فيه فرخ لايتحرّك ففيه درهم، وكذا إذا كان مجردا عن الفرخ على الاحوط، وفي قتل جرادة واحدة تمرة أو كف من الطعام، والثاني افضل، ومع التعدد تتعدد الكفارة إلا إذا كان كثيرا عرفا فإن فيه شاة.

مسألة ٧٧: في قتل اليربوع والقنفذ والضب جدي وفي قتل العظاية كف من الطعام.

مسألة ٧٨: في قتل الزنبور متعمداً إطعام شيء من الطعام، واذا كان القتل دفعاً لايذائه فلا شيء عليه.

٧٨

مسألة ٧٩: إذا أصاب المحرم الصيد في خارج الحرم فعليه الفداء، او قيمته السوقية فيما لاتقدير لفديته، وإذا أصابه المحلّ في الحرم فعليه القيمة، إلا في الاسد فإن فيه كبشا على الاظهر، وإذا أصابه المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين.

مسألة ٨٠: يجب على المحرم ان ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد، فان لم يتمكن فلا بأس بقتلها.

مسألة ٨١: لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم كفّارة مستقلة.

مسألة ٨٢: كفّارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان.

مسألة ٨٣: إذا كان مع المحل صيد ودخل الحرم يجب عليه ارساله، فان لم يرسله حتى مات لزمه الفداء، ومن أحرم ومعه صيد حرم عليه إمساكه مطلقا كما تقدم، وإن لم يرسله حتى مات لزمه الفداء ولو كان ذلك قبل دخول الحرم على الأحوط.

مسألة ٨٤: لا فرق في وجوب الكفّارة في قتل الصيد وأكله بين العمد والسهو والجهل.

مسألة ٨٥: تتكرر الكفّارة بتكرر الصيد لخطأ أو نسيان أو اضطرار أو جهل يعذر فيه، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم، أو من المحرم مع تعدد الإحرام، واما اذا تكرر الصيد عمدا

٧٩

من المحرم في إحرام واحد فلا تجب الكفارة بعد المرة الاولى، بل هو ممن قال الله تعالى فيه:( ومن عاد فينتقم الله منه ) .

٢ - مجامعة النساء

مسألة ٨٦: يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع، وكذا أثناء العمرة المفردة وأثناء الحج قبل الاتيان بصلاة طواف النساء(١) .

مسألة ٨٧: إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قُبلاً أو دُبراً عالماً عامداً فإن كان بعد الفراغ من السعي لم تفسد عمرته ووجبت عليه الكفّارة(٢) وهي على الاحوط جزور أو بقرة(٣) ، وإن كان قبل الفراغ

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك أصلا.

(٢) كما هو مقتضى النصوص.

(٣) وذهب بعض الاعاظم إلى ان كفارته شاة والاحوط مافي المتن، وخيّر آخر بين الجزور والبقرة والشاة وإن كان الاحوط ان يكفّر الموسر بالجزور والمتوسط بالبقرة.

والروايات على ثلاث طوائف، ففي صحيحة معاوية انه ينحر جزورا، وفي صحيحة الحلبي عليه جزور او بقرة، وفي صحيحة ابن مسكان عليه دم

=

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

وقالعليه‌السلام : « من كسل عمّا يُصلحُ به أمر معيشته فليس فيه خير لأمر دُنياهُ »(١) .

وقالعليه‌السلام : « ليس منّا من ترك دُنياهُ لآخرته، ولا آخرته لدُنياهُ »(٢) .

وقالعليه‌السلام : « لا تكسل عن معيشتك فتكُون كلاًّ على غيرك ( أو قال: على أهلك ) »(٣) .

وقال الإمام الكاظمعليه‌السلام : « إنّ الله تعالى ليُبغضُ العبد النوّام، إنّ الله تعالى ليُبغضُ العبد الفارغ ( العاطل ) »(٤) .

وحثّ على العمل والسعي والاشتغال بكلّ عمل مفيد كالتجارة والزراعة، والصناعة وما شابهها من الاُمور التي تدرّ على الإنسان بالرزق الحلال وتؤدّي إلى إنعاش الاقتصاد وإليك طائفة من الروايات في هذا المجال :

قال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « العبادةُ سبعُون جُزءاً أفضلُها طلبُ الحلال »(٥) .

وقال: « من المـُروّة استصلاحُ المال »(٦) .

وقال: « اتّجرُوا بارك الله لكُم »(٧) .

وقال: « نعم العونُ على تقوى الله الغنى »(٨) .

وروي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا أقبل من غزوة تبوك استقبله سعد الانصاريّ فصافحه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال له: « ما هذا الذّي أكبت ( أخشن ) يديك ؟! »

قال يا رسول الله: أضرب بالمرّ والمسحاة فأنفقه على عيالي، فقبّل يده رسول الله، وقال: « هذه يد لا تمسّها النّارُ »(٩) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى يُحبّ الـمُحترف الأمين »(١٠) .

__________________

(١ و ٣ و ٥ و ٧) الوسائل ١٢: ٥٨، ٣٧، ١٣، ٥.

(٢ و ٤ و ٦ و ٨ و ١٠) من لا يحضره الفقيه ٣: ٩٤، ١٠٣، ١٠٢، ٩٤، ٩٥.

(٩) اُسد الغابة ٢: ٢٦٩.

٤٨١

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إن الله ليُحبُّ الاغتراب في طلب الرّزق »(١) .

وقال أيضا: « نعم العون: الدّنيا على الآخرة »(٢) .

وقال أيضا: « إنّي لأُحبّ أن أرى الرجُل مُتحرّفاً [ أو متبكّراً ] في طلب الرّزق »(٣) .

وكان الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب يخرج في الهاجرة ( وقت الظهر ) في الحاجة قد كفيها، يريد أن يراه الله يتعب نفسه في طلب الحلال »(٤) .

وقال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « طلبُ الحلال فريضة على كُلّ مُسلم ومُسلمة »(٥) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « كان أمير المُؤمنين يحتطبُ ويستقي ويكنسُ، وكانت فاطمةُ تُطحنُ وتعجنُ وتخبزُ »(٦) .

وقال أيضا: « الكادّ على عياله من حلال كالمـُجاهد في سبيل الله »(٧) .

وقال أيضا: « إصلاحُ المال من الإيمان »(٨) .

وعن الفضل بن أبي قرّة قال: دخلنا على أبي عبد الله [ الصادق ] وهو يعمل في حائط له فقلنا: جعلنا الله فداك دعنا نعمل لك، أو تعمله الغلمان، قال: « لا، دعُوني فإنّي أشتهي أن يراني الله عزّ وجلّ أعملُ بيدي وأطلبُ الحلال في أذى نفسي »(٩) .

وقال: الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : « إعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً »(١٠) .

وقال: « لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى تكون فيه خصال ثلاث: الفقه في الدّين وحسن التّقدير في المعيشة والصّبر على الرزايا »(١١) .

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) من لا يحضره الفقيه ٣: ٩٤، ٩٥، ٩٥، ٩٩.

(٥) بحار الأنوار ١٠٣: ٩.

(٦ و ٧ و ٨) من لا يحضره الفقيه ٣: ١٠٤.

(٩ و ١٠) من لا يحضره الفقيه ٣: ٩٤ و ٩٨.

(١١) تحف العقول: ٣٢٤.

٤٨٢

وعن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبيه قال رأيت أبا الحسن [ الكاظم ]عليه‌السلام يعمل في أرض له، وقد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك أين الرجال ؟ فقالعليه‌السلام : « يا عليّ عمل باليد من هو خير منّي ومن أبي في أرضه » فقلت: من هو ؟ فقال: « رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين وآبائي: كلّهم قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النّبيّين والمرسلين والصّالحين »(١) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « تعرّضوا للتّجارات فإنّ لكم فيها غنىً عمّا في أيدي النّاس »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « ازرعوا واغرسوا فلا والله ما عمل النّاس عملاً أحلّ ولا أطيب منه »(٣) .

وقال أيضا: « الزّارعون كنوز الأنام يزرعون طيّباً أخرجه الله عزّ وجلّ وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً، وأقربهم منزلةً يدعون المباركين »(٤) .

وقال: « الّذي يطلب من فضل الله عزّ وجلّ ما يكفّ به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله »(٥) .

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « طلب الكسب فريضة بعد الفريضة »(٦) .

ولعلّ أجمع ما ورد حول تشجيع الزراعة والصناعة والعناية بالاقتصاد في الإسلام هو ما كتبه الإمام عليّعليه‌السلام في عهده المعروف للأشتر النخعيّ حينما ولاّه على مصر إذ قال: « وتفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإنّ في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلّا بهم، لأنّ النّاس كلّهم عيال على الخراج وأهله.

وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنّ ذلك لا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣: ٩٨.

(٢ و ٣ و ٤) وسائل الشيعة ١٢: ٤ ـ ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٥) الكافي ٥: ٨٨.

(٦) بحار الأنوار ١٠٣: ١٧.

٤٨٣

يُدركُ إلّا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلّا قليلاً. فإن شكوا ثقلاً أو علّةً أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم ولا يثقلنّ عليك شيء خفّفت به المؤونة عنهم، فإنّه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك ».

ثمّ يقول: « ثمّ استوص بالتجّار وذوي الصّناعات وأوص بهم خيراً المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفّق ببدنه فإنّهم موادّ المنافع وأسباب المرافق وجلاّبها من المنافع والمطارح في برّك وبحرك وسهلك وجبلك وتفقّد امورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك وأعلم ـ مع ذلك ـ أنّ في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحّاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكّماً في البياعات وذلك باب مضرّة للعامّة وعيب على الولاة فامنع من الاحتكار فانّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منع منه وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرةً بعد نهيك إيّاه فنكّل به وعاقبه من غير إسراف ».

إلى غير ذلك من الأحاديث والروايات الوافرة التي يضيق بذكرها المجال.

موضع الزهد والتوكّل في الإسلام

ربّما يتوهّم وجود المنافاة بين دعوة الإسلام إلى العمل ونبذ الكسل وما يدلّ على لزوم الزهد والتوكّل على الله في الاُمور، وهذا وهم يقف على بطلانه من له إلمام بالكتاب والسنّة، فإنّ الزهد الذي ندب إليه الإسلام، والتوكّل الذي حثّ عليه ليس بمعنى ترك تحصيل الدنيا وترك الاشتغال والعمل، وإنّما يراد من الزهد عدم التعلّق بالدنيا كما فسّرته الأحاديث الشريفة ومنها قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « الزّهد في الدّنيا قصر الأمل، وشكر كلّ نعمة والورع عمّا حرّم الله عليك »(١) .

__________________

(١) معاني الأخبار للصدوق: ٢٣٩، ونهج البلاغة: الخطبة رقم ٧٩.

٤٨٤

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « ليس الزّهدُ في الدّنيا بإضاعة المال، ولا بتحريم الحلال بل الزّهدُ في الدّنيا أن لا تكون بما في يدك أوثقُ منك بما في يد الله عزّ وجلّ »(١) .

وعن الإمام عليّعليه‌السلام أنّه قال: « الزّهدُ بين كلمتين من القُرآن: قال الله سُبحانهُ:( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) ومن لم يأس على الماضي، ولم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزّهد بطرفيه »(٢) .

وعن الإمام عليّ بن الحسين السجّادعليه‌السلام أنّه جاءه رجل فقال له :

فما الزهد قال: « الزّهدُ عشرُ درجات، فأعلى درجات الزّهد أدنى درجات الرّضا، ألا وإنّ الزّهد في آية من كتاب الله( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) »(٣) .

وأمّا التوكّل على الله فلا يعني ترك العمل بل يعني أن يتوسّل الإنسان بكلّ الأسباب الظاهريّة لقضاء حوائجه، ولكي يرفع كلّ نقص في الأسباب الطبيعيّة يستمدّ المدد والعون من الله، ويستعينه على التوفيق.

إنّ الإنسان المتوكّل يعلم أنّه يعيش في عالم الأسباب والمسبّبات وأنّ إرادة الله تعلّقت بأن يتوصّل الإنسان إلى مقاصده عن طريق هذه الأسباب، فيكون التمسّك بهذه الأسباب أخذاً بأمره، واتّباعاً لقانونه، ولكن حيث إنّ هذه العلل والأسباب قد تقصر عن اداء المطلوب، أو ربما لا يتعرّف الإنسان عليها أو على بعضها أو ربّما يعوقه عائق فإنّ الله يأمر المسلم بأن يتّكل على قدرة الله المطلقة، ويطلب منه العون والمدد على قضاء حوائجه دون أن يقنط أو ييأس اتّجاه هذه المشاكل، ويزداد هذا المعنى وضوحاً إذا علمنا بأنّ الحثّ على التوكّل والأمر به جاء في سياق آيات الجهاد والقتال والمرابطة، والعمل، والاجتهاد وقد خاطب الله ـ في الأغلب ـ به المجاهدين، وإليك طائفة من هذه الآيات، قال سبحانه:( إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ

__________________

(١) معاني الأخبار للصدوق: ٢٣٩.

(٢) نهج البلاغة: الحكم رقم ٤٣٩.

(٣) معاني الأخبار للصدوق: ٢٣٩.

٤٨٥

المُؤْمِنُونَ ) ( آل عمران: ١٢٢ ).

وقال:( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( آل عمران: ١٧٣ ).

وقال:( نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ *الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( العنكبوت: ٥٨ ـ ٥٩ ).

وقال:( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ( آل عمران: ١٥٩ ).

وخلاصة القول: أنّ التوكّل على الله ليس بالمعنى المحرّف الذي ذهب إليه فريق من الناس من أنّه ترك العمل والجهد والسعي، بل يعني أنّ الإنسان قد يواجه في حياته مشكلات يعجز عن التغلّب عليها وتجاوزها فعليه أن يستمد العون من الله تعالى، وبهذا الطريق يحارب اليأس، وتزداد روحه قوّة وصموداً، ويتغلّب على مشكلاته.

وبعبارة اُخرى: إنّ التوكّل هو قسم من التوحيد الأفعالي الذي يعني أن يعتقد المسلم بأنّه لا مؤثّر مستقل في الوجود إلّا الله سبحانه، وأمّا غيره فليست إلّا مؤثّرات وعوامل بإذنه ومشيئته سبحانه، وبهذا لا يكون التوكّل منحصراً في صعاب الاُمور، بل يعمّ هيّنها وصعبها جميعاً لأنّ معناه ـ حينئذ ـ هو أنّ العبد لا يقوم بفعل مهما كان سهلاً أو صعباً إلّا بحول الله وقوّته وإلاّ بعونه وطوله سبحانه وتعالى، وأنّ جميع الأسباب مؤثّرة بإذنه سبحانه، ولعلّ الحديث التالي أوضح برهان على ما ذكرناه في معنى التوكّل مضافاً إلى ما سبق من الأحاديث :

عن عليّ بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد الله [ الصادقعليه‌السلام ]: « ما فعل عُمرُ بنُ مُسلم » قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال :

« ويحه أما علم أنّ تارك الطّلب لا يستجاب له ».

إنّ قوماً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا نزلت( وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا، فبلغ

٤٨٦

ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأرسل إليهم وقال: « ما حملكم على ما صنعتم ؟ » فقالوا: يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، قال: « إنّه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطّلب »(١) .

٣. الإسلام يقرّ مبدأ التنافس

إنّ الإسلام لم يكتف بالحثّ على العمل والسعي بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أقر التنافس السليم لأنّ ذلك يوجب تفتّح المواهب وتحرّك القابليّات الذي من شأنه تقدّم الاقتصاد، بل وازدهار الحياة، ولذلك فهو يقرّ كلّ ملكيّة حاصلة عن سبب مشروع كائناً من كان صاحبها، فلا يؤمم وسائل الإنتاج بصورة مطلقة لأنّ ذلك يقتل الدوافع الذاتيّة لدى الأفراد، ويقضي على الحوافز الشخصيّة، ويوجب ذلك شلل الاقتصاد كما هو الحال في الأنظمة الاشتراكيّة، ولكنّه منعاً من ظهور الرساميل الكبيرة ـ جدّاً ـ جعل الإسلام المنابع الطبيعيّة ـ التي سيوافيك ذكرها في الأنفال ـ في ملكيّة الدولة الإسلاميّة.

ولا يخفى أنّ الكثير من الرساميل والثروات الضخمة الهائلة جداً تنشأ عادة من استيلاء الأفراد على هذه المنابع واستقلالهم ـ دون الناس ـ باستثمارها واستخراجها دون رقيب، وبلا حساب، ويكفي أن نعرف أنّ في إيران وحدها (٨٠٠) نوعاً من المعادن الغنيّة جدّاً، في حين لا يستثمر سوى عُشر هذه المعادن لا أكثر وهي تشكّل ثروات لا يمكن تحديد عائداتها إطلاقاً ولقد كان استثمار أكثر هذه المعادن في العهد المباد يعود إلى جماعة خاصّة من الرأسماليين الكبار الذين كنزوا من عائداتها ثروات لا تحدّ ولا تعدّ.

إنّ الإسلام بتأميمه للثروات الطبيعيّة وجعلها للعموم منع من ظهور الملكيّات الهائلة.

هذا مضافاً إلى أنّ الدولة الإسلاميّة يجوز لها أن تمنع الأفراد من توظيف الأموال في

__________________

(١) نور الثقلين ٥: ٣٥٤ ـ ٣٥٥.

٤٨٧

الأقسام الضخمة والكبيرة كالصنائع الاُمّ، وشركات انتاج الطاقة وإسالة المياه، والمواصلات الجويّة وما شابه، ممّا يدرّ بالدخل غير المحدود على أصحاب تلك الأموال، حتّى يمنع من ظهور الفوارق الطبقيّة العميقة الناشئة من حصول أمثال تلك الثروات الهائلة للأفراد.

إنّ الإسلام وإن أقرّ مبدأ التنافس وترك المجال مفتوحاً أمام الساعين والعاملين إلّا أنّ هذا لم يمنعه من تحديد الملكيّة حتّى لا تطغى، فقد منع من ظهور الملكيّات الطائلة بالطرق التالية :

أوّلاً: تأميم المصادر الطبيعيّة وجعلها ملكاً للدولة لا للأفراد.

ثانياً: إنّه جوّز وفقا للمصالح العامّة للدولة الإسلاميّة منع الأفراد من توظيف رؤوس الأموال في الصناعات الكبرى ذات العائدات غير المحدودة.

ثالثاً: فرض الضرائب التصاعديّة الدائميّة، والاستثنائيّة في بعض الأحيان المقتضية لذلك.

رابعاً: تهيئة فرص العمل والتقدّم لجميع الأفراد من الاُمّة بإعطاء المعونات الماليّة لهم، والسماح للجميع بامتلاك وسائل الإنتاج بصورة مستقلّة أو على نحو الشركة حتّى يتخلّص العامل من استثمار أرباب العمل واستغلالهم له، وإجباره على القبول باجور زهيدة، والرضوخ لشروط مجحفة.

٤. الحريّة الاقتصاديّة في النظام الإسلاميّ

إنّ إقرار مبدأ التنافس والدعوة إليه يطرح مسألة الحريّة، إذ بدون الحريّة لا يمكن التنافس، فهل توجد الحريّات في ظلّ الأنظمة غير الإسلاميّة ؟

إنّ مراجعة سريعة للنظريّة والتطبيق تهدينا إلى أنّه لا توجد أيّة حريّات في النظام الاشتراكيّ إطلاقاً، وأمّا في النظام الرأسماليّ فلا تعني الحريّة سوى إطلاق العنان لجماعة خاصّة ومن يدور في فلكهم، في تكديس الثروة كيفما اتّفق والمضي بلا حدود في إشباع

٤٨٨

الشهوات والنزوات الحيوانيّة وإن أضرّت بالأخلاق، وأساءت إلى القيم الإنسانيّة الرفيعة، بينما تخضع ( الحريّة ) في النظام الإسلاميّ لحدود معقولة إنسانيّة، لأنّها لا تعني في منطقه إلّا إفساح المجال للمواهب والقابليّات البشريّة للتكامل، والانطلاق في دروب التقدّم والرقي، والاستفادة من مواهب الله في الطبيعة دون اعتداء على عقيدة الآخرين وأخلاقهم وأمنهم وراحتهم.

إنّ الإسلام يعتقد بحريّة الإنسان في مسكنه ومعمله، وفي كلّ مجالات حياته ولكن في إطار الأخلاق والإنسانيّة وقيم الدين، التي من شأنها توظيف الحريّة في سبيل إسعاد الإنسان.

وقد مرّ مجمل القول في ذلك عند البحث عن خصائص الحكومة الإسلاميّة الخصيصة السادسة.

٥. الإنتاج في إطار الإنسانيّة

إنّ كلا المنهجين ( الرأسماليّ والاشتراكي ) لا يعترفان بمانع ولا حاجز في طريق الإنتاج، فهما يطلبان المزيد منه بالعمل والسعي ويرفضان كلّ قيد وشرط في هذا السبيل إلّا إذا كان يساعد بدوره على تصعيد الإنتاج، واستدرار المزيد من الأرباح والعائدات !! بينما يقيم الإسلام بعض الموانع، ويضع بعض القيود في هذا السبيل، ويقيّد العمل والإنتاج ببعض الشروط والحدود، فلا يمكن للناس أن ينتجوا كل ما تهواه نفوسهم حتّى إذا كان يعود على أخلاقهم وعقيدتهم وحياتهم بسوء أو أذى، فحتّى الأسلحة والوسائل الحربيّة التي يسمح الإسلام بإنتاجها، إنّما يسمح به لأجل الدفاع عن حوزة الإنسان والإنسانيّة، ولأجل تحصين البشر من شرّ أنفسهم، وها هو القرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة بقوله:( وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ) ( الأنبياء: ٨٠ ).

٤٨٩

٦. العدالة الاجتماعيّة هو الهدف الأسمى

إنّ العدالة الاجتماعيّة هي الأصل والأساس، وهي الهدف الأسمى والمطلب الأعلى في الاقتصاد الإسلاميّ، وهو أصل حاكم على كلّ برامجه، ومقرّراته وتعاليمه.

إنّ تمركز الثروة عند طبقة خاصّة وتكدّسها عند جماعة معدودة أمر مرفوض في منطق الإسلام رفضاً قاطعاً، لأنّه يتنافى وأصل العدالة الاجتماعيّة التي يسعى الإسلام إلى إقامتها ونشرها في المجتمع البشريّ، فيجب على ( الحاكم الإسلاميّ ) أن يخطّط للاقتصاد تخطيطاً يضمن تداول الثروة بين جميع أبناء الاُمّة بصورة عادلة، ويحول دون تداولها بين الأغنياء خاصّة الذي منع عنه القرآن الكريم بقوله:( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ) ( الحشر: ٧ ).

ولأجل ذلك حرّم الإسلام ( الكنز )(١) كما يقول سبحانه:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( التوبة: ٣٤ ).

ولتحقيق هذه العدالة الاجتماعيّة المتوخّاة، يرفض الإسلام أي تمييز واستثناء بين أفراد الاُمّة الإسلاميّة، ومن هنا لا تختصّ المنابع الطبيعيّة التي سنشرحها في الأنفال والأرض منها خاصّة، بفئة دون فئة، أو فرد دون فرد، أو طبقة دون طبقة بل للدولة الإسلاميّة حقّ النظارة وأولويّة الاستفادة منها وصرف عائداتها في مصالح الشعب بلا تمييز ولا استثناء، أو قيام أفراد الشعب بأنفسهم باستثمار تلك المنابع حسب الضوابط التي تستوجبها المصلحة الراهنة.

٧. لا إسراف ولا تبذير

كما أنّ الإسلام خطى خطوة اُخرى في سبيل تحقيق هذه العدالة فنهى عن الإسراف والتبذير لأنّ في ذلك إهدار للطاقات، وتضييع لحقوق الآخرين، وهو أمر

__________________

(١) وللبحث حول حقيقة الكنز وبماذا يتحقّق مجال آخر.

٤٩٠

مخالف لأصل العدالة التي يسعى الإسلام إلى إقامتها. يقول الله سبحانه:( وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا *إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) ( الاسراء: ٢٦ ـ ٢٧ ).

ويقول سبحانه:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) ( الأعراف: ٣١ ).

٨. الأخلاق عامل أصيل

إنّ جميع المفاهيم الأخلاقية لا معنى لها ولا مبرّر في النظامين الاقتصادييّن ( الرأسماليّ والاشتراكيّ ) إلّا إذا ساعدت على زيادة الإنتاج وزيادة الاستهلاك وإنجاح الأهداف الاقتصاديّة، بل إنّ الفكر الاشتراكيّ يعتبر الأخلاق وليدة الظروف الاقتصاديّة، وبذلك تعتقد بعدم أصالتها في الحياة البشريّة، ولكن الإسلام يعتبر لهذه المفاهيم أصالة وواقعيّة بصرف النظر عن القضايا الاقتصاديّة وإن كانت ترتبط بها أحياناً.

ولهذا ورد الحثّ عليها حثّاً مطلقاً وأكيداً فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله يحبّ مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها »(١) .

وعن أبي عبد الله الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: « عليكم بمكارم الأخلاق فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّها، وإيّاكم ومذامّ الأخلاق فإنّ الله عزّ وجلّ يبغضها »(٢) .

فالذي يطلب الدنيا وشهواتها ولذائذها ويضحّي في سبيل ذلك بكلّ القيم والأخلاق فهو إنسان في صورته وحيوان في سيرته كما قال الإمام عليّعليه‌السلام : « فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان لا يعرف باب الهدى فيتّبعه ولا باب العمى فيصدّ عنه فذلك ميت الأحياء »(٣) .

__________________

(١) سفينة البحار ١: ٤١١.

(٢) وسائل الشيعة ( كتاب جهاد النفس ) ١١: ١٥٦.

(٣) نهج البلاغة: الخطبة ٨٣.

٤٩١

هذا مضافاً إلى أنّ الإسلام يعتبر العامل الأخلاقيّ خير وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعيّة التي ينشدها، ويعزّي أكثر الانحرافات الاقتصاديّة إلى انعدام الأخلاق الفاضلة والسجايا الإنسانيّة.

٩. الاقتصاد وسيلة لا هدف

إنّ كلا المنهجين الرأسماليّ والاشتراكيّ يجتهدان لتحقيق أهداف ثلاثة لا شيء وراءها :

١. التخطيط لما يجب إنتاجه من البضائع.

٢. التفكير في الكيفيّة التي يجب الإنتاج بها من حيث الوسائل، والقوى العاملة.

٣. التفكير في كيفيّة التوزيع، والتخطيط لذلك.

إنّ أفضل نظام اقتصاديّ في نظر أصحاب هذين النظامين، هو الذي يقدر على ضمان هذه الاُمور الثلاثة وإعطاء الاقتراحات المناسبة لذلك بأحسن وجه، وأمّا ما هو الهدف الأصليّ من تحقيق هذه الأهداف الثلاثة ؟ فلم يفكّر فيه النظامان المذكوران، ولا أنّهما أجابا عليه.

ويمكن أن يقال: إنّ الإجابة على هذا السؤال ليست من اختصاص النظام الاقتصاديّ، بل هو من مسؤوليّة العالم الفلسفيّ، وشؤونه، بيد أنّنا عندما نراجع العالم الماديّ الذي يستند إليه هذان النظامان لا نجد عنده جواباً كذلك.

من هنا لا بدّ أن نعتبر هذه الأهداف الثلاثة مثلّث الضياع والعبث والحيرة فالذي يلاحظ هذا المثلّث: ( العمل لأجل الأكل، والأكل لأجل البقاء، والبقاء لأجل العمل ) لا يرى فيه سوى العبث واللاهدفيّة والضياع.

إنّ مثل هؤلاء مثل سفينة يجهّزها صاحبها بأحسن الوسائل، ويملأها بأنواع الزاد، ويحمل الناس فيها، ثمّ يسافر بها إلى وسط المحيط حيث لا يرى للماء ساحل، ثمّ

٤٩٢

يصير هناك حيران لا يعرف مقصداً، ولا يطلب هدفاً، أو يرجع إلى مكانه الأوّل.

إنّ الذاهبين إلى تلخيص الحياة في الهدف الماديّ مثلهم كمثل هذا الربّان لا يهدفُ من رحلته مقصداً ولا يقصد منها غاية وهل أمر ذلك إلّا في خسار.

أجل، هذا هو كلّ ما يقصده ويسعى إليه النظامان الاقتصاديّان الرأسماليّة والاشتراكيّة: زيادة في الإنتاج، وتخطيط للتوزيع، وتطوير في وسائل الإنتاج، ولا شيء وراء ذلك، ولكنّ الإسلام يعالج هذه المسألة معالجة منطقيّة واقعيّة فهو يعتبر الدنيا مقدّمة للآخرة ومزرعة لها، وأنّ على الإنسان أن لا يحصر اهتمامه في هذه الحياة العابرة، بل يسعى للآخرة دون أن ينسى نصيبه من الدنيا، كما قال الله تعالى:( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ ) ( القصص: ٧٧ ).

ولابد هنا من الإشارة إلى المواضيع التي تضمّنتها هذه الآية :

إنّ قوله تعالى:( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ) يشير إلى أنّ طلب الدنيا يجب أن يكون لأجل الآخرة فتكون الآخرة هي المقصد والغاية، وحيث أمكن أن يتوهّم من هذا الكلام أنّ الإسلام يدعو إلى الرهبنة وترك الدنيا، إستدرك الله سبحانه ذلك بقوله:( وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) فأفاد بذلك أنّه لا رهبانيّة في الإسلام.

فعلى المسلم أن يقصد الآخرة ويهدفها ولكن دون أن ينسى نصيبه من الدنيا إذ لا معاد لمن لا معاش له.

وأمّا قوله سبحانه:( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ ) فهو إشارة إلى أنّ على الإنسان أن يعلم بأنّ ما وصل إليه إنّما هو بإحسان الله إليه، فعليه أن يقابل ذلك الإحسان بأداء ما افترض الله عليه من حقوق والقيام بما ندبه إليه من واجبات اجتماعيّة.

وقوله سبحانه:( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ ) إشارة إلى كيفيّة الإنفاق والمصرف، فعلى المسلم أن لا ينفق في باطل، ولا يسرف ولا يبذّر ولا يعبث ولا يصرف مال الله في لهو أو فساد.

٤٩٣

١٠. الإنسان محور وليس آلة

إنّ للإنسان ـ في الاقتصاد الإسلاميّ ـ مقاماً رفيعاً، وشأناً كبيراً، فهو لم يخلق للإنتاج والاستهلاك، وهو لم يأت إلى هذه الحياة ليكون مسماراً في معمل أو حيواناً مستهلكاً في زريبة. بل هو كائن مكرّم خلقت الأشياء لأجله ولم يخلق هو لأجلها ولذلك فليس الإنسان عبداً أسيراً بيد الاقتصاد، وآلة طيّعة بأيدي الاقتصاديّين ليستغلّوه كيفما شاؤوا، ويستخدموه كيفما أرادوا، كيف وقد جعله الله حرّاً كما قال الإمام عليّعليه‌السلام : « لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً »(١) .

وأيّة عبوديّة أشدّ وأوضح من تعلّق الإنسان بالمال، وفنائه في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك ؟ وهل جاء الإنسان إلى هذه الحياة ليفعل ما تفعله الحيوانات في حظائرها وزرائبها كما يقول الإمام عليّعليه‌السلام : « ما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها، وتلهو عمّا يراد بها، أو اترك سدىً، أو أهمل عابثاً، أو أجرّ حبل الضّلالة أو اعتسف طريق المتاهة »(٢) .

فذلك لا يتفق مع المكانة التي رشّحه الله سبحانه لها، والمقام الذي ندبه إليه، وهو مقام الخلافة الإلهيّة في الأرض، التي صرح بها القرآن الكريم إذ قال:( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ( البقرة: ٣٠ ).

وهو الذي كرّمه الله سبحانه، وفضّله على كثير ممّن خلق إذ قال:( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) ( الإسراء: ٧٠ ).

إنّ الإسلام ينظر إلى النوع الإنسانيّ من هذه الزاوية، وبهذا المنظار، فإنّ الإنسان ـ في منطق الإسلام ـ كائن مكرّم، ذو مكانة رفيعة فلا تجوز الاستهانة بقيمته، وتلخيص

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الكتب: الرقم ٣١.

(٢) نهج البلاغة: قسم الكتب: الرقم ٤٥.

٤٩٤

حياته ووجوده في الإنتاج والاستهلاك، وتلبية الغرائز الحيوانيّة وإشباعها.

وإذا نظر الإسلام إلى القضيّة الاقتصاديّة والاُمور المعيشيّة من مسكن وغذاء وغيرهما، فلأجل أنّ كرامة الإنسان وتكامله يستدعيان ذلك، وبذلك يكون الاقتصاد في نظر الإسلام وسيلة لا هدفاً، وطريقاً لا غاية ونهاية.

من هنا لا يصحّ ـ مطلقاً ـ أن نتوخّى من الاقتصاد الإسلاميّ، ما نتوقّعه من الاقتصادين الرأسماليّ والاشتراكيّ فإنّ هذين المنهجين ينظران إلى الإنسان بما أنّه ( منتج ) أو ( مستهلك ) ولا تهمّهما كرامته وشخصيّته، ومن هنا كان الاقتصاد في هذين المنهجين هدفاً وغاية، وكان الإنسان فيهما وسيلة وآلة، فلا اعتناء بشأنه، ولا اهتمام بكرامته.

ولا تنس ما ذكرناه في أوّل البحث من أنّ الهدف من هذا الفصل هو بيان مسألة دعوة الإسلام إلى التنمية الاقتصاديّة وبيان إطاراتها دون بيان المنهج الاقتصاديّ للإسلام فإنّ لذلك مجالاً آخر.

٤٩٥

برامج الحكومة الإسلاميّة ووظائفها

٤

الحكومة الإسلاميّة

والصحّة الفرديّة والصحّة العامّة

عناية الإسلام بصحّة الأبدان

لم يحصر الإسلام عنايته بالاُمور الاُخرويّة وحدها، بل عمّم هذه العناية للاُمور الماديّة والدنيويّة أيضًا، وعلّم المسلم أن يطلب من الله سبحانه حسنة الدنيا والآخرة:( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ) ( البقرة: ٢٠١).

ومن هنا اهتمّ الإسلام بالجسد اهتمامه بالروح، وحرص على سلامة الأبدان وتقويتها كما حرص على سلامة الأرواح وتقويتها سواء بسواء، ولأجل هذا نجد القرآن الكريم إذا ذكر نعمة الله على أحد من عباده لم يكتف بذكر النعم المعنويّة كالعلم، بل ذكر إلى جانب ذلك نعمة القوّة البدنيّة، والكمال الجسديّ.

فهو عندما يتحدّث عن ( طالوت ) الذي أرسله الله لقيادة بني اسرائيل قال في وصفه:( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ

٤٩٦

وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ( البقرة: ٢٤٧ ).

وهو عندما يتحدّث عن أبرز صفتين من صفات موسىعليه‌السلام على لسان ابنة شعيب يذكر أمانته وقوّته الجسمانيّة فيقول:( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) ( القصص: ٢٦ ).

إنّ صاحب الجسم العليل لا تتاح له الفرصة الكاملة للسير صعداً في مضمار الحياة، والقيام بواجبه الإنسانيّ كأيّ عضو سليم، صحيح البدن، معتدل البنية من أعضاء المجتمع البشريّ وذلك للصّلة الوثيقة بين الروح والجسدفي الكيان الإنسانيّ والتأثير المتقابل بينهما ومن هنا مدح القرآن الكريم الكمال الجسمانيّ والقوّة البدنيّة، كما مرّ عليك في الآيتين السابقتين، فإنّ القوّة البدنيّة إذا انضمّت إلى سلامة العقل أنتجت جودة الفكر، وحسن التدبير، وسعادة الحياة ولهذا ذكر القرآن بعد مسألة الاصطفاء والاختيار « العلم والقوّة البدنيّة » إيذاناً وإعلاماً بأنّ الاصطفاء والاختيار كان باعتبار القوّة البدنيّة إلى جانب العلم ممّا يعني أنّ للجسم والكمال الجسمانيّ قسط من الثمن، ومدخليّة في السعادة أو الشقاء سلباً أو إيجاباً.

وانطلاقاً من حرص الإسلام على صحّة الأبدان وسلامتها، وقوّتها واستقامتها يرفع الدين أي تكليف شاقّ مضرّ بالبدن، عن الناس، فرفع الله الصيام عن ( المريض ) و ( المسافر )، إذ يقول سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة: ١٨٣ ـ ١٨٤ ).

وإنّما رفع الصوم عن المسافر لأنّ السفر بنفسه مضنّة النصب، وهو من مغيّرات الصحّة فإذا وقع فيه الصيام ازداد التعب والنصب ولهذا أيضاً جوّز القرآن للمحرم المريض أو من به أذى في رأسه أن يحلق رأسه إذا كان إبقاء الشعر يوجب الأذى فقال تعالى:( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن

٤٩٧

رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ( البقرة: ١٩٦ ).

وهو إشارة إلى جواز حلق الرأس الذي منع منه المحرم، للتخلّص من الأذى الحاصل بسبب إبقاء الشعر، وانحباس الحرارة في الرأس، بل يرفع الإسلام كلّ ما يجهد البدن ويتعبه ويضنيه، ويجر إليه التعب والنصب كما يقول القرآن الكريم:( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلّا وُسْعَهَا ) ( البقرة: ٢٨٦ ).

تعاليم القرآن الصحّيّة

وفي هذا السبيل وضع الإسلام سلسلة من التعاليم الصحّية للأبدان من شأنها أن تصون الأبدان من الأمراض، وتقيها من العلل والأسقام لو روعيت حقّ الرعاية وطبقت حقّ التطبيق وقد جاءت طائفة من هذه التعاليم في القرآن الكريم، وتكفّلت السنّة المطهّرة ببيان البقيّة، وها نحن نذكر باختصار ما ذكره القرآن الكريم أوّلا.

لقد حرم القرآن اُموراً ونهى عن اُمور وكره أشياء وأباح اُخرى، وما حرّم ولا نهى، وما كره أو أباح إلّا لحكمة ظاهرة وأثر سيّء أو حسن على سلامة البدن وصحّته، فحرّم أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير بقوله:( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( البقرة: ١٧٣ ).

وإنّما حرّم « الميتة » من الحيوان ( وهي التي تفارقها الحياة من دون ذبح ) لأنّ الموت إن كان عن مرض، أضرّ بالإنسان حتّى إذا عقّم لحمها من الجراثيم فهي تسبّب المغص في المعدة، وتسبب النزلات المعويّة، وعشرات المضاعفات الاُخرى.

وحرّم « الدم » لأنّه أفضل مرتع للجراثيم والميكروبات المسبّبة للأمراض الخطيرة.

وحرّم « لحم الخنزير » لما يحدثه من أمراض خطيرة لما يحمله من دودة خاصّة تنتقل بالأكل إلى بدن الإنسان وتحدث لديه أمراضاً كثيرة قد تؤدّي إلى الموت.

وحرّم ـ أيضاً ـ ما يشبه الميتة كالمنخنقة، والموقوذة، والمترديّة، والنطيحة فقال

٤٩٨

سبحانه:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ) ( المائدة: ٣ ).

لأنّ الاختناق يجعل لحم الحيوان المخنوق أسرع إلى التعفّن والفساد.

ومثل المنخنقة، الموقوذة، وهي التي تضرب حتّى تشرف على الموت فتترك حتّى تموت، والمتردّية وهي التي سقطت من مكان مرتفع فماتت من أثر صدمة الوقوع، والنطيحة وهي التي ماتت من أثر عراكها مع مثيلاتها من الحيوانات.

وبالجملة فهذه الحالات تجعل بدن الحيوان مرتعاً خصباً لنموّ الجراثيم والميكروبات، ومعرضاً لسرعة التعفّن والفساد.

ولم يقتصر تحريم الإسلام على هذه الاُمور بل حرّم مطلق الخبائث، إذ قال الله سبحانه:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ ) ( الأعراف: ١٥٧ ).

هذا مضافاً إلى أنّه حرّم تناول الخمور ( بل كلّ مسكر(١) كما في الحديث ) بقوله:( إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( المائدة: ٩٠ ).

__________________

(١) قال الصادقّعليه‌السلام : « حرّم الله عزّ وجلّ الخمر بعينها وحرّم رسُولُ الله المُسكر من كُلّ شراب فأجاز الله لهُ ذلك كُلّهُ » الكافي ١: ٢٦٦، لقد أسلفنا الكلام في الجزء الأوّل: ٥٥٣ في ماهيّة هذا النوع من التحريم وقلنا: إنّ تحريم رسول الله لشيء يمكن أن يكون بأحد معنيين :

الأوّل: أن يكون طلباً ودعاء من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإجابة من الله سبحانه كما يشير بذلك الحديث « فأجاز الله لهُ ذلك ».

الثاني: أن يكون علماً من رسول الله بمناطات الأحكام وملاكاتها الواقعيّة، فعند ذلك يصحّ للرسول أن يحرم المسكر من كلّ شراب لعلمه بمناط الحكم في الخمر.كيف ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أفضل مصاديق من قال فيهم أمير المؤمنينّ عليه‌السلام : « عقلُوا الدّين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية » نهج البلاغة ( طبعة عبده ) الخطبة ٢٣٤.

٤٩٩

وفعل ذلك وقاية للإنسان من كثير من الأمراض والمضاعفات الناجمة عن المسكرات وتخلّصاً من الآثار والعواقب السيئة التي تتركها الخمرة على الجسم والعقل، بل وعلى النسل والذريّة.

كما نهى القرآن الكريم عن الشراهة في الأكل، والإسراف في المطعم والمشرب فقال:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) ( الأعراف: ٣١ ).

ومن المعلوم أنّ هذه الآية ـ على قصرها ـ تنطوي على أهمّ قانون من قوانين الوقاية الصحيّة، والحفاظ على سلامة البدن، فالإنسان إذا أكثر من الأكل اُصيب بعسر الهضم الذي يستوجب أمراضاً عديدة للمعدة مذكورة في محلّها.

وفي هذا السياق نجد الإسلام يفرض الصوم على المسلمين فيقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٨٣ )، لما في الصوم من فوائد عظيمة على البدن عرفها العلم الحديث أخيراً، وأخذ به لعلاج الكثير من الأمراض.

ولم ينته الأمر إلى هذا الحدّ، بل كشف القرآن للناس عمّا ينفعهم أو يشفيهم من بعض الأسقام فأشار إلى العسل فوصفه بأنّ فيه شفاء للأسقام إذ قال:( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ *ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( النحل: ٦٨ ـ ٦٩ ).

كما حثّ على اُمور من شأنها أن توفّر الأجواء الصالحة المناسبة لسلامة البدن في الجانب الفرديّ والاجتماعيّ كالتطهّر والنظافة، فحثّ على التزام التنظّف وتعاهده حتّى أنّ أوّل تعليم تلقّاه النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله هو:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) ( المدثر: ٤ ).

وقال مادحاً الذين يتطهّرون:( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ) ( البقرة: ٢٢٢ ).

وقال:( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ ) ( التوبة: ١٠٨ ).

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627