مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن12%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223756 / تحميل: 6256
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

أحد منهم إنه هرب حين هرب عثمان و لا إلى الجهة التي فر إليها عثمان و إنما هرب معتصما بالجبل و هذا ليس بعيب و لا ذنب لأن الذين ثبتوا مع رسول الله ص اعتصموا بالجبل كلهم و أصعدوا فيه و لكن يبقى الفرق بين من أصعد في الجبل في آخر الأمر و من أصعد فيه و الحرب لم تضع أوزارها فإن كان عمر أصعد فيه آخر الأمر فكل المسلمين هكذا صنعوا حتى رسول الله ص و إن كان ذلك و الحرب قائمة بعد تفرق.و لم يختلف الرواة من أهل الحديث في أن أبا بكر لم يفر يومئذ و أنه ثبت فيمن ثبت و إن لم يكن نقل عنه قتل أو قتال و الثبوت جهاد و فيه وحده كفاية.و أما رواة الشيعة فإنهم يروون أنه لم يثبت إلا علي و طلحة و الزبير و أبو دجانة و سهل بن حنيف و عاصم بن ثابت و منهم من روى أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا من المهاجرين و الأنصار و لا يعدون أبا بكر و عمر منهم روى كثير من أصحاب الحديث أن عثمان جاء بعد ثالثة إلى رسول الله ص فسأله إلى أين انتهيت فقال إلى الأعرض فقال لقد ذهبت فيها عريضة.روى الواقدي قال كان بين عثمان أيام خلافته و بين عبد الرحمن بن عوف كلام فأرسل عبد الرحمن إلى الوليد بن عقبة فدعاه فقال اذهب إلى أخيك فأبلغه عني ما أقول لك فإني لا أعلم أحدا يبلغه غيرك قال الوليد أفعل قال قل له يقول لك عبد الرحمن شهدت بدرا و لم تشهدها و ثبت يوم أحد و وليت و شهدت بيعة الرضوان و لم تشهدها فلما أخبره قال عثمان صدق أخي تخلفت عن بدر على ابنة رسول الله ص و هي مريضة فضرب لي رسول الله ص بسهمي و أجري فكنت بمنزلة من

٢١

حضر بدرا و وليت يوم أحد فعفا الله عني في محكم كتابه و أما بيعة الرضوان فإني خرجت إلي أهل مكة بعثني رسول الله ص و قال إن عثمان في طاعة الله و طاعة رسوله و بايع عني بإحدى يديه على الأخرى فكان شمال النبي خيرا من يميني فلما جاء الوليد إلى عبد الرحمن بما قال قال صدق أخي.قال الواقدي و نظر عمر إلى عثمان بن عفان فقال هذا ممن عفا الله عنه و هم الذين تولوا يوم التقى الجمعان و الله ما عفا الله عن شي‏ء فرده قال و سأل رجل عبد الله بن عمر عن عثمان فقال أذنب يوم أحد ذنبا عظيما فعفا الله عنه و أذنب فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه و احتج من روى أن عمر فر يوم أحد بما روى أنه جاءته في أيام خلافته امرأة تطلب بردا من برود كانت بين يديه و جاءت معها بنت لعمر تطلب بردا أيضا فأعطى المرأة و رد ابنته فقيل له في ذلك فقال إن أبا هذه ثبت يوم أحد و أبا هذه فر يوم أحد و لم يثبت.و روى الواقدي أن عمر كان يحدث فيقول لما صاح الشيطان قتل محمد قلت أرقى في الجبل كأني أروية و جعل بعضهم هذا حجة في إثبات فرار عمر و عندي أنه ليس بحجة لأن تمام الخبر فانتهيت إلى رسول الله ص و هو يقول( وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ ) الآية و أبو سفيان في سفح الجبل في كتيبته يرومون أن يعلوا الجبل فقال رسول الله ص اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا فانكشفوا و هذا يدل على أن رقيه في الجبل قد كان بعد إصعاد رسول الله ص فيه و هذا بأن يكون منقبة له أشبه.و روى الواقدي قال حدثني ابن أبي سبرة عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم اسم أبي جهم عبيد قال كان خالد بن الوليد يحدث و هو بالشام فيقول الحمد لله

٢٢

الذي هداني للإسلام لقد رأيتني و رأيت عمر بن الخطاب حين جال المسلمون و انهزموا يوم أحد و ما معه أحد و إني لفي كتيبة خشناء فما عرفه منهم أحد غيري و خشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له فنظرت إليه و هو متوجه إلى الشعب قلت يجوز أن يكون هذا حقا و لا خلاف أنه توجه إلى الشعب تاركا للحرب لكن يجوز أن يكون ذلك في آخر الأمر لما يئس المسلمون من النصرة فكلهم توجه نحو الشعب حينئذ و أيضا فإن خالدا متهم في حق عمر بن الخطاب لما كان بينه و بينه من الشحناء و الشنئان فليس بمنكر من خالد أن ينعى عليه حركاته و يؤكد صحة هذا الخبر و كون خالد عف عن قتل عمر يومئذ ما هو معلوم من حال النسب بينهما من قبل الأم فإن أم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة و خالد هو ابن الوليد بن المغيرة فأم عمر ابنة عم خالد لحا و الرحم تعطف.حضرت عند محمد بن معد العلوي الموسوي الفقيه على رأى الشيعة الإماميةرحمه‌الله في داره بدرب الدواب ببغداد في سنة ثمان و ستمائة و قارئ يقرأ عنده مغازي الواقدي فقرأ حدثنا الواقدي قال حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رياح عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال سمعت محمد بن مسلمة يقول سمعت أذناي و أبصرت عيناي رسول الله ص يقول يوم أحد و قد انكشف الناس إلى الجبل و هو يدعوهم و هم لا يلوون عليه سمعته يقول إلي يا فلان إلي يا فلان أنا رسول الله فما عرج عليه واحد منهما و مضيا فأشار ابن معد إلي أن اسمع فقلت و ما في هذا قال هذه كناية عنهما فقلت و يجوز ألا يكون عنهما لعله عن غيرهما قال ليس في الصحابة من

٢٣

يحتشم و يستحيا من ذكره بالفرار و ما شابهه من العيب فيضطر القائل إلى الكناية إلا هما قلت له هذا وهم فقال دعنا من جدلك و منعك ثم حلف أنه ما عنى الواقدي غيرهما و أنه لو كان غيرهما لذكره صريحا و بان في وجهه التنكر من مخالفتي له.روى الواقدي قال لما صاح إبليس أن محمدا قد قتل تفرق الناس فمنهم من ورد المدينة فكان أول من وردها يخبر أن محمدا قد قتل سعد بن عثمان أبو عبادة ثم ورد بعده رجال حتى دخلوا على نسائهم حتى جعل النساء يقلن أ عن رسول الله تفرون و يقول لهم ابن أم مكتوم أ عن رسول الله تفرون يؤنب بهم و قد كان رسول الله ص خلفه بالمدينة يصلي بالناس ثم قال دلوني على الطريق يعني طريق أحد فدلوه فجعل يستخبر كل من لقي في الطريق حتى لحق القوم فعلم بسلامة النبي ص ثم رجع و كان ممن ولى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزية و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عمر بلغ ملل و أوس بن قيظى في نفر من بني حارثة بلغوا الشقرة و لقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب و تقول لبعضهم هاك المغزل فاغزل به و هلم و احتج من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية قال قال عمر يومئذ يا رسول الله أ لم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام و تأخذ مفتاح الكعبة و تعرف مع المعرفين و هدينا لم يصل إلى البيت و لا نحر فقال رسول الله ص أ قلت لكم في سفركم هذا قال عمر لا قال أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق رأسي و رءوسكم ببطن مكة و أعرف مع المعرفين ثم أقبل على عمر و قال أ نسيتم يوم

٢٤

أحد( إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ ) و أنا أدعوكم في أخراكم أ نسيتم يوم الأحزاب( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ اَلْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ اَلْقُلُوبُ اَلْحَناجِرَ ) أ نسيتم يوم كذا و جعل يذكرهم أمورا أ نسيتم يوم كذا فقال المسلمون صدق الله و صدق رسوله أنت يا رسول الله أعلم بالله منا فلما دخل عام القضية و حلق رأسه قال هذا الذي كنت وعدتكم به فلما كان يوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال ادعوا إلي عمر بن الخطاب فجاء فقال هذا الذي كنت قلت لكم قالوا فلو لم يكن فر يوم أحد لما قال له أ نسيتم يوم أحد إذ تصعدون و لا تلوون

القول فيما جرى للمسلمين بعد إصعادهم في الجبل

قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال لما صاح الشيطان لعنه الله أن محمدا قد قتل يحزنهم بذلك تفرقوا في كل وجه و جعل الناس يمرون على النبي ص لا يلوي عليه أحد منهم و رسول الله يدعوهم في أخراهم حتى انتهت هزيمة قوم منهم إلى المهراس فتوجه رسول الله ص يريد أصحابه في الشعب فانتهى إلى الشعب و أصحابه في الجبل أوزاع يذكرون مقتل من قتل منهم و يذكرون ما جاءهم عن رسول الله ص قال كعب بن مالك فكنت أول من عرفه و عليه المغفر فجعلت أصيح و أنا في الشعب هذا رسول الله ص حي فجعل يومئ إلي بيده على فيه أي اسكت ثم دعا بلأمتي فلبسها و نزع لأمته.قال الواقدي طلع رسول الله ص على أصحابه في الشعب بين السعدين

٢٥

سعد بن عبادة و سعد بن معاذ يتكفأ في الدرع و كان إذا مشى تكفأ تكفؤا و يقال إنه كان يتوكأ على طلحة بن عبيد الله.قال الواقدي و ما صلى يومئذ الظهر إلا جالسا للجرح الذي كان أصابه.قال الواقدي و قد كان طلحة قال له إن بي قوة فقم لأحملك فحمله حتى انتهى إلى الصخرة التي على فم شعب الجبل فلم يزل يحمله حتى رفعه عليها ثم مضى إلى أصحابه و معه النفر الذين ثبتوا معه فلما نظر المسلمون إليهم ظنوهم قريشا فجعلوا يولون في الشعب هاربين منهم ثم جعل أبو دجانة يليح إليهم بعمامة حمراء على رأسه فعرفوه فرجعوا أو بعضهم.قال الواقدي روي أنه لما طلع عليهم في النفر الذين ثبتوا معه و هم أربعة عشر سبعة من المهاجرين و سبعة من الأنصار جعلوا يولون في الجبل خائفين منهم يظنونهم المشركين جعل رسول الله ص يتبسم إلى أبي بكر و هو على جنبه و يقول له ألح إليهم فجعل أبو بكر يليح إليهم و هم لا يعرجون حتى نزع أبو دجانة عصابة حمراء على رأسه فأوفى على الجبل فجعل يصيح و يليح فوقفوا حتى عرفوهم و لقد وضع أبو بردة بن نيار سهما على كبد قوسه فأراد أن يرمي به رسول الله ص و أصحابه فلما تكلموا و ناداهم رسول الله ص أمسك و فرح المسلمون برؤيته حتى كأنهم لم تصبهم في أنفسهم مصيبة و سروا لسلامته و سلامتهم من المشركين.قال الواقدي ثم إن قوما من قريش صعدوا الجبل فعلوا على المسلمين و هم في الشعب قال فكان رافع بن خديج يحدث فيقول إني يومئذ إلى جنب أبي مسعود الأنصاري و هو يذكر من قتل من قومه و يسأل عنهم فيخبر برجال منهم سعد بن

٢٦

الربيع و خارجة بن زهير و هو يسترجع و يترحم عليهم و بعض المسلمين يسأل بعضا عن حميمه و ذي رحمه فيهم يخبر بعضهم بعضا فبينا هم على ذلك رد الله المشركين ليذهب ذلك الحزن عنهم فإذا عدوهم فوقهم قد علوا و إذا كتائب المشركين بالجبل فنسوا ما كانوا يذكرون و ندبنا رسول الله ص و حضنا على القتال و الله لكأني أنظر إلى فلان و فلان في عرض الجبل يعدوان هاربين قال الواقدي فكان عمر يحدث يقول لما صاح الشيطان قتل محمد أقبلت أرقى إلى الجبل فكأني أروية فانتهيت إلى النبي ص و هو يقول( وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ ) الآية و أبو سفيان في سفح الجبل فقال رسول الله ص يدعو ربه اللهم ليس لهم أن يعلوا فانكشفوا.قال الواقدي فكان أبو أسيد الساعدي يحدث فيقول لقد رأيتنا قبل أن يلقى النعاس علينا في الشعب و إنا لسلم لمن أرادنا لما بنا من الحزن فألقي علينا النعاس فنمنا حتى تناطح الحجف ثم فزعنا و كانا لم يصبنا قبل ذلك نكبة قال و قال الزبير بن العوام غشينا النعاس فما منا رجل إلا و ذقنه في صدره من النوم فأسمع معتب بن قشير و كان من المنافقين يقول و إني لكالحالم( لَوْ كانَ لَنا مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا ) فأنزل الله تعالى فيه ذلك.قال و قال أبو اليسر لقد رأيتني ذلك اليوم في رجال من قومي إلى جنب رسول الله ص و قد أنزل الله علينا النعاس أمنة منه ما منهم رجل إلا يغط غطيطا حتى إن الحجف لتناطح و لقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده

٢٧

و ما يشعر به حتى أخذه بعد ما تثلم و إن المشركين لتحتنا و سقط سيف أبي طلحة أيضا و لم يصب أهل الشك و النفاق نعاس يومئذ و إنما أصاب النعاس أهل الإيمان و اليقين فكان المنافقون يتكلم كل منهم بما في نفسه و المؤمنون ناعسون.قلت سألت ابن النجار المحدث عن هذا الموضع فقلت له من قصة أحد تدل على أن المسلمين كانت الدولة لهم بادئ الحال ثم صارت عليهم و صاح الشيطان قتل محمد فانهزم أكثرهم ثم ثاب أكثر المنهزمين إلى النبي ص فحاربوا دونه حربا كثيرة طالت مدتها حتى صار آخر النهار ثم أصعدوا في الجبل معتصمين به و أصعد رسول الله ص معهم فتحاجز الفريقان حينئذ و هذا هو الذي يدل عليه تأمل قصة أحد إلا أن بعض الروايات التي ذكرها الواقدي يقتضي غير ذلك نحو روايته في هذا الباب أن رسول الله ص لما صاح الشيطان إن محمدا قد قتل كان ينادي المسلمين فلا يعرجون عليه و إنما يصعدون في الجبل و إنه وجه نحو الجبل فانتهى إليهم و هم أوزاع يتذاكرون بقتل من قتل منهم و هذه الرواية تدل على أنه أصعد ص في الجبل من أول الحرب حيث صاح الشيطان و صياح الشيطان كان حال كون خالد بن الوليد بالجبل من وراء المسلمين لما غشيهم و هم مشتغلون بالنهب و اختلط الناس فكيف هذا فقال إن الشيطان صاح قتل محمد دفعتين دفعة في أول الحرب و دفعة في آخر الحرب لما تصرم النهار و غشيت الكتائب رسول الله ص و قد قتل ناصروه و أكلتهم الحرب فلم يبق معه إلا نفر يسير لا يبلغون عشرة و هذه كانت أصعب و أشد من الأولى و فيها اعتصم و ما اعتصم في صرخة الشيطان الأولى بالجبل بل ثبت و حامى عنه أصحابه و لقد لقي في الأولى مشقة عظيمة من ابن قميئة و عتبة بن أبي وقاص و غيرهما

٢٨

و لكنه لم يفارق عرصة الحرب و إنما فارقها و علم أنه لم يبق له وجه مقام في صرخته الثانية.قلت له فكان القوم مختلطين في الصرخة الثانية حتى يصرخ الشيطان قتل محمد قال نعم المشركون قد أحاطوا بالنبي ص و بمن بقي معه من أصحابه فاختلط المسلمون بهم و صاروا مغمورين بينهم لقلتهم بالنسبة إليهم و ظن قوم من المشركين أنهم قد قتلوا النبي ص لأنهم فقدوا وجهه و صورته فنادى الشيطان قتل محمد و لم يكن قتل ص و لكن اشتبهت صورته عليهم و ظنوه غيره و أكثر من حامى عنه في تلك الحال علي ع و أبو دجانة و سهل بن حنيف و حامى هو عن نفسه و جرح قوما بيده تارة بالسهام و تارة بالسيف و لكن لم يعلموا بأعيانهم لاختلاط القوم و ثوران النقع و كانت قريش تظنه واحدا من المسلمين و لو عرفوه بعينه في تلك الثورة لكان الأمر صعبا جدا و لكن الله تعالى عصمه منهم بأن أزاغ أبصارهم عنه فلم يزل هؤلاء الثلاثة يجالدون دونه و هو يقرب من الجبل حتى صار في أعلى الجبل أصعد من فم الشعب إلى تدريج هناك في الجبل و رقي في ذلك التدريج صاعدا حتى صار في أعلى الجبل و تبعه النفر الثلاثة فلحقوا به.قلت له فما بال القوم الذين صعدوا الجبل من المشركين و كيف كان إصعادهم و عودهم.قال أصعدوا لحرب المسلمين لا لطلب رسول الله ص لأنهم ظنوا أنه قد قتل و هذا هو كان السبب في عودهم من الجبل لأنهم قالوا قد بلغنا الغرض

٢٩

الأصلي و قتلنا محمدا فما لنا و التصميم على الأوس و الخزرج و غيرهم من أصحابه مع ما في ذلك من عظم الخطر بالأنفس قلت له فإذا كان هذا قد خطر لهم فلما ذا صعدوا في الجبل.قال يخطر لك خاطر و يدعوك داع إلى بعض الحركات فإذا شرعت فيها خطر لك خاطر آخر يصرفك عنها فترجع و لا تتمها قلت نعم فما بالهم لم يقصدوا قصد المدينة و ينهبوها.قال كان فيها عبد الله بن أبي في ثلاثمائة مقاتل و فيها خلق كثير من الأوس و الخزرج لم يحضروا الحرب و هم مسلمون و طوائف أخر من المنافقين لم يخرجوا و طوائف أخرى من اليهود أولو بأس و قوة و لهم بالمدينة عيال و أهل و نساء و كل هؤلاء كانوا يحامون عن المدينة و لم تكن قريش تأمن مع ذلك أن يأتيها رسول الله ص من ورائها بمن يجامعه من أصحابه فيحصلوا بين الأعداء من خلفهم و من أمامهم فكان الرأي الأصوب لهم العدول عن المدينة و ترك قصدها.قال الواقدي حدثني الضحاك بن عثمان عن حمزة بن سعيد قال لما تحاجزوا و أراد أبو سفيان الانصراف أقبل يسير على فرس له حوراء فوقف على أصحاب النبي ص و هم في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته أعل هبل ثم صاح أين ابن أبي كبشة يوم بيوم بدر ألا إن الأيام دول.و في رواية أنه نادى أبا بكر و عمر أيضا فقال أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب ثم قال الحرب سجال حنظلة بحنظلة يعنى حنظلة بن أبي عامر بحنظلة بن

٣٠

أبي سفيان فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أجيبه قال نعم فأجبه فلما قال أعل هبل قال عمر الله أعلى و أجل.و يروى أن رسول الله ص قال لعمر قل له الله أعلى و أجل فقال أبو سفيان إن لنا العزى و لا عزى لكم فقال عمر أو قال رسول الله ص قل له الله مولانا و لا مولى لكم فقال أبو سفيان إنها قد أنعمت فقال عنها يا ابن الخطاب فقال سعيد بن أبي سفيان ألا إن الأيام دول و إن الحرب سجال فقال عمر و لا سواء قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار فقال أبو سفيان إنكم لتقولون ذلك لقد جبنا إذا و خسرنا ثم قال يا ابن الخطاب قم إلي أكلمك فقام إليه فقال أنشدك بدينك هل قتلنا محمدا قال اللهم لا و إنه ليسمع كلامك الآن قال أنت عندي أصدق من ابن قميئة ثم صاح أبو سفيان و رفع صوته إنكم واجدون في قتلاكم عنتا و مثلا إلا أن ذلك لم يكن عن رأي سراتنا ثم أدركته حمية الجاهلية فقال و أما إذ كان ذلك فلم نكرهه ثم نادى ألا إن موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول فوقف عمر وقفة ينتظر ما يقول رسول الله ص فقال له قل نعم فانصرف أبو سفيان إلى أصحابه و أخذوا في الرحيل فأشفق رسول الله ص و المسلمون من أن يغيروا على المدينة فيهلك الذراري و النساء فقال رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص اذهب فأتنا بخبر القوم فإنهم إن ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فهو الظعن إلى مكة و إن ركبوا الخيل و جنبوا الإبل فهو الغارة على المدينة و الذي نفسي بيده إن ساروا إليها لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم قال سعد فتوجهت أسعى و أرصدت نفسي إن أفرعني شي‏ء رجعت إلى النبي ص و أنا أسعى فبدأت بالسعي حين ابتدأت فخرجت في آثارهم

٣١

حتى إذا كانوا بالعقيق و أنا بحيث أراهم و أتأملهم ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فقلت إنه الظعن إلى بلادهم ثم وقفوا وقفة بالعقيق و تشاوروا في دخول المدينة فقال لهم صفوان بن أمية قد أصبتم القوم فانصرفوا و لا تدخلوا عليهم و أنتم كالون و لكم الظفر فإنكم لا تدرون ما يغشاكم فقد وليتم يوم بدر لا و الله ما تبعوكم و كان الظفر لهم فيقال إن رسول الله ص قال نهاهم صفوان فلما رآهم سعد على تلك الحال منطلقين و قد دخلوا في المكمن رجع إلى رسول الله ص و هو كالمنكسر فقال وجه القوم يا رسول الله إلى مكة امتطوا الإبل و جنبوا الخيل فقال ما تقول قلت ما قلت يا رسول الله فخلا بي فقال أ حقا ما تقول قلت نعم يا رسول الله قال فما بالي رأيتك منكسرا فقلت كرهت أن آتي المسلمين فرحا بقفولهم إلى بلادهم فقال ص إن سعدا لمجرب.قال الواقدي و قد روي خلاف هذا روي أن سعدا لما رجع رفع صوته بأن جنبوا الخيل و امتطوا الإبل فجعل رسول الله ص يشير إلى سعد خفض صوتك فإن الحرب خدعة فلا ترى الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم فإنما ردهم الله تعالى.

قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر قال قال رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص إن رأيت القوم يريدون المدينة فأخبرني فيما بيني و بينك و لا تفت في أعضاد المسلمين فذهب فرآهم قد امتطوا الإبل فرجع فما ملك أن جعل يصيح سرورا بانصرافهم.قال الواقدي و قيل لعمرو بن العاص كيف كان افتراق المسلمين و المشركين يوم

٣٢

أحد فقال ما تريدون إلى ذلك قد جاء الله بالإسلام و نفي الكفر و أهله ثم قال لما كررنا عليهم أصبنا من أصبنا منهم و تفرقوا في كل وجه و فاءت لهم فئة بعد فتشاورت قريش فقالوا لنا الغلبة فلو انصرفنا فإنه بلغنا أن ابن أبي انصرف بثلث الناس و قد تخلف الناس من الأوس و الخزرج و لا نأمن أن يكروا علينا و فينا جراح و خيلنا عامتها قد عقرت من النبل فمضينا فما بلغنا الروحاء حتى قام علينا عدة منها و انصرفنا إلى مكة.قال الواقدي حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عائشة قال سمعت أبا بكر يقول لما كان يوم أحد و رمي رسول الله ص في وجهه حتى دخلت في وجهه حلقتان من المغفر أقبلت أسعى إلى رسول الله ص و إنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا فقلت اللهم اجعله طلحة بن عبيد الله حتى توافينا إلى رسول الله ص فإذا أبو عبيدة بن الجراح فبدرني فقال أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنتزعه من وجه رسول الله ص قال أبو بكر فتركته و قال رسول الله ص عليكم صاحبكم يعني طلحة فأخذ أبو عبيدة بثنيته حلقة المغفر فنزعها و سقط على ظهره و سقطت ثنية أبي عبيدة ثم أخذ الحلقة بثنيته الأخرى فكان أبو عبيدة في الناس أثرم و يقال إن الذي نزع الحلقتين من وجه رسول الله ص عقبة بن وهب بن كلدة و يقال أبو اليسر.قال الواقدي و أثبت ذلك عندنا عقبة بن وهب بن كلدة.قال الواقدي و كان أبو سعيد الخدري يحدث أن رسول الله ص

٣٣

أصيب وجهه يوم أحد فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنتيه فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن فجعل مالك بن سنان يمج الدم بفيه ثم ازدرده

فقال رسول الله ص من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه بدمي فلينظر إلى مالك بن سنان فقيل لمالك تشرب الدم فقال نعم أشرب دم رسول الله ص

فقال رسول الله ص من مس دمه دمي لم تصبه النار قال الواقدي و قال أبو سعيد كنا ممن رد من الشيخين لم نجئ مع المقاتلة فلما كان من النهار بلغنا مصاب رسول الله ص و تفرق الناس عنه جئت مع غلمان بني خدرة نعرض لرسول الله ص ننظر إلى سلامته فنرجع بذلك إلى أهلنا فلقينا الناس متفرقين ببطن قناة فلم يكن لنا همة إلا النبي ص ننظر إليه فلما رآني قال سعد بن مالك قلت نعم بأبي أنت و أمي و دنوت منه فقبلت ركبته و هو على فرسه فقال آجرك الله في أبيك ثم نظرت إلى وجهه فإذا في وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة و إذا شجة في جبهته عند أصول الشعر و إذا شفته السفلى تدمى و إذا في رباعيته اليمنى شظية و إذا على جرحه شي‏ء أسود فسألت ما هذا على وجهه فقالوا حصير محرق و سألت من أدمى وجنتيه فقيل ابن قميئة فقلت فمن شجه في وجهه فقيل ابن شهاب فقلت من أصاب شفتيه قيل عتبة بن أبي وقاص فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه ما نزل إلا محمولا و أرى ركبتيه مجحوشتين يتكئ على السعدين سعد بن معاذ و سعد بن عبادة حتى دخل بيته فلما غربت الشمس و أذن بلال بالصلاة خرج على تلك الحال

٣٤

يتوكأ على السعدين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ ثم انصرف إلى بيته و الناس في المسجد يوقدون النيران يتمكدون بها من الجراح ثم أذن بلال بالعشاء حين غاب الشفق فلم يخرج رسول الله ص فجلس بلال عند بابه ص حتى ذهب ثلث الليل ثم ناداه الصلاة يا رسول الله فخرج و قد كان نائما قال فرمقته فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل بيته فصليت معه العشاء ثم رجع إلى بيته قد صفف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل و رجعت إلى أهلي فخبرتهم بسلامته فحمدوا الله و ناموا و كانت وجوه الأوس و الخزرج في المسجد على النبي ص يحرسونه فرقا من قريش أن تكر.قال الواقدي و خرجت فاطمة ع في نساء و قد رأت الذي بوجه أبيها ص فاعتنقته و جعلت تمسح الدم عن وجهه و رسول الله ص يقول اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله و ذهب علي ع فأتى بماء من المهراس و قال لفاطمة أمسكي هذا السيف غير ذميم فنظر إليه رسول الله ص مختضبا بالدم فقال لئن كنت أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و سيف أبي دجانة غير مذموم هكذا روى الواقدي.و روى محمد بن إسحاق أن عليا ع قال لفاطمة بيتي شعر و هما:

أ فاطم هاء السيف غير ذميم

فلست برعد يد و لا بلئيم

لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد

و طاعة رب بالعباد رحيم

فقال رسول الله ص لئن كنت صدقت القتال اليوم لقد صدق معك سماك بن خرشة و سهل بن حنيف.

٣٥

قال الواقدي فلما أحضر علي ع الماء أراد رسول الله ص أن يشرب منه فلم يستطع و قد كان عطشا و وجد ريحا من الماء كرهها فقال هذا ماء آجن فتمضمض منه للدم الذي كان بفيه ثم مجه و غسلت فاطمة به الدم عن أبيها ص فخرج محمد بن مسلمة يطب مع النساء و كن أربع عشرة امرأة قد جئن من المدينة يتلقين الناس منهن فاطمة ع يحملن الطعام و الشراب على ظهورهن و يسقين الجرحى و يداوينهم.قال الواقدي قال كعب بن مالك رأيت عائشة و أم سليم على ظهورهما القرب تحملانها يوم أحد و كانت حمنة بنت جحش تسقي العطشى و تداوي الجرحى فلم يجد محمد بن مسلمة عندهن ماء و رسول الله ص قد اشتد عطشه فذهب محمد بن مسلمة إلى قناة و معه سقاؤه حتى استقى من حسى قناة عند قصور التميميين اليوم فجاء بماء عذب فشرب منه رسول الله ص و دعا له بخير و جعل الدم لا ينقطع من وجهه ع و هو يقول لن ينالوا منا مثلها حتى نستلم الركن فلما رأت فاطمة الدم لا يرقأ و هي تغسل جراحه و علي يصب الماء عليها بالمجن أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم و يقال إنها داوته بصوفة محرقة و كان رسول الله ص بعد يداوي الجراح الذي في وجهه بعظم بال حتى ذهب أثره و لقد مكث يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهرا أو أكثر من شهر و يداوي الأثر الذي في وجهه بعظم.قال الواقدي و قال رسول الله ص قبل أن ينصرف إلى المدينة من يأتينا بخبر سعد بن الربيع فإني رأيته و أشار بيده إلى ناحية من الوادي قد شرع فيه اثنا عشر سنانا فخرج محمد بن مسلمة و يقال أبي بن كعب نحو تلك الناحية قال فأنا وسط القتلى لتعرفهم إذ مررت به صريعا في الوادي فناديته فلم يجب ثم قلت إن رسول الله ص أرسلني إليك قال فتنفس كما يتنفس الطير ثم قال

٣٦

و إن رسول الله ص لحي قلت نعم و قد أخبرنا أنه شرع لك اثنا عشر سنانا فقال طعنت اثنتي عشرة طعنة كلها أجافتني أبلغ قومك الأنصار السلام و قل لهم الله الله و ما عاهدتم عليه رسول الله ص ليلة العقبة و الله ما لكم عذر عند الله إن خلص إلى نبيكم و منكم عين تطرف فلم أرم من عنده حتى مات فرجعت إلى النبي ص فأخبرته فرأيته استقبل القبلة رافعا يديه يقول اللهم الق سعد بن الربيع و أنت عنه راض.قال الواقدي و خرجت السمداء بنت قيس إحدى نساء بني دينار و قد أصيب ابناها مع النبي ص بأحد النعمان بن عبد عمر و سليم بن الحارث فلما نعيا لها قالت فما فعل رسول الله ص قالوا بخير هو بحمد الله صالح على ما تحبين فقالت أرونيه أنظر إليه فأشاروا لها إليه فقالت كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل و خرجت تسوق بابنيها بعيرا تردهما إلى المدينة فلقيتها عائشة فقالت ما وراءك فأخبرتها قالت فمن هؤلاء معك قالت ابناي حل حل تحملهما إلى القبر.قال الواقدي و كان حمزة بن عبد المطلب أول من جي‏ء به إلى النبي ص بعد انصراف قريش أو كان من أولهم فصلى عليه رسول الله ص ثم قال رأيت الملائكة تغسله قالوا لأن حمزة كان جنبا ذلك اليوم و لم يغسل رسول الله ص الشهداء يومئذ و قال لفوهم بدمائهم و جراحهم فإنه ليس أحد يجرح في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم و ريحه ريح المسك ثم

٣٧

قال ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة و كان حمزة أول من كبر عليه أربعا ثم جمع إليه الشهداء فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه و على الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة لأن الشهداء سبعون.قال الواقدي و يقال كان يؤتى بتسعة و حمزة عاشرهم فيصلي عليهم و ترفع التسعة و يترك حمزة مكانه و يؤتى بتسعة آخرين فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليه و عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات و يقال إنه كبر عليه خمسا و سبعا و تسعا.قال الواقدي و قد اختلفت الرواية في هذا و كان طلحة بن عبيد الله و ابن عباس و جابر بن عبد الله يقولون صلى رسول الله ص على قتلى أحد و قال أنا شهيد على هؤلاء فقال أبو بكر أ لسنا إخوانهم أسلمنا كما أسلموا و جاهدنا كما جاهدوا قال بلى و لكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا و لا أدري ما تحدثون بعدي فبكى أبو بكر و قال إنا لكائنون بعدك.و قال أنس بن مالك و سعيد بن المسيب لم يصل رسول الله ص على قتلى أحد.قال الواقدي و قال لأهل القتلى احفروا و أوسعوا و أحسنوا و ادفنوا الاثنين و الثلاثة في القبر و قدموا أكثرهم قرآنا و أمر بحمزة أن تمد بردته عليه و هو في القبر و كانت قصيرة فكانوا إذا خمروا بها رأسه بدت رجلاه و إذا خمروا بها رجليه انكشف وجهه فبكى المسلمون يومئذ فقالوا يا رسول الله عم رسول الله يقتل فلا يوجد له ثوب فقال بلى إنكم بأرض جردية ذات أحجار و ستفتح يعني الأرياف و الأمصار فيخرج الناس إليها ثم يبعثون إلى أهليهم و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون

٣٨

و الذي نفسي بيده لا تصبر نفس على لأوائها و شدتها إلا كنت لها شفيعا أو قال شهيدا يوم القيامة.قال الواقدي و أتى عبد الرحمن بن عوف في خلافة عثمان بثياب و طعام فقال و لكن حمزة لم يوجد له كفن و مصعب بن عمير لم يوجد له كفن و كانا خيرا مني.قال الواقدي و مر رسول الله ص بمصعب بن عمير و هو مقتول مسجى ببردة خلق فقال لقد رأيتك بمكة و ما بها أحد أرق حلة و لا أحسن لمة منك ثم أنت اليوم أشعث الرأس في هذه البردة ثم أمر به فقبر و نزل في قبره أخوه أبو الروم و عامر بن ربيعة و سويبطة بن عمرو بن حرملة و نزل في قبر حمزة علي ع و الزبير و أبو بكر و عمر و رسول الله ص جالس على حفرته.قال الواقدي ثم إن الناس أو عامتهم حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفن بالبقيع منهم عدة عند دار زيد بن ثابت و دفن بعضهم ببني سلمة فنادى منادي رسول الله ص ردوا القتلى إلى مضاجعهم و كان الناس قد دفنوا قتلاهم فلم يرد أحد أحدا منهم إلا رجلا واحدا أدركه المنادي و لم يدفن و هو شماس بن عثمان المخزومي كان قد حمل إلى المدينة و به رمق فأدخل على عائشة فقالت أم سلمة ابن عمي يدخل إلى غيري فقال رسول الله ص احملوه إلى أم سلمة فحملوه إليها فمات عندها فأمر رسول الله ص أن يرد إلى أحد فيدفن هناك كما هو في ثيابه التي مات فيها و كان قد مكث يوما و ليلة و لم يذق شيئا فلم يصل عليه رسول الله ص و لا غسله.قال الواقدي فأما القبور المجتمعة هناك فكثير من الناس يظنها قبور قتلى أحد و كان طلحة بن عبيد الله و عباد بن تميم المازني يقولان هي قبور قوم من الأعراب كانوا

٣٩

عام الرمادة في عهد عمر هناك فماتوا فتلك قبورهم و كان ابن أبي ذئب و عبد العزيز بن محمد يقولان لا نعرف تلك القبور المجتمعة إنما هي قبور ناس من أهل البادية قالوا إنا نعرف قبر حمزة و قبر عبد الله بن حزام و قبر سهل بن قيس و لا نعرف غير ذلك.قال الواقدي و كان رسول الله ص يزور قتلى أحد في كل حول و إذا لقوه بالشعب رفع صوته يقول السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار و كان أبو بكر يفعل مثل ذلك و كذلك عمر بن الخطاب ثم عثمان ثم معاوية حين يمر حاجا و معتمرا.قال و كانت فاطمة بنت رسول الله ص تأتيهم بين اليومين و الثلاثة فتبكي عندهم و تدعو و كان سعد بن أبي وقاص يذهب إلى ما له بالغابة فيأتي من خلف قبور الشهداء فيقول السلام عليكم ثلاثا و يقول لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه السلام إلى يوم القيامة قال و مر رسول الله ص على قبر مصعب بن عمير فوقف عليه و دعا و قرأ( مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اَللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ثم قال إن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم فزوروهم و سلموا عليهم و الذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه و كان أبو سعيد الخدري يقف على قبر حمزة فيدعو و يقرأ و يقول مثل ذلك و كانت أم سلمة رحمها الله تذهب فتسلم عليهم في كل شهر فتظل يومها فجاءت يوما و معها غلامها أنبهان فلم يسلم فقالت أي لكع أ لا تسلم عليهم و الله لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة.قال و كان أبو هريرة و عبد الله بن عمر يذهبان فيسلمان عليهم قالت فاطمة

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

والطهارة المذكورة أعمّ من طهارة النفس والجسد، وتنظيف الباطن والظاهر.

وينبّه القرآن الكريم إلى دور الماء في النظافة والطهارة فيقول:( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) ( الفرقان: ٤٨ ).

ومن أجل هذا فرض الإسلام الوضوء فدعى إلى التوضّؤ قبل كلّ صلاة، أي في اليوم خمس مرّات ( مضافاً إلى كونه بنفسه عبادة ) إذ قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ( المائدة: ٦ ).

ودعا إلى الاغتسال والاستحمام عند الجنابة فقال:( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) ( المائدة: ٦ ).

أو التيمّم بالتراب الطاهر بدلاً عن الغسل أو الوضوء إذا تعذّر الماء، أو تعسّر استعماله فقال:( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ) ( المائدة: ٦ ).

وذلك لأنّ التراب الطاهر يصون الجسم من الميكروبات، مضافاً إلى أنّ التيمّم بالتراب يتضمّن الخضوع لله سبحانه وهو بنفسه عبادة.

وقد فرض الإسلام هذه الأنواع من الطهارات لأنّها طريق إلى نظافة الجسم وهي بدورها طريق إلى الحفاظ على سلامته ولذلك قال القرآن معقّباً على الأمر بالوضوء أو الاغتسال أو التيمّم:( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( المائدة: ٦ ).

وهي إشارة واضحة إلى الهدف من هذه الطهارات.

ومن هذا الباب نهى الإسلام عن مقاربة النساء ( الأزواج ) وهنّ في حالة ( المحيض ) وقاية عن الأمراض الجسمية والمعنويّة الناجمة عن ذلك فيقول:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ

٥٠١

المُتَطَهِّرِينَ ) ( البقرة: ٢٢٢ ).

وهو أمر أكّده الطبّ الحديث، وكشف عن أضراره بالنسبة إلى الزوج والزوجة معاً، فإنّ الدم الفاسد الذي تفرزه المرأة أثناء العادة الشهريّة يحتوي على ميكروبات عديدة وجراثيم متنوّعة لا تلبث أن تصيب الرجل فتحدث له الالتهابات، كمّا أنّه في زمن المحيض تحتقن أغشية المرأة الداخليّة، وفي المقاربة الجنسيّة قد يحدث لها التمزّق فتنتشر العدوى من الميكروبات، وتؤثّر في صحّة المرأة، وتضّر بها، وقد تسبّب لها السرطان، بسبب التمزّق كما يقول العلم الحديث.

كما نهى الإسلام عن ( الزنا ) وقاية من كثير من الأمراض الجنسيّة إذ يقول سبحانه:( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) ( الإسراء: ٣٢ ).

فالزنا ـ مضافاً إلى أنّها توجّه ضربة كبيرة إلى العلاقات الاجتماعيّة السليمة، والقيم الأخلاقيّة الرفيعة، تسبّب أمراضاً جنسيّة خطيرة كالزهريّ والقرحة والسيلان للرجل والمرأة كليهما.

هذه هي أهمّ التعاليم الصحيّة التي يشير إليها القرآن الكريم، وهي توافق في نتائجها، وفلسفتها، وعللها، أحدث ما توصّل إليه العلم الحديث.

الصحّة في السنّة المطهّرة

لقد حفلت السنّة المطهّرة المرويّة عن النبيّ والأئمّة من أهل البيت بطائفة كبيرة جداً من التعاليم الصحيّة سواء في مجال الوقاية، أو النظافة، أو العلاج وسواء في مجال الصحّة الفرديّة أو العامّة، وقد دوّنت هذه التعاليم وجمعت هذه الأحاديث القيّمة في الكتب والمؤلّفات التي ألّفها علماء الإسلام حول الطبّ، وقوانين الصحّة فجاؤوا في هذا المضمار بما يكشف عن أنّ الإسلام سبق العلم الحديث في وضع برنامج كامل للصحّة لا يعرف له مثيل وإليك فيما يأتي أسماء بعض تلك المؤلّفات الخاصّة بطبّ النبيّ وأهل بيته الطاهرين :

٥٠٢

١. طبّ النبيّ: للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهانيّ، المتوفّى عام ( ٤٣٠ ه‍ ).

٢. طبّ النبيّ: للشيخ الإمام أبي العبّاس المستغفريّ، ينقل عنه المحقّق الطوسي في آداب المتعلّمين.

٣. طبّ النبيّ: لأبي الوزير أحمد الأبهريّ، وينقل عنه العلاّمة المجلسيّ في كتاب العترة من بحار الأنوار.

٤. طبّ أهل البيت: للسيّد أبي محمّد زيد بن عليّ بن الحسين. تلميذ شيخ الطائفة الطوسيّ.

٥. طبّ الإمام الصادق: جمعه الطبيب الماهر محمّد بن صادق الرازيّ طبع عام ( ١٣٧٤ ه‍ ).

٦. طبّ الرضا: الموسوم بالرسالة الذهبيّة، أورد تمامه العلاّمة المجلسيّ في مجلّد السماء والعالم من موسوعته بحار الأنوار.

وأنت إذا راجعت الكتب الحديثيّة للفريقين وبالأخصّ ما ألّفه علماء الشيعة ومؤلّفوهم، وجدت اهتماماً خاصّاً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين بسلامة الأبدان وعافيتها.

كما أنّك إذا راجعت الكتب الحديثيّة والفقهيّة الإسلاميّة وجدت فيها أبواباً خاصّة ترتبط بهذا الجانب الحيويّ من الحياة الفرديّة والاجتماعيّة مثل كتاب الأطعمة والأشربة، وكتاب الزيّ والتجمّل وهما بابان واسعان عقدهما صاحب وسائل الشيعة، والكافي في كتابيهما، ومثل كتاب مكارم الأخلاق للطبرسيّ(١) المخصّص لهذا الجانب

__________________

(١) وهو الشيخ أبو نصر رضي الدين الحسن الطبرسيّ وهو نجل العلاّمة الطبرسيّ صاحب تفسير مجمع البيان وقد طبع مرّة بالحروف في مطبعة بولاق سنة ( ١٣٠٠ ه‍ ) ومرّة بالحروف في مطبعة الخيريّة سنة ( ١٣٠٣ ه‍ ) وبهامشه طهارة الأعراق لابن مسكويه ثمّ طبع عدّة مرّات والمؤلّف من أعلام المائة السادسة.

٥٠٣

وغير ذلك من الأبواب، والكتب وإليك بعض الأحاديث المرويّة عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المكرمين: في مجال الطبّ، والوقايّة الصحيّة، وقضايا السلامة الجسديّة، ونقتصر في ذلك على المهمّات :

قال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المعدة بيت الدّاء والحميّة هي الدّواء، وعوّد البدن ما اعتاد ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لا يستغني أهل كلّ بلد عن ثلاثة تفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم، فإن عدموا كانوا همجاً: فقيه عالم ورع وأمير خيّر مطاع وطبيب بصير ثقة ».

وروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّ في صحّة البدن فرح الملائكة ومرضاة الرّبّ وتثبيت السّنّة ».

وأنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا خير في الحياة إلّا مع الصّحّة ».

وفي مجال العلاج والمداواة قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تجنّب الدّواء ما احتمل بدنك الدّاء، فإذا لم يحتمل الدّاء، فالدّواء ».

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « إمش بدائك ما مشى بك ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من ظهرت صحّته على سقمه فعالج نفسه بشيء فمات، أنا إلى الله بريء منه ».

وفي رواية اُخرى: « فشرب الدّواء فقد أعان على نفسه ».

وكلّ الأحاديث تشير إلى أنّ على الإنسان أن لا يستعمل الدواء إلّا للضرورة لأنّ الدواء لا يسكن داء إلّا ويثير آخر وفي هذا الصدد قال الإمام عليّعليه‌السلام : « ليس من دواء إلّا وهو يهيّجُ داءً ».

ولكنّ المعالجة والمداواة مطلوبة على كلّ حال، ولهذا يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : « تداوُوا فما أنزل الله داءً إلّا وأنزل معه الدّواء إلّا السّام ( أي الموت ) ».

٥٠٤

ثمّ إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة: يشيرون إلى أنّ أهمّ عامل من عوامل المرض هو الأكل غير المعتدل، والمطعم غير المستقيم قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما ملا ابنُ آدم وعاءً شرّاً من بطنه، وبحسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صُلبهُ، فإن كان لا بُدّ فثُلث لطعامه، وثُلث لشرابه، وثُلث لنفسه ».

وقال الإمام عليّعليه‌السلام لكميل: « صحّةُ الجسم من قلّة الطّعام وقلّة الماء.

يا كُميلُ لا تُوقرن معدتك طعاماً ودع فيها للماء موضعاً ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لو اقتصد النّاسُ في المطعم لاستقامت أبدانُهُم ».

ثمّ إنّ الوصايا والتعاليم الصحيّة التي بيّنها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته تنقسم إلى نوعين :

النوع الأوّل: ما يرتبط بالصحّة الفرديّة.

النوع الثاني: ما يرتبط بالصحّة العامّة.

ونحن وإن قسّمنا هذه التعاليم إلى فرديّة واجتماعيّة، لكن الحقيقة أنّهما متداخلتان، إذ أنّ استقامة الصحّة الفرديّة تضمن استقامة الصحّة العامّة، وهكذا بالعكس، فالتقسيم الموجود ليس تقسيماً حقيقيّاً.

التعاليم الصحيّة الفرديّة

لقد اعتنى الإسلام على لسان النبيّ وأهل بيته المطهّرين بالصحّة الفرديّة عناية بالغة تفوق الوصف فسنّوا اُمواراً وأعمالا من شأنها ـ إذا روعيت ـ أن تقي الإنسان كثيراً من الأمراض والأسقام، وتهيّء جوّاً سليم ورائعاً من الصحّة، والعافية، ففي مجال المطعم والمشرب نهى النبيّ عن أكل الطعام الحار فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « برّد الطعام فإنّ الحارّ لا بركة فيه ».

ونهى عن النفخ في الطعام فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « النّفخُ في الطعام يُذهبُ بالبركة ».

٥٠٥

ونهى الإمام الصادقعليه‌السلام عن ترك العشاء فقال: « أصلُ خراب البدن تركُ العشاء ».

ودعا إلى غسل اليدين قبل الطعام فقال: « من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة وعوفي من بلوى في جسده ».

ونهى عن كثرة الأكل فقال: « كثرة الأكل مكروه ».

وقال: « الأكل على الشّبع يورث البرص ».

ودعا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الافتتاح بالملح والاختتام به عند الطعام فقال: « يا عليّ افتتح بالملح واختتم به فإنّه شفاء من سبعين داءً منها الجنون والجذام والبرص ووجع الحلق ووجع الأمراض ووجع البطن ».

وقال: « افتتحوا بالملح واختتموا به وإلاّ فلا تلوموا إلّا أنفسكم ».

وحول آداب الشرب وكيفيّته السليمة: يقول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يشربنّ أحدكم الماء من عروة الإناء فإنّه مجتمع الوسخ ».

وقال: « لا يشرب من عند عروته ( أي عروة الكوز أو الأناء ) ولا من كسر إن كان فيه ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لا تشربوا الماء من ثلمة الأناء ولا من عروته فإنّ الشيطان يقعد على العروة والثلمة ».

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مصّوا الماء مصّاً ولا تعبّوه عبّاً فإنّه يوجد منه الكباد » ( مرض يصيب الكبد ).

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام : « من أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماءً حتّى يفرغ، ومن فعل ذلك رطب بدنه وضعفت معدته ولم تأخذ العروق قوّة الطّعام فإنّه يصير في المعدة فحا إذا صبّ الماء على الطعام أوّلاً فأوّلا ».

وفي مجال مضغ الطعام قال الإمام عليّعليه‌السلام في وصيّته لابنه الحسنعليه‌السلام : « وجوّد المضغ ».

٥٠٦

وفي مجال العناية بالملبس: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من اتّخذ ثوباً فليطهّره » وفي رواية « فلينظّفه » وقال الصادقعليه‌السلام : « النّظيف من الثّياب يذهب الهمّ والحزن ».

وقال في جواب من سأله هل يجوز أن يكون للمؤمن عشرة ثياب: « نعم وثلاثون فليس هذا من السّرف ».

وقال: « لبس الخفّ يزيد في قوّة البصر ».

وقال الإمام الباقرعليه‌السلام : « لبس الخفّ أمان من السّل ».

وفي مجال العناية بالحذاء: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إدمان لبس الخفّ ( أي الحذاء ) أمان من الجذام، شتاءً وصيفاً ».

وقال: « من اتّخذ نعلاً فليستجدها ».

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « إستجادة الحذاء وقاية للبدن ».

وحول نظافة المسكن وسعته: قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من سعادة المرء حسن مجلسه وسعة فنائه، ونظافة متوضّئه ».

وقالعليه‌السلام : « من الشّقاء المسكن الضيّق ».

وقالعليه‌السلام : « من سعادة المرء المسلم سعة المنزل ».

وقالعليه‌السلام : « غسل الإناء، وكسح الفناء ( أي كنس البيت ) مجلبة للرّزق ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اكنسوا أفنيتكم ولا تشبّهوا باليهود ».

وقال الإمام عليعليه‌السلام : « لا تأووا التّراب ( أي القاذورات ) خلف الباب فإنّه مأوى للشّياطين »(١) .

وقالعليه‌السلام : « نظّفوا بيوتكم من حول العنكبوت فإنّ تركه في البيت يورث

__________________

(١) لقد وردت كلمة ( الشيطان ) في كثير من الروايات الصحيّة، وحيث إنّ الشيطان كائن يترقّب منه الشرّ ويضرّ بالإنسان فاستعير لفظه في هذه الأحاديث للجراثيم والميكروبات التي تضرّ بالحياة البشريّة ولا يستبعد ذلك بل يلمسه كلّ من له إلمام بالأحاديث الإسلاميّة.

كما أنّ إطلاق الجن عليها من باب أنّ الجن في اللغة هو الموجود الذي لا يرى بالعين.

٥٠٧

الفقر ».

وقال: « لا تبيّتوا القمامة في بيوتكم فأخرجوها نهاراً فإنّها مقعد الشّيطان ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام حول المناديل الوسخة ووجودها في البيت: « لا تأووا منديل اللحم في البيت، فإنّه مربض الشّيطان ».

وحول تنظيف شعر الرأس وتمشيطه وتسريحه أو استئصاله قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كثرة تسريح الرأس تجلب الرّزق و ».

وقال: « مشط الرأس يذهب بالوباء ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « استأصل شعرك يقلّ درنه، ودوابه ووسخه، ويجلو بصرك ويستريح بدنك ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من اتّخذ شعراً فليحسن ولايته أو ليجزّه ».

وحول تقليم الأظفار قال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تقليم الأظفار يمنع الدّاء الأعظم ويدرّ الرّزق ».

وقال: « من أدمن أخذ أظفاره كلّ خميس لم ترمد عينه ».

وقال الإمام الباقرعليه‌السلام : « إنّ أستر وأخفى ما يسلّط الشّيطان على ابن آدم أن صار يسكن تحت الأظافير ».

وقال: « تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمّن من الجذام والبرص والعمى ».

وقال: « إنّما قصّ الأظفار لأنّها مقيل الشّيطان ومنه يكون النسيان ».

وحول شعر الأبط والشارب الذي يكون موضعاً مناسباً وصالحاً لنموّ الجراثيم قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يطوّلنّ أحدكم شعر أبطه فإنّ الشيطان يتّخذه مخبئاً يستتر به ».

وقال: « لا يطوّلنّ أحدكم شاربه فإنّ الشيطان يتّخذه مخبئاً يستتر به ».

وفي مجال العناية بالعين دعا الإسلام إلى التكّحل وغير ذلك فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الكحل ينبت الشّعر، ويحفظ الدمعة ويعذب الريق ويجلو البصر ».

وفي مجال العناية بالاسنان دعا إلى تنظيفها باستمرار وذلك بالسواك والمضمضة

٥٠٨

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لولا أن أشققّ على امّتي لأمرتهم بالسّواك ( أي لأوجبته عليهم وجوباً ) ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « في السّواك عشرُ خصال ( أي فوائد ): مطهرة للفم، ومرضاة للرّب، ومُفرحة للملائكة وهو من السّنة، ويشُدّ اللّثّة ويجلُو البصر، ويذهبُ بالبلغم، ويذهبُ بالحُفر ».

وحول الاستحمام وغسل الرأس قال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : « الحمّامُ يوم ويوم لا، يُكثرُ اللّحم ».

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « غسلُ الرّأس بالخطميّ في كُلّ جُمعة أمان من البرص والجُنُون والصُداع وطهُور للرّأس من الخزار ( أي القرع ) ».

وحول الختان قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « طهّرُوا أولادكُم اليوم السابع فإنّهُ أطيبُ وأطهرُ وأسرعُ لنبات اللحم ».

وحول عدة اُمور اُخرى من هذا الباب قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« خمس من السُنن في الرّأس وخمس في الجسد.

فأمّا التي في الرّأس فالسّواكُ وأخذُ الشّارب وفرقُ الشعر والمضمضةُ والاستنشاق.

وأمّا التي في الجسد فالختانُ وحلقُ العانة ونتفُ الأبطين وتقليمُ الأظفاروالاستنجاءُ »(١) .

هذا هو بعض ما أمكن إيراده من التعاليم والتوصيات في مجال الصحّة الفرديّة، والسلامة الشخصيّة، وهي غيض من فيض، وقليل من كثير، وإنّما ألمحنا إلى ذلك للإلفات إلى جانب من البرنامج الصحّي في النظام الإسلاميّ وأعرضنا عن الإلمام الكامل بتلك التعاليم رعاية للاختصار.

__________________

(١) وسنوقّفك على مصادر تلك الأحاديث قريباً.

٥٠٩

التعاليم الصحيّة العامّة

للإسلام تعاليم وبرامج صحيّة عامّة توجب مراعاتها حفظ الصحّة العامّة، وعدم انتقال الأمراض، وسرايتها وهي تعتبر من أفضل وأعظم البرامج الوقائيّة التي عرفها العالم اليوم.

فقد دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى دفن كلّ ما من شأنه أن يلوّث الهواء والجوّ كالأشياء التي تنفصل من الإنسان من الفضلات والزوائد، فعن عائشة قالت :

( انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان: الشعر والظفر والدم والحيض والمشيمة والسنّ والعلقة ).

ونهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الفرار من الطاعون إذا جاء في بلد، وحكمة ذلك أن لا يسري المرض إلى بلد آخر، فتنتشر العدوى وتتعرّض السلامة العامّة للخطر.

فقال: « إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا نزل وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها »(١) .

وقال للوقاية من العدوى أيضا: « لا يورد ممرض على مصحّ ».

وقال: « فرّ من المجذوم فرارك من الأسد ».

ومن هذا الباب نهى الإسلام عن الاشتراك في المنديل فقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: « كانت لأمير المؤمنينعليه‌السلام خرقة يمسح بها إذا توضّأ للصّلاة ثمّ يعلّقها على وتد ولا يمسحه غيره ».

ومن هذا الباب أيضا أوجب الإسلام إزالة النجاسة عن المساجد، كما أوجب دفن الأموات، ونزح البئر إذا سقط فيها شيء نجس أو مات فيه حيوان، كما نهى عن تعاطي النجاسات وبيعها وشرائها ومنها الخمر، قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ».

__________________

(١) رواه أصحاب السنن، وتاريخ الطبريّ ٤: ٥٧، طبع دار المعارف شرح حوادث سنة ( ٢٧ ه‍ ).

٥١٠

هذا ولعلّ من أبرز ما يدلّ على عناية الإسلام بالصحّة العامّة هو حثّه البالغ على الزواج لأنّ الزواج لو تحقّق بصورة سليمة تكفّل شطراً كبيراً من سلامة الفرد والجماعة. إذ الزواج علاج طبيعيّ مفيد لكثير من المفاسد الخلقيّة والصحيّة التي تصيب المجتمع كما أنّه علاج ناجع لكثير من الادواء التي قد تصيب الأفراد نتيجة الحيادة العزوبيّة وما تتركه هذه الحالة من الآثار السيّئة على الصحّة.

الزواج والصحّة

لقد أصبحت قضيّة الزواج وبعدها الصحيّ الآن علماً مستقلاً من علوم الصحّة ألّفت حوله الكثير من الدراسات، فيما كانت هذه المسألة موضع اهتمام الدين الإسلاميّ منذ أربعة عشر قرناً حيث أتى فيها باُمور سبق بها جميع الكشوف والتوصيات التي توصّل إليها العلم الحديث مؤخّراً.

فهو مثلاً حرّم الزواج بطائفة من النساء من المحارم إذ قال سبحانه :

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( النساء: ٢٣ ).

وهذا يعني أنّ الإسلام حرّم التزوّج بسبع طوائف من النساء المنتمين إلى الشخص بالنسب وهنّ التي ذكرتهنّ الآية السابقة(١) .

وقد توصّل العلم الحديث أخيراً إلى علل هذا التحريم، كما أنّ الشريعة الإسلاميّة انفردت من بين الشرائع القائمة بجعل الرضاع سبباً من أسباب التحريم، وذلك لأنّ المرضعة التي ترضع الولد إنّما تغذيه بجزء من جسمها فتدخل أجزاؤها في

__________________

(١) نعم لا تختصّ الحرمة بمن ذكرن في الآية.

٥١١

تكوينه، ويصبح جزءاً منها. فإنّ لبنها خلاصة من دمها منه ينبت لحم الطفل ويقوى عظمه، وإذا كان الطفل جزءاً منها فهي كالأُمّ النسبيّة محرّمة إلى الأبد(١) .

كما أنّ الإسلام نهى عن التزوّج بالحمقاء لما في مثل هذا الزواج من نتاج غير مطلوب قال الإمام عليعليه‌السلام : « إيّاكُم وتزويج الحمقاء فإنّ صُحبتها بلاء وولدها ضياع ».

كما نهى عن التزوّج بشارب الخمر لنفس السبب، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من زوَّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها ».

ونهى عن مقاربة الزوج في فترة العادة الشهريّة لما أسلفنا، نهياً تحريميّاً مغلظاً.

ونهى عن مقاربتها في بعض الحالات النفسيّة أو الجسديّة أو الكونيّة الخاصّة نهياً تنزيهيّاً، لما تجرّه المقاربة في تلك الظروف والحالات والأوقات والأوضاع من آثار سيّئة على صحّة الزوج والزوجة، وصحّة الولد الناشئ منهما.

وقد وردت تفصيلات هذه الأوقات في وصيّة مطوّلة للنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإمام عليّ تجدها في كتاب مكارم الأخلاق وغيره من الكتب الحديثيّة في هذا المجال.

وقد توصّل العلم الحديث الآن إلى الكثير من علل هذه التوصيات التي سبق الإسلام إلى ذكرها.

هذا ونظراً لأهمّية الزواج من الناحية الصحّية سواء في المجال الفرديّ أو في المجال الاجتماعيّ حثّ النبيّ وأهل بيته المعصومون: على التزوّج، وترك الحياة العزوبيّة وها نحن نورد هنا طائفة من الأحاديث تتميماً للفائدة :

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تزوّجوا، وزوّجوا الأيم فمن حظّ امرء مسلم انفاق قيمة أيّمة، وما من شيء أحبّ إلى الله من بيت يعمر في الإسلام بالنّكاح ».

وقال: « تزوّجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم غداً في القيامة ».

__________________

(١) لاحظ أحكام الرضا (ع) في الكتب الفقهيّة.

٥١٢

وقال: « من أحبّ أن يكون على فطرتي فليستنّ بسنّتي فإنّ من سنّتي النكاح ».

وقال: « ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ الله يرزقه نسمةً تثقل الأرض بلا إله إلّا الله ».

وقال: « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوّج فإنّه أغض للبصر وأحصن للفرج ».

وقال: « من تزوّج فقد أعطي نصف السّعادة ».

وقال: « إنّ من سنّتي وسنّة الأنبياء من قبلي النّكاح والختان والسّواك والعطر ».

وقال: « ما بني في الإسلام بناء أحبّ إلى الله من التزويج ».

وقال: « من تزوّج أحرز نصف دينه فليتّق الله في النّصف الآخر ».

وقال: « النّكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي ».

وقال: « أكثر أهل النّار العزّاب ».

وقال: « أراذل موتاكم العزّاب ».

وقال: « من أحبّ أن يلقى الله طاهراً مطهّراً فليستعفف بزوجة ».

وقال: « شرار أمّتي عزّابها ».

وقال: « شراركم عزّابكم والعزّاب إخوان الشّياطين ».

وقال: « لو خرج العزّاب من موتاكم إلى الدّنيا لتزوّجوا ».

وقال: « ما للشّيطان سلاح أبلغ في الصّالحين من النّساء إلّا المتزوّجون اُولئك المطهّرون المبرّؤون ».

وقال عكاف أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي: « يا عكاف: ألك زوجة » قلت: لا، قال: « وأنت صحيح موسر » قلت: نعم والحمد لله، قال: « فإنّك إذن من إخوان الشّيطان، إمّا أن تكون من رهبان النّصارى، وإمّا أن تصنع كما يصنع المسلمون وإنّ من سنّتنا النّكاح، شراركم عزّابكم وأراذل موتاكم عزّابكم ـ إلى أن قال ـ ويحك يا عكاف تزوّج

٥١٣

تزوّج وإلاّ فإنّك من الخاطئين ».

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يتزوّج إلّا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : كمل دينه ».

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « ركعتان يصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعةً يصلّيها العزب ».

ولم يكتف الإسلام بإعطاء هذا القدر من التوصيات المفيدة في مجال الزواج بل حرص على جودة النسل ؛ فنهى الزوجة الحامل عن أكل أشياء أو فعل اُمور حفاظاً على صحّتها وصحّة جنينها، كما حثّها على تناول مأكولات خاصّة(١) ، تقوية لها ولجنينها وهي اُمور كشف الطبّ الحديث عن صحّتهاوعمقها وجدواها.

كما نهى عن إرضاع الطفل بلبن الحمقاء، قال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللّبن يعدي »(٢) .

هذه بعض ما أتى به الإسلام في مجال الزواج، هذه المسألة الاجتماعيّة المهمّة التي يكون لها دور فعّال في حفظ الصحّة الفرديّة والعامّة مضافاً إلى حفظ العلاقات الاجتماعيّة السليمة، وتقوية القيم والمثل الأخلاقيّة الإنسانيّة.

إهتمام المسلمين بعلم الطبّ

هذا وقد اقتفى المسلمون أثر النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين في العناية بالصحّة والطبّ فكتبوا الكتب الطبيّة، وأقاموا المستشفيات بل وكان المسلمون أوّل من أقامها وأقاموا المصحّات، وشيّدوا المختبرات، وتخرّج منهم الأطبّاء الحاذقون الذين شاع

__________________

(١) مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « اسقُوا نسائكُم الحوامل اللّبن فإنّها تُزيدُ في عقل الصّبيّ ».

(٢) جميع الأحاديث والتعاليم الصحيّة المذكورة في هذا الفصل اقتبست من :

الكافي ٦: كتاب الأطعمة والأشربة والزي والتجمّل، وكتاب مكارم الأخلاق، ونهج البلاغة، وخصال الصدوق، ووسائل الشيعة ٨: كتاب العشرة، فراجع الفصول والأبواب المختلفة من تلك الكتب.

٥١٤

صيتهم في الآفاق ولا زالت الكثير من مؤلّفاتهم وتحليلاتهم وكشوفاتهم موضع اهتمام الغربيّين.

وبالتالي نبغ فيهم رجال مثل جابر بن حيّان، والكندي وابن مسكويه وابن سينا، والرازيّ وغيرهم ممّن تركوا مؤلّفات كثيرة في مجال الطبّ، وخرجوا إلى العالم بنظريّات وابتكارات في هذا المجال.

وبإمكان القارئ الكريم أن يتعرّف على هذه الاُمور من المصادر التالية :

١. الطبّ العربي، مقدمة تدرس مساهمة العرب ( والمراد بهم المسلمون ) في الطبّ، والعلوم المتّصلة به، تأليف الدكتور أسعد خير الله.

٢. الطبّ عند العرب للدكتور أحمد شوكت شطّي طبعة القاهرة مؤسّسة المطبوعات الحديثة.

٣. تاريخ الصيدلة والعقاقير في العهد القديم والعهد الوسيط تأليف جورج شحاته قنواتي، القاهرة دار المعارف عام (١٩٥٩).

٤. ميراث الإسلام تأليف ١٣ مستشرقاً واُستاذ جامعة.

٥. شمس الشرق تطلع على الغرب.

٦. فلاسفة الشيعة للعلاّمة الشيخ عبد الله نعمة.

٧. وراجع كشف الظنون ٢: ٨٦ إلى ٨٨، والذريعة ١٥: ١٣٥ ـ ١٤٤.

العناية بالصحّة وظيفة الحكومة الإسلاميّة

لا شكّ أنّ الحفاظ على الصحّة الفرديّة والصحّة العامّة وتهيئة الأجواء المناسبة لذلك لا يمكن أن يتوفّر إلّا بأمرين :

أ ـ التوجيه والتثقيف الصحّي المستمر.

ب ـ تهيئة الأجواء الصحّية في الوسط الاجتماعيّ من قبيل إقامة المستشفيات

٥١٥

والمصحّات، وإجراء التلقيح الصحّي للوقاية إذا داهم البلد مرض معد، وإقامة المختبرات والمؤسّسات للتحقيق في شؤون الطبّ، وتعاهد أمر التنظيف البلديّ.

ومن المعلوم أنّ كلّ هذه الوظائف الثقيلة لا يمكن القيام بها إلّا بواسطة الأجهزة المزوّدة بالتخطيط والقانون والمال ولهذا فإنّ مسؤوليّة العناية بالصحّة الفرديّة والصحّة العامّة تقع في الدرجة الاُولى على عاتق الحكومة الإسلاميّة استلهاماً من الأحاديث الحاثّة على الصحّة في المجالين، بل ويمكن القول بأنّ هذه المسألة من أهمّ الواجبات التي تقع على كاهل الحكومة إذ الحصول على أمّة قوّية متحرّكة متقدّمة منتجة مدافعة عن نفسها لا يتيسّر إلّا بوجود أمّة سالمة تتمتّع بالصحّة والعافية الكاملة.

إنّ على الحكومة الإسلاميّة أن تهتمّ ـ بواسطة أجهزتها المختصّة ومؤسسات وزارة الصحّة ـ بالصحّة العامّة فتراقب نظافة الشوارع والأزقّة، وتراقب صانعي المأكولات والأطعمة والقصّابين والحمامات والمسابح العامّة لتكون موافقة مع قوانين الصحّة، وتقيم المستشفيات والمصحّات، وتقوم بتلقيح الأطفال والكبار ضد الأمراض الداهمة، وتقوم بتوجيه النّاس إلى وظائفهم الصحّية وتفرض رقابة مشدّدة على الاجتماعات من الناحية الصحّية لتمنع من تسرّب أي مرض يهدّد سلامة الاُمّة، ولعلّ من أهمّ ما يجب على الحكومة الإسلاميّة هو برنامج الضمان الصحّي لجميع افراد الاُمّة بلا استثناء، لينشأوا أصحّاء البدن أقوياء البنية أخذا بقول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المُؤمنُ القويّ خير وأحبّ إلى الله من المُؤمن الضّعيف وفي كُلّ خير »(١) .

وقد كان هذا هو سيرة المسلمين شعوباً وحكومات منذ الصدر الأوّل للإسلام ويدلّ على ذلك ما أقاموه هنا وهناك من مؤسّسات صحّية، وشيّدوه من مختبرات علميّة طبيّة، فقد كانت الحكومات الإسلاميّة الغابرة ترى نفسها ملزمة بإقامة الصحّة ورعايتها في المجتمع الإسلاميّ، فكان القسم الأكبر من وظائف الصحّة الاجتماعيّة على عاتق المحتسبين، وفي ذلك كتب ابن الاخوة الذي كان يعيش في القرن السابع الهجريّ حول

__________________

(١) سنن ابن ماجة: ٢، كتاب الزهد، الباب ١٤، الحديث ٥، رقم التسلسل ٤١٦٨.

٥١٦

وظائف المحتسب في هذا المجال قائلاً :

( في الحسبة على الفرّانين والخبّازين: ينبغي أن يأمرهم المحتسب بغسل المعاجن وتنظيفها، ولا يعجن العجّان بقدميه وبركبتيه ولا بمرفقيه، فربما قطر في العجين شيء من عرق أبطيه أو بدنه، وأن يعجن ملثّماً لأنّه ربّما عطس أو تكلّم فقطر شيء من بصاقه في العجين.

وقال في الحسبة على الجزّارين ( القصّابين ): يجب على المحتسب أن يمنعهم من الذبح على أبواب دكاكينهم فإنّهم يلوّثون الطريق بالدم والروث.

وقال في الحسبة على الطبّاخين: يأمرهم بتغطية أوانيهم وحفظها من الذباب وهوامّ الأرض بعد غسلها بالماء الحارّ.

وقال في الحسبة على صانعي الأدوية والعقاقير: ويعتبر عليهم في عقاقير الأقراص والمعاجين قبل عملها بمن ظهرت مخبرته وكثرت تجربته للعقاقير ويكون من أهل الخير والصلاح، فإنّها إذا اختلّ أمرها أضرّت بالمريض لا محالة(١) .

وقال في الحسبة على الأطباء والجرّاحين والمجبّرين: الطبيب هو العارف بتركيب البدن ومزاج الأعضاء والأمراض الحادثة فيها وأسبابها وأعراضها وعلاماتها والأدوية النافعة فيها والاعتياض عمّا لم يوجد منها والوجه في استخراجها وطريق مداواتها بالتساوي بين الأمراض والأدوية في كمّياتها ولا يجوز له الإقدام على علاج يخاطر فيه ولا يتعرّض لما لا علم له فيه ففي الخبر: « من تطبّب ولم يُعلم منهُ طبّ قبل ذلك فهو ضامن »(٢) .

وينبغي أن يكون لهم مقدم من أهل صناعتهم فقد حكي أنّ ملوك اليونان كانوا يجعلون في كلّ مدينة حكيماً مشهوراً بالحكمة ثمّ يعرضون عليه بقيّة أطبّاء البلد

__________________

(١) هذه ملاحظة في الطب مهمّة جداً وقد عرفها العالم اليوم، حيث أسّس جهازاً خاصاً بمراقبة الأدوية والعقاقير قبل إنزالها إلى الأسواق.

(٢) مجمع البحرين ( مادّة طبب ).

٥١٧

فيمتحنهم فمن وجده مقصّراً في علمه أمره بالاشتغال وقراءة العلم ونهاه عن المداواة(١) .

وينبغي إذا دخل الطبيب على المريض أن يسأله عن سبب مرضه وعن ما يجد من الألم ثمّ يرتّب له قانوناً من الأشربة وغيره من العقاقير ثمّ يكتب له نسخة لأولياء المريض بشهادة من حضر معه عند المريض وإذا كان من الغد حضر ونظر إلى قارورته ( أي بوله ) وسأل المريض هل تناقص به المرض أم لا ثمّ يرتّب له ما ينبغي على حسب مقتضى الحال وهكذا حتّى يبرأ المريض، وينبغي للمحتسب أن يأخذ على الأطباء عهداً أن لا يعطوا أحداً دواء مضرّاً ولا يركّبوا له سمّاً ولا يصفوا سمّاً عند أحد من العامّة ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنّة ولا للرجال الذي يقطع النسل وليغضّوا أبصارهم عند المحارم عند دخولهم على المرضى )(٢) .

__________________

(١) هذا هو ما عرفه العالم الحديث اليوم وأخذ به حتّى أنّه لا يجيز طبيباً ولا يسمح له بفتح العيادة الطبيّة ومعالجة المرضى إلّا بعد تقديم اطروحة تشهد على إكتماله في هذا الفن.

(٢) راجع معالم القربى في أحكام الحسبة من ٩٠ إلى ١٧٠ والكتاب برمّته جدير بالمطالعة جدّاً.

٥١٨

برامج الحكومة الإسلاميّة ووظائفها

٥

الحكومة الإسلاميّة

والسياسة الخارجيّة

الإسلام يرسم قواعد السياسة الخارجيّة :

يظنّ بعض الكتّاب الغربيّين، ومن استقى معلوماته من دراساتهم ومؤلّفاتهم أنّ الغرب هو أوّل من ابتكر ( نظاماً للعلاقات الدوليّة )، وأوّل من أسّس ما يسمّى بالسياسة الخارجيّة، للحكومات والدول، ولم يكن للعالم ـ قبل ميلاد الحضارة الغربيّة ـ أي نظام للسياسة الخارجيّة، لأنّه لم تكن هناك علاقات وروابط بين الدول، كما ظنّوا.

بيد أنّ هذا ادّعاء يعرف ضعفه وخطأه كلّ من له أدنى إلمام بالتاريخ البشريّ فقد كان بين الشعوب علاقات وروابط، ولأجل ذلك فقد كان بينهم قوانين ورسوم وضوابط وحقوق تنظّم علاقاتهم وروابطهم حسبما تقتضيه الظروف، وتتطلّبه الحاجة ولقد اتّخذت هذه السياسة آخر وأفضل أشكالها بمجيء الإسلام.

ولا نريد ـ في هذا المقام ـ أن نستعرض جميع تلك الضوابط الدوليّة، وخطوط

٥١٩

تلك السياسة الخارجيّة التي سنّها الإسلام فإنّ شرح كلّ ذلك على وجه التفصيل يحتاج إلى دراسة موسّعة وعامّة تتناول بالبحث جميع المعاهدات التي عقدها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الدول، والملوك وزعماء القبائل، وكذا دراسة المعاهدات والمواثيق التي عقدها بعض الحكّام المسلمين بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

غير أنّ الهدف ـ هنا ـ هو إشارة خاطفة وتلميح عابر إلى ( اُصول ) هذه السياسة وخطوطها العريضة، ليعرف الجميع أنّ الحكومة الإسلاميّة يوم قامت كانت جامعة لكلّ البرامج وآلمناهج التي تحتاج إليها أيّة حكومة، وحاوية لكلّ ما تحتاج إليه الشعوب والاُمم، في علاقاتها الخارجيّة.

وأمّا ما سيتجدّد من الاُمور والحاجات فيمكن معرفة حلولها، على ضوء الاُصول والقواعد المقرّرة كما هو الحال في غير هذا الباب فإنّ على الشارع المقدّس بيان الاُصول وعلى علماء الحقوق والفقهاء التفريع، والاستنتاج.

ونحن نشير في هذا البحث إلى بعض الخطوط الكلّية في السياسة الخارجيّة للحكومة الإسلاميّة :

١. إحترام العهود والمواثيق الدوليّة

إنّ إحترام المواثيق، والوفاء بالعهود من الاُمور الفطريّة التي طبع عليها البشر وتعلّمها في أوّل مدرسة من مدارس تكوين الشخصيّة، أعني مدرسة الفطرة ولأجل ذلك نجد الأطفال يعترضون على أوليائهم إذا خالفوا وعودهم ولم يفوا بها ولهذا قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « احبّوا الصّبيان وارحموهم وإذا وعدتّموهم شيئاً فأوفوا لهم »(١) .

هذا مضافاً إلى أنّ الاحترام للميثاق والوفاء بالعهد شرط ضروريّ لإستقرار الحياة الاجتماعيّة واستقامتها، إذ الثقة المتبادلة ركن أساسيّ لهذه الحياة، ولا تتحقّق هذه الثقة المتبادلة إلّا بالوفاء بالعهود، والاحترام المتقابل للمواثيق، والوعود، ولهذا أمر الله سبحانه

__________________

(١) بحار الأنوار ١٦: ١٥٥.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627