مفاهيم القرآن الجزء ٣

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198271 / تحميل: 5952
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

والجمع الخواتيم، وتختمت: إذا ألبسته، وخاتمة الشيء: آخره.

ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء.

والختام، الطين الذي يختم به، وقوله تعالى:( خِتَامُهُ مِسْكٌ ) أي آخره، لأنّ آخر ما يجدونه رائحة المسك.

قال ابن منظور في لسان العرب: ختام القوم، أقصاهم، ختام القوم وخاتمهم آخرهم، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء، والخاتم من أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ففي التنزيل:( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ، أي آخرهم، وقد قرأوا « خاتم » بالفتح، ومن أسمائه « العاقب » أيضاً ومعناه آخر الأنبياء.

قال أبو محمد الدميري في منظومته :

والخاتم الفاعل قل بالكسر

وما به يختم، فتحاً يجري(١)

وقال البيضاوي: وخاتم النبيين آخرهم الذي ختمهم، أو ختموا به على قراءة عاصم بالفتح.

وفي تفسير الجلالين: وفي قراءة بفتح التاء، كآلة الختم، أي به ختموا.

وقال الراغب في مفرداته: يطلق الختم على البلوغ إلى آخر الشيء، نحو ختمت القرآن، أي انتهيت إلى آخره، وخاتم النبيين، لانّه ختم النبوّة أي تممها بمجيئه.

إلى غير ذلك من الكلمات الواردة والنصوص الدالة على تظافر اللغة والتفسير على معنى واحد، ولباب هذه النصوص: أنّ لمادة هذه الكلمة معنى واحداً وهو الانتهاء والوصول إلى آخره، وأمّا الخاتم المشتق منها فعلى الكسر بمعنى الآخر، وعلى الفتح أمّا فعل كضارب، أو اسم بمعنى ما به يختم.

وأمّا اطلاقه على الحلية التي تزيّن بها الاصبع، فلأجل أنّ الدارج في عهد الرسالة طبع الكتاب بالخاتم، فكانت خواتيمهم طوابعهم، لا أنّه وضع لها ابتداء.

__________________

(١) التيسير في علوم التفسير: ص ٩٠.

١٢١

ويدل على ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته: انّ رسول الله أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليهم كتاباً، فقيل يا رسول الله أنّ الملوك لا يقرؤن كتاباً إلّا مختوماً، فاتخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ خاتماً من فضة ـ فصّه منه ـ نقشه ثلاثة أسطر: محمد رسول الله، وختم به الكتب(١) .

قال ابن خلدون في مقدمته عند البحث عن شارات الملوك: أمّا الخاتم فهو من الخطط السلطانيةوالوظائف الملوكية، والختم على الرسائل والصكوك معروف للملوك قبل الإسلام وبعده، وقد ثبت في الصحيحين، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يكتب إلى قيصر، فقيل له: إنّ العجم لا يقبلون الكتاب، إلّا أن يكون مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة ونقش فيه: محمد رسول الله.

قال البخاري: جعل ثلاث كلمات في ثلاثة أسطر وختم به وقال: لا ينقش أحد مثله، قال: وتختم به أبو بكر وعمر وعثمان، ثم سقط من يد عثمان في بئر اريس

وفي كيفية نقش الخاتم والختم به وجوه :

وذلك أنّ الخاتم يطلق على الآلة التي تجعل في الاصبع ومنه تختم: إذا لبسه، ومنه ختمت الأمر: إذا بلغته، وختمت القرآن، ومنه خاتم النبيين، وخاتم الأمر، ويطلق على السد الذي يسد به الأواني والدنان، ويقال: ختام، وقد غلط من فسّر هذا بالنهاية والتمام، قال: آخر ما يجدونه في شرابهم ريح المسك، وليس المعنى عليه وإنّما هو من الختام الذي هو السداد، لأنّ الخمر يجعل لها في الدن سداد الطين أو القار، يحفظها ويطيب عرفها وذوقها فبولغ في وصف خمر الجنة بأنّ سدادها من المسك وهو أطيب عرفاً وذوقاً من القار والطين المعهودين في الدنيا

وأنّ الخاتم إذا نقشت به كلمات أو أشكال ثم غمس في دواة من الطين أو المداد، ووضع على صفح القرطاس بقى أكثر الكلمات في ذلك الصفح، وكذلك إذا طبع به على جسم ليّن كالشمع فإنّه يبقى نقش ذلك المكتوب مرتسماً فيه إلى أن قال :

__________________

(١) الطبقات الكبرى: ج ١ ص ٢٥٨.

١٢٢

ويكون هذا من معنى النهاية والتمام بمعنى صحة ذلك المكتوب ونفوذه كأنّ الكتاب إنّما يتم العمل به بهذه العلامات، وهو من دونها ملغى ليس بتمام، ومن هذا خاتم القاضي الذي يبعث به للخصوم أي علامته وخطه الذي ينفذ بهما أحكامه ومنه خاتم السلطان أو الخليفة، أي علامته إلى آخر ما أفاده.

كل ما ذكره ذلك الفيلسوف الخبير بأسرار التاريخ، شواهد على ما ذكرنا فراجع بقية كلامه(١) .

تشكيكان حول دلالة الآية على كون نبي الإسلام خاتماً :

البهائية حزب سياسي، لها طابع المذهب، قد اختلقها الميرزا حسين علي النوري المتوفّى عام ١٣٠٩ ه‍ ق في عكا، ويليهم في العقيدة والغاية « القاديانية » ومؤسسها « غلام أحمد القادياني » ينسب إلى إحدى قرى البنجاب ( قاديان )، كان في الرعيل الأوّل من فضلاء البنجاب وعلمائهم، لكنّه ادّعى عام ١٨٩٢ أنّه المجدد للقرن الرابع عشر الهجري، وفق الحديث النبوي: « سيأتي على رأس كل مائة سنة رجل يجدد لها دينها »، قال: أنا المبعوث لهذا القرن، فاتبعوني لعلّكم تفلحون، فأطاعته عدة من الخواص والعوام زرافات ووحداناً، ولما أحس بروح التبعية فيهم، ادّعى أنّه المهدي والمسيح الموعود، ثم ادّعى لنفسه النبوّة وأنّه نبي كمثل أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا معه، وأنّه نبي الاُمّة الإسلامية بغير مصحف، وعند ذلك هجم الناس عليه ليقتلوه، لولا تدخل الحكومة الانكليزية، وبقي على ما ادّعى إلى أن اخترمته المنية عام ١٩٠٨ ولم يستخلف أحداً، فحدث بينهم خلاف عظيم، فمالت فئة من أتباعه إلى ابنه « بشير الدين أحمد » وتبعت فئة قليلة منهم « الأمير محمد علي » الذي شد أزر غلام أحمد من ابتداء الأمر، وقرروا أن يجعلوا لهم جميعة اُخرى، ويجتنبوا اتباع ابن غلام أحمد، وجعلوا مركزهم في « لاهور » عاصمة البنجاب، واشتهروا باسم الأحمدية اللاهورية، ومحمد علي هو مترجم

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون: ج ١ ص ٢٢٠.

١٢٣

القرآن بالانكليزية.

وبين الطائفتين اختلاف في الاُصول والفروع، فالأحمدية منهم مؤمنة بأنّ النبي خاتم الأنبياء ولا يؤمنون بنبوّة غلام أحمد ولا يكفّرون المسلمين مهما كانت عقائدهم، وهو واتباعه يصلّون خلف كل مسلم، بشرط أن لا يكفّرهم، وأمّا القاديانية منهم، فهم يعتقدون أنّ غلام أحمد كان نبياً بلا كتاب سماوي، كأنبياء بني اسرائيل، ويؤوّلون آية:( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) تأويلاً يتوافق على زعم الطائفة المضلة ـ على ما سيأتي.

نعم تشترك الفئتان في الاعتقاد بحرمة الجهاد، لأنّ مسيحهما قد بعث وجاء لنشر السلام العام والمحبة، ولزوم الخضوع والطاعة لمن تسلّط، والكد والكدح في اكتساب الأموال والنقود، وأنّ الوحي مستمر إلى الأبد، إلى غير ذلك من المخازي لتضليل بسطاء الاُمّة عن الإسلام، وعند التحقيق يظهر أنّ الاستعمار خلق « البابية والقاديانية » لإيجاد التشكيك بين عوام الشيعة والسنّة، وكلا الاخوين « حية بطن واد »(١) .

ولما أرادت الفرقة الضالّة المضلّة البهائية أن تعرّف زعيمها وقائدها، رسولاً من الله إلى الناس، كسائر المرسلين، من موسى والمسيح ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حاولت لتدعيم مدعاها أن تشكك في دلالة الآية على ما اتفق عليه المسلمون منذ نزولها إلى الآن، وقد جاءت في ذلك بتشكيكين لا يقصران عن شبه السوفسطائية في بداهة الاُمور ودونك بيانهما مع دحضهما بأوضح الوجوه :

التشكيك الأوّل :

خلاصة هذا الوجه ترجع إلى التصرف في معنى « الخاتم » كما أنّ التشكيك الثاني

__________________

(١) وقد تحدثت مجلة العرفان عن الأحمدية والقاديانية في عدة من أعدادها، فراجع المجلد الثامن عشر في مقال تحت عنوان: « الإسلام في الهند » والمجلد التاسع عشر ص ٩٤ والعشرين ص ٢٣٣ و ٣٥٢ و ٤٨٩ وفيها مقالات بأقلام جماعة من الباحثين تشرح لنا هوية هذه الفئة.

١٢٤

يرجع إلى التصرف في معنى « النبيين ».

بيانه أنّ قوله سبحانه:( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) لا يدل على انتهاء النبوّة بوجودهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاحتمال كون المراد من « الخاتم » الحلية التي تزين بها الاصبع وعندئذ يصير الهدف من اطلاق « الخاتم » عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله واستعارته له هو تشبيه نبي الإسلام بالخاتم في الزينة وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلغ من الكمال مبلغاً حتى صار زينة الأنبياء، فهو بين تلك العصابة كالخاتم في يد لابسه.

وهنا احتمال آخر تسقط معه أيضاً دلالة الآية على ما يرتأيه المسلمون من اختتام النبوّة بهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو جواز أن يكون المراد من خاتم النبيين أنّه مصدق للنبيين وما اُنزل إليهم من الصحف والكتب، كما قال سبحانه:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) ( المائدة ـ ٤٨ ) وقد تقدمت تصاريح التاريخ على أنّ الدارج في عصر الرسالة هو طبع الكتاب وتصديق ما فيه بالخاتم، فيصير اطلاق الخاتم عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله واستعارته له، لأجل أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيين ومصدقهم كالخاتم الذي هو مصدق لمضامين الكتب والصحف، فأين الدلالة على انسداد باب النبوّة(١) .

الجواب :

إنّ هذا التشكيك بمعزل عن التحقيق، بل لا يستحق أن يطلق عليه اسم التشكيك والشبهة، ولا يعرج عليه أي عربي أصيل، وأي عارف باللغة العربية، بل أي شخص له أدنى إلمام بها ولا يتردد في مخيلة أي ابن انثى، إذا كان ذا فكر سليم وذوق مستقيم، ولا يجود احتماله في كلمات القدامى والمتأخّرين.

إذ لم تعهد استعارة الخاتم في مصطلح العرف للشخص، لغاية الزينة والتصديق على وجه المجاز، أو استعماله فيهما على وجه الحقيقة منذ عصر الرسالة إلى يومنا هذا.

وقد عرفت المعنى الحقيقي لتلك الكلمة، ولم تكن الزينة أو التصديق أحد

__________________

(١) الخاتمية: ص ٢٣.

١٢٥

معانيه، وأمّا استعماله فيهما مجازاً، فيتوقف على حصول أمرين :

الأوّل: أن يكون الاستعمال متعارفاً ودارجاً بين أهل اللسان، أو يكون ممّا يستحسنه الطبع والذوق، وكلاهما منتفيان(١) .

الثاني: وجود قرينة مقالية أو حالية صارفة عن المعنى الحقيقي، وإلا فيحمل على المعنى الموضوع له، وهي أيضاً منتفية.

ولما كانت هذه الشبهة أشبه شيء بحديث خرافة، وشبه السوفسطائية لم يلتفت إليه أحد من مناوئي الإسلام، حتى مؤسس الفرقة الضالّة وزعيمها الأكبر، بل فسّر هو نفسه في بعض كتبه(٢) ( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) على خلاف ما ذكر في الشبهة، وقال: « والصلاة والسلام على سيد العالم، ومربي الاُمم، الذي به انتهت الرسالة والنبوّة وعلى آله وأصحابه دائماً سرمداً ».

وصرّح بذلك في « ايقانه »(٣) وفسره بالختم والانتهاء، نعم أتى بعد ذلك بتأويلات باردة يشمئز منها الطبع، وإنّما اوّل ما اوّل ليمهد الطريق لدعوى نبوّته وسفارته من الله سبحانه.

هلم معي نسأل مبدع الشبهة عن أنّه لماذا خص سبحانه « الخاتم » بالاستعارة، مع أنّ التاج والاكليل، أولى وأبلغ في بيان المقصود ( الزينة ) ؟

هلم نسأله عن أنّه لو صح ما أراد ( من أنّ المراد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدق النبيين ) ولن يصح، ولو صحت الأحلام، فلماذا عدل سبحانه عن أوضح التعابير وأفصحها، ولم يقل « مصدق النبيين » كما عبّر به في غير واحد من السور(٤) عندما أراد توصيف النبي بكونه

__________________

(١) ولأجل ذلك لا تجد في الآداب العربية ولا الفارسية ولا غيرها من اللغات استعارة الخاتم للزينة والتصديق.

(٢) اشراقات: ص ٢٩٢.

(٣) ايقان: ص ١٣٦.

(٤) سورة البقرة: ٤١ و ٩١ و ٩٧ ـ آل عمران: ٣ وغيرهما.

١٢٦

مصدقاً لمن تقدم عليه وأتى في المقام بتعبير غير مألوف ولا مأنوس.

نحن نسأله: انّ تصديق من مضى من النبيين، ليس صفة خاصة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانّ المسيح كان أيضاً مصدقاً للماضين منهم، وما معهم من الكتب والصحف، كما حكى عنه سبحانه:( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ( الصف ـ ٦ )، وعند ذاك فلماذا عرّفه سبحانه بوصف مشترك بين الأنبياء جميعاً.

ماذا يجينا المبدع إذا سألناه، وقلنا له: إنّ تشبيه الرسول الأعظم بالخاتم في التصديق وليد الأحلام الباطلة، وشتان بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين الخاتم، حتى في نفس وجه الشبه الذي اختلقه المبدع، فانّ الخاتم ليس هو نفسه مصدقاً، وإنّما هو آلة التصديق وما يصدق به، وإنّما المصدق انّما هو كاتب الصحيفة، وهذا بخلاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه هو المصدق نفسه.

لا أدري ماذا يجيب المشكك عن هذه الأسئلة ؟

نعم اختلقت هذا التشكيك بعض الأقلام المستأجرة، لتأييد أقاويل تلك الفئة وتسويل أباطيلهم، والكاتب أعرف ببطلانها، وقد عرفته الاُمّة، وعرفت نواياه، وما تخلّق به من روحيات ونفسيات.

التشكيك الثاني :

إنّ منصب النبوّة غير الرسالة، وما هو المختوم إنّما هو الأوّل دون الثاني فباب النبوّة وإن كان مختوماً بنص الآية، لكن باب الرسالة مفتوح على مصراعيه في وجه الاُمّة، ولم يوصد ولن يوصد أبداً.

واجلاء الحق في هذا المقام يتوقف على الوقوف على ما هو المقصود من النبي والرسول في الكتاب العزيز، وقد عقدنا لبيان الفرق بين النبي والرسول فصلاً خاصاً(١)

__________________

(١) سيوافيك هذا الفصل في الجزء الرابع من هذه الموسوعة.

١٢٧

وأوضحنا فيه حال هذا التشكيك وجعلناه في مدحرة البطلان وأقمنا الدليل على أنّ ختم النبوّة يلازم ختم الرسالة.

وخلاصة ما قلناه هناك: إنّ النبي حسب ما يظهر من آيات الذكر الحكيم وكلمات اعلام اللغة، هو الانسان الموحى إليه من الله باحدى الطرق المعروفة، وأمّا الرسول فهو الانسان(١) القائم بالسفارة من الله بابلاغ قول أو تنفيذ عمل وإن شئت قلت: النبوّة منصب معنوي يستدعي الاتصال بالغيب باحدى الطرق المألوفة، والرسالة سفارة للمرسل ( بالفتح ) من جانبه سبحانه لتنفيذ ما تحمله منه في الخارج أو ابلاغه إلى المرسل إليهم.

وبعبارة ثالثة: النبوّة تحمل الأنباء من الله والرسالة تنفيذ ما تحمله من الانباء بالتبشير والانذار والتبليغ وإلتنفيذ.

ولأجل ذلك يقترن لفظ الوحي بلفظ « النبيين » ويقول سبحانه:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ) ( النساء ـ ١٦٣ ).

ولو اقترن لفظ الوحي بالرسول في آية اُخرى، فلمناسبة اُخرى اقتضت العدول فيه كما أنّه يقترن في القرآن إلزام الانسان بتبليغ كلام عنه سبحانه أو تنفيذ عمل في الخارج بلفظ « الرسول » ويقول سبحانه:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ( المائدة ـ ٦٧ ).

وقال سبحانه:( قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا ) ( مريم ـ ١٩ ).

وعلى ذلك فالنبي أمّا صيغة لازم بمعنى صاحب النبأ ومتحمله، أو صيغة متعد بمعنى المخبر عنه سبحانه، والرسول هو الموظّف لتحقيق ما تحمله النبي من جانب الله سبحانه عن طريق الوحي.

فلو فرض أنّه أوصد باب النبوّة وختم نزول الوحي إلى أي انسان كما يصرح به

__________________

(١) المقصود هو الرسول المصطلح فلا ينافي اطلاقه على الملك والشخص العادي في القرآن الكريم.

١٢٨

لفظ « خاتم النبيين » فعند ذاك يختم باب الرسالة الالهية أيضاً بلا ريب، لأنّ الرسالة لا تهدف سوى تنفيذ ما يتحمله النبي من جانب الله عن طريق الوحي فإذا انقطع الوحي والاتصال بالمبدأ الاولى والاطلاع على ماعنده، لا يبقى موضوع للرسالة أبداً، فإذا كان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتماً للنبيين أي مختوماً به الوحي والاتصال فهو خاتم الرسل والمرسلين طبعاً، لأنّ رسالة الانسان من جانب الله سبحانه، عبارة عن بيان أو تنفيذ ما أخذه عن طريق الوحي، فلا تستقيم رسالة أي انسان من جانبه سبحانه إذا انقطع الوحي والاتصال به تعالى ولا يقدر أن يقول أي ابن اُنثى بالرسالة من ناحيته سبحانه إذا كانت النبوّة موصدة باعترافه.

هذا خلاصة ما قلناه هناك وسيوافيك تفصيله بدلائله وشواهده من الكتاب والسنّة وكلمات اعلام اللغة.

التنصيص الثاني(١) على الخاتمية :

هلم معي نقرأ النصوص الباقية الدالة على كون نبيّنا خاتم الرسل، وانّ رسالته خاتمة الرسالات حتى يتضح الحق بأجلى مظاهره، فمن النصوص قوله سبحانه :

__________________

(١) الهدف الأسمى من الاستدلال بهذه الآية وما تليها، هو نفي قسم خاص من أقسام النبوّة، أي النبوّة التشريعية الناسخة، فهذه الآية وأمثالها تكذّب كل من ادّعى لنفسه منصب النبوّة التشريعية، وادّعى أنّه نبي كموسى وعيسى ومحمد، وانّ له كتاباً وشريعة ناسخة لما قبلها من الكتب والشرائع، إذ لا يعقل أن يكون لمجتمع واحد كتابان مختلفا الأهداف والأغراض، أو نذيران متعددا الغايات.

فلا يصح أن يكون الفرقان والقرآن نذيراً لهم، وفي الوقت نفسه يكون كتاب آخر، يخالفه في المضمون نذيراً لهم أيضاً، وقس على ذلك سائر ما يرد عليك من الآيات.

نعم هذه الآية ونظائرها لا تفي بنفي النبوّة التبليغية المحضة، أو التشريعية غير الناسخة، بأن تكون النسبة بين الشريعتين نسبة الأقل إلى الأكثر، أو المجمل إلى المفصل، والدليل الوحيد في القرآن، على انسداد أبواب النبوّاة على اطلاقها، هي الآية المتقدمة، وما سيوافيك من الأحاديث المتواترة، الدالة على اغلاق باب النبوّة على وجه الاُمة بعامة أنواعها واقسامها فلاحظ.

١٢٩

( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) ( الفرقان ـ ١ ).

وصريح النص أنّ الغاية من تنزيل الفرقان على عبده ( رسولنا ) كون القرآن نذيراً للعالمين، أي الخلائق كلها من بدء نزوله إلى يوم يبعثون.

قال « الراغب » في مفرداته: العالم اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض وهو في الأصل اسم لما يعلم به، كالطابع والخاتم، لما يطبع به وما يختم به، وجعل بناءه على هذه الصفة، لكونه كالآلة والعالم آلة، في الدلالة لصانعه، وأمّا جمعه فلأن كل نوع من هذه قد يسمى عالماً، فيقال عالم الانسان وعالم الماء، وعالم النار، وأمّا جمعه على السلامة فلكون الناس من جملتهم والانسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب عليه حكمه، وقيل إنّما جمع هذا الجمع لأنّه عنى به أصناف الخلائق من الملائكة والجن والناس دون غيرها وروي هذا عن ابن عباس وقال جعفر بن محمد عنى به الناس، وجعل كل واحد عالماً(١) .

وقال: العالم عالمان: الكبير وهو الفلك بما فيه والصغير لأنّه مخلوق على هيئة العالم(٢) .

قال الزمخشري: العالم اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وقيل كل ما علم به الخالق من الأجسام والأعراض، وجمع ليشمل كل جنس مما سمّي به، وأمّا جمعه بالواو والنون مع كونه اسماً غير صفة وإنّما يجمع بها صفات العقلاء، أو ما في حكمها من الأعلام، فلأجل معنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم(٣) .

__________________

(١) هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ويشهد له ما نقله سبحانه، عن قوم لوط في خطابهم له، عند نزول ضيوفه:( قَالَ إِنَّ هَٰؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ *وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ *قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ) ( الحجر: ٦٨ ـ ٧٠ ) أي قالوا في جوابه: أوليس كنا قد نهيناك عن أن تستضيف أحداً من الناس، ولا معنى لأن ينهوه عن الأجرام السماوية، أو الجن والملائكة.

ونظيره قوله سبحانه ـ حكاية عن لوط في الرد على قومه ـ: ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ) ( الشعراء ـ ١٦٥ ) فالمراد من العالمين فيه هو الناس بلا ريب.

(٢) المفردات للراغب: ص ٣٤٩.

(٣) الكشاف: ج ١ ص ٦.

١٣٠

وعلى أي تقدير سواء أكان المراد من العالمين في الآيات الآخر جميع المخلوقات التي يحويها الفلك من الجواهر والأعراض، أم كان المراد الإنس والجن، فالمراد منه في الآية بقرينة كونه « نذيراً » خصوص الانسان أو مطلق من يعقل، فالآية صريحة في أنّ انذاره لا يختص بناس دون ناس، أو بزمان دون زمان، فهو على اطلاقه يعطي كونه نذيراً للاُمّة البشرية بلا قيد ولا حد.

ولقائل أن يعترض ويقول: ربّما يطلق « العالمون » ويراد منه الجم الغفير من الناس كما في قوله سبحانه في تفضيل بني اسرائيل:( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( البقرة ـ ٤٧ ) ويقال رأيت عالماً من الناس يراد به الكثرة وعند ذاك لا تكون الآية صريحة فيما نرتئيه.

والجواب: انّ المتبادر من العالمين في مصطلح العرف والقرآن هو المعنى العام وهو عبارة أمّا عن الخلائق عامة كما عليه قوله سبحانه:( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ) ( الشعراء ٢٣ ـ ٢٤ ).

وغيره من الآيات الكثيرة التي استعملت فيها كلمة « العالمين » في الخلق كلّه، أو نوع ما يعقل من الملائكة والإنس والجن وعليه قوله تعالى:( وَلَٰكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( البقرة ـ ٢٥١ ).

وقوله سبحانه:( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ) ( آل عمران ـ ١٠٨ )، أو خصوص الإنس وعليه قوله تعالى:( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) ( آل عمران ـ ٩٦ ).

وقوله سبحانه:( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ) ( الشعراء ـ ١٦٥ ).

وقوله سبحانه:( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) ( الأعراف ـ ٨٠، وقريب منها ما في العنكبوت ـ ٢٨ ).

وعلى ما ذكرنا فلا يسوغ أن يحمل هذ اللفظ على غير هذه المعاني، إلّا بقرينة صارفة عن ظاهره وهي غير موجودة في المقام.

١٣١

وأمّا قوله سبحانه:( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) فليس ظاهراً فيما فسره صاحب الكشاف، من الجم الغفير، ولأجل ذلك فسّره حبر الاُمّة بأهل عالمي زمانهم كلهم، لا بالجم الغفير، كما فسّر به قوله سبحانه:( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ( آل عمران ـ ٤٢ ).

وعلى أي حال سواء أفسّرناه بالجم الغفير أم خصصناه بأهل عالمي زمانهم فإنّما هو لقرينة صارفة عن ظاهره، حيث دل القرآن على أنّ الاُمّة الإسلامية أفضل الاُمم، لقوله سبحانه:( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ) ( آل عمران ـ ١١٠ ).

ونظير تلك الآية ما دل على اصطفاء مريم على نساء العالمين، كما قال سبحانه:( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ( آل عمران ـ ٤٢ ) فالمراد منه هو نساء عالمي أهل زمانها، لما اُثر عن النبي وآله من عدم فضلها على ابنته فاطمةعليها‌السلام .

أخرج ابن سعد، عن مسروق، عن عائشة في حديث: انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسر إلى فاطمة عند مرضه وقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الاُمّة، أو نساء العالمين(١) .

ورواه أبو نعيم الاصفهاني أيضاً بهذه العبارة(٢) .

وأخرج مسلم والترمذي والبخاري في صحاحهم عن عائشة، قالت: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة في اُخريات أيامه: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الاُمّة(٣) .

روى الحديث بألفاظه المختلفة العلّامة المجلسي في بحاره، فراجع(٤) .

ولولا هذه المأثورات عمّن نزل عليه القرآن لكان الواجب الأخذ بظاهرها والحكم

__________________

(١) و (٢) الطبقات الكبرى: ج ٨ ص ٢٧، حلية الأولياء ج ٢ ص ٤٠.

(٣) التاج الجامع للاُصول: ج ٣ ص ٣١٤.

(٤) بحار الأنوار: ج ٤٣ ص ٣٦.

١٣٢

بتفضيلها ( مريم ) على نساء العالمين جميعاً.

على أنّه يمكن الأخذ باطلاق قوله سبحانه:( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) والقول بتفضيلهم على الناس كلّهم بتقريب أنّ ملاك فضلهم على غيرهم، تخصيصهم بأشياء من بين الاُمم إذ انزل عليهم المنّ والسلوى، وبعث فيهم رسلاً، وأنزل عليهم الكتب ونجّاهم من فرعون وملائه إلى غير ذلك مما خص به تلك الاُمّة من بين الناس ولا يلزم منه تفضيل واحد منهم على غيرهم(١) .

وعلى أي تقدير فالمتبع هو ظاهر الآية ما لم يدل دليل على خلافه، وليست في المقام قرينة تصرف قوله سبحانه:( لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) عن ظاهره وصريحه.

النص الثالث من القرآن على الخاتمية :

ومن النصوص قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ *لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ( فصّلت ٤١ ـ ٤٢ ).

والمقصود من « الذكر » هو القرآن، لقوله سبحانه:( ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ ) ( آل عمران ـ ٥٨ ).

وقوله سبحانه:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( النحل ـ ٤٤ ).

والضمير في « لا يأتيه » يرجع إلى « الذكر » ومفاد الآية أنّ الباطل لا يتطرّق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من أي جهة من الجهات، فلا يأتيه البطل بأي صورة متصورة، ودونك صوره :

١. لا يأتيه الباطل: لا ينقص منه شيء ولا يزيد فيه شيء.

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ١٠٢.

١٣٣

٢. لا يأتيه الباطل: لا يأتيه كتاب يبطله وينسخه بأن يجعله سدى، فهو حق ثابت لا يبدل ولا يغير ولا يترك.

٣. لا يأتيه الباطل: لا يتطرق في اخباره عمّا مضى ولا في اخباره عمّا يجيء، الباطل، فكلّها تطابق الواقع.

وعلى أي تقدير فمحصل الآية بحكم الاطلاق المستفاد من قوله سبحانه: « لا يأتيه » أنّ القرآن حق لا يدخله الباطل إلى يوم القيامة.

ويؤيد ذلك قوله سبحانه:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر ـ ٩ ) أي نحفظه عن تطرق أي بطلان إليه إلى يوم البعث، كما هو أيضاً مقتضى اطلاقه.

والحق المطلق الذي لا يدانيه الباطل أبداً، والمحفوظ عن تسلل البطلان إليه إلى يوم القيامة كما هو ظاهر الآيتين، يمتنع أن يكون حجّة محدودة، بل يكون متبعاً لا إلى غاية خاصة وأمد محدود، لأنّ خاصية الحق المطلق والمصون عن تطرق البطلان مطلقاً هو كونه حجة لا إلى حد خاص والله سبحانه عهد:( لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ) ( الانفال ـ ٨ ).

فإذا كان القرآن حقاً مطلقاً مصوناً عن تسلل البطلان إليه، ومتبعاً للناس إلى يوم القيامة، يجب عند ذلك، دوام رسالته وثبات نبوّته وخاتمية شريعته.

وإن شئت قلت: إنّ الشريعة الجديدة إمّا أن تكون عين الشريعة الإسلامية الحقة المحقة التي لا يقارنها ولا يدانيها الباطل أو غيرها، فعلى الأوّل لا حاجة إلى الثانية، وعلى الثاني فامّا أن تكون الثانية حقّة كالاُولى، فيلزم كون المتناقضين حقاً، أو يكون الاُولى حقّة دون الاُخرى، فهذا هو المطلوب.

والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزل يبيّن شريعته، بالكتاب الحق الذي لا يدانيه الباطل وبسنّته المحكمة التي لا تصدر عنه إلّا بإيحاء منه سبحانه، كما قال:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَىٰ *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ) ( النجم: ٣ ـ ٥ ) وعلى أي تقدير فالآية

١٣٤

صريحة في نفي أي تشريع بعد القرآن، وشريعة غير الإسلام فتدل بالملازمة على عدم النبوّة التشريعية بعد نبوّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

النص الرابع من القرآن على خاتمية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

ومن النصوص قوله تعالى:( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) ( الأنعام ـ ١٩ ) وفسره أمين الإسلام الطبرسي بقوله: أي لا خوف به من بلغه القرآن إلى يوم القيامة، ولذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من بلغه أنّي أدعو إلى أن لا إله إلّا الله فقد بلغه، أي بلغته الحجة وقامت عليه، حتى قيل من بلغه القرآن، فكإنّما رأى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمع منه وحيث ما يأتي القرآن، فهو داع ونذير(١) .

قوله سبحانه:( وَمَن بَلَغَ ) معطوف على الضمير المنصوب في قوله:( لأُنذِرَكُم ) لا على الفاعل المستتر.

وقد وافاك توضيح مفاد الآية والتوفيق بينها وبين قوله سبحانه:( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) عند البحث عن كون رسالة الرسول عالمية(٢) .

النص الخامس على الخاتمية :

ومن النصوص قوله تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( سبأ ـ ٢٨ ).

المتبادر من الآية، كون( كَافَّةً ) حالاً من الناس قدمت على ذيها، وتقدير الآية: « وما أرسلناك إلّا للناس كافة بشيراً ونذيراً ».

ويحتمل كونها حالاً من الضمير المنصوب في « أرسلناك » ومفاد الآية: وما أرسلناك إلّا أن تكفّهم وتردعهم. ولكنّه ضعيف جداً، إذ لا حاجة عندئذ إلى لفظ

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٢٨٢.

(٢) راجع ص ٦٣ ـ ٧٠ من كتابنا هذا.

١٣٥

« كافة » بعد تذييل الجملة بقوله:( بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) إذ لا معنى للكف والردع إلّا تخويفهم عن عذابه وعقابه حتى يرتدعوا بالتأمل فيما أوعد الله في كتابه العزيز ولسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على مقترفي الجرائم، وليس ذلك إلّا نفس الانذار الوارد في الآية :

أضف إليه أنّه لم يستعمل لفظ « كافّة » في القرآن إلّا بمعنى عامة كقوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ( البقرة ـ ٢٠٨ ).

وقوله عز وجل:( وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) ( التوبة ـ ٣٦ ).

وقوله سبحانه:( وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ) ( التوبة ـ ١٢٢ ).

وكل ذلك يؤيد كون( كَافَّةً ) بمعنى عامة حالا من الناس، والآية مع كونها دليلاً على كون رسالته عالمية، دليل على كونه مبعوثاً إلى كافة الناس إلى يوم يبعثون(١) .

النص السادس على الخاتمية :

ثم إنّه سبحانه جعل نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيين، وكتابه خاتم الكتب، وجعله مهيمناً على جميع الكتب النازلة من قبل.

قال سبحانه:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) ( المائدة ـ ٤٨ ).

والمهيمن هو الرقيب الشهيد وقد فسّر باُمور اُخرى يقرب بعضها من بعض فهو

__________________

(١) ويؤيد ذلك ما رواه ابن سعد في « طبقاته الكبرى » عن خالد بن معدان قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعثت إلى الناس كافة، فإن لم يستجيبوا لي فإلى العرب، فإن لم يستجيبوا لي فإلى قريش، فإن لم يستجيبوا لي فإلى بني هاشم، فإن لم يستجيبوا لي فإليّ وحدي.

ونقل عن أبي هريرة، أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: اُرسلت إلى الناس كافة، وبي ختم النبييون ( الطبقات الكبرى ج ١ ص ١٩٢ ) وكل ذلك دليل على أنّ الصحابة لم يفهموا من الآية إلّا ما استظهرناه.

١٣٦

مراقب أمين يشهد على الكتب النازلة قبله بالصحة في مورد، والبا لتحريف في مورد آخر. ولو أراد أهل الكتب الوصول إلى الحق الواضح لرجعوا إلى ذلك الكتاب، لأنّهم لم يؤتوا علم كتابهم كلّه، بل:( أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ ) ( آل عمران ـ ٢٣ ) وأنّهم:( نَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) (١) ، وكانوا:( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (٢) .

وفسره العلّامة الطباطبائي بوجه آخر وقال :

هيمنة الشيء على الشيء كون الشيء ذا سلطة على الشيء في حفظه ومراقبته وأنواع التصرف فيه، وهذا حال القرآن الذي وصفه الله تعالى بأنّه تبيان كلّ شيء بالنسبة إلى ما بين يديه من الكتب السماوية، يحفظ منها الاُصول الثابتة غير المتغيرة، وينسخ منها ما ينبغي أن ينسخ من الفروع التي يمكن أن يتطرق إليه التغير والتبدل ممّا يناسب حال الانسان بحسب سلوكه صراط التكامل بمرور الزمان، قال تعالى:( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) ( الإسراء ـ ٩ ).

وقال:( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) ( البقرة ـ ١٠٦ ).

فهذه الجملة أعني قوله:( وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) متممة لقوله:( مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ) تتميم ايضاح، إذ لولاها لأمكن أن يتوهّم من تصديق القرآن للتوراة والانجيل أنّه يصدق ما فيهما من الشرائع والأحكام، تصديق إبقاء من غير تغيير وتبديل لكن توصيفه بالهيمنة يبيّن أنّ تصديقه لهما تصديق إنّهما شرائع حقّة من عند الله، وانّ لله أن يتصرف فيها ما يشاء بالنسخ والتكميل كما يشير إليه قوله سبحانه في ذيل الآية:( وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) (٣) .

اشارات قرآنية إلى الخاتمية :

ثمّ إنّ في الكتاب الحكيم آيات تشير إلى خاتمية الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وخاتمية كتابه

__________________

(١) و (٢) لاحظ الآية ١٣ من المائدة.

(٣) الميزان: ج ٥ ص ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

١٣٧

ويقف على تلك الإشارات كل من أمعن النظر في مضامينها ونذكر في المقام بعض الآيات :

١.( أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ *وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( الأنعام ١١٤ ـ ١١٥ ).

ودلالة قوله سبحانه:( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) على إيصاد باب الوحي وانقطاعه إلى يوم القيامة وتمامية الشرائع النازلة من الله سبحانه طوال قرون إلى سفرائه، واضحة بعد الوقوف على معنى الكلمة في القرآن.

إنّ « الكلمة » في القرآن قد استعملت في معان أو في مصاديق مختلفة بمعنى واحد جامع واسع، حتى استعملت في العين الخارجي.

قال سبحانه:( إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) ( آل عمران ـ ٤٥ ) كما استعملت في القضاء والوعد القطعي قال سبحانه:( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ( هود ـ ١١٩ ) إلى غير ذلك.

لكن المراد منها في الآية هو الدعوة الإسلامية أو القرآن الكريم، وما فيه من شرائع وأحكام، والشاهد عليه الآية المتقدمة حيث قال سبحانه:( وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالحَقِّ ) فالمراد من قوله:( أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ ) هو القرآن النازل على العالمين، ثم يقول: بأنّ الذين آتيناهم الكتاب من قبل كاليهود والنصارى إذا تخلصوا عن الهوى، يعلمون أنّ القرآن وحي إلهي كالتوراة والأنجيل وأنّه منزل من الله سبحانه بالحق، فلا يصح لأي منصف أن يتردد في كونه نازلاً منه إلى هداية الناس.

ثمّ يقول في الآية التالية:( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) بظهور الدعوى المحمديّة، ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب وصارت مستقرة في محلها بعد ما كانت تسير دهراً

١٣٨

طويلاً في مدارج التدرج بنبوّة بعد نبوّة وشريعة بعد شريعة(١) .

وهذه الكلمة الالهية أعني الدعوة الالهية المستوحاة في القرآن الكريم صدق لا يشوبه كذب وما فيه من الأحكام من الأمر والنهي، عدل لا يخالطه ظلم ولأجل تلك التمامية لا تتبدل كلماته وأحكامه من بعد(٢) .

وأمّا ما احتمله صاحب المنار من أنّ المراد من الكلمة ما وعد الله به نبيّه من نصره وخذلان مستهزئيه مستشهداً بقوله سبحانه:( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ *وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) ( الصافات: ١٧١ ـ ١٧٣ ) وما في معناه من الآيات، فممّا لا يلائم سياق الآيات ولا يناسب قوله:( صِدْقًا وَعَدْلاً ) ولا قوله:( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) إلّا بالتكلّف الذي ارتكبه صاحب المنار(٣) .

* * *

هذا حال الخاتمية في الذكر الحكيم وقد عرفت أنّه ناطق بايصاد باب النبوّة والرسالة، وخاتميتهما، وقد وردت في المقام أحاديث متواترة عن النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الطاهرين فلأجل ايقاف القارئ على تلكم الكلم الرية عقدنا الفصل التالي :

__________________

(١) الميزان: ج ٧ ص ٣٢٨، مجمع البيان ج ٢ ص ٣٥٤.

(٢) وقد استعملت الكلمات في القرآن الكريم في الشرائع الالهية قال سبحانه واصفاً مريم:( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ ) ( التحريم ـ ١٢ ).

(٣) المنار: ج ٨ ص ١٢.

١٣٩

الخاتمية

في الأحاديث الإسلامية

لقد حصحص الحق بما أوردناه من النصوص القرآنية وانكشف الشك عن محيا اليقين، فلم تبق لمجادل شبهة، في أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيين والمرسلين ودينه خاتم الأديان وكتابه خاتم الكتب وقد وردت عن النبي والأئمّة من بعده نصوص في المقام تؤكد المطلب فلا بأس بالتعرض لها، وتوضيح بعضها، إذ لم نجدها مجتمعة في باب أو كتاب.

تنصيص الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله على الخاتمية

١. خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة إلى غزوة تبوك وخرج الناس معه فقال له عليعليه‌السلام : أخرج معك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، فبكى علي، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبي بعدي، أو ليس بعدي نبي، أو لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي »(١) .

وهذا الحديث صحيح متفق عليه بين الاُمّة، لم يشك أحد في صحة سنده ولا سنح في خاطر كاتب أن يناقش في ثبوته.

__________________

(١) سمّي حديث المنزلة، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نزّل فيه نفسه منزلة موسى، ونزّل عليّاً مكان هارون.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الطعن العاشر

قولهم إنه سمى نفسه بخليفة رسول الله ص لاستخلافه إياه بعد موته مع اعترافه أنه لم يستخلفه و الجواب أن الصحابة سمته خليفة رسول الله ص لاستخلافه إياه على الصلاة عند موته و الاستخلاف على الصلاة عند الموت له مزية على الاستخلاف على الصلاة حال الحياة لأن حال الموت هي الحال التي تكون فيها العهود و الوصايا و ما يهتم به الإنسان من أمور الدنيا و الدين لأنها حال المفارقة و أيضا فإن رسول الله ص ما استخلف أحدا على الصلاة بالمدينة و هو حاضر و إنما كان يستخلف على الصلاة قوما أيام غيبته عن المدينة فلم يحصل الاستخلاف المطلق على الصلاة بالناس كلهم و هو ص حاضر بين الناس حي إلا لأبي بكر و هذه مزية ظاهرة على سائر الاستخلافات في أمر الصلاة فلذلك سموه خليفة رسول الله ص و بعد فإذا ثبت أن الإجماع على كون الاختيار طريقا إلى الإمامة و حجة و ثبت أن قوما من أفاضل الصحابة اختاروه للخلافة فقد ثبت أنه خليفة رسول الله ص لأنه لا فرق بين أن ينص الرسول ص على شخص معين و بين أن يشير إلى قوم فيقول من اختار هؤلاء القوم فهو الإمام في أن كل واحد منهما يصح أن يطلق عليه خليفة رسول الله ص

٢٢١

الطعن الحادي عشر

قولهم إنه حرق الفجاءة السلمي بالنار و قد نهى النبي ص أن يحرق أحد بالنار و الجواب أن الفجاءة جاء إلى أبي بكر كما ذكر أصحاب التواريخ فطلب منه سلاحا يتقوى به على الجهاد في أهل الردة فأعطاه فلما خرج قطع الطريق و نهب أموال المسلمين و أهل الردة جميعا و قتل كل من وجد كما فعلت الخوارج حيث خرجت فلما ظفر به أبو بكر رأى حرقه بالنار إرهابا لأمثاله من أهل الفساد و يجوز للإمام أن يخص النص العام بالقياس الجلي عندنا

الطعن الثاني عشر

قولهم إنه تكلم في الصلاة قبل التسليم فقال لا يفعلن خالد ما أمرته قالوا و لذلك جاز عند أبي حنيفة أن يخرج الإنسان من الصلاة بالكلام و غيره من مفسدات الصلاة من دون تسليم و بهذا احتج أبو حنيفة و الجواب أن هذا من الأخبار التي تتفرد بها الإمامية و لم تثبت و أما أبو حنيفة فلم يذهب إلى ما ذهب إليه لأجل هذا الحديث و إنما احتج بأن التسليم خطاب آدمي و ليس هو من الصلاة و أذكارها و لا من أركانها بل هو ضدها و لذلك يبطلها قبل التمام و لذلك لا يسلم المسبوق تبعا لسلام الإمام بل يقوم من غير تسليم فدل على أنه ضد للصلاة و جميع الأضداد بالنسبة إلى رفع الضد على وتيرة واحدة و لذلك استوى الكل في

٢٢٢

الإبطال قبل التمام فيستوي الكل في الانتهاء بعد التمام و ما يذكره القوم من سبب كلام أبي بكر في الصلاة أمر بعيد و لو كان أبو بكر يريد ذلك لأمر خالد أن يفعل ذلك الفعل بالشخص المعروف و هو نائم ليلا في بيته و لا يعلم أحد من الفاعل

الطعن الثالث عشر

قولهم إنه كتب إلى خالد بن الوليد و هو على الشام يأمره أن يقتل سعد بن عبادة فكمن له هو و آخر معه ليلا فلما مر بهما رمياه فقتلاه و هتف صاحب خالد في ظلام الليل بعد أن ألقيا سعدا في بئر هناك فيها ماء ببيتين:

نحن قتلنا سيد الخزرج

سعد بن عباده

و رميناه بسهمين

فلم تخط فؤاده

يوهم أن ذلك شعر الجن و أن الجن قتلت سعدا فلما أصبح الناس فقدوا سعدا و قد سمع قوم منهم ذلك الهاتف فطلبوه فوجدوه بعد ثلاثة أيام في تلك البئر و قد اخضر فقالوا هذا مسيس الجن و قال شيطان الطاق لسائل سأله ما منع عليا أن يخاصم أبا بكر في الخلافة فقال يا ابن أخي خاف أن تقتله الجن و الجواب أما أنا فلا أعتقد أن الجن قتلت سعدا و لا أن هذا شعر الجن و لا أرتاب أن البشر قتلوه و أن هذا الشعر شعر البشر و لكن لم يثبت عندي أن أبا بكر أمر خالدا و لا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه ليرضى بذلك أبا بكر و حاشاه فيكون الإثم على

٢٢٣

خالد و أبو بكر بري‏ء من إثمه و ما ذلك من أفعال خالد ببعيد

الطعن الرابع عشر

قولهم إنه لما استخلف قطع لنفسه على بيت المال أجرة كل يوم ثلاثة دراهم قالوا و ذلك لا يجوز لأن مصارف أموال بيت المسلمين لم يذكر فيها أجرة للإمام و الجواب أنه تعالى جعل في جملة مصرف أموال الصدقات العاملين عليها و أبو بكر من العاملين و اعلم أن الإمامية لو أنصفت لرأت أن هذا الطعن بأن يكون من مناقب أبي بكر أولى من أن يكون من مساويه و مثالبه و لكن العصبية لا حيلة فيها

الطعن الخامس عشر

قولهم إنه لما استخلف صرخ مناديه في المدينة من كان عنده شي‏ء من كلام الله فليأتنا به فإنا عازمون على جمع القرآن و لا يأتنا بشي‏ء منه إلا و معه شاهدا عدل قالوا و هذا خطأ لأن القرآن قد بان بفصاحته عن فصاحة البشر فأي حاجة إلى شاهدي عدل و الجواب أن المرتضى و من تابعه من الشيعة لا يصح لهم هذا الطعن لأن القرآن عندهم ليس معجزا بفصاحته على أن من جعل معجزته للفصاحة لم يقل إن كل آية من القرآن هي معجزة في الفصاحة و أبو بكر إنما طلب كل آية من القرآن لا السورة بتمامها و كمالها التي يتحقق الإعجاز من طريق الفصاحة فيها و أيضا فإنه لو أحضر إنسان آية أو آيتين و لم يكن معه شاهد فربما تختلف العرب هل هذه في الفصاحة بالغة

٢٢٤

مبلغ الإعجاز الكلي أم هي ثابتة من كلام العرب بثبوته غير بالغة إلى حد الإعجاز فكان يلتبس الأمر و يقع النزاع فاستظهر أبو بكر بطلب الشهود تأكيدا لأنه إذا انضمت الشهادة إلى الفصاحة الظاهرة ثبت أن ذلك الكلام من القرآن : وَ مِنْ هَذَا اَلْكِتَابِ مِنْهُ إِنِّي وَ اَللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَ هُمْ طِلاَعُ اَلْأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَ لاَ اِسْتَوْحَشْتُ وَ إِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ وَ اَلْهُدَى اَلَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَ يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ إِنِّي إِلَى لِقَاءِ اَللَّهِ لَمُشْتَاقٌ وَ لِحُسْنِ حُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ وَ لَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ أَمْرَ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اَللَّهِ دُوَلاً وَ عِبَادَهُ خَوَلاً وَ اَلصَّالِحِينَ حَرْباً وَ اَلْفَاسِقِينَ حِزْباً فَإِنَّ مِنْهُمُ اَلَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ اَلْحَرَامَ وَ جُلِدَ حَدّاً فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى اَلْإِسْلاَمِ اَلرَّضَائِخُ فَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَ تَأْنِيبَكُمْ وَ جَمْعَكُمْ وَ تَحْرِيضَكُمْ وَ لَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَ وَنَيْتُمْ أَ لاَ تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ قَدِ اِنْتَقَصَتْ وَ إِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ اُفْتُتِحَتْ وَ إِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى وَ إِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى اِنْفِرُوا رَحِمَكُمُ اَللَّهُ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ وَ لاَ تَثَّاقَلُوا إِلَى اَلْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وَ تَبَوَّءُوا بِالذُّلِّ وَ يَكُونَ نَصِيبُكُمُ اَلْأَخَسَّ وَ إِنَّ أَخَا اَلْحَرْبِ اَلْأَرِقُ وَ مَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ وَ اَلسَّلاَمُ

٢٢٥

طلاع الأرض ملؤها و منه قول عمر لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع و آسى أحزن و أكثرت تأليبكم تحريضكم و إغراءكم به و التأنيب أشد اللوم و ونيتم ضعفتم و فترتم و ممالككم تزوى أي تقبض و لا تثاقلوا بالتشديد أصله تتثاقلوا و تقروا بالخسف تعترفوا بالضيم و تصبروا له و تبوءوا بالذل ترجعوا به و الأرق الذي لا ينام و مثل قوله ع من نام لم ينم عنه قول الشاعر:

لله درك ما أردت بثائر

حران ليس عن الترات براقد

أسهرته ثم اضطجعت و لم ينم

حنقا عليك و كيف نوم الحاقد

فأما الذي رضخت له على الإسلام الرضائخ فمعاوية و الرضيخة شي‏ء قليل يعطاه الإنسان يصانع به عن شي‏ء يطلب منه كالأجر و ذلك لأنه من المؤلفة قلوبهم الذين رغبوا في الإسلام و الطاعة بجمال وشاء دفعت إليهم و هم قوم معروفون كمعاوية و أخيه يزيد و أبيهما أبي سفيان و حكيم بن حزام و سهيل بن عمرو و الحارث بن هشام بن المغيرة و حويطب بن عبد العزى و الأخنس بن شريق و صفوان بن أمية و عمير بن وهب الجمحي و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس و عباس بن مرداس و غيرهم و كان إسلام هؤلاء للطمع و الأغراض الدنياوية و لم يكن عن أصل و لا عن يقين و علم

٢٢٦

و قال الراوندي عنى بقوله رضخت لهم الرضائخ عمرو بن العاص و ليس بصحيح لأن عمرا لم يسلم بعد الفتح و أصحاب الرضائخ كلهم أسلموا بعد الفتح صونعوا على الإسلام بغنائم حنين و لعمري إن إسلام عمرو كان مدخولا أيضا إلا أنه لم يكن عن رضيخة و إنما كان لمعنى آخر فأما الذي شرب الحرام و جلد في حد الإسلام فقد قال الراوندي هو المغيرة بن شعبة و أخطأ فيما قال لأن المغيرة إنما اتهم بالزنى و لم يحد و لم يجر للمغيرة ذكر في شرب الخمر و قد تقدم خبر المغيرة مستوفى و أيضا فإن المغيرة لم يشهد صفين مع معاوية و لا مع علي ع و ما للراوندي و لهذا إنما يعرف هذا الفن أربابه و الذي عناه علي ع الوليد بن عقبة بن أبي معيط و كان أشد الناس عليه و أبلغهم تحريضا لمعاوية و أهل الشام على حربه

أخبار الوليد بن عقبة

و نحن نذكر خبر الوليد و شربه الخمر منقولا من كتاب الأغاني لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني قال أبو الفرج كان سبب إمارة الوليد بن عقبة الكوفة لعثمان ما حدثني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد العزيز بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال لم يكن يجلس مع عثمان على سريره إلا العباس بن عبد المطلب و أبو سفيان بن حرب و الحكم بن أبي العاص و الوليد بن عقبة و لم يكن سريره يسع إلا عثمان و واحدا منهم فأقبل الوليد يوما فجلس فجاء الحكم بن أبي العاص فأومأ عثمان إلى الوليد فرحل له عن مجلسه فلما قام الحكم قال الوليد و الله يا أمير المؤمنين لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت ابن عمك على ابن أمك و كان الحكم عم عثمان و الوليد أخاه

٢٢٧

لأمه فقال عثمان إن الحكم شيخ قريش فما البيتان فقال:

رأيت لعم المرء زلفى قرابة

دوين أخيه حادثا لم يكن قدما

فأملت عمرا أن يشب و خالدا

لكي يدعواني يوم نائبة عما

يعني عمرا و خالدا ابني عثمان قال فرق له عثمان و قال قد وليتك الكوفة فأخرجه إليها قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني بعض أصحابنا عن ابن دأب قال لما ولى عثمان الوليد بن عقبة الكوفة قدمها و عليها سعد بن أبي وقاص فأخبر بقدومه و لم يعلم أنه قد أمر فقال و ما صنع قالوا وقف في السوق فهو يحدث الناس هناك و لسنا ننكر شيئا من أمره فلم يلبث أن جاءه نصف النهار فاستأذن على سعد فأذن له فسلم عليه بالإمرة و جلس معه فقال له سعد ما أقدمك يا أبا وهب قال أحببت زيارتك قال و على ذاك أ جئت بريدا قال أنا أرزن من ذلك و لكن القوم احتاجوا إلى عملهم فسرحوني إليه و قد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة فسكت سعد طويلا ثم قال لا و الله ما أدري أصلحت بعدنا أم فسدنا بعدك ثم قال

كليني و جريني ضباع و أبشري

بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره

فقال الوليد أما و الله لأنا أقول للشعر منك و أروى له و لو شئت لأجبتك و لكني أدع ذاك لما تعلم نعم و الله لقد أمرت بمحاسبتك و النظر في أمر عمالك ثم بعث إلى عمال سعد فحبسهم و ضيق عليهم فكتبوا إلى سعد يستغيثون به فكلمه فيهم فقال له أ و للمعروف عندك موضع قال نعم فخلى سبيلهم

٢٢٨

قال أحمد و حدثني عمر عن أبي بكر الباهلي عن هشيم عن العوام بن حوشب قال لما قدم الوليد على سعد قال له سعد و الله ما أدري كست بعدنا أم حمقنا بعدك فقال لا تجزعن يا أبا إسحاق فإنه الملك يتغداه قوم و يتعشاه آخرون فقال سعد أراكم و الله ستجعلونه ملكا قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثني عمر قال حدثني هارون بن معروف عن ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال صلى الوليد بأهل الكوفة الغداة أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال أزيدكم فقال عبد الله بن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا جرير عن الأجلح عن الشعبي قال قال الحطيئة يذكر الوليد:

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

إن الوليد أحق بالغدر

نادى و قد تمت صلاتهم

أ أزيدكم سكرا و لم يدر

فأبوا أبا وهب و لو أذنوا

لقرنت بين الشفع و الوتر

كفوا عنانك إذ جريت و لو

تركوا عنانك لم تزل تجري

٢٢٩

و قال الحطيئة أيضا:

تكلم في الصلاة و زاد فيها

علانية و أعلن بالنفاق

و مج الخمر في سنن المصلي

و نادى و الجميع إلى افتراق

أزيدكم على أن تحمدوني

فما لكم و ما لي من خلاق

قال أبو الفرج و أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال قال أبو عبيدة و هشام بن الكلبي و الأصمعي كان الوليد زانيا يشرب الخمر فشرب بالكوفة و قام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع فصلى بهم أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال أزيدكم و تقيأ في المحراب بعد أن قرأ بهم رافعا صوته في الصلاة:

علق القلب الربابا

بعد ما شابت و شابا

فشخص أهل الكوفة إلى عثمان فأخبروه بخبره و شهدوا عليه بشرب الخمر فأتي به فأمر رجلا من المسلمين أن يضربه الحد فلما دنا منه قال نشدتك الله و قرابتي من أمير المؤمنين فتركه فخاف علي بن أبي طالب ع أن يعطل الحد فقام إليه فحده بيده فقال الوليد نشدتك الله و القرابة فقال أمير المؤمنين ع اسكت أبا وهب فإنما هلك بنو إسرائيل لتعطيلهم الحدود فلما ضربه و فرغ منه قال لتدعوني قريش بعدها جلادا قال إسحاق و حدثني مصعب بن الزبير قال قال الوليد بعد ما شهدوا عليه فجلد اللهم إنهم قد شهدوا علي بزور فلا ترضهم عن أمير و لا ترض عنهم أميرا قال و قد عكس الحطيئة أبياته فجعلها مدحا للوليد:

شهد الحطيئة حين يلقى ربه

أن الوليد أحق بالعذر

٢٣٠

كفوا عنانك إذ جريت و لو

تركوا عنانك لم تزل تجري

و رأوا شمائل ماجد أنف

يعطى على الميسور و العسر

فنزعت مكذوبا عليك و لم

تنزع على طمع و لا ذعر

قال أبو الفرج و نسخت من كتاب هارون بن الرباب بخطه عن عمر بن شبة قال شهد رجل عند أبي العجاج و كان على قضاء البصرة على رجل من المعيطيين بشهادة و كان الشاهد سكران فقال المشهود عليه و هو المعيطي أعزك الله أيها القاضي إنه لا يحسن من السكر أن يقرأ شيئا من القرآن فقال الشاهد بلى أحسن قال فاقرأ فقال:

علق القلب الربابا

بعد ما شابت و شابا

يمجن بذلك و يحكي ما قاله الوليد في الصلاة و كان أبو العجاج أحمق فظن أن هذا الكلام من القرآن فجعل يقول صدق الله و رسوله ويلكم كم تعلمون و لا تعملون قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن المدائني عن مبارك بن سلام عن فطر بن خليفة عن أبي الضحى قال كان ناس من أهل الكوفة يتطلبون عثرة الوليد بن عقبة منهم أبو زينب الأزدي و أبو مورع فجاءا يوما و لم يحضر الوليد الصلاة فسألا عنه فتلطفا حتى علما أنه يشرب فاقتحما الدار فوجداه يقي‏ء فاحتملاه و هو سكران حتى وضعاه على سريره و أخذا خاتمه من يده فأفاق فافتقد خاتمه فسأل عنه أهله فقالوا لا ندري و قد رأينا رجلين دخلا عليك

٢٣١

فاحتملاك فوضعاك على سريرك فقال صفوهما لي فقالوا أحدهما آدم طوال حسن الوجه و الآخر عريض مربوع عليه خميصة فقال هذا أبو زينب و هذا أبو مورع قال و لقي أبو زينب و صاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي و علقمة بن يزيد البكري و غيرهما فأخبروهم فقالوا أشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه و قال بعضهم إنه لا يقبل قولكم في أخيه فشخصوا إليه فقالوا إنا جئناك في أمر و نحن مخرجوه إليك من أعناقنا و قد قيل إنك لا تقبله قال و ما هو قالوا رأينا الوليد و هو سكران من خمر شربها و هذا خاتمه أخذناه من يده و هو لا يعقل

فأرسل عثمان إلى علي ع فأخبره فقال أرى أن تشخصه فإذا شهدوا عليه بمحضر منه حددته فكتب عثمان إلى الوليد فقدم عليه فشهد عليه أبو زينب و أبو مورع و جندب الأزدي و سعد بن مالك الأشعري فقال عثمان لعلي ع قم يا أبا الحسن فاجلده فقال علي ع للحسن ابنه قم فاضربه فقال الحسن ما لك و لهذا يكفيك غيرك فقال علي لعبد الله بن جعفر قم فاضربه فضربه بمخصرة فيها سير له رأسان فلما بلغ أربعين قال حسبك قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال أ كلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم فاستجاروا بعائشة و أصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا و كلاما فيه بعض الغلظة فقال أ ما يجد فساق العراق و مراقها ملجأ إلا بيت عائشة فسمعت فرفعت نعل رسول الله ص و قالت تركت سنة صاحب هذا النعل و تسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد فمن قائل قد أحسنت و من قائل ما للنساء و لهذا حتى تخاصموا

٢٣٢

و تضاربوا بالنعال و دخل رهط من أصحاب رسول الله ص على عثمان فقالوا له اتق الله و لا تعطل الحدود و اعزل أخاك عنهم ففعل قال أبو الفرج حدثنا أحمد قال حدثني عمر عن المدائني عن أبي محمد الناجي عن مطر الوراق قال قدم رجل من أهل الكوفة إلى المدينة فقال لعثمان إني صليت صلاة الغداة خلف الوليد فالتفت في الصلاة إلى الناس فقال أ أزيدكم فإني أجد اليوم نشاطا و شممنا منه رائحة الخمر فضرب عثمان الرجل فقال الناس عطلت الحدود و ضربت الشهود قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا أبو بكر الباهلي عن بعض من حدثه قال لما شهد على الوليد عند عثمان بشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص فخرج و خرج معه قوم يعذرونه منهم عدي بن حاتم الطائي فنزل الوليد يوما يسوق بهم فارتجز و قال:

لا تحسبنا قد نسينا الأحقاف

و النشوات من معتق صاف

و عزف قينات علينا عزاف

فقال عدي فأين تذهب بنا إذن فأقم قال أبو الفرج و قد روى أحمد عن عمر عن رجاله عن الشعبي عن جندب الأزدي قال كنت فيمن شهد على الوليد عند عثمان فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان ثم ذكر باقي الخبر و ضرب علي ع إياه و قول الحسن ابنه ما لك و لهذا و زاد فيه و قال علي ع لست إذن مسلما أو قال من المسلمين

٢٣٣

قال أبو الفرج و أخبرني أحمد عن عمر عن رجاله أن الشهادة لما تمت قال عثمان لعلي ع دونك ابن عمك فأقم عليه الحد فأمر علي ع ابنه الحسن ع فلم يفعل فقال يكفيك غيرك فقال علي ع بل ضعفت و وهنت و عجزت قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده فقام فجلده و علي ع يعد حتى بلغ أربعين فقال له علي ع أمسك حسبك جلد رسول الله ص أربعين و جلد أبو بكر أربعين و كملها عمر ثمانين و كل سنة قال أبو الفرج و حدثني أحمد عن عمر عن عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد قال و أخبرني بذلك أيضا إبراهيم بن محمد بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قالوا جميعا لما ضرب عثمان الوليد الحد قال إنك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاما قابلا قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد و أخبرني أيضا إبراهيم عن عبد الله قالوا جميعا كان أبو زبيد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة فلما شهدوا عليه بالسكر من الخمر خرج عن الكوفة معزولا فقال أبو زبيد يتذكر أيامه و ندامته:

من يرى العير أن تمشي على ظهر

المرورى حداتهن عجال

ناعجات و البيت بيت أبي وهب

خلاء تحن فيه الشمال

يعرف الجاهل المضلل أن الدهر

فيه النكراء و الزلزال

ليت شعري كذا كم العهد أم كانوا

أناسا كمن يزول فزالوا

٢٣٤

بعد ما تعلمين يا أم عمرو

كان فيهم عز لنا و جمال

و وجوه تودنا مشرقات

و نوال إذا أريد النوال

أصبح البيت قد تبدل بالحي

وجوها كأنها الأقيال

كل شي‏ء يحتال فيه الرجال

غير أن ليس للمنايا احتيال

و لعمر الإله لو كان للسيف

مضاء و للسان مقال

ما تناسيتك الصفاء و لا

الود و لا حال دونك الإشغال

و لحرمت لحمك المتعضي

ضلة ضل حلمهم ما اغتالوا

قولهم شربك الحرام و قد كان

شراب سوى الحرام حلال

و أبي ظاهر العداوة و الشنآن

إلا مقال ما لا يقال

من رجال تقارضوا منكرات

لينالوا الذي أرادوا فنالوا

غير ما طالبين ذحلا و لكن

مال دهر على أناس فمالوا

من يخنك الصفاء أو يتبدل

أو يزل مثل ما يزول الظلال

فاعلمن أنني أخوك أخو

الود حياتي حتى تزول الجبال

ليس بخلي عليك يوما بمال

أبدا ما أقل نعلا قبال

و لك النصر باللسان و بالكف

إذا كان لليدين مصال

قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثني عمر قال لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة قدم عليه أبو زبيد فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد و هي التي

٢٣٥

تعرف بدار القبطي فكان مما احتج به عليه أهل الكوفة أن أبا زبيد كان يخرج إليه من داره و هو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا قال أبو الفرج و أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي أن أبا زبيد وفد على الوليد حين استعمله عثمان على الكوفة فأنزله الوليد دار عقيل بن أبي طالب عند باب المسجد و استوهبها منه فوهبها له فكان ذلك أول الطعن عليه من أهل الكوفة لأن أبا زبيد كان يخرج من داره حتى يشق المسجد إلى الوليد فيسمر عنده و يشرب معه و يخرج فيشق المسجد و هو سكران فذاك نبههم عليه قال و قد كان عثمان ولى الوليد صدقات بني تغلب فبلغه عنه شعر فيه خلاعه فعزله قال فلما ولاه الكوفة اختص أبا زبيد الطائي و قربه و مدحه أبو زبيد بشعر كثير و قد كان الوليد استعمل الربيع بن مري بن أوس بن حارثة بن لام الطائي على الحمى فيما بين الجزيرة و ظهر الحيرة فأجدبت الجزيرة و كان أبو زبيد في بني تغلب نازلا فخرج بإبلهم ليرعيهم فأبى عليهم الربيع بن مري و منعهم و قال لأبي زبيد إن شئت أرعيك وحدك فعلت فأتى أبو زبيد إلى الوليد فشكاه فأعطاه ما بين القصور الحمر من الشام إلى القصور الحمر من الحيرة و جعلها له حمى و أخذها من الربيع بن مري فقال أبو زبيد يمدح الوليد و الشعر يدل على أن الحمى كان بيد مري بن أوس لا بيد الربيع ابنه و هكذا هو في رواية عمر بن شبة:

لعمر أبيك يا ابن أبي مري

لغيرك من أباح لنا الديارا

أباح لنا أبارق ذات قور

و نرعى القف منها و القفارا

٢٣٦

بحمد الله ثم فتى قريش

أبي وهب غدت بدنا غزارا

أباح لنا و لا نحمي عليكم

إذا ما كنتم سنة جزارا

قال يقول إذا أجدبتم فإنا لا نحميها عليكم و إذا كنتم أسأتم و حميتموها علينا

فتى طالت يداه إلى المعالي

و طحطحت المجذمة القصارا

قال و من شعر أبي زبيد فيه يذكر نصره له على مري بن أوس بن حارثة

يا ليت شعري بأنباء أنبؤها

قد كان يعنى بها صدري و تقديري

عن امرئ ما يزده الله من شرف

أفرح به و مري غير مسرور

إن الوليد له عندي و حق له

ود الخليل و نصح غير مذخور

لقد دعاني و أدناني أظهرني

على الأعادي بنصر غير تغرير

و شذب القوم عني غير مكترث

حتى تناهوا على رغم و تصغير

نفسي فداء أبي وهب و قل له

يا أم عمرو فحلي اليوم أو سيري

و قال أبو زبيد يمدح الوليد و يتألم لفراقه حين عزل عن الكوفة

لعمري لئن أمسى الوليد ببلدة

سواي لقد أمسيت للدهر معورا

خلا أن رزق الله غاد و رائح

و إني له راج و إن سار أشهرا

و كان هو الحصن الذي ليس مسلمي

إذا أنا بالنكراء هيجت معشرا

إذا صادفوا دوني الوليد فإنما

يرون بوادي ذي حماس مزعفرا

٢٣٧

و هي طويلة يصف فيها الأسد قال أبو الفرج و حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر عن رجاله عن الوليد قال لما فتح رسول الله ص مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة و يمسح يده على رءوسهم فجي‏ء بي إليه و أنا مخلق فلم يمسني و ما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق فلم يمسني من أجل الخلوق

قال أبو الفرج و حدثني إسحاق بن بنان الأنماطي عن حنيش بن ميسر عن عبد الله بن موسى عن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب ع أنا أحد منك سنانا و أبسط منك لسانا و أملأ للكتيبة فقال علي ع اسكت يا فاسق فنزل القرآن فيهما( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) .

قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن محمد بن حاتم عن يونس بن عمر عن شيبان عن يونس عن قتادة في قوله تعالى( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) قال هو الوليد بن عقبة بعثه النبي ص مصدقا إلى بني المصطلق فلما رأوه أقبلوا نحوه فهابهم فرجع إلى النبي ص فقال له إنهم ارتدوا عن الإسلام فبعث النبي ص خالد بن الوليد فعلم عملهم و أمره أن يتثبت و قال له انطلق و لا تعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا و أنفذ عيونه نحوهم فلما جاءوه أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام و سمع أذانهم و صلاتهم فلما أصبح أتاهم فرأى ما يعجبه فرجع إلى الرسول ص فأخبره فنزلت هذه الآية

٢٣٨

قلت قد لمح ابن عبد البر صاحب كتاب الإستيعاب في هذا الموضع نكتة حسنة فقال في حديث الخلوق هذا حديث مضطرب منكر لا يصح و ليس يمكن أن يكون من بعثه النبي ص مصدقا صبيا يوم الفتح قال و يدل أيضا على فساده أن الزبير بن بكار و غيره من أهل العلم بالسير و الأخبار ذكروا أن الوليد و أخاه عمارة ابني عقبة بن أبي معيط خرجا من مكة ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة و كانت هجرتها في الهدنة التي بين النبي ص و بين أهل مكة و من كان غلاما مخلقا بالخلوق يوم الفتح ليس يجي‏ء منه مثل هذا قال و لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله عزوجل( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) أنزلت في الوليد لما بعثه رسول الله ص مصدقا فكذب على بني المصطلق و قال إنهم ارتدوا و امتنعوا من أداء الصدقة قال أبو عمر و فيه و في علي ع نزل( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) في قصتهما المشهورة قال و من كان صبيا يوم الفتح لا يجي‏ء منه مثل هذا فوجب أن ينظر في حديث الخلوق فإنه رواية جعفر بن برقان عن ثابت عن الحجاج عن أبي موسى الهمداني و أبو موسى مجهول لا يصح حديثه ثم نعود إلى كتاب أبي الفرج الأصبهاني؛ قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن عبد الله بن موسى عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم عن علي ع أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي ص تشتكي إليه الوليد و قالت إنه يضربها فقال لها ارجعي إليه و قولي له إن رسول الله قد أجارني فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت إنه

٢٣٩

ما أقلع عني فقطع رسول الله ص هدبة من ثوبه و قال اذهبي بها إليه و قولي له إن رسول الله قد أجارني فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت ما زادني إلا ضربا فرفع رسول الله ص يده ثم قال اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا قال أبو الفرج و اختص الوليد لما كان واليا بالكوفة ساحرا كاد يفتن الناس كان يريه كتيبتين تقتتلان فتحمل إحداهما على الأخرى فتهزمها ثم يقول له أ يسرك أن أريك المنهزمة تغلب الغالبة فتهزمها فيقول نعم فجاء جندب الأزدي مشتملا على سيفه فقال أفرجوا لي فأفرجوا فضربه حتى قتله فحبسه الوليد قليلا ثم تركه قال أبو الفرج و روى أحمد عن عمر عن رجاله أن جندبا لما قتل الساحر حبسه الوليد فقال له دينار بن دينار فيم حبست هذا و قد قتل من أعلن بالسحر في دين محمد ص ثم مضى إليه فأخرجه من الحبس فأرسل الوليد إلى دينار بن دينار فقتله قال أبو الفرج حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثني الخراز عن المدائني عن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن الزهري و غيره أن رسول الله ص لما انصرف عن غزاة بني المصطلق نزل رجل من المسلمين فساق بالقوم و رجز ثم آخر فساق بهم و رجز ثم بدا لرسول الله ص أن يواسي أصحابه فنزل فساق بهم و رجز و جعل يقول فيما يقول:

جندب و ما جندب

و الأقطع زيد الخير

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543