مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265441 / تحميل: 6062
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

( قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا (١) أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( القصص / ٤٩ ).

ويدلّ على هذه الحقيقة مضافاً إلى ذلك ما روي عن أبي السكيت أنّه قال لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام :

« لماذا بعث الله موسى بن عمرانعليه‌السلام بالعصا، ويده البيضاء، وآلة السحر ؟ وبعث عيسى بآلة الطب ؟ وبعث محمداً ـ صلى الله عليه وآله وسلّم وعلى جميع الأنبياء ـ بالكلام والخطب ؟.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إنّ الله لـمّا بعث موسىعليه‌السلام كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم. وانّ الله بعث عيسىعليه‌السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج النّاس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجّة عليهم.

وانّ الله بعث محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام. وأظنّه قال: الشعر، فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجّة عليهم »(٢) .

أضف إلى ذلك أنّ نبوّة الرسول الأكرم نبوّة خالدة ورسالته رسالة أبدية فهو خاتم الأنبياء والمرسلين كما أنّ كتابه خاتم الكتب، ورسالته خاتمة الرسالات، فيجب أن تقترن الرسالة الأبديّة بمعجزة خالدة حتّى تتمّ الحجّة على مرّ الأجيال والعصور، ولا يختلق الجاهل عذراً يبرّر له رفضه لتلك الرسالة بعد رحيل الصادع بها، وتباعد العهد وطول الشقّة الزمنيّة.

__________________

(١) الضمير راجع إلى التوراة والقرآن.

(٢) الكافي: ج ١ « كتاب العقل والجهل » الرواية ٢٠.

١٦١

كلّ ذلك كان حافزاً لدعم دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن الكريم الّذي ما أفلت أنواره منذ أن بزغ نجمه في أوّل مرّة.

٧ ـ لماذا لا ينزلّ عليه ملك ؟!

وهذا الإعتراض يحكيه عنهم قوله سبحانه:( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ) ( الأنعام / ٨ ) وما كانوا يقصدون به أنّه لماذا لا ينزل الملك إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه كان يدّعي نزول الملك عليه والقرآن أيضاً يصدّقه في ذلك بقوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ ) ( الشعراء / ١٩٣ و ١٩٤ ).

وقال سبحانه:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) ( التكوير / ١٩ ـ ٢١ ) إلى غير ذلك من الآيات الصريحة في أنّ الوحي ينزل على النّبيّ بتوسّط الملك، ومع هذا التصريح فما معنى قوله:( لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ) ؟.

أقول: إنّ الاقتراحات الّتي تقدّم بها المشركون في نزول الملك معه أو إليه كانت على أنحاء:

الأوّل: إنّهم كانوا يطلبون المشاركة في امتيازات مقام النبوّة ويقولون: إنّه لو صحّ نزول الملك على النبيّ فلماذا لا ينزل علينا مباشرة على جهة الاستقلال ؟ وقد ورد في ذلك آيات نحو قوله تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ) ( الفرقان / ٢١ ) وقال سبحانه:( إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ إلّا تَعْبُدُوا إلّا اللهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ) ( فصّلت / ١٤ ).

إنّ هذا القسم من الآيات مبني على إعتقادهم بأنّه لا يصحّ لأحد من البشر ولو كان أرقاهم عقلاً وخلقاً وأدباً أن يكون رسولاً وواسطة بين الله وعباده، لأنّهم يأكلون ويشربون وفي ذلك قال سبحانه حاكياً عنهم:( مَا هَٰذَا إلّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ *وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا

١٦٢

لَّخَاسِرُونَ ) ( المؤمنون / ٣٣ ـ ٣٤ ).

الثاني: كانوا يطلبون أن ينزل مع النبيّ ملكٌ يصدّقه، وقد ورد هذا المعنى في عدّة آيات، قال سبحانه:( وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ) ( الفرقان / ٧ ) فالغاية من نزول الملك إلى النبي كونه نذيراً معه ومصدّقاً له، قال سبحانه:( فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ) ( الزخرف / ٥٣ ) وقال سبحانه:( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) ( هود / ١٢ ).

وعلى ذلك يحمل قوله سبحانه:( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ ) ( الأنعام / ٨ ).

ويحتمل أن يكون المراد مشاهدة الملك معه فقط سواء أنذر معه أو لا ؟ فيدخل في القسم الثالث الآتي.

ثمّ إنّ إنزال الملك مع النبيّ ليصدّق دعوته وينذر معه يتصوّر على وجهين:

أ ـ أن ينزل الملك بصورته الواقعية ـ وسيوافيك في القسم الثالث ـ إنّ نتيجة ذلك هو موت المنذرين لأنّهم لا يحتملون رؤيته ومشاهدته بحسب طاقتهم البشريّة إلّا بالانسلاخ عن الماديّة والإنتقال إلى مرحلة أعلى منها.

ب ـ أن ينزل الملك لا بصورته الواقعيّة بل يتمثّل بصورة إنسان وهذا لا يفيد شيئاً لأنّهم باستطاعتهم أن يتّهمونه بأنّه بشر مثل النبيّ وليس بملك.

وبعبارة اُخرى: لو جعله ملكاً في صورة بشر لجزموا ببشريّته لأنّهم لا يدركون منه إلّا صورته الظاهرية وصفاته البشريّة التي تمثّل بها، وحينئذ لا يصدّقونه ويرجع الأمر كما كان في بادئ ذي بدء، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) ( الأنعام / ٩ ) أي لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما

١٦٣

لحق، وهذا إحتجاج عليهم بأنّ الّذي طلبوه لا يزيدهم بياناً بل يكون الأمر عبثاً ولغواً لا طائل وراءه(١) .

الثالث: كانوا يطلبون مشاهدة الملك عياناً على أن يكون الإتيان بالملك، إحدى معاجزه مثل قوله سبحانه:( أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً ) ( الإسراء / ٩٢ )، قال سبحانه:( لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) ( الحجر / ٧ )، قال سبحانه:( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ( الأنعام / ١١١ ).

ويردّ القرآن على هذا الاحتجاج:( وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ ) ( الأنعام / ٨ ) أي يكون هلاكهم قطعيّاً على ما يوضّحه النص التالي:

إنّ نفوس المتوغّلين في عالم المادّة لا تطيق مشاهدة الملائكة لو نزلوا عليهم واختلطوا بهم لكون ظرفهم غير ظرف الملائكة فلو ارتفع الناس إلى المرتبة الوجودية للملائكة لم يكن ذلك إلّا إنتقالاً منهم من حضيض المادة إلى ذروة ما وراءها وهو الموت كما قال تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا *يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا ) ( الفرقان / ٢١ و ٢٢ )(٢) . قال ابن عباس: ولو أتاهم ملك في صورته لأهلكناهم ثمّ لا يؤخّرون(٣) .

٨ ـ التفاؤل بغلبة فارس على الروم

قد نشبت حرب دامية بين الروم والفرس، والنبيّ والمسلمون بمكّة حوالي سنة سبع من البعثة، فغلبت الفرس على الروم فتفألت بذلك قريش بحجّة أنّ الفرس

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص ٧٦ و ٧٧.

(٢) الميزان: ج ٧ ص ١٦.

(٣) دلائل النبوّة للبيهقي: ج ٢ ص ٣٣٢.

١٦٤

وثنيّون والروم أهل كتاب فقالوا: الروم أهل كتاب وقد غلبتهم الفرس وأنتم تزعمون أنّكم ستغلبون بالكتاب الّذي اُنزل على نبيّكم فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم، فأنزل الله سبحانه:( ألم *غُلِبَتِ الرُّومُ *فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ *فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ( الروم / ١ ـ ٥ ).

والآية تتضمن خبراً غيبياً بل خبرين حيث يخبر عن غلبة الروم على الفرس أوّلاً في بضع سنين أي في مدة لا تتجاوز تسع سنين، وأنّه في ذلك اليوم ينزل النصر على المؤمنين أيضاً وقد تحقّق الخبران يوم ظهر المسلمون على مشركي قريش يوم بدر. قال عطية: وسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال: التقينا مع رسول الله ومشركي العرب، والتقت الروم وفارس فنصرنا الله على مشركي العرب ونصر أهل الكتاب على المجوس ففرحنا بنصر الله إيّانا على مشركي العرب ونصر أهل الكتاب على المجوس، وذلك قوله:( يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللهِ ) (١) .

٩ ـ طلب رفع العذاب

لـمـّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الناس إدباراً فقال: أللّهم سبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام، فجاءه أبوسفيان وناس من أهل مكّة فقالوا: يا محمّد، إنّك تزعم أنّك بعثت رحمة وأنّ قومك قدهلكوا فادع الله لهم، فدعا رسول الله فسقوا فأطبقت عليهم سبعاً، فشكى الناس كثرة المطر، فقال: أللّهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه فسقى الناس حولهم(٢) .

وروى السيوطي: انّ قريشاً لـمّا استعصيت على رسول الله وأبطأؤا عن الإسلام قال: أللّهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابهم جهد وقحط حتّى أكلوا العظام

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٤ ص ٢٩٥.

(٢) دلائل النبوّة: ج ٢ ص ٣٢٦.

١٦٥

فجعل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع فأنزل الله:( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ *يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( الدخان / ١٠ و ١١ ) فاُتي النبيّ فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر، فاستسقى لهم فسقوا فأنزل الله:( إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ) ( الدخان / ١٥ )، فلمّا أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله:( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ) ( الدخان / ١٦ ) فانتقم الله منهم يوم بدر(١) .

١٠ ـ كيف يمكن إحياء العظام البالية ؟

مشى اُبيّ بن خلف إلى رسول الله بعظم بال قد اُرفت فقال: يا محمّد إنّك تزعم أنّ الله يبعث هذا بعدما أرم ؟ ثمّ فتّه بيده، ثمّ نفخه في الريح، فقال رسول الله: نعم أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإيّاك بعدما تكون هكذا ثمّ يدخلك الله النار، فأنزل الله تعالى فيه:( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ *قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ *الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ) ( يس / ٧٨ ـ ٨٠ )(٢) .

١١ ـ هل المسيح حصب جهنّم ؟!

جلس رسول الله مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث، حتّى جلس معهم في المجلس وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلّم رسول الله، فعرض له النضر بن الحارث، فكلّمه رسول الله حتّى أفحمه ثمّ تلى عليه وعليهم:( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *لَوْ كَانَ

__________________

(١) الدر المنثور: ج ٦ ص ٢٨.

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ١ ص ٣٦١ و ٣٦٢. وسيوافيك جميع حججهم الواهية حول المعاد في الجزء المختص به بإذن الله، ولذلك آثرنا في المقام الإختصار.

١٦٦

هَٰؤُلاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ *لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ( الأنبياء / ٩٨ ـ ١٠٠ ).

فأقبل عبد الله بن الزبعري السهمي حتّى جلس فقال الوليد بن مغيرة لعبد الله ابن الزبعري: والله قد زعم محمّد إنّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنّم. فقال عبد الله بن الزبعري: أمّا والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمداً أكلُّ ما يعبد من دون الله في جهنّم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيراً، والنّصارى تعبد عيسى بن مريم، فعجب الوليد ومع من كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعري ورأوا أنّه قد احتجّ وخاصم فذكر ذلك لرسول الله من قول ابن الزبعري فأنزل الله تعالى عليه:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ *لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) ( الأنبياء / ١٠١ و ١٠٢ ) أي عيسى بن مريم وعزيراً ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله فاتّخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أرباباً من دون الله.

فنزل فيما يذكرون أنّهم يعبدون الملائكة، وإنّهنَّ بنات الله:( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ *لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ـ إلى قوله ـوَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) ( الأنبياء / ٢٦ ـ ٢٩ ).

ونزل في ما ذكر من أمر عيسى بن مريم أنّه يعبد من دون الله. وعجب الوليد ومن حضر من حجّته وخصومه( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ إِنْ هُوَ إلّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ *وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ *وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) ( الزخرف / ٥٧ و ٥٩ ـ ٦١ ).

* * *

١٦٧

خاتمة المطاف:

دعاء النّبيّ على سبعة من قريش

استقبل رسول الله البيت فدعا على نفر من قريش سبعة فيهم أبو جهل، واُميّة ابن خلف، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن أبي معيط، قال عبد الله بن مسعود اُقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر، قد غيّرتهم الشمس وكان يوماً حارّاً(١) .

وقد نزلت آيات في حقّهم وحقّ غيرهم تقدّم بعضها وإليك البقية الباقية منها:

١ ـ لـمّا أرادت قريش البطش بالنبيّ أخذوا يتناولونه بالنبز واللمز والهمز وصور الاستهزاء المختلفة وجعل القرآن ينزل في قريش يخبر عن أعمالهم وعدائهم، فمنهم من سمّي لنا، ومنهم من لم يسمّ، وممّن سمّي لنا من قريش عمّه أبو لهب بن عبد المطلب وامرأته اُم جميل بنت حرب بن اُميّة، حمّالة الحطب، وإنّما سمّاها الله تعالى حمّالة الحطب، لأنّها كانت ـ تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حيث يمرّ، فأنزل الله تعالى فيهما:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ *سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ *وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ *فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ) (٢) .

٢ ـ إنّ اُميّة بن خلف كان إذا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، همزه ولمزه، فأنزل الله تعالى فيه:( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ *الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ *يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ *كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ *نَارُ اللهِ المُوقَدَةُ *الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ *إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ *فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ) ( الهمزة / ١ ـ ٩ )(٣) .

__________________

(١) دلائل النبوة: ج ٢ ص ٣٣٥.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام: ج ١ ص ٣٥٥.

(٣) المصدر السابق: ج ١ ص ٣٥٦.

١٦٨

٣ ـ لقى أبو جهل بن هشام رسول الله فقال له: والله يا محمّد لتتركنّ سب آلهتنا أو لنسبنّ إلهك الذي تعبد، فأنزل الله تعالى:( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( الأنعام / ١٠٨ )(١) .

لـمّا نزل قوله سبحانه:( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ *لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ *لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ *عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ( المدثر / ٢٦ ـ ٣٠ )، قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم اُمّهاتكم أتسمعون ابن أبي كبيشة يخبركم بأنّ خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم الشجعان، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنّم، فقال أبو الأسد الجمحي: أنا أكفيكم سبعة عشر، عشرة على ظهري، وسبعة على بطني، فاكفوني أنتم اثنين، فنزل قوله:( وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ) ( المدثر / ٣١ )(٢) .

لـمـّا ذكر الله عزّ وجلّ شجرة الزقوم ترهيباً بها وقال:( أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ *إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ *إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ *طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ *فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ *ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجَحِيمِ ) ( الصافات / ٦٢ ـ ٦٨ ).

قال أبو جهل: يا معشر قريش، هل تدرون ما شجرة الزّقوم الّتي يخوّفكم بها محمّد ؟ قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزبد، والله لئن استمكنّا منها لنتزقمنّها تزقّماً. فأنزل الله تعالى فيه:( إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ *طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ *كَغَلْيِ الحَمِيمِ ) ( الدخان / ٤٣ ـ ٤٦ ).

__________________

(١) المصد السابق: ج ١ ص ٣٥٧.

(٢) لاحظ مجمع البيان: ج ٥ ص ٣٨٨. والميزان: ج ٢٠ ص ١٧٠، والمقصود ما أخبرنا عن عدّتهم انّها تسعة عشر إلّا ليكون فتنة للذين كفروا، وفي الوقت نفسه يكون سبباً لاستيقان أهل الكتاب، لأنّهم يجدونه موافقًا لما جاء في كتابهم كما يكون سبباً لزيادة إيمان المؤمنين بسبب ما يجدون من تصديق أهل الكتاب ذلك.

١٦٩

قال ابن هشام: المهل كلّ شيء أذبته من نحاس أو رصاص، أو ما أشبه ذلك، فيما أخبرني أبا عبيدة: قال: كان عبد الله بن مسعود والياً لعمر بن الخطاب على بيت مال الكوفة وأنّه أمر يوماً بفضة فاُذيبت فجعلت تلوّن ألواناً، فقال: هل بالباب من أحد ؟ قالوا: نعم. قال: فاُدخلوهم، فاُدخلوا، فقال: إنّ أدنىٰ ما أنتم راوون شبهاً بالمهل كهذا(١) .

٤ ـ إنّ اُبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط كانا متصافيين، حسناً ما بينهما، فكان عقبة قد جلس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمع منه، فبلغ ذلك اُبيّاً، فأتى عقبة فقال ( له ): ألم يبلغني إنّك جالست محمّداً وسمعت منه وجهي من وجهك حرام أن اُكلّمك ـ واستغلظ من اليمين ـ إن أنت جلست إليه أو سمعت منه، أو لم تأته فتتفل في وجهه. ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله. فأنزل الله تعالى فيهما:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ) إلى وقوله تعالى:( لِلإِنسَانِ خَذُولاً ) ( الفرقان / ٢٧ ـ ٢٩ ).

٥ ـ ابن أخنس بن شريف الذهبي حليف بني زهرة، كان من أشراف القوم وممّن يستمع منه، وكان يصيب من رسول الله ويرد عليه، فأنزل الله تعالى فيه:( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ *هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ *مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ *عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ) ( القلم / ١٠ ـ ١٣ ).

قال ابن هشام: ولم يقل « زنيم » لعيب في نسبه وإنّ الله لا يعيب أحداً بنسب ولكنّه حقّق بذلك نعته ليعرف. والزنيم: العديد ( الدعيّ ) للقوم(٢) .

٦ ـ إنّ العاص بن وائل كان من أعداء النبيّ وكان خبّاب بن الأرتّ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قيناً بمكّة يعمل السيوف، وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفاً عملها له حتى كان عليه مال، فجاءه يتقاضى، فقال له

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ١ ص ٣٦٢ و ٣٦٣.

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ١ ص ٣٦٠.

١٧٠

يا خبّاب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أنّ في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب، أو فضّة، أو ثياب، أو خدم. قال خبّاب: بلى. قال: فانظرني إلى يوم القيامة يا خبّاب حتى أرجع إلى تلك الدار فاقضيك هنالك حقّك، فوالله لا تكون أنت وصاحبك يا خبّاب آثر عند الله منّي، ولا أعظم حظّاً في ذلك. فأنزل الله تعالى فيه:( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا *أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا *كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا *وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ) ( مريم / ٧٧ ـ ٨٠ ).

٧ ـ وقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله ورسول الله يكلّمه وقد طمع في إسلامه، فبينما هو في ذلك إذ مرّ به ابن اُم مكتوم الأعمى فكلّم الأعمى رسول الله وجعل يستقرئه القرآن، فشقّ ذلك منه على رسول الله حتى اُضجره وذلك أنّه شغله عمّا كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه، فلمّا أكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه، فأنزل الله تعالى فيه:( عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ *أَن جَاءَهُ الأَعْمَىٰ *وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ *أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ *أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ *فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ *وَمَا عَلَيْكَ إلّا يَزَّكَّىٰ *وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ *وَهُوَ يَخْشَىٰ *فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ *كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ *فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ ) ( عبس / ١ ـ ١٢ )(١) .

وما ذكره ابن هشام وغيره وان كان ينطبق على ظاهر الآيات ولكنّه لا يتفق مع خلق النبي الذي وصفه سبحانه بقول:( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

وفي بعض الروايات أنّ العباس المتولّي، رجل من بني اُميّة، كان عند النبي فدخل على النبي ابن اُم مكتوم فعبس الرجل وقبض وجهه فنزلت الآيات.

قال العلّامة الطباطبائي: وليست الآيات ظاهرة الدلالة على أنّ المراد بها هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بل خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه، بل فيها ما يدل على أنّ المعنيُّ بها غيره، لأنّ العبوس ليس من صفات النبي ( صلى الله عليه

__________________

(١) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٣٦٣، وأكثر التفاسير نقلوا هذا المضمون.

١٧١

وآله وسلم ) مع الأعداء فضلاً عن المؤمنين به والموالين له، وعلى كلّ تقدير، فإنّ توصيفه بأنّه يميل للأغنياء ويعرض عن الفقراء لا يتناسب مع أخلاقه الكريمة كما عن المرتضىرحمه‌الله .

وقد أوضحنا الحال في الجزء الخامس من هذه الموسوعة(١) .

٨ ـ كان العاص بن وائل السهمي ـ إذا ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال: دعوه، فإنّما هو رجل أبتر لا عقب له، لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه، فأنزل الله في ذلك:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، والكوثر: العظيم.

إنّ هذه الآية تتضمّن خبراً غيبيّاً وهو أنّه سيكثر نسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ تعيير العدو يرجع إلى نفسه، وعلى الرغم من أنّ أهل بيته لاقوا من الاُمّة ما لاقوا من القتل والتشريد والتنكيل، ومع ذلك نجد نسل الرسول قد بلغ من التصّور ما بلغ. قال الرازي: « فانظر كم قتل من أهل البيت ثمّ العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بين اُميّة في الدنيا أحد يعبأ به، ثمّ انظر كم فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا: والنفس الزكية وأمثالهم »(٢) .

هذا ما يقوله الرازي في القرن السابع أو أواخر القرن السادس، ونحن في أوائل القرن الخامس عشر، وقد ملأ العالم نسل البتول، وهذه بلاد المغرب وتونس والجزائر ومصر والشام وتركيا وايران والعراق زاخرة بالشرفاء من أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فصدق قول الله العلي العظيم:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) .

إنّ منصب نقابة الطالبين في عصر الرضاعليه‌السلام وبعده إلى عصر الشريف الرضي الذي تصدّر هذا المنصب عام ٣٨٠ ه‍، لأوضح دليل على كثرة

__________________

(١) مفاهيم القرآن: ج ٥ ص ١٣٠ عند البحث عن عصمة النبي.

(٢) مفاتيح الغيب: ج ٨ ص ٤٩٨ ( طبع مصر ـ ١٣٠٨ ).

١٧٢

الطالبيين من نسل البتول إلى حد عيّن لهم نقيب كالإمام الرضا والشريف الرضي، والمسؤولية الملقاة على عاتقه، ضبط مواليدهم ووفياتهم وأنسابهم والقيام بمهام اُمورهم وهدايتهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم على حد ما ذكره الماوردي في كتاب الأحكام السلطانية(١) .

__________________

(١) الأحكام السلطانية: ص ٨٢ ـ ٨٦.

١٧٣

ج ـ الإقتراحات الباطلة لقبول الرسالة

الدارج والمألوف بين الدبلوماسيين إذا كانوا بصدد رفع ما بينهم من خصومة ومرافعة، هو الجلوس على طاولة المفاوضات وإبداء بعض التنازلات عن المصالح الجزئية لقاء الحفاظ على مصالح اُخرى أكثر أهميّة بالنسبة لهم مع سعيهم الحثيث للحفاظ على حرمة الاُصول المبدئية للطرفين.

ولكن القوم لتشبّثهم بما كانوا عليه، وغربتهم عن العلم باُصول دعوة الأنبياء وأهدافها السامية، كانوا يطلبون من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اُموراً مختلفة: منها ما يضاد الاُصول التي بنيت عليها الشرائع السماوية، ومنها ما يدخل في المحالات بالذات، ومنها ما هو خارج عن نطاق وظائف الرسل والأنبياء، ولا يمت بصدق دعوتهم ورسالتهم، وإليك جملة من هذه الطلبات التي تقدّموا بها على ضوء الكتاب العزيز:

١ ـ التشريك في العبادة

روى المفسّرون أنّ نفراً من قريش منهم الحارث بن قيس السهمي، والعاص ابن أبي وائل، والوليد بن المغيرة وغيرهم، قالوا: اتبع ديننا نتبع دينك، ونشركك في أمرنا كلّه، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيراً ممّا بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظّنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً ممّا في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظّك منه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : معاذ الله أن اُشرك به غيره. قالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدّقك ونعبد إلهك فقال: حتى انظر ما يأتي من عند ربي، فنزل:( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) فعدل رسول الله

١٧٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش، فقام على رؤوسهم، ثمّ قرأ عليهم حتى فرغ من السورة فأيسوا عند ذلك، فآذوه وآذوا أصحابه، قال ابن عباس: وفيهم نزل قوله:( قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الجَاهِلُونَ ) ( الزمر / ٦٤ )(١) .

وروى أبو حفص الصائغ عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام قالوا: نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة، فأنزل الله عليه:( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) (٢) .

نظراً لابتعاد هؤلاء عن النبوّة والأنبياء يخالون أنّ برامج الأنبياء في رسالاتهم برامج بشرية يسوغ لهم المساومة فيها وإبداء التنازلات عنها، ولأجل ذلك نزل الوحي رادّاً على تلك الفكرة الخاطئة وقال:( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ *وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ *وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ *وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ *لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) .

إنّ الدعوة إلى التوحيد في العبادة ورفض عبادة الغير هو الحجر الأساس الذي تهدف إليه الدعوة الإلهية المتمثّلة في رسالات الأنبياء، ولم يبعث نبي قط إلّا وكان هذا هو المحور المهمّ في صلب دعوته، فكيف يخوّل له التنازل عن هذا الأصل الأصيل. قال سبحانه:( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ( النحل / ٣٦ ).

ويعرب أيضاً عن وجود مثل هذا الاقتراح قوله سبحانه:( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً *وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً *إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) ( الأسراء / ٧٣ ـ ٧٥ ).

هذه الآيات تفصح عن شدة مكر المشركين وتماديهم في إنكار التوحيد حيث

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٥، ص ٢٥٢.

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ١ ص ٣٦٢، بحار الأنوار: ج ٧ ص ٢٣٩.

١٧٥

أرادوا أن يفتنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بعض ما اُوحي إليه أن يميل إلى الركون إليهم بعض الميل، ولكنّهم لم يحظوا بما كانوا يصبون إليه ويرمون تحقيقه من ميل النبي إليهم وافتتانه عن بعض ما اُوحي إليه والشاهد على ذلك أمران:

١ ـ قوله سبحانه:( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) وهو صريح في أنّه لم يتحقّق الإفتتان.

٢ ـ قوله عزّ وجلّ:( وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ) والمراد من التثبيت هو العصمة ولأجل ذلك قال:( لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ) ولم يقل: « كنت » والمراد القرب من الركون وأنّه لولا التثبيت لقرب ركونه إليهم ولكنّه لم يحصل القرب فضلاً عن الركون لأجل التثبّت.

٢ ـ تبديل القرآن بغيره

وقد كان من جملة الإقتراحات التي قدّمت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أزاء قبول دعوته هو تبديل القرآن لأنّه يشتمل على تخطئة ما كانوا هم وآباؤهم عليه من الإعتقاد والعمل، فاقترحوا عليه أن يأتي بقرآن خالي من ذلك، قال سبحانه في محكية عنهم:( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) ( يونس / ١٥ ).

وهذا الإقتراح على غرار ما سبق ينبع عن جهل بمبادئ النبوّة والرسالة التي يتحمّلها الرسول من خلال دعوته وابلاغه وليس له حق في تحويره وابداله بل هو مأمور لا تتجاوز وظيفته حد الإبلاغ.قال سبحانه مشيراً إلى هذا الجواب:( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إلّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ( يونس / ١٥ ).

فهذه الآية تفسّر حقيقة النبوّة وتبيّن حدود وظيفة النبي، فإنّه خاضع للوحي وليس له إلّا إبلاغ ما يوحى إليه وإنّ تبديل الموحى إليه عمل إجرامي لا يغتفر

١٧٦

وعصيان للرب موجب للثبور والخسران.

ثمّ إنّه سبحانه يرشد النبي إلى أن يستدل عليهم بأنّ القرآن ليس كلامه وإنّما هو وحي يوحى إليه من خلال تسليط الضوء على سيرته بينهم حيث عاش فيهم عمراً ولم يسمعوا منه شيئاً ممّا يشبه القرآن، فلو كان القرآن حصيلة فكره ونتاج عقله لبدر منه شيء طيلة أربعين سنة من عمره المنصرم إذ ( مَا أَضْمَرَ أحَدٌ شَيْئاً إلّا ظَهَرَ في صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ )(١) .

فامساكه في هذه الحقب والأعوام عن التفوّه بما يماثل ذلك لأوضح دليل على أنّه وحي اُوحى إليه في حاضر دعوته فكيف تقترحون عليه أن يأتي بقرآن غير هذا إذ ليس القرآن رهن إشارته وطوع اختياره وارادته حتى يأتي بطائفة منه ويعزف عن طائفة اُخرى واليه يشير قوله سبحانه:

( قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( يونس / ١٦ ).

فهؤلاء القوم مرضى القلوب والضمائر وضعفاء العقول والبصائر، يقترحون على الطبيب الإلهي أن يكتب لهم الوصفة العلاجية لدائهم المزمن حسبما تشتهي أنفسهم وأهواؤهم.

٣ ـ شروط تعجيزية

قد بلغ عناد القوم ولجاجهم في وجه الدعوة المحمديّة حدّاً كانوا يقترحون عليه اُموراً تارةً تدخل في حيّز المستحيلات ولا تتعلّق بها القدرة وإن بلغت ما بلغت، واُخرى اُموراً ممكنة ولكنّها خارجة عن نطاق وظائف النبي في دعوته ورسالته وتضاد أهدافها ولا تمت بالاستدلال على صدقها بصلة ولا تعد دليلاً على

__________________

(١) مقتبس من كلام لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام في قصار حكمه ( رقم ٢٦ ) من نهج البلاغة.

١٧٧

ربانيّة رسالته(١) .

وقد تعرّض القرآن الكريم لهذه الشروط المستحيلة أو الصعبة بأشكالها المختلفة في ضمن الآيات التالية:

( وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ :

١ ـحَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا

٢ ـأَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا

٣ ـأَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا

٤ ـأَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ

٥ ـوَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً

٦ ـأَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ

٧ ـأَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ

٨ ـوَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ) .

هذا تصوير لجملة شروط القوم، وأمّا الجواب عنها فقد أوجزه في كلمتين:

١ ـ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي

٢ ـهَلْ كُنتُ إلّا بَشَرًا رَّسُولاً ) ( الأسراء / ٩٠ ـ ٩٣ )

هذه مطالبهم وإليك تفصيل القول فيها:

إنّ هذه المطالب بين محال لا تدخل في نطاق القدرة، وبين ما هو خارج عن وظيفة الرسول ورسالته، وبين ما هو يضادّ أهداف دعوته، أو لا يمت بصلة إلى صدق دعوته، كما سبق ذكره، وإليك بيانها بمزيد من التفصيل:

__________________

(١) لاحظ السيرة النبويّة: ج ١ ص ٢٩٦ و ٢٩٧ و ٣٠٩.

١٧٨

أمّا الأول: أعني تفجير الينبوع من الأرض فهو يحتمل معنيين:

١ ـ أن يفجّر الينبوع من الأرض وفق رغبتهم لنفسه حتى يكون رجلاً ثريّاً.

٢ ـ أن يفجّر الينبوع من الأرض لأجل هؤلاء حتى تصبح أراضيهم ومراتعهم مخضرّة مزهرة يانعة الثمار.

أمّا الإحتمال الأول: فلا يعد دليلاً على صدق الدعوة، ولو اُريد الثاني فهو على خلاف السنّة الإلهية فقد تعلّقت مشيئته الحكيمة بتحصيل هذه المواهب المادّية عن طريق الكدح والجد في ظل أعمال الطاقات البشرية، بالإضافة إلى أنّه خارج عن وظائف الرسالة، فإنّ الأنبياء قد بعثوا لهداية الناس إلى ما فيه سعادتهم في الدارين باراءة الطريق الموصل إليها، وأمّا القيام بتفجير الينبوع من الأرض فهو أمر خوّل إلى الناس أنفسهم.

وأمّا الثاني: فهو أن يكون للنبيّ جنّة من نخيل وعنب تجري الأنهار خلالها فلا صلة له بصدق الدعوة إذ أقصى ما يستدلّ به على أنّه رجل عاقل عارف بشؤون الفلاحة والتجارة أو رجل له مكانة مرموقة في المجتمع ولا تدلّ كثرة الأموال والإنتعاش الإقتصادي على صدق الدعوة، وقد مرّ تحقيق ذلك في تفسير قوله:( لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) .

وأمّا الثالث: أعني إسقاط السماء على رؤوسهم فهو يضادّ هدف الدعوة، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث لهداية الناس ورحمة بهم لا لإهلاكهم، نعم يمكن تصوّر ذلك إذا تمّت الحجّة عليهم ولم يبق لهم عذر في عدم قبول الدعوة، فربّما يشملهم العذاب وهو خارج عن موضوع البحث.

أمّا الرابع: أعني الإتيان بالله فهو طلب أمر محال، فهؤلاء كانوا يطلبون رؤية الله سبحانه قبيلاً ومواجهة. والله فوق الزمان والمكان لا يحيط به شيء، ولا يمكن أن تراه العيون بمشاهدة الأبصار وإنّما تراه القلوب بحقائق الإيمان.

١٧٩

وأمّا الخامس: أعني الإتيان بالملائكة قبيلاً ومشاهدتهم بانقلاب الغيب شهوداً فهو من المعاجز التي لو تحقّقت ولم يترتب عليها منهم إيمان واذعان لعمّهم العذاب ولا ينظرون، وقد مرّ ذلك في تفسير قوله:( وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ ) ( الأنعام / ٨ ).

وأمّا السادس: وهو أن يكون له بيت من ذهب فلا صلة له بصدق الدعوة.

وأمّا السابع: وهو الرقي في السماء فهو أشبه باقتراح الصبيان ولو فرض تحققه عن طريق الإعجاز لما آمنوا به بشهادة قولهم في الإقتراح الثامن:( وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ) . حيث صرحوا بأنّ رقيه في السماء غير كاف في إيمانهم وإذعانهم بل يجب أن يقترح عليه أمراً ثامناً وهو أن ينزل عليهم كتاباً يقرؤونه، ولعلّ مقصودهم أن ينزّل كتاباً فيه اسمه ورسالته.

إنّ هذه الإقتراحات التعجيزية أوضح شاهد على أنّ القوم لم يكونوا بصدد كشف الحقيقة وتحرّي الواقع والصدق، ولو افترضنا النبي قد امتثل لبعض اقتراحاتهم الممكنة لوجدناهم يأتون بحجج واهية اُخرى بقصد التعجيز لا غير، ولأجل ذلك يقول سبحانه في حق هؤلاء وأشباههم:( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إلّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ( الأنعام / ٧ ).

ويقول سبحانه:( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَىٰ بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ) ( الرعد / ٣١ ). وهذه الآية ونظائرها تدلل بشواهد صادقة لا يشوبها الريب على أنّ القوم لم يكونوا بصدد الوقوف على الحقيقة واستكشافها ولأجل ذلك كانوا يقترحون على النبي اُموراً تنم عن روح العناد والمكابرة، وأمّا الذكر الحكيم فقد أجاب عنه بوجهين:

١ ـ( سُبْحَانَ رَبِّي ) ولعلّه جواب عن قولهم أو يأتي بالله، والله سبحانه منزّه عن المادّة وآثارها وليس للبشر تصحّ رؤيته بحاسة الأبصار. قال سبحانه:( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ( الأنعام / ١٠٣ ).

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581