مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265826 / تحميل: 6065
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماذا سميتموه ؟ فقلنا : سمّيناه حرباً ، فقال : لا ولكن اسمه محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم ببني هارون : شبّر ، وشبيراً ، يقول : حسن وحسين.

الثاني من المصادر هو مسند أبي داود الطيالسي(1) ( ت 204 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث مرّة واحدة كما يلي :

حدّثنا أبو داود قال : حدّثنا قيس عن أبي إسحاق قال : سمعت هانئ بن هانئ يحدّث عن عليّ قال : لما ولد الحسن بن عليّ قلت : سمّوه حرباً ـ وقد كنت أحب أن أكتني بأبي حرب ـ فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فدعا به ، قلنا : سمّيناه حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : هو حسين.

وراجع منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي(2) تجد الحديث أيضاً.

الثالث من المصادر : الطبقات الكبرى لابن سعد(3) ( ت 231 ه‍ ) الطبقة الخامسة ، جاء فيه الحديث بصورتين :

1 ـ قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسّن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّرا.

__________________

(1) مسند أبي داود الطيالسي 1 : 19 ، ح 129.

(2) منحة المعبود في ترتيب مسند أبي داود للساعاتي 2 : 129 ـ 130.

(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 240.

٢١

2 ـ قال : أخبرنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق قال : لما ولد الحسن سمّاه عليّ حرباً ، قال : وكان يُعجبه أن يكنّى أبا حرب ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : وما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، قال : ما شأن حرب وهو حسن.

فلمّا ولد حسين سماه عليّ حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما شأن حرب ؟ بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّاه حرباً ، فقال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال : ما شأن حرب هو محسِن أو محسّن.

الرابع من المصادر هو مسند أحمد بن حنبل(1) ( ت241 ه‍ ) ، فقد ورد فيه الحديث كما يلي :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأورده مرّة ثانية وثالثة(2) بسند آخر ، وتفاوت في اللفظ وإليك نصّه :

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا حجاج ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين قال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد

__________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1 : 98.

(2) المصدر نفسه 1 : 118.

٢٢

الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وأخرجه عن أحمد الديار بكري في تاريخ الخميس ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب(1) ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب الفضائل كما في ( الحسين والسنة )(2) .

والغريب أنّ من الشيعة من أخرج ذلك دون التنبيه إلى ما فيه من خفايا البلايا ، كما مرّ في ذكر المصادر الشيعية التي تسرّب إليها الحديث.

الخامس من المصادر هو الأدب المفرد للبخاري(3) ( ت 256 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بصورة واحدة :

حدّثنا أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسنرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلما ولد الحسينرضي‌الله‌عنه سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباًَ ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

وعقّب المحقق على ذلك فقال : ليس في شيء من الكتب الستة ، وجاء في كتاب فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد(4) ، تأليف فضل الله الجيلاني استاذ في الجامعة العثمانية ما يلي : أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريقين

__________________

(1) تاريخ الخميس 1 : 418 , كفايه الطالب : 352.

(2) الحسين والسنة : 15.

(3) الأدب المفرد للبخاري : 213.

(4) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد تأليف فضل الله الجيلاني 2 : 288.

٢٣

كلاهما عن إسرائيل إلى آخره ، والحاكم وقال : صحيح الاسناد ، وأحمد ، وقال الحافظ في الإصابة : إسناده صحيح.

السادس من المصادر هو أنساب الأشراف للبلاذري(1) ( ت 279 ه‍ ) ، فقد جاء فيه :

حدّثني أبو عمرو الزيادي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق أنّ علياً قال : لمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين ، فلما ولد الثالث جاء فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً قال : هو محسن ، إنّما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر شبير ومشبر.

حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق بنحوه ، ورواه أيضاً بسندٍ آخر عن ابن سعد ، ذكره في ترجمة الحسينعليه‌السلام (2) .

السابع من المصادر هو المعجم الكبير للطبراني(3) ( ت 360 ه‍ ) ، جاء فيه الحديث بخمسة أسانيد :

1 ـ حدّثنا عثمان بن عمر الضبّي ، حدّثنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا إسرائيل ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين سميناه حرباً ، فأتى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ائتوني بابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبّر.

__________________

(1) أنساب الأشراف للبلاذري 1 : 404.

(2) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام 3 : 144.

(3) المعجم الكبير للطبراني 3 : 100 ـ 101.

٢٤

2 ـ حدّثنا محمّد بن يحيى بن سهل بن محمّد العسكري ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن ابن عليّرضي‌الله‌عنه جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلمّا ولد الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنه جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء فقال مثل قوله ، فقلت : سميته حرباً ، فقال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر.

3 ـ حدّثنا محمّد بن أبان الأصبهاني ، حدّثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب ، فلمّا ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : ما سميتم ؟ فقلت : سميته حرباً ، فقال : هو الحسن.

4 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبو كريب ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي : لا ولكن سمّه حسناً ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ فقلت : حرباً ، قال : بل سمّه حسيناً ، ثم ولد آخر فسميته حرباً ، فقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : حرباً ، قال : سمّه محسناً.

5 ـ حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي ، ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عليّرضي‌الله‌عنه : كنت رجلاً أحب الحرب ، فلمّا ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حرباً فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت إبنيّ هذين باسم إبني هارون شبراً وشبيراً.

الثامن من المصادر هو المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري(1) ( ت 405 ه‍ ) ، جاء فيه بصورتين :

__________________

(1) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3 : 165.

٢٥

1 ـ أخبرنا أبو العباس محمّد بن أحمد المحبوبي بمرو ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا عبيد الله بن يونس ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

فلمّا ولدت الحسين جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، ثم ولدت الثالث جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إنّما سميتهم باسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وتبعه الذهبي في التلخيص ، فذكر الحديث مبتدءاً بالسند من هانئ بن هانئ ثم قال في آخره : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه.

ثم إنّ الحاكم أخرج الحديث مرّة ثانية(1) كما يلي :

2 ـ حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، ثنا جعفر بن عون ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما أن ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو الحسن ، فلمّا ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن قال : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال هو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سمّيت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه شبّراً وشبيراً ومشبّراً.

وعقّب الحاكم على الحديث بقوله : هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، وذكره الذهبي في التلخيص مختصراً وعقب بقوله : قلت مرّ من حديث إسرائيل.

__________________

(1) المصدر نفسه 3 : 168.

٢٦

التاسع من المصادر هو السنن الكبرى للبيهقي(1) ( ت 458 ه‍ ) ، جاء فيه :

أخبرنا أبو عليّ الروذباريّ ، أنبأ عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب المقري بواسط ، أنبأ شعيب بن أيوب ، ثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لمّا ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسن.

ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ماسميتموه ؟ فقلت : حرباً ، فقال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبير ومشبّر.

ثم قال البيهقي : رواه يونس بن أبي إسحاق عن أبيه ، وقال في الحديث : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء بتسمية هارون بنيه ، وروي في هذا المعنى أخبار كثيرة.

وجاء فيه أيضاً(2) : أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا ابن رجا ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ح ( حيلولة ) وحدّثنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني بالكوفة ، ثم ساق الحديث سنداً ومتناً كما مرّ في الحديث الثاني عند الحاكم في المستدرك حرفاً بحرف ، ثم عقّب البيهقي بقوله : لفظ حديث يونس ، وفي رواية إسرائيل : أروني ابني ما سميتموه ؟ والباقي بمعناه.

العاشر من المصادر هوتاريخ دمشق لابن عساكر ( ت 571 ه‍ ) ، ( ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام بتحقيق المحمودي )(3) جاء الحديث فيه بثلاث صور :

__________________

(1) السنن الكبرى للبيهقي 6 : 163.

(2) المصدر نفسه 7 : 63.

(3) ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق : 17 ـ 18.

٢٧

1 ـ أخبرنا أبو العز بن كادش ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، أخبرنا عليّ بن محمّد بن أحمد ابن نصير ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن عتيب ، أخبرنا محمّد بن خالد بن خداش ، أخبرنا سالم بن قتيبة ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسن.

فلما ولد الحسين سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : هو الحسين ، فلما ولد محسن سميته حرباً ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميت ابني ؟ قلت : حرباً ، قال : فهو محسن ، ثم قال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : إنّي سميت بَنيّ هؤلاء تسمية هارون بنيه شبراً وشبيراً ومشبراً.

2 ـ أخبرنا أبو غالب ابن البناء ، أخبرنا أبو الحسين ابن الآبنوس ، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا ، أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، أنّه حدّثه عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : لا ولكن اسمه حسن ، ثم ولد لي الحسين سميته حرباً ، فقال لي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه حسين ، ثم ولد لي فقال : ما سميته ؟ قلت : سميته حرباً ، فقال : لا اسمه محسن.

قال الدارقطني : تفرد به إبراهيم بن يوسف عن أبيه.

3 ـ أخبرنا أبو عليّ بن السبط ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، وأخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أخبرنا أبو عليّ ابن المذهب ، قالا : أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله ، حدّثني أبي ، أخبرنا يحيى بن آدم ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسن.

٢٨

فلما ولد الحسين سمّاه حرباً ، فجاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث سمّيته حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبّر شبير مشبر.

الحادي عشر من المصادر هو أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير(1) ( ت 630 ه‍ ) ، جاء فيه في ترجمة الحسن :

قال عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : لما ولد الحسن جاء رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلما ولد الحسين سمّيناه حرباً ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : سميته حرباً ، قال : بل هو حسين ، فلمّا ولد الثالث جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلت : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر.

وجاء أيضاً ثانياً(2) ذكر الحديث الآنف الذكر في ترجمة الحسين مع ذكر اسناده المنتهي إلى أحمد بن حنبل ، وحيث تقدّم في المصدر الثالث فلا حاجة إلى إعادته.

وجاء فيه أيضاً(3) في ترجمة المحسن اعادة الحديث بنفس السند السابق.

الثاني عشر من المصادر هو ( مجمع الزوائد )(4) للهيثمي ( ت 807 ه‍ ) ، جاء فيه ذكر الحديث المروي عن هانئ بن هانئ ، ثم قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار إلاّ أنّه قال : سميتهم بأسماء ولد هارون جبر وجبير ومجبّر. والطبراني ، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ ، وهو ثقة.

__________________

(1) اُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 2 : 10 ـ 18.

(2) المصدر نفسه 2 : 18.

(3) المصدر نفسه 4 : 308.

(4) مجمع الزوائد للهيثمي 8 : 52.

٢٩

ثم ورد في المصدر المذكور الحديث الآخر : وعنه ـ عن عليّ ـ قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب ، فجاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه ، فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن ، ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فأتى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فحنكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين.

ثم قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

الثالث عشر من المصادر هو عيون الأخبار وفنون الآثار(1) للداعي المطلق إدريس عماد الدين القرشي ( ت 872 ه‍ ) ، جاء فيه ما لفظه :

وروي عن أبي غسان بإسناده عن عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : لما ولد الحسن بن عليّ سمته أمّه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سمته أمّه أيضاً حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا بل هو حسين ، فلمّا ولد محسن سمّته أمه حرباً ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : لا ، بل هو محسن ، ثم قال : إنّي سميتهم بأسماء أولاد هارون شبر وشبير ومشبر.

وعقّب المؤلف على ذلك بقوله : ومن هذه الرواية دليل على أنّ محسن ولد على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأشهر الذي عليه الإجماع أيضاً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه وهو في بطن فاطمة ، وأنّها أسقطته حين راعها عمر بن الخطاب ودفع على بطنها الباب ، والله أعلم بالصواب.

تعقيب على صور الحديث :

هذه نماذج من صور الحديث في مختلف المصادر ، وهي من الأمهات التي يرجع إليها المتأخرون وعنها يأخذون ، وحسب القارئ هذه المصادر الإثنى عشر

__________________

(1) عيون الأخبار وفنون الآثار 4 : 6.

٣٠

فهي تُغني عن غيرها ، ولنعد الآن إلى صور الحديث فنُلقي عليها نظرة فاحصة ، لنعرف مدى التفاوت الذي حصل بين ما جاء في أقدم مصدر ، وبين ما جاء بعده ، مع العلم بأنّ الحديث واحد ، وراويه الأول واحد ، ثم الذي رواه عنه أيضاً هو واحد ، فلماذا نجدُ التفاوت ؟

ومهما كان ذلك لفظياً أو بسيطاً ، فهو بالتالي يكشف عن عدم الدقة في النقل ، ويورث ذلك عدم الثقة بالناقل ، وبالتالي إلى عدم اعتبار الحديث ، فخذ أمثلة على ذلك :

1 ـ جاء في ثاني المصادر وهو كتاب ( مسند الطيالسي ) فقد روى حديث أبي إسحاق بن يحيى ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ ، وقد ورد فيه أنّ علياً كان يحب أن يكتنى بأبي حرب فسمّى ولده حرباً ، فغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسناً ، ثم ولد الحسين سماه عليّ حرباً وغيّره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه حسيناً.

وإلى هنا انتهى الحديث ولم يأت عن ولادة الثالث شيئاً ، ولا عن تسمية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما باسم ابني هارون ، بينما نجد نفس الحديث بنفس السند في المصادر التالية فيه نقص وفيه زيادة ، ففي بعضها ليس فيه ذكر لمحبة عليّ أن يكتني بأبي حرب ، بينما فيه زيادة ذكر ولادة المحسن وأنّ علياً سمّاه حرباً ، فغيّره النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وسمّاه المحسن ، مضافاً إلى زيادة قوله( صلّى الله عليه وسلّم ) : سميتهم بأسماء ولد هارون الخ. فمن أين جاءت تلك الزيادة ؟ ولماذا طرأ ذلك النقصان ، فاختفت محبة عليّ أن يكتنى بأبي حرب !!

2 ـ وخذ مثالاً ثانياً ما جاء في الحديث الثاني الذي رواه ابن سعد في الطبقات ، وهو الثالث في سُلّم المصادر ، تجد الحديث يرويه أبو إسحاق مرسلاً ليس فيه ذكر عمّن أخذه ، وفيه تجد حبّ عليّ أن يكتني بأبي حرب ، وفيه زيادة أخرى هي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ولادة : ( ما شأن حرب وهو حسن ) ( ما شأن حرب وهو حسين ) ( ما شأن حرب وهو محسن أو محسّن ) [ بالتشديد ] وهذه الزيادة

٣١

الأخيرة لم ترد إلاّ في حديث أبي إسحاق المرسل الذي أخرجه ابن سعد في الطبقات ، ولم ترد في بقية المصادر التي أوردت الحديث.

3 ـ وخذ مثالاً ثالثاً حديث هانئ بن هانئ عن عليّ ، وقارن بين ألفاظه في مختلف مصادره تقف على التفاوت فيها ، ولابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ هانئ بن هانئ الذي حدّث عن عليّعليه‌السلام لم يروِ عنه غير أبي إسحاق ، كما سيأتي بيان ذلك.

فهذا التفاوت والاختلاف إما أن يكون منه أو من أبي إسحاق ، وفي كلتا الحالتين يتطرق الريب إلى صدقهما في النقل ، أما الحمل على رجال السند من بعد أبي إسحاق حتى أصحاب المصادر ربّما كان فيه تجنٍ عليهم ، لأنّهم رووا ما سمعوا ، وإن كانت المؤاخذة قد ترد عليهم حين رووا ذلك على ما فيه من تفاوتٍ وتهافت.

4 ـ وخذ مثالاً رابعاً ما جاء في المصدر الثاني عشر ، ففيه مضافاً إلى إرساله أنّ الذي سمّى الأبناء بحرب هي أمهم فاطمةعليها‌السلام ، وهذا بخلاف ما مرّ أنّ علياًعليه‌السلام هو الذي سمى أو أحبّ أن يسمّي ، فجميع هذه الملاحظات تسقط الحديث المذكور عن الاعتبار.

والآن لنقرأ شيئاً عن الرواة لنعرف وزنهم في ميزان الجرح والتعديل.

٣٢
٣٣

الفصل الثاني

البحث عن رجال الاسناد

ولنبدأ بهم حسب ذكرهم في المصادر ، فرجال الحديث فيالمصدر الأول ـ وهو سيرة ابن إسحاق ـ قال : أنا ( أخبرنا ) يونس ، عن يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ.

فيونس الأول هو : ابن بكير ، قال الآجري عن أبي داود : ليس هو عندي بحجة ، كان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث ، ومع ذلك قالوا عنه : كان صدوقاً إلاّ أنّه كان يتبع السلطان ، وكان مرجّئاً ، ومع ذلك روى له مسلم متابعة !!

ويونس الثاني هو : ابن عمرو ـ أبي إسحاق ـ السبيعي روى عن أبيه ، وقد أثنوا عليه في كتب الرجال ، ومن الثناء عليه : كان يقدم عثمان على عليّ ، ولعل ذلك هو سبب قول أبي حاتم : صدوق لا يحتج به ( خلاصة تهذيب الكمال ).

وفي المصدر الثاني : وهو ( مسند أبي داود الطيالسي ) : حدّثنا قيس ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّعليه‌السلام .

فأما قيس ـ شيخ أبي داود ـ فقد قال هو نفسه عنه : ما أخرجت له إلاّ ثلاثة أحاديث ، حدّث بأحاديث عن منصور هي عن عبيدة ، وأحاديث عن مغيرة هي

٣٤

عن فراس ، وقال أحمد : روى أحاديث منكرة ، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس ، وكان ابن معين يقول عنه : ليس بشيء ، وقال : ضعيف الحديث لا يساوي شيئاً(1) .

أما باقي رجال السند فستأتي حالهم عند ذكر المصادر التالية حسب تسلسلها.

وفي المصدر الثالث : وهو الطبقات الكبرى فقد روى ابن سعد عن عبيد الله بن موسى ، قالوا عنه : ثقة يتشيع ، عن إسرائيل بن يونس : ثقة تكلّم فيه بلا حجة ، عن أبي إسحاق السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره ، عن هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، قال ابن المديني : مجهول ، وقال الشافعي : لا يُعرف ، وأهل العلم لا ينسبون حديثه لجهالة حاله(2) .

وقال ابن سعد في الطبقات(3) : كان يتشيع وهو منكر الحديث.

وقال الذهبي(4) : ليس بالمعروف ، وقد ورد ذكره في كتب الرجال الشيعية ، ولم يذكر فيه مدح ، نعم روي أنّه كان من آخر رسل أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام ، هو وسعيد بن عبد الله الحنفي يطلبون منه القدوم عليهم ، وأنّهم ينتظرونه ولا رأي لهم في غيره ، فأجابهمعليه‌السلام وأرسل الجواب مع الرسولين المذكورين ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد(5) ، والطبري(6) وغيره ذكروا مثل ذلك.

__________________

(1) تهذيب التهذيب 8 : 393.

(2) المصدر نفسه 11 : 12.

(3) طبقات ابن سعد 6 : 155.

(4) المغني في الضعفاء 2 : 707.

(5) الارشاد : 203.

(6) تاريخ الطبري 6 : 198.

٣٥

ولدى التحقيق في أسماء شهداء الطف لم أقف على ذكر لهانئ بن هانئ المذكور بينهم ، بينما ورد اسم سعيد بن عبد الله الحنفي في عداد الشهداء ، وكان من المفترض فيه أن يكون كزميله الحنفي ولم يذكر أنه كذلك ، ونكتفي بهذا عنه ، ويتضح أنّ الرجل مجهول الحال أو مجروح ، ومَن وثقه لا يقوم بحجة ترفع أقوال الجارحين من أئمة الفن.

وقد قال ابن عبد البر في الاستقصاء ( ترجمة رقم 2182 ) : كل مَن لم يرو عنه إلاّ رجل واحد لا يعرف إلاّ بذلك ، فهو مجهول عندهم لا تقوم به حجة.

فتبيّن أنّ الحديث بهذا السند الضعيف لا يصح أن يحتج به.

أما الحديث الثاني في الطبقات فهو عن الحسن بن موسى ، وهو الأشيب أبو عليّ البغدادي ثقة ، عن زهير بن معاوية أبو خيثمة ثقة ثبت وسماعه عن أبي إسحاق بآخرة ، وقد تقدم أن أبا إسحاق اختلط بآخرة فلاحظ ذلك ، فالحديث مضاف إلى إرساله إذ لم يدرك أبو إسحاق الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ليروي عنه ، فأبو إسحاق في هذا إما مرسِل أو مدلِّس ، لأنّه روى الحديث كما مرّ بالسند الأول عن هانئ بن هانئ وهو هنا لم يذكره.

أما أسانيد المصادر الباقية فحيث أنّها تنتهي إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، وقد عرفنا حال هؤلاء ، فلا حاجة إلى بسط القول في الرجال الّذين رووا الحديث عن إسرائيل ، يبقى لنا و قفة عابرة مع أولئك الّذين اهتموا بتصحيح الاسناد كالبزار والحاكم والهيثمي وغيرهم ممّن سبقت الإشارة إلى أقوالهم ، فإنّ حجتهم ـ الواهية ـ أنّ رجال بعض أسانيده هم رجال الصحيح ، كما مرّ عن رجال أحمد والبزار وحكاه الهيثمي. وكأنّ الصحيح عندهم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأسفي على تلك الجهود المضاعة لإثبات أنّ صحيح البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله ، مع كثرة ما فيه من هنات وهفوات ، وما أخذ عليه وفيه من مؤاخذات ، يعرفها أولئك المخرفون قبل غيرهم.

٣٦

ومهما يكن حالهم فلسنا بصددهم ، وإنّما الذي يهمنا أن نقوله : إنّ جميع الأسانيد في الحديث في جميع المصادر تنتهي إلى أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، ومرّت بنا كلمة الشافعي وغيره ، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يحتج بالحديث المذكور ، وكذلك بالنسبة إلى الحديث الثاني الذي رواه أبو إسحاق مرسلاً.

بقى هنا شيء يجب أن ننبه عليه ، هو ما جاء مرسلاً عن سالم بن أبي الجعد ، قال عليّ : كنت رجلاً أحبّ الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً ، فسمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسن ، قال : فلما ولد الحسين فهممت أن أسميه حرباً لأنّي كنت أحبّ الحرب ، وسماه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) الحسين ، وقال : إنّي سميت ابنيّ هذين باسمي ابني هارون شبراً وشبيراً.

وهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات(1) ، والهيثمي في مجمع الزوائد(2) ، والطبراني في المعجم الكبير(3) ، ولمّا كان مرسلاً فلا حاجة إلى عطف النظر إلى رجال السند فيه.

كما لا حاجة إلى البحث عن أبي غسان الراوي للحديث مرسلاً عن عليّعليه‌السلام كما في المصدر الثاني عشر ، فلا تغني معرفة حاله ، مع جهالة الراوي عنهم من رجاله ، وهذا هو المصدر الوحيد الذي ذكرته وصاحبه من غير أهل السنة ، كما أنّه ليس من الشيعة الإمامية ، بل هو من الإسماعيلية ، وإنّما ذكرته للتنبيه على تسرّب حديث الاكتناء بأبي حرب في التراث الإسلامي ، دون الالتفات إلى ما فيه من هناة.

__________________

(1) طبقات ابن سعد : 239.

(2) مجمع الزوائد 8 : 52.

(3) المعجم الكبير 3 : 97.

٣٧

الفصل الثالث

البحث عن متن الحديث

والبحث في هذا المجال يكون من خلال ست نقاط على النحو التالي :

النقطة الأولى : وفيها تحقيق المراد من اسم حرب ، فهل هو اسم المعنى الوصفي ؟ أم اسم العلم الشخصي ؟ وما المراد منهما في الحديث.

النقطة الثانية : هل كان اسم حرب من الأسماء المبغوضة أم المحبوبة ؟

النقطة الثالثة : ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب اسم المعنى الوصفي ، أم اسم العلم الشخصي ؟

النقطة الرابعة : ما هي الدوافع المغرية في شخصية حرب اسم العلم الشخصي ؟ بدءاً من آبائه ، ومروراً به ، وانتهاءاً بأبنائه ؟

النقطة الخامسة : في كنى الإمام وما هي أحبّ كناه إليه ؟

النقطة السادسة : وأخيراً ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة ؟

٣٨
٣٩

النقطة الأولى

في تحقيق المراد من اسم حرب

النقطة الأولى : في تحقيق المراد من اسم حرب وهل هو اسم المعنى ؟ أم اسم العلم ؟ ومن المراد منهما في الحديث ؟

إذا رجعنا إلى المصدر الأول والحديث الثالث من المصدر الخامس ، وجدنا قول الإمام ـ فيما نسب إليه ـ : « وقد كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب » وفي مرسل أبي إسحاق كما في المصدر الثاني نقرأ قول أبي إسحاق : « وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب » ، أما في مرسل سالم بن أبي جعد نقرأ قول الإمام : « كنت رجلاً أحبّ الحرب ».

ومهما أغضينا النظر عن الاختلاف في معاني الكلمات الثلاث ، فإنّ هذا إن دل على شيء فيدلّ على أنّ المراد بحرب هو اسم المعنى الوصفي ، ولعله إستناداً إلى ذلك ذهب العقّاد ـ وربما غيره أيضاً ـ إلى أنّ المراد من حب الإمام أن يكتني بأبي حرب ؛ لأنّه رجل شجاع يحب الحرب ، فلنقرأ ما يقوله العقّاد ، وهو يتحدث عن سيرة الإمام مع بنيه ، بعد أن حكى قول الإمام في حق الوالد على الولد ، وحق الولد على الوالد وهو : ( أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن ).

قال العقّاد : ومن إحسان التسمية أنّه همّ بتسمية ابنه حرباً ، لأنّه يرشحه للجهاد وهو أشرف صناعاته ، لولا أنّ رسول الله سمّاه الحسن وهو أحسن ، فجرى على

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

٦ ـ غزوة ذات السلاسل

إنّ غزوة ذات السلاسل بالنحو الذي سيمر عليك ذكره في هذا الفصل انفردت بنقله جملة من أعلام الإمامية ومفاده:

إنّ أعرابياً جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فجثا بين يديه، وقال له: جئتك لأنصح لك. قال: وما نصيحتك ؟ قال: قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل، وعملوا على أن يبيتوك بالمدينة. ووصفهم له، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس إنّ هذا عدوّ الله وعدوّكم قد عمل على أن يبيتكم فمن لهم، فقام جماعة من أهل الصفة، فقالوا: نحن نخرج إليهم يا رسول الله فولّ علينا من شئت، فأقرع بينهم، فخرجت القرعة على ثمانين رجلاً منهم ومن غيرهم، فاستدعى أبا بكر، فقال له: خذ اللواء وامض إلى بني سليم، فانّهم قريب من الحرة، فمضى ومعه القوم حتى قارب أرضهم، وكانت كثيرة الحجارة والشجر، وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب، فلمّا صار أبو بكر إلى الوادي، وأراد الانحدار، خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً، وانهزم أبو بكر من القوم، فلمّا قدموا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عقده لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم، فكمنوا له تحت الحجارة والشجر، فلمّا ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه، فساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك، فقال له عمرو بن العاص: ابعثني يا رسول الله إليهم، فإنّ الحرب خدعة، فلعلّي أخدعهم، فانفذه مع جماعة ووصّاه، فلمّا صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة.

٤٢١

ومكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّاماً يدعو عليهم ثمّ دعى أمير المؤمنينعليه‌السلام فعقد له ثمّ قال: أرسلته كرّاراً غير فرار، ثمّ رفع يديه إلى السماء وقال: « أللّهمّ إن كنت تعلم أنّي رسولك فاحفظني فيه وافعل به وافعل » فدعا له ما شاء وخرج عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتشييعه، وبلغ معه إلى مسجد الأحزاب، وعليٌّعليه‌السلام على فرس أشقر، مهلوب عليه بردان يمانيّان، وفي يده قناة خطّية، فشيّعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا له، وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعمر وعمرو بن العاص، فسار بهم نحو العراق متنكّباً للطريق، حتى ظنّوا أنّه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثمّ أخذ بهم على محجّة غامضة، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه، وكان يسير الليل ويكمن النهار، فلمّا قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعلموا الخيل(١) ووقفهم مكاناً، وقال: لا تبرحوا وانتبذ أمامهم، فأقام ناحية منهم.

فلمّا رأى عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أنّ الفتح يكون له، فقال لأبي بكر: أنا أعلم بهذه البلاد من عليٍّعليه‌السلام ، وفيها ما هو أشد علينا من بني سليم، وهي الضباع والذئاب، فإن خرجت علينا خفت أن تقطّعنا، فكلّمه يخل عنّا نعلوا الوادي، قال: فانطلق أبو بكر فكلّمه فأطال، فلم يجبه أمير المؤمنينعليه‌السلام حرفاً واحداً، فرجع إليهم فقال: لا والله ما أجابني حرفاً واحداً، فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: أنت أقوى عليه، فانطلق عمر فخاطبه، فصنع به مثل ما صنع بأبي بكر، فرجع إليهم فأخبرهم أنّه لم يجبه، فقال عمرو بن العاص: إنّه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلوا الوادي. فقال له المسلمون: لا والله ما نفعل، أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نسمع لعليٍّعليه‌السلام ونطيع فنترك أمره ونطيع لك ونسمع، فلم يزالوا كذلك حتى أحسّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بالفجر، فكبس القوم وهم غارون، فأمكنه الله تعالى منهم، ونزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا إلى

__________________

(١) يعلموا الخيل: يعلّقون عليها صوفاً ملوناً في الحرب.

٤٢٢

آخرها) فبشّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالفتح، وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاستقبلوه والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يتقدّمهم فقاموا له صفين، فلمّا أبصر بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ترجّل له عن فرسه، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : اركب فإنّ الله ورسوله عنك راضيان، فبكى أمير المؤمنينعليه‌السلام فرحاً، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ لولا أنّني اشفق أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بملأ من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك(١) .

وقال أمين الإسلام الطبرسي:

قيل نزلت السورة لـمّا بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام إلى ذات السلاسل فأوقع بهم، وذلك بعد أن بعث عليهم مراراً غيره من الصحابة، فرجع كل منهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في حديث طويل قال: وسمّيت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنّه أسر منهم وقتل وسبى وشدّ أسراهم في الحبال، مكتّفين كأنّهم في السلاسل، ولما نزلت السورة خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس، فصلّى بهم الغداة وقرأ فيها والعاديات، فلمّا فرغ من صلاته. قال أصحابه: هذه سورة لم نعرفها. فقال رسول الله: نعم إنّ عليًّا ظفر بأعداء الله، وبشّرني بذلك جبرئيلعليه‌السلام في هذه الليلة، فقدم عليٌّعليه‌السلام بعد أيام بالغنائم والأسارى(٢) .

* * *

__________________

(١) الإرشاد للشيخ المفيد: ص ٨٦ ـ ٨٨ وتفسير فرات: ص ٢٢٢ إلى ٢٢٦، وتفسير القمي: ج ٢ ص ٤٣٤ ـ ٤٣٩ مع زيادات في الأخير، وقد نقل ما جاء فيه من الفضائل في الشرح الحديدي: ج ٩ ص ١٦٨ ومناقب المغازي: ص ٢٣٧ و ٢٣٨ وغيرهما.

(٢) مجمع البيان: ج ١٠ ص ٨٠٢ ـ ٨٠٣ ط بيروت.

٤٢٣

هذا ما رواه جمع من أعلام الشيعة الإماميّة إلّا أنّ ما يذكره أصحاب السير والمغازي(١) من أهل السنّة يغاير ما حكيناه لك، وهؤلاء لا يتعرّضون بالذكر بتاتاً إلى دور شخصية الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كما لا يذكرون نزول الآيات في تلك المناسبة، ومع ذلك يختلفون في تحديد موضع الغزوة والقبيلة المحاربة فيه، فيسمّيه ابن هشام بأرض بني عذرة، بينما نجد الواقدي في مغازية يشير إليهم بقوله: إنّ جمعاً من بَلِيّ وقضاعة قد تجمّعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أراد الوقوف على مضانّها، فليرجع إلى محالها.

السر في انتصار عليٍّعليه‌السلام دون من عداه:

إنّ الحنكة والبراعة الحربيّة التي انتهجها أمير المؤمنينعليه‌السلام هي التي كفلت له الانتصار حيث تكمن في الأساليب الحربية التي نستعرضها لك فيما يلي:

١ ـ تغيير مسير الجيش لإيهام العدو بعدم القصد للمباغتة والمهاجمة، وحتى لا يصل خبرهم إليهم عن طريق أعراب البادية والقبائل المجاورة.

٢ ـ اتّخاذ الليل ستراً وحجاباً عن أعين الجواسيس، وطلائع المقاتلين، فقد سار ليلاً واختبأ نهاراً.

٣ ـ المهاجمة ليلاً والمباغتة لهم في عقر دارهم، وهم غاطّون في سبات الغفلة والنوم.

٤ ـ البأس والحميّة والشجاعة التي أبداها عند الهجوم على مواقعهم حيث لم يترك لهم أي فرصة للمقابلة والدفاع عن أنفسهم، فلم يكد ينادي المنادي منهم بالاستنفار، إلّا وقد كبس القوم برمّتهم، وسقطوا في أيدي المسلمين.

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ٢ ص ٦٢٣ ـ ٦٢٥، والمغازي للواقدي: ج ٢ ص ٧٦٩ ـ ٧٧٤.

٤٢٤

وأمّا الآيات النازلة في هذه الواقعة، فعلى حسب ما نقلناه هي سورة العاديات بأكملها بمناسبة تلك الواقعة وإليك تفسير ما تضمنته.

( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا *فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا *فَالمُغِيرَاتِ صُبْحًا *فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا *فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا *إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ *وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ *وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ *أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ *وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ *إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ) .

إنّ السياق العام الذي تضمّنته الآيات الشريفة يوحي بأنّ السورة مكّية لكون فواصلها متقاربة، ولكن المضمون يدل على أنها من السور المدينة، حيث تتناول الحكاية عن خيل الغزاة، وقد شرع الجهاد في المدينة.

( وَالْعَادِيَاتِ ) : من العَدو وهو الجري بسرعة.

( ضَبْحًا ) : والضبح صوت أنفاس الخيل عند عدوها، والمعنى لاُقسم بالخيل التي تعدو وهي تضبح.

( فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا ) « الايراء »: إخراج، « القدح »: الضرب. يقال: قَدَحَ فَأورى: إذا أخرج النار بالقدح، والمراد الشرر المتطاير الذي ينتج من اصطكاك حوافر الخيل إذا عدت فوق الحجارة والأرض المحصبة.

( فَالمُغِيرَاتِ صُبْحًا ) الإغارة: الهجوم على العدو بغتة بالخيل، فأقسم بالخيل الهاجمة على العدو بغتة في وقت الصبح.

( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ) الإثارة: هو تهييج الغبار ونحوه، والنقع: الغبار، والمعنى إطارة الغبار من على وجة الأرض.

( فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ) الوسط والتوسّط: بمعنى واحد، والضمير المجرور يرجع إلى الصبح، أو إلى النقع، والمعنى فصرن في وقت الصبح في وسط الجمع، والمراد منه كتيبة العدو.

( إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) الكنود: الكفور، والآية كقوله:( إِنَّ الإِنسَانَ

٤٢٥

لَكَفُورٌ ) ( الحج / ٦٦ ) وهو إخبار عمّا في طبع الإنسان من اتبّاع الهوى والإنكباب على عرض الدنيا، وفيه تعريض للقوم المغار عليهم.

( وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ ) : أي إنّ الإنسان على كفرانه بأنعم ربّه شاهد فانّ « الإنسان على نفسه بصيرة ».

( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) : أي إنّ الإنسان لأجل حبّ المال لبخيل شحيح.

( أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ *وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ *إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ) : أي أفلا يعلم الإنسان أنَّ لكفرانه بنعمة ربّه، تبعة ستلحقه وسيجازى بها إذا اُخرج ما في القبور من الأبدان، وحصل ما في الصدور من سرائرها، وإنّ ربهم خبير بسرائرهم، فيجازيهم بما فيها.

بقي في تقسير الآيات بيان نكتتين:

١ ـ ما هو سر الحلف بالعاديات، فالموريات، فالمغيرات.

٢ ـ ما هي الصلة بين الحلف بها والجواب عن القسم بقوله:

( إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ *وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ *وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) .

إنّ كثيراً من التفاسير تتضمّن سرّ الحلف بها، ولم يذكر سرّ الصلة بينهما بل أهمله في جميع الأقسام الواردة في القرآن، وهو أمر عجيب.

أمّا علّة القسم بالاُمور المذكورة، فلأنّ الخيل أقوى وسيلة للمقاتل المجاهد في سبيل الله، فتضفي له طابع القداسة، لقداسة غايته، فإنّ كرامة الوسيلة بكرامة ذيها، وأمّا القسم بضبحها، والموريات التي تتطاير من حوافر أرجلها، فلأنّ هذه الحالات المجتمعة في الخيل عند العدو تبعث الرعب والهلع والخوف في نفوس الأعداء، فتكون بمجموعها من مقوّمات النصر والغلبة، والظهور على الكفر، وهنا يكمن السر في تشريفها وتعظيمها، واستحقاقها لتكون محلاًّ للقسم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الخير كلّه في السيف، وتحت

٤٢٦

ظلّ السيف، ولا يقيم الناس إلّا السيف، والسيوف مقاليد الجنّة والنار »(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً قال: « إنّ أفضل عمل المؤمنين الجهاد في سبيل الله »(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في شرف الجهاد مضافاً إلى قوله سبحانه:( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ( الأنفال / ٦٠ ).

هذا برمّته حول سر الحلف بهذه الأشياء، بقي الحديث عن بيان المناسبة بين القسم بهذه الأشياء والجواب عنها بجملة( إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) فنقول: إنّ قوله سبحانه:( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إلّاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) ( التين / ٤ ـ ٦ ).

يشهد بأنّ للإنسان قدرة على السمو إلى أعلى درجات الكمال، وكذلك له قابلية على الإنحطاط إلى أدنى المستويات كما يشهد بهذين الأمرين قوله:( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ ) وقوله:( إلّاالَّذِينَ ) ، وعلى ضوء ذلك، فالإنسان ربّما يصل عند اتصافه بجملة تلك الملكات السامية إلى درجة يستحق أن يحلف لا به فقط، بل بخيله وما يطرأ عليه من العوارض المذكورة.

وربّما ينحط عن تلك الرتبة إلى حد يكون فيه جاحداً بكل أنعم ربّه وفضله عليه كما قال سبحانه:( إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) وفي آية اُخرى:( إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ ) ( الحج / ٦٦ ) وفي آية ثالثة:( إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) ( إبراهيم / ٣٤ ) وفي آية رابعة:( إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ) ( الأحزاب / ٧٢ ) وفي نقس تلك السورة:( وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ ) (٣) .

__________________

(١) وسائل الشيعة: ج ٦ ص ٤٥.

(٢) نهج الفصاحة: ص ١٢٠.

(٣) إنّ دراسة الأقسام الواردة في القرآن البالغ عددها قرابة أربعين حلفاً، من الأبحاث والدراسات الجديرة بالإهتمام، وقد كتب ابن القيم كتاباً حولها وأسماه « الأقسام في القرآن »

٤٢٧

٧ ـ فتح مكّة

أو

الفتح المبين

إنّ أوّل بيت وضع لعبادة الله وتوحيده وتقديسه، هو الكعبة بيت الله الحرام، وقد اندرست آثاره وعفيت رسومه في حادثة الطوفان في زمن نبي الله نوحعليه‌السلام ، ثمّ بقي على تلك الحال إلى زمن إبراهيمعليه‌السلام ، فأمره عزّ وجلّ بإقامة قواعده وتشييد أركانه ليكون مثابة للناس وأمناً، قال سبحانه:( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) ( البقره / ١٢٥ ).

وقد ظلّ البيت الحرام على تلك الوتيرة مدة مديدة من الزمن حتّى تمكّن الشرك من النفوذ إلى نفوس القاطنين في ضواحيه، وذلك في زمن قصي بن كلاب(١) وعندما بعث النبي الأكرم كانت الأصنام منصوبة وتحيط بالبيت الحرام، وتعلوها أعلام الكفر والشرك.

__________________

ولكنّه أهمل الجانب المهم منها وهو بيان الصلة بين المقسم به وجوابه. نعم قام ولدي الفاضل المجاهد الشهيد الشيخ أبو القاسم الرزاقيقدس‌سره بهذه المهمة وأفرده بالتأليف باللغة الفارسية وإنّي أرجو أن يقوم أحد البارعين في اللغتين، بنقله إلى اللغة العربية، فإنّه خير كتاب في هذا الموضوع وقد طبع بتقديم منّا أيام حياته، ولقد لقي ربّه مضرّجاً بدمه أثناء الحرب المفروضة على الشعب المسلم في إيران، وقد اُسقطت طائرته، فاستشهد هو وقرابة أربعين شخصاً، بين عالم وكاتب وسياسي محنّك، حشرهم الله مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومين: وقد أحرق الحادث قلبي وأراق دموعي.

(١) لاحظ السيرة النبويّة: ج ١ ص ١٣٠ ط بيروت.

٤٢٨

ولما وقع إبرام الصلح بين النبي الأكرم، وقريش عبدة الأوثان وسدنة الكعبة، واتّفقوا على أن يتجنّبوا كل ما من شأنه إثارة الحرب بينهما طيلة عشرة أعوام، لم يكن يتبادر في خلد أحد أنّ النبي الأكرم سوف تسنح له الفرصة لفتح ذلك الحصن المنيع للشرك، ويوقعه في شراك الأسر والذلّة والمسكنة.

لكنّه سبحانه عندما رجع رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلح الحديبيّة عازماً الدخول إلى المدينة وعده بفتحين:

١ ـ الفتح القريب.

٢ ـ الفتح المبين.

أمّا الأوّل فقد أشار إليه بقوله:( وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) ( الفتح / ١٨ ) وقال:( فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) ( الفتح / ٢٧ ).

وأمّا الثاني فهو الذي ورد في صدر هذه السورة وقال:( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) .

أمّا الفتح القريب فقد سلف أن ذكرنا أنّه فتح خيبر.

أمّا الفتح المبين فهو فتح مكّة، ولم يكن يعلم أحد من الصحابة المراد من ذلك الفتح المبين، الذي تنبّأ به الوحي قبل مجيئه، غير أنّه لم تشارف السنتان على الانقضاء بعد نزول تلك الآية إلّا وقد ظهرت الخيانة من قريش لبنود ذلك الصلح، وعندها سنحت الفرصة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أنْ تمكّن من بناء جيش قوي له، أن ينقض أركان الشرك ويهاجمهم في عقر دارهم.

بيانه

قد كان من بنود الصلح: إنّ من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه. فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم، ودخلت خزاعة في عقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهده.

٤٢٩

فلمّا كانت الهدنة اغتنمها طائفة من بني بكر، فخرج نوفل بن معاوية في جمع حتى باغت خزاعة وهم على الوتير، ماء لهم، فأصابوا منهم رجلاً واقتتلوا وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش مَنْ قاتل، بالليل مستخفياً حتى ساقوا خزاعة إلى الحرم. فلمّا دخلت خزاعة مكّة لجأوا إلى دار « بديل بن ورقاء »، ودار مولى لهم يقال له « رافع »، فلمّا تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله من العهد والميثاق، وما استحلّوا من خزاعة، خرج « عمرو بن سالم » الخزاعي حتى قدم على رسول الله المدينة، فدخل المسجد فانتصب قائماً وقال:

يا رب إنّي ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

كنت لنا أباً وكنا ولْدا

ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصراً أبدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

هم بيتونا بالوتير هجّدا

وقتلونا ركّعاً وسجّدا

ولما سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شعره، ووقف على صدق مقاله، قال: نَصَرْتَ يا عمرو بن سالم.

ثمّ خرج « بديل بن ورقاء » في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله المدينة، فأخبروه بما اُصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ومضى « بديل بن ورقاء »، وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان قد بعثته قريش إلى رسول الله ليشد العقد، ويزيد في المدّة، فدخل أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان، فلمّا ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه، فقال: يا بنيّة ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني ؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله، وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله، ثمّ خرج حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكلّمه، فلم يرد عليه شيئاً، فتوسّل بجمع من الصحابة أن يشفعوا له عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يجيبوه فآيس منهم، فركب بعيره وأقفل راجعاً، فلمّا قدم على قريش قالوا له:

٤٣٠

ما وراءك ؟ قال: جئت محمداً، فكلّمته فو الله ما ردّ عليّ شيئاً.

ثمّ إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم الناس بعزمه على المسير لفتح مكّة، ودعاهم لإعداد العدّة لذلك وقال: « أللّهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها ».

كتاب صحابي إلى قريش:

لـمّا أجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المسير إلى مكّة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه أمر رسول الله، من السير إليهم، ثمّ أعطاه امرأة تدعى سارة(١) وجعل لها أجراً على أن تبلّغه قريشاً، فجعلته في رأسها، ثمّ فتلت عليها قرونها، ثمّ خرجت به، وأتى رسول الله الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوّام ـ رضي الله عنهما ـ فقال: أدركا امرأة، قد حملت رسالة حاطب إلى قريش يبلغهم ما أجمعنا عليه، فخرجا حتى أدركاها بذي الحليفة، فاستنزلاها، ففتّشا رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها عليّ بن أبي طالب: إنّي أحلف بالله، ما كذب رسول الله، وما كذبنا ولتخرجنّ هذا الكتاب أو لنكشفنّك(٢) .

__________________

(١) وسارة مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مكّة إلى المدينة بعد بدر بسنتين فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمسلمة جئت ؟ قالت: لا. قال: أمهاجرة جئت ؟ قالت: لا. قال: فما جاء بك ؟ قالت: كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهب موالي واحتجت حاجة شديدة، فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني. قال: فأين أنت من شبان مكّة، وكانت مغنيّة نائحة قالت: ما طلب مني بعد وقعة بدر، فحث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليها بني عبد المطلب، فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة. لاحظ مجمع البيان: ج ٥ ص ٢٦٩.

(٢) وفي مجمع البيان: قال لها: اخرجي الكتاب وإلّا والله لاضربنّ عنقك. ( مجمع البيان: ج ٥ ص ٢٦٩ ) وهذا هو الأوفق بمقام العصمة.

٤٣١

فلمّا رأت الجد منه قالت: أعرض، فأعرض، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسول الله، فدعى رسول الله حاطباً فقال: يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال: يا رسول الله: إنّي لمؤمن بالله ورسوله ما غيّرت ولا بدّلت، ولكنّي كنت امرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهر هم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم.

فأنزل الله تعالى في حاطب:

١ ـ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) .

٢ ـ( إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) .

٣ ـ( لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .

٤ ـ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إلّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ) .

٥ ـ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) .

٦ ـ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ ) .

٧ ـ( عَسَى اللهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ

٤٣٢

غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( الممتحنة / ١ ـ ٧ ).

المستفاد من الآيات:

إِنّ الآية الاُولى تمنع المسلمين عن اتّخاذ الكافرين أولياءً لهم، وتشدّد النكير على التقرب إليهم بالمودّة والمحبّة والإخاء، إلّا أنّها لم تعن بذلك أن لا تكون هناك صلة على الإطلاق بأي نحو كان مع الكافرين، بل لا تمنع من عقد علاقات تجارية أو سياسية بشرط أن لا تصل إلى حد المودّة الممنوعة.

نعم لو أصبحت تلك العقود والاتفاقات السياسية والتجارية بشقّيها، سبباً للاضرار بالمصلحة الخاصة أو العامة للمسلمين، فلا شكَّ في حرمتهما، وقضية الأندلس خير شاهد لنا في المقام، وما ترتب ونجم عن أخطاء حكّامها من مصائب وويلات، قضت على الدولة الإسلاميّة برّمتها هناك.

ثمّ إنّ الآية الثانية تلقي بمزيد من الضوء على ذلك الأمر، فتوضح لنا أنّ الكافرين لو سنحت الفرصة لهم للظفر بالمسلمين، لأصبحوا لكم أعداءً، ولامتدت سطوتهم إليكم ولأوقعوا فيكم الإيذاء، وساموكم سوء العذاب، ولتناولوكم بألسنتهم بالشتم والسب، ولودّوا لكم الرجوع عن دينكم.

والآية الثالثة تفيد أنّ الوشائج العرقية إنّما تنفعكم يوم القيامة إذا كان صاحبها موحّد العقيدة والمبدأ كما يشير إليه قوله سبحانه:( لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ ) .

ولـمّا كان هناك احتياج وافتقار إلى اُسوة تكون مثالاً يقتدي به المسلمون في مجالي التولّي والتبرّي ممّن كانوا يعيشون معه، تناول الوحي هذا الأمر بذكر قضية نبي الله إبراهيمعليه‌السلام ومن معه فقد تبرّؤا من الكافرين، على الرغم من الصّلات العرقيّة والقبليّة التي كانت تربطهم بهم، قال سبحانه:( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ ) .

٤٣٣

ثم إنّه سبحانه يستثني في هذه الآية شيئاً وهو:( إلّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَيْءٍ ) .

وعندئذٍ يجري الكلام في التنبيه على ما هو المراد بالمستثنى منه فنقول: قد ورد قبل الاستثناء جملتان والاستثناء يرجع إلى واحد منهما وهما عبارة عن.

١ ـ( أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ ) .

٢ ـ( إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ) .

وارجاع الاستثناء إلى الجملة الاُولى بعيد عن السياق لأنّ معناه حينئذ: إنّ إبراهيم اُسوة في كل شيء إلّا في هذا المورد، وهذا لا يتناسب مع مقام نبوّته، ومع قوله سبحانه في حقّه:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / ٦٨ ).

فإذا كان إبراهيم أولى بأن يتبعه النبي الأكرم، فكيف لا يكون اُسوة على الاطلاق.

على أنّ الآيات الكريمة الواردة في استغفار إبراهيم تعرب عن أنّ عدته بالاستغفار لأبيه كان عملاً حسناً وواقعاً في محلّه، وذلك لأنّه وعده عندما يحتمل أنّه سيعود إلى فطرته السليمة، ويقطع أواصره بالوثنية قال سبحانه:

( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ( التوبة / ١١٤ ).

وهذا يعرب عن أنّ الوعد إنّما كان في زمن كان يؤمل فيه منه الصلاح والرشد، ولذلك لما استولى اليأس، وفقد الأمل بتحقّق ذلك الأمر، تبرّأ منه، وعلى ذلك يتعيّن القول برجوع الاستثناء إلى الجملة التالية لأنّ مفادها انّ إبراهيم ومن كان معه تبرّأوا من جميع من كان يمت إليهم بصلة في قومهم، مع أنّ إبراهيم لم يتبرّأ من أبيه، ولأجل ذلك جاء بالاستثناء ومعناه: إنّ إبراهيم وأتباعه قالوا لقومهم: إنّا برءآؤا منكم، إلّا إبراهيم، فلم يتبرّأ من أبيه وهذا هو المستفاد من الآيات.

٤٣٤

ثم إنّه سبحانه أعاد حديث الاُسوة لأهمّيته، وانّه إنّما ينتفع بها المؤمنون أي الذين يرجون ثواب الإيمان بالله سبحانه، وما وعد الله به المؤمنين في الآخرة، غير أنّ من رفض حديث الاُسوة، وتولّى أعداء الله، فإنّما يضر نفسه والله سبحانه هو الغني، وقال:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ ) .

ولـمـّا نهاهم عن موالاة الكفّار وإلقاء المودّة، وكان ذلك عزيزاً على نفوسهم لوجود الوشائج القومية بينهم، وكانوا يتمنّون أن يجدوا المخلص منه، أردف ذلك سبحانه أنّه عسى أن يجعل بينهم، وبين الذين عادوهم مودّة، وقد أنجز سبحانه ذلك بفتح مكّة، فأسلم كثير منهم، وتمَّ لهم ما كانوا يريدون من التحابب والتوادد.

وإليه يشير قوله سبحانه:( عَسَى اللهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .

* * *

المعيار في إبرام المعاهدات مع الكفّار:

لما كان المستفاد من قوله سبحانه في صدر السورة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) هو قطع جميع العلائق والأواصر بالكفار، أعقبها بما يخصص مضمون الآية بالقسم المحارب دون مطلق الكافر بقوله عزّ من قائل:

( لاَّ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) ( الممتحنة / ٨ ).

( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( الممتحنة ـ ٩ ).

وهاتان الآيتان تتضمّنان الإلفات إلى ما هو الأصل الرصين، والمحور الرئيسي

٤٣٥

في حدود مشروعية العلاقة مع الدول الخارجية عن إطار دائرة الدولة الإسلامية، وحصيلة ما يستفاد منهما: إنّ في الكافر أرضية تمهّد السبيل دائماً إليه، للغدر والخداع والخيانة لعدم وجود رادع نفسي يحول بينه وبين اقتراف ذلك، والآية الاُولى انطلاقاً من ذلك تحضّ على تجنّب اتّخاذ الكافر وليّاً وحليفاً.

ولكن ربّما يتّصف بعض الكفار بخصائص، وفضائل إنسانية محدودة تتخلّف معها تلك الظاهرة الغالبة عليهم، والمتأصّلة في نفوسهم، وانطلاقاً من ذلك سوّغ الإسلام في حدود معينة عقد روابط وأواصر شكلية معهم سواءً كانت سياسية أم اقتصادية، ولكن كل ذلك مرهون بتوفّر شرطين:

١ ـ عدم دخولهم أو مشاركتهم في قتال المسلمين.

٢ ـ عدم إخراجهم المسلمين من ديارهم.

وعند ذلك تتوفّر الأرضية الكفيلة بعقد وشائج البر وأواصر القسط وحفظ الحقوق.

وأمّا إذا أظهروا العداء للمسلمين عن طريق مقاتلتهم، ومحاربتهم وإخراجهم من أوطانهم، مصرّين على ذلك، فعندئذ تحرم موالاتهم، وإسداء البرّ إليهم بأي نحو من الأنحاء.

قال سيد قطب:

نهى سبحانه أشد النهي عن الولاء لمن قاتلوهم في الدين، وأخرجوهم من ديارهم، وساعدوهم على إخراجهم، وحكم على الذين يتولّونهم بأنّهم هم الظالمون، وهو تهديد يجزع منه المؤمن، ويتّقى أن يدخل في مدلوله المخيف، وتلك القاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد التي تتّفق مع طبيعة هذا الدين ووجهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية، وهي أساس شريعته الدولية التي تجعل حالة السلم بينه وبين الناس جميعاً هي الحالة الثانية لا بغيرها، إلّا وقوع الإعتداء الحربي

٤٣٦

وضرورة ردّه، أو خوف الخيانة بعد المعاهدة، وهي تهديد بالاعتداء والوقوف بالقوّة في وجه حرية الدعوة وحرية الاعتقاد، وهو كذلك اعتداء، وفيما عدا هذا، فهي السلم والمودة والبر والعدل للناس(١) .

وعلى ضوء ذلك يستفاد اُمور:

١ ـ إنّ الآيتين الثامنة والتاسعة مقيدتان لإطلاق الآية الاُولى الواردة في صدر السورة حيث تلفت إلى وجود قسمين من الكفّار بين محارب ومهادن موادع، فالاُولى تحرم موالاته مطلقاً، والثانية تجوّز بشروط حدّدت ذلك في إطار البرّ وإبداء القسط وبعبارة اُخرى يجب أن ينحصر التولّي في الملامح الظاهرية والوشائج الشكلية، كالتجارة والروابط السياسية، ولا يسوغ موآخاتهم في السرّاء والضرّاء، وعدّهم إخواناً وأحلافاً، ولا يباح إليهم بالأسرار، ولا يكاشفونهم بما يضمرونه، فإنّ ذلك ممّا لا يليق إلّا بإبدائه للمؤمنين خاصة.

٢ ـ إنّ بعض المفسّرين زعم أنّ قوله سبحانه:( فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ ) ( التوبة / ٥ ) ناسخ لمضمون الآية الثامنة المتقدّم ذكرها لأنّه يحكم بقتل المشركين بلاهوادة لا يمكن التوفيق بينه وبين ما دلّ على جواز إبرام العقود معهم:

ولكنّه زعم لا محصّل وراءه لأنّ ما ورد في سورة التوبة يختصّ بالمشرك المحارب بشهادة قوله سبحانه:( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( التوبة / ١٣ ).

وعلى ذلك فلا تنافي بين الآيتين في المضمون لاختلاف موضوعهما.

٣ ـ إنّ لسان قوله سبحانه:( لاَّ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ ) .

__________________

(١) في ظلال القرآن: ج ٢٨ ص ٦٦.

٤٣٧

وإن كان لسان رفع الحظر، ولكنّه لا يدل على أنّ البر والقسط بهم بعقد الأواصر معهم مباح بالمعنى المصطلح أي ما يقابل الواجب والمستحب وغيرهما، بل المراد هو كون ذلك جائزاً بالمعنى الأعم، ولا ينافي كونه واجباً في ظروف خاصة، ومستحبّاً في ظروف اُخرى وهكذا، وعلى الحاكم الإسلامي أن يتناول أوضاع المسلمين بالدراسة المتفحّصة، وينتخب ما هو الأوفق بمصلحة الاُمّة الإسلامية حتى لا يفوت عليهم ما هو الأصلح لحالهم، والأنسب بوضعهم.

وفي خاتمة المطاف نسترعي التفات القارئ الكريم إلى أنّ عمل بعض الدول الإسلامية التي قامت بعقد اتفاقية صلح مع الكيان الصهيوني الغاصب للقدس، يضاد ما صرّح القرآن الكريم به في الآيتين المتقدّمتين، والذي يهوّن الخطب أنّ هذه الدول إنّما ترفع شعار الإسلام بالاسم فقط دون امتلاك أي رصيد مضموني منه.

* * *

عود على بدء:

ذكرنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد أعدّ العدّة لغزو قريش في عقر دارها، والانتقام منها بوازع القصاص منها، لخيانتها ونقضها لبنود الميثاق الذي أبرمته مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستخلف على المدينة وذلك لعشر مضين من شهر رمضان، فصام رسول الله وصام الناس معه، ولـمـّا بلغ حد الترخّص أفطر، وأفطر أغلب من كان معه(١) .

__________________

(١) وقد روى سماعة عن الإمام الصادق انّه سأله عن الصيام في السفر، قال: لا صيام في السفر قد صام ناس على عهد رسول الله فسمّاهم العصاة فلا صيام في السفر إلّا الثلاثة أيام التي قال الله عز وجلّ في الحج.

وفي حديث آخر: إنّ رسول الله خرج من المدينة إلى مكّة في شهر رمضان، ومعه الناس

٤٣٨

ثم مضى حتى نزل ( مَرّ الظهران ) في عشرة آلاف من المسلمين وقد عميت الأخبار عن قريش، فلم يأتهم خبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يدرون ما هو فاعل، وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتحسّسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به، وقد كان العباس بن عبد المطلب قد غادر مكة متوجّهاً إلى المدينة ولقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ببعض الطريق ( الجحفة ) فاصطحبه.

فلمّا نزل رسول الله ( مرّ الظهران )، قال العباس بن عبد المطلب فقلت: واصباحَ قريش، والله لئن دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، انّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. قال: فركبت بغلة رسول الله البيضاء حتى جئت الأراك فقلت لعليّ: أجد من يخبر قريش بمكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليخرجوا إليه، فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، وآنذاك طرق سمعي كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيراناً قط، ولا عسكراً، قال: يقول « بديل »: هذه والله خزاعة حمشها(١) الحرب، قال: يقول أبو سفيان: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل ؟! قال: قلت نعم. قال: ما لك ؟ فداك أبي واُمّي قال: ويحك يا أباسفيان هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس واصباح قريش.

قال: فما الحيلة ؟ قال قلت: لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستامنه لك.

__________________

وفيهم المشاة، فلمّا انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر، ثمّ أفطر الناس معه وتمّ ناس على صومهم فسمّاهم العصاة، وإنّما يؤخذ بآخر أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . لاحظ الوسائل: ج ٧، الباب ١ و ١١ من أبواب من يصح فيه الصوم الحديث ١ و ٧.

(١) حمشها أي أحرقتها.

٤٣٩

قال: فدخلت على رسول الله، وقلت: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي قد آجرته. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذهب به إلى رحلك، فاذا أصبحت ائتني به، فلمّا جاء به إلى رسول الله مصبحاً، قال له رسول الله: ويحك أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنّه لا إله إلّا الله. قال: بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ما أحلمك وأكرمك وأوصلك.

ثمّ قال العباس بعد كلام دار بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين أبي سفيان: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً، قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان كان آمناً، ومن أغلق بابه كان آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فلمّا أراد أن ينصرف أبو سفيان، قال رسول الله: أجلسه بمضيق الوادي حتى تمرّ به جنود الله ويراها.

ثمّ إنّ أصحاب السيرة ذكروا استعراض جيش رسول الله أمام أبي سفيان(١) .

قال الواقدي: وعبّأ رسول الله أصحابه ومرّت قبائل على قادتها، والكتائب على راياتها، فكان أوّل من قدم رسول الله خالد بن الوليد في بني سليم وهم ألف، ثمّ مرّ على إثره الزبير بن العوام في خمسمائة، ومرّ بنو غفار في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبوذر الغفاري، ثمّ مضت أسلم في أربعمائة، ثمّ مرّت بنو عمرو بن كعب في خمسمائة، ثم مرّت مزينة في ألف، ثم مرّت جهينة في ثمانمائة، ثمّ مرّت بنو ليث وهم مائتان وخمسون، ثم مرّت أشجع وهم آخر من مرّ في ثلاثمائه.

وكلّما مرّت قبيلة كبروا ثلاثاً عندما حاذوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فلمّا مرّ سعد براية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نادى: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً.

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ٢ ص ٤٠٠ ـ ٤٠٤.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581