مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265438 / تحميل: 6062
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الرابع

الإمام الحسينعليه‌السلام ترجمته وفضائله

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مولده ووفاتهعليه‌السلام وعمره الشريف

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه ـ أولادهعليه‌السلام

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام :

ـ فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

ـ الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

ـ جملة من مناقب الحسينعليه‌السلام

٦ ـ الذرية والإمامة :

ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر

ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.

١٦١
١٦٢

الفصل الرابع :

الإمام الحسينعليه‌السلام

(ترجمته وفضائله)

١٠٦ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)

ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.

الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.

ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

١٠٧ ـ نسبه الشريف :

الإمام الحسينعليه‌السلام هو أحد أولاد الإمام عليعليه‌السلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنينعليها‌السلام .

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمةعليها‌السلام التي تزوجها الإمام عليعليه‌السلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن

١٦٣

والحسينعليهما‌السلام لا نقطعت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد تربيا في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان(١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسنعليه‌السلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين

إمامان ، قاما أو قعدا».

٢ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف

١٠٨ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف :

قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسنعليه‌السلام بخمسين ليلة.

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.

وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :

ولد الحسينعليه‌السلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.

وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :

ولد الحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.

وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :

الأشهر في ولادتهعليه‌السلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه‍ يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه‍ ، وهو قول الشيخ المفيد.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :

وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن عليعليهم‌السلام .

وروى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسنعليه‌السلام والحمل بالحسينعليه‌السلام إلا طهر واحد.

والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسينعليه‌السلام كانت بكربلاء يوم العاشر من

__________________

(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.

١٦٤

المحرم سنة ٦١ ه‍ ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت.ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليه‌السلام .

١٠٩ ـ معاصرته للمعصومينعليهم‌السلام :

وقد عاش الحسينعليه‌السلام من حياته مع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيهعليه‌السلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.

وحين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعده بقليل ، كان عمر الحسينعليه‌السلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه

١١٠ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

لما ولد الحسينعليه‌السلام جاءت به أمه فاطمةعليها‌السلام إلى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل

في فمه.

فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.

١١١ ـ اسمه الشريف :

يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).

وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم

١٦٥

كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيىعليه‌السلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.

وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسينعليهما‌السلام حتّى سمّى بهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.

وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :

عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم : ٧] الحسين بن عليعليهما‌السلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكرياعليه‌السلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.

١١٢ ـ ألقابهعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.

ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).

١١٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)

قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما سقط الحسينعليه‌السلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.

قالت صفية : فقبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟.قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.

١٦٦

(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسينعليه‌السلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.

١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :

(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)

في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام . فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمةعليها‌السلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعليعليه‌السلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسينعليه‌السلام .

ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.

١١٥ ـ رواية أم الفضل :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت :فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم

١٦٧

حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.

١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسينعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسينعليه‌السلام وجف لبنها.فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رزقا يغذوه.

ويقال : بل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه(١) . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :

يبدو من الروايات أن فاطمةعليها‌السلام لما ولدت بالحسينعليه‌السلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أرضعه.

والظاهر أن الحسينعليه‌السلام لما لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضع الحسينعليه‌السلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.

ولله درّ الشاعر حيث قال :

لله مرتضع لم يرتضع أبدا

من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة

لسانه ، فاستوت منه طبائعه

__________________

(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام

١٦٨

١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)

نبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذا كان يشمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».

يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :

أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أراقته سيوف بني أمية.وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :

ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد

حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا

منه ترضّ الصافنات ضلوعا

وقد تربّى الحسينعليه‌السلام في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :

يومان لم ترني الأيام مثلهما

فسرّني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

ويوم شمر على صدر الحسين رقى

١١٨ ـ أولاد الحسينعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :

ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.

ـ علي الأوسط : زين العابدينعليه‌السلام وكان مريضا في كربلاء.

ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.

ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.

ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهماعليه‌السلام .

ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقيةعليهم‌السلام .

* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.

١٦٩

والذكر المخلّد هو لزين العابدينعليه‌السلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

١١٩ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته :

(غصن الرسول : الحسين بن عليعليه‌السلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)

في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسينعليه‌السلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.

١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :

(المصدر السابق ص ٣٥)

روى ابن عساكر عن قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.

وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد:رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).

وعن الشعبي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام يتختّم في شهر رمضان.

وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسينعليه‌السلام

١٧٠

وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال :خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.

وقال المفيد في (الإرشاد) : كانعليه‌السلام يخضب بالحناء والكتم(١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه(٢) .

١٢١ ـ جمال الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)

كان الحسينعليه‌السلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).

وكان الحسنعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رأسه إلى صدره ، والحسينعليه‌السلام يشبه من صدره إلى رجليه.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسينعليه‌السلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال :أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أي أشبه أهل البيت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسينعليه‌السلام غنّة.

١٢٢ ـ نور وجههعليه‌السلام :

في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسينعليه‌السلام كان إذا جلس في المكان المظلم

__________________

(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.

١٧١

يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام

١٢٣ ـ بعض فضائل الحسينعليه‌السلام :

فضائل الإمام الحسينعليه‌السلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.

يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسينعليه‌السلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.

١٢٤ ـ وصف الإمام الحجةعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام في زيارة الناحية :

قال الحجة المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسينعليه‌السلام : كنت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.

١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسينعليه‌السلام :

في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسينعليه‌السلام ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

١٧٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : قال الحسنعليه‌السلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسينعليه‌السلام .

فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

١٢٦ ـ ما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)

قيل للحسينعليه‌السلام : ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال سمعته يقول :

«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.

وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».

١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)

عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا الحسينعليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :«أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».

١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره ، وهو يقول :

١٧٣

«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».

قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :

«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».

١٢٩ ـ الحسينعليه‌السلام سبط من الأسباط :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)

حدثنا الحسين بن عرفة عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.

١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)

روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن أو للحسينعليهما‌السلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».

١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :

(المصدر السابق)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فإني سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

وفي (القمقام) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . إنما الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».

فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.

١٧٤

١٣٣ ـ الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)

وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.

ألا وإن الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».

١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :

في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :

«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن عليعليهما‌السلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»

وفي رواية الشيخ الصدوق :

(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن اللهعزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).

ثم أخذ بيده ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».

١٣٥ ـ عوّض الله الحسينعليه‌السلام عن قتله بأربع خصال :

عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادقعليهما‌السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.

١٧٥

وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.

فضائل الحسينعليه‌السلام على لسان الصحابة

١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)

روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

١٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)

روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.

١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)

روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«هما ريحانتاي من الدنيا».

١٧٦

وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر تمام الحديث ، ثم قال :

حسن صحيح.

١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :

(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)

روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟.(وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».

وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ :والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».

رواية مشابهة عن الحسن البصري :

(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)

وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسينعليه‌السلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.

الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

١٤٠ ـ التشابه بين الحسينعليه‌السلام والقرآن :

(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)

ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسينعليه‌السلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.

١٧٧

قال الشيخ جعفر التستري :

* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسينعليه‌السلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.

* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل(١) ، والحسينعليه‌السلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.

* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال :( هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) ، وقد سمّى الله الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، فيقول :

«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».

* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسينعليه‌السلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.

١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسينعليه‌السلام في القرآن :

(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)

يقول الشيخ جعفر التستري :

١ ـ في بيان الحمل بهعليه‌السلام وولادته ، وهو قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].

__________________

(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :

السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.

١٧٨

ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام .

يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسينعليه‌السلام أيضا.

٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسنعليه‌السلام حين كفّ يده وصالح.( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليه‌السلام .

٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاتهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :( كهيعص ) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.

٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتلهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : يعني الحسينعليه‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.

٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٣٣) [الإسراء : ٣٣].فالحسينعليه‌السلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائمعليه‌السلام .( فَلا يُسْرِفْ فِي ) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.

٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنها نزلت في الحسينعليه‌السلام ،

١٧٩

لأن الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.

والمقصود( الْمَوْؤُدَةُ ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.

وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :

عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.

جملة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام

سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تشمل محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.

يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) :وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الحب للحسينعليه‌السلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.

١٤٢ ـ شدة حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)

قال ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الحسينعليه‌السلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.

ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

(أقول) : لم يستطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمع بكاء الحسينعليه‌السلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.

١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :

(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)

في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

عامّة فقال سبحانه:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ إلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة / ٨ ).

هذا وقد دلّت ـ على تشريع هذا الجهاد ـ مضافاً إلى ما ذكر من الآيات، أحاديث وروايات متضافرة نأتي ببعضها:

قال الإمام عليٌّعليه‌السلام :

« الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه

هو لباس التقوى ودرع الله الحصينة، وجنّته الوثيقة »(١) .

وقال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام :

« الجهاد الذي فضّله الله على الأعمال وفضّل عامله على العمّال تفضيلاً في الدرجات والمغفرة لأنّه ظهر به الدين، وبه يدفع عن الدين »(٢) .

إلى غير ذلك من الأحاديث المذكورة في المصادر المعتبرة.

ثمّ إنّ من يجب جهادهم على نحو الدفاع ثلاث طوائف:

١ ـ البغاة على الإمام من المسلمين، كالخوارج الذين خرجوا على الإمام عليّعليه‌السلام مثلاً.

٢ ـ أهل الذمّة، وهم اليهود والنصارى والمجوس إذا أخلّوا بشرائط الذمّة.

٣ ـ من ليس لهم كتاب إذا قاموا بمؤامرة ضد المسلمين.

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ٢٧.

(٢) في هذا الحديث إشارة إلى كلا النوعين من الجهاد ( الدفاعي والتحريري ) فقولهعليه‌السلام : لأنّه ظهر به الدين، إشارة إلى الثاني، وقولهعليه‌السلام : وبه يدفع عن الدين، إشارة إلى الأوّل.

٥٠١

هذه هي لمحةٌ خاطفة عن حقيقة الجهاد الدفاعي ودوافعه وخصائصه، وأمّا معرفة مسائله وفروعه وأحكامه التفصيليّة فمتروكة إلى الكتب الفقهية المفصّلة(١) .

* * *

الجهاد التحريري ( الإبتدائي )

لقد شرع الإسلام ـ إلى جانب الجهاد الدفاعي ـ نوعاً آخر من الجهاد، هو الجهاد الإبتدائي الذي يجدر أن يسمّى بالجهاد التحريري.

وتتلخّص دوافع هذا النوع من الجهاد في اُمور عديدة نشير إلى ثلاثة منها، تاركين للقارئ الكريم مراجعة الكتب الفقهية المطوّلة المفصّلة لمعرفة بقيّة هذه الدوافع، والأسباب.

١ ـ تحرير البشريه من الشرك

إنّ أهم دوافع الجهاد التحريري هو محاربة الوثنيّة والشرك، وتحرير البشريّة من إتّخاذ أي معبود سوى الله.

فالإسلام يأمر بعبادة الله وحده، وينهي عن اتّخاذ أي معبود سواه.

يقول الله سبحانه:

( وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ ) ( القصص / ٨٨ ).

وهي حقيقة تدركها الفطرة البشرية السليمة ولكن هذه الفطرة قد تنحرف وتحيد عن مسيرها الصحيح بفعل المؤثّرات والدعايات وتضليل المضلّلين.

وهنا يفرض الدين على أتباعه أن يجاهدوا لتحرير العقول من قيودها، وتخليص الفطرة الإنسانية المنحرفة من براثن الوثنيّة بكل وسيلة ممكنة.

__________________

(١) شرائع الإسلام، كتاب الجهاد، الركن الثاني ـ مع شروحه ‍.

٥٠٢

وليس هذا ممّا يخالف حرية الإنسان في اتّخاذ المعتقد الذي يريد، لأنّ الحرية ليست مطلوبة على إطلاقها.

ثمّ إنّ تخليص البشرية من براثن الوثنية إنّما هو خدمة للبشرية وإحياء لها، وإنقاذاً لشخصيّتها من ذلّ الخضوع تجاه الموجودات الحقيرة.

وهذا أمر ضروري حتّى إذا لم يدرك البشر أهمّيته، أو امتنع من قبوله تمشّياً مع هواه.

فلو أنّ وزارة الصحّة ـ مثلاً ـ أرادت تلقيح الناس باللقاح الصحّي ضد مرض داهم، أو وباء قادم، لزم على الجميع قبول هذا الأمر، ولم يكن لأحد الامتناع عن ذلك بحجّة أنّه حرّ لا يجوز إكراهه على شيء.

فلا تسمع منه هذه الحجّة، ولا يقبل منه هذا الرفض، حفاظاً على الصحّة العامّة وصيانة للمجتمع من العدوى.

ويعتبر هذا الإكراه والإلزام بهذا الأمر العقلائي رحمة له، ولطفاً به لا ظلماً وعدواناً.

إنّ عبادة الوثن تجعل عابد الوثن أذل من الصنم الذي نحته بيديه وإلى ذلك يشير سبحانه ـ مستنكراً ـ:( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ) ؟ ( الصافّات / ٩٥ ).

ثمّ إنّ الخضوع للوثن يوجب إنحطاط الفكر الإنساني ووقوعه في الخرافات التي هي بمثابة القيود والأغلال للفكر البشري، تمنعه عن الانطلاق في مدارج الرقي والتكامل، وتحجز النفس الإنسانية من نموّ الفضائل والسجايا الخلقية الكريمة.

هذا مضافاً إلى أنّ عبادة الأوثان والأصنام توجد اختلافاً وتحزّباً بين البشر، وتفرّق وحدته، وتمزّق صفّه إذ كل جماعة تتّخذ وثناً خاصّاً تعبده وتتمسّك به، وتنفي سواه، وفي ذلك ضرر عظيم على حياة البشرية لا يقلّ عن خطر الطاعون والوباء، وفي ذلك يقول الله حاكياً عن لسان يوسف:

( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ( يوسف / ٣٩ ).

٥٠٣

ولهذا يرى الإسلام محاربة هذا الوباء الفكري، واقتلاعه من الجذور.

ومن هنا أقدم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله عند فتحه « مكّة » على كسر الأصنام الموضوعة في البيت الحرام، وأمر كل صاحب وثن أن يحطّم وثنه، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل ذلك كلّما فتح منطقة من مناطق الجزيرة(١) .

نعم صحيح أنّ للتبليغ والدعوة أثراً لا ينكر في إيقاظ الأفكار، وفكّها من أسارها، بيد أنّه أثر محدود لا يعرفه إلّا الزمر الواعية، المثقّفة، القادرة على إستيعاب التوجيهات والمواعظ.

ولأجل ذلك يجب على إمام المسلمين قبل نشوب الحرب بين المسلمين وأعدائهم أن يدعو الكفّار والأعداء إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ويبالغ في إيقاظهم وتوعيتهم ودعوتهم وإتمام الحجّة عليهم.

قال صاحب شرائع الإسلام:

« ولا يبدأون إلّا بعد الدعاء إلى محاسن الإسلام ويكون الداعي الإمام أو من نصّبه »(٢) .

وقد دلّت على ذلك من السنّة روايات متضافرة منها ما ورد عن السكوني عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن فقال: يا عليُّ لا تقاتلنّ أحداً حتّى تدعوه إلى الإسلام، والله لئن يهدينّ الله على يديك رجلاً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا عليّ »(٣) .

وعن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال:

__________________

(١) سيرة ابن هشام: ج ٢ ص ١٤٣.

(٢) شرائع الإسلام، كتاب الجهاد، الركن الثاني.

(٣) مستدرك الوسائل: ج ١١ الباب ٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ١.

٥٠٤

« لا يغزَ قوم حتّى يدعوا »(١) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً أنّه قال:

« لا تقاتل الكفّار إلّا بعد الدعاء »(٢) .

وقد سئل الإمام زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام عن كيفيّة الدعوة إلى الدين:

فقال: تقول: « بسم الله الرحمن الرحيم ـ أدعوك إلى الله عزّ وجلّ وإلى دينه وجماعه أمران: أحدهما: معرفة الله عزّ وجلّ والآخر: العمل برضوانه، وإنّ معرفة الله عزّ وجلّ أن يعرف بالوحدانية والرأفة والرحمة والعزّة، والعلم والقدرة والعلوّ على كل شيء، وأنّه النافع الضار القاهر لكل شيء الذي لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وإنّ ما جاء به هو الحق من عند الله عزّ وجلّ وما سواه هو الباطل ».

فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين(٣) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال:

« أوّل حدود الجهاد الدعاء إلى طاعة الله من طاعة العباد، وإلى عبادة الله من عبادة العباد وإلى ولاية الله من ولاية العباد »(٤) .

بل ولو أنّ أحداً من المشركين إستأمن وأراد أن يسمع كلام الله اُعطي الأمان، ثمّ اُعيد إلى مأمنه، سواء كان قبل نشوب الحرب أو في أثنائه.

قال الله سبحانه:

( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ

__________________

(١) و (٢) مستدرك الوسائل: ج ١١ الباب ٩ من أبواب جهاد العدو الحديث ٢، ٣.

(٣) وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٣١، باب كيفية الدعاء إلى الإسلام من أبواب الجهاد.

(٤) وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٧.

٥٠٥

ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) ( التوبة / ٦ ).

غير أنّ الدعوة والتبليغ ربّما تؤثّر في بعض الأشخاص ولا تؤثّر في آخرين، خصوصاً إذا كان الدين يهدّد مصالحهم ومطامعهم ولذلك وجبت محاربتهم إذ لا يكون الخير والإصلاح حينئذٍ إلّا بالسيف، ومنطق القوّة:

وإلى هذا أشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله:

« الخير كلّه في السيف، وتحت ظلال السيف، ولا يقيم الناس إلّا السيف »(١) .

فرض العقيدة ممنوع

قد يتوهّم الجاهل بمعالم الدين الإسلامي وأحكامه أنّ الهدف من الجهاد التحريري إنّما هو فرض العقيدة الإسلامية على الناس فرضاً.

ولكن هذا ظنّ واضح البطلان معلوم الضعف لمن له معرفة بطبيعة الدعوة الإسلامية.

فإنّ الإسلام الذي يشجب ويستنكر على بعض الناس اتّباعهم لعقائد آبائهم وأجدادهم الباطلة، كيف يجوّز لأتباعه أن يحملوا الناس على العقيدة الإسلامية دون أن يسمحوا لهم بأن يفكّروا ويحقّقوا ويفتّشوا عن المعتقد الحق، ليعتنقوه بالبرهان والدليل ؟

إنّ اعتناق العقيدة أي عقيدة يجب أن يكون حسب نظر الإسلام قائماً على أساس البحث والفحص والتحقيق ومرتكزاً على البرهان والدليل، ولذلك فهو يقبح اتّباع السلف دون مراجعة لعقائدهم، وتحقيق في صحّتها أو بطلانها إذ قال سبحانه:

( وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا

__________________

(١) وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٥.

٥٠٦

عَلَىٰ أُمَّةٍ ( أي طريقة )وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ *قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ *فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ) ( الزخرف / ٢٣ ـ ٢٥ ).

وقال سبحانه:

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ) ( البقرة / ١٧٠ ).

وبتعبير آخر: إنّ الإسلام ذمّ التقليد في الاُصول والعقائد والجري على سنن الآباء والأجداد بلا تأمّل ولا تدبّر، وطالب بالتفكّر والتعقّل فكيف يأمر أتباعه بأن يفرضوا العقيدة الإسلامية على الآخرين بقوّة النار والحديد.

كيف وقد صرّح بحرية الإعتقاد بقوله سبحانه:

( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ( البقرة / ٢٥٦ ).

إنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ الإختلاف الفكري، والتنافس الإيديولوجي أمر غريزي طبيعي، ولذلك فهو باق إلى يوم القيامة ولا يمكن إزالته من رأس، ولا يصحّ إلغاؤه بالمرّة.

قال سبحانه:

( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) ( هود / ١١٨ ).

إنّ القرآن الكريم ينهي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله عن فرض العقيدة الإسلامية على الناس لأنّ الله شاء لهم أن يكونوا أحراراً في ذلك وهو في الوقت نفسه يعطينا درساً في مجال التبليغ والدعوة يجب أن نسير على ضوئه، فيقول:

( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ( يونس / ٩٩ ).

٥٠٧

إذن فلم يكن الجهاد التحريري في مجال ( تحرير البشريّة من الشرك ) بفرض العقيدة على الناس أو حملهم على الخضوع لمنهج الدين دون اختيار منهم أو إرادة حرّة، بل هناك دواع وعلل للجهاد التحريري وهي التي نتلوها عليك.

٢ ـ كسر الموانع المفروضة على الشعوب

إنّ هناك داعياً آخر لتشريع عنوان الجهاد التحريري وهو وضع الاغلاق المفروضة على الشعوب، وإسقاط الحكومات التي تمنع من وصول الإسلام إلى الناس وتقيم سدوداً بينهم وبين العقيدة الحقّة وتسلب حريّاتهم، وتكرههم على اتّخاذ عقيدة خاصّة، والمشي على حسب منهج خاص وإن كانوا لا يرتضونه.

وبهذا يكون الجهاد التحريري لرفع الموانع والحواجز المانعة عن وصول العقيدة الحقّة إلى الناس، وتحريرهم من تلك القيود حتى يمكنهم اختيار الدين الإسلامي بعد الاطّلاع على محاسنه، وتبليغ معالمه إليهم.

٣ ـ تخليص المستضعفين من الظالمين:

إنّ الهدف الثالث من أهداف الجهاد التحريري هو إنقاذ الشعوب من اضطهاد الحكّام الجائرين، واستبدادهم وظلمهم.

فهو إذن شُرّع لتحرير المستضعفين وتخليصهم من عسف الحكّام، وكبتهم، وحيث إنّ هذا الهدف لا يتحقّق إلّا باستخدام القوّة وحمل السلاح والمقاتلة والغزو إتّخذ الإسلام طريق الجهاد، فقال القرآن الكريم:

( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) ( النساء / ٧٥ ).

٥٠٨

وقد وردت الإشارة إلى هذا الهدف في تصريحات بعض المسلمين الذين خرجوا لفتح البلاد وإنقاذ المستضعفين من حكّامهم الجائرين قال: إنّ سعد بن أبي وقاص أرسل ربعي بن عامر ليكلّم قائد القوات الفارسية فلمّا دنا من « رستم » جلس على الارض وركّز رمحه على البسط فقال له: ما حملك على هذا ؟ قال: إنّا لا نستحب القعود على زينتكم، فقال له ترجمان رستم واسمه « عبود » من أهل الحيرة: ما جاء بكم ؟ قال: الله جاء بنا وهو بعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الاسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه، فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه دوننا، ومن أبىٰ قاتلناه حتى نفضي إلى الجنّة أو الظفر(١) .

إذن لم يكن تشريع هذا الجهاد لفرض الاستيلاء على الأراضي، أو بهدف السيطرة على منابع الثروة، أو استعمار الشعوب كما هو هدف الحروب غير الإسلامية في الماضي والحاضر.

كما أنّ الإسلام ينهي عن العدوان لبعض الأسباب التي تعود إلى المسائل الشخصية، والقضايا الفردية، التي لا تنطوي على مصلحة الإسلام والمسلمين الكلّية ...، وفي هذا الصدد يقول القرآن الكريم:

( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ) ( المائدة / ٢ ).

وبما أنّ الجهاد التحريري ينطوي على أحكام دقيقة، وظرفية، لا يعرفها إلّا الإمام العادل العارف بالدين، والعالم بالظروف لم يجز أن يقوم المسلمون بهذا الجهاد إلّا بقيادة ( إمام معصوم ) أو من ينوب منابه في السلطة الدينية والزمنية، نعم في مشروعية الجهاد التحريري في غياب الإمام المعصوم بحث مفصّل، فلاحظ الكتب الفقهية.

__________________

(١) الكامل لابن الأثير: ج ٢ ص ٣٢٠ حوادث عام ١٤ من الهجرة النبوية.

٥٠٩

وإلى هذا أشار الإمام الصادقعليه‌السلام بقوله:

« والجهاد واجب مع إمام عادل »(١) .

نعم هناك كلمة أخيرة على هامش كلا الجهادين وهي:

إنّه يجب على الدولة الإسلامية ـ قبل نشوب أيّة حرب ـ إعداد المسلمين وتجهيزهم بكل ما تستطيع من أنواع القوّة الحربية في كل زمان بحسبه، على أن يكون القصد الأوّل من ذلك هو إرهاب العدو، وإخافته من عاقبة التعدّي على بلاد الاُمَّة الإسلامية أو مصالحها، أو على أفراد منها، أو متاع لها حتى في غير بلادها، لأجل أن تكون آمنة في عقر دارها مطمئنّة على أهلها ومصالحها وأموالها، ولكي تحظىٰ بالإحترام اللائق بها في الساحة الدولية، إذ يقول القرآن الكريم:

( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ( الأنفال / ٦٠ ).

ويبقى أن نقول: إنّ القتال والنضال بما هو هو ليس أمراً قبيحاً وإنّما يصطبغ بالحسن أو القبح بالغايات المحدّدة للقتال والنضال.

فلو كان القتال والنضال بهدف الاعتداء والتجاوز على النفوس والأعراض والأموال والحرمات فيكون القتال أمراً منكراً، ويعد وحشيّة همجيّة، ويكون المباشر له حيواناً ضارياً تلبّس بالإنسانية.

وإذا كان القتال لحفظ الشرف والإنسانية ومنع المعتدين عن الإعتداء، وغير ذلك من الأهداف المشروعة المذكورة سلفاً، فلا يكون قبيحاً بل يعتبر وظيفة إنسانية.

هذه دراسة عابرة عن الجهاد التحريري حقيقة وأهدافاً وفلسفة، والتفصيل موكول إلى محلّه في الكتب الفقهية المفصّلة. وأمّا الأدب فإليك البيان.

__________________

(١) وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٣٥.

٥١٠

رعاية الأخلاق في الحرب

إنّ وقائع الحروب تشهد بأنّ الجبابرة والطواغيت ينسون ـ عند نشوب الحروب ـ كل القيم الإنسانية، والاُصول الأخلاقية، فيرتكبون كل جريمة، ويقترفون كل جناية دون أن يردعهم عن ذلك رادع، أو يتقيّدوا في القتال بقانون.

وليس هذا أمر يتّصل بالماضي، فساحات المعارك اليوم، وما تشهده من فظائع، خير دليل على ما ذكرناه.

صحيح أنّ هناك أعرافاً دولية، وقوانين عالمية للحروب، ولكن من الصحيح أيضاً أنّ رعاية هذه القوانين والأعراف ضئيلة، أو كادت أن تكون مفقودة أصلاً.

هذا مضافاً إلى أنّ هذه القوانين والأعراف لا تكون ـ في الأغلب ـ شاملة، أو كافية.

غير أنّ الإسلام سنّ للحرب والقتال حدوداً دقيقة من شأنها أن تجعل الحرب في إطار الأخلاق والقواعد الإنسانية ولم يكتف بمجرّد تشريعها ووضعها، بل عمل بها في كافة حروبه ووقائعه.

من هنا يجب علينا أن نقف على هذه الحدود، لنتعرّف على مدى رحمة الإسلام وإنسانيّته، وعدالته، حتى في الحروب حيث يفقد المقاتلون توازنهم عادة، فلا يتورّعون عن ارتكاب كل كبيرة وصغيرة، وتشهد على ذلك الحروب العالميّة وخاصّة ( الاُولى والثانية )، وكذا الحروب التي شنّها الغرب على الشرق في مختلف المناطق في القرن الحاضر، ونخصّ بالذكر المعارك الدامية بين الإستعمار الفرنسي، والشعب الجزائري البطل، والإستعمار الأمريكي والشعب الفيتنامي، والإستعمار الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، وما جرى في هذه الحروب من الممارسات الوحشيّة المروّعة على يد هذه القوى الإستعمارية.

٥١١

١ ـ الآمنون في الحرب

لـمّا كانت العدالة الإجتماعية هي المطلب الأقصى للإسلام، ولم تكن للحرب أصالة في منطقه، ولم تكن بنفسها هدفاً بل شرّعت لدفع المعتدين وإزالتهم عن طريق الدعوة الحقّة، اقتضى ذلك كلّه أن لا يهاجم إلّا على الظالمين ولذا قال القرآن الكريم:

( فَلا عُدْوَانَ إلّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) ( البقرة / ١٩٣ ).

ولأجل ذلك نهى الإسلام عن قتل طائفة من الناس إذا لم يكونوا يساندون الأعداء الظالمين ولا يقاتلون، وهؤلاء هم:

١ ـ النساء.

٢ ـ الولدان.

٣ ـ المجانين.

٤ ـ الأعمى.

٥ ـ الشيخ الفاني.

٦ ـ المقعد.

وقد دلّت على ذلك أحاديث متضافرة منها ما عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:

« نهى رسول الله عن قتل المقعد والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في دار الحرب »(١) .

٢ ـ تمالك النفس

لا ريب أنّ الحرب سبب قوي لغليان المشاعر وارتفاع سورة الغضب إلى

__________________

(١) فروع الكافي: ج ٥ ص ٢٨ ح ٦.

٥١٢

أقصاه ولهذا ربّما يؤدّي إلى ارتكاب أقسى ألوان الجريمة في حقّ الخصم.

ومن هنا يجب أن يعطى زمام الحرب للعقل لا للمشاعر الملتهبة، والأحاسيس المشتعلة.

ولقد أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تعاليم كلّية في الحرب، كان يوصي بها كل جيش يبعثه، وكل سرية يرسلها.

وإليك فيما يأتي نموذجاً من الأحاديث التي أدّب فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام المجاهدين والمقاتلين بآداب، وتعاليم خاصة، تكفل إنسانية الحروب وعدالتها.

عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال:

« كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثمّ يقول:

سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، لا تغلوا، ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلّا أن تضطرّوا إليها.

وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار، حتّى يسمع كلام الله فإن تبعكم، فأخوكم في الدين، وإن أبىٰ فابلغوه مأمنه، واستعينوا بالله »(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنّه قال:

إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا بعث أميراً له على سرية أمره بتقوى الله عزّ وجل في خاصّة نفسه، ثمّ في أصحابه عامّة، ثمّ يقول:

اُغز باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليداً، ولا متبتّلًا في شاهق، ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ،

__________________

(١) وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٤٣.

٥١٣

ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه. ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لابدّ لكم من أكله، وإذا لقيتم عدوّاً للمسلمين فادعوهم الخ الحديث »(١) .

بل ونص بعض الفقهاء على أنّ المرأة لا تقتل حتّى لو كانت تعاون الأعداء، لأنّ النساء مستضعفات غالباً، وهنّ يرغمن على القيام بمثل هذا التعاون إرغاماً.

قال المحقّق الحلّي في المختصر النافع:

« ولا تقتل نساؤهم ولو عاون إلّا مع الإضطرار »(٢) .

وهذا يجسّد منتهى الرحمة والإنسانية التي يتحلّى بها الدين الإسلامي.

وقد جاء في غزوة بدر أنّ عمر بن الخطاب قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا رسول الله دعني أنزع ( أقلع ) ثنيّتي سهيل بن عمرو، ويدلع لسانه ( وكان سهيل خطيباً يهرّج ضد النبي ) فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« لا اُمثّل به فيمثّل الله بي وإن كنت نبيّاً »(٣) .

إنّ المقارنة بين هذه التعاليم والمواقف الإسلامية والجنايات والجرائم الوحشية التي ارتكبتها الدول الكبرى في مستعمراتها كالجزائر وفيتنام وغيرهما، توقفنا على إنسانيّة الدين الإسلامي ورحمته في الحرب.

__________________

(١) وسائل الشيعة: ج ١١ ص ٤٤.

(٢) المختصر النافع، كتاب الجهاد ص ١١٢ طبع القاهرة.

(٣) سيرة ابن هشام: ج ٢ ص ٦٤٢.

٥١٤

٣ ـ منع ممارسة الأساليب الوحشية

إنّ الإسلام يحرّم إهلاك العدو بالطرق غير الإنسانية مثل إلقاء السم في الماء أو قطعه عنهم، أو إرساله على مُخيّمهم لغرقهم، أو حرقهم بالنار.

وفي ذلك يقول المحقّق الحلّي في المختصر النافع:

« ويجوز المحاربة بكل ما يرجى به الفتح »(١) .

ثمّ قال:

« ويكره يإلقاء النار، ويحرم بإلقاء السم »(٢) .

وقال العلّامة الحلّي في تبصرة المتعلّمين:

« ويجوز المحاربة بسائر أنواع الحرب، إلّا إلقاء السم في بلادهم »(٣) .

ثمّ ها هو الإمام عليٌّعليه‌السلام في صفّين بعد الإستيلاء على الشريعة لا يمنع جيش معاوية عن الماء، وإن كان معاوية قد فعل ذلك من قبل(٤) .

إلى هذه الدرجة الرفيعة من الرحمة والشفقة تبلغ رحمة الإسلام، بينما لا تتورّع الدول الكبرى عن قصف الشعوب المقهورة بقنابل النابالم، وغيرها من الوسائل والأدوات الحربية الفتّاكة المروّعة.

ومن الذي لا يمكن أن ينسىٰ ما فعلته الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية حينما قصفت هيروشيما، وناكازاكي بالقنابل الذريّة، فأبادت ما يقارب نصف مليون، وحذف ذينك البلدين من الخريطة الجغرافية بحجّة التعجيل في إنهاء الحرب، كما قال ترومن رئيس الجمهوريّة الأمريكي الأسبق عام ١٩٤٥ م ؟

__________________

(١) و (٢) المختصر النافع، كتاب الجهاد: ص ١١٢.

(٣) تبصرة المتعلّمين: كتاب الجهاد ص ٨١.

(٤) راجع وَقْعة صفّين لابن مزاحم: ص ١٦٦ ـ ١٦٧ ( طبعة مصر ).

٥١٥

٤ ـ أمان الكفّار:

إنّ الإسلام ـ بحكم كونه رسالة إلهية ودعوة سماويّة لهداية الإنسان ـ يحرص على دخول الأفراد في صفوف أتباعه، والإنضواء تحت لوائه عن رغبة وإرادة.

ولتحقيق هذا الهدف الأسمى نجد الإسلام يسمح بإعطاء الأمان لكلّ من يطلب ذلك من الكفّار لكي يسمع منطق الإسلام، ويتعرّف على تعاليمه، سواء كان ذلك عند نشوب الحرب، أو في غير الحرب.

بل إنّ الإسلام يعطي الحق لكلّ مسلم أن يمنح الأمان لمن شاء، ولو كان لغير الهدف المذكور.

قال المحقّق الحلّي في الشرائع:

« ويجوز أن يذمَّ الواحدُ من المسلمين لآحاد من أهل الحرب »(١) .

وقال في المختصر النافع:

« ويذم الواحد من المسلمين للواحد، ويمضي ذمامه على الجماعة ولو كان أدونهم »(٢) .

ثمّ إنّ ما يدلّ على مدى عناية الإسلام وحرصه على الدماء أنّه يجير حتّى من دخل في حوزة المسلمين بشبهة الأمان وظنّه فهو مأمون حتّى يرد إلى مأمنه دون أن يصيبه أذى.

قال المحقّق في الشرائع:

« وكذا كلّ حربي دخل في دار الإسلام بشبهة الأمان كان يسمع لفظاً فيعتقده أماناً، أو يصحب رفقة فيتوهّمها أماناً »(٣) .

__________________

(١) شرائع الإسلام، كتاب الجهاد في الذمام، وراجع الجواهر: ج ٢١ ص ٩٦.

(٢) المختصر النافع، كتاب الجهاد: ص ١١٢.

(٣) الشرائع، كتاب الجهاد: ج ١ ص ٣١٣ ـ ٣١٤.

٥١٦

وقال في المختصر النافع:

« ومن دخل بشبهة الأمان فهو آمن حتّى يردّ إلى مأمنه »(١) .

وتدلّ على هذا أحاديث منها عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:

« لو أنّ قوماً حاصروا مدينة فسألوهم الأمان، فقالوا: لا، فظنّوا أنّهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين »(٢) .

ومن مظاهر العدل والمساواة أنّ الإسلام يجيز أمان العبد المسلم كما يجيز أمان الحر المسلم سواء بسواء.

ويدلّ على هذا الحكم الإسلامي العظيم روايات عديدة منها ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام لـمّا سأله السكوني عن معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يسعى بذمّتهم أدناهم » قالعليه‌السلام :

« لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل، فقال: اعطوني الأمان حتّى ألقى صاحبكم واُناظره فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به »(٣) .

وعن الصادقعليه‌السلام أيضاً أنّه قال:

إنّ عليّاًعليه‌السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون وقال:

« هو من المؤمنين »(٤) .

ولقد روى الجزري في تاريخه الكامل: « إنّ المسلمين نزلوا بجنديسابور فأقاموا عليها يقاتلونهم، فرمي إلى من بها من عسكر المسلمين بالأمان. فلم يفجأ المسلمين إلّا وقد فتحت أبوابها، وأخرجوا أسواقهم، وخرج أهلها، فسألهم المسلمون، فقالوا: رميتم بالأمان، فقبلناه، وأقررنا بالجزية على أن تمنعونا.

__________________

(١) المختصر النافع، كتاب الجهاد: ص ١١٢.

(٢) وسائل الشيعة: ج ١٥ ص ٥٠.

(٣) و (٤) وسائل الشيعة: ج ١٥ ص ٤٩ و ٥٠.

٥١٧

فقال المسلمون: ما فعلنا .

وسأل المسلمون فيما بينهم، فإذا عبد يدعىٰ « مكثفاً » كان أصله منها، فعل هذا.

فقالوا: هو عبد.

فقال أهلها: لا نعرف العبد من الحر، وقد قبلنا الجزية، وما بدّلنا، فان شئتم فاغدروا. فكتبوا لعمر فأجاز أمانهم، فأمّنوهم وانصرفوا عنهم »(١) .

وهذا هو نموذج واحد من سلوك المسلمين في هذا المجال يجد نظائره كل من راجع التاريخ الإسلامي.

__________________

(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري: ج ٢ ص ٣٨٧ ـ ٣٨٨.

٥١٨

(١٣)

واقعة الغدير

لا شكَّ في أنّ الدين الإسلامي دين عالمي، وشريعة خاتمة، وقد كانت قيادة الاُمّة الإسلامية من شؤون النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله مادام على قيد الحياة، وكان عليه أن يوكل مقام القيادة من بعده إلى أفضل أفراد الاُمّة وأكملهم.

إنّ في هذه المسألة وهي أنّ منصب القيادة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هل هو منصب تنصيصي تعييني أو أنّه منصب انتخابي ؟ هناك اتّجاهين:

فالشيعة ترى أنّ مقام القيادة منصب تنصيصي، ولابد أن ينصّ على خليفة النبي من السماء، بينما يرى أهل السنّة أنّ هذا المنصب انتخابي جمهوري، أي أنّ على الأمّة أن تقوم بعد النبي باختيار فرد من أفرادها لإدارة البلاد.

إنّ لكل من الاتّجاهين المذكورين دلائل، ذكرها أصحابهما في الكتب العقائدية، إلّا أنّ ما يمكن طرحه هنا هو تقييم ودراسة المسألة في ضوء دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة، فانّ هذه الدراسة كفيلة باثبات صحّة أحد الاتّجاهين.

إنّ تقييم الأوضاع السياسية داخل المنطقة الاسلامية وخارجها في عصر الرسالة يقضي بأنّ خليفة النبي لابد أن يعيَّن من جانب الله تعالى، ولا يصحّ أن يوكل هذا إلى الأمّة، فانّ المجتمع الإسلامي كان مهدّداً على الدوام بالخطر الثلاثي ( الروم ـ الفرس ـ المنافقين ) بشنّ الهجوم الكاسح، وإلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين.

كما أنّ مصالح الأمّة كانت توجب أن يوحّد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر الخارجي، وذلك بتعيين قائد سياسي من بعده، وبذلك يسد الطريق على

٥١٩

نفوذ العدو في جسم الاُمّة الإسلامية والسيطرة عليها، وعلى مصيرها.

وإليك بيان وتوضيح هذا المطلب:

لقد كانت الامبراطورية الرومانية أحد أضلاع الخطر المثلث الذى يحيط بالكيان الإسلامي، ويهدّده من الخارج والداخل.

وكانت هذه القوة الرهيبة تتمركز في شمال الجزيرة العربية، وكانت تشغل بال النبي القائد على الدوام، حتى أنّ التفكير في أمر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتى لحظة الوفاة، والالتحاق بالرفيق الأعلى.

وكانت أول مواجهة عسكرية بين المسلمين، والجيش المسيحي الرومي وقعت في السنة الثامنة من الهجرة في أرض فلسطين، وقد أدّت هذه المواجهة إلى مقتل القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم « جعفر الطيار » و « زيد بن حارثة » و « عبد الله بن حارثة ».

ولقد تسبّب انسحاب الجيش الإسلامى بعد مقتل القادة المذكورين إلى تزايد جرأة الجيش القيصري المسيحي، فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرّض عاصمة الإسلام للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش.

من هنا خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة التاسعة للهجرة على رأس جيش كبير جداً إلى حدود الشام ليقود بنفسه أيّة مواجهة عسكرية، وقد استطاع الجيش في هذه الرحلة الصعبة المضنية أن يستعيد هيبته الغابرة، ويجدد حياته السياسية.

غير أنّ هذا الانتصار المحدود لم يقنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأعدّ قُبيل مرضه جيشاً كبيراً من المسلمين، وأمّر عليهم « اُسامة بن زيد »، وكلّفهم بالتوجّه إلى حدود الشام، والحضور في تلك الجبهة.

أمّا الضلع الثاني من المثلث الخطير الذي كان يهدد الكيان الإسلامي، فكان

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581