مفاهيم القرآن الجزء ٧

مفاهيم القرآن10%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-223-4
الصفحات: 581

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 581 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 265914 / تحميل: 6072
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢٣-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يده مع يد الذّابح، ويسمّي الله تعالى، ويقول « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ » إلى قوله « وأنا من المسلمين » ثمَّ يقول: « اللهم منك ولك. بسم الله، والله أكبر. اللهمّ تقبّل منّي » ثمَّ يمرّ السّكين. ولا ينخعه حتّى يموت. ومن أخطأ في الذّبيحة، فذكر غير صاحبها، كانت مجزئة عنه بالنّيّة. وينبغي أن يبدأ أيضا بالذّبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذّبح. فإن قدّم الحلق على الذّبح ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن السّنّة أن يأكل الإنسان من هديه لمتعته، ومن الأضحيّة ويطعم القانع والمعترّ: يأكل ثلثه، ويطعم القانع والمعترّ ثلثه، ويهدي لأصدقائه الثّلث الباقي. وقد بيّنّا أنه لا يجوز أن يأكل من الهدي المضمون إلّا إذا كان مضطرّا. فإن أكل منه من غير ضرورة، كان عليه قيمته. ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادّخارها. ولا يجوز أن يخرج من منى من لحم ما يضحّيه. ولا بأس بإخراج السّنام منه. ولا بأس أيضا بإخراج لحم قد ضحّاه غيره. ويستحبّ أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي، بل يتصدّق بها كلّها. ولا يجوز أيضا أن يعطيها الجزّار. وإذا أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك، تصدّق بثمنه.

ولا يجوز أن يحلق الرّجل رأسه، ولا أن يزور البيت، إلا بعد الذّبح، أو أن يبلغ الهدي محلّه. وهو أن يحصل في رحله

٢٦١

فإذا حصل في رحله بمنى، وأراد أن يحلق، جاز له ذلك. ومتى فعل ذلك ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفّارة، ولم يجدها، كان عليه سبع شياه. فإن لم يجد، صام ثمانية عشر يوما إمّا بمكّة أو إذا رجع إلى أهله.

والصّبيّ إذا حجّ به متمتّعا، وجب على وليّه أن يذبح عنه.

ومن لم يتمكّن من شراء هدي، إلّا يبيع بعض ثيابه التي يتجمّل بها، لم يلزمه ذلك، وكان الصوم مجزئا عنه.

ويجزي الهدي عن الأضحيّة. وإن جمع بينهما، كان أفضل. ومن لم يجد الأضحيّة، جاز له أن يتصدّق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها، نظر إلى الثّمن الأوّل والثّاني والثّالث، وجمعها ثمَّ يتصدّق بثلثها، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر لله تعالى أن ينحر بدنة، فإن سمّى الموضع الذي ينحرها فيه، وجب عليه الوفاء به، وإن لم يسمّ الموضع، لم يجز له أن ينحرها إلّا بفناء الكعبة. ويكره للإنسان أن يضحّي بكبش قد تولّى تربيته، ويستحبّ أن يكون ذلك ممّا يشتريه.

باب الحلق والتقصير

يستحبّ أن يحلق الإنسان رأسه بعد الذّبح. وإن كان صرورة، لا يجزئه غير الحلق. وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام، جاز له التّقصير، والحلق أفضل. اللهمّ إلّا أن يكون قد لبّد

٢٦٢

شعره. فإن كان كذلك، لم يجزئه غير الحلق في جميع الأحوال.

ومن ترك الحلق عامدا أو التّقصير إلى أن يزور البيت، كان عليه دم شاة. وإن فعله ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء، وكان عليه إعادة الطّواف. ومن رحل من منى قبل الحلق، فليرجع إليها، ولا يحلق رأسه إلّا بها مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من الرّجوع إليها، فليحلق رأسه في مكانه، ويردّ شعره إلى منى، ويدفنه هناك فإن لم يتمكّن من ردّ الشعر، لم يكن عليه شي‌ء.

والمرأة ليس عليها حلق، ويكفيها من التّقصير مقدار أنملة.

وإذا أراد أن يحلق، فليبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين ويقول إذا حلق: « اللهمّ أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة ». ومن لم يكن على رأسه شعر، فليمرّ الموسى عليه. وقد أجزأه. وإذا حلق رأسه، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء والطّيب، إن كان متمتّعا. فإن كان حاجّا غير متمتّع، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف الزّيارة، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف النّساء، حلّت له أيضا النّساء.

ويستحبّ ألا يلبس الثّياب إلّا بعد الفراغ من طواف الزّيارة، وليس ذلك بمحظور. وكذلك يستحبّ ألّا يمسّ الطّيب إلّا بعد الفراغ من طواف النّساء، وإن لم يكن ذلك محظورا على ما قدّمناه.

٢٦٣

باب زيارة البيت والرجوع الى منى ورمي الجمار

فإذا فرغ من مناسكه بمنى، فليتوجّه إلى مكّة، وليزر البيت يوم النّحر، ولا يؤخره إلّا لعذر. فإن أخّره لعذر، زار من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك. هذا إذا كان متمتّعا. فإن كان مفردا أو قارنا، جاز له أن يؤخر الى أيّ وقت شاء، غير أنّه لا تحلّ له النّساء. وتعجيل الطّواف للقارن والمفرد أفضل من تأخيره.

ويستحبّ لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخول المسجد والطّواف بالبيت، ويقلّم أظفاره، ويأخذ من شاربه، ثمَّ ثمَّ يزور. ولا بأس أن يغتسل الإنسان بمنى، ثمَّ يجي‌ء إلى مكّة، فيطوف بذلك الغسل بالبيت. ولا بأس أن يغتسل بالنّهار ويطوف بالليل ما لم ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم. فإن نقضه بحدث أو نوم، فليعد الغسل استحبابا، حتّى يطوف وهو على غسل. ويستحبّ للمرأة أيضا أن تغتسل قبل الطّواف.

وإذا أراد أن يدخل المسجد، فليقف على بابه، ويقول: « اللهمّ أعنّي على نسكك » إلى آخر الدّعاء الذي ذكرناه في الكتاب المقدّم ذكره. ثمَّ يدخل المسجد، ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله. فإن لم يستطع، استلمه بيده وقبّل يده. فإن لم يتمكّن من ذلك أيضا، استقبله، وكبّر، وقال ما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكّة. ثمَّ يطوف بالبيت أسبوعا كما قدّمنا وصفه

٢٦٤

ويصلّي عند المقام ركعتين. ثمَّ ليرجع الى الحجر الأسود فيقبّله، إن استطاع، ويستقبله ويكبّر. ثمَّ ليخرج إلى الصّفا، فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكّة. ثمَّ يأتي المروة، ويطوف بينهما سبعة أشواط، يبدأ بالصّفا ويختم بالمروة.

فإذا فعل ذلك، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء. ثمَّ ليرجع الى البيت، فيطوف به طواف النّساء أسبوعا، يصلّي عند المقام ركعتين، وقد حلّ له النّساء.

وأعلم أنّ طواف النّساء فريضة في الحجّ وفي العمرة المبتولة. وليس بواجب في العمرة التي يتمتّع بها الى الحج. فإن مات من وجب عليه طواف النّساء. كان على وليّه القضاء عنه. وإن تركه وهو حيّ، كان عليه قضاؤه. فإن لم يتمكّن من الرّجوع الى مكّة، جاز له أن يأمر من يتوب عنه. فإذا طاف النّائب عنه، حلّت له النّساء. وطواف النّساء فريضة على النّساء والرّجال والشّيوخ والخصيان، لا يجوز لهم تركه على حال.

فإذا فرغ الإنسان من الطّواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التّشريق إلّا بها. فإن بات في غيرها، كان عليه دم شاة. فإن بات بمكّة ليالي التّشريق، ويكون مشتغلا بالطّواف والعبادة، لم يكن عليه شي‌ء. وإن لم يكن مشتغلا بهما، كان عليه ما ذكرناه، وان خرج من منى بعد نصف اللّيل، جاز له أن يبيت بغيرها، غير أنّه لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر. وإن تمكّن ألّا يخرج

٢٦٥

منها إلّا بعد طلوع الفجر، كان أفضل. ومن بات الثّلاث ليال بغير منى متعمّدا، كان عليه ثلاثة من الغنم. والأفضل أن لا يبرح الإنسان أيّام التّشريق من منى. فإن أراد أن يأتي مكّة للطّواف بالبيت تطوّعا، جاز له ذلك، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وإذا رجع الإنسان إلى منى لرمي الجمار، كان عليه أن يرمي ثلاثة أيّام: الثّاني من النّحر والثّالث والرّابع، كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. ويكون ذلك عند الزّوال، فإنّه الأفضل. فإن رماها ما بين طلوع الشمس الى غروبها، لم يكن به بأس.

فإذا أراد أن يرمي، فليبدأ بالجمرة الأولى، فليرمها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا. ويكبّر مع كلّ حصاة، ويدعوا بالدّعاء الذي قدّمناه. ثمَّ يقوم عن يسار الطّريق ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلّي على النّبيّ وآله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ ليتقدم قليلا ويدعوا ويسأله أن يتقبّل منه. ثمَّ يتقدّم أيضا ويرمي الجمرة الثّانية، ويصنع عندها كما صنع عند الأولى، ويقف ويدعوا، ثمَّ يمضي إلى الثّالثة فيرميها كما رمى الأوليين، ولا يقف عندها.

وإذا غابت الشّمس، ولم يكن قد رمى بعد، فلا يجوز له أن يرمي إلّا في الغد. فإذا كان من الغد، رمى ليومه مرّة، ومرّة قضاء لما فاته، ويفصل بينهما بساعة. وينبغي أن يكون الذي يرمي لأمسه بكرة، والذي ليومه عند الزّوال. فإن فاته رمي يومين،

٢٦٦

رماها كلّها يوم النّفر، وليس عليه شي‌ء. وقد بينا أنّه لا يجوز الرّمي باللّيل. وقد رخّص للعليل والخائف والرّعاة والعبيد الرّمي باللّيل. ومن نسي رمي الجمار الى أن أتى مكّة، عاد إلى منى، ورماها، وليس عليه شي‌ء. وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرّجل سواء.

فإن لم يذكر الى أن يخرج من مكّة، لم يكن عليه شي‌ء. إلّا أنّه إن حجّ في العام المقبل، أعاد ما كان قد فاته من رمي الجمار. وإن لم يحجّ أمر وليّه أن يرمي عنه. فإن لم يكن له وليّ، استعان برجل من المسلمين في قضاء ذلك عنه.

والترتيب واجب في الرّمي. يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثمَّ الوسطى ثمَّ جمرة العقبة. فمن خالف شيئا منها، أو رماها منكوسة، كان عليه الإعادة. ومن بدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ الأولى، أعاد على الوسطى ثمَّ جمرة العقبة وقد أجزأه. فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات، ورمى الجمرتين الأخريين على التّمام، كان عليه ان يعيد عليها كلّها. وإن كان قد رمى من الجمرة الأولى بأربع حصيات ثمَّ رمى الجمرتين على التّمام، كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات. وكذلك إن كان قد رمى على الوسطى أقل من أربعة، أعاد عليها وعلى ما بعدها. وإن رماها بأربعة، تمّمها، وليس عليه شي‌ء من الإعادة على الثّالثة. ومن رمى جمرة بست حصيات، وضاعت عنه واحدة،

٢٦٧

أعاد عليها بحصاة، وإن كان من الغد. ولا يجوز له أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها. ومن علم أنّه قد نقص حصاة واحدة، ولم يعلم من أي الجمار هي، أعاد على كلّ واحدة منها بحصاة. فإن رمى بحصاة، فوقعت في محمله، أعاد مكانها حصاة أخرى. فإن أصابت إنسانا أو دابّة، ثمَّ وقعت على الجمرة، فقد أجزأه.

ولا بأس أن يرمي الإنسان راكبا. وإن رمى ماشيا، كان أفضل ولا بأس أن يرمى عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصّبيّ.

وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة. يبدأ بالتّكبير يوم النّحر من بعد الظّهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات، يبدأ عقيب الظّهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني من أيّام التّشريق، ويقول في التّكبير: « الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ».

باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت

لا بأس أن ينفر الإنسان من منى اليوم الثّاني من أيّام التّشريق وهو اليوم الثّالث من يوم النّحر. فإن أقام إلى النّفر الأخير، وهو اليوم الثّالث من أيّام التّشريق والرّابع من يوم النّحر، كان أفضل. فإن كان ممّن أصاب النّساء في إحرامه أو صيدا، لم يجز له أن

٢٦٨

ينفر في النّفر الأوّل. ويجب عليه المقام الى النّفر الأخير. وإذا أراد أن ينفر في النّفر الأوّل، فلا ينفر إلّا بعد الزّوال، إلّا أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره، فإنّه لا بأس أن ينفر قبل الزّوال، وله أن ينفر بعد الزّوال ما بينه وبين غروب الشّمس. فإذا غابت الشّمس، لم يجز له النّفر، وليبت بمنى الى الغد. وإذا نفر في النّفر الأخير، جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشّمس أيّ وقت شاء. فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى، جاز له ذلك، إلّا الإمام خاصّة، فإنّ عليه أن يصلّي الظّهر بمكّة.

ومن نفر من منى، وكان قد قضى مناسكه كلّها، جاز له أن لا يدخل مكّة. وإن كان قد بقي عليه شي‌ء من المناسك، فلا بدّ له من الرّجوع إليها. والأفضل على كلّ حال الرّجوع إليها لتوديع البيت وطواف الوداع.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان بمسجد منى، وهو مسجد الخيف. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها وعن يسارها مثل ذلك. فإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه، فافعل. ويستحبّ أن يصلّي الإنسان ستّ ركعات في مسجد منى. فإذا بلغ مسجد الحصباء، وهو مسجد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه.

٢٦٩

فإذا جاء إلى مكّة فليدخل الكعبة، إن تمكّن من ذلك سنّة واستحبابا. والصّرورة لا يترك دخولها على حال مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من ذلك، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنّة مؤكّدة. فإذا دخلها، فلا يمتخط فيها، ولا يبصق. ولا يجوز دخولها بحذاء. ويقول إذا دخلها: « اللهمّ إنّك قلت: ومن دخله كان آمنا، فآمنّى من عذابك عذاب النار ».

ثمَّ يصلّي بين الأسطوانتين على الرّخامة الحمراء ركعتين، يقرأ في الأولى منهما « حم السّجدة » وفي الثّانية عدد آياتها، ثمَّ ليصلّ في زوايا البيت كلّها، ثمَّ يقول: « اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ » إلى آخر الدّعاء. فإذا صلّى عند الرّخامة على ما قدّمناه، وفي زوايا البيت، قام فاستقبل الحائط بين الرّكن اليمانيّ والغربيّ، ويرفع يديه، ويلتصق به، ويدعوا. ثمَّ يتحوّل الى الرّكن اليمانيّ، فيفعل به مثل ذلك. ثمَّ يأتي الرّكن الغربيّ، ويفعل به أيضا مثل ذلك، ثمَّ ليخرج. ولا يجوز أن يصلّي الإنسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار. فإن اضطرّ الى ذلك، لم يكن عليه بأس بالصّلاة فيها. فأمّا النّوافل فالصّلاة فيها مندوب اليه.

فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة، صلّى عن يمينه ركعتين. فإذا أراد الخروج من مكّة، جاء الى البيت، فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنّة مؤكّدة. فإن استطاع أن يستلم الحجر

٢٧٠

والرّكن اليمانيّ في كل شوط، وفعل. وإن لم يتمكّن، افتتح به، وختم به، وقد أجزأه. فإن لم يتمكن من ذلك أيضا، لم يكن عليه شي‌ء. ثمَّ يأتي المستجار، فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكّة. ويتخيّر لنفسه من الدّعاء ما أراد. ثمَّ يستلم الحجر الأسود، ثمَّ يودّع البيت ويقول: « اللهمّ لا تجعله آخر العهد من بيتك » ثمَّ ليأت زمزم فيشرب منه، ثمَّ ليخرج، ويقول: « آئبون تائبون، عابدون، لربّنا حامدون، الى ربّنا راغبون، الى ربّنا راجعون ». فإذا خرج من باب المسجد، فليكن خروجه من باب الحنّاطين. فيخرّ ساجدا، ويقوم مستقبل الكعبة، فيقول: « اللهمّ إني أنقلب على لا إله إلا الله ».

ومن لم يتمكّن من طواف الوداع، أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج، لم يكن عليه شي‌ء. فإذا أراد الخروج من مكّة، فليشتر بدرهم تمرا، وليتصدّق به، ليكون كفّارة لما دخل عليه في الإحرام، إن شاء الله.

باب فرائض الحج

فرائض الحجّ: الإحرام من الميقات، والتّلبيات الأربع، والطّواف بالبيت، إن كان متمتّعا، ثلاثة أطواف: طواف للعمرة، وطواف للزيارة، وطواف للنّساء، وإن كان قارنا أو مفردا، طوافان: طواف للحجّ، وطواف للنّساء، ويلزمه مع

٢٧١

كلّ طواف ركعتان عند المقام، وهما أيضا فرضان، والسّعي بين الصّفا والمروة، والوقوف بالموقفين: عرفات والمشعر الحرام وإن كان متمتّعا، كان الهدي أيضا واجبا عليه أو ما يقوم مقامه.

فمن ترك الإحرام متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا حتّى يجوز الميقات، كان عليه أن يرجع إليه، ويحرم منه، إذا تمكّن منه. فإن لم يتمكّن لضيق الوقت أو الخوف أو ما جرى مجراهما من أسباب الضّرورات، أحرم من موضعه وقد أجزأه. فإن كان قد دخل مكّة، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم، فليخرج وليحرم منه. فإن لم يستطع ذلك، أحرم من موضعه.

ومن ترك التّلبية متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركها ناسيا، ثمَّ ذكر، فليجدّد التّلبية، وليس عليه شي‌ء.

ومن ترك طواف الزّيارة متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا، أعاد الطّواف أيّ وقت ذكره.

ومن ترك طواف النّساء متعمّدا، لم يبطل حجّة، إلّا أنّه لا تحلّ له النّساء، حتى يطوف عنه حسب ما قدّمناه. وركعتا الطّواف متى تركهما ناسيا، كان عليه قضاءهما حسب ما قدّمناه.

ومن ترك السّعي متعمّدا، فلا حجّ له. فإن تركه ناسيا،

٢٧٢

عليه قضاؤه حسب ما قدّمناه.

ومن ترك الوقوف بعرفات متعمّدا، أو بالمشعر الحرام، فلا حجّ له. فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا، كان عليه أن يعود، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النّحر. فإن لم يذكر إلّا بعد طلوع الفجر، وكان قد وقف بالمشعر، فقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

وإذا ورد الحاجّ ليلا، وعلم: أنّه مضى الى عرفات، وقف بها وإن كان قليلا، ثمَّ عاد الى المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، وجب عليه المضيّ إليها والوقوف بها، ثمَّ يجي‌ء إلى المشعر الحرام. فإن غلب على ظنّه أنّه إن مضى الى عرفات، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشّمس، اقتصر على الوقوف بالمشعر، وقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

ومن أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، فقد أدرك الحجّ. وإن أدركه بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ.

ومن وقف بعرفات، ثمَّ قصد المشعر، فعاقه في الطّريق عائق، فلم يلحق الى قرب الزّوال، فقد تمَّ حجّه، ويقف قليلا بالمشعر ويمضي إلى منى. ومن لم يكن قد وقف بعرفات، وأدرك المشعر بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ، لأنّه لم يلحق أحد الموقفين في وقته.

ومن فاته الحجّ، فليقم على إحرامه الى انقضاء أيّام

٢٧٣

التّشريق، ثمَّ يجي‌ء، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصّفا والمروة، ويجعل حجّته عمرة. وإن كان قد ساق معه هديا، فلينحره بمكّة وكان عليه الحجّ من قابل إن كانت حجته حجّة الإسلام. وإن كانت حجّة التّطوّع، كان بالخيار: إن شاء حجّ، وإن شاء لم يحجّ. ومن حضر المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها. إلّا أنّه كان سكرانا، فلا حجّ له، وكان عليه الحجّ من قابل.

باب مناسك النساء في الحج والعمرة

قد بيّنّا فيما تقدّم من أن الحجّ واجب على النّساء كوجوبه على الرّجال. فمتى كانت المرأة لها زوج، فلا تخرج إلّا معه. فإن منعها زوجها من الخروج في حجّة الإسلام، جاز لها خلافه. ولتخرج، وتحجّ حجّة الإسلام. وإن أرادت أن تحجّ تطوّعا، فمنعها زوجها، فليس لها مخالفته.

وينبغي أن لا تخرج إلّا مع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عمّ أو خال. فإن لم يكن لها أحد ممّن ذكرناه. جاز لها أن تخرج مع من تثق بدينه من المؤمنين.

وإذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق، جاز لها أن تخرج في حجّة الإسلام، سواء كان للزّوج عليها رجعة أو لم تكن. وليس لها أن تخرج إذا كانت حجّتها تطوّعا، إلّا أن تكون العدّة

٢٧٤

لزوجها عليها فيها رجعة. فأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها، فلا بأس بها أن تخرج فيها الى الحجّ فرضا كان أو نفلا.

وإذا خرجت المرأة، وبلغت ميقات أهلها، فعليها أن تحرم منه، ولا تؤخره. فإن كانت حائضا، توضّأت وضوء الصّلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت، إلّا أنها لا تصلّي ركعتي الإحرام فإن تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز لها ذلك، وجازت الميقات، كان عليها أن ترجع الى الميقات، فتحرم منه، إذا أمكنها ذلك. فإن لم يمكنها، أحرمت من موضعها. إذا لم تكن قد دخلت مكّة. فإن كانت قد دخلت مكّة، فلتخرج الى خارج الحرم، وتحرم من هناك. فإن لم يمكنها ذلك، أحرمت من موضعها، وليس عليها شي‌ء.

فإذا دخلت المرأة مكّة، وكانت متمتّعة، طافت بالبيت، وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت. وقد أحلّت من كلّ ما أحرمت منه مثل الرّجل سواء.

فإن حاضت قبل الطّواف، انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج الى عرفات. فإن طهرت، طافت وسعت. وإن لم تطهر، فقد مضت متعتها، وتكون حجّة مفردة، تقضي المناسك كلّها ثمَّ تعتمر بعد ذلك عمرة مبتولة. فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمَّ حاضت، كان حكمها حكم من لم يطف. وإذا طافت أربعة أشواط، ثمَّ حاضت، قطعت الطّواف،

٢٧٥

وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وقد تمّت متعتها.

فإذا فرغت من المناسك، وطهرت تمّمت الطّواف. وإن كانت قد طافت الطّواف كلّه، ولم تكن قد صلّت الرّكعتين عند المقام، فلتخرج من المسجد، ولتسع، وتعمل ما قدّمناه من الإحرام بالحجّ وقضاء المناسك، ثمَّ تقضي الرّكعتين إذا طهرت. وإذا طافت بالبيت بين الصّفا والمروة وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وخافت أن يلحقها الحيض فيما بعد، فلا تتمكّن من طواف الزّيارة وطواف النّساء، فجائز لها أن تقدّم الطّوافين معا، والسّعي بين الصّفا والمروة، ثمَّ تخرج فتقضي المناسك كلّها، ثمَّ ترجع الى منزلها.

فإن كانت قد طافت طواف الزّيارة، وبقي عليها طواف النّساء، فلا تخرج من مكّة إلّا بعد أن تقضيه. وإن كانت قد طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج، جاز لها أن تخرج وإن لم تتمّ الطّواف.

والمستحاضة لا بأس بها أن تطوف بالبيت، وتصلّي عند المقام، وتشهد المناسك كلّها، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. والفرق بينها وبين الحائض، أنّ الحائض لا يحلّ لها دخول المسجد، فلا تتمكّن من الطّواف، ولا يجوز لها أيضا الصّلاة، والطّواف لا بدّ فيه من الصّلاة، وليس هذا حكم المستحاضة.

٢٧٦

وإذا أرادت الحائض وداع البيت، فلا تدخل المسجد، ولتودّع من أدنى باب من أبواب المسجد، وتنصرف، إن شاء الله.

وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطّواف، طيف بها، وتستلم الأركان والحجر. فإن كان عليها زحمة، فتكفيها الإشارة. ولا تزاحم الرّجال. وإن كان بها علّة تمنع من حملها والطّواف بها، طاف عنها وليّها، وليس عليها شي‌ء. وكذلك إذا كانت عليلة لا تعقل عند الإحرام، أحرم عنها وليّها، وجنّبها ما يجتنب المحرم، وقد تمَّ إحرامها. وليس على النّساء حلق ولا دخول البيت. فإن أرادت دخول البيت، فلتدخله إذا لم يكن هناك زحام. ولا يجوز للمستحاضة دخول البيت على حال.

باب من حج عن غيره

من وجب عليه الحجّ، لا يجوز له أن يحجّ عن غيره إلّا بعد أن يقضي حجّته التي وجبت عليه. فإذا قضاها، جاز له بعد ذلك أن يحجّ عن غيره. ومن ليس له مال يجب عليه الحجّ، جاز له أن يحجّ عن غيره. فإن تمكّن بعد ذلك من المال، كان عليه أن يحجّ عن نفسه، وقد أجزأت الحجّة التي حجّها عمّن حجّ عنه.

وينبغي لمن يحجّ عن غيره أن يذكره في المواضع كلّها،

٢٧٧

فيقول عند الإحرام: اللهمّ ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان، وأجرني في نيابتي عنه. وكذلك يذكره عند التّلبية والطّواف والسّعي وعند الموقفين وعند الذّبح وعند قضاء جميع المناسك، فإن لم يذكره في هذه المواضع، وكانت نيته الحجّ عنه، كان جائزا.

ومن أمر غيره أن يحجّ عنه متمتّعا، فليس له أن يحجّ عنه مفردا ولا قارنا. فإن حجّ عنه كذلك، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. وإن أمره أن يحجّ عنه مفردا أو قارنا، جاز له أن يحجّ عنه متمتّعا، لأنه يعدل الى ما هو الأفضل. ومن أمر غيره أن يحجّ عنه على طريق بعينها، جاز له أن يعدل عن ذلك الطّريق الى طريق آخر. وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه، فليس له أن يأمر غيره بالنّيابة عنه. فإن جعل الأمر في ذلك اليه، جاز له أن يستنيب غيره فيه. وإذا أخذ حجة عن غيره، لا يجوز له أن يأخذ حجة أخرى، حتى يقضي التي أخذها.

وإذا حجّ عن غيره، فصدّ عن بعض الطّريق، كان عليه ممّا أخذه بمقدار ما بقي من الطّريق. اللهم إلّا أن يضمن الحجّ فيما يستأنف، ويتولّاه بنفسه.

فإن مات النّائب في الحجّ، وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم، فقد سقطت عنه عهدة الحجّ، وأجزأ عمّن حجّ عنه وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم، كان على ورثته، إن

٢٧٨

خلّف في أيديهم شيئا، مقدار ما بقي عليه من نفقة الطّريق. وإذا أخذ حجة، فأنفق ما أخذه في الطّريق من غير إسراف، واحتاج الى زيادة، كان على صاحب الحجّة أن يتمّمه استحبابا. فإن فضل من النّفقة شي‌ء، كان له، وليس لصاحب الحجّة الرّجوع عليه بالفضل. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكّة، إلّا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطّواف بنفسه، ولا يمكن حمله والطّواف به. وإن كان غائبا، جاز أن يطوف عنه.

وإذا حجّ الإنسان عن غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن، فإن ثواب ذلك يصل الى من حجّ عنه من غير أن ينقض من ثوابه شي‌ء. وإذا حجّ الإنسان عمّن يجب عليه الحجّ بعد موته تطوّعا منه بذلك، فإنّه يسقط عن الميّت بذلك فرض الحجّ.

ومن كان عنده وديعة، فمات صاحبها، وله ورثة، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحجّ عنه، ويردّ الباقي على ورثته، إذا غلب على ظنّه أنّ ورثته لا يقضون عنه حجّة الإسلام. فإن غلب على ظنّه أنّهم يتولّون القضاء عنه، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا إلّا بأمرهم.

ولا بأس أن تحجّ المرأة عن الرّجل إذا كانت قد حجّت

٢٧٩

حجّة الإسلام، وكانت عارفة. وإذا لم تكن حجّت حجّة الإسلام، وكانت صرورة، لم يجز لها أن تحجّ عن غيرها على حال.

ولا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، اللهمّ إلّا أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه.

باب العمرة المفردة

العمرة فريضة مثل الحجّ، لا يجوز تركها. ومن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، سقط عنه فرضها. وإن لم يتمتّع، كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحجّ، إن أراد، بعد انقضاء أيّام التّشريق، وإن شاء أخّرها إلى استقبال المحرّم. ومن دخل مكّة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحجّ، لم يجز له أن يتمتّع بها الى الحجّ. فإن أراد التّمتّع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحجّ. وإن دخل مكّة بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ، جاز له أن يقضيها، ويخرج الى بلده أو أيّ موضع شاء. والأفضل له أن يقيم حتى يحجّ، ويجعلها متعة. وإذا دخلها بنيّة التّمتّع، لم يجز له أن يجعلها مفردة، وأن يخرج من مكّة، لأنّه صار مرتبطا بالحجّ. وأفضل العمرة ما كانت في رجب، وهي تلي الحجّ في الفضل.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

الامبراطورية الايرانية ( الفارسية ) وقد بلغ من غضب هذه الامبراطورية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعاداتها لدعوته، أن أقدم امبراطور ايران « خسرو برويز » على تمزيق رسالة النبي، وتوجيه الإهانة إلى سفيره باخراجه من بلاطه، والكتابة إلى واليه وعميله باليمن بأن يوجّه إلى المدينة من يقبض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو يقتله إن امتنع.

و « خسرو » هذا وإن قتل في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّ استقلال اليمن ـ التي رزحت تحت استعمار الامبراطورية الايرانية ردحاً طويلاً من الزمان ـ لم يغب عن نظر ملوك ايران آنذاك، وكان غرور اُولئك الملوك وتجبّرهم وكبرياءهم لا يسمح بتحمّل منافسة القوة الجديدة ( القوة الاسلامية ) لهم.

والخطر الثالث كان هو خطر حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس وعلى تقويض دعائم الكيان الاسلامي من الداخل إلى درجة أنّهم قصدوا اغتيال رسول الله، في طريق العودة من تبوك إلى المدينة.

فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه: إنّ الحركة الاسلامية سينتهي أمرها بموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورحيله، وبذلك يستريح الجميع(١) .

ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة إلى الاُمّة الاسلامية من الداخل، وذلك عندما أتى عليّاًعليه‌السلام وعرض عليه أن يبايعه ضدّ من عيّنه رجال السقيفة، ليستطيع بذلك تشطير الاُمّة الاسلامية الواحدة إلى شطرين متحاربين متقاتلين، فيتمكّن من التصيّد في الماء العكر.

ولكنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام أدرك بذكائه البالغ نوايا أبي سفيان الخبيثة، فرفض مطلبه وقال له كاشفاً عن دوافعه ونواياه الشريرة:

__________________

(١) لاحظ: الطور / ٣٠.

٥٢١

« والله ما أردت بهذا إلّا الفتنة، وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شراً. لا حاجة لنا في نصيحتك »(١) .

ولقد بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدّة بحيث تعرّض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي: سورة آل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والعنكبوت، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والمجادلة، والحديد، والمنافقين، والحشر.

فهل مع وجود مثل هؤلاء الأعداء الخطرين والأقوياء الذين كانوا يتربّصون بالاسلام الدوائر، ويتحيّنون الفرص للقضاء عليه، يصح أن يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اُمّته الحديثة العهد بالإسلام، الجديدة التأسيس من دون أن يعيّن لهم قائداً دينياً سياسيا ؟

إنّ المحاسبات الاجتماعية تقول: إنّه كان من الواجب أن يمنع رسول الاسلام بتعيين قائد للاُمّة، من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق فيها من بعده، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الاسلامية بايجاد حصن قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الاُمّة.

إنّ تحصين الاُمّة، وصيانتها من الحوادث المشؤومة، والحيلولة دون مطالبة كل فريق « الزعامة » لنفسه دون غيره، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة، لم يكن ليتحقق، إلّا بتعيين قائد للاُمّة، وعدم ترك الاُمور للأقدار.

إنّ هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحة نظرية « التنصيص على القائد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » ولعلّ لهذه الجهة، ولجهات اُخرى طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الأيام الاُولى من ميلاد الرسالة الإسلامية، وظلّ يواصل طرحها والتذكير بها طوال حياته حتى الساعات الأخيرة منها، حيث عيّن خليفته ونصّ عليه بالنصّ القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته، وفي نهايتها أيضاً.

وإليك بيان كلا هذين المقامين:

__________________

(١) الكامل في التاريخ: ج ٢ ص ٢٢٢، العقد الفريد: ج ٢ ص ٢٤٩.

٥٢٢

١ ـ النبوّة والامامة توأمان

بغضّ النظر عن الأدلّة العقلية والفلسفية التي تثبت صحّة الرأي الأول بصورة قطعية، هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحة الموقف والرأي الذي ذهب إليه علماء الشيعة وتصدّقه، فقد نصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مراراً وتكراراً، وأخرج موضوع الإمامة من مجال الانتخاب الشعبي والرأي العام.

فهو لم يعيّن ( ولم ينص على ) خليفته ووصيه من بعده في اُخريات حياته فحسب، بل بادر إلى التعريف بخليفته ووصيه في بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد، سوى بضع عشرة من الأشخاص، وذلك يوم اُمر من جانب الله العلي القدير أن ينذر عشيرته الأقربين من العذاب الإلهي الأليم. وأن يدعوهم إلى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع رسالته للجميع ويبدأ دعوته العامّة للناس كافة.

فجمع أربعين رجلاً من زعماء بني هاشم وبني المطّلب، ثمّ وقف فيهم خطيباً، فقال:

« أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ »

فأحجم القوم، وقام عليٌّعليه‌السلام وأعلن مؤازرته وتأييده له، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برقبته، والتفت إلى الحاضرين، وقال:

« إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم » (١) .

وقد عرف هذا الحديث عند المفسِّرين والمحدِّثين: ب‍ـــ « حديث يوم الدار » و « حديث بدء الدعوة ».

على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكتف بالنص على خليفته في بدء رسالته، بل صرّح في مناسبات شتّى في السفر والحضر، بخلافة

__________________

(١) تاريخ الطبري: ج ٢ ص ٢١٦، الكامل في التاريخ: ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣، وقد مرّ مفصّلاً في هذه الدراسة فراجع.

٥٢٣

عليّعليه‌السلام من بعده، ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الأهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.

٢ ـ قصة الغدير

لـمـّا انتهت مراسيم الحج، وتعلّم المسلمون مناسك الحجّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرحيل عن مكّة، والعودة إلى المدينة، فأصدر أمراً بذلك، ولـمـّا بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة « رابغ »(١) التي تبعد عن « الجحفة »(٢) بثلاثة أميال، نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنطقة تدعى « غدير خم »، وخاطبه بالآية التالية:

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ( المائدة / ٦٧ ).

إنّ لسان الآية وظاهرها يكشف عن أنّ الله تعالى ألقى على عاتق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مسؤولية القيام بمهمة خطيرة، وأي أمر اكثر خطورة من أن ينصّب عليّاًعليه‌السلام لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد ؟!

من هنا أصدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بالتوقف، فتوقفت طلائع ذلك الموكب العظيم، والتحق بهم من تأخر.

لقد كان الوقت وقت الظهيرة، وكان المناخ حارّاً إلى درجة كبيرة جداً، وكان الشخص يضع قسماً من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه، وصنع للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مظلّة وكانت عبارة عن عباءة اُلقيت على أغصان

__________________

(١) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكّة والمدينة.

(٢) من مواقيت الاحرام وتنشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.

٥٢٤

شجرة ( سمرة )، وصلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحاضرين الظهر جماعة، وفيما كان الناس قد أحاطوا به صعدصلى‌الله‌عليه‌وآله على منبر اُعدّ من أحداج الإبل وأقتابها، وخطب في الناس رافعاً صوته، وهو يقول:

« الحمدلله ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أنّ لا إله إلّا هو، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: أيّها الناس إنّي اُوشك أن اُدعى فاُجيب، وأنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون ؟ »

قالوا: « نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً ».

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور ؟ »

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أللّهمّ اشهد ».

ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وإنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا ».

فنادى مناد: « بأبي أنت واُمِّي يا رسول الله وما الثّقلان ؟ »

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله سبب طرف بيد الله، وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به، والآخر عترتي، وانّ اللطيف الخبير نبّأني انّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ».

وهنا أخذ بيد « عليٍّ »عليه‌السلام ورفعها، حتى رؤي بياض اباطهما، وعرفه الناس أجمعون ثمّ قال:

« أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ »

٥٢٥

قالوا: « الله ورسوله أعلم ».

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه (١) .

أللّهمَّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبّه، وابغض من أبغضه، وأدر الحقّ معه حيث دار » (٢) .

فلمّا نزل من المنبر، استجاز حسّان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في أنْ يفرغ ما نزل به الوحي في قالب الشعر، فأجازه الرسول، فقام وأنشد:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأكرم بالنبي مناديا

يقول فمن مولاكمُ ووليّكم

فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تَرَ منّا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا عليّ فانّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدقٍ مواليا

هناك دعا: أللّهم ! وال وليّه

وكن للّذي عادا عليّاً معاديا

مصادر الواقعة

هذه هي واقعة الغدير استعرضناها لك على وجه الإجمال، وهي بحق واقعة لا يسوغ لأحد انكارها بأدنى مراتب التشكيك والقدح، فقد تناولها بالذكر أئمّة المؤرّخين أمثال: البلاذري، وابن قتيبة، والطبري، والخطيب البغدادي، وابن عبد البر، وابن عساكر، وياقوت الحموي، وابن الأثير، وابن أبي الحديد، وابن خلكان، واليافعي، وابن كثير، وابن خلدون، والذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن صباغ المالكي ،

__________________

(١) لقد كرّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه العبارة ثلاث مرات دفعاً لأيّ إلتباس أو اشتباه.

(٢) راجع للوقوف على مصادر هذا الحديث المتواتر موسوعة الغدير للعلّامة الأميني ( ره ).

٥٢٦

والمقريزي، وجلال الدين السيوطي، ونور الدين الحلبي إلى غير ذلك من المؤرخين الذين جادت بهم القرون والأجيال.

كما ذكره أيضاً أئمة الحديث أمثال: الإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، وأبو يعلى الموصلي، والبغوي، والطحاوي، والحاكم النيسابوري، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي، والكنجي، ومحب الدين الطبري، والحمويني، والهيثمي، والجزري، والقسطلاني، والمتقي الهندي، وتاج الدين المناوي، وأبو عبد الله الزرقاني، وابن حمزة الدمشقي إلى غير ذلك من أعلام المحدّثين الذين يقصر المقال عن عدّهم وحصرهم.

كما تعرض له كبار المفسّرين، فقد ذكره: الطبري، والثعلبي، والواحدي في أسباب النزول. والقرطبي، وأبو السعود، والفخر الرازي، وابن كثير الشامي، والنيسابوري، وجلال الدين السيوطي، والآلوسي، والبغدادي.

وذكره من المتكلّمين طائفة جمّة في خاتمة مباحث الإمامة وإن ناقشوا نقضاً وابراماً في دلالته كالقاضي أبي بكر الباقلاني في تمهيده، والقاضي عبد الرحمن الايجي في مواقفه، والسيد الشريف الجرجاني في شرحه، وشمس الدين الاصفهاني في مطالع الأنوار، والتفتازاني في شرح المقاصد، والقوشجي في شرح التجريد إلى غير ذلك من المتكلّمين الذين تعرّضوا لحديث الغدير وبحثوا حول دلالته ووجه الحجّة فيه.

واقعة الغدير ورمز الخلود:

أراد المولى عزّ وجلّ أن يبقى حديث الغدير غضّاً طرياً على مر الأجيال لم يُكدّر صفاء حقيقته الناصعة تطاول الأحقاب، وكرّ الأزمان، وانصرام الأعوام، ويرجع ذلك إلى اُمور ثلاثة:

١ ـ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد هتف به في مزدحم غفير يربو على

٥٢٧

عشرات الآلاف عند منصرفه من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة والاعلان، وحوله جموع من وجوه الصحابه وأعيان الاُمة، وأمر بتبليغ الشاهد الغائب ليكونوا كافّة على علم وخبر بما تمّ ابلاغه.

٢ ـ إنّ الله سبحانه قد أنزل في تلك المناسبة آيات تلفت نظر القارئ إلى الواقعة عندما يتلوها وإليك الآيات:

أ ـ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ( المائدة / ٦٧ ).

وقد ذكر نزولها في واقعة الغدير لفيف من المفسِّرين يربو عددهم على الثلاثين، وقد ذكر العلّامة البحّاثة المحقق الأميني في كتاب الغدير نصوص عبارات هؤلاء، فمن أراد الاطّلاع عليها، فليرجع إليه.

ب ـ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) ( المائدة / ٣ ).

وقد نقل نزول الآية جماعة منهم يزيدون على ستة عشر.

ج ـ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ *لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ *مِّنَ اللهِ ذِي المَعَارِجِ ) ( المعارج / ١ ـ ٣ ).

وقد ذكر أيضاً نزول هذه الآية جماعة من المفسّرين ينوف على الثلاثين أضف إلى ذلك أنّ الشيعة عن بكرة أبيهم متّفقون على نزول هذه الآيات الثلاث في شأن هذه الواقعة(١) .

٣ ـ إنّ الحديث منذ صدوره من منبع الوحي تسابقت الشعراء والاُدباء على نظمه، وانشاده في أبيات وقصائد امتدّت وقعتها منذ عصر انبثاق ذلك النص في تلك المناسبة إلى عصرنا هذا، وبمختلف اللغات والثقافات، وقد تمكّن البحّاثة المتضلع العلّامة الأميني من استقصاء وجمع كل ما نظم باللغة العربية حول تلك

__________________

(١) راجع كتاب الغدير في شأن نزول هذه الآيات: ج ١ ص ٢١٤ و ٢١٧.

٥٢٨

الحادثة، والمؤمّل والمنتظر من كافة المحققين على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم استنهاض هممهم لجمع ما نظم واُنشد في أدبهم الخاص.

وحصيلة الكلام: قلّما نجد حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامّة، وفي التاريخ الإسلامي والاُمة الإسلامية خاصة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير، وقلّما استقطبت اهتمام الفئات المختلفة من المحدثين والمفسرين والكلاميين والفلاسفة والاُدباء والكتّاب والخطباء وأرباب السير والمؤرخين كما استقطبت هذه الحادثة، وقلّما اعتنوا بشيء مثلما اعتنوا به.

هذا ويستفاد من مراجعة التاريخ أنّ يوم الثامن عشر من شهر ذى الحجة الحرام كان معروفاً بين المسلمين بيوم عيد الغدير، وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة إلى درجة أنّ ابن خلكان يقول حول « المستعلى بن المستنصر »:

« فبويع في يوم غدير خم، وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة ٤٨٧ ه‍ »(١) .

وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي: « وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، قلت: وهذه هي ليلة عيد الغدير أعني ليلة الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وهو غدير خم »(٢) .

وقد عدّه أبو ريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية « ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد »(٣) .

وليس ابن خلكان، وأبو ريحان البيروني، هما الوحيدان اللذان صرّحا بكون هذا اليوم هو عيد من الأعياد، بل هذا الثعالبي قد اعتبر هو الآخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين(٤) .

__________________

(١) و (٢) وفيات الأعيان: ج ١ ص ٦٠.

(٣) ترجمة الآثار الباقية: ص ٣٩٥، الغدير: ج ١ ص ٢٦٧.

(٤) ثمار القلوب: ص ٥١١.

٥٢٩

إنّ عهد هذا العيد الإسلامي، وجذوره ترجع إلى نفس يوم « الغدير » لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر المهاجرين والأنصار، بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على « عليّ »عليه‌السلام ، وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى.

يقول زيد بن أرقم: كان أوّل من صافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّاً: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس(١) .

الحمد للّه الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

خاتمة المطاف

ما قدّمناه إليك في الفصول السابقة حول حياة النبي وشخصيته كان مقتبساً من الذكر الحكيم ومدعماً بالتاريخ والأحاديث الصحيحة، وكان الجدير بنا أن نجعجع بالقلم عن الإفاضة ونترك ما بقى من خصوصيات حياته وشخصيته إلى كتب السيرة لمن أراد التوسّع.

غير أنّا نحب أن نركّز في الخاتمة على أساليب دعوته في عصر الرسالة ليكون قدوة لنا في هذا السبيل، ونكتفي من الكثير بالقليل.

__________________

(١) راجع مصدره في الغدير: ج ١ ص ٢٧٠.

٥٣٠

(١٤)

الإعلام وأساليبه في عصر الرسالة

إنّ انتشار أي دين أو أيديولوجية ورسوخها في العقول والنفوس يتوقّف مضافاً إلى إتقان ذلك الدين في محتواه ومضامينه على الدعوة الصحيحة إليه، وعرضه عرضاً واسعاً وشاملاً.

وقد توفّر في الإسلام هذان الجانبان:

أمّا الأوّل: فإنّ الإسلام ذو اُصول، ومفاهيم تنطبق على الفطرة الإنسانية، فهو يدعو إلى العدل والإحسان، واجتناب البغي والعدوان، وإلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، وإلى العلم والقراءة والكتابة، وإلى التعاون والتعاضد، وغير ذلك من الاُصول الاجتماعية والأخلاقية التي توافق فطرة البشر وتعضدها العقول بلا استثناء.

كما أنّ الإسلام لا يشتمل على أيّة عقيدة رمزية أو اُصول معقدة لا تقدر على حلّها الأفكار، ولا تستطيع على دركها العقول، كما هو الحال في « تثليث » البراهمة والمسيحيين.

وأمّا الثاني: فإنّ القرآن الكريم يسعى بكل قوّة ووسيلة ممكنة إلى نشر الاسلام، فيخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويأمره بالإنذار والتبشير، والدعوة والتبليغ، والصدع والموعظة، والتذكير، والبيان، والتعليم، والانباء، إلى غير ذلك من الأساليب التي تعرب عن لزوم قيام النبي بتبليغ الرسالة الاسلامية إلى الناس، بكل صورة ممكنة، وإليك نماذج من تلك الخطابات.

٥٣١

ففي مجال الانذار يقول تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ( الشعراء / ٢١٤ ).

وفي مجال التبشير يقول تعالى:( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ) ( البقرة / ٢٥ ).

ويقول تعالى:( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) ( الفتح / ٨ ).

وفي مجال الدعوة يقول سبحانه:( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ) ( النحل / ١٢٥ ).

وفي مجال الابلاغ يقول سبحانه:( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إلّا الْبَلاغُ ) ( الشورى / ٤٨ ).

وفي مجال الصدع يقول سبحانه:( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) ( الحجر / ٩٤ ).

وفي مجال الموعظة يقول تعالى:( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ ) ( النساء / ٦٣ ).

وفي مجال التذكير يقول تعالى:( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) ( ق / ٤٥ ).

وفي مجال البيان يقول سبحانه:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ( النحل / ٤٤ ).

وفي مجال التعليم يقول سبحانه:( يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ ) ( البقرة / ١٥١ ).

وفي مجال التنبّؤ قال سبحانه:( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( الحجر / ٤٩ ).

وقد قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الأمر، وعرض الاسلام عرضاً كاملاً قويّاً، فدعا أهله وأقرباءه أوّلاً، ثم دعا قومه وأبناء جلدته ثانياً، ولـمـّا استتبّ له الأمر، واستقرّ به المقام في المدينة المنوّرة، وجّه دعاته إلى شتّى أقطار الأرض وكلّفهم بابلاغ دينه ومنهاجه إلى الملوك والاُمراء والشعوب والقبائل، وتحقّق هذا العمل بشكل واسع حتى لم يلبث أن بلغ نداء الاسلام إلى مسامع جميع المجتمعات البشرية، دانيها وقاصيها في مدة لا تتجاوز قرناً واحداً من الزمان.

٥٣٢

نماذج من الإعلام في العهد النبوي

وقد تمثّل الإعلام الإسلامي في العهد النبوي، في اُمور قام بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مجال تبليغ الإسلام، وإيصال نداءه إلى مسامع البشرية في مختلف الأقطار والأصقاع وهذه الاُمور هي:

١ ـ البعثات الإعلامية

قد قام النبي الأكرم بارسال مبعوثين ومندوبين للدعوة والتبليغ، ونذكر على سبيل المثال مصعب بن عمير، الذي بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ليعلّم الناس القرآن، ويفقّههم في الدين، وكان شابّاً ذكياً أسلم عن رغبة وتفهّم وتعلّم من القرآن كثيراً، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج إلى المدينة مع بعض من آمن من أهلها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليدعو أهل المدينة من الأوس والخزرج إلى الإسلام، فاستطاع بحسن تدبيره، وفضل حكمته في التبليغ والإرشاد أن يستقطب عدداً كبيراً من أهل المدينة شيباً وشباباً ورجالاً ونساءً إلى الإسلام حتى لم يلبث أن جعل من يثرب مدينة إسلامية تهيّأت لاستقبال رسول الله أكبر استقبال، وهو لم يملك إلّا إيماناً صادقاً وإخلاصاً في العمل(١) .

وبعدما هاجر إلى المدينة بعث مجموعات تبليغية لنشر الإسلام ودعوة الناس إليه، وأخصّ بالذكر مجموعتين تبليغيتين أرسلهما رسول الإسلام إلى بعض القبائل لتعليمها القرآن الكريم وأحكام الاسلام، وهاتان المجموعتان هما:

المجموعة الاُولى: التي بعثها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قبيلتي عضل وقارة.

فقد طلبت القبيلتان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبعث إليهم من

__________________

(١) أعلام الورى: ص ٢٧.

٥٣٣

يعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الاسلام.

فاستجاب النبي لهذا الطلب، وأرسل ستة أشخاص، وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، ولكن القوم غدروا باُولئك المبلغين الأبرياء، فقتلوا من قتلوا منهم، وأسروا رجلين منهم باعوهما لقريش، فصلبوهما انتقاماً لقتلى بدر من المشركين والقصة مفصلة(١) .

المجموعة الثانية: وهي المجموعة التبليغية التي أرسلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قبيلة « بني عامر » لطلب أحد زعمائها الكبار، وذلك قبل أن يبلغه غدر عضل وقارة بالمجموعة الاُولى، وقد أرسلهم بعد أخذ مواثيق وضمانات من الطالب، ولكن هذه المجموعة التي كانت تتألّف من أربعين شخصاً من خيرة القرّاء قد واجهت نفس ما واجهت المجموعة التبليغية الاُولى، ولكن لا على أيدي القبيلة المبعوثين إليها، بل على يد آخرين من القبائل المشركة المعادية للإسلام، وقد وقع الغدر والفتك بهم في منطقة تدعى بئر معونة(٢) .

وقد أحزنت هاتان الفاجعتان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّهما لم يثنيا عزمه الشريف عن مواصلة التبليغ، بل واصل ارسال المبلّغين والرسل إلى مناطق اُخرى كما أرسل طائفة كبيرة إلى الملوك والاُمراء والقبائل وزعماء الجماعات داخل الجزيرة العربية وخارجها.

٢ ـ الرسائل الإعلامية

وإليك فيما يلي طائفة من الرسائل التي بعثها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو فيها رؤساء القبائل إلى الاسلام، ونخص بالذكر كتبه الاعلامية فقط:

__________________

(١) المغازي: ج ١ ص ٣٥٤ ـ ٣٦٢، والسيرة النبوية لابن هشام: ج ٢ ص ١٦٩.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام: ج ٢ ص ١٨٣ ـ ١٨٧.

٥٣٤

١ ـ كتابه إلى سمعان بن عمرو الكلابي.

٢ ـ كتابه إلى ورد بن مرداس أحد بني سعد هذيم.

٣ ـ كتابه إلى الاقيال من حضرموت.

٤ و ٥ ـ كتابان إلى أهل قريتين.

٦ ـ كتابه إلى بني حارثة بن عمرو بن قريط.

٧ ـ كتابه إلى عبد العزيز بن سيف بن ذي يزن.

٨ ـ كتابه إلى عمرو بن مالك بن عمير الأرحبي.

٩ ـ كتابه إلى عريب والحارث ابني عبد كلال.

١٠ ـ ١٦ ـ سبعة كتب إلى فهد وزرعة وبس وغيرهم من ملوك حمير.

١٧ ـ كتابه إلى جفينة النهدي.

١٨ ـ كتابه إلى ملك الروم.

١٩ ـ كتابه إلى عبد الله بن الحارث الأعرج الأزدي الغامدي.

٢٠ ـ كتابه إلى خراش بن جحش العبسي.

٢١ ـ كتابه إلى سرباتك ملك الهند.

٢٢ ـ كتابه إلى قيس بن عمر الهمداني.

٢٣ ـ كتابه إلى جبلّة بن الأيهم الغساني.

٢٤ ـ كتابه إلى بني معاوية من كندة.

٢٥ ـ كتابه إلى نفاثة بن فروة ملك السماوة.

٢٦ ـ كتابه إلى عذرة.

٢٧ ـ كتابه إلى ذي عمرو.

٢٨ ـ كتابه إلى ذي الكلاع.

٥٣٥

٢٩ ـ كتابه إلى اسيخب.

٣٠ ـ كتابه إلى حوشب ذي ظليم.

٣١ ـ كتابه إلى رعية السحيمي.

٣٢ ـ كتابه إلى قيس بن مالك(١) .

هذه كتاباته التبليغية التي وردت أسماؤها في الكتب، وإن ذهبت ألفاظها وعبارتها فلم يبق منها إلّا الإسم.

وهناك كتب تبليغية لهصلى‌الله‌عليه‌وآله موجودة بأعيانها وخصوصيّاتها في كتب السير والتاريخ والحديث، والكلّ يدلّ على أنّ الإسلام انتشر في العالم بفضل الدعوة الصحيحة وبعث الدعاة والرسل، ولو كان هناك سل السيف وسفك الدم، فإنّما كان لرفع الحواجز بين الرسول وتبليغه.

وإليك أسماء كتبه الموجودة التبليغيّة التي أرسلها إلى الملوك والاُمراء والشيوخ والقبائل على نحو الإيجاز والإيعاز والتفصيل يطلب من مظانّه(٢) .

مراسلة الملوك والاُمراء ورؤساء القبائل

إنّ أبرز كتبه في الدعوة إلى الاسلام هي:

١ ـ كتابه إلى كسرى ملك الفرس.

٢ ـ كتابه إلى قيصر عظيم الروم.

٣ ـ كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة.

٤ ـ كتابه إلى المقوقس ملك مصر.

__________________

(١) لاحظ مكاتيب الرسول للعلّامة الأحمدي: ص ٣٥ ـ ٤٠.

(٢) راجع الوثائق السياسية ومكاتيب الرسول.

٥٣٦

٥ ـ كتابه إلى ملوك الشام واليمامة.

٦ ـ كتابه إلى الحارث بن أبي شمر.

٧ ـ كتابه إلى هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة.

٨ ـ كتابه إلى المنذر بن ساوي.

٩ ـ كتابه لرفاعة بن زيد الجزامي.

١٠ ـ كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي.

١١ ـ كتابه إلى فروة بن عمرو الجذابي.

١٢ ـ كتابه إلى أكثم بن صيفي.

١٣ ـ كتابه إلى اسيخب بن عبد الله.

١٤ ـ كتابه إلى يحنه بن رؤبة وسروات أهل أيلة.

١٥ ـ كتابه إلى زياد بن جهور.

١٦ ـ كتابه إلى بكر بن وائل.

١٧ ـ كتابه إلى مسيلمة الكذّاب.

١٨ ـ كتابه إلى ضغاطر الأسقف.

١٩ ـ كتابه إلى اليهود.

٢٠ ـ كتابه إلى يهود خيبر.

٢١ ـ كتابه إلى أسقف نجران.

٢٢ ـ كتابه إلى هرمزان عامل كسرى.

وقد دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الكتب التي سجّلها التاريخ وأثبت نصوصها كاملة، الملوك والاُمراء إلى الدين الإسلامي وشرح أهدافه وغاياته السامية.

٥٣٧

وقد حمل هذه الكتب رجالاً من أصحابه اتّسموا بالنباهة والذكاء، والشجاعة والحكمة.

ويذكر التاريخ أنّ بعضهم كان يعرف لغة القوم الذين اُرسل إليهم مع كتاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان هؤلاء الرسل يتمتّعون بإيمان قوي، وينطلقون من عقيدة راسخة بالدين وشجاعة، وهي الصفات التي يجب أن يتحلّىٰ بها المبلّغ، ولهذا كانوا في الأغلب يؤثرون في نفوس المرسل إليهم حتّى انّهم كانوا يقبلون دعوة النبي ولو آل إلى التضحية بحياتهم كما حدث لضغاطر الأسقف فإنّه لـمّا جاءه كتاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقرأه أخذ بمجامع قلبه واهتدى إلى الحق واعتنق الإسلام راغباً وقال لقومه من الروم:

« يا معشر الروم إنّي أشهد أن لا إلٰه إلّا الله وأنّ أحمد عبده ورسوله »، فوثبوا عليه وثبة رجل واحد وقتلوه »(١) .

٣ ـ التبليغ عن طريق الأدب والنظم

ولم يكتف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تبليغ رسالته بالرسائل والكتب بل استعان بالشعر أيضاً ولهذا كان حسّان يخلّد الحوادث، بأبيات من الشعر، ويشجّعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وربّما دافع حسّان وغيره عن حوزة الإسلام ونبيّه بهجاء من يعادونه أو يتعرّضون له أو يهجونه، وإليك نماذج من هذا الأمر.

١ ـ عندما هجا ابن الزبعريّ المسلمين يوم اُحد، قائلاً:

يا غراب البين اسمعت فقل

إنّما تنطق شيئاً قد فعل

__________________

(١) الطبري: ج ٢ ص ٣٩٢ و ٦٩٣.

٥٣٨

إلى أن قال:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

فقتلنا الضِّعف من أشرافهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

قال حسّان في الرد عليه:

ذهبت يا بن الزبعري وقعة

كان منّا الفضل فيها لو عدل

ولقد نلتم ونلنا منكم

وكذاك الحرب أحياناً دول

الى آخره .

٢ ـ لما قال عمرو بن العاص في هجاء المسلمين يوم اُحد:

خرجنا من الفيفا عليهم كأنّنا

مع الصبح من رضوىٰ الحبيك المـُنَطّق

أرادوا لكيما يستبيحوا قبابنا

ودون القباب اليوم ضرب محَرّق

قال كعب بن مالك في الردّ عليه:

ألا أبلغا فهراً على نأي دارها

وعندهم من علمنا اليوم مصدق

إلى أن قال:

لنا حومة لا تستطاع يقودها

نبيّ أتىٰ بالحقّ عف مصدّق

٣ ـ ما قاله هبيرة يوم اُحد أيضاً في هجاء المسلمين إذ قال فيما قال من الشعر:

كان هامهم عند الوغى فلق

من قيض رُبْدٍ نفته عن أداحيها

فأجاب حسّان بقوله:

ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت

أهل القليب ومن ألقينه فيها

٥٣٩

كم من أسير فككناه بلا ثمن

وجزّ ناصية كنّا مواليها(١)

وغير ذلك من الموارد التي قابل فيها حسّان وغيره من شعراء الإسلام الاول هجاء بهجاء، قارع قاصع.

٤ ـ إعلان البراءة من المشركين

وكان من أبرز مصاديق التبليغ والإعلام ما كلّف به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر من الله تعالى، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بتلاوة آيات من صدر سورة التوبة على مسامع المشركين وغيرهم في يوم الحج الأكبر والتي أعلن الله فيها براءته وبراءة نبيّه من الشرك والمشركين، وضرب لهم أجلاً ليبيّنوا موقف من الاسلام وأعلن أنّ المشركين لا يجوز لهم دخول مكّة بعد ذلك الوقت والأجل.

وقد كان لهذا الإعلان العام القوي أثر كبير في إسلام مجموعات كبيرة من القبائل المشركة، وتوافدها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في العام المسمّى بعام الوفود.

٥ ـ شعار المسلمين في الهجمات العسكرية

ومن جملة أساليب التبليغ التي كان يتبعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إطلاق الشعارات المناسبة في المعارك فمثلاً لـمّا صاح أبو سفيان بعد إلحاق الهزيمة بالمسلمين: أعل هبل أعل هبل. أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يقابلوه بشعار:

الله أعلى وأجل.

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ٢ ص ٢ و ١٣١ ـ ١٣٢.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581