مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 457

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 457 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134690 / تحميل: 5170
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

١

[

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي قام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه، والصّلاة والسّلام على من كلامه، الفصل وحكمه، العدل سيّد المرسلين وأفضل النبييّن محمّد، وآله الطاهرين الذين انتظم بهم عقد الإمامة وتزيَّنت بهم مسند الخلافة.

أمّا بعد:

لقد قام الإسلام على دعائم متينة وأُسس راسخة تمثَّلت في أُصول الدين الّتي من أبرزها التوحيد والمعاد والنبوّة، وهذا ما اتّفق عليه المسلمون بكافّة طوائفهم ونحلهم، فلا يدخل أحد في حظيرة الإسلام إلا إذا آمن بتوحيده سبحانه ذاتاً وفعلاً وعبادة، وآمن بمعاده وأنّه سبحانه يبعث من في القبور، وآمن بنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّها الحلقة الأخيرة من نظام النبوّة التي ترتبط بالسماء.

وثمّة أُصول أُخرى وقعت مثاراً للجدل والنقاش من قِبَل الفرق الإسلاميّة فمنهم من عدّها من جوهر الدين وصميمه، كما أنّ منهم من عدّها من فروع الدين، وهذه كالإمامة والخلافة بعد الرسول فهي عند السنَّة من فروع الدين، لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرع وجود إمام عادل ذي قوة وقدرة وصولة، فتكون الإمامة كالمقدّمة لهذه المسؤولة الخطيرة، ومنهم من يعدّها من أُصول الدين لأنّهم يرون الإمامة منصباً إلهيّاً وأنّ وظيفتها هي استمرار وظائف النبوّة، وإن

٥

كانت النبوة منقطعة بارتحال الرسول لكن الوظيفة بعد باقية.

وكالعدل الّذي اتّفق المسلمون برمّتهم على وصفه سبحانه به، ولكن اختلفوا في مفهوم العدل وحقيقته كما سيوافيك، ولذلك نكرّس جلّ جهودنا على تبيين هذين الموضوعين متمثّلين بقول الصاحب بن عبّاد حيث يقول:

لو شُقّ عن قلبي يُرى وسطَه

سطران قد خُطّا بلا كاتب

العدل والتوحيد في جانب

وحبّ أهل البيت في جانب

ولـمّا كان بين الإمامة والتعرّف على أهل البيتعليهم‌السلام الذين طهرّهم الله، صلة قويمة، أثّرنا فتح باب لبيان سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم.

ومّما تجدر الإشارة إليه أنّ هذه الموسوعة تشكّل الحلقة الأخيرة من سلسلة مفاهيم القرآن، فالواجب يحتّم علينا التنويه بالسير التاريخي للتفسير لدى الإماميّة، وقد ذكرنا من ألوان تفاسيرهم وأسماء كتبهم ما سمح به الوقت، فانّ الإحاطة بها رهن تأليف مفرد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

جعفر السبحاني

قم - مؤسسة الإمام الصادقعليه‌السلام

٢١ شوال ١٤٢٠ ه‍

٦

العدل والإمامة

المقدّمة

إنّ العقيدة الإسلامية تنقسم إلى قسمين:

الأوّل: ما يعرف بأُصول الدين.

الثاني: ما يعرف بأُصول المذهب.

ويراد من الأوّل، الأُصولُ الَّتي اتّفق عليها عامّة المسلمين ولم يخالف فيها أحد، وفي الحقيقة تُناط تسمية الإنسان مسلماً بهذه الأُصول الثلاثة، وهي كالتالي:

أ: التوحيد بمراتبه.

ب: المعاد.

ج: النبوّة العامّة والخاصّة.

وهذه الأُصول الثلاثة قد أشبعنا البحث فيها ضمن أجزاء هذه الموسوعة، بقي الكلام في القسم الثاني، وهو ما يعبَّر عنه بأُصول المذهب، التي هي عقيدة بعض المذاهب الإسلامية وهي اثنان:

أ: العدل

ب: الإمامة.

٧

أمّا الأوّل: فيؤمن به الإماميّة والمعتزلة، ويخالفهما الأشاعرة، وسوف يوافيك تفصيل البحث فيه.

وأمّا الثاني: فهو مما يتميّز به المذهب الإمامي الاثنا عشري عن سائر المذاهب، كما سيوافيك.

وربما يُثار سؤال وهو أنّه كيف يمكن عدّ الأصل الأوّل من خصائص الإمامية والمعتزلة على الرغم من أنّ كافّة الطوائف الإسلامية تصف الله سبحانه بالعدل، ولا نجد بين المسلمين من يقول بأنّ الله ظالم ليس بعادل ؟

والجواب: انّ ما ذكر صحيح، وانّ جميع الفرق تصف الله سبحانه بأنّه عادل لا يجور، غير أنّهم يختلفون في معنى « العدل » وكونه عادلاً لا جائراً.

فالإمامية والمعتزلة أصفقت على أنّ العدل له مفهوم واحد، ومعنى فارد، اتّفق عليه قاطبة العقلاء.

مثلاً: أخذ البريء بذنب المجرم ظلم يتنزّه عنه الله سبحانه، وهكذا، فكلّ ما حكم العقل بفعل أنّه ظلم، فالله سبحانه منزَّه عنه.

وعلى ذلك فالحكم بالعدل وتمييز مصاديقه وجزئياته، وانّ هذا عدل وذاك ظلم كلّها ترجع إلى العقل.

وأمّا الأشاعرة فهم وإنْ يصفون الله سبحانه بالعدل، لكنّهم لا يحدّدون العدل، بمفهوم واضح، بل يوكلون ذلك إلى فعل الله سبحانه، وأنّ كلّ ما صدر منه فهو عدل، وكلّ ما نهى عنه فهو ظلم، وبذلك أقصوا العقل عن القضاء في ذلك المقام.

وبعبارة أُخرى: إنّ الشيعة والمعتزلة يرون أنّ للعدل والظلم ملاكاً عند

٨

العقل، وبه يتميز أحدهما عن الآخر، ويوصف الفعل بالعدل أو الظلم، ولكن الأشاعرة ينكرون ذلك الملاك، ويرون أنّ أفعاله سبحانه فوق ما يدركه العقل القاصر.

ولذلك كلّ ما يصدر منه فهو عدل، محتجّين بقوله سبحانه:( لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) .١

وعلى ضوء ذلك يتبين أنّ وحدة الفرق الإسلامية في وصفه سبحانه بالعدل وحدة صورية، وإلّا فالملاك عند الفرقتين للعدل غير ملاكه عند الأشاعرة. فلو أمر سبحانه بتعذيب الأنبياء والأولياء والصدّيقين فهو عند الأشاعرة عدل لا مانع من صدوره عنه، ولكنّه عند غيرهم أمر قبيح لا يصدر منه سبحانه. وهو وإن كان متمكناً من ذلك العمل وقادراً عليه لكن حكمته سبحانه تحول دون ارتكابه.

هذا كلّه حول العدل.

وأمّا الإمامة: فيثار حولها نظير السؤال السابق، فالمسلمون قاطبة يؤمنون بأصل الإمامة وأنّه لابدّ للمسلمين من إمام يأتمّون به، ولكنّهم اختلفوا في خصوصياتها، فهل الإمامة منصب إلهي كالنبوّة لا يناله إلّا الأمثل فالأمثل من الأُمة، ولا يمكن الوقوف على القائم بأعباء الإمامة إلّا من خلال نصبه سبحانه ؟

أو انّه منصِبٌ بشري ومقام اجتماعي يقوم بأعبائه من تُعيّنه طائفة من الأُمّة ؟ وبذلك تختلف وجهة النظر في واقع الإمامة عند الطائفتين.

نبدأ الكلام في الأصل الأوّل من أُصول المذهب، وهو العدل الإلهي.

__________________

١. الأنبياء: ٢٣.

٩
١٠

١١
١٢

الفصل الأوّل

العدل الإلهي في الكتاب العزيز

آيات الموضوع

١.( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) .١

٢.( ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) .٢

٣.( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) .٣

٤.( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .٤

٥.( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ) .٥

٦.( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ) .٦

__________________

١. آل عمران: ١٨.

٢. آل عمران: ١٨٢.

٣. النساء: ٤٠.

٤. التوبة: ٧٠.

٥. النحل: ٣٣ - ٣٤.

٦. المؤمن: ٣١.

١٣

وقبل أن نخوض في تفسير الآيات، نشير إلى مقدمة، وهي:

إنّ العدلية تصف الله سبحانه بالعدل بالمعنى المتفق عليه بين العقلاء، وبرهانها على ذلك هو أنّ العقل قادر على تمييز الحسن عن القبيح، والعدل عن الظلم، والله سبحانه بما أنّه حكيم لا يجور أبداً، فهاهنا دعويان:

الأُولى: انّ العقل له القابلية على تمييز الحسن عن القبح، وأنّ التحسين والتقبيح من الأُمور المنوطة بقضاء العقل.

الثانية: إذا تبيَّن أنَّ العدل حسن والظُّلم قبيح فالله سبحانه موصوف بالعدل، نزيه عن فعل الظلم. وإليك بيان كلا الدعويين.

أمّا الدعوى الأُولى فتدلُّ عليها أُمور:

الأوّل: التحسين والتقبيح من الأُمور البديهية

إنّ التحسين والتقبيح من الأُمور البديهيَّة التي يدركها كلّ إنسان سليم الفطرة، فمثلاً يدرك أنّ العمل بالميثاق حسن، والتخلّف عنه قبيح، أو أنّ جزاء الإحسان بالإحسان جميل، وجزاءه بالسيّء قبيح. وهكذا سائر الأفعال التي توصف بالحسن والقبح.

وموضوع قضاء العقل بالحسن والقبح هو نفس الفعل بما هوهو، سواء أكان الفاعل واجباً أم ممكناً، خالقاً أم مخلوقاً، فيوصف الفعل من أي فاعل صدر بأحد الوصفين.

وبعبارة أُخرى: كما أنّ مسائل الحكمة النظرية تنقسم إلى نظرية وبديهية، ويستنبط حكم الأُولى من الثانية، ولذلك عدّوا مسألة امتناع اجتماع النقيضين أو

١٤

ارتفاعهما من المسائل البديهية في الحكمة النظرية.

فهكذا الأمر في الحكمة العملية فمسائلها تنقسم إلى بديهية وغير بديهية، ويستنبط حكم الثانية من الأُولى.

والتحسين والتقبيح من المسائل البديهية في الحكمة العملية، وقد حازتا على اهتمام واسع نظراً لدورهما في استنباط سائر مسائل الحكمة العملية.

ولأجل إيضاح المراد نقول: إنّ تحسين بعض الأفعال وتقبيحها من الأُمور البديهية للعقل، ويدلّك على ذلك اتّفاق عامة العقلاء مع اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم على وصف أفعال بالحسن، وأفعال أُخرى بالقبح، نظير:

أ: حسن العدل وقبح الظلم.

ب: حسن العمل بالميثاق وقبح نقضه.

ج: حسن جزاء الإحسان بالإحسان وقبح جزائه بالسيّء.

د: حسن الصدق وقبح الكذب.

ه‍: حسن أداء الأمانة وقبح الخيانة بها.

إلى غيرها من الأُمور التي لا يختلف فيها اثنان، وهذا يدل على أنّ تلك الأفعال موصوفة بالحسن والقبح بالبداهة، وإلّا لما اتفق عليه العقلاء كافة، ولذلك قلنا: إنّ التحسين والتقبيح أمران عقليان.

الثاني: إنكار إدراك العقل يلازم النفي مطلقاً

لقد أنكرت الأشاعرة قابلية إدراك العقل حسنَ الأفعال وقبحها، وذهبوا إلى أنّ القضاء بالتحسين والتقبيح بيد الشرع، فكلّ ما أخبر بحسنه فهو حسن،

١٥

وما أخبر بقبحه فهو قبيح، ولكنّهم غفلوا عن أنّهم بإنكارهم قابلية العقل لإدراك الحسن والقبح، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقاً حتى مع تصريح الشرع، وذلك لأنّه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن شيء وقبحه، فمن أين نعلم أنّه يصدق في أخباره ولا يكذب، والمفروض أنّ العقل عاجز عن درك حسن الأوّل وقبح الثاني ؟ فلا يصحّ إثبات حسن شيء أو قبحه من خلال تصريح الشارع، إلّا أن يثبت قبلاً أنّ الصدق حسن والكذب قبيح، ويثبت أنّه سبحانه نزيه عن فعل القبيح، ولولا هذان الأمران لذهب الإخبار بحسن الشيء أو قبحه سدى.

الثالث: لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة

لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شيء أو قبحه، وذلك لأنّ القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، يقول: إنّ حكمته سبحانه تصدّه عن تزويد الكاذب بالمعجزة، فلو ادّعى رجل النبوة من الله وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته، فهي دليل على صدقه في دعوته.

وأمّا إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحاً على مصراعيه، وليس هنا دليل يردّ هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.

وهذه الأدلّة الثلاثة التي سردناها على وجه الإيجاز، تُشرف القارئ على القطع بأنّ العقل له المقدرة على درك الحسن والقبح. هذا كلّه حول الدعوى الأُولى.

١٦

وأمّا الدعوى الثانية وهي أنّه بعد ما تبيَّن أنّ العدل حسنٌ، والظلم قبيح، فالله سبحانه موصوف بالعدل ومنزّه عن الظلم، وذلك، مضافاً إلى أنَّه سبحانه حكيم، والحكيم يعدل ولا يجور - أنّ الجور رهن أحد أمرين، إمّا الجهل بقبح العمل ، أو الحاجة إليه، والمفروض انتفاء كلا المبدأين عنه سبحانه.

وربما يقال إنّ كون الشيء حسناً أو قبيحاً عند الإنسان لا يلازم كونه كذلك عند الله، فكيف يمكن استكشاف أنّه سبحانه لا يفعل القبيح ؟

والجواب عنه واضح لأنّ المدرَك للعقل هو حسن الفعل على وجه الإطلاق، أو قبحه كذلك، من دون أن تكون للفاعل مدخلية فيه سوى كونه فاعلاً مختاراً، وأمّا كونه واجباً أو ممكناً فليس بمؤثرٍ في قضاء العقل. وعلى ذلك فإذا ثبت كون الشيء جميلاً أو قبيحاً فهو عند الجميع كذلك.

شمولية عدله سبحانه

يظهر من الآية الأُولى أنّ عدله يعمُّ جميع شؤونه، حيث يقول:( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) ١ فقوله:« قائماً » حال من لفظ الجلالة، في قوله: شهد الله، أو الضمير المنفصل، أعني: إلّا هو.

والمتبادر منه أنّه سبحانه يجري العدل في عامة شؤونه في خلقه وتشريعه فهو عادل ذاتاً وفعلاً.

وتشهد على ذلك مضافاً إلى شهادته سبحانه به، شهادة الملائكة وأُولي العلم، فكأنّ الآية تنحل إلى الجمل التالية:

__________________

١. آل عمران: ١٨.

١٧

١. « شهد الله أنّه لا إله إلّا هو قائماً بالقسط ».

٢. « شهدت الملائكة أنّه لا إله إلّا هو قائماً بالقسط ».

٣. « شهد أُولو العلم أنّه لا إله إلّا هو قائماً بالقسط ».

فالآية تدلُّ على شهادته سبحانه على أمرين:١

الأوّل: لا إله إلّا هو، لا نظير له.

الثاني: أنّه قائم بالقسط.

ومن المعلوم أنّ الشهادتين ليستا من مقولة الشهادة اللفظية، وإنّما هي من مقولة الشهادة التكوينية، ففعله سبحانه في عالم الخلقة يدل على أمرين:

الأوّل: لا خالق ولا مدبّر إلّا هو، فانّ اتقان النظام، وسيادته على جميع الكائنات من الذرّة إلى المجرّة، لأوضح دليل على أنّ الخالق والمدبّر واحد، وإلّا لانفصمت عرىٰ الانسجام والاتصال بين أجزاء الكون، وقد أوضحنا في محلّه أنّ تعدّد العلّة واختلاف السببين يستلزم اختلافاً في المسبب، فلا يمكن أن يكون النظام الواحد معلولاً لفاعلين مدبّرين مختلفين في الحقيقة.

الثاني: يشهد فعله سبحانه في عالم التكوين والتشريع أنّه سبحانه عادل وقائم بالعدل.

وأفضل كلمة قيلت في تعريف العدل هي ما روي عن عليٍّعليه‌السلام، حيث قال:

« العدل يضع الأُمور مواضعها ».٢

__________________

١. ما ذكرنا مبنيٌّ على أنَّ قيامه بالقسط منا لمشهود به خلافاً للسيّد الطباطبائي حيث خصَّ الشهادة بالتوحيد.

٢. نهج البلاغة: قسم الحكم، برقم ٤٣٧.

١٨

بيان ذلك انّ لكلّ شيء وضعاً خاصاً يقتضيه إمّا بحكم العقل، أو بحكم الشرع والمصالح الكليّة في نظام الكون، فالعدل هو رعاية ذلك الوضع وعدم الانحراف إلى جانب الإفراط والتفريط.

نعم موضع كلّ شيء بحسبه، ففي التكوين بوجه، وفي المجتمع البشري بوجه آخر، وهكذا. وبلحاظ اختلاف موارده تحصل له أقسام ليس هنا مقام بيانها، إلّا أنّ العدل بالنسبة إلى الله تعالى علىٰ أنحاء ثلاثة:

١. العدل التكويني : وهو إعطاؤه تعالى كلّ موجود ما يستحقه ويليق به من الوجود فلا يهمل قابلية، ولا يعطل استعداداً في مجال الإفاضة والإيجاد.

٢. العدل التشريعي: وهو أنّه تعالىٰ لا يهمل تكليفاً فيه كمال الإنسان وسعادته، وبه قوام حياته المادية والمعنوية الدنيوية، والأُخروية، كما أنّه لا يكلّف نفساً فوق طاقتها.

٣. العدل الجزائي: وهو أنّه تعالى لا يساوي بين المصلح والمفسد، والمؤمن والمشرك، في مقام الجزاء والعقوبة، بل يُجزي كلّ إنسان بما كسب، فيُجزي المحسن بالإحسان والثواب، والمسيء بالإساءة والعقاب، كما أنّه تعالى لا يعاقب عبداً على مخالفة التكاليف إلّا بعد البيان والإبلاغ.

وبذلك تبيَّن معنى الآية، وشهادته سبحانه على كونه قائماً بالقسط في جميع الأنحاء.

وأمّا شهادة الملائكة وأُولي العلم وذلك فبتعليم منه سبحانه.

وأمّا سائر الآيات التي أوردناها في صدر الفصل، فهي غنية عن التفسير، لأنّها بصدد بيان أنّ العذاب في الدنيا والآخرة رهن عمل الإنسان، فلو عُذّب فإنّما

١٩

هو لأجل القبائح والذنوب التي اقترفها، يقول سبحانه:( ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) .١

وقال عزّ من قائل:( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .٢

والله سبحانه لا يظلم عباده ولو جاء العبد بحسنة يضاعفها، كما قال سبحانه:( وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) .٣

ولأجل إيضاح عدله سبحانه في عالم التكوين والتشريع نعطف النظر إلى آيات تدل على ذلك في الفصل التالي.

__________________

١. آل عمران: ١٨٢.

٢. التوبة: ٧٠.

٣. النساء: ٤٠.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

شاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ » ».

ورواه البرقيُّ، عن أبيه، عن النَّضر بن سُوَيد، عن القاسم بن سليمان، عن جرَّاح المدائنيّ قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام - وذكر مثله -.

١٢ - وجدت في بعض الكُتُبِ: محمّد بن سِنان، عن المفضّل(١) « قال: قال: مَن قرء « إنّا أنْزَلْناه » عند قبر مؤمن سبع مرّات بعث الله إليه مَلَكاً يعبدالله عند قبره، ويكتب [له و] لِلميّت ثواب ما يعمل ذلك المَلَكَ، فإذا بعثه الله من قبره لم يمرَّ على هَول إلاّ صرفه الله عنه بذلك المَلَك [الموَكّل] حتّى يدخله الله به الجنّة، وتقرء بعد «الحمد » «إنّا أنْزَلْناه » سَبعاً، و «المعَوَّذَتَين »، و «قُلْ هُوَ الله أحَد » و «آية الكُرْسيّ » ثلاثاً ثلاثاً »(٢) .

١٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اُورَمَةَ، عن النَّضر بن سُويد، عن عاصِم بن حَميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا مرَّ بقبور قوم من المؤمنين قال: «السَّلام عَلَيْكُمْ مِنْ دِيارِ قَومٍ مُؤمِنينَ، وَإنّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ » ».

١٤ - و [أبي]، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن أورَمَة، عن عليِّ بن الحكم، عن ابن عجلان « قال: قام أبو جعفرعليه‌السلام على قبر رجلٍ فقال: «اللّهُمَّ صِلْ وَحْدَتَهُ، وَآنِس وَحْشَتَهُ، وَأسْكِنْ إلَيْهِ مِنْ رَحْمَتِكَ ما يسْتَغْني بِهِ عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِواكَ » ».

١٥ - وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد أبي عبدالله البرقيِّ، عن الحسن بن عليٍّ الوَشّاء، عن عليِّ بن أبي حمزة « قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام كيف نسلّم على أهل القبور؟ قال: نَعَم؛ تقول: «السَّلامُ

__________________

١ - في بعض النّسخ: « الفضيل » مكان « المفضّل ».

٢ - في بعض النّسخ: « ويقرء مع « إنّا أنزلناه » سورة الحمد والمعوّذتين و « قل هو الله أحد » و « آية الكرسيّ » ثلاث مرّات كلّ سورة، و « إنّا أنزلناه » سبع مرّات ».

٣٤١

عَلى أهْل الدِّيارِ مِنَ المؤمِنينَ وَالمؤمِناتِ، وَالمْسلِمينَ وَالمسْلِماتِ، أنْتُمْ لَنا فَرَطٌ وَإنّا بِكُمْ إنْ شاءَ اللهُ لاحِقُونَ » ».

١٦ - حدّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين؛ وغيرهما، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن هارونَ بن الجَهْم، عن المفضّل بن صالِح، عن سعد بن طَريف، عن الأصْبَغ بن نُباتة « قال: مرَّ عليُّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على القبور فأخذ في الجادّة، ثمَّ قال عن يمينه:

«السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهْلَ القُبُورِ مِنْ أهْلِ الْقُصُورِ، أنْتُمْ لَنا فَرَطٌ وَنحنُ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإنّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ »؛ ثمَّ التفت عن يساره فقال: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا أهْلُ الْقُبُورِ » - إلى آخره - ».

١٧ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد - عمّن ذكره - عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ، عن أبيه، عن سَعدانَ بنِ مسلم، عن عليِّ بن أبي حمزةَ، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: يخرج أحدكم إلى القبور فيسلّم ويقول:

«السَّلامُ عَلى أهْل الْقُبُورِ، السَّلامُ عَلى مَنْ كانَ فيها مِنَ المؤمِنينَ وَالمسْلِمينَ، أنْتُم لَنا فَرَطٌ ونحنُ لَكُم تَبَعٌ وَإنّا بِكُمْ لاحِقُونَ، وَإنّا للهِ وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ، يا أهْلَ الْقُبُورِ بَعْدَ سُكنى الْقُصُورِ، يا أهْلَ الْقُبُورِ بَعْدَ النِّعْمَةِ والسُّرُورِ، صِرْتُمْ إلى الْقُبُورِ، يا أهْلَ الْقُبُورِ كَيْفَ وَجَدْتُمْ طَعْمَ المَوْتِ؟! ». ثمَّ يقول: «وَيْلٌ لِمَنْ صارَ إلىَ النّارِ »، ثمَّ يُهْرَق دَمعتُه وينصرف ».

١٨ - وعنه بإسناده، عن البرقيِّ قال: حدَّثنا بعض أصحابنا، عن عبّاس بن عامر القَصبانيِّ، عن يقطين قال: أخبرنا رَبيع بن محمّد المسليُّ(١) « قال: كان أبو عبداللهعليه‌السلام إذا دَخل الجَبّانة(٢) تقول: «السَّلامُ عَلى أهْلِ الجنَّةِ ».

__________________

١ - مُسْلِيّة قبيلة من مَذْحج، ومحلّة لهم بالكوفة. ( اللّباب )

٢ - الجَبَانة - بالفتح ثمَّ التّشديد -؛ والجبّان في الأصل الصّحراء، وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة كما يسمّيها أهل البصرة المقبرة، وبالكوفة محالّ تسمّى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل. ( المعجم )

٣٤٢

الباب السّادس والمائة

( فضل زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام بقمّ)

١ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن سعد بن سعد، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام « قال: سألته عن زيارة فاطمة بنت موسىعليه‌السلام ، قال: مَن زارها فلَه الجنَّة ».

٢ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وأخي والجماعة، عن أحمدَ بن إدريسَ؛ وغيره، عن العَمْركي بن عليٍّ البُوفكيّ - عمّن ذكره - عن ابن الرِّضاعليهما‌السلام « قال: مَن زار قبر عَمَّتي بقمّ فله الجنَّة ».

الباب السّابع والمائة

( فضل زيارة قبر عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ بالرَّيِّ)

١ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن محمّد بن يحيى العطّار - عن بعض أهل الرَّيّ - « قال: دخلت على أبي الحسن العَسكريّعليه‌السلام فقال: أين كنت؟ فقلت: زُرتُ الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، فقال: أما إنّك لو زُرْت قبر عبدالعظيم عندكم لكُنتَ كمن زار الحسينعليه‌السلام »(١)

* * * * *

__________________

١ - ورواه الصّاحب ابن عبّاد في ترجمة عبدالعظيم في رسالته المعمولة فيها الموجودة عندنا، وفيه إيعاز إلى خصوصيّة الرّجل ( الرّاويّ ) واختصاصه به، فكأنّه كان ممّن لا يزور عبدالعظيم مع قربه منه، وكان يزهد ويرغب عنه، ولا يعرف مكانته وفضله. ( الأمينيّ رحمه الله ) أقول: ذلك على فرض صحّة قول الرَّاويّ المجهول. وإلاّ لا يقاس بالحسين عليه السلام وزيارته أحدٌ حتّى الأئمّة المعصومين عليهم السلام، ولاُستاذنا الغفّاريّ - أيّده الله - في هذا الخبر بيانٌ راجع ثواب الأعمال المترجم ص ١١٤ طبع مكتبة الصَّدوق.

٣٤٣

الباب الثّامن والمائة

( نَوادر الزِّيارات)

١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ(١) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: إنَّ عندكم - أو قال: في قُرْبكم - لفضيلة ما اُوتي أحدٌ مثلها، وما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها، ولا تحافظون عليها ولا على القيام بها، وإنَّ لها لأهلاً خاصّة قد سمّوا لها، واُعطوها بلا حول منهم ولا قوّة إلاّ ما كان من صنع اللهِ لهم وسعادة حَباهم [الله] بها ورحمة ورأفة وتقدّم.

قلت: جُعِلت فِداك وما هذا الّذي وصفتَ لنا ولم تُسمّه؟ قال: زيارة جدَّي الحسين [بن عليٍّ]عليهما‌السلام فإنّه غريب بأرض غُرْبَة، يبكيه من زارَه، ويحزنُ له من لم يَزُرْه، ويحرق له مَن لم يشهده ويرحمه مَن نظر إلى قبر ابنه عندَ رِجله في أرض فَلاة، لا حميم قربه ولا قريب، ثمَّ منع الحقّ وتوازَرَ عليه أهل الرِّدَّة حتّى قتلوه وضَيّعوه وعرضوه للسّباع، ومَنعوه شُربَ ماءِ الفُرات الَّذي يشربه الكِلاب، وضيّعوا حَقَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّته به وبأهل بيته، فأمسى مَجفُوّاً في حفرته، صَريعاً بين قرابته، وشيعته بين أطباق التّراب، قد أوحش قربه في الوحدة والبُعد عن جدِّه، والمنزل الَّذي لا يأتيه إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان وعرَّفه حقّنا.

فقلت له: جُعِلتُ فِداك قد كنتُ آتيه حتّى بليتُ بالسّلطان وفي حفظ أموالهم وأنا عندهم مشهورٌ فتركت للتّقية إتيانه وأنا أعرف ما في إتيانه من الخير،

____________

١ - كذا في النّسخ، ولا يخفى ما في السّند، وهو إمّا أن يكون « البصريّ » مصحّف « الأنصاري »، أو الواسطة سقطت من النّسخ، والثّاني أظهر بالمقام، لأنّه أقلّ ما يكون بينه وبين الصّادق عليه السلام واسطة. وعليّ بن محمّد بن سليمان يروي عن أبي جعفر الثّاني والعسكريّ عليهما السلام.

٣٤٤

فقال: هل تدري ما فضل من أتاه وماله عندنا من جَزيل الخير؟ فقلت: لا، فقال: أمّا الفضل فيباهيه ملائكةُ السّماء، وأمّا ما له عندنا فالتّرحم عليه كلِّ صباح ومساء.

ولقد حدَّثني أبي أنّه لم يَخلُ مكانه منذ قُتِل مِن مُصلٍّ يصلّي عليه من الملائكة، أو مِن الجِنّ، أو مِن الإنس، أو مِن الوَحش، وما مِن شيءٍ إلاّ وهو يغبط زائره ويتمسّح به ويرجو في النَّظر إليه الخير لنظره إلى قبره [عليه‌السلام ]، ثمّ قال: بلغني أنَّ قوماً يأتونه مِن نواحي الكوفة و[اُ] ناساً من غيرهم ونِساء يَنْدُبْنَه، وذلك في النّصف من شعبان، فمن بين قارىء يقرء، وقاصٍّ يقصّ، ونادبٍ يندب، وقائل يقول المراثي.

فقلت: نَعَم جُعِلتُ فِداك قد شَهدتُ بعض ما تصف، فقال: الحمدُ للهِ الّذي جعل في النّاس مَن يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عَدؤنا من يطعن عليهم مِن قرابتنا وغيرهم يَهْذؤنهم(١) ويقبّحون ما يصنعون ».

٢ - وبهذا الإسناد، عن عبدالله الأصمّ، عن عبدالله بن بُكَير الأرجاني(٢) « قال: صَحبت أبا عبداللهعليه‌السلام في طريق مكّة من المدينة فنزلنا منزلاً يقال له: عُسْفان(٣) ثمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطّريق موحشٍ، فقلت له: يا ابن رَسول الله ما أوحش هذا الجبل! ما رأيت في الطّريق مثل هذا، فقال لي: يا ابن بُكَير أتدري أيّ جبل هذا؟ قلت: لا، قال: هذا جبل يقال له: « الكمد » وهو على

__________________

١ - هذأه يَهْذَأه، هذأ العدوّ: أهلكهم، وفلاناً بلسانه، آذاه واسمعهم ما يكره. وفي بعض النّسخ: « يهدرونهم » على بناء يضرب ويكرم، أي يبطلون دمهم.

٢ - في بعض النّسخ: « عبدالله بن بكر »، وفي كتب الرّجال: عبدالله بن بكر الأرّجاني مرتفع القول، ضعيف ( قاله العلاّمة )، وكذا عبدالله بن بكير الأرجانيّ، وبكلى العنوانين موجودٌ، وأمّا المراد بـ « بكير » ولو قلنا بصحّته هو غير بكير بن أعين الشِّيْبانيّ.

٣ - عسفان - بالضّمّ ثمّ السّكون -: قرية على مرحلتين من مكّة على طريق المدينة، وقرية جامعة على ستّة وثلاثين ميلاً من مكّة. ( معجم البلدان )

٣٤٥

وادٍ من أودية جهنّم، وفيه قَتَلَة أبي؛ الحسينعليه‌السلام ، استودعهم، فيه تجري من تحتهم مياه جَهنّم من الغِسلين والصَّديد والحَميم وما يخرج من جبّ الجوّي (١) وما يخرج من الفَلق من آثام (٢) وما يخرج من الخَبال (٣) وما يخرج من جَهنّم ومايخرج من لَظى (٤) ومن الحُطَمَة، وما يخرج من سَقَر وما يخرج من الحميم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السّعير، وما مَرَرت بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلاّ رأيتهما يستغيثان إلي وإني لأنظر إلى قَتَلَة أبي، وأقول لهما (٥) : إنّما هؤلاء فعلوا ما أسّستما لم ترحمونا إذ ولّيتم وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على قتلنا (٦) واستبددتم بالأمر دوننا، فلا رَحِمَ الله مَن يرحمكما، ذوقا وبال ما قدّمتما، وما الله بظلاّم للعبيد، وأشدّهما تضرُّعاً واستكانة الثّاني، فربّما وقفت عليهما ليتسلّى عنّي بعض ما في قلبي، وربّما طويت الجبل الّذي هما فيه وهو جبل الكمد، قال: قلت له: جُعِلتُ فِداك فإذا طويت الجبل فما تسمع؟ قال: أسمع أصواتهما يناديان: عرّج علينا نكلّمك فإنّا نتوب، وأسمع من الجبل صارخاً يصرخ بي: أجبهما وقل لهما: اخسؤوا فيها ولا تكلّمون! قال: قلت له: جُعِلتُ فِداك ومن معهم؟ قال: كلّ فرعون عَتا على الله وحكى الله عنه فِعاله، وكلُّ من علّم العباد الكفر، فقلت: مَن هُم؟ قال: نحو « بولس » الّذي علّم اليهود أنَّ يد الله مغلولَة، ونحو

__________________

١ - أي المتغيّر المنتن. وفي بعض النّسخ: « جبّ الحوى »،

وقال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله: لعلّه تصحيف « جبّ الحزن » لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: « تعوّذوا بالله من جبّ الحزن » وهو اسم جبّ في جهنّم.

٢ - وفي رواية شيخنا المفيد رحمه الله: « وما يخرج من آثام » وهو جزاء الإثم وعقوبته، كما في قوله تعالى: «ومن يفعل ذلك يلق أثماً ». والمراد ما يخرج من المجرمين في عقوبتهم من القيح والدَّم. ( العلاّمة الأمينيّ - ره - )

٣ - هي سديد أهل النّار. وفي البحار: « وما يخرج من طينة الخبال ».

٤ - لَظى اسمٌ من أسماء النّار، ولاينصرف للعلمية والتأنيث. ( النهاية ).

٥ - قيل: المراد بهما قابيل وعاقر ناقة صالح.

٦ - في بعض النّسخ: « على حقّنا ».

٣٤٦

« نسطور » الَّذي علّم النّصارى أنَّ عيسى المسيح ابن الله، وقال لهم: هم ثلاثة، ونحو فرعون موسى الَّذي قال: أنا رَبُّكم الأعلى، ونحو نمرود الَّذي قال: قهرتُ أهل الأرض وقتلتُ مَن في السَّماء، وقاتل أمير المؤمنين، وقاتل فاطمة ومحسن، وقاتل الحسن والحسين، فأمّا معاوية وعَمرو (١) فما يطمعان في الخلاص، ومعهم كلُّ من نصب لنا العّداوة، وأعان علينا بلسانه ويده وماله، قلت له: جعلت فداك فأنت تسمع ذا كلّه لا تفزع؟ قال: يا ابن بُكير إنَّ قلوبنا غير قلوب النّاس، إنّا مطيعون مصفّون مصطفون، نرى ما لا يرى النّاس، ونسمع ما لا يسمع النّاس، وأنّ الملائكة تنزل علينا في رِحالنا، وتتقلّب في فُرُشنا، وتشهد طعامنا، وتحضر موتانا، وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون، وتصلّي معنا، وتدعو لنا وتلقى علينا أجنحتها، وتتقلّب على أجنحتها صبياننا، وتمنع الدَّوابِّ أن تصل إلينا، وتأتينا ممّا في الأرضين مِن كلِّ نباتٍ في زَمانه، وتسقينا مِن ماء كلِّ أرض نجد ذلك في آنيتِنا، وما مِن يوم ولا ساعةٍ ولا وقت صَلاةٍ إلاّ وهي تتهيّأ لها (٢) ، وما مِن لَيلة تأتي علينا إلاّ وأخبار كلّ أرض عِندنا، وما يحدث فيها وأخبار الجنّ وأخبار أهل الهَوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلاّ أتانا خبره، وكيف سيرته في الَّذين قبله، وما مِن أرضٍ مِن سِتَّة أرضين إلى السّابِعة إلاّ ونحن نؤتى بخبرهم، فقلت: جُعلتُ فداك فأين منتهى هذا الجبل؟ قال: إلى الأرض السّابعة(٣) ، وفيها جهنّم على وادٍ من أوديته، عليه حفظة أكثر من نجوم السّماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثّرى، قد وُكِّل كل ملك منهم بشيء وهو مقيم عليه لا يفارقه، قلت: جُعِلْتُ فِداك إليكم جميعاً يلقون الأخبار؟ قال: لا إنّما يلقى ذلك إلى صاحب الأمر، إنّا لنحمل ما لا يقدر العباد على الحكومة فيه فنحكم فيه فمن

__________________

١ - هو ابن العاص كما في رواية المفيد أو غيره في كتابه « الاختصاص ».

٢ - في رواية غير المؤلّف: « وهي تمنّيها لها ».

٣ - في بعض النّسخ: « السّادسة ».

٣٤٧

لم يقبل حكومتنا جَبَرتْه الملائكة على قولنا وأمرتِ الَّذين يحفظون ناحيته أن يَقْسِروه (١) على قَولنا، وإن كان من الجنّ من أهل الخلاف والكفر أوثَقْتَه وعذّبته حتّى يصير إلى ما حكمنا به، قلت: جُعلتُ فِداك فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب؟ فقال: يا ابن بُكَير فكيف يكون حُجّة الله على ما بين قطريها وهو لا يَراهم ولا يحكم فيهم؟! وكيف يكون حجّةً على قوم غيّب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه؟ وكيف يكون مؤدّياً عن الله وشاهداً على الخلق وهو لا يراهم؟ وكيف يكون حجّةً عليهم وهو محجوب عنهم؟ وقد جعل (٢) بينهم وبينه أن يقوم بأمر رَبّه فيهم، والله يقول: «وَما أرْسَلْناكَ إلاّ كافَّةً لِلنّاسِ (٣) » يعني به مَن على الأرض والحجَّة مِن بعد النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم مقام النَّبيِّ مِن بعده وهو الدَّليل على ما تشاجَرَتْ فيه الاُمّة، والأخذ بحقوق النّاس، والقيام بأمر الله، والمنصف لبعضهم مِن بعضٍ، فإذا لم يكن معهم مَن ينفذ قوله وهو يقول: «سَنُريِهمْ آياتِنَا في الآفاق وَفي أنْفُسِهِمْ (٤) »، فأيُّ آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق وقال: «ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إلاّ هي أكْبر مِنْ اُخْتِها (٥) »، فأيُّ آية أكبر منّا، والله إنَّ بني هاشم وقريشاً لتعرف ما أعطانا الله ولكنَّ الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس، وإنّهم ليأتوننا إذا اضطرّوا وخافوا على أنفسهم فيسألونا فنوضح لهم فيقولون: نشهد أنّكم أهل العلم، ثمَّ يخرجون فيقولون: ما رأينا أضلَّ ممَّنِ اتَّبع هؤلاء ويقبل مقالتهم!

قلت: جُعِلتُ فِداك أخبرني عن الحسينعليه‌السلام لو نُبشَ(٦) كانو يجدون في

__________________

١ - قَسَره على الأمر: قهره وأكرهه عليه.

٢ - في لفظ غير المؤلّف: « قد حيل ».

٣ - سبأ: ٢٨.

٤ - فصّلت: ٥٣، وقال الاُستاذ الغفّاريّ - أيّده الله -: المراد بـ « الآيات » على ما يظهر مِن سياق الكلام الآيات التخويفيّة، يعني القحط والغلاء والنّكبات والأمراض، وضمير « هم » يرجع إلى الكفّار والمشركين، والله يعلم.

٥ - الزّخرف: ٤٨.

٦ - تقدّم هذه الفقرة من قوله: « قلت: جعلت فداك » إلى آخر الخبر في ص ١١٠ تحت رقم ٧.

٣٤٨

قبره شيئاً؟ قال: يا ابن بكير ما أعظم مسائلك! الحسينعليه‌السلام مع أبيه واُمّه وأخيه الحسن في منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يحبون كما يحبى، ويرزقون كما يرزق، فلو نبش في أيّامه (١) لَوُجِد؛ وأمّا اليوم فهو حَيٌّ عند ربّه يرزق وينظر إلى مُعَسْكره وَينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله وأنّه لعلى يمين العرش متعلّق ( كذا ) يقول: يا رَبّ أنجزْ لي ما وَعدتَني، وإنّه لينظر إلى زُوَّاره وهو أعرف بهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند الله من أحدكم بولده وما في رَحله وأنّه ليرى مَن يبكيه فيستغفر له رحمةً له، ويسأل أباه الاستغفار له ويقول: لو تعلم أيّها الباكي ما أعدَّ لك لفرحتَ أكثر ممّا جزعتَ، فليستغفر له كلُّ مَن سمع بُكاءَه مِن الملائكة في السَّماء وفي الحائر، وينقلب وما عليه مِن ذنبٍ ».

٣ - حدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن عدَّة من أصحابه، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما مِن نَبيٍّ ولا وصيّ نبيِّ يبقى في الأرض بأكثر مِن ثلاثة أيّام ثمَّ ترفع روحُه وعَظْمُه ولَحمُه إلى السّماء، وإنّما تؤتى مواضع آثارهم ويبلّغونهم مِن بعيدٍ السَّلامَ ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب »(٣) .

__________________

١ - بيّنها الحديث الآتي بعد هذا الحديث.

٢ - في بعض النّسخ: « زياد بن جلاّل » وفي بعضها: « أبي الجلال »، وكلاهما تصحيف. وما في المتن - بالحاء المهملة - معنون في رجال الشّيخ تارةً من أصحاب الباقر واُخرى من أصحاب الصّادق عليه السلام، وهو ثقة.

٣ - قال استاذنا الغفّاريّ - أيّده الله -: هنا شبهة مشهورة، وهي أنّ نوح عليه السلام نقل عظام آدم عليه السلام من الماء، أو سرنديب إلى الغري، وكذا موسى عليه السلام نقل عِظام يوسف عليه السلام من مصر إلى بيت المقدِس، ورأس الحسين عليه السلام نقل من كربلاء إلى الشّام ومن الشّام إلى النّجف أو كربلاء، وأنّ بعض أهل الكتاب كان يأخذ عظم نبيٍّ من الأنبياء: بيده ويستسقى وكان بإذن الله ينزل المطر حتّى أخذ منه ذلك العظم فما نزل بعد ذلك باستسقائه، وقد نطقت الأحاديث بتلك الوقايع. ووجّه بإمكان العود بعد تلك الأيّام، ولا يخفى ما فيه ومنافاته لتتمّة الخبر.

واحتمل الفيض قدس سره في الوافي بأن يكون المراد باللّحم والعظم المرفوعين المثاليّين

٣٤٩

وحدَّثني أبيرحمه‌الله ومحمّد بن يعقوبَ، عن محمّد بن يحيى؛ وغيره، عن أحمدَ بنِ محمّد، عن عليِّ بن الحكم، عن زياد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام - مثله(١) .

٤ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن محمّد بن يحيى، عن أحمدَ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيلَ بن بزيع - عن بعض أصحابه - رَفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت: نكون بمكّة أو بالمدينة أو بالحائر أو المواضع الّتي يُرجى فيها الفضل فربّما يخرج الرَّجل يتوضّأ فيجيء الآخر فيصير مكانه، قال: مَن سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته ».

٥ - حدَّثني أبو العبّاس محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن مَنيع، عن صَفوانَ بن يحيى، عن صَفوانَ بن مِهرانَ الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: أهون ما يكسب زائر الحسينعليه‌السلام في كلِّ حسنة ألف ألف حسنةٍ، والسّيّئة واحدة، وأين الواحدة من ألف ألف؟! ثمَّ قال: يا صَفوانُ أبشر فإنَّ ‏لله ملائكةٌ معها قضبان من نور فإذا أراد الحفظة أن تكتب على زائر الحسينعليه‌السلام سيّئة، قالت الملائكة للحفظة: كفّي، فتكفّ، فإذا عمل حسنة قالت لها: اكتبي اُولئك الَّذين يبدُّل الله سيّئاتهم حسنات ».

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن

__________________

منها أعني البرزختين، وذلك لعدم تعلّقهم بهذه الأجساد العنصرية فكأنّهم وَهم بعدُ في جلابيب من أبدانهم قد نفضوها وتجرّدوا عنها فضلاً عمّا بعد وفاتهم، والدّليل على ذلك من الحديث قولهم عليهم السلام: « إنّ الله خلق أرواح شيعتنا ممّا خلق منه أبداننا »، فأبدانهم عليهم السلام ليست إلاّ تلك الأجساد اللّطيفة المثالية، وأمّا العنصريّة فكأنّها أبدان الأبدان - ثمّ أيّد قوله بما تقدّم من إخراج نوح عظام آدم عليهما السلام، وكذا خبر موسى وإخراجه عظام يوسف عليهما السلام، وقال: - فلو لا أنّ الأجسام العنصرية منهم تبقى في الأرض لما كان لاستخراج العظام ونقلها من موضع إلى آخر بعد سنين مديدة معنى، وإنّما يبلّغونهم من بعيد السّلام لأنّهم في الأرض وهم عليهم السلام في السّماء - إلخ. وقيل: لعلّ صدور أمثال هذا الخبر لنوع مصلحة توريةً لقطع أطماع الخوارج وبني أميّة وأضرابهم بالنّبش، والله يعلم.

١ - الخبر مذكور في الكافي والتّهذيب والفقيه وبصائر الدّرجات بتفاوت يسير في اللّفظ.

٣٥٠

عيسى، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن أبي الحسن الحَذّاء « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنّ إلى جانبكم مقبرة يقال لها: « براثا »(١) يحشر منها عشرون ومائة ألف شهيدٍ كشهداء بدر ».

٧ - وروى عن محمّد بن مَروان قال: حدَّثنا محمّد بن الفضل(٢) « قال: سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: مَن زارَ قبر الحسينعليه‌السلام في شهر رَمضان ومات في الطّريق لم يعرض ولم يحاسب، ويقال له: ادخل الجنّة آمناً ».

٨ - حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن - رحمهما الله - جميعاً، عن الحسين بن سعيد قال: حدّثنا عليُّ بن السّحت الخّزّاز قال: حدَّثنا حفص المزنيُّ، عن عُمَر بن بياض، عن أبان بن تَغلب « قال: قال لي جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : يا أبان متى عهدك بقبر الحسينعليه‌السلام ؟ قلت: لا والله يا ابن رسول الله؛ ما لي به عهد منذ حين، فقال: سبحان اللهِ العظيم وأنت مِن رُؤساء الشِّيعة تترك زيارة الحسينعليه‌السلام ، لا تزوره؟!! مَن زارَ الحسينعليه‌السلام كتب الله له بكلِّ خُطْوةٍ حسنةً، ومحى عنه بكلِّ خطوة سيّئة، وغفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر، يا أبان لقد قُتل الحسينعليه‌السلام فهبط على قبره سبعون ألف ملكٍ شُعْث غُبر يبكون عليه وينوحون عليه إلى يوم القيامة ».

٩ - حدَّثني الحسين بن محمّد بن عامِر، عن المعلّى بن محمّد البَصريّ، عن عليِّ بن أسباط، عن الحسن بن الجَهْم « قال: قلت لأبي الحسن الرِّضاعليه‌السلام : أيّهما أفضل: رَجلٌ يأتي مكّة ولا يأتي المدينة، أو رجل يأتي النَّبيِّ ولا يأتي مكّة(٣) ؟ قال: فقال لي: أيُّ شيء تقولون أنتم؟ فقلت: نحن نقول في الحسينعليه‌السلام ، فكيف في النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! قال: أما لئن قلت ذلك لقد شهد أبو عبداللهعليه‌السلام عيداً بالمدينة فانصرف فدخل على النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه، ثمَّ قال لمن حضره: أما لقد فضّلنا

__________________

١ - كذا، و « براثا » من أشرف المساجد في جبّانة تقع بين بغداد والكاظمين.

٢ - كذا في بعض النّسخ، وفي بعضها: « عبيد بن عقيل »، وفي البحار: « محمّد بن الفضيل »، وفي المنقول عن الشّيخ: « عبيد بن الفضل ».

٣ - في البحار: « ولا يبلغ مكّة ».

٣٥١

أهل البلدان كلّهم مكّة فمن دونها لسلامنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

١٠ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع - عن بعض أصحابه - يرفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قلت: نكون بمكّة أو بالمدينة أو بالحائر أو المواضع الّتي يرجى فيها الفضل، فربّما يخرج الرَّجل ليتوضّأ فيجيء آخر فيصير مكانه، قال: مَن سبق إلى موضع فهو أحقُّ به يومه وليلته ».

١١ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ(١) ، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لمّا اُسرِي بالنَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السّماء قيل له: إنّ الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صَبرُك، قال: أسلم لأمرك يا رَبِّ ولا قوَّة لي على الصَّبر إلاّ بك فما هُنَّ؟ قيل له: أوَّلهنَّ الجوع والأثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يا رَبِّ ورضيت وسلَّمت ومنك التَّوفيق والصَّبر، وأمّا الثّانية فالتّكذيب والخوف الشَّديد وبذلُكَ مُهْجَتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك، والصَّبر على ما يصيبك منهم مِن الأذى ومِن أهل النِّفاق، والألم في الحرب والجراح، قال: قبلتُ يا رَبِّ ورضيت ومنك التَّوفيق والصَّبر، وأما الثالثة فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك عليٌّ فيلقى مِن أمَّتك الشَّتم والتَّعنيف والتَّوبيخ والحِرمان والجحد والظُّلم وآخر ذلك القتل، فقال: يا ربِّ قبلتُ ورَضيتُ ومنك التَّوفيق والصَّبر، وأمّا ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقُّها غَصباً الَّذي تجعله لها وتُضرَب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثمَّ يمسّها هوان وذلٌّ، ثمَّ لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضَّرب وتموت من ذلك الضَّرب، قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قَبلتُ يا ربِّ وسلّمت ومنك التَّوفيق والصَّبر، ويكون لها مِن أخيك ابنان

__________________

١ - هو بصريّ، قال النّجاشيّ والعلاّمة: هو ضعيف، غال، ليس بشيء.

٣٥٢

يقتل أحدهما غَدْراً ويُسلب ويطعن، تفعل به ذلك اُمَّتك، قلت: يا رَبِّ قبلتُ وسلّمتُ إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ومنك التّوفيق للصّبر.

وأمّا ابنها الآخر فتدعوه اُمَّتك للجِهاد ثمَّ يقتلونه صَبراً، ويقتلون وُلده ومَن معه مِن أهل بيته، ثمَّ يسلُبون حَرمه، فيستعين بي وقد مضى القضاء منّي فيه بالشَّهادة له ولمن معه، ويكون قتله حُجّةً على من بين قطريها، فيبكيه أهل السّماوات وأهل الأرضين جَزَعاً عليه، وتبكيه ملائكة لم يدركوا نصرته، ثمَّ أخرج مِن صلبه ذكراً به أنصرك وأنَّ شبحه عندي تحت العرش(١) يملأ الأرض بالعدل ويطبقها بالقسط، يسير معه الرُّعب، يقتل حتّى يشكّ فيه، قلت: إنّا لله!

فقيل: ارفع رأسك، فنظرت إلى رَجلٍ أحسن النّاس صورةً وأطيبهم ريحاً، والنّور يسطع مِن بين عَينيه ومِن فوقه ومِن تحته، فدعوته فأقبل إليَّ وعليه ثياب النُّور وسيما كلِّ خير حتى قَبَّل بين عَيني، ونظرت إلى الملائكة قد حفّوا به، لا يحصيهم إلاّ الله عزَّوجَلَّ، فقلت: يارَبِّ لمن يغضب هذا ولمن أعددت هؤلاء؟ وقد وعدتَني النَّصر فيهم فأنا انتظره منك؟ وهؤلاء أهلي وأهل بيتي وقد أخبرتَني ممّا يلقون مِن بعدي ولئن شئتَ لأعطيتني النًّصر فيهم على مَن بغى عليهم، وقد سلَّمتُ وقبلتُ ورضيت ومنك التّوفيق والرِّضا والعون على الصَّبر، فقيل لي: أمّا أخوك فجزاؤه عندي جنّة المأوى نُزُلاً بصبره، أفلح حجّته على الخلائق يوم البعث، واُولّيه حَوضَك يسقي منه أولياءَكم ويمنع منه أعداءَكم، وأجعل جهنَّم عليه بَرداً وسلاماً، يدخلها فيُخرج مَن كان في قلبه مثقال ذرَّة مِن المودَّة، وأجعل منزلتكم في درجةٍ واحدةٍ في الجنّة، وأمّا ابنك المخذول المقتول، وابنك المعذور المقتول صبراً، فإنّهما ممّا اُزيّن بهما عرشي، ولهما من الكَرامة سِوى ذلك ممّا لا يخطر على قلب بشر لما أصابهما من البلاء فعليّ فتوكّل، ولكلِّ مَن أتى قبرَه مِن الخلق من الكرامة لأنَّ زوَّاره زوَّارك و

__________________

١ - وفي بعض النّسخ: « ثمّ أخرج من صلبه ذكراً انتصر له به وأنَّ شبحه عندي تحت العرش ».

٣٥٣

زوَّارك زوَّاري، وعليَّ كَرامة زوَّاري (١) وأنا اُعطيه ما سأل وأُجزيه جزاءً يغبطه مَن نظر إلى عظمتي إيّاه، وما أعددت له مِن كرامتي.

وأمّا ابنتك فإنّي أوقفها عند عرشي فيقال لها: إنَّ الله قد حكمكِ في خلقه فمن ظلمكِ وظلم وُلدكِ فاحكمي فيه بما أحببتِ فإنّي اُجيز حكومتِك فيهم، فتشهد العرصة فإذا وقف مَن ظَلَمها أمرتُ به إلى النّار، فيقول الظّالم: واحسرتا! على ما فرَّطْتُ في جنب الله، ويتمنّى الكَرَّة(٢) ، ويعضّ الظّالم على يديه ويقول: يا ليتني اتّخذت مع الرَّسول سَبِيلاً، يا ويلتي ليتني لَم أتّخِذ فلاناً خليلاً، وقال: حتّى إذا جاءَنا قال: يا ليت بَيني وبَيْنَك بُعْدَ المَشرِقين فَبِئس القَرين، ولَنْ يَنفَعَكم اليَومَ إذ ظلَمْتُم أنّكم في العذاب مُشتَرِكون، فيقول الظّالم: أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يَختلِفون، أو الحكم لغيرك، فيقال لهم: ألا لعنة الله على الظّالمين الّذين يَصُدُّون عن سبيل الله ويَبغُونها عِوَجاً وهم بالآخرة كافِرون، وأوَّل من يحكم فيه - حسن بن عليٍّعليه‌السلام في قاتله، ثمَّ في فتفذ فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط مِن نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مَغربها، ولو وضعت على جبال الدُّنيا لذابت حتّى تصير رماداً فيضربان بها، ثمَّ يجثو أمير المؤمنينعليه‌السلام بين يدي الله للخصومة مع فلان في جبّ فيطبق عليهم، لا يراهم أحد ولا يرون أحداً فيقول الّذين كانوا في ولايتهم: ربّنا أرنا اللَّذين أضلاّنا من الجنّ والإنس، نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين، قال الله عزّوجَلَّ: «وَلَن يَنْفَعَكُمُ اليْومَ إذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكم في الْعَذابِ مُشْتركُون (٣) » فعند ذلك ينادون بالوَيل والثُّبُور(٤) ، ويأتيان الحوض فيسألان عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعهم حفظة فيقولان: اعف عنّا واسقنا وتخلّصنا، فيقال لهم: فلمّا راؤه زلفة سيئت وجوه الّذين كفروا، وقيل: هذا الَّذي كنتم به تدّعون بإمرة المؤمنين، ارجعوا ظماء مظمئين إلى النّار فما شرابكم إلاّ الحميم

__________________

١ - في بعض النّسخ: « زائري ».

٢ - أي الرّجوع.

٣ - الزّخرف: ٣٩.

٤ - الثُّبُور: الهلاك والفساد.

٣٥٤

والغسلين وما تنفعكم شفاعة الشّافعين ».

١٢ - وحدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن جدِّه « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جُعِلتُ فِداك أيّما أفضل: الحجّ أو الصّدقة؟ قال: هذه مسألة فيها مسألتان، قال: كم المال؟ يكون ما يحمل صاحبَه إلى الحجّ؟ قال: قلت: لا، قال: إذا كان مالاً يحمل إلى الحجّ فالصَّدقة لا تعدل الحجّ، الحجّ أفضل، وإن كانت لا يكون إلاّ القليل فالصَّدقة، قلت: فالجهاد؟ قال: الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض في وقت الجِهاد، وقال: ولا جِهاد إلاّ مع الإمام، قلت: فالزِّيارة؟ قال: زيارة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة الأوصياء وزيارة حمزة، وبالعِراق زيارة الحسينعليه‌السلام ، قلت: فما لمن زار الحسينعليه‌السلام ؟ قال: يخوض في الرَّحمة، ويستوجب الرِّضا، ويصرف عنه السّوء، ويدرّ عليه الرّزق، وتشيّعه الملائكة، ويلبس نوراً تعرفه به الحفظة، فلا يمرُّ بأحدٍ من الحفظة إلاّ دعا له ».

١٣ - وروى أحمد بن جعفر البلديُّ، عن محمّد بن يزيدَ البكريّ، عن منصور بن نصر المدائني، عن عبدالرَّحمن بن مسلم « قال: دخلت على الكاظمعليه‌السلام فقلت له: أيّما أفضل: زيارة الحسين بن عليٍّ أو أمير المؤمنينعليهما‌السلام ؟ أو الفلان وفلان، وسمّيت الأئمّة واحداً واحداً؟ فقال لي: يا عبدالرَّحمن مَن زار أوَّلنا فقد زارَ آخرنا ومَن زارَ آخرنا فقد زارَ أوَّلنا، ومَن تولّى أوَّلنا فقد تولّى آخرنا، ومَن تولّى آخرنا فقد تولّنا أوَّلنا، ومن قضى حاجةً لأحدٍ من أوليائنا فكأنما قضاها لأجمعنا، يا عبدالرَّحمن أحبّنا وأحبَّ مَن يُحبّنا وأحبَّ فينا، واحبب لنا وتولّنا وتولَّ مَن يتولاّنا، وأبغض مَن يبغضنا، ألا وإنَّ الرَّادّ علينا كالرَّادّ على رسول الله جدِّنا، ومَن رَدَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد رَدّ على اللهِ، ألا يا عبدالرَّحمن ومَن أبغضنا فقد أبغض محمّداً ومَن أبغض محمّداً فقد أبغض الله، ومن أبغض الله عزَّوجلَّ كان حقّاً على الله أن يصليه النار وماله مِن نصير ».

١٤ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بنِ الوليد، عن محمّد بن الحسن

٣٥٥

الصَّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عبدالله بن عبدالرّحمن الأصمّ، عن الحسين (١) ، عن الحلبيّ « قال: قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام لما قتل الحسينعليه‌السلام سمع أهلنا قائلاً بالمدينة يقول: اليوم نزل البلاء على هذه الاُمّه فلا ترون فرحاً حتّى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوَّكم، وينال بالوتر أوتاراً، ففزعوا منه وقالوا: إنَّ لهذا القول لحادثاً قد حدث ما لا نعرفه(٢) ، فأتاهم خبر قتل الحسينعليه‌السلام بعد ذلك فحسبوا ذلك، فإذا هي تلك اللَّيلة الَّتي تكلّم فيها المتكلّم، فقلت له: جعلت فداك إلى متى أنتم ونحن في هذا القتل والخوف والشِّدَّة؟ فقال: حتّى مات سبعون فرخاً أخوأب (٣) ويدخل وقت السَّبعين، فإذا دخل وقت السّبعين أقبلت الآيات (٤) تترى كأنّها نظام، فمن أدرك ذلك الوقت قرَّت عينه.

إنّ الحسينعليه‌السلام لمّا قتل أتاهم آتٍ وهم في المُعَسْكر فصرخ فزَبَر، فقال لهم: وكيف لا أصرخ ورَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائم ينظر إلى الأرض مرَّة، وإلى حزبكم مرَّة، وأنا أخاف أن يدعو الله على أهل الأرض فأهلك فيهم، فقال بعضهم لبعض: هذا إنسان مجنون.

فقال التّوَّابون: تاللهِ ما صَنَعنا لأنفسِنا، قتلنا لابن سُمّيّة سيّدَ شبابِ أهل الجنّة، فخرجوا على عبيدالله بن زياد، فكان مِن أمرهم ما كان.

قال: فقلت له: جعلت فداك مَن هذا الصّارخ؟ قال: ما نراه إلاّ جبرئيل، أما إنّه لو أذن له فيهم لصاحَ بهم صَيحةً يخطف به أرواحهم مِن أبدانهم إلى النّار، ولكن أمهل ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ أليمٌ، قلت: جُعلتُ فِداك ما تقول فيمن يترك زِيارته وهو يقدر على ذلك؟ قال: إنّه قد عقّ رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعقّنا واستخفّ بأمرٍ هو له، ومَن زارَه كان الله له مِن وراءِ حوائجه، وكَفاه ما أهمّه

__________________

١ - الظّاهر كونه ابن سعيد الأهوازيّ.

٢ - في البحار: « قد حدث ما لا نعرفه ».

٣ - في بعض النّسخ: « حتى يأتي سبعون فرجاً أجواب » وفي بعضها: « حتى مات سبعين فرحاً أخوأب ».

٤ - في بعض النّسخ: « أقبلت الرّايات ».

٣٥٦

مِن أمر دنياه، وإنّه ليجلب الرِّزق على العبد ويخلف عليه ما أنفق ويغفر له ذنوب خمسين سنة، ويرجع إلى أهله وما عليه ذنبٌ ولا خطيئة إلاّ وقد محيتْ مِن صحيفته، فإن هلك في سفره نزلتِ الملائكة فغسّلنه، وفتح له بابٌ إلى الجنَّة حتّى يدخل عليه روحها حتى ينشر، إن سلّم فتح الباب الّذي ينزل منه رِزقه فيجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم، وذخر له ذلك، فإذا حشر قيل له: بكلِّ درهم عشرة آلاف درهمٍ، وإنَّ الله تبارك وتعالى قد ذخرها لك عنده ».

الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

____________

* - الحمد لله تعالى على ما منّ به عليَّ ووفَّقني لتحقيق هذا الكتاب وتصحيحه وتذييله، حمد معترفٍ بلطفه وإحسانه وإنعامه - جلَّ جلاله -، حيث يستر لي اُهبته وأتاح لي فرصته، ووفّقني لإتمامه وإبرازه على هذا النّمط الرّائق والشّكل الفائق، مضبوطة الألفاظ، مفسّرة الغرائب، مترجمة الرّواة، مبلجة الأنوار، دانية القطوف، وكلّ ذلك بمعاضدة الاُستاذ علي أكبر الغفّاري - أبقاه الله تعالى -، وعملت كلَّ ذلك بإرشاده ومشاورته وتأييده، ونسأل الله عزّوجلّ أن يوفّقنا لتحقيق أمثال هذا الأثر، وهو وليّ التّوفيق، والصَّلاة على محمَّدٍ وأهل بيته الطّاهرين، آمين ربّ العالمين.

بهراد الجعفريّ

١٣٧٥ هـ ش

٣٥٧

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457