مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 457

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 457 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135522 / تحميل: 5240
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ثمّ خرجوا من السقيفة وأبوبكر قدّامهم يدعون الناس لمبايعته، ولأجل ذلك كان عمر بن الخطاب يرفع عقيرته فوق المنبر، ويقول: كانت بيعة أبي بكر فلتةٌ وقى الله المسلمين شرها.

وأمّا خلافة عمر فقد عقدت له الخلافة بتعيين الخليفة الأوّل، وأمّا خلافة عثمان فقد حصر عمر الشورىٰ في ستّة أشخاص انتخبهم هو بنفسه ليعقدوا لأحدهم، كما هو واضح من التاريخ.

٢. لو كان أساس الحكم ومنشؤه هو الشورى، لوجب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخوض في تفاصيلها وخصوصياتها وأُسلوبها على الأقلّ. مع أنّه لا نجد في الصحاح والمسانيد أثراً لذلك.

فلو كانت الشورى مبدأً للحكومة لكان على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيان حدود الشورى وتوعية الأُمَّة وإيقافها على ذلك حتى لا تتحيَّر بعد رحيله، ومع الأسف الشديد لا نجد شيئاً من ذلك في كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن جملة الأُمور التي كان من المفروض بيانها، هي:

أوّلاً: من هم الذين يجب أن يشتركوا في الشورى المذكورة ؟ هل هم العلماء وحدهم، أو السياسيون وحدهم، أو المختلط منهم ؟

ثانياً: من هم الذين يختارون أهل الشورى ؟

ثالثاً: لو اختلف أهل الشورى في شخص فبماذا يكون الترجيح، هل يكون بملاك الكم، أم بملاك الكيف ؟

إنّ جميع هذه الأُمور تتصل بجوهر مسألة الشورى، فكيف يجوز ترك بيانها، وتوضيحها وكيف سكت الإسلام عنها، إن كان جعل الشورى طريقاً إلى تعيين الحاكم ؟

١٠١

٣. لو كانت الشورى مبدأً للحكم لكانت واضحة المعالم فيما يمسّ متن الشورى، ومنها العدد الذي تنعقد به الشورى، وقد اختلفوا في عدد من تنعقد بهم الشورى إلى مذاهب شتى يذكرها الماوردي ( ٣٦٤ - ٤٥٠ ه‍ ) في كتابه: « الاحكام السلطانية » ويقول:

الإمامة تنعقد بوجهين:

أحدهما: باختيار أهل العقد والحل.

والثاني: بعهد الإمام من قبل.

فأمّا انعقادها باختيار أهل العقد والحل، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى، فقالت طائفة: لا تنعقد إلّا بجمهور أهل العقد والحل من كلّ بلد ليكون الرضا به عاماً، والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة، باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أُخرى: أقلُّ من تنعقد به منهم الإمامة ( خمسة ) يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالاً بأمرين:

أحدهما: أنّ بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثمّ تابعهم الناس فيها، وهم: عمر بن الخطاب، وأبوعبيدة الجرّاح، وأسيد بن حضير، وبشر بن سعد، وسالم مولى أبي حذيفة.

الثاني: أنّ عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلّمين من أهل البصرة.

وقال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاّها أحدهم برضا الاثنين

١٠٢

ليكونوا حاكماً وشاهدين، كما يصحّ عقد النكاح بولي وشاهدين.

وقالت طائفة أُخرى: تنعقد بواحد لأنّ العباس قال لعليٍّ: أُمدد يدك أُبايعك، فيقول الناس: عمّ رسول الله بايع ابن عمّه، فلا يختلف عليك اثنان، ولأنّه حكم وحكم الواحد نافذ.١

وهذه الوجوه تسقط كون الشورى أساس الحكم وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتحل واعتمد في صيانة دينه بنظام مبني على الشورى وهي مجملة من جهات شتى.

هل البيعة أساس الحكم الإسلامي ؟

هل البيعة سبيل إلى تعيين الحاكم الإسلامي وأساس له. وقد اتخذه غير واحد ممن كتب في نظام الحكومة الإسلامية أساساً لها، وقد أمضاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن غير موضع، حيث بايعه أهل المدينة في السنة ١١ و ١٢ و ١٣ من البعثة، بايعوه على أن لا يشركوا بالله ولا يسرقوا ولا يقترفوا فاحشة.

كما بايعوه في البيعة الثانية على نصرته والدفاع عنه، كما يدافعون عن أولادهم وأهليهم.٢

إنّ الموارد التي بايع فيها المسلمون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تنحصر في هذين الموردين بل توجد في موارد أُخرى، أعظمها وأفضلها بيعة الرضوان المذكورة في تفسير قوله سبحانه:( لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

__________________

١. الأحكام السلطانية: ٧.

٢. السيرة النبوية: ١ / ٤٣١ - ٤٣٨.

١٠٣

فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) .١

يذكر المفسِّرون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رسولاً في صلح الحديبيّة إلى قريش، وقد شاع أنَّ مبعوث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قتل، فاستعدّ المسلمون للانتقام من قريش، ولـمّا رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الخطر على الأبواب، وبما أنّ المسلمين لم يخرجوا للقتال وإنّما خرجوا للعمرة، قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يُجدِّد بيعته مع المسلمين فجلس تحت شجرة وأخذ أصحابه يبايعونه على الاستقامة والثبات والوفاء واحداً بعد الآخر، ويحلفون له أن لا يتخلّوا عنه أبداً وأن يدافعوا عن حياض الإسلام حتى النفس الأخير، وقد سميت هذه البيعة « بيعة الرضوان ».٢

وقد بايعت المؤمنات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فتح مكّة، وقد ذكر التفصيلَ قوله سبحانه وقال:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .٣

نقد فكرة أنّ البيعة أساس الحكم

لو أمعن القارئ الكريم في تفاصيل الموارد التي بايع فيها المسلمون - كلّهم أو بعضهم - قائدهم يقف على أنَّه لم تكن الغاية من البيعة الاعتراف بزعامة الرسول ورئاسته فضلاً عن نصبه وتعيينه، بل كان الهدف التأكيد العملي

__________________

١. الفتح: ١٨.

٢. السيرة النبوية: ٢ / ٣١٥.

٣. الممتحنة: ١٢.

١٠٤

على الالتزام بلوازم الإيمان المسبق، ولذلك نجد جرير بن عبدالله، قال: بايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ إقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، والنصح لكلِّ مسلم.١

وقال أيضاً: « وأن تدفعوا عني العدو حتى الموت٢ ولا تفرُّوا من الحرب ».٣

والحاصل أنّ البيعة كانت تأكيداً للإيمان الذي أظهروه برسالته ونبوَّته فلازم ذلك إطاعة قوله وأمره، فكانت البيعة تأكيداً لما أضمروا من الإيمان.

نعم لا يمكن أن ينكر أنّ البيعة في العهود التي أعقبت وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت طريقاً لتنصيب الحاكم وذلك تقليداً للجاهليّة، حيث كان الرائج فيها أنّه إذا مات أمير أو رئيس عمدوا إلىٰ شخص فأقاموه مقام الراحل من خلال البيعة.

والظاهر أنّ تعيين بعض الخلفاء من خلال البيعة كان تقليداً لما كان رائجاً بينهم قبل الإسلام، ولا يكون هذا دليلاً تاريخياً أو شرعياً على أنّ البيعة طريق لتعيين الخليفة، بغض النظر عن سائر المواصفات والضوابط، وغاية ما هناك أنّ البيعة إحدى الطرق فيما لم يكن هناك نص إذا كان المبايع واجداً للملاكات والمواصفات التي يجب أن يتمتع بها الحاكم.

__________________

١. كتاب الإيمان.: لاحظ أيضاً صحيح البخاري، ٥ / ٥٥، بيعة الأنصار.

٢. مسند أحمد: ٤ / ١٥.

٣. مسند أحمد: ٣ / ٢٩٢.

١٠٥

الفصل الثالث:

نظرية الحكم

عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

دلّت البحوث السابقة على أنّ الشورى والبيعة ليسا أساس الحكم، فحان البحث لبيان نظرية الحكم في كلمات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والسبر في كلماته طيلة حياته من البعثة إلى الوفاة، يُثبت أنّ الإمامة عنده كالنبوة أمر موكول إلى الله تبارك وتعالى وليس للأُمّة حتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها دور.

إنّ الكلمات المأثورة عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموقفه من قضية القيادة، تعرب عن أنّه كان يعتبر أمر القيادة وتعيين القائد مسألة إلهية وحقاً إلهياً، فالله سبحانه هو الذي له أن يعّين القائد وينصب خليفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد رحيله، نجد ذلك في كلماته بوفرة ولا نجد في كل ما نقل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يدل على إرجاع الأمر إلى اختيار الأُمّة ونظرها، أو آراء أهل الحلّ والعقد، وها نحن نذكر هنا شاهدين من كلمات الرسول يكشف الستار عن وجه الحقيقة.

١. لما عرض الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه على بني عامر الذين جاءوا إلى مكّة في موسم الحجّ ودعاهم إلى الإسلام. قال له كبيرهم: أرأيت إنْ نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟

١٠٦

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ».١

٢. لما بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سليط بن عمرو العامري إلى ملك اليمامة ( هوذة بن علي الحنفي ) الذي كان نصرانياً، يدعوه إلى الإسلام وقد كتب معه كتاباً، فقدم على هوذة، فأنزله وحباه وكتب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه: ( ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي، وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر أتبعك ).

فقدم سليط على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بما قال هوذة، وقرأ كتابه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يده ».٢

ونقل ابن الأثير على نحو آخر، فقال: أرسل هوذة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفداً فيهم مُجاعة بن مرارة والرّجال بن عنفوة، يقول له:

إن جعل الأمر له من بعده أسلم وصار إليه ونصره، وإلّا قصد حربه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « لا ولا كرامة، أللّهم اكفنيه »، فمات بعده بقليل.٣

إنّ هذين النموذجين التاريخيين اللَّذين لم تمسّهما يد التحريف والتغيير يدلّان بوضوح كامل على أنّ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة الحكم والخلافة هي أنّها أمر سماويّ خارج عن صلاحيته، فالإرجاع إلى الله وضرب الصفح عن الشورىٰ والبيعة أو الاستفتاء العام خير دليل على كونه منصباً إلهياً، والعجب انّه لم يكن هذا رُؤى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مورد الحكم فقط بل كانت الصحابة بعد رحيله يسيرون على هذا النهج غير انّهم بدّلوا التنصيب الإلهي بتنصيب الخليفة لمن يقوم مكانه بعده.

__________________

١. السيرة النبوية: ٢ / ٤٢٤ - ٤٢٥.

٢. الطبقات الكبرى: ١ / ٢٦٢.

٣. الكامل في التاريخ: ٢ / ١٤٦.

١٠٧

٣. وهذا هو أبو بكر عيَّن عمر بن الخطاب للخلافة في عهد كتبه عثمان ابن عفان.١

٤. كما أنّه تم استخلاف عثمان عن طريق الشورىٰ الستة التي عيَّن اعضاءها عمر بن الخطاب.٢

٥. وقد كانت السيدة عائشة تتبنى نظرية التنصيب من جانب الخليفة، وقالت لعبد الله بن عمر: يا بني بلِّغ عمر سلامي، فقل له لا تدع أُمّة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً، فانّي أخشى عليهم الفتنة ؛ فأتى عبد الله إلى أبيه فأعلمه.٣

والعجب أنّ أُمّ المؤمنين التفتت إلى أنَّ ترك الأُمة هملاً يورث الفتنة، ولكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسب زعم القوم - لم يلتفت إلى تلك النكتة - فلقي الله سبحانه وترك الأُمّة هملاً !!!

٦. انّ عبد الله بن عمر دخل على أبيه قُبيل وفاته، فقال: إنّي سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، وزعموا أنّك غير مستخلف، وانّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيَّع، فرعاية الناس أشد.٤

٧. قدم معاوية المدينة ليأخذ من أهلها البيعة ليزيد، فاجتمع مع عدّة من الصحابة، وأرسل إلى ابن عمر فأتاه وخلا به، فكلّمه بكلام، قال: إنّي كرهت أن أدع أُمّة محمد بعدي كالضعن بلا راع لها.٥

__________________

١. الإمامة والخلافة: ١٨ ؛ الكامل في التاريخ: ٢ / ٢٩٢ ؛ الطبقات الكبرى: ٣ / ٢٠٠.

٢. الكامل في التاريخ: ٣ / ٣٥.

٣. الإمامة والسياسة: ٣٢.

٤. حلية الأولياء: ١ / ٤٤.

٥. الإمامة والسياسة: ١ / ١٦٨.

١٠٨

هذه النصوص تدل بجلاء على أنّ انتخاب الخليفة عن طريق الاستفتاء الشعبي، أو بمراجعة أهل الحلّ والعقد، أو اتفاق الأنصار والمهاجرين، أو بالشورىٰ، أو بالبيعة كلها فروض اختلقها المتكلّمون بعد تمامية الخلافة للخلفاء، ولم يكن أي أثر من هذه العناوين بعد رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا شيئاً لا يذكر عند محاجة عليّعليه‌السلام مع المتقمّصين منصَّة الخلافة.

هذه الكلمات تعرب عن أنّ نظرية التنصيب هي التي كانت مهيمنة على الأفكار والعقول.

بلاغات غير رسمية

لقد بلّغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلافة عليٍّعليه‌السلام بصورة رسمية في غدير خم كما سيوافيك، ولكن لم يكن ذلك البلاغ بصورة عفويّة بل هيّأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضيته منذ أن صدع بالنبوّة في مواقف مختلفة نذكر منها:

١. دعوة الأقربين وتنصيب عليٍّ للخلافة

يقول المفسِّرون: لـمّا نزل قوله سبحانه:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ) ١ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أن يعد طعاماً ولبناً، فدعا خمسةً وأربعين رجلاً من وجوه بني هاشم، ولما فرغوا من الطعام تكلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فقال: « إنّ الرائد لا يكذب أهله ؛ والله الذي لا إله إلّا هو إنّي رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، والله لتموتُنّ كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبُنَّ بما تعملون، وإنّها الجنّة أبداً أو النار أبداً.

__________________

١. الشعراء: ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٩

ثمّ قال:

يا بني عبد المطّلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله عزّ وجلّ أن أدعوكم إليه فأيُّكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟

ولـمّا بلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه النقطة، وبينما أمسك القوم وسكتوا عن آخرهم وأخذوا يفكّرون مليّاً في ما يؤول إليه هذا الأمر العظيم، وما يكتنفه من أخطار قام عليٌّعليه‌السلام فجأة، وهو آنذاك في الثالثة أو الخامسة عشرة من عمره، وقال وهو يخترق بكلماته الشجاعة جدار الصمت والذهول:

أنا يا رسول الله أكون وزيرك على ما بعثك الله.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: إجلس، ثمّ كرّر دعوته ثانية وثالثة وفي كلّ مرة يحجم القوم عن تلبية دعوته، ويقوم عليٌّ ويعلن عن استعداده لمؤازرة النبي، ويأمره رسول الله بالجلوس حتى إذا كانت المرة الثالثة أخذ رسول الله بيده والتفت إلى الحاضرين من عشيرته الأقربين، وقال:

إنّ هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع وجعله عليك أميراً.١

هذا موجز ما ذكره المفسِّرون والمحدّثون حول الآية، وفي صحاحهم ومسانيدهم.

__________________

١. تاريخ الطبري: ٢ / ٦٢ - ٦٣، الكامل في التاريخ: ٢ / ٤٠ - ٤١، مسند أحمد: ١ / ١١١، شرح نهج البلاغة: ١٣ / ٢١٠ - ٢١١.

١١٠

وهناك من حرّف الكلم عن مواضعه، أو حرّفها المستنسخون في كتبهم:

١. منهم محمد بن جرير الطبري ( المتوفّى عام ٣١٠ ه‍ ) حيث ذكر في تاريخه حديث بدء الدعوة كما نقلناه غير أنّه حرف الكلم في موضعين:

أحدهما: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي » وضع في مكانه قوله: « على أن يكون كذا وكذا ».

ثانيهما: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي » حيث حرّفه إلى قوله: إنّ هذا أخي وكذا وكذا.

ونحن لا نتَّهم الطبري شخصاً بالتحريف، ولكن يحتمل تطرق التحريف إلى تفسيره من جانب النُّسّاخ، بشهادة سرد الواقعة في تاريخه برمّتها دون أدنى تحريف.

٢. منهم ابن كثير ( المتوفّى عام ٧٧٤ ه‍ ): فقد حرف الكلم عن مواضعه في تفسيره وتاريخه ولم يقتنع بالتحريف في مكان واحد.١

ولا نستبعد أن يكون التحريف مستنداً إلى نفس المؤلف لأنَّ له مواقف معادية من أهل بيت النبوةعليهم‌السلام .

ومما يثير الاستغراب أن تصدر تلك الهفوة من وزير المعارف المصرية « حسنين هيكل » الأسبق فقد أثبت في الطبعة الأُولى من كتابه « حياة محمد » قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: أيُّكم يؤازرني على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي، ولم يذكر خطاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّعليه‌السلام عند ما أعلن مؤازرته له وهو قوله: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي.

ولكنّه ارتكب في الطبعات الأُخرى جناية كبيرة بحذفه كلتا الجملتين من

__________________

١. انظر البداية والنهاية: ٢ / ٤٠، تفسير ابن كثير: ٣ / ٣٥١.

١١١

رأس وكأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتفوّه بها وكأنّ الكاتب لم يذكر إحدى الجملتين في الطبعة الأُولى، وبذلك أسقط كتابه عن أيَّة قيمة علمية.

فلو كان هذا هو الميزان في ضبط الحقائق لثبت أنّ كثيراً من فضائل آل البيتعليهم‌السلام لعبت بها يد التحريف الجانية وما بقي ليس إلّا فلتات التاريخ.

٢. آية الولاية وخلافة علي ٍّ

لم تزل الشيعة عن بكرة أبيهم يستدلون على إمامة عليٍّعليه‌السلام وقيادته وزعامته بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله سبحانه:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) .١

استدلت الشيعة بهذه الآية على أنّ عليّاًعليه‌السلام وليّ المسلمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، قائلين بأنّ الآية تعد الولي - بعد الله ورسوله - الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع، وقد تضافرت الروايات بأنّ عليّاًعليه‌السلام تصدّق بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية في حقّه.

أخرج الحفّاظ وأئمّة الحديث عن أنس بن مالك وغيره أنّ سائلاً أتى المسجد وعليٌّعليه‌السلام راكعٌ فأشار بيده للسائل، أي اخلع الخاتم من يدي. قال رسول الله: يا عمر وجبت. قال: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله ما وجبت ؟! قال: وجبت له الجنّة، والله ما خلعه من يده حتّى خلعه الله من كلِّ ذنب ومن كلِّ خطيئة. قال: فما خرج أحدٌ من المسجد حتّى نزل جبرئيل بقوله عزّ وجلّ:( إِنَّمَا

__________________

١. المائدة: ٥٥ - ٥٦.

١١٢

وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . فأنشأ حسّان بن ثابت يقول:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

بطيءٍ في الهدى ومسارع

أيذهب مدحي والمحبّين ضايعاً ؟!

وما المدح في ذات الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكعٌ

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّدٍ

ويا خير شارٍ ثمّ يا خير بائع

فأنزل فيك الله خير ولاية وقد وكلّ

وبيَّنها في محكمات الشرائع١

وقد أخرجه ابن جرير الطبري٢ والحافظ أبوبكر الجصّاص الرازي في أحكام القرآن٣ والحاكم النيسابوري ( المتوفّى ٥٠٤ ه‍ )٤ والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري ( المتوفّى ٤٦٨ ه‍ )٥ وجار الله الزمخشري ( المتوفّى ٥٣٨ ه‍ ) إلى غير ذلك من أئمّة الحفّاظ وكبار المحدّثين ربما ناهز عددهم السبعين، وهم بين محدّث ومفسّر ومؤرّخ ويطول بنا الكلام لو قمنا بذكر أسمائهم ونصوصهم، وكفانا في ذلك مؤلّفات مشايخنا في ذلك المضمار.٦

__________________

١. بلوغ المرام للبحراني: ١٠٦، نقلاً عن الحافظ أبي نعيم الإصفهاني في كتابه الموسوم ب‍ « نزول القرآن في أميرالمؤمنينعليه‌السلام ».

٢. تفسير الطبري: ٦ / ١٨٦.

٣. أحكام القرآن: ٢ / ٥٤٢ ورواه من عدّة طرق.

٤. معرفة أُصول الحديث: ١٠٢.

٥. أسباب النزول: ١٤٨.

٦. لاحظ المراجعات للسيد شرف الدين العاملي، المراجعة الأربعون، ص ١٦٢ - ١٦٨ والغدير: ٣ / ١٦٢، وقد رواه من مصادر كثيرة.

١١٣

ولا يمكن لنا إنكار هذه الروايات المتضافرة لو لم تكن متواترة، فانّ اجتماعهم على الكذب أو على السهو والاشتباه أمر مستحيل.

والمراد من الولي في الآية المباركة هو الأولى بالتصرف كما في قولنا: فلان وليّ القاصر، وقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أيّما امرأة نُكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل » وقد صرّح اللغويّون ومنهم الجوهري في صحاحه بأنّ كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه، فيكون المراد: إنّ الّذي يلي أُموركم فيكون أولى بها منكم إنّما هو الله عزّ وجلّ ورسوله ومن اجتمعت فيه هذه الصفات: الإيمان وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة في حال الركوع. ولم يجتمع يوم ذاك إلّا في الإمام عليّعليه‌السلام حسب النصوص المتضافرة.

وفي حقّه نزلت هذه الآية.

والدليل على أنّ المراد من الولي هو الأولى بالتصرّف أنّه سبحانه أثبت في الآية الولاية لنفسه ولنبيّه ولوليّه على نسق واحد، وولاية الله عزّ وجلّ عامة فولاية النبي والولي مثلها وعلى غرارها. غير أنّ ولاية الله، ولاية ذاتية وولاية الرسول والولي مكتسبة معطاة، فهما يليان أُمور الأُمّة بإذنه سبحانه.

ولو كانت الولاية المنسوبة إلى الله تعالى في الآية غير الولاية المنسوبة إلى الّذين آمنوا » لكان الأنسب أن تفرّد ولاية أُخرى للمؤمنين بالذِّكر، دفعاً للالتباس، كما نرى نظيرها في الآيات التالية:

قال تعالى:( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .١

نرى أنّه سبحانه كرر لفظ الإيمان، وعدّاه في أحدهما بالباء، وفي الآخر

__________________

١. التوبة: ٦١.

١١٤

باللّام لاختلاف في حقيقة إيمانه بالله، وللمؤمنين حيث إنّ إيمانه بالله سبحانه إيمان جدّي وتصديق واقعي، بخلاف تصديقه للمؤمنين المخبرين بقضايا متضادة حيث لا يمكن تصديق الجميع تصديقاً جدّياً، والذي يمكن هو تصديقهم بالسماع وعدم الرفض والرد، ثمّ التحقيق في الأمر، وترتيب الأثر على الواقع المحقّق.

وممّا يكشف عن وحدة الولاية في الآية المبحوثة أنّه سبحانه أتى بلفظ « وليّكم » بالإفراد، ونسبه إلى نفسه وإلى رسوله وإلى الّذين آمنوا، ولم يقل: « إنّما أولياؤكم »، وما هذا إلّا لأنّ الولاية في الآية بمعنى واحد وهو: الأولى بالتصرف، غير أنّ الأولوية في جانبه سبحانه بالأصالة وفي غيره بالتبعية.

وعلى ضوء ذلك يُعلم أنّ القصر والحصر المستفاد من قوله: « إنّما » لقصر الإفراد، وكأنّ المخاطبين يظنون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الأُمة وغيرهم، فأُفرد المذكورون للقصر، وأنّ الأولياء هؤلاء لا غيرهم.

ثمّ يقع الكلام في تبيين هؤلاء الّذين وصفهم الله سبحانه بالولاية وهم ثلاثة:

١. الله جلّ جلاله.

٢. ورسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهما غنيّان عن البيان.

٣. فبما أنّه كان مبهماً بيّنه بذكر صفاته وخصوصياته الأربع:

١.( الَّذِينَ آمَنُوا ) .

٢.( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) .

٣.( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) .

١١٥

ولا شكّ أنّ هذه السمات، سمات عامة لا تميّز الولي عن غيره.

فالمقام بحاجة إلى مزيد توضيح يجسّد الولي ويحصره في شخص خاص لا يشمل غيره، ولأجل ذلك قيّده بالسمة الرابعة أعني قوله:( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .

وهي جملة حاليّة لفاعل « يؤتون »، وهو العامل فيها. وعند ذلك انحصر في شخص خاص على ما ورد في الروايات المتضافرة.

هذا هو منطق الشيعة في تفسير الآية لا تتجاوز في تفسيرها عن ظاهرها قيد أنملة.

بلاغ رسمي في غديرخُم

تقدّم أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فوَّض في كلامه أمر الخلافة إلى الله سبحانه، فقد كان يترصد أمره سبحانه في ذلك المجال حتى وافاه الوحي، وخاطبه بقوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) .١

نزلت الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة حجّة الوداع في العام العاشر من الهجرة، لما بلغ النبي الأعظم غدير خم فأتاه جبرئيل بها، فقال: يا محمد إنّ الله يقرئك السّلام ويقول لك:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة، فأمرُه أن يرد من تقدّم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، وأن يقيم عليّاًعليه‌السلام علماً للناس ويبلغهم ما أنزل الله فيه وأخبره بأنّ الله عزّ وجلّ قد عصمه من الناس.

__________________

١. المائدة: ٦٧.

١١٦

وقد اتّفقت الشيعة الإمامية على نزول الآية في يوم غدير خم، ووافقهم على ذلك لفيف من المحدّثين والمؤرِّخين، فقد ذكر الواقعة الطبري في تفسيره، كما رواها السيوطي في الدر المنثور عن جماعة من الحفاظ، منهم:

١. الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي ( المتوفّى ٣٢٧ ه‍ ).

٢. الحافظ أبو عبد الله المحاملي ( المتوفّى ٣٣٠ ه‍ ).

٣. الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي ( المتوفّى ٤٠٧ ه‍ ).

٤. الحافظ ابن مردويه ( المتوفّى ٧١٦ ه‍ ).

وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ، وقد جمع المحقّق الأميني أسماء من روى نزول هذه الآية في يوم غدير خم من أصحاب السنّة فبلغ ٣٠ رجلاً.١

وعلى كلّ حال فقد قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحقيق البلاغ في يوم غدير خم، فخطب خطبة، وقال: « أيّها الناس، إنّي أوشك أن أُدعى فأُجِبْتُ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون ؟ »

قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت، وجهدت، فجزاك الله خيراً.

قال: « ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنته حق، وناره حق، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور ؟ »

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قال: « أللّهمّ اشهد »، ثمّ قال: أيّها الناس، ألا تسمعون ؟

قالوا: نعم.

__________________

١. الغدير: ١ / ٢١٤ - ٢٢٣.

١١٧

قال: « فإنّي فرط على الحوض، فانظروني كيف تخلّفوني في الثقلين ».

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله ؟

قال: « الثقل الأكبر، كتاب الله، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبَّأني انَّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ».

ثمّ أخذ بيد عليٍّ فرفعها، حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: « أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ».

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: « إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم.فمن كنت مولاه، فعليّ مولاه » - يقولها ثلاث مرات ـ

ثمّ قال: « أللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ».

ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله:

( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي ».

ثمّ أخذ الناس يهنِّئون عليّاً، وممن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر، كلّ يقول: بخٍ بخٍ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وقال حسّان: ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً، فقال: قل على

١١٨

بركة الله، فقام حسّان، فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمٍّ واسمع بالرسول منادياً

فقال فمن مولاكم ونبيّكم

فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلق منّا في الولاية عاصياً

فقال له قم يا عليُّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليُّه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللّهمّ وال وليّه

وكن للذي عادىٰ عليّاً معادياً

فلمّا سمع النبي أبياته، قال: « لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ».١

إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن أشار إلى ولاية الإمام عليّ بن أبي طالب بعد رحيله، فتارة في بدء الدعوة، وأُخرى في غزوة تبوك٢ ، غير انّما ذكره متقدماً على حديث الغدير لم يكن بياناً رسمياً لعامّة الأُمّة بل كانت بلاغات مقطعية، وأمّا في ذلك اليوم فقد قام بإبلاغ المحتشد العظيم على نحو أخذ منهم الإقرار والاعتراف بولاية عليّعليه‌السلام .

وبذلك أكمل دعائم دينه وأتم نعمة الله عليهم كما سيوافيك.

وأمّا تواتر الحديث فحدّث عنه ولا حرج، فقد رواه من الصحابة ما يربو علىٰ ١٢٠ صحابياً وأمّا من التابعين ما يقارب ٨٤ تابعياً، وأمّا العلماء الذين نقلوه عبر القرون فيزيد على ٣٦٠ عالماً، تجد نصوصهم وأسماءهم وأسماء كتبهم

__________________

١. الغدير: ٢ / ٣٤ - ٤٢.

٢. حديث المنزلة: أنت منّي بمنزلة هارونَ من موسىٰ إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي.

١١٩

بتفصيل في كتاب الغدير.١

ولا أظن أنّ ذا مسكة ومن له إلمام بعلم الحديث وقراءة الصحاح والمسانيد ينكر صحّة حديث الغدير أو تضافره بل تواتره، ولو أنكره فإنّما أنكره بلسانه لا بجنانه وقلبه اللّهمّ إلّا إذا كان غير مُلِمٌّ بعلم الحديث.

وإنّما المهم دلالة الحديث على ولاية الإمام وإمامته.

وقد استخدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفظة « مولى » وقال: « من كنت مولاه » فهي بمعنى أولىٰ، كما في قوله سبحانه:( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ المَصِيرُ ) .٢

والمعنى أولى بكم النار كما فسّره غير واحد من المفسّرين، وهناك قرائن تؤيد على أنّ المقصود من المولى هو الأولى. الوارد في قوله سبحانه:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) .٣

وهناك قرائن لفظية محفوفة بالحديث وقرائن حالية تثبت أنّ المراد من المولى هو الأولى الوارد في الآية المتقدّمة، وإليك تلك القرائن:

القرينة الأُولى : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث: « أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ » وهو دليل على أنّ المراد من قوله: « فمن كنت مولاه » هو الأولى وذلك لأنّه رتب الثاني على الأوّل.

القرينة الثانية: دعاؤه في صدر الحديث: « أللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه » فلو أُريد منه غير الأولى بالتصرّف فما معنى هذا التطويل ؟ فانّه لا يلتئم

__________________

١. الغدير: ١ / ٧٣ - ١٥٢، تحت عنوان « طبقات الرواة من العلماء ».

٢. الحديد: ١٥.

٣. الأحزاب: ٦.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

(الاول): في الانساب.

ومراتبهم ثلاث: (الاولى): الآباء والاولاد: لا لاب يرث المال إذا انفرد.

والام الثلث والباقي بالرد.

ولو اجتمعا فللام الثلث وللاب الباقي.

ولو كان له أخوة كان لها السدس.

ولو شاركهما زوج او زوجة، فللزوج النصف، وللزوجة الربع.

وللام ثلث الاصل إذا لم يكن حاجب والباقي للاب، ولو كان لها حاجب كان لها السدس.

ولو انفرد الابن فالمال له.

ولو كانوا أكثر اشتركوا بالسوية.

ولو كانوا ذكرانا وإناثا فللذكر سهمان، وللانثى سهم.

ولو اجتمع معهما الابوان فلهما السدسان والباقي للاولاد ذكرانا كانوا او اناثا او ذكرانا وإناثا ولو كانت بنت فلها النصف وللابوين السدسان، والباقي يرد أخماسا.

ولوكان من يحجب الام ردعلى الاب والبنت أرباعا.

ولو كانت بنتان فصاعدا فللابوين: السدسان، وللبنتين او البنات: الثلثان بالسوية.

ولو كان معهما او معهن أحد الابوين كان له: السدس، ولهما اولهن: الثلثان والباقي يرد أخماسا.

ولو كان مع البنت والابوين زوج او زوجة كان للزوج: الربع، وللزوجة الثمن، وللابوين: السدسان، والباقي للبنت.

وحيث يفضل عن النصف يرد الزائد عليها وعلى الابوين أخماسا.

ولو كان من يحجب الام رددناه على البنت والاب أرباعا.

ويلحق مسائل: (الاولى): الاولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل فريق نصيب من يتقرب به، ويقسمونه للذكر مثل حظ الانثيين، اولاد ابن كانوا او أولاد البنت على الاشبه.

(ويمنع) الاقرب الابعد.

ويرد على ولد البنت كما يرد

٢٦١

على امه ذكرا كان او انثى.

ويشاركون الابوين كما يشاركهما الاولاد للصلب على الاصح.

(الثانية): يحبى الولد الاكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه إذا خلف الميت غير ذلك.

ولو كان الاكبر بنتا أخذه الاكبر من الذكور ويقضي عنه ما ترك من صيام او صلاة.

وشرط بعض الاصحاب ألا يكون سفيها ولا فاسد الرأي.

(الثالثة): لا يرث مع الابوين ولا مع الاولاد جد ولا جدة ولاأحد من ذوي القرابة.

لكن يستحب للاب أن يطعم أباه وأمه: السدس من أصل التركة بالسوية، إذا حصل له الثلثان.

وتطعم الام أباها وأمها: النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد.

ولو حصل لاحدهما نصيبه الاعلى دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة دون صاحبه.

ولا طعمة لاحد الاجداد إلا مع وجود من يتقرب به.

(الرابعة): لا يحجب الاخوة الام إلا بشروط أربعة: أن يكون أخوين او أخا وأختين او أربع أخوات فما زاد لاب وأم او لاب مع وجود الاب، غير كفرة ولا رق.

وفي القتلة قولان، أشبههما: عدم الحجب وان يكونوا منفصلين لا حملا.

(المرتبة الثانية): الاخوة والاجداد اذا لم يكن أحد الابوين، ولا ولد وان نزل، فالميراث للاخوة والاجداد.

فالاخ الواحد للاب والام يرث المال، وكذا الاخوة.

والاخت انما ترث النصف بالتسمية، والباقي بالرد.

وللاختين فصاعدا الثلثان بالتسمية والباقي بالرد.

ولو اجتمع الاخوة والاخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان وللانثى سهم.

٢٦٢

وللواحد من ولد الام السدس ذكرا كان او انثى.

وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية ذكرانا كانوا او اناثا.

ولا يرث مع الاخوة للاب والام ولا مع أحدهم أحد من ولد الاب، لكن يقومون مقامهم عند عدمهم.

ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع ذلك الحكم.

ولو اجتمع الكلالات كان لولد الام السدس إن كان واحدا، والثلث ان كانوا أكثر، والباقي لولد الاب والام ويسقط أولاد الاب.

فان أبقت الفريضة فالرد على كلالة الاب والام، وان ابقت الفريضة مع ولد الام وولد الاب، ففي الرد قولان، أحدهما: يرد على كلالة الاب، لان النقص يدخل عليهم، مثل أخت لاب مع واحد او اثنين فصاعدا من ولد الام، او أختين للاب، مع واحد من ولد الام.

والآخر: يرد على الفريقين بنسبة مستحقهما وهو أشبه.

وللجد المال إذا انفرد لاب كان او لام.

وكذا الجدة.

ولو اجتمع جد وجدة، فان كانا لاب فلهما المال، للذكر مثل حظ الانثيين وإن كانا لام فالمال بالسوية.

واذا اجتمع الاجداد المختلفون، فلمن يتقرب بالام الثلث على الاصح، واحدا كان او اكثر.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان ولو كان واحدا.

ولو كان معهم زوج او زوجة أخذ النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

والجد الادنى يمنع الاعلى.

واذا اجتمع معهم الاخوة، فالجد كالاخ والجدة كالاخت.

مسألتان: (الاولى): لو اجتمع أربعة أجداد لاب ومثلهم لام كان لاجداد الام الثلث بينهم أرباعا.

ولاجداد الاب وجداته الثلثان، لابوي أبيه ثلثا الثلثين

٢٦٣

أثلاثا ولابوي امه الثلث أثلاثا أيضا فيصح من مئة وثمانية.

(الثانية): الجد وإن علا يقاسم الاخوة والاخوات.

وأولاد الاخوة والاخوات وإن نزلوا، يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الاجداد والجدات ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به.

ثم إن كانوا أولاد أخوة او أخوات لاب اقتسموا المال، للذكر مثل حظ الانثيين.

وإن كانوا لام اقتسموا بالسوية.

(المرتبة الثانية): الاعمام والاخوال: المعلم المال اذا انفرد.

وكذا للعمين فصاعدا.

وكذا العمة والعمتان والعمات.

والعمومة والعمات: للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو كانوا متفرقين، فلمن تقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية.

والباقي لمن يتقرب بالاب والام للذكر مثل حظ الانثيين ويسقط من يتقرب بالاب معهم.

ويقومون مقامهم عند عدمهم.

ولا يرث الابعد مع الاقرب مثل ابن خال مع خال او عم.

اوابن عم مع خال او عم، الا ابن عم لاب وأم مع عم لاب فابن العم أولى.

وللخال المال اذا انفرد.

وكذا للخالين والاخوال والخالة والخالتين والخالات.

ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا.

ولو كانوا متفرقين، فلمن يتقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا اكثر.

والثلثان لمن يتقرب بالاب والام.

ويسقط من يتقرب بالام معهم.

والقسمة بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو اجتمع الاخوال والاعمام فللاخوال الثلث وللاعمام الثلثان.

ولو كان معهم زوج او زوجة فلهما النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

ولو اجمتع عم الاب وعمته وخاله وخالته وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان

٢٦٤

لمن يتقرب بالام الثلث بينهم أرباعا.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان: ثلثاه لعمه وعمته أثلاثا.

وثلثه لخاله وخالته بالسوية، على قول.

مسائل: (الاولى): عمومة الميت وعماته وخئولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخئولته.

وكذا أولاد كل بطن أقرب.

أولى من البطن الابعد.

ويقوم اولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر.

(الثانية): من اجتمع له سببان ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر.

فالاول كابن عم لاب هو خال لام، وزوج هو ابن عم، وعمة لاب هي خالة لام.

والثاني كابن عم هو أخ لام.

(الثالثة): حكم أولاد العمومة والخئولة مع الزوج والزوجة حكم آبائهم، يأخذ من يتقرب بالام ثلث الاصل والزوج نصيبه الاعلى.

وما يبقى لمن يتقرب بالاب.

المقصد الثاني في ميراث الازواج: للزوج مع عدم الولد النصف، وللزوجة الربع.

ومع وجوده وإن نزل نصف النصيب.

ولو لم يكن وارث سوى الزوج، رد عليه الفاضل.

وفي الزوجة قولان: أحدهما: لها الربع والباقي للامام.

والآخر: يرد عليها الفاضل كالزوج.

وقال ثالث: بالرد مع عدم الامام والاول: أظهر.

واذا كن اكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع أو الثمن.

وترث الزوجة وإن لم يدخل بها الزوج.

وكذا الزوج.

وكذا في العدة

٢٦٥

الرجعية خاصة.

لكن لو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج السنة ولم يبرأ ولم تتزوج.

ولا ترث البائن إلا هنا.

ويرث الزوج من جمع ما تركته المرأة، وكذا المرأة عدا العقار، وترث من قيمة الآلات والابنية، ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرب، وعلم الهدى يمنعها العين دون القيمة.

مسألتان: (الاولى): إذا طلق واحدة من أربع وتزوج أخرى فاشتبهت كان للاخيرة ربع الثمن مع الولد او ربع الربع مع عدمه، والباقي بين الاربعة بالسوية.

(الثانية): نكاح المريض مشروط بالدخول، فان مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث.

المقصد الثالث في الولاء وأقسامه ثلاثة.

(القسم الاول): ولاء العتق: ويشترط التبرع بالعتق وألا يتبرأ من ضمان جريرته.

فلو كان واجبا كان المعتق سائبة.

وكذا لو تبرع بالعتق وتبرأ من الجريرة ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وإن بعد.

ويرث مع الزوج والزوجة.

وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا، واشتركوا في المال ان كانوا أكثر.

ولو عدم المنعم فللاصحاب فيه أقوال، أظهرهما.

انتقال الولاء إلى الاولاد الذكور دون الاناث.

فان لم يكن الذكور، فالولاء لعصبة المنعم.

ولو كان المعتق امرأة فالى عصبها دون أولادها ولو كانوا ذكورا.

ولا يرث الولاء من يتقرب بأم المنعم.

ولا يصح بيعه ولا هبته.

ويصح جره من مولى الام إلى المولى الاب اذا كان الاولاد مولودين على الحرية.

٢٦٦

القسم الثاني ولاء تضمن الجريرة: من توالى إنسانا يضمن حدثه: ويكون ولاؤه له.

ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن، ولا يضمن إلا سائبة كالمعتق في النذر والكفارات أو من لا وارث له.

ولا يرث الضامن الا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق.

ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى وما بقي له، وهو أولى من بيت مال الامام.

القسم الثالث ولاء الامامة: ولا يرث الا مع فقد وارث عدا الزوجة فانها تشاركه على الاصح.

ومع وجوده (ع) فالمال له يصنع به ما شاء.

وكان عليعليه‌السلام يعطيه فقراء بلده تبرعا.

ومع غيبته يقسم في الفقراء ولا يعطي الجائر إلا مع الخوف.

وأما اللواحق فأربعة: (الاول): في ميراث ابن الملاعنة: ميراثه لامه وولده، للام السدس والباقي للولد.

ولو انفردت كان لها الثلث والباقي بالرد.

ولو انفردت الاولاد فللواحد النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان.

وللذكران المال بالسوية.

وان اجتمعوا فللذكر سهمان وللانثى سهم.

ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى مع عدم الولد وان نزل، والادنى معهم.

ولو عدم الولد يرثه من تقرب بأمه الاقرب فالاقرب الذكر والانثى سواء.

ومع عدم الوارث يرثه الامام.

ويرث هو امه ومن يتقرب بها على الاظهر.

ولا يرث أباه ولا من يتقرب به ولا يرثونه.

ولو اعترف به الاب لحق به، وورث هو أباه دون غيره من ذوي قرابة أبيه ولا عبرة بنسب الاب.

فلو ترك اخوة الاب وأم مع أخ أو اخت لام كانوا سواء في المال.

وكذا لو ترك جدا لام مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخت من أب وأم.

٢٦٧

خاتمة تشتمل على مسائل: (الاولى): ولد الزنا لا ترثه أمه ولا غيرها من الانساب.

ويرثه ولده إن نزل والزوج أو الزوجة.

ولو لم يكن أحدهم فميراثه للامام.

وقيل: ترثه أمه كابن الملاعنة.

(الثانية): الحمل يرث ان سقط حيا وتعتبر حركة الاحياء كالاستهلال، والحركات الارادية، دون التقلص.

(الثالثة): قال الشيخ: يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا.

ولو كان ذو فرض أعطوا النصيب الادنى.

(الرابعة): يرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالاب.

(الخامسة): اذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا ولم يكلف أحدهما البينة.

(السادسة): المفقود يتربص بماله.

وفى قدر التربص روايات: أربع سنين، وفي سندها ضعف.

وعشر سنين وهي في حكم خاص.

وفي ثالثة يقتسمه الورثة اذا كانوا ملاء، وفيها ضعف أيضا.

وقال في الخلاف حتى يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، وهو أولى في الاحتياط وأبعد من التهجم على الاموال المعصومة بالاخبار الموهومة.

(السابعة): لو تبرأ من جريرة ولده و ميراثه، ففي رواية يكون ميراثه للاقرب إلى أبيه، وفي الرواية ضعف.

(الثاني): في ميراث الخنثى: من له فرج الرجال والنساء يعتبر بالبول، فمن أيهما سبق يورث عليه.

فان

٢٦٨

بدر منهما قال الشيخ: يورث على الذي ينقطع منه أخيرا، وفيه تردد.

وإن تساويا، قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة، وقال المفيد وعلم الهدى: تعد أضلاعه.

وقال في النهاية والايجاز والمبسوط: يعطى نصف ميراث رجل ونصف امرأة، وهو أشهر.

ولو اجتمع مع الانثى ذكر وانثى، قيل: للذكر أربعة، وللخنثى ثلاثة وللانثى سهمان.

وقيل: تقسم الفريضة مرتين فتفرض مرة ذكرا ومرة انثى ويعطى نصف النصيبين وهو أظهر.

مثاله خنثى وذكر تفرضهما ذكرين تارة وذكرا وأنثى أخرى، وتطلب أقل مال له نصف ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف، فيكون اثنا عشر فيحصل للخنثى خمسة وللذكر سبعة.

ولو كان بدل الذكر انثى حصل للخنثى سبعة وللانثى خمسة.

ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ثم ضربت فخرج نصيب الزوج أو الزوجة في تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح.

ومن ليس له فرج النساء ولا الرجال يورث بالقرعة.

ومن له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ أو يصاح به، فان انتبه أحدهما فهما اثنان.

(الثالث): في الغرقى والمهدوم عليهم: وهؤلاء يرث بعضهم إذا كان لهم أو لاحدهم مال وكانوا يتوارثون واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر.

وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد.

ومع الشرائط يورث الاضعف أولا، ثم الاقوى، ولا يورث مما ورث منه.

وفيه قول آخر.

والتقديم على الاستحباب على الاشبه.

فلو غرق أب وابن، ورث الاب أولا نصيبه، ثم ورث الابن من أصل تركة

٢٦٩

أبيه مما لا ورث منه، ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه.

ولو كان لاحدهما وارث اعطي ما اجتمع لدى الوراث لهم، وما اجتمع للآخر للامام.

ولو لم يكن لهما غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر ثم منهما إلى الامام.

واذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم، كأخوين، فان كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ثم منهما إلى ورثتهما.

وإن كان لاحدهما مال صار ماله لاخيه، ومنه إلى ورثته ولم يكن للآخر شئ ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال إلى الامام.

ولو ماتا حتف أنفهما لم يتوارثا، وكان ميراث كل منهما لورثته.

(الرابع): في ميراث المجوس: وقد اختلف الاصحاب فيه.

فالمحكي عن يونس أنه لا يورثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب.

وعن الفضل بن شاذان: أنه يورثهم بالنسب، صحيحه وفاسده.

والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيدرحمه‌الله .

وقال الشيخ: يورثون بالصحيح والفاسد فيهما.

واختيار الفضل أشبه.

ولو خلف أما هي زوجة، فلها نصيب الام دون الزوجة.

ولو خلف جدة هي أخت ورثت بهما.

ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت، لانه لا ميراث للاخت مع البنت.

٢٧٠

خاتمة في حساب الفرائض مخارج الفروض ستة: ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا.

فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة.

والفريضة إما بقدر السهام أو أقل أو أكثر: فما كان بقدرها فان انقسم من غير كسر وإلا فاضرب عدد من انكسر عليهم في أصل الفريضة مثل: أبوين وخمس بنات، تنكسر الاربعة على الخمسة، فتضرب خمسة في اصل الفريضة فما اجتمع فمنه الفريضة، لانه لا وفق بين نصيبهن وعددهن.

ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد لا من النصيب في اصل الفريضة مثل: أبوين وست بنات، للبنات أربعة، وبين نصيبهن وهو أربعة وعددهن وهو ستة، وفق، وهو النصف فيضرب الوفق من العدد وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو ستة فما اجتمع صحت منه.

ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول ويدخل النقص على البنت أو البنات أو من يتقرب بالاب والام، أو الاب، مثل: ابوين، وزوج وبنت.

فللابوين السدسان وللزوج الربع، والباقي للبنت.

وكذا الابوان أو أحدهما، وبنت او بنات وزوج، النقص يدخل على البنت او البنات، واثنان من ولد الام والاختان للاب والام أو للاب مع زوج أو زوجة يدخل النقص على من يتقرب بالاب والام، أو الاب خاصة.

ثم ان انقسمت الفريضة على صحة والا ضربت سهام من انكسر عليهم.

في أصل الفريضة.

٢٧١

ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام دون غيرهم.

ولا تعصيب.

ولا يرد على الزوج والزوجة، ولا على الام مع وجود من يحجبها، مثل أبوين وبنت.

فاذا لم يكن حاجب فالرد أخماسا.

وان كان حاجب فالرد ارباعا تضرب فخرج سهام الرد في أصل الفريضة فما اجتمع صحت منه الفريضة.

تتمة في (المناسخات) ونعني به أن يموت الانسان فلا تقسم تركته، ثم يموت أحد وراثه ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد.

فان اختلف الوارث او الاستحقاق اوهما ونهض نصيب الثاني بالقسمة على وراثه والا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى، ان كان بين الفريضتين وفق.

وان لم يكن فاضرب الفريضة الثانية في الاولى فما بلغ صحت منه الفريضتان.

٢٧٢

كتاب القضاء والنظر في الصفات، والآداب، وكيفية الحكم، وأحكام الدعوى

والصفات ست: التكليف، والايمان، والعدالة، وطهارة المولد، والعلم، والذكورة ويدخل في العدالة اشتراط الامانة والمحافظة على الواجبات.

ولا ينعقد الا لمن له أهلية الفتوى، ولا يكفيه فتوى العلماء.

ولابد أن يكون ضابطا، فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء.

وهل يشترط علمه بالكتابة؟ الاشبه: نعم، لاضطراره إلى ما لا يتيسر لغير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا بها، ولا ينعقد للمرأة.

وفي انعقاده للاعمى تردد، والاقرب: أنه لا ينعقد لمثل ما ذكرناه في الكتابة وفي اشتراط الحرية تردد، الاشبه: أنه لا يشترط.

ولا بد من اذن الامام ولا ينعقد بنصب العوام له.

نعم لو تراضى اثنان بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم.

ومع عدم الامام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيتعليهم‌السلام ، الجامع للصفات.

وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق بنفسه، وربما وجب النظر الثاني في الآداب: وهي مستحبة ومكروهة.

فالمستحب: اشعار رعيته بوصوله ان لم يشتهر خبره.

والجلوس في قضائه مستدبر القبلة، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس وودائعهم.

والسؤال عن أهل السجون واثبات أسمائهم، والبحث عن موجب اعتقالهم ليطلق من يجب اطلاقه، وتفريق الشهود عند الاقامة، فانه اوثق، خصوصا في موضع الريبة.

٢٧٣

عدا ذوي البصائر، لما يتضمن من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه(١) في المسائل المشتبهة.

والمكروهات: الاحتجاب وقت القضاء، وان يقضي مع ما يشغل النفس، كالغضب، والجوع، والعطش، والغم، والفرح، والمرض، وغلبة النعاس، وأن يرتب قوما للشهادة، وأن يشفع إلى الغريم في اسقاط أو ابطال.

مسائل: (الاولى): للامام أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق، ولغيره في حقوق الناس، وفي حقوق الله قولان.

(الثانية): إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وان عرف فسقهما اطرح، وإن جهل الامرين، فالاصح: التوقف حتى يبحث عنهما.

(الثالثة): تسمع شهادة التعديل مطلقة، ولا تسمع شهادة الجرح الا مفصلة.

(الرابعة): اذا التمس الغريم احضار الغريم وجب اجابته ولو كان امرأة ان كانت برزة.

ولو كان مريضا او امرأة غير برزة استناب الحاكم من يحكم بينهما.

(الخامسة): الرشوة على الحاكم حرام وعلى المرتشي اعادتها.

النظر الثالث في كيفية الحكم، وفيه مقاصد: (الاول): في وظائف الحاكم، وهي أربع: (الاولى): التسوية بين الخصوم في السلام، والكلام، والمكان، والنظر، والانصات، والعدل في الحكم.

ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.

(الثانية): لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهره على خصمه.

٢٧٤

(الثالثة): اذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، او ان كنتما حضرتما لشئ فاذكراه او ما ناسبه.

(الرابعة): اذا بدر أحد الخصمين سمع منه.

ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه او حكومته.

ولو ابتدرا الدعوى.

سمع من الذي عن يمين صاحبه.

وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعى من يخرج اسمه.

المقصد الثاني - في جواب المدعى عليه.

وهو إما اقرار، او انكار، او سكوت.

أما الاقرار فيلزم إذا كان جائز الامر، رجلا كان او امرأة.

فان التمس المدعي الحكم به حكم له.

ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه او يشهد بذلك عدلان إلا أن يقنع المدعي بالحلية.

ولو امتنع المقر من التسليم أمر الحاكم خصمه بالملازمة، ولو التمس حبسه حبس.

ولو ادعى الاعسار كلف البينة، ومع ثبوته ينظر.

وفي تسليمه إلى الغرماء رواية، وأشهر منها: تخليته.

ولو ارتاب بالمقر توقف في الحكم حتى يستبين حاله.

وأما الانكار فعنده يقال للمدعي: ألك بينة؟ فان قال: نعم، امر باحضارها فاذا حضرت سمعها. ولو قال: البينة غائبة، اجل بمقدار احضارها.

وفي تكفيل المدعى عليه تردد، ويخرج من الكفالة عند انقضاء الاجل.

وإن قال: لا بينة، عرفه الحاكم أن له اليمين. ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعي.

فان تبرع او احلفه الحاكم لم يعتد بها، واعيدت مع التماس المدعي.

ثم المنكر: إما أن يحلف او يرد او ينكل، فان حلف سقطت الدعوى، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة.

ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه.

ولو

٢٧٥

أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.

ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته.

فان رد اليمين على المدعي صح.

فان حلف استحق.

وان امتنع سقطت دعواه.

ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر، قضي عليه بالنكول، وهو المروي.

وقيل: يرد اليمين على المدعي، فان حلف ثبت حقه، وان نكل بطل.

ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت اليه.

ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت يستحلف على بقائه في ذمته استظهارا.

وأما السكوت: فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره او انكاره.

ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد.

ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.

المقصد الثالث - في كيفية الاستحلاف: ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا، لكن ان رأى الحاكم احلاف الذمي بما يقتضيه دينه اردع جاز.

ويستحب للحاكم تقديم العظة.

ويجزيه ان يقول: والله ماله قبلي كذا.

ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان.

ولا تغليظ لما دون نصاب القطع.

ويحلف الاخرس بالاشارة، وقيل: يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف وقيل: يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد اعلامه فان شربه كان حالفا وإن امتنع الزم الحق.

ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه إلا معذورا كالمريض، او امرأة غير برزة.

٢٧٦

ولا يحلف المنكر إلا على القطع.

ويحلف على فعل غيره على نفي العمل كما لو ادعى على الوارث فأنكر، او ادعى أن يكون وكيله قبض او باع.

واما المدعي ولا شاهد له، فلا يمين عليه إلا مع الرد او مع نكول المنكر على قول.

ويحلف على الجزم.

ويكفي مع الانكار الحلف على نفي الاستحقاق.

فلو ادعى المنكر الابراء او الاداء انقلب مدعيا.

والمدعي منكرا، فيكفيه اليمين على بقاء الحق.

ولا يتوجه على الوارث بالدعوى على موروثه الا مع دعوى علمه بموجبه أو إثباته وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.

ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة.

ولا يتوجه بها يمين على المنكر.

ولو ادعى الوارث لموروثه مالا سمع دعواه سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن.

ويقضى بالشاهد واليمين في الاموال والديون.

ولا يقبل في غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.

ويشترط شهادة الشاهد أولا، وتعديله.

ولو بدأ باليمين وقعت لاغية.

ويفتقر إلى اعادتها بعد الاقامة.

ولا يحلف مع عدم العلم ولا يثبت مال غيره(١) .

مسألتان: (الاولى): لا يحكم الحاكم باخبار لحاكم آخر، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره.

نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم واشهد على نفسه فشهد شاهدان

____________________ ___

(١) إي: مال لغيره.

وفى الشرح الكبير: فلو ادعى غريم الميت مالا له (للميت) على آخر مع شاهد فان حلف الوارث ثبت وان امتنع لم يحلف الغريم ولا يجبر الوارث عليه.. لان يمينه لاثبات مال الغير.

(*)

٢٧٧

يحكم عند آخر وجب على المشهود عنده انفاذ ذلك الحكم.

(الثانية): القسمة تميز الحقوق ولا يشترط حضور قاسم بل هو أحوط فاذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة.

وكل ما يتساوى اجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة، والشعير، وكذا ما لا يتساوى أجزاؤه اذا لم يكن في القسمة ضرر.

كالارض، والخشب.

ومع الضرر لا يجبر الممتنع.

المقصد الرابع - في الدعوى.

وهي تستدعي فصولا: (الاول) في المدعي: وهو الذي يترك لو ترك الخصومة.

وقيل: هو الذي يدعي خلاف الاصل او امرا خفيا.

ويشترط التكليف، وان يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وايراد الدعوى بصيغة الجزم وكون المدعى به مملوكا.

ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها.

ولو كان دينا والغريم مقر باذل او مع جحوده عليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم.

ولو فات احد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة ولو كان من غير جنس الحق.

وفي سماع الدعوى المجهولة تردد، اشبهه: الجواز.

مسائل: (الاولى): من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضى له به.

ومن هذا ان يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم.

(الثانية): لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرجه البحر فهو لاهله.

وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه، وفي الرواية ضعف.

(الثالثة): روي في رجل دفع إلى رجل دراهم بضاعة يخلطها بماله ويتجر بها، فقال: ذهبت، وكان لغيره معه مال كثير فأخذوا أموالهم، قال: يرجع عليه

٢٧٨

بماله ويرجع هو على اولئك بما أخذوا.

ويمكن حمل ذلك على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه وأذن الباقون.

(الرابعة): لو وضع المستأجر الاجرة على يد أمين فتلفت كان المستأجر ضامنا إلا أن يكون الآجر دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه.

(الخامسة): يقضى على الغائب مع قيام البينة، ويباع ماله، ويقضى دينه ويكون الغائب على حجته، ولا يدفع اليه المال إلا بكفلاء.

(الفصل الثاني): في الاختلاف في الدعوى: وفيه مسائل: (الاولى): لو كان في يد رجل وامرأة جارية فادعى أنها مملوكته وادعت المرأة حريتها وأنها بنتها، فان أقام أحدهما بينة قضي له وإلا تركت الجارية حتى تذهب حيث شاء‌ت.

(الثانية): لو تنازعا عينا في يدهما قضي لهما بالسوية ولكل منهما احلاف صاحبه.

ولو كانت في يد أحدهما قضي بها للمتشبث وللخارج احلافه.

ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضي له، وللآخر إحلافه.

ولو صدقهما قضى لهما بالسوية.

ولكل منهما احلاف الآخر وإن كذبهما أقرت في يده.

(الثالثة): اذا تداعيا خصا قضي لمن اليه القمط(١) وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر، وفي عمرو ضعف.

وعن منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام أن علياعليه‌السلام قضى بذلك، وهي قضية في واقعة.

(الرابعة): إذا ادعى ابوالميتة عارية بعض متاعها كلف البينة وكان كغيره من الانساب.

وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

(الخامسة): اذا تداعى الزوجان متاع البيت فله ما للرجال، ولها ما للنساء وما يصلح لهما يقسم بينهما.

وفي رواية: هو للمرأة وعلى الرجال البينة.

____________________ ___

(١) القمط بالكسر: الحبل الذى يشد به الخص.

(*)

٢٧٩

وفي المبسوط: اذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

(الثالث): في تعارض البينات: يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الاشبه.

ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك وكذا الابتياع.

ولو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما: القضاء للخارج.

ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر، فيكون بينهما نصفين.

ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالاعدل فالاكثر، فان تساويا عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له.

ولو امتنع احلف الآخر.

ولو امتنعا قسم بينهما.

وفي المبسوط: يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق.

ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد.

والاول أشبه.

كتاب الشهادات

والنظر في امور أربعة: (الاول): في صفات الشاهد، وهي ستة: (الاول): البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا.

وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا، وهو شاذ.

واختلفت عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات و محصلها القبول في الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم.

وشرط الشيخ في الخلاف: ألا يفترقوا.

(الثاني): كمال العقل: فالمجنون لا تقبل شهادته.

ومن يناله الجنون أدوارا تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457