مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مفاهيم القرآن4%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 457

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 457 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135437 / تحميل: 5236
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

١

[

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي قام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه، والصّلاة والسّلام على من كلامه، الفصل وحكمه، العدل سيّد المرسلين وأفضل النبييّن محمّد، وآله الطاهرين الذين انتظم بهم عقد الإمامة وتزيَّنت بهم مسند الخلافة.

أمّا بعد:

لقد قام الإسلام على دعائم متينة وأُسس راسخة تمثَّلت في أُصول الدين الّتي من أبرزها التوحيد والمعاد والنبوّة، وهذا ما اتّفق عليه المسلمون بكافّة طوائفهم ونحلهم، فلا يدخل أحد في حظيرة الإسلام إلا إذا آمن بتوحيده سبحانه ذاتاً وفعلاً وعبادة، وآمن بمعاده وأنّه سبحانه يبعث من في القبور، وآمن بنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّها الحلقة الأخيرة من نظام النبوّة التي ترتبط بالسماء.

وثمّة أُصول أُخرى وقعت مثاراً للجدل والنقاش من قِبَل الفرق الإسلاميّة فمنهم من عدّها من جوهر الدين وصميمه، كما أنّ منهم من عدّها من فروع الدين، وهذه كالإمامة والخلافة بعد الرسول فهي عند السنَّة من فروع الدين، لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرع وجود إمام عادل ذي قوة وقدرة وصولة، فتكون الإمامة كالمقدّمة لهذه المسؤولة الخطيرة، ومنهم من يعدّها من أُصول الدين لأنّهم يرون الإمامة منصباً إلهيّاً وأنّ وظيفتها هي استمرار وظائف النبوّة، وإن

٥

كانت النبوة منقطعة بارتحال الرسول لكن الوظيفة بعد باقية.

وكالعدل الّذي اتّفق المسلمون برمّتهم على وصفه سبحانه به، ولكن اختلفوا في مفهوم العدل وحقيقته كما سيوافيك، ولذلك نكرّس جلّ جهودنا على تبيين هذين الموضوعين متمثّلين بقول الصاحب بن عبّاد حيث يقول:

لو شُقّ عن قلبي يُرى وسطَه

سطران قد خُطّا بلا كاتب

العدل والتوحيد في جانب

وحبّ أهل البيت في جانب

ولـمّا كان بين الإمامة والتعرّف على أهل البيتعليهم‌السلام الذين طهرّهم الله، صلة قويمة، أثّرنا فتح باب لبيان سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم.

ومّما تجدر الإشارة إليه أنّ هذه الموسوعة تشكّل الحلقة الأخيرة من سلسلة مفاهيم القرآن، فالواجب يحتّم علينا التنويه بالسير التاريخي للتفسير لدى الإماميّة، وقد ذكرنا من ألوان تفاسيرهم وأسماء كتبهم ما سمح به الوقت، فانّ الإحاطة بها رهن تأليف مفرد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

جعفر السبحاني

قم - مؤسسة الإمام الصادقعليه‌السلام

٢١ شوال ١٤٢٠ ه‍

٦

العدل والإمامة

المقدّمة

إنّ العقيدة الإسلامية تنقسم إلى قسمين:

الأوّل: ما يعرف بأُصول الدين.

الثاني: ما يعرف بأُصول المذهب.

ويراد من الأوّل، الأُصولُ الَّتي اتّفق عليها عامّة المسلمين ولم يخالف فيها أحد، وفي الحقيقة تُناط تسمية الإنسان مسلماً بهذه الأُصول الثلاثة، وهي كالتالي:

أ: التوحيد بمراتبه.

ب: المعاد.

ج: النبوّة العامّة والخاصّة.

وهذه الأُصول الثلاثة قد أشبعنا البحث فيها ضمن أجزاء هذه الموسوعة، بقي الكلام في القسم الثاني، وهو ما يعبَّر عنه بأُصول المذهب، التي هي عقيدة بعض المذاهب الإسلامية وهي اثنان:

أ: العدل

ب: الإمامة.

٧

أمّا الأوّل: فيؤمن به الإماميّة والمعتزلة، ويخالفهما الأشاعرة، وسوف يوافيك تفصيل البحث فيه.

وأمّا الثاني: فهو مما يتميّز به المذهب الإمامي الاثنا عشري عن سائر المذاهب، كما سيوافيك.

وربما يُثار سؤال وهو أنّه كيف يمكن عدّ الأصل الأوّل من خصائص الإمامية والمعتزلة على الرغم من أنّ كافّة الطوائف الإسلامية تصف الله سبحانه بالعدل، ولا نجد بين المسلمين من يقول بأنّ الله ظالم ليس بعادل ؟

والجواب: انّ ما ذكر صحيح، وانّ جميع الفرق تصف الله سبحانه بأنّه عادل لا يجور، غير أنّهم يختلفون في معنى « العدل » وكونه عادلاً لا جائراً.

فالإمامية والمعتزلة أصفقت على أنّ العدل له مفهوم واحد، ومعنى فارد، اتّفق عليه قاطبة العقلاء.

مثلاً: أخذ البريء بذنب المجرم ظلم يتنزّه عنه الله سبحانه، وهكذا، فكلّ ما حكم العقل بفعل أنّه ظلم، فالله سبحانه منزَّه عنه.

وعلى ذلك فالحكم بالعدل وتمييز مصاديقه وجزئياته، وانّ هذا عدل وذاك ظلم كلّها ترجع إلى العقل.

وأمّا الأشاعرة فهم وإنْ يصفون الله سبحانه بالعدل، لكنّهم لا يحدّدون العدل، بمفهوم واضح، بل يوكلون ذلك إلى فعل الله سبحانه، وأنّ كلّ ما صدر منه فهو عدل، وكلّ ما نهى عنه فهو ظلم، وبذلك أقصوا العقل عن القضاء في ذلك المقام.

وبعبارة أُخرى: إنّ الشيعة والمعتزلة يرون أنّ للعدل والظلم ملاكاً عند

٨

العقل، وبه يتميز أحدهما عن الآخر، ويوصف الفعل بالعدل أو الظلم، ولكن الأشاعرة ينكرون ذلك الملاك، ويرون أنّ أفعاله سبحانه فوق ما يدركه العقل القاصر.

ولذلك كلّ ما يصدر منه فهو عدل، محتجّين بقوله سبحانه:( لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) .١

وعلى ضوء ذلك يتبين أنّ وحدة الفرق الإسلامية في وصفه سبحانه بالعدل وحدة صورية، وإلّا فالملاك عند الفرقتين للعدل غير ملاكه عند الأشاعرة. فلو أمر سبحانه بتعذيب الأنبياء والأولياء والصدّيقين فهو عند الأشاعرة عدل لا مانع من صدوره عنه، ولكنّه عند غيرهم أمر قبيح لا يصدر منه سبحانه. وهو وإن كان متمكناً من ذلك العمل وقادراً عليه لكن حكمته سبحانه تحول دون ارتكابه.

هذا كلّه حول العدل.

وأمّا الإمامة: فيثار حولها نظير السؤال السابق، فالمسلمون قاطبة يؤمنون بأصل الإمامة وأنّه لابدّ للمسلمين من إمام يأتمّون به، ولكنّهم اختلفوا في خصوصياتها، فهل الإمامة منصب إلهي كالنبوّة لا يناله إلّا الأمثل فالأمثل من الأُمة، ولا يمكن الوقوف على القائم بأعباء الإمامة إلّا من خلال نصبه سبحانه ؟

أو انّه منصِبٌ بشري ومقام اجتماعي يقوم بأعبائه من تُعيّنه طائفة من الأُمّة ؟ وبذلك تختلف وجهة النظر في واقع الإمامة عند الطائفتين.

نبدأ الكلام في الأصل الأوّل من أُصول المذهب، وهو العدل الإلهي.

__________________

١. الأنبياء: ٢٣.

٩
١٠

١١
١٢

الفصل الأوّل

العدل الإلهي في الكتاب العزيز

آيات الموضوع

١.( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) .١

٢.( ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) .٢

٣.( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) .٣

٤.( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .٤

٥.( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ) .٥

٦.( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ) .٦

__________________

١. آل عمران: ١٨.

٢. آل عمران: ١٨٢.

٣. النساء: ٤٠.

٤. التوبة: ٧٠.

٥. النحل: ٣٣ - ٣٤.

٦. المؤمن: ٣١.

١٣

وقبل أن نخوض في تفسير الآيات، نشير إلى مقدمة، وهي:

إنّ العدلية تصف الله سبحانه بالعدل بالمعنى المتفق عليه بين العقلاء، وبرهانها على ذلك هو أنّ العقل قادر على تمييز الحسن عن القبيح، والعدل عن الظلم، والله سبحانه بما أنّه حكيم لا يجور أبداً، فهاهنا دعويان:

الأُولى: انّ العقل له القابلية على تمييز الحسن عن القبح، وأنّ التحسين والتقبيح من الأُمور المنوطة بقضاء العقل.

الثانية: إذا تبيَّن أنَّ العدل حسن والظُّلم قبيح فالله سبحانه موصوف بالعدل، نزيه عن فعل الظلم. وإليك بيان كلا الدعويين.

أمّا الدعوى الأُولى فتدلُّ عليها أُمور:

الأوّل: التحسين والتقبيح من الأُمور البديهية

إنّ التحسين والتقبيح من الأُمور البديهيَّة التي يدركها كلّ إنسان سليم الفطرة، فمثلاً يدرك أنّ العمل بالميثاق حسن، والتخلّف عنه قبيح، أو أنّ جزاء الإحسان بالإحسان جميل، وجزاءه بالسيّء قبيح. وهكذا سائر الأفعال التي توصف بالحسن والقبح.

وموضوع قضاء العقل بالحسن والقبح هو نفس الفعل بما هوهو، سواء أكان الفاعل واجباً أم ممكناً، خالقاً أم مخلوقاً، فيوصف الفعل من أي فاعل صدر بأحد الوصفين.

وبعبارة أُخرى: كما أنّ مسائل الحكمة النظرية تنقسم إلى نظرية وبديهية، ويستنبط حكم الأُولى من الثانية، ولذلك عدّوا مسألة امتناع اجتماع النقيضين أو

١٤

ارتفاعهما من المسائل البديهية في الحكمة النظرية.

فهكذا الأمر في الحكمة العملية فمسائلها تنقسم إلى بديهية وغير بديهية، ويستنبط حكم الثانية من الأُولى.

والتحسين والتقبيح من المسائل البديهية في الحكمة العملية، وقد حازتا على اهتمام واسع نظراً لدورهما في استنباط سائر مسائل الحكمة العملية.

ولأجل إيضاح المراد نقول: إنّ تحسين بعض الأفعال وتقبيحها من الأُمور البديهية للعقل، ويدلّك على ذلك اتّفاق عامة العقلاء مع اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم على وصف أفعال بالحسن، وأفعال أُخرى بالقبح، نظير:

أ: حسن العدل وقبح الظلم.

ب: حسن العمل بالميثاق وقبح نقضه.

ج: حسن جزاء الإحسان بالإحسان وقبح جزائه بالسيّء.

د: حسن الصدق وقبح الكذب.

ه‍: حسن أداء الأمانة وقبح الخيانة بها.

إلى غيرها من الأُمور التي لا يختلف فيها اثنان، وهذا يدل على أنّ تلك الأفعال موصوفة بالحسن والقبح بالبداهة، وإلّا لما اتفق عليه العقلاء كافة، ولذلك قلنا: إنّ التحسين والتقبيح أمران عقليان.

الثاني: إنكار إدراك العقل يلازم النفي مطلقاً

لقد أنكرت الأشاعرة قابلية إدراك العقل حسنَ الأفعال وقبحها، وذهبوا إلى أنّ القضاء بالتحسين والتقبيح بيد الشرع، فكلّ ما أخبر بحسنه فهو حسن،

١٥

وما أخبر بقبحه فهو قبيح، ولكنّهم غفلوا عن أنّهم بإنكارهم قابلية العقل لإدراك الحسن والقبح، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقاً حتى مع تصريح الشرع، وذلك لأنّه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن شيء وقبحه، فمن أين نعلم أنّه يصدق في أخباره ولا يكذب، والمفروض أنّ العقل عاجز عن درك حسن الأوّل وقبح الثاني ؟ فلا يصحّ إثبات حسن شيء أو قبحه من خلال تصريح الشارع، إلّا أن يثبت قبلاً أنّ الصدق حسن والكذب قبيح، ويثبت أنّه سبحانه نزيه عن فعل القبيح، ولولا هذان الأمران لذهب الإخبار بحسن الشيء أو قبحه سدى.

الثالث: لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة

لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شيء أو قبحه، وذلك لأنّ القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، يقول: إنّ حكمته سبحانه تصدّه عن تزويد الكاذب بالمعجزة، فلو ادّعى رجل النبوة من الله وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته، فهي دليل على صدقه في دعوته.

وأمّا إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحاً على مصراعيه، وليس هنا دليل يردّ هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.

وهذه الأدلّة الثلاثة التي سردناها على وجه الإيجاز، تُشرف القارئ على القطع بأنّ العقل له المقدرة على درك الحسن والقبح. هذا كلّه حول الدعوى الأُولى.

١٦

وأمّا الدعوى الثانية وهي أنّه بعد ما تبيَّن أنّ العدل حسنٌ، والظلم قبيح، فالله سبحانه موصوف بالعدل ومنزّه عن الظلم، وذلك، مضافاً إلى أنَّه سبحانه حكيم، والحكيم يعدل ولا يجور - أنّ الجور رهن أحد أمرين، إمّا الجهل بقبح العمل ، أو الحاجة إليه، والمفروض انتفاء كلا المبدأين عنه سبحانه.

وربما يقال إنّ كون الشيء حسناً أو قبيحاً عند الإنسان لا يلازم كونه كذلك عند الله، فكيف يمكن استكشاف أنّه سبحانه لا يفعل القبيح ؟

والجواب عنه واضح لأنّ المدرَك للعقل هو حسن الفعل على وجه الإطلاق، أو قبحه كذلك، من دون أن تكون للفاعل مدخلية فيه سوى كونه فاعلاً مختاراً، وأمّا كونه واجباً أو ممكناً فليس بمؤثرٍ في قضاء العقل. وعلى ذلك فإذا ثبت كون الشيء جميلاً أو قبيحاً فهو عند الجميع كذلك.

شمولية عدله سبحانه

يظهر من الآية الأُولى أنّ عدله يعمُّ جميع شؤونه، حيث يقول:( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) ١ فقوله:« قائماً » حال من لفظ الجلالة، في قوله: شهد الله، أو الضمير المنفصل، أعني: إلّا هو.

والمتبادر منه أنّه سبحانه يجري العدل في عامة شؤونه في خلقه وتشريعه فهو عادل ذاتاً وفعلاً.

وتشهد على ذلك مضافاً إلى شهادته سبحانه به، شهادة الملائكة وأُولي العلم، فكأنّ الآية تنحل إلى الجمل التالية:

__________________

١. آل عمران: ١٨.

١٧

١. « شهد الله أنّه لا إله إلّا هو قائماً بالقسط ».

٢. « شهدت الملائكة أنّه لا إله إلّا هو قائماً بالقسط ».

٣. « شهد أُولو العلم أنّه لا إله إلّا هو قائماً بالقسط ».

فالآية تدلُّ على شهادته سبحانه على أمرين:١

الأوّل: لا إله إلّا هو، لا نظير له.

الثاني: أنّه قائم بالقسط.

ومن المعلوم أنّ الشهادتين ليستا من مقولة الشهادة اللفظية، وإنّما هي من مقولة الشهادة التكوينية، ففعله سبحانه في عالم الخلقة يدل على أمرين:

الأوّل: لا خالق ولا مدبّر إلّا هو، فانّ اتقان النظام، وسيادته على جميع الكائنات من الذرّة إلى المجرّة، لأوضح دليل على أنّ الخالق والمدبّر واحد، وإلّا لانفصمت عرىٰ الانسجام والاتصال بين أجزاء الكون، وقد أوضحنا في محلّه أنّ تعدّد العلّة واختلاف السببين يستلزم اختلافاً في المسبب، فلا يمكن أن يكون النظام الواحد معلولاً لفاعلين مدبّرين مختلفين في الحقيقة.

الثاني: يشهد فعله سبحانه في عالم التكوين والتشريع أنّه سبحانه عادل وقائم بالعدل.

وأفضل كلمة قيلت في تعريف العدل هي ما روي عن عليٍّعليه‌السلام، حيث قال:

« العدل يضع الأُمور مواضعها ».٢

__________________

١. ما ذكرنا مبنيٌّ على أنَّ قيامه بالقسط منا لمشهود به خلافاً للسيّد الطباطبائي حيث خصَّ الشهادة بالتوحيد.

٢. نهج البلاغة: قسم الحكم، برقم ٤٣٧.

١٨

بيان ذلك انّ لكلّ شيء وضعاً خاصاً يقتضيه إمّا بحكم العقل، أو بحكم الشرع والمصالح الكليّة في نظام الكون، فالعدل هو رعاية ذلك الوضع وعدم الانحراف إلى جانب الإفراط والتفريط.

نعم موضع كلّ شيء بحسبه، ففي التكوين بوجه، وفي المجتمع البشري بوجه آخر، وهكذا. وبلحاظ اختلاف موارده تحصل له أقسام ليس هنا مقام بيانها، إلّا أنّ العدل بالنسبة إلى الله تعالى علىٰ أنحاء ثلاثة:

١. العدل التكويني : وهو إعطاؤه تعالى كلّ موجود ما يستحقه ويليق به من الوجود فلا يهمل قابلية، ولا يعطل استعداداً في مجال الإفاضة والإيجاد.

٢. العدل التشريعي: وهو أنّه تعالىٰ لا يهمل تكليفاً فيه كمال الإنسان وسعادته، وبه قوام حياته المادية والمعنوية الدنيوية، والأُخروية، كما أنّه لا يكلّف نفساً فوق طاقتها.

٣. العدل الجزائي: وهو أنّه تعالى لا يساوي بين المصلح والمفسد، والمؤمن والمشرك، في مقام الجزاء والعقوبة، بل يُجزي كلّ إنسان بما كسب، فيُجزي المحسن بالإحسان والثواب، والمسيء بالإساءة والعقاب، كما أنّه تعالى لا يعاقب عبداً على مخالفة التكاليف إلّا بعد البيان والإبلاغ.

وبذلك تبيَّن معنى الآية، وشهادته سبحانه على كونه قائماً بالقسط في جميع الأنحاء.

وأمّا شهادة الملائكة وأُولي العلم وذلك فبتعليم منه سبحانه.

وأمّا سائر الآيات التي أوردناها في صدر الفصل، فهي غنية عن التفسير، لأنّها بصدد بيان أنّ العذاب في الدنيا والآخرة رهن عمل الإنسان، فلو عُذّب فإنّما

١٩

هو لأجل القبائح والذنوب التي اقترفها، يقول سبحانه:( ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) .١

وقال عزّ من قائل:( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .٢

والله سبحانه لا يظلم عباده ولو جاء العبد بحسنة يضاعفها، كما قال سبحانه:( وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) .٣

ولأجل إيضاح عدله سبحانه في عالم التكوين والتشريع نعطف النظر إلى آيات تدل على ذلك في الفصل التالي.

__________________

١. آل عمران: ١٨٢.

٢. التوبة: ٧٠.

٣. النساء: ٤٠.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457